مائدة مستديرة حول “مأساة الأيزيديين على يد عصابات داعش ومعاناة النازحين”
مارس 26, 2017مشاركة السفير د. عزت سعد في الدورة الأولى لمؤتمر الاستثمار الصناعي والتجاري لتجمع دول “حزام وطريق الحرير”
أبريل 2, 2017فى إطار اهتمام المجلس بقضية مياه نهر النيل وأبعادها المختلفة، باعتبارها أحدى أهم القضايا التي جاءت على قمة أولويات الأجندة المصرية في الفترة الأخيرة، نظّم المجلس، بتاريخ 30 مارس 2017، محاضرة تحدث فيها السفير/ د. محمد حجازى، تحت عنوان “نهر النيل وآفاق التعاون”. تناول فيها وجهات نظره بشأن قضايا ثلاث:
-
التعريف الجغرافي لنهر النيل و السمات الرئيسية لحوضه.
-
الفرص و التحديات (التنمية المتكاملة).
-
حل مقترح للأزمة (أتفاق عنتيبى).
و نوه السفير حجازي ، في تقديمه لمحاضرته، الى أن نهر النيل شريان الحياة فى مصر و قدسه المصريون منذ القدم ، ووصف هيرودوت مصر بأنها “هبة النيل”، وبالفعل النهر الخالد هو حقيقة جغرافية ووجودية، يرتبط بها منذ الأزل هذا الوطن الجميل والأرض الطيبة والشعب الأعرق. و أضاف أن النهر علم المصريين حساب الأيام والشهور والسنين، وعوّدهم على حياة النظام والكفاح ومواجهة خطر الطبيعة عند مقدم الفيضانات، وهو باعث وحدة دلتا الوطن وصعيده، ومنشأ للحضارة بما حمله عبر قرون من الخير والنماء، فكان وسيلة للانتقال والسفر، ومنه تعلمنا مشروعات الري والزراعة وشق الترع وإقامة السدود، كتب المصري القديم أن من يلوث ماء النيل سيصيبه غضب الآلهة، وارتبط النيل بعدد من الأرباب والربات منحوا النيل صفة القداسة وأسموه “حابي”، وأطلقوا عليه عدة صفات منها رب الرزق العظيم – رب الأسماك – واهب الحياة– جالب الخير – وخالق الكائنات.
بعد هذا التقديم عرض السفير حجازي للآتي:
أولًا: التعريف الجغرافي لنهر النيل
تكمن في الجغرافيا مفاتيح فهم معظم الأوضاع السياسية والبنية القانونية قيد البحث الآن بين دول الحوض، فالسمات الجغرافية ترد على العديد من الاستفسارات الراهنة، وتشرح حتى الأنظمة الاجتماعية والثقافية القائمة في الحوض الواحد. ولتوضيح الفكرة أستشهد بمقولة نابليون بونابرت “أن سياسة الدولة جغرافيتها”.
وعلق السفير حجازى على خريطة لمصر تم التقاطها من الفضاء جاء بها شريط ضيق أخضر عابر للصحراء الشرقية والغربية، ومخترق جنوبًا لصحراء النوبة، ويوضح هذا الشريط ما قصدته بأن النيل محور الحياة حيث فقط على ضفافه يمكن في مثل هذه البيئة الصعبة القاحلة أن تنشئ الحياة، وتأكيدًا للمشهد الذي أقصد منه الخروج باستخلاص الجغرافيا الأول وهو الارتباط الوجودي بين مصر ونهر النيل، واهب الخير والنماء بإذن الله لملايين البشر سكنوا وعاشوا على ضفافه منذ ملايين السنين وأقاموا به وحوله واحدة من أرقى الحضارات الإنسانية.
كذلك عرض لعدد من الخرائط والأشكال البيانية الشارحة لكيفية عمل النهر، ومن أين ينبع حتى يصلنا وينهي رحلته الممتدة بطول 6.825 كيلو متر من منابعه إلى مصبه في البحر المتوسط، وهو يتدفق تدفقًا مهيبًا مخترقًا أحزمة صحراوية مترامية، ليكون النهر الوحيد في شمال أفريقيا القادر على حمل جزء من تصريف مياه المناطق الاستوائية الأفريقية عبر الصحراء الكبرى المترامية، وصولًا إلى مصر ومنها لشواطئ المتوسط في رحلة مدهشة وفريدة حيث لا يتلقى النهر عبر رحلته الممتدة من عطبرة إلى المتوسط بطول 2700 كيلو متر أي رافد مائي واحد، فقد دمجت الطبيعة والأحداث الجيولوجية مصادر متعددة سمحت للنهر تخطي البقاع القاحلة، ليمنح الخير ويهيئ للحضارة بعد نشأة نظام مائي واحد، نعرضه فيما يلي:
-
خريطة توضح كيف يعمل النهر – ومساره
نبدأ بشركائنا فى النهر من هم، ومن يملك منابعه حتى نتفهم أبعاد علاقاتنا بالنهر وبدوله، فيقع على ضفاف نهر النيل إحدى عشر دولة هى: مصر والسودان وجنوب السودان وأثيوبيا وأريتريا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندى والكونغو الديمقراطية.
ويبلغ عدد سكان الحوض 437 مليون نسمة 250 مليون منهم يعتمدون على النهر ويعيشون فى حوض النيل، وفى الوقت الذى يتركز فيه غالبية سكان مصر حول ضفاف النهر، فإن سكان دول أعالي النهر يتوزعون بحسب سقوط الأمطار.
-
خريطة سكان الحوض
يختلف اعتماد سكان الحوض على مياه النهر من بلد لآخر، فبالنسبة إلى بلدين كمصر والسودان، يُعد النيل مصدر المياه الوحيد لهما. كما أن النيل يُعد أكبر حوض للمياه العذبة فى العالم، كما تعد بحيرة فيكتوريا ثاني أكبر بحيرة مياه عذبة في العالم بعد بحيرة سوبيريور، وتقدر مساحة الحوض بنحو 29 مليون كيلو متر مربع، أى ما يقارب عشر مساحة قارة أفريقيا، وفى منطقة الحوض موارد طبيعية جمة غير مطورة، وجمال طبيعي مميز، ويمكن إذا ما أحسن استغلال تلك الموارد تحقيق تنمية كبرى فى اقتصاديات دول الحوض.
-
خرائط الحوض
يتكون نهر النيل من مصدرين أساسيين أولهما، النيل الأبيض الذى ينبع من الهضبة الأفريقية الشرقية والوسطى (هضبة البحيرات)، وثانيهما، النيل الأزرق الذى ينبع من الهضاب الإثيوبية. ويلتقي هذان الرافدان الرئيسيان فى الخرطوم ليشكلا معًا نهر النيل الرئيسي الذى نعرفه.
-
يتكون إقليم حوض البحيرات الاستوائية مما يلي:
-
حوض بحيرة فيكتوريا وحوض بحيرة كايوجا يغذيان نيل فيكتوريا (وتضيف البحيرة لنيل فيكتوريا 22.5 مليار متر مكعب)
-
حوض بحيرتى جورج وإدوارد ونهر السميليكي (قادم الكونغو) يغذيان بحيرة البرت ، السيميليكي يضيف 4مليار متر مكعب وألبرت 2.5و علاوة علي 3.6 من أمطار الحوض.
-
ومن بحيرة ألبرت يخرج نيل ألبرت Albert Nile الذى يشكل بحر الجبل (يضيف 15 مليار متر مكعب مياه) ويخرج إجمالي 30 مليار من ألبرت.
-
ومن نيمولى حتى ملكال ينفرط عقد النهر فى مستنقعات السد حتى خروجه مكوناً النيل الأبيض، ومن مدخله بنحو 30 مليار متر مكعب مياه يفقد نصفها ليخرج عند ملكال بنحو 14 بليون/ مليار متر مكعب ومن هنا كان التفكير فى قناة جونجلى التحويلية من قرية جونجلى حتى ملكال.
-
(خريطة جونجلى وإقليم السد ورسم بياني انحدار بحيرة فيكتوريا)
-
ومن تدفق بحر الغزال القادم وسط أفريقيا والكونغو لا يدخل بسبب تفتت النهر فى مستنقعات السد إلا نصف مليار متر مكعب مياه من جملة 14.5 مليار متر مكعب، وهى إضافة لا تذكر.
-
يتكون حوض الهضبة الإثيوبية مما يلي:
-
يبدأ النيل الأبيض رحلته إلى الخرطوم ومنها إلى مصر، ولكنه هناك يلتقى برافد النيل الأزرق والسوباط وعطبرة، وهى أحواض الأنهار الثلاث القادمة من الهضبة الإثيوبية الأرتيرية، فيبدأ السوباط برفد النيل الأبيض عند ملكال بنحو 13 مليار متر مكعب مياه، ثم يليه النيل الأزرق القادم من منبعه فى بحيرة تانا بالهضبة الإثيوبية ليلتحم بالنيل الأبيض عند الخرطوم مضيفًا 54 مليار متر مكعب ماء فى جسم النهر (تصلنا عند أسوان فى حدود 48 مليار متر مكعب).
-
وثالث الروافد القادمة من الهضبة الإثيوبية هو نهر عطبرة (يسمى تكيزى فى إثيوبيا) يلتحم بالنيل الأبيض للشمال من الخرطوم، ونقطة الالتقاء بالنيل الأزرق ليضيف 11.5 مليار متر مكعب ماء.
-
من الملاحظ أن مياه النيل الأزرق وعطبرة تحصل على فيضان مياهها فى شهور ثلاث من منتصف يونيو حتى منتصف سبتمبر، لذا ففيضاناتها هادرة (torrential) وعنيفه وبأحمال كبيرة من الطمي (لذا سمى النيل الأزرق – ودلتا مصر تكونت عبر الزمن منه).
-
ويتقدم النهر عبر صحراء النوبة حاملاً معه حصيلتي النيل الأبيض والنيل الأزرق فى المسار الذى يصبح النيل الرئيسي حتى مصبه عند أسوان وبطول 3065 كيلو متر طولى، ويحمل ويتدفق عند وصول النهر إلى أسوان نحو 84 مليار متر مكعب فى المتوسط السنوي.
-
من هذا الاستعراض الجغرافي نخلص لعدة سمات رئيسية لحوض نهر النيل:
-
هضبة البحيرات هى من أكثر المناطق الممطرة على وجه المعمورة، وتتساقط فيها الأمطار خلال 360 يومًا فى السنة، بما نسبته 5 أمتار، وقد أتاحت هذه الهبة الإلهية العظيمة تدفقًا مستمرًا لنهر النيل، حتى عندما لا يتبقى من أنهار الهضاب الإثيوبية إلا النزر الضئيل.
-
تأتى مياه الهضاب الإثيوبية مندفعة وخلال أشهر الفيضان العارم يونيو – سبتمبر لتحمل النهر أبيضًا وأزرقًا عابرًا لصحراء النوبة القاحلة حتى أسوان.
-
أنهار الهضاب الإثيوبية الأزرق، والسوباط (بارو/اكوبو/ بيبور)، وعطبرة (تيكيزي) تسهم بنحو 86% من التدفق الإجمالى لنهر النيل، وتسهم هضبة البحيرات بنحو 14%.
-
النيل أطول أنهار العالم 61850 كيلو متر، ولكنه متواضعًا جدًا فى حجم تصريفه المائي.
-
بفضل عزم فيضان النيل الأزرق، والمدد اللاحق من نيل عطبرة يستكمل النهر رحلته حتى مصر مارًا بخمس شلالات (cataracts) أخرها عند الشلال الأول عند مدينة أسوان.
-
انحدار هضبة البحيرات، وارتفاعها لنحو 1135مترًا فوق سطح البحر، وارتفاع الهضبة الإثيوبية 1830مترًا فوق سطح البحر، وتوجههما شمالاً، ثم تلاقيهما عند الخرطوم واختراقاتهما عبر شلالات ست لهضبة النوبة هو الذي حدد مسار النهر، فالنيل إذًا ليس بنهر واحد بل مجموعة أحواض وأنهار اتصلت ببعضها لتشّكل النظام المائي الذي نراه اليوم.
-
نهر النيل الذي يتخذ اتجاهًا شماليًا – جنوبيًا يصرف لأكثر من حوض ويمتد على أمتداد 34 خط عرض، ويصرف لمنطقة تقارب 3 ملايين كيلو متر مربع، ويصل بين مناطق متنوعة مناخيًا وجيولوجيًا.
-
ملاحظات (منبع النيل)
-
أحد الروافد الأساسية لبحيرة فيكتوريا هو نهر كاجيرا يسحب مياه من التيار البعيد المسمى (لوفيرونزا) الذي ينبع من جبال رواندا وبوروندى.
-
الخرطوم ترتفع 378 متر فوق مستوى سطح البحر إلى أسوان التي ترتفع 91 متر فوق سطح البحر، ومن الخرطوم حتى المتوسط يعبر النيل مساحة 1847 كيلو متر، وبمستوى انحدار يبلغ متر كل 6.5 كيلومتر من المدى. بينما ينحدر النيل من أسوان للمتوسط بمعدل متر لكل 15 كيلو متر طولاً، في منطقة قنا إلى متر لكل 11.4 كيلو متر في منطقة بنى سويف.
-
فى منطقة السدود (13 مليار) يضيع 50% من التدفق، ومن هنا تبرز أهمية قناة جونجلى، وقيمة أى مشروع لاستقطاب الفواقد على النيل الأبيض كبحر الغزال وبحر الجبل ومستنقعات السد. وهذا يوحى أن مقدارًا كبيرًا من المياه يضيع في المستنقعات، إذا ما استعيدت قد توفر الحل للاحتياجات المستقبلية (18 مليار).
-
أثيوبيا هى المساهم الأكبر بنسبة 86%، بينما تساهم هضبة البحيرات بنسبة 14%، وفى ذروة فيضان النيل الأزرق يونيو/ سبتمبر تسهم بنحو 90% من المياه التي تعبر إلى الخرطوم لكنه يقدم 20% من الموسم المنخفض يناير/مارس
ثانيًا: الفرص والتحديات (التنمية المتكاملة)
بعد هذا الاستعراض الجغرافي بات واضحًا أن النهر نظام متكامل لابد وأن يتم التعامل معه كوحدة طبيعية لتنمية الزراعة والصناعة والموارد المائية والبشرية والاجتماعية والثقافية، فالتنمية المتكاملة لأحواض الأنهار الدولية باتت من ضروريات الحفاظ على موارد النهر وحماية بيئته وتهيئة الأجواء من أجل عملية تنمية يتحول فيها النهر لأداة ربط وتعاون، لا أداة توتر ومواجهه، وتتحول المياه كجزء من خطة تنمية شاملة تتم بشكل متناسق بين دول الحوض بما يحفظ لكل طرف حقوقه، وكي يستفيد الجميع من مزايا التنمية. والواقع أن استراتيجية إدارة الموارد المائية فى ظل تخطيط متكامل وشامل هو وحده الكفيل بحفظ النظام الطبيعي للنهر، ويحقق مصالح كافة دول الحوض ويحول دون الصراع والمواجهة.
تُقّسم الظروف الطبيعية المصالح المختلفة لدول النهر في تنمية واستخدام موارده، ففي حين تهتم مصر والسودان حيث تقل نسبة الأمطار بالري، تهتم إثيوبيا وأوغندا بشكل رئيسي بتنمية الطاقة المائية والكهربائية، بينما يُعد النقل من أكثر اهتمامات دول وسط القارة، حيث أن أغلبها دول حبيسة مثل أوغندا وبوروندي وأثيوبيا ذاتها.
وأمامنا منعطف تاريخي هام في علاقة مصر والسودان بدول المنابع، وإثيوبيا على وجه الخصوص، وما أكدته في مقالات لي سابقة أن لها الحق في التنمية، ولكن لمصر كل الحق في الحياة، فالنهر بالنسبة لها والسودان ضرورة وجودية قبل أن يكون رافدًا تنمويًا، علينا في هذه المرحلة أن تتكاتف جهودنا الدبلوماسية والبرلمانية وقدراتنا القانونية والفنية لصياغة موقف مصري مستقر وثابت، يأخذ في حسبانه أن بنيان سد النهضة قائم، وأن علينا معًا مصر والسودان وإثيوبيا صياغة معادلة مُرضية تسمح برؤية متكاملة للتنمية العادلة تضع مصالح الأطراف الثلاث في الحسبان، ووفقًا للقواعد القانونية الراسخة، وبما يسمح بتنمية النيل الأزرق لصالح دوله، ويكون واضحًا أن مصر لا تقف ضد أي مشروع تنموي ما دام لا يضر بمصالحها، وعليه:
-
يتم السعي وفى إطار متابعة دراسة الشركتين الفرنسيين اللتان يعكفان حاليًا على دراسة الآثار البيئية والأضرار التي يمكن أن يسببها السد لدولتي المصب والسودان، وتحديد معدلات التخزين المُثلى والمدة الزمنية المطلوبة بحيث لا يضر لا حجم تخزين ولا معدله بشكل مجحف لدولتي مصر والسودان، وكذلك معدلات التصريف المثلى، والتي تراعي مصلحة البلدين وتسمح لإثيوبيا بمعدل تخزين يسمح بتوليد الكهرباء الممكنة، وفقًا للتدفق الطبيعي للنيل الأزرق حاليًا (natural flow) وبقدر الإمكان نفس معدل التصريف خلف سد الرصيرص بالسودان، وقبل تلاقي النيلين عند الخرطوم، كما يلزم قياس موازي لمعدل التدفق الحالي خلف سد مروي في السودان قبل وصول النيل عند أسوان ضمانًا أيضًا لالتزام السودان باتفاقية 1959، واستمرار معدل التصريف الحالي.
-
يمكن أيضًا من خلال المشاورات الثلاثية وفى التداول مع الشركتين الفرنسيين، الإيعاز بإمكانية البناء أو التعبئة على فترتين زمنيين حتى لو تم الانتهاء من البنيان الخرسانى، الأولى، وتشمل معدل تخزين ملائم وليكن كما كان مخططًا لسد الحدود (Border) في حدود 14 مليار متر مكعب تدير المرحلة الأولى، وتسمح باستيعاب الأطراف للآثار الناجمة والتعايش المتدرج مع آثار السد واحتواء الأثار البيئية له، والثانية، قد تكون بعد عدة سنوات، وذلك بالقياس على عملية بناء سد أوين في أوغندا، والذي بني بين أعوام 1949 – 1953 بتعاون وتمويل مصري مشترك (سددت مصر انذاك 10 مليون استرليني)، ثم تمت التعلية عام 1991 بموافقة وتشاور واتفاق مع مصر، حيث تم تبادل مذكرات رسمية بين البلدين وهو نموذج يمكن تكراره، أو كما ذكرنا يُمكن حث إثيوبيا للعودة إلى المواصفات التي وضعها مكتب الاستصلاح الأمريكي عام 1964 لمشروع سد (الحدود) الإثيوبي من حيث سعة التخزين في حدود 14 مليار متر مكعب مما يسّهل السيطرة على أثاره عند الضرورة.
-
يجب على مصر كذلك أن تسعى من أجل أن يكون خيار التعاون جاذبًا للجانب الإثيوبي وللسودان من خلال التقدم بمشروع للتعاون الإقليمي أو “ممر التنمية الشرقي”، فإذا ما تم الاستقرار على مقاييس بناء وتخرين وفقًا لنطاق زمني مناسب ودون الإضرار بالمنشآت الهندسية والسدود في السودان ومصر، وفقًا لنظام محاكاة على الكمبيوتر يحقق التوازن ويحدد نسب التخزين التي تتكامل ولا تضر بين السدود في البلدان الثلاث. يتم الاتفاق على إقامة مشروع تنمية تكاملي يهدف لربط البلدان الثلاث نسميه “ممر التنمية الشرقي”، ويبدأً من سد النهضة والمتفق عليه بمقاييس ومعدلات غير ضارة، بشبكة ربط كهربائي بين البلدان الثلاث، وستكون ذات عائدًا للسودان ولمصر يسمح باستخدام طاقة نظيفة وتوظيفها في صناعاتهما أو تصديرها، وإنشاء خط للسكك الحديدية عابرًا للحدود حتى الخرطوم، ثم لأسوان في حدود 940 كيلو متر (40 كيلو متر من موقع سد النهضة – 900 كم حتى أسوان)، مما يسمح لإثيوبيا كدولة حبيسة بتصدير سلعها وباقي الأنحاء وعبر موانئ الأحمر والمتوسط، وهى ميزة لدولة حبيسة جغرافيًا مثل إثيوبيا، بل ونطرح هنا إمكانية استخدام المنطقة الاقتصادية الخالصة في قناة السويس كمنطقة تخزين وتصدير لوجستيه من قبل إثيوبيا والسودان، بل وباقي دول الكوميسا كنافذة لصادرات تلك الدول من لحوم ومنتجات زراعية وصناعية أخرى للأسواق العربية والأوروبية والأمريكية وغيرها.
-
ما يشجع على هذا الطرح أيضًا أن حديثًا عمليًا وجديًا بات اليوم يشمل إنشاء طريق نقل بحري عبر بحيرة فيكتوريا للمتوسط وتدرس مصر مع بيوت خبرة عالمية هذا الملف، مما يجعل ربط النيل الشرقي بهذا المشروع – أقصد إثيوبيا – حيث سيمر المشروع القادم من فيكتوريا بالسودان لتستقبل أيضًا “ممر التنمية الشرقي” المقترح، أي المشروع القادم من إثيوبيا، وعليه تكون الخرطوم نقطة التلاقي، للمشروعين الإقليمين ممر التنمية الشرقي القادم من الأراضي الأثيوبية، ومشروع ربط بحيرة فيكتوريا بناقل بحري للمتوسط.
-
ومن الضروري، إذا ما تم التوافق بعد عمل الشركات الفرنسية على أسلوب إدارة وتشغيل والبناء بمعايير ومقاييس متوافقة، وهو ما نأمله، يتم صياغة اتفاق قانوني جامع وملزم للأطراف الثلاثة في النيل الشرقي، على غرار اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، إن يكن ممكنًا توسيع نطاقها لتشمل أثيوبيا مع إجراء التعديلات القانونية اللازمة بحيث يحكم العلاقة بين الأطراف الواقعة على النيل الشرقي (الازرق) اتفاقية قانونية ملزمة، وهذا هو شأن الاتفاق على الموارد المائية بالذات، كما قد تنشأ حتمًا الحاجة لإيفاد بعثات متابعة مشتركة لأسلوب إدارة سد النهضة، وفقًا للمعايير المتفق عليها، وكذا الحال بالنسبة لباقي سدود السودان لضمان التزام الأطراف.
الرؤية المتكاملة تلك لتنمية ولإدارة حوض النيل الشرقي متفقة فى أهدافها ومضمونها مع توجهات وآليات عمل مبادرة حوض النيل، والتي اختصت دول حوض النيل الشرقي بآلية تنسيقية خاصة بالنيل الأزرق (ENTRO -Easter Nile Technical Office).
ويكون من بين أهداف التعاون مع جنوب السودان هو الانخراط فى مشروعات تقليل فواقد مياه النيل، وقامة مشروعات تنموية فى الجنوب، أخذًا فى الاعتبار ما يمكن تنفيذه هناك فى إطار مبادرة حوض النيل الأشمل.
وبشكل عام، يتفق ما نطرحه بشأن التعاون الإقليمي مع دول حوض النيل الشرقى ودول حوض النيل مع التوجه الدولى لتمويل مشروعات متعددة الأغراض، وكذلك التى تخدم أكثر من دولة، ويترقب المانحون منذ إعلان مبادرة حوض النيل لتوافق دول المبادرة، وهو ما لم يكتمل حيث أصرّت دول المنابع على التوقيع منفردة مما أبقى الاتفاق الذي كان منشودًا أن يتحول لاتفاق إقليمي شامل لدول المنابع والمصب معًا لمجرد اتفاق حاليًا ممكن وصفه بأنه بات شبه إقليمي للتنسيق فقط بين دول المنابع مما جعله قاصرًا على جذب استثمارات دولية ودعم كان مرتقبًا من الشركاء.
تتفق رؤية التعاون الإقليمي المقترحة فى إطار مشروع تكاملي يجمع دول شرق النهر أيضًا مع إعلان المبادئ الهام الذي وقعه الرؤساء المصري عبد الفتاح السيسي، والسودان عمر البشير، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلى ماريان دسالين خلال قمتهم فى الخرطوم في 23/3/2016، وتضمنت وثيقة إعلان المبادئ تلك لسد النهضة التي قال عنها وقتها أنها تؤكد على توافر الإدارة الطيبة للأطراف الثلاثة للتغلب على العقبات، وأكد البشير أن التعاون هو السبيل للتفاهم بين شعوبنا وأنه بدون التعاون ستفوت الفرصة فى حياة كريمة، وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي أن سد النهضة لن يضر مصالح مصر، ويرى وزير الخارجية سامح شكري أن هذه المبادئ تعد بداية لمزيد من التعاون بين الدول الثلاث في المسار السياسي والفني، وأكد الوزير الإثيوبي أن الاتفاق يفتح فصلاً جديدًا بين الدول الثلاث وسنلتزم به.
ثالثًا: حل مقترح للأزمة “اتفاقية عنبيتي”
-
كانت مفاوضات عنتيبي لصياغة الإطار القانوني والمؤسسي للتعاون بين دول حوض النيل، تمر عام 2006 بصعوبات جمة، حيث تم التوافق تقريبًا على كافة بنود الاتفاقية عدا ثلاث نقاط أساسية مرتبطة بالأمن المائي، والإخطار المسبق، والتعديل بأغلبية الثلثين، وكان موقف مصر المبدئي من النقطة الأولى والأهم، هو الحفاظ على حصة مصر المائية الراهنة، ومساعدة الأطراف، وتقدم الوفد الأوغندي باستفسار مباشر وقتها للوفد المصري عن جوهر تمسكنا بالاتفاقيات القائمة، وهل من الممكن تأمين هذا الموقف في الصياغة الجديدة المقترحة للأمن المائي، فأوضح وفدنا أن مفهومنا للاتفاقيات القائمة هو الحفاظ على حصة مصر الحالية، والتي قامت عليها الحضارة المصرية منذ الأزل وتعيش على ضفاف النهر منذ نشأة الشعوب، ولا يمكن القبول بأي مساس بها.
-
عاد الوفد الأوغندي بمقترح وسط يجمع بين مصالح وأهداف مصر على النحو الذي أوضحناه، ومواقف باقي دول المنابع المتطلعة للتنمية والتي تأمل ألا يؤثر عليها تقديم أي تنازل قد ينال من طموحاتها، وقدم الوفد الأوغندي آنذاك صياغة لمفهوم الأمن المائي بالفقرة رقم (14 ب) قائمة على أساس احترام الأمن المائي لدول المصب (مصر والسودان) واستخداماته الحالية (حصتنا المائية) واحترام حق دول المنابع في إقامة مشروعاتها التنموية المستقبلية.
-
بدا أن هناك رضا وموافقة من كافة الوفود بما فيها الوفد الإثيوبي، وكنا في ذلك الوقت في العاصمة البوروندية “بوجمبورا”، والتي استضافت الدورة السابعة للتفاوض، بل وأطلق على هذا الحل الوسط التاريخي، بتسوية وإجماع بوجمبورا، وحيا الوزراء وأعضاء الوفود بعضهم البعض بعد جولات من التفاوض الصعب في مشهد رائع ومفعم بالأمل، وكان متوقعًا أن يتم الدعوة لقمة تالية للقادة للتوقيع بالإسكندرية.
-
مرت أسابيع قليلة وصدرت مؤشرات سلبية من أديس أبابا، وأنها لم تكن راضية عن هذا الحل الوسط وأنها ليست جزء من هذا الإجماع، ودعت دول المنابع مجددًا لاجتماع في رواندا، أعاد الوضع لما هو عليه، وبدأت الفرقة الناشبة حتى اليوم بين مصالح دولتي المصب ودول المنابع، والتي حالت دون تصديق مصر والسودان على الاتفاق الإطاري وتجميد نشاطها داخل مبادرة حوض النيل، والتي اتخذت مقرها في مدينة عنتيبي الأوغندية، وبعد أن كان مأمولا أن تتحول المبادرة لمنظمة شبه إقليمية جامعة لكافة دول حوض النيل، قبعت في المساحة المحدودة الراهنة كمعبر عن مصالح دول المنابع دون دول المصب، وهو ما أدى لإحجام واضح في المساندة والدعم الدولي الذي كان مقررًا لتعزيز فرص التعاون الإقليمي الشامل في إطار حوض النيل كله لا بعض أجزاءه.
-
ولما كانت الأحداث قد توالت، وجدت أمور وطرأت مستجدات في العلاقات (المصرية – الإثيوبية) و(المصرية – الأوغندية) ومع باقي دول حوض النيل، منها أن إثيوبيا في طريق استكمال مشروعها التنموي المتمثل في سد النهضة (والجاري بحث أثاره على مصالح مصر والسودان من قبل الشركتين الفرنسيتين) والمأمول أن تسهم تلك الدراسة في الموائمة بين مصالح إثيوبيا ومصر والسودان، وهو أمر ممكن وحتمي ، وقمنا من خلال عرضنا السابق لفرص وإمكانيات المشروع الإقليمي الشامل لممر التنمية الشرقي، تقديم تصور لتلك الموائمة وهذه الرؤية المتبادلة لحق الحياة وحق التنمية، لحق مصر والسودان وحق إثيوبيا على السواء.
-
ترتبط تلك النقطة أيضًا بالتلاقي الاستراتيجي بين مصر وأوغندا، واللقاء الأخير للرئيسان عبد الفتاح السيسي ويوري موسيفيني في كمبالا، وتولي موسيفيني رئاسة مبادرة حوض النيل وتعهده ببذل مساعيه لتقريب وجهات النظر بين دول حوض النيل، لإطلاق طاقات المبادرة الأهم في تاريخ الحوض.
وحتى تنطلق منظمة إقليمية جامعة للنهر تسعى من أجل تنمية دوله، فقد يرى مفاتحة الجانب الأوغندي في إمكانية معاودة النظر في ضوء تغير الظروف وما تم إنجازه في مسار العلاقات النيلية، والعلاقات (المصرية – الإثيوبية) رغم كل ما يعتريها أحيانًا من حساسيات، فقد قطعت أشواطًا في بناء الثقة والجسور، في طرح المقترح الأوغندي مجددًا وفقًا للصياغة التي تم اعتمادها في بوجمبورا، حيث أن رفض إثيوبيا وقتها للمقترح كان مبنيًا على توجه أن يرتب التزام عليها قد يحول دون إقامتها لمشروعاتها المستقبلية، ولما كان الأمر الآن قد حمل لها أسانيد للإطمئنان لنوايا مصر، ولقدرتها على السير في مشروعاتها التنموية، فإن معادلة احترام مصالح مصر المائية دون إضرار، وهو مايمثل الأمن المائي للسودان ولمصر، يمكن أن تسير بالتوافق والتنسيق مع احترام حق إثيوبيا وباقي دول المنابع في التنمية، وهو مايمثل الأمن المائي لتلك الدول.
وظني أن جهدًا مصريًا أوغنديًا سودانيًا مع إثيوبيا بعقلية ما بعد سد النهضة (المتوافق مع عدم الإضرار بمصالحنا المائية والبيئية والاجتماعية بحسب دراسة الشركتين الفرنسيتين المتوقعة)، قد يحدث انفراجة تعيد التماسك والتوافق لمبادرة حوض النيل مما سيخلق المناخ الإيجابي والثقة بين أطراف الحوض منبعًا ومصبًا، ويسهم أيضًا في ترطيب الأجواء بين مصر وإثيوبيا، لاسيما وأن داخل مبادرة حوض النيل هناك شق تنموي رئيسي متعلق بالتنمية المتكاملة لحوض النيل الأزرق المعروف باسم (ENSAP)، وهو برنامج عمل مشترك بين مصر والسودان وإثيوبيا، بينما برنامج إطار التعاون الثاني هو لدول البحيرات الاستوائية NELSAP)) ويشمل بوروندي، الكونغو، كينيا، رواندا، تنزانيا، وأوغاندا، وجنوب السودان، والسودان طبعًا.
ولوضع المقترح موضع التنفيذ تبدأ الجهات الفنية بمراجعة الصيغة الأوغندية، وتضمينها في خطاب أو من خلال مبعوث لطرحها على الرئيس موسيفيني أو الجانب الأوغندي بعد تشاور (مصري – سوداني)، ويمكن في توقيت مناسب معاودة طرحها على الجانب الإثيوبي كصيغة ملائمة أسهمت التطورات الزمنية والفنية والسياسية المتلاحقة في توفير مناخ أكثر إيجابية من توقيت طرحها، بالإضافة إلى أنها تراعي بتوازن مصلحة دول المنابع والمصب على حدٍ سواء، ودون افتئات أي جانب على الآخر، مع إبراز جدوى إطلاق احتفالية التوقيع لجذب المانحين والتعهدات الدولية الهامة بما يعود بالخير على الجميع، خاصة على الأقل نموًا اقتصاديًا ومائيًا، وأغلبهم من دول المنابع، حيث يمكن لسلطة مياه النيل أن تحقق في محيط النهر مكاسب جمة لدولة، وللنهرذاته وبيئته، وللتعاون الإقليمي، بنفس القدر مثلا الذي حققت فيه سلطة نهر الميكونج في جنوب شرق آسيا مشاريع تنموية لدوله المتشاطئة (كمبوديا – لاوس – فيتنام – تايلاند) بما يفوق قيمته نحو 22 مليار دولار لخدمة خطط تنمية كافة دول النهر، والذي أضحى رابطًا للتعاون وليس سببًا للخلاف والتوتر، فالمكسب للجميع، حيث تحسنت اقتصاديات دول الميكونج، وتحسنت بيئة النهر ذاته، والنيل أعز من يترك نهبًا للخلافات، والحل يكمن في الموائمة في المصالح، كما عرضنا، وفي صياغة تسير في هدى الاقتراح الأوغندي المشار إليه، وهو في جميع الأحوال اقتراح صدر عن دولة منابع لصالح الكل، ولم تسمح الظروف وقتها بتمريره، فهل تسمح الآن جهود الدبلوماسية الثنائية، والإقليمية، وتواصل حكماء وقادة القارة، حتمًا سيسهم في الوصول لاتفاق، ولعل الاجتماعات الوزارية والقمة القادمة المقترحة فرصه للتقدم بهذا الطرح سواء مايخص الحل الوسط الأوغندي لاتفاق عنتيبي، أو مقترح ممر التنميه الشرقي، فنسّوي قضيتي الخلاف فنبعث الحياة والأمل في نهر الحياة.