بيان صحفي بشأن رحيل الأستاذ/ محمد حسنين هيكل
فبراير 18, 2016المؤتمر المشترك بين المجلس المصري للشؤون الخارجية وجامعة الدول العربية حول “الانعكاسات الأمنية الإقليمية للاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة دول الـ (5+1)
فبراير 29, 2016
بدعوة من المجلس بتاريخ 23 فبراير 2016، ألقى السيد/ د. مصطفى عثمان طه، وزير خارجية السودان الأسبق، وعضو البرلمان السوداني، محاضرة بعنوان”العلاقات المصرية– السودانية: آفاق الحاضر والمستقبل”، وذلك بمقر النادي الدبلوماسي المصري، حضرها لفيف من أعضاء المجلس، ونخبة من الدبلوماسيين والمثقفين والأكاديميين المصريين والسودانيين منهم، السيد/ عبد المحمود عبد الحليم، السفير السوداني بالقاهرة،والسفير/ د. منير زهران، رئيس المجلس بالإنابة، والسفير/ د. عبد الرؤوف الريدي، الرئيس الشرفي للمجلس ، والسفير/ د. عزت سعد، مدير المجلس وآخرين.
وفي بداية حديثه، أكد د. مصطفى عثمانعلى وجود عاطفة قوية تجمع شمال وجنوب الوادي، وأن مصر عمرها الحضاري أكثر من سبعة آلاف سنة والسودان امتداد لهذه الحضارات، وأن ما تشهده العلاقات المصرية– السودانية في الفترة الحالية يختلف عن السابق نتيجة المستجدات على الوضع الإقليمي في المنطقة العربية.
واستعرض د. مصطفىعثمان في هذه الندوة عدة محاور جاءت على النحو التالي:
-
المتغيرات العالمية وتأثيراتها على مصر والسودان.
-
المتغيرات الإقليمية وتأثيراتها على مصر والسودان.
-
تحديات العلاقات المصرية– السودانية.
-
واختتم كلمته بعدد من التوصيات والمقترحات؛
أولاً: المتغيرات العالمية وتأثيراتها على مصر والسودان:
أصبح العالم كيانًا واحدًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانتهاء القطبية الثنائية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وقد حدثت تغيرات عدة، ففي السابق مسألة الديمقراطية لم تكن بذات الاهتمام الموجود بعد الحرب الباردة، وفي عصر ما بعد الحرب الباردة فُتح المجال لهيمنة أمريكا مقابل حقوق الإنسان.في حين هيمن الاقتصاد الحر على الأسواق العالمية بعد زوال الفكر الاقتصادي الاشتراكي، والذي طبق في مصر والسودان، والآن لم يعد بالإمكان بناء الاقتصاد المصري والسوداني على أنقاض الاقتصاد الاشتراكي.
هذا فضلاً عن زيادة التدخل في شؤون الدول الداخلية، وتقلُّص السيادة القطرية، و تم تقنين التدخل في شؤون الدول الداخلية عبر مواثيق وقوانين دولية تصدر من منظمات دولية كبرى، فهناك تدخلات في دولنا القطرية، وكذلك قضايا استجدت بعيدًا عن الحدود والصراعات الإقليمية والإثنية، مثل قضايا الإرهاب والتي صارت تحتاج درجة من التعاون والتنسيق نظرًا للتهديد المباشر لها على استقرار الدول، مثل جماعة بوكو حرام وتهديدها للسودان، وداعش والقاعدة وتهديدهم لمصر، فمجموعات التطرف والإرهاب صارت قضايا عالمية.
بالإضافة إلى ما سبق، فقد ظهرت تكتلات وتحالفات في المنطقة وهذا يصعب على الدول القطرية العودة إلى مبدأ (عدم الانحياز)، فآخرها عاصفة الحزم واستبشر البعض بها خيرًا كبديل للدفاع العربي المشترك والبعض رآه تجمعًا إسلاميًا لمحاربة الإرهاب وضروري أن ندرس تلك التحالفات وفوائدها.
مع استمرار سيطرة القطب الواحد، فإن الولايات المتحدة باتت مهددة بانتهاء سطوتها العالمية نظرًا لوجود مؤشرات نحو عالم متعدد الأقطاب متمثلة في “البريكس”حيث لها إنتاج كلي وأسواق خارجية ولها مواقف سياسية وقدرات عسكرية، والصين متوقع وصولها للقوة الاقتصادية الأولى، ودور روسيا في سوريا يقلل من شأن الولايات المتحدة في هذا الصراع السوري المستمر قرابة الأربعة أعوام، ومن هنا فإن الولايات المتحدة ستحارب لأجل إبقاء قطبيتها الأولى ولكن علينا الاستعداد لعالم متعدد الأقطاب.
أيضًا هناك تدخلات في الأمن القومي العربي من قوى إقليمية مثل إسرائيل وإيران وتركيا، واستطاعت تلك القوى التمدد في ظل غياب نفوذ عربي، وهذا لم يوجد منذ عقود من الزمان. وبعد مرور مائة عام على (اتفاقية سايكس– بيكو)، فإننا في غفلة من إمكانية إحداث تغيير في تلك الخطة، رغم أن المثقفين الغربيين يرون أن “سايكس – بيكو” جديدة يتم صياغتها، تبعًا لكتاب قد صدر مؤخرًا واسمه (لا توقفوا القتال) ومعه خارطة لشرق أوسط مفتت، والذي نشهده يؤكد ما درسناه.
وفيما بعد قيام ثورات الربيع العربيتزايدت الآمال ولكن مع فشلها في تحقيق مطالب الشعوب العربية، فقد أحبطت الشباب والكثيرين، وهناك مقولة (ربيع عربي لإسرائيل) ولا أحد يعيش سواها هذا الربيع، ويتصور د/ مصطفى عثمان رئيس وزراء إسرائيل “بنيامين نتنياهو” متعجبًا مما يحدث في المنطقة العربية بأسرها.
إن انتشار حركات التطرف والإرهاب في الشرق الأوسط في ليبيا وسوريا واليمن والعراق قد جعل من القتل غاية، فصرنا أمام قتل (بالهوية) كما في العراق، وقتل (بالديانة والتبعية) كما هو الحال أيضًا في العراق واليمن، وصارت الحالة العربية الآن أمام (فوضى غير خلاقة)، وقد حدث تراجع في القضية الفلسطينية، والتي كانت الجامع الأول للدول العربية، فالسودان التي كانت بكافة أطيافها تساند القضية الفلسطينية قد صارت الآن بعيدة كل البعد عن تفاصيل القضية الفلسطينية، بل يعد الاهتمام بتلك القضية من قبيل الترف الذهني أحيانًا.
هذا وقد ضعفت القدرة التحليلية على رؤية مستقبل الأمن القومي العربي بمفهومه وتطبيقه، ويجب أن تتم مراجعة وضع الأمن العربي قبل أن يتم طرح أي رؤية له، فعدم وجود تلك الرؤية أدى إلى إعادة هيكلة كاملة لقوة عربية مشتركة في الجامعة العربية، وقد فشلت الجامعة العربية في حماية العالم العربي من بعض التدخلات، ولا يمكن إلقاء اللوم على الأمانة العامة للجماعة العربية لأنها في النهاية تتكون من كافة الدول العربية.
وأخيرًا أصبحت الدولة القطرية هي الشاغل الأول لكافة الدول العربية بعد حرب الكويت، فيما كانت إيران وإسرائيل قد طرحتا استراتيجية خاصة بهما لخدمة أهدافهما في منطقة الشرق الأوسط، بعيدًا عن العالم العربي المنشغل بقضايا أمنه القومي وسيادته القطرية.
ثانيًا: المتغيرات الإقليمية وتأثيراتها على مصر والسودان:
نشأت العلاقات المصرية–السودانية منذ قديم الأزل وقد أسماها الفراعنة (أرض الأرواح)، واستمرت هذه العلاقة والنيل هما الموحّدة لعلاقات البلدين، وقد كانت دولة السودان قديمًا عبارة عن مجموعة ممالك والتي وحّدها محمد علي عام 1821م، واستمرت علاقات مصر والسودان حتى انفصل السودان عام 2011م إلى دولتين.
وفي هذا الصدد،تجب الإشارة إلى أن أفضل وثيقة لتكامل مصر والسودان صدرت في عهد الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، والرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري، وقد كانت في إطار سياسي واقتصادي ولمدة عقد من الزمان، وقد كان السفر بين القاهرة والخرطوم متيسرًا بأسعار زهيدة، والآلاف من الطلاب السودانيين كانوا يدرسون في مصر حتى ثورة إبريل والديمقراطية الثالثة في السودان، وأتى صادق المهدى إلى الحكم وطرح (ميثاق الإخاء) وتوترت العلاقات بين مصر والسودان منذ ذلك الحين.
ثالثًا: تحديات العلاقات المصرية السودانية:
كانت العلاقات المصرية- السودانية جيدة، وعندما حدثت أزمة حلايب وشلاتين في الماضي، فإن “عبدالله خليل” رئيس السودان آنذاك، والرئيس المصري جمال عبد الناصر قد تداركا الموقف بحنكة، وظلت العلاقات المصرية في حالتي صعود وهبوط، وأكد د.عثمان أن أوضاع العالم العربي الحالية، وإن كانت تنم عن نسيان الحلم العربي، فإنه يؤمن بالتوحُّد العربي يومًا ما.
ثم عرض د. عثمان لأهم القضايا المطلوب معالجتها للاستقرار:
-
أزمات الحدود بين مصر والسودان، يؤمن د. عثمان بالوحدة والخصوصية في العلاقات المصرية – السودانية في علاقات البلدين، مع رفضه التام لجعل تلك العلاقات بمثابة جدار في دراسة بعض الأمور بدقة. فإبان عهد الرئيس السوداني السابق “عبدالله خليل” بدأت أزمة حلايب وشلاتين، وقد تعامل الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر مع الأزمة بسحب جنوده لحل الأزمة، ومنذ تلك الحادثة بدأ الخلاف على هذا المثلث فأصبح أحد الأزمات، وهو محل نزاع حدودي لكبر مساحة حلايب فقد كان الاهتمام بها نظرًا لثرواتها الاستراتيجية، وقد خلّف الاستعمار في دول موجة الديمقراطية الثالثة العالمية كما أسماها “صامويل هنتنجتون”العديد من الأزمات، منها خلافات ترسيم الحدود، ويجب أن تحل في إطار القانون الدولي والتقاضي لا أن يكون الخيار العسكري مطروحًا من الأساس.
-
نزاع حلايب وشلاتين لا يجب تصعيده سياسيًا وقانونيًا، ولكن يجب حله في إطار العلاقات الودية بين مصر والسودان. وأسهب د. عثمان في الشرح موضحًا أنه قدّم ورقة مقترحات للرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، مؤكدًا له فيها على عدم احتياج السودان لحلايب، وإنما مصر هي التي بحاجة إليها، والسودان لن ترفض هذا الطلب، ولكن دون استعراض للقوة من الجانب المصري في سحب حلايب وشلاتين من السودان. ورد مبارك بطلب ورقة تكاملية لمقترحات د. عثمان، وقد كان فيها إلغاء الحدود بين البلدين في منطقة مثلث حلايب وشلاتين، جعلها محل استثمار للطرفين، آليات تحقيق الحريات الأربعة (التنقل– الإقامة– التملك– العمل)، وعند توقيع الاتفاقية تحفّظ الموقف المصري، وأكد عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصرية السابق أن مشكلة دارفور في أوجّها، ويجب علاج دارفور، وبدأنا تنفيذه من طرف واحد، ولأول مرة هناك عشرات من الاستثمارات المصرية في السودان، وهناك طرق برية مُهّدت بين مصر والسودان، ومصر لم توقّعها و هذا جعل السودان لا يلتزم بتطبيق مسألة الحريات الأربعة، وتساءل اللواء سليمان عن جدواها، وأخيرًا تعالج أزمات الحدود في إطار تكاملي والرئيس السيسي والبشير جعلوا القضايا محل الخلاف جانبًا بعد خلق أجواء مواتية لعلاجها.
-
سد النهضة،وهو الذي يمر عبره نهر النيل المتدفق من أدغال أفريقيا شمالاً إلى دلتا مصر جنوبًا، ويمر بالعديد من المناخات المختلفة في أفريقيا. وفي هذه الأجواء، طرحت إثيوبيا بناء سد النهضة، وقد توافق موقف السودان وإثيوبيا تجاه هذه القضية، وإن كانت الخرطوم قد قدمتبعض الأفكار لتجاوز مشكلات السد، حتى بات بناؤه حقيقة والإعلان عن انتهائه في 2017م، وهذا يحتاج منا لوقفة، لا يزال السودان عند نقطة الصفر وهو بحاجة لوقفة، وتحتاج مصر للنظر في العلاقة من إطار المتغير الإقليمي خاصة وأن ما يجري في ليبيا وجنوب السودان يؤثر تأثيرًا مباشرًا على مصر والسودان.
المقــترحات:
-
الإبقاء على هذه العلاقة والدفع بها للأمام في ظل ما يواجهه البلدان، وأن يعمل وزيرا الخارجية في البلدين على حل الأزمة وفق قاعدة المصالح المشتركة بين البلدين.
-
في الجانب الشعبي تؤثر جهات شعبية في مؤسسات المجتمع المدني، ويقوم على كاهل المجلس المصري للشؤون الخارجية والسوداني مسئوليات تطوير العلاقات بين البلدين.
-
تأسيس لجنة للعلاقات الخارجية في المجلسين برئاسة وزيري الخارجية المصري ونظيره السوداني لتنسيق المواقف المشتركة.
-
تأسيس لجنة لوزراء الثقافة والرياضة والشئون الاجتماعية، ترعى الشباب والرياضة وتجتمع بطريقة منتظمة.
-
على المستوى الإقليمي، يجب أن ننشر الوعي في البلدين بأهمية إثيوبيا للمنطقة الأفريقية، خاصة وأن بها نسبة كبيرة من المسلمين وبها مجتمعات عربية، وهي تمتاز بالنمو الاقتصادي، وتلك المتغيرات يجب دراستها بعين الاعتبار حتى يتم اتخاذ قرارات ملائمة دون تجني.
-
إيجاد ميثاق شرف إعلامي، فلولا أن السيسي والبشير كانا على ميثاق شرف ورعوا الاتفاق لما استمررنا في بث إيجابيات العلاقات المصرية– السودانية، ومن هنا لابد من جعل التعاون الثنائي بين البلدين عن تراضٍ.
-
إيجاد آلية من المجلسين من أجل إقامة ندوات مشتركة، تقدم لذوي الشأن في الأجهزة التنفيذية والتشريعية.
-
إنهاء توترات الشعوب وملء حالة الفراغ في العلاقات المصرية– السودانية.
مداخلات الحضور:
وجه السفير/ عبد المحمود عبد العليم (سفير السودان في القاهرة) الشكر للدكتور مصطفى عثمان،على الندوة القيمة التي شملت جوانب عديدة تخص العلاقات المصرية –السودانية في الماضي والحاضر، و تطلّع السفير عبد العليم إلى زيادة التعاون الاستراتيجي بين البلدين فيما يخص أزمة سد النهضة، وأن يتم تطبيق إعلان المبادئ و البدء في تنفيذه للانتهاء من تلك الأزمة، و تطبيق المشاريع الإنمائية في دول حوض النيل وخاصة السودان.
أكدت السفيرة/ منى عمر (عضو مجلس إدارة المجلس المصري للشؤون الخارجية)، أن السودان يحاول تقريب وجهات النظر بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، وشددت على ضرورة وقوف السودان مع مصر باعتبارهما دولتين متضررتين من بناء السد، كما أكدت على تبعية منطقة حلايب وشلاتين الجغرافية والتاريخية لمصر، وطالبت بضرورة إنهاء الخلاف حول هذه المنطقة بين البلدين الشقيقين.
وقد ذكر د. عثمان أن قضية حلايب “تظل شوكة في العلاقات بين البلدين”، وأضاف أن حل هذه المشكلة إما أن يكون بالحوار أو بالتحكيم، وأنه بالرغم من ذلك لن تشكل هذه المشكلة رغم حساسيتها الشعبية–على حد وصفه– عائقًا أمام تطوير العلاقات بين البلدين.
وصف السفير/ محمد العرابي (وزير الخارجية المصري الأسبق) العلاقات بين البلدين بالوثيقة، وأنها علاقات سطرها التاريخ، وأرستها العوامل الجغرافية، فهي علاقات ممتدة ولاتزال عبر العصور، ومصر لا تشكل تحالفًا ضد أي دولة شقيقة، ونصرعلى التعاون بين دول حوض النيل بعيدًا عن المواجهة المرفوضة، بالإضافة إلى سعى مصر لتحقيق التكامل مع السودان في كافة المجالات، لافتًا إلى أن العلاقات المصرية– السودانية لن يُسمح بالنيل منها سواء من داخل البلدين أو من خارجها.
من جانبه، تساءل السفير/ محمد أنيس سالم عضو المجلسعن مدى جدية التعاون المصري – السوداني في القضايا التي تمس البلدين، خاصة وأن مصر والسودان تربطهما علاقات تاريخية طويلة الأمد كما ذكرها د. عثمان في ندوته، وقد أجاب د.عثمان بأنه بالفعل هناك بعض المشكلات التي تحد من انطلاق العلاقات الاقتصادية، والمبادلات التجارية بين البلدين، فهناك عوائق بمثابة (مؤشرات سلبية) للقطاع الخاص في مصر، ومنها مشكلة تحويل أرصدة وأرباح شركة مصر للطيران الموجودة لدى البنوك السودانية بالعملة المحلية، والحاجة لتفعيل الشراكة المصرية– السودانية للتكامل الزراعي.