حلقة نقاشية حول “مابعد زيارة ترامب للمنطقة”
يونيو 7, 2017حلقة نقاشية حول ” قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر …. الدلالات وآفاق المستقبل”
يونيو 20, 2017
بتاريخ 19 يونيو 2017 نظم المجلس، محاضرة لمناقشة الكتاب المعنون “عن الفلسطينيين فقط .. جدلية النجاح والفشل” للدكتور مروان كنفاني، المستشار السياسي للرئيس الراحل ياسر عرفات، وقد حضر اللقاء من أعضاء المجلس كلًا من السفير/ د. منير زهران، رئيس المجلس، السفير/ د. عزت سعد، مدير المجلس، وعدد من أعضاء المجلس وأعضاء من السفارة الفلسطينية بالقاهرة على رأسهم السفير فضلاً عن عدد من الأعلاميين و المفكرين.
واستهل السفير د. منير زهران، اللقاء بالترحيب بالحضور، وبالدكتور مروان كنفاني، موضحًا هدف المحاضرة هو للتذكير بالقضية الفلسطينية، التي لم ننساها قط ونتذكرها باستمرار والتي قضينا طوال عمرنا دفاعاً عنها، مؤكدًا بأنها تعتبر من مرتكزات السياسة الخارجية المصرية ومن الأولويات التي يركز عليها كذلك المجلس المصري للشؤون الخارجية، مضيفًا أنه بالإضافة إلى الترحيب بالدكتور مروان أود أن أرحب بسعادة سفير دولة فلسطين في مصر السيد جمال الشوبكي لوجوده، متمنيًا للحضور أمسية سعيدة.
ثم قام بعد ذلك بتقديم دكتور مروان كنفاني باعتباره كان أحد نجوم كرة القدم المصرية، وأيضًا من نجوم الثقافة والأدب، فضلًا عن كونه المستشار السياسي للرئيس الراحل ياسر عرفات، وأنه أيضًا ينحدر من عائلة لها خلفيات ثقافية وأدبية مستدلًا علي ذلك بشقيق دكتور مروان، السيد غسان كنفاني واسهاماته في مجال الشعر والثقافة والأدب.
وقد أشار سيادته أنه قبل أن يتحدث دكتور مروان، يود أن يوضح بعض المحطات التاريخية التي أودت بالوضع العربي إلى ما هو عليه الآن من احتلال إسرائيلي غاشم وانتهاكات لقواعد القانون الدولي والإنساني في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة وغيرها من أراضي محتلة أخرى.
مضيفًا أنه في البداية يجب الإشارة إلى بعض الأحداث التي يعتقد أن الجميع يعرفها، موضحًا أن الأحداث تبدأ حديثًا من القرن الماضي في أثناء الحرب العالمية الأولى 1917 حيث كان إعلان “وعد بلفور”، منوّهًا الى أن هذا الإعلان كان عبارة عن خطاب موجه من وزير الخارجية البريطانى الى حكومته ، قد طلبت من اللورد روتشيلد ترويج السندات البريطانية لتمويل حرب بريطانيا ضد ألمانيا ودعم اليهود لبريطانيا فى هذه الحرب، مشيرًا إلى أن الوعد الذي أعطاه بلفور لم يكن ليتم بدون ثمن، موضحًا أن الثمن هو أن وزير خارجية بريطانيا كتب خطاباً تتعهد بريطانيا بموجبه بالمساعدة فى أنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، حيث روج اللورد روتشيلد لسندات البريطانية في كافة المواقع التي وجد بها بنك روتشيلد، بما في ذلك ألمانيا، الأمر الذي أثار حفيظة هتلر بأن الألمان(اليهود) يمولون الحرب ضد ألمانيا .
ثم انتقل بعد ذلك إلى محطة أخرى عام 1947، منوّهًا الى أن الحديث الآن يدور حول مسألة حل الدولتين، مشيرًا إلى أن هذا الأمر أساسه قرار تقسيم فلسطين الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، والذي نص على إنشاء دولتين (دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية)، وكذا وضع دولي للقدس، وأعطى لليهود تقسيم غير عادل حيث كان اليهود في ذلك الوقت أقلية إلا أن قرار التقسيم أعطاهم 48% من الأراضي، ومن هنا جاءت فكرة رفض العرب قرار التقسيم.
انتقل بعد ذلك إلى محطة أخرى عام 1948، حيث أعلن عن قيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948، استنادًا إلى قرار التقسيم، موضحًا أن الطرف الأخر “الفلسطيني” لم يكن موجوداً.
مبينًا أن إسرائيل في ذلك الوقت كانت في حاجة إلى شرعية دولية لتكتمل أركان إنشاء الدولة، إلا أن العرب كانوا يرفضون ذلك. مضيفًا بأنه عندما طرحت القضية بالكامل “قضية الشرق الأوسط” عام 1973 ، قبيل الحرب، على مجلس الأمن، وذلك في أعقاب صدور قرار 242 والذي لم تنفذ أحكامه رغم إنشاء آلية لذلك ووجود ممثل لسكرتير عام الأمم المتحدة، حيث لم تفلح الوعود بتنفيذ هذا القرار إلى أن وصلنا إلى عام 1973 وحدث الاعتداء الإسرائيلي الغاشم وقتل الفلسطينيين المقيمين في بيروت، ثم عرض الأمر بالكامل على مجلس الأمن، مشيرًا إلى أن الذي كان يدافع عن هذا الموضوع من الجانب العربي الدكتور محمد حسن الزيات، وزير الخارجية المصري آنذاك، موضحًا أنه في هذا الوقت أعلنت “جولدا مائير” رئيسة الوزراء الإسرائيلية، ووزير دفاعها “موشيه ديان” أن حدود إسرائيل الطبيعية هي قناة السويس في الجنوب، وكان رئيس الوفد الإسرائيلي “يوسف تيكوا” يتحدث بغطرسة بأن حدود إسرائيل هي قناة السويس، منوّهًا الى أن الدكتور الزيات في ذلك الوقت دافع عن هذه القضية من جميع جوانبها (الفلسطينية – المصرية – العربية)، وأنه أكد على أن المعمول عليههو الحدود المرسومة وفقاً للخريطة المرفقة بقرار تقسيم فلسطين رقم 181 لسنة 1947 الى دولتين إسرائيلية و أخرى فلسطينية وللأسف ثار الفلسطينين ضد الوزير المصري، معترضين على ما ذكره وأنه ليس من حقه القول بأن فلسطين تقبل قرار التقسيم؟، ومن فوضه أن ينطق بذلك؟، مؤكدًا أن الوزير في ذلك الوقت كان يدافع عن مصرية سيناء وليس شئ أخر.
وتطرق سيادته بعد ذلك لمحطة حرب 1973، وما جاء من قرارات مع نهاية الحرب وكان في مقدمتها قرار (رقم 338)، موضحًا أن مثل هذه المحطات مهمة جدًا للتذكر، رغم أن موضوع الكتاب الذي هو بصدد تقديمه، إلا أن هذه الخلفية التاريخية مهمة لفهم تطورات القضية الفلسطينية.
مستطردًا بأن المحطة التالية تأتي مع بدايات الألفيه الثالثة مع قرار القمة العربية الذي نادى بحل الدولتين، والذى لم يأت بشئ جديد، وأن أساسه كان قرار التقسيم في 1947، ثم قام بعد ذلك بنقل الكلمة للدكتور مروان الذي أثنى بدوره على الدكتور منير زهران، والدكتور عزت سعد، لإتاحتهم له الفرصة للتحدث عن كتابه، وقد جاءت كلمه د. كنفانى على النحو التالى:
أود في البداية أن أعبّر عن غامر سعادتي واعتزازي بوجودي معكم هذا المساء، سعادة واعتزازًا أدين لهما لسعادة السفير منير زهران، رئيس مجلسكم الموقر، وأعضاء مجلس الإدارة، ولكم جميعًا، لإتاحة الفرصة لي بالتحدث أمام هذا الجمع الموقّر، والقامات الشامخة في عالم السياسة والقانون الدولي والأعراف والقيم الدبلوماسية الدولية. لقد كان لمصر دائمًا دورًا تاريخيًّا ومؤثرًا في هذا الميدان، منذ أن شاركت مع دول قليلة ورائدة في التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة، الهيئة الدولية الأولى والوحيدة التي أرست نفسها مرجعية فاعلة لتعايش دول هذا الكوكب منذ ما يقارب سبعين عامًا من الزمن.
كما أود أن أشكر بشكل خاص السيد جمال الشوبكي، السفير الفلسطيني لدى دولة مصر الشقيقة، والشخصيات الفلسطينية المتميّزة التي شرفتني بوجودها في هذا الحفل الأخوي.
كنت أتمنى لو كان اجتماعنا اليوم في ظروف افضل فيما يتعلّق بقضية فلسطين وشعبها. أو أن يكون حديثنا اليوم عن احتمالات مشجعة وإيجابية تبدو في أفق شعب مضطهد مظلوم يعاني من الإحتلال والبطش والإستيطان منذ قرن من الزمن. ولكن واقع الحديث الذي يدور حول ما تضمّنه كتابي الأخير لا يبشّر بتلك الاحتمالات المشجّعة، بل على العكس تمامًا حيث سيركّز على أخطاء الماضي البعيد والقريب والحاضر، واحتمالات تدهور الأوضاع الفلسطينية إلى مزيد من المخاطر والانقسام.
يهدف عنوان كتابي الجديد “عن الفلسطينيين فقط .. جدلية النجاح والفشل” إلى أن الكتاب لا يتطرّق إلى متاهة أدوار دول أخرى، عربية أو أجنبية، في المشاركة أو المسؤلية في الأحداث التي ساهمت في إيصال الوضع الفلسطيني إلى وضعه الحالي، ذلك هو موضوع آخر يحتاج ربما لكاتب آخر. كما أن الكتاب أيضًا واضح عن موضوع الكتاب واهتماماته “هذا الكتاب ليس عن فلسطين، بل عن الفلسطينيين، عن كفاحهم وعذابهم وتضحياتهم، وعن خلافات قياداتهم وأحزابهم أيضًا واقتتالهم وتفرقّهم، تلك التي تركت آثارًا مؤلمة كثيرة وكبيرة على مسيرة أجيالنا لاستعادة أرضهم المسلوبة، وعلى إنجازاته، ومستقبل وطنه أيضًا.
ثلاثة عشر سنة عجاف مرّت على شعبنا المقهور المعذّب لم تتقدم فيها قضية بلادنا وشعبنا قيد أنملة على الصعيد السياسي أو الاقتصادي سواء من قبل جماعة العمل السياسي التفاوضي أو من قبل جماعة المقاومة المسلّحة. ثلاثة عشر عامًا قضاها شعبنا في الانغماس في اختلاف ومعارك حركتي فتح وحماس، منذ انتخابات عام 2006، إلى الحسم العسكري لفصل قطاع غزة عن ما تبقى من الجسد الفلسطيني، إلى تقاسم الدخول والضرائب، إلى حكومات توافق فاشلة، إلى انحياز الأخوين الفلسطينيين المتنازعين إلى أحلاف إقليمية ودولية مختلفة ومتصادمة، إلى اجتماعات سياحية تحت عنوان المصالحة التي لم ولا يبدو أنها ستحصل. كم ثلاثة عشر عامًا ستمر قبل أن نتحد؟.
إن عوامل قوة شعبنا اليوم ليست ولا يجب أن تكون فقط في حيازتنا لأسلحة لا جدوى لها سوى التقوّي على بعضنا البعض، لأن عوامل قوتنا الحقيقية هي شعبنا، وحدته وتوحّده، ودعم وجوده على ما تبقى من أرضه والزود عنها، وتيسير أمور حياته في مجتمع مدني ديمقراطي يحفظ حقوقه ويضمن احترامه، لأن ذلك هو الأمل والطريق الوحيد لاستعادة حقوقنا وأرضنا.
ولا يساور قناعتي شك بأن المسئول الأول والأخير عن المشكلة الفلسطينية الدامية هي الحركة الصهيونية وربيبتها دولة إسرائيل، وأن فشل محاولات السلام وانهيار خطوة الشعب الفلسطيني الشجاعة لتحقيق “سلام الشجعان”، سببها إسرائيل نفسها وحلفائها الغربيين.
ويقع كل ما ناقشه هذا الكتاب في خانة الإيمان المطلق بعظمة الشعب الفلسطيني، وصدقه في نضاله، وحتمية انتصاره. كما يهدف أيضًا إلى انتقاد فصائله وأحزابه وقياداته السياسية على تضييع فرص التقدم بقضية الشعب الفلسطيني العادلة، وإدمانهم على التمسّك بالرأي والرغبة في الحكم وعدم الاعتراف بالآخر، والتراشق بالاتهامات وأحيانًا بالرصاص. ويهدف الكتاب من خلال العرض والانتقاد والسرد التاريخي والتجارب الناجح منها والفاشل، إلى دعم وتقوية الموقف الفلسطيني، السياسي والمُقاوم، تجاه القوة العاتية لإسرائيل وحلفائها. إن قناعتي، وقناعة العديد من شعبنا، تعكس إمكانية واستطاعة وقدرة الفلسطينيين على أن يكونوا في وضع أفضل مّما نحن عليه اليوم، وأن السلاح الأمضى لنا، قبل البنادق والصواريخ، هو وحدتنا، هكذا يقول الواقع والتاريخ، وهذا ما يقصده الكتاب.
يتطرق الفصلين الثاني والثالث من الكتاب إلى الأوضاع التي كانت تحيط بالشعب الفلسطيني وقياداته منذ اندحار الحكم العثماني عن البلدان العربية عام 1917، مرورًا بتطور التحالف الصهيوني مع الغرب نتيجة للحرب العالمية الثانية ومن ثم حرب عام 1948.
حين تهيأ المسرح لحرب عام 1948 كانت حوالي ثلاثين عامًا قد مرت على هزيمة وانسحاب الجيش العثماني من فلسطين، وعلى بدء سيطرة الاحتلال البريطاني عليه، وكذا تاريخ صدور «وعد بلفور». ثلاثون عامًا أثبت فيها الشعب الفلسطيني عزمه وتصميمه على خوض النضال وتقديم التضحيات للدفاع عن أرضه، ثلاثون عامًا لم يتوقف الشعب الفلسطيني الصابر الصامد عن تقديم الشهداء في وجه أعتى إحتلال واستيطان شهده العالم، ثلاثون عامًا لم يتفق أو يلتزم فيها قادة وزعماء وأحزاب الفلسطينيين على قرار واحد أو عمل مشترك واحد، ولم تُقرَر، ولم توضع الترتيبات والخطط للدفاع عن الأرض الفلسطينية، ولا الإستعدادات لحماية القرى الفلسطينية وسكان المدن المدنيين، بالرغم من وضوح التهديدات الصهيونية المرعبة التي كانت واضحة للعيان من تجييش للجيوش وتدريب للمقاتلين واستيراد وصنع الأسلحة. ثلاثون عامًا لم تستطع فيها القيادات الفلسطينية ولا الأحزاب والمنظمات إسقاط خلافاتهم ونزاعاتهم والاتفاق والتوحّد وإقرار سبل مقاومة الخطر الداهم الذي يتربص بشعبهم، لم يحفروا ملجأً لمدنيين ولا مخزنًا لسلاح، ولا ساحة لتدريب، ولا حشدًا لشباب، ولا برنامجًا مشتركًا للصمود، وعندما بدت حتمية وأخطار الموعد النهائي الذي حدده البريطانيون والصهاينة لتوجيه الضربة القاضية، وقف الشعب الفلسطيني وحيدًا يعصف به ويحدد توجهاته الخوف والضياع.
بعد صدور قرار التقسيم في نوفمبر من عام 1949، والغضب الشعبي الفلسطيني والعربي واحتمالات الصدام، كان السياسيون والمسؤولون العرب قلقين من الزجّ بجيوشهم وشعوبهم في هذه الحرب نتيجة لإدراكهم ومعرفتهم بفارق القوة على الأرض، وفي التحالفات القوية التي تتمتع بها إسرائيل.
ففي استعراض فاقع للقوة والدعم صوّتت دول العالم على قرار التقسيم الجائر بما يشبه الإجماع، منها أمريكا وفرنسا والاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية المستقلة كافة، بينما اعترضت ثلاث عشرة دولة، منها ست دول عربية وأربع دول مسلمة، وامتنعت عشر دول عن التصويت منهم انجلترا. كان فارق القوة واضحًاَ لا يحتاج إلى دليل كما كانت توقعات نتائج المواجهة المسلّحة مع إسرائيل كارثية إلى حد كبير. كانت كل تلك التفصيلات معروفة لمعظم الزعماء العرب، وتم إبلاغهم بها من قبل البريطانيين والأمريكيين وغيرهم.
قبيل أسابيع قليلة من موعد تنفيذ قرار التقسيم وانسحاب الجيش البريطاني، كان الموقف العربي الرسمي لا يتعدى قيام تلك الدول بتسليح الشعب الفلسطيني وتسهيل انتقال المتطوعين العرب، وتوفير مساعدات مالية، وإدانة قرار التقسيم. فجأة وقبل حوالي خمسة أسابيع فقط من التاريخ المقرر للبدء في تنفيذ قرار التقسيم، ابتدأت الأوامر العليا تترى لقيادات الجيوش العربية للبدء بالتحشيد ووضع الخطط للتدخل العسكري فور انسحاب القوات البريطانية من فلسطين الذي كان قد تحدد أن يكون يوم الخامس عشر من مايو من عام 1948. كان ذلك القرار الذي بقى سرًا لم يتحدث عنه أحد نتيجة للتوصل لاتفاق بين الدول العربية التي شكّلت الحلف العربي العسكري، وهي مصر وسوريا والأردن ولبنان، وبين زعماء الصهيونية في فلسطين، بوساطة سرّية إنجليزية وأمريكية وتنسيق مع الأمين العام للأمم المتحدة، يتعهد فيه الأطراف على أن لا تتجاوز قوات أي منهم خطوط التقسيم التي حددها قرار (181) لعام 1947. كان ذلك التفاهم هو الكلمة السحرية التي أعطت لقادة الدول العربية الضمان الوهمي باستبعاد أخطار الصدام المسلّح مع القوى العسكرية الإسرائيلية المتفوّقة، وبعدم تدهور الأمور وتكبّد الخسائر البشرية والهزائم الميدانية في الصراع الاستعراضي المقبل، بينما سوف يسعد الجماهير العربية والفلسطينية دخول الجيوش العربية للأراضي المخصصة للفلسطينيين في قرار التقسيم فقط، ويرفع عن كاهل الأنظمة احتمالات التقاعس والتفريط، الأمر الذي لم يكن في حسابات إسرائيل احترامه أو الالتزام به.
يمضي الكتاب في شرح تطور حرب عام 1948، وتضحيات الجيوش والمتطوعين والمقاومين الفلسطينيين والعرب التي لم تسفر رغم الحماس والاستبسال والشهادة عن تحقيق النصر، يخلص الكتاب إلى أن انتهاء حرب النكبة فتح الباب لبدء المعاناة الطويلة للاجئين الفلسطينيين وضياع معظم الأراضي الفلسطينية، وبقى ما زال بيد العرب من الأراضي الفلسطينية تحت إشراف القوات المصرية والأردنية التي ساهمت في حرب عام 1948.
وفي 16 سبتمبر/أيلول أعلن “فولك برنادوت”، وسيط الأمم المتحدة في فلسطين، أن العرب لم يبدو أي رغبة في تشكيل حكومة في القسم العربي في فلسطين ممّا قد يؤدي إلى ضمه إلى شرق الأردن. بعد سبعة أيام من هذا التصريح، وفي 23 سبتمبر/أيلول تم عقد اجتماع في مدينة غزة صدر بانتهائه الإعلان عن إنشاء حكومة عموم فلسطين بجهود مصرية وسعودية وسورية، بدأت فور ذلك الترتيبات لانعقاد مؤتمر “أريحا” المشهور في الأول من ديسمبر 1948. الذي بايع الأمير عبد الله بن الحسين، وقرر انضمام الضفة الغربية للإمارة الأردنية. تأزمت الأمور واشتد غضب بعض الدول العربية وقررت الجامعة العربية فصل الأردن من عضويتها. استمرت الأزمة عدة أسابيع حتى أقر اجتماع تالٍ في عمان أن الخطوة الأردنية كانت للاحتفاظ بالضفة الغربية وحمايتها من الاجتياحات الإسرائيلية على سبيل الأمانة لحين تحرير باقي فلسطين. كان ذلك هو الانقسام الفلسطيني الأول الذي ارتكبه العرب والذي تبعته انقسامات أخرى ارتكبها الفلسطينيون أنفسهم.
لقد فشلت سياسات الدول العربية التي شاركت بإرسال قوات لمساعدة ومساندة الشعب الفلسطيني في صراعها غير المتكافئ مع قوات العدوان والاستيطان الصهيونية، كما فشلت تلك السياسات في عدم إشراك القيادات الفلسطينية ومساندتها لتحمّل مسؤوليتها في حرب عام 1948، ورفض القادة السياسيون والعسكريون العرب تعيين قائد فلسطيني عسكري في القيادة العربية العسكرية العليا التي ضمّت عسكريين يمثلون القوات العسكرية العربية كافة ما عدا الفلسطينيين. لم يصل، حتى اليوم، أو يتفق المسؤلون العرب ولا السياسيون والمثقفون والأدباء الفلسطينيون والعرب على الأسباب التي دفعتهم لهذا التصرف ولا الهدف منه. يعزو البعض ذلك إلى أن هذا التجاهل العربي كان سببه الانقسام الفلسطيني أو قناعة الزعماء العرب بعدم جدارة أي من الزعماء المحليين الفلسطينيين لتبوء هذا المنصب. تطلّب إنهاء هذا التجاهل العربي عشرين عامًا حتى تمكّن رجل فلسطيني أسمه “ياسر عرفات” من تبديد ذلك الوهم العربي.
يخلص الكتاب إلى أن حرب فلسطين كانت مغامرة عسكرية غير متوازية ولا عادلة وانتهت بتحصيل الحاصل والنتيجة المتوقعة المعروفة، وأضاف الاختلاف السياسي وعدم التنسيق وانعدام الثقة المتبادلة والشك والتشكيك بالنوايا بين الدول العربية وقادتها، ضعفًاَ إضافيًا للضعف العربي العسكري، ضعفًا ترك آثارًا ونتائج كارثية على منحى ومصير قضية الشعب الفلسطيني.
وكان إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عنوان الفصل الرابع من الكتاب. الأمر الذي يعتقد الكاتب أنه الخطوة الأساسية الأولى في سلسلة العمل المقاوم والسياسي للشعب الفلسطيني.
عندما تم في عام 1964 إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية من قبل الزعماء العرب، كانت هي الإطار الوطني الثاني للعمل الجماعي الفلسطيني الذي أنشأته الدول العربية بعد تجربة الهيئة العربية العليا التي شُكلت في عام 1947. حيث كان تشكيل تلك الصيغة باكورة عمل فلسطيني واعد بعد نكبة عام 1948.
تواجد في الساحة الفلسطينية في ذلك الوقت تنظيمان فلسطينيان أساسيان أحدهما، لا زال في عمر الوليد وهو تنظيم حركة فتح، والثاني، هو الجناح الفلسطيني في حركة القوميين العرب الذي كان في قمة تواجده نتيجة للالتحام الجارف للجماهير العربية مع الأفكار القومية الوحدوية التي مثلتها الأحزاب الوطنية والقومية، وخاصة حزب البعث العربي الاشتراكي، وتيّار الرئيس المصري جمال عبد الناصر الوحدوي الذي آمن معظم الشباب العربي في أنه الطريق الوحيد لتحرير فلسطين. وحدها حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» من كل الأحزاب والفصائل والتجمعات الفلسطينية، هي التي اختارت طريقًا مختلفًا حوّل تفكير وقناعات الجماهير الفلسطينية والعربية وسياسات الأنظمة والحكومات العربية. كان منطق ومنطلق حركة فتح بسيطًا ومُقنعًا وعمليًّا، وتبلّور حول واجب الفلسطينيين أنفسهم وحقهم في أن تكون لهم الريادة والمسؤلية في تحرير بلادهم. اتبع مؤسسو حركة فتح قولهم بالعمل ولم ينتظروا إذنًا ولا تنسيقًا ولا ولاية ولا توجيهًا، وبرز من ذلك الزمن المبكر أسم ياسر عرفات كقائد شاب جديد للشعب الفلسطيني.
تحفّظت حركة فتح في الاعتراف أو التعاون مع منظمة التحرير وهاجمتها بضراوة باعتبارها هيمنة عربية على مقدرات الشعب الفلسطيني، وهاجمت أيضًا التنظيمات، والمقصود هنا هي حركة القوميين العرب، التي أيّدت واعترفت بمنظمة التحرير، وردت تلك التنظيمات بتوجيه اتهامات لحركة فتح باعتبارها تتبنى برنامجًا يهدف لتوريط الدول العربية، والمقصود هنا مصر بالذات، وانحيازًا لسوريا التي لم تكن على وفاق مع نظام الرئيس عبد الناصر. ابتدأ هذا التراشق بالاتهامات، وأضحت منظمة التحرير عاجزة عن القيام بأي دور ملموس سوى الدخول في معارك كلامية مع الأردن. استمر هذا الوضع في سنوات منظمة التحرير الأولى، حيث بقيت حركة فتح بعيدة عن المشاركة فيها، وابتدأ العداء بالتصاعد بين منظمة التحرير وحركة القوميين العرب التي أصبحت لاحقًا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وساءت علاقات منظمة التحرير مع الأردن.
أوقفت مؤقتًا حرب عام 1967 هذه الحالة، وابتدأ التغيير في العلاقات بين الأطراف المختلفة لتشهد الساحة تبادلًا في مواقف المنظمتين الأكبر في العمل السياسي الفلسطيني حيث انضمت حركة فتح في عام 1968، وترأس زعيمها ياسر عرفات منظمة التحرير الفلسطينية، بينما اتخذت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين موقفًا سلبيًا من منظمة التحرير تم تصعيده لاحقًا بالانسحاب منها.
قبل نهاية عام 1967 كانت هناك في الأردن عدة تنظيمات فلسطينية، سياسية وقتالية، قادرة ومؤثرة على القرار الذي تتخذه أية قيادة سياسية مشتركة، بعضها قديم وبعضها جديد، بعضها بمبادرات فلسطينية ذاتية، وبعضها بدعم أو إيحاء من أنظمة عربية مجاورة، وانتقل الجدال والخلاف بين الفصائل الفلسطينية إلى صدامات مسلّحة في الأردن وبعدها في لبنان باكتساح إسرائيلي عسكري، وتسببت في جرّ قيادة التنظيم القائد، حركة فتح في ذلك الوقت، إلى مواجهات ومواقف لم تكن في حساباتها ومخططاتها، وبالتالي إلى خروجها وجميع القوى الفلسطينية الأخرى من هذين البلدين. فقط في المحطة الثالثة للتواجد الفلسطيني السياسي خارج الأراضي الفلسطينية، في تونس بعد خروجها من لبنان، استطاعت الحكومة التونسية فرض سلطتها على تواجد ونشاط منظمة التحرير الفلسطينية، وعاشت منظمة التحرير الفلسطينية وتنظيماتها ومكاتبها وأفرادها في ضيافة الشعب التونسي اثني عشر عامًا بحفاوة وسلام قبل أن يغادروها إلى بلادهم في منتصف عام 1994.
خصص الكاتب الفصل الخامس بكامله للحديث عن حركة فتح وحركة حماس والرحلة الدامية بينهما بدءًا بالتراشق بالكلام، وانتهاءًا بالتراشق بالرصاص.
جاءت الولادة الرسمية لحركة حماس عام 1987 متأخرة ثلاثة عقود تقريبًا عن بدء العمل السياسي والقتالي لمنظمات وتنظيمات فلسطينية عتيدة، ونحو ثلاثة وعشرين عامًا بعد إنشاء التنظيم الأساسي والمُوحّد، منظمة التحرير الفلسطينية، التي اعترفت بها قانونيًّا الدول العربية بأسرها، والغالبية من الدول الإسلامية، كما اعترف بها واقعيًّا معظم دول العالم.
وكما جاءت ولادة حركة فتح تحمل معها رفض الفكر السياسي لمن سبقها من الفصائل والأحزاب الفلسطينية، مثل حزب البعث وحركة القوميين العرب وغيرها، رفضت حركة حماس منذ بداياتها الأولى كل مؤسسات ومنطق وتاريخ ما قبلها، وأطلقت شعار الجهاد كفريضة والمقاومة شعارًا، ورفض التفاوض أو التعايش مع “الكيان اليهودي”، أعلنت حركة حماس منذ بداياتها أن عدوها الأساسي هو إسرائيل، إلا أنها أيضًا ومنذ اليوم الأول لقيامها أشهرت الحرب على حركة فتح وعلى منظمة التحرير الفلسطينية وتاريخهما وأهدافهما رغم أن الأخيرتين لم يكونا بعد أطرافًا في أيّ مفاوضات مع إسرائيل، ولم يكن قد تم إعلان قيام الدولة الفلسطينية عام 1988 على الأراضي المحتلة في عام 1967، ولا كان اتفاق أوسلو قد وُلد بعد. لم تتوانَ حركة فتح من الرد على تلك الاتهامات بإعادة الروايات عن شهر العسل بين أجهزة الأمن الإسرائيلية وحركة حماس، وعن اتفاق حول مؤامرة إسرائيلية لتسهيل إعطاء إنجازات ودور فتح إلى تنظيم حماس.
ابتدأ الرئيس عرفات في تاريخ مبكر محاولاته للتوصل لفهم وإيجاد وسيلة للتعامل مع هذا التنظيم الجديد الذي كان يبدو مختلفًا عن التنظيمات الفلسطينية الأخرى التي استطاع استيعابها خلال سنوات طويلة. بعد عودة الرئيس عرفات للأراضي الفلسطينية في شهر يوليو 1994، والاستقبال التاريخي الذي قوبل به من الشعب، وبات في أزهى حالات الرضا والثقة. استمر هذا الهدوء النسبي لعدة أسابيع ليحل محله نوع آخر من جس النبض بين قوى حركة حماس من جهة، وبين القوة الجديدة الوافدة إلى الأراضي الفلسطينية، السلطة الوطنية الفلسطينية وعمودها الفقري حركة فتح من جهة أخرى. كانت حركة حماس في تلك الفترة قد ترعرعت وانتشرت داخل المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وشاركت في الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي قادها عمليًّا وسياسيًّا الرئيس عرفات من مكان تواجده في تونس.
ابتدأ «جس النبض» الحقيقي والرد على اتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي في صيف عام 1994، حيث قامت حركة حماس بعدة عمليات لمهاجمة المستوطنات الإسرائيلية التي كانت لا تزال في محيط قطاع غزة أو على أطرافها. في الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر، قامت مجموعة من حماس بمهاجمة حدود مستوطنة “نتساريم” الإسرائيلية جنوب مدينة غزة، وقامت أجهزة الأمن الفلسطينية باعتقال بعض كوادر حركة حماس، على اعتبار أن هذا العمل كان موجهًا ضد السلطة الوطنية ويهدف إحراجها في الوقت الذي كانت فيه المفاوضات تجري من أجل الاستمرار في تنفيذ اتفاق السلام. رّدت حركة حماس على تلك الاعتقالات بالإعلان عن تنظيمها لمظاهرة يوم الجمعة التالي بعد صلاة الجمعة تنطلق من مسجد فلسطين الواقع في قلب مدينة غزة، تواجدت قوات كبيرة من أجهزة الأمن والشرطة خارج المسجد لمراقبة الأمور أو لمنع التظاهر، واحتشد عدد كبير من أنصار حركة حماس في مسجد فلسطين وألقى الإمام خطبة نارية ألهبت المصليين الذين تدفقوا بعد انتهاء الصلاة من المسجد يحملون اللافتات والأعلام التي كانت جاهزة على مداخل المسجد. بينما حاول المسؤولون الأمنيون إقناع المتظاهرين بعدم الاستمرار في المسيرة. بدأ إطلاق نار كثيف اتهم فيما بعد كل من الطرفين الآخر ببدئه من خارج المسجد، وسقط نتيجة لهذا الاشتباك 12 قتيلًا وجرح العشرات جراء إطلاق النار من الطرفين، كانت تلك هي المرة الأولى التي يسقط فيها ضحايا منذ قدوم السلطة الوطنية إلى الأراضي الفلسطينية.
كان العامل الأقوى والأكثر تأثيرًا على مستقبل العلاقة بين حركة حماس من جهة، ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح بشكل أساسي من جهة أخرى، أكثر تعقيدًا وخطورة، فلقد تبنت حركة حماس منذ إنشائها منهجًا قائمًا على معاداة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها مؤسسة علمانية الفكر غير ملتزمة بمبادئ الفهم الديني لطبيعة الصراع الإسلامي اليهودي الذي هو من وجهة نظر الإخوان المسلمين وحركة حماس، جوهر المشكلة. ولقد حرصت حركة حماس، منذ إنشائها، على التركيز ليس على ذلك التفسير الديني للصراع فقط، ولكن أيضًا على خطأ توجهات منظمة التحرير الفلسطينية ومنهجها القائم على الفكر القومي والعلماني الذي سوف يتسبب مثلما تسببت الأنظمة العربية المماثلة، في ضياع فلسطين وتدهور أوضاع العالم العربي الحالي. قامت حركة حماس أيضًا، بمشاركة أجهزة إعلام وفضائيات عربية وخليجية بحملة تجريم وإدانة قاسية لما اعتبرته الخيانة التاريخية التي ارتكبتها قيادة منظمة التحرير بقبولها بالدخول في مفاوضات استسلامية، وتنازلها المُشين عن 80% من الأراضي الفلسطينية، وتخليها عن الثوابت الفلسطينية القاضية باستعادة فلسطين كاملة، وتخلّيها، أي حركة فتح، عن مبادئ الشرع الإسلامي الذي يعتبر كل أراضي فلسطين وقفًا إسلاميًّا لا يجوز التفريط به أو التنازل عن جزء منه. تطورت تلك التعبئة في وقت لاحق إلى اتهامات مباشرة بالتعاون والتنسيق مع الإسرائيليين ضد حركة حماس والفصائل الفلسطينية المقاومة، إضافة للضرب على وتر الفساد والإفساد المالي والأخلاقي. جعلت تلك التعبئة القاسية، ولتلك المدة من الزمن، من المستحيل على قادة حركة حماس إعادة إقناع كوادرهم بضرورة أو إمكانية التعاون أو التشارك مع هذه السلطة الفاسدة وطنيًا وماليًا وأخلاقيًا. ولسوف تظهر آثار ونتائج تلك الممارسات والتعبئة من الطرفين بعد سنوات قليلة، وخاصة بعد وفاة الرئيس عرفات والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وذلك من خلال الصدامات الدامية والمواجهات المدمرة بين الطرفين والتي تميّزت بضراوتها، ووحشيتها في بعض الأحيان، والتي غلّفها الحقد والقسوة والعنف غير المبرر.
-
إذن ما هي حقيقة الخلاف بين حركتي فتح وحماس؟
هناك موضوعان أساسيان يبرزان بجلاء في هذا الصدد، أولهما، هو خلافاتهما في الشأن الفلسطيني الداخلي، والثاني، هو اختلاف استراتيجية إدارة الصراع مع إسرائيل. أمّا بالنسبة للسياسة الداخلية والشأن الفلسطيني، فإن التفسير والإجابة المحزنة لأسباب الخلاف بين التنظيمين الفلسطينيين الأكبر، في ظل أنهما يختلفان على أيّ شيء بينما يتطابق تصرفهما في كل شيء، يتمثّل عمليًّا في حقيقة واحدة هي رغبة كل من الطرفين بالتفرّد في حكم ما تبقى من أرض فلسطينية ومن يعيش عليها من شعب ممزّق مقهور من قبلهما، ومن قبل الاحتلال الإسرائيلي أيضًا. ولقد شهدت خلال سنوات طويلة تحوّل مواقف التنظيمين الفلسطينيين، وتغيّر أولوياتها، ورجوعها عمّا كانت تدّعي من مواقف ثابتة ومبدئية، وتبريراتها حول هذا التغيير والتحوّل في صراعاتها الطويلة على النفوذ والتفرّد والسلطة، واتهامها للآخر بالتفريط بالحقوق والمصالح. في حين كانت حركة فتح تملك مقاليد السلطتين التشريعية والتنفيذية كانت جاهدة السعي للاستحواذ على مطلق الصلاحية والولاية السياسية والإدارية والأمنية، وتستغل تمتعها بالأكثرية في الحكومة والمجلس التشريعي لفرض القوانين والسياسات التي رأت أنها متوافقة لاستراتيجيتها في الحكم والتزاماتها باتفاقاتها الدولية، وكان غالبية وزرائها ومدرائها العموميين وسفرائها وموظفي حكوماتها من أعضاء حركة فتح.
كان ذلك مصدر انتقاد دائم من حركة حماس التي كانت قد عزلت نفسها وكوادرها تمامًا عن المشاركة في الحكومة أو الحياة السياسية الفلسطينية المشتركة. اختلفت الأدوار فقط بعد نجاح حركة حماس في الفوز بالانتخابات التشريعية لعام 2006، وحققت أغلبية في ذلك المجلس الذي دأبت خلال عشرة أعوام على رفض التعاون معه وتعتبره بندًا مفروضًا على الشعب الفلسطيني وانبطاحًا وإطاعة لاتفاق أوسلو المشين، حيث قامت هي في هذه المرّة بالاستغلال الضيّق الأفق لأكثريتها المقررة في الحكومة والمجلس التشريعي وسط الانتقادات التي أثارتها حركة فتح حول ذلك، والتي لم تختلف كثيرًا عن انتقادات حركة حماس في الفترة السابقة.
الواقع يؤكد أن حكومة السلطة وحكومة حماس، في وضعهما الداخلي، هما وجهان لعملة واحدة، اختلاف في الوسائل وتماثل في الأداء. كان عدد من قيادات حركة حماس، خاصة السيد هنية، والدكتور الزهّار، يكررون الشكوى والتذمّر خلال اجتماعاتنا الدائمة معهم حول طريقة تصرّف ومظهر وعمل قيادات فتح والسلطة الفلسطينية، والمظاهر الفاقعة لمواكبهم، وفخامة المركبات، وكثافة الحراسة حولهم، وامتيازاتهم ومعاملاتهم المالية، وتعدد أجهزتهم الأمنية، وقيامها بملاحقة واعتقال المجاهدين نيابة عن إسرائيل، وكثرة وتضارب أحاديثهم الصحفية والإعلامية، وعدم قدرتهم على حماية المواطنين الفلسطينيين من بطش العدوان.
واليوم، وبعد حوالي عشرة أعوام من حكم حركة حماس، تتعرّض هي نفسها لمثل تلك الانتقادات، فمواكب السيارات المصفّحة والفارهة التي تحمل مسئولي حماس تروح وتغدو محاطة بعشرات الحرّاس المدججين بالسلاح، وكاميرات التصوير والمراقبة تحيط بمكاتبهم ومنازلهم، والأموال العامة تنتقل في حقائب ووسائل غير موثقة ولا مأمونة، وصرف المرتبات والمخصصات يبدأ وقد ينتهي أحيانًا، بالموظفين والكادر التابع لحركة حماس، وأول ترتيبات الحكومة الجديدة كان إنشاء جهاز أمني جديد مطلق الولاء لحركة حماس، وتصريحات العدد الكبير ممّن يتحدثون بأسم حركة حماس تملئ الأثير، وفيما لو استمرت حكومة وحركة حماس أيضًا، في حراسة الجانب الشرقي من قطاع غزة ومنع “المجاهدين” من إطلاق الصواريخ، والمطالبة بتسليم الفصائل والأحزاب الأخرى لأسلحتها، فسوف تُتهم كما هي اتهمت السلطة وفتح، بالقيام بملاحقة واعتقال “المجاهدين” نيابة عن إسرائيل. وتبدو حكومة حماس اليوم، وحركتها، وكتائب القسّام، عاجزة تمامًا عن حماية نفسها والمواطنين الفلسطينيين من العدوان الإسرائيلي، كما أنها تقتصر بالبيانات والتصريحات على إجراءات إسرائيل في إقامة وتوسيع مستوطناتها في الضفة الغربية.
فتح وحماس ليستا متخاصمتين ولا متصادمتين في ساحات الوغى وأتون المعارك، ولا هما مختلفتان حقيقة على مبادئ وسبل وأسلوب وأهداف إدارة الصراع مع العدو الصهيوني، وقد أثبتت قرارات وتصريحات حركة حماس فيما يتعلّق بالدولة الفلسطينية ذلك، وإنما هما في صراع حول السلطة ومناطق النفوذ، وما يطالب به الشعب الفلسطيني ليس مصالحة بينهما، لأن هناك مصالحة واقعية وعمليّة بينهما أساسها الرضا المشترك والطوعي على تقاسم البلاد والعباد وما يتبعه من مصالح وفوائد. إن تبرير هذا الرضا بما قُسم لا يحتاج منهما سوى الإدعاء باختلاف برامجهما الوطنية السياسية، واختلاق أزمات عسكرية أو سياسية بتوالي فترات الزمن. لقد فشلت التجربتان السابقتان لحكومتي الوفاق والتوافق لأن طرفيهما لا يريدان صيغة حقيقية وفاعلة لعمل فلسطيني وطني مشترك، بل تمسكا بالخيار الأكيد لتفشيل أي حكومة مشتركة عن طريق تجاهل الشرط الأساسي لنجاحها وهو التوصل إلى برنامج وطني مشترك تعمل على أساسه الحكومة التوافقية. هل يمكن أن يخلص المرء بنية بريئة بأن كلا الطرفين سعيد بما لديه من بقايا الأرض الفلسطينية وبمن يحكمهم من ساكنيها الفلسطينيين المُنهكين، ومصمم على الاحتفاظ بما لديه؟.
يعتبر الفلسطينيون على اختلاف مشاربهم، منذ الطلقة الأولى في مسيرتهم لتحرير بلادهم وحتى اليوم، أن أي جزء من أرض فلسطين التاريخية هو ملك لهم، عزيز على قلوبهم، لا يجوز ولا يصح التنازل عنه أو المساومة عليه. وتقع غزة وقطاعها في قلب فلسطين والفلسطينيين باعتبارها أصلًا وليست بديلًا، جزءًا وليست كيانًا، له ما للفلسطينيين كافة وعليه ما عليهم. ولقد كانت غزة وقطاعها عصيّة على الاحتلال الإسرائيلي ومقاومة له في تاريخها، وقبل تسلّم حركة حماس السلطة فيها، وبعد ذلك في تصدّي مقاتلي حركة حماس البطولي للإجتياحات الإسرائيلية، وضرب أهلها أمثلة مشرّفة في التضحية والفداء والتمسّك بالأرض.
ولكن الصراع الغامض في غالبيته بين الاستراتيجيتين الإسرائيلية والحمساوية، يضعنا في أحجية يصعب فهمها أو تفسيرها. فمن ناحية، ليس سرًّا أو معرفة جديدة بأن إسرائيل في ماضيها وحاضرها ليست مهتمة ولا راغبة أو ساعية في احتلال أو استيطان أو ضم قطاع غزة وملحقاته، ذلك أن عين ويد إسرائيل في ماضيها وحاضرها مركّزة وطامعة في القدس وأراضي الضفة الغربية. ولقد استغلّت إسرائيل وسوف تستمر في استغلال كل سبب أو عمل في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو أي منطقة عربية أخرى لتحقيق هذا الهدف.
ورد في التوراة تعبير واضح حول هذا الموضوع “ملعونة أنت يا غزة”، وعرض “بن غوريون” على الملك المصري “فاروق” من خلال وسيط يهودي مصري في أواخر عام 1948، ضم غزة وضواحيها للتاج المصري الأمر الذي رفضه الملك في حينه، ونقل الرئيس أنور السادات إلى الرئيس عرفات اقتراحًا من رئيس الوزراء الإسرائيلي “بيجن” بإنشاء دولة فلسطينية في غزة، ورفض الرئيس عرفات ذلك، وانسحبت إسرائيل طوعًا من قطاع غزة عام 2005، في تخطيط مدروس للإيقاع بين الفلسطينيين أنفسهم. وقد احتفلت ورحبت كلّ من حركة فتح وحركة حماس بهذا الانسحاب واحتفلا ببذخ وسرور بهذا الإنجاز، وعزت الحركتان سبب الانسحاب إلى نجاح المقاومة في تحرير الأرض الفلسطينية والخسائر التي تكبّدها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، بينما تركتا دون تفسير مقنع سبب عدم انسحاب القوات الإسرائيلية المحتلة من أي جزء من القدس والضفة الغربية على الرغم من خسائرها العسكرية والمدنية التي فاقت بكثير خسائرها المحدودة في قطاع غزة.
في المقابل وفي ناحية أخرى، وفيما يتعلق باستراتيجية حركة حماس في صراعها مع الاحتلال والشعارات المرفوعة في هذا الشأن، فتعتمد حركة حماس بشكل أساسي على تبني المقاومة وسيلة وهدفًا، في الوقت المنظور، لمنع إسرائيل من اجتياح أو العدوان على غزة. وهذا أمر يتفق عليه جميع الشعب والفصائل والمنظمات الفلسطينية وقاموا بممارسته وبالذات حركة حماس لأعوام طويلة. ولكن حركة حماس اليوم ليس في مقدرتها، ولا رغبتها أيضًا، ربما لفترة طويلة قادمة من الزمن، العمل على تحرير أجزاء من الضفة الغربية أو الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1948. والمحصّلة لهذا الشرح الوجيز تقود إلى نتيجة واضحة هي أن إسرائيل لا تريد الهجوم أو احتلال كل أو أجزاء من قطاع غزة، وأن حركة حماس لا تنوي، حتى الآن، تحرير أجزاء من الضفة الغربية. فأين سبب أو ساحة الصدام بينهما؟.
وماذا يمثّل شعار المقاومة هنا؟، ولماذا التهديدات المتبادلة بين الطرفين حين يكون الأمر الواقع في معظم السنوات العشر الأخيرة هو التهدئة المتبادلة بين طرفين لا يبغيان الصراع والمواجهة؟.
في الوقت الحالي ترتبط السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح باتفاق مع إسرائيل أسمه “اتفاق أوسلو”، بينما ترتبط حركة حماس باتفاق مع إسرائيل نفسها أسمه “اتفاق التهدئة”، وكلا الاتفاقين يحتويان على شروط وبنود ولا يحتاجان لاحترامها أو تنفيذها إلى العودة لمفاوضات أو إضافات أو تفسيرات. فأثناء الصدامات الدموية بين قوى السلطة وحركة فتح مع الاعتداءات والاجتياحات الإسرائيلية الوحشية على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة كانت السلطة الوطنية تطالب بتطبيق “الاتفاقات المُوقّعة” بين الطرفين، والتي يقف على رأسها اتفاق أوسلو التي ترفضه حماس، في سعي القيادة الفلسطينية لتحقيق ضغوط دولية توقف شلالات الدم والدمار. ومن وقت لآخر وعلى جبهة أخرى في قطاع غزة وبعد كل فترة زمنية قصيرة من القتال بين قوات حركة حماس والجيش الإسرائيلي في اعتداءاته واجتياحاته لأراضي القطاع الفلسطيني، ومن خلال وساطات مصرية غالبًا، وخليجية أحيانًا، وربما تركية قريبًا، تعلن حركة حماس قبولها للعودة لـ”اتفاق التهدئة” وتربط ذلك مع توضيح يقول بأن هذا القبول رهين بقبول إسرائيل للتهدئة وفقًا لشروط “اتفاق التهدئة” الثابتة والمعروفة للطرفين بشكل لا يحتاج لشرح.
المقاومة، ليست شعارًا واستراتيجية وأسلوب عمل تمّ اختراعه وممارسته واحتكاره منذ ظهور حركة حماس فحسب، ففي فقه النضال الفلسطيني أطلقت حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومنظمات فلسطينية أخرى هذا الشعار، وأُضيف إليه تفسير يتعلق بطبيعة المقاومة، حين أعلن زعماء فلسطينيون أمثال الرئيس الراحل “ياسر عرفات”، والقائد الفذّ “جورج حبش” شعار “المقاومة المسلحة”..عقودًا عديدة قبل صدور البلاغ الأول لحركة حماس التي انضمت لركب الفداء والدم وأثبتت قدرتها وإصرارها، وقدّمت على غرار الفصائل الفلسطينية السابقة في العمل، تضحيات عزيزة ومشهود لها الكفاح بكافة أنواعه وخاصة منه الكفاح المسلّح ليس منهجًا أبديًّا لا بديلاً أو توقفًا أو عدولاً عنه، هو ليس غاية وإنما وسيلة، يخضع استمرارها أو توقفها أو وحتى إلغاؤها للمصالح العليا للقضية والشعب الفلسطيني.
في ظل استمرار الوضع الحالي بين التنظيمين الفلسطينيين الأكبر من انقسام واستعانة بالأحلاف الإقليمية والدولية، يتصاعد التخوّف الأخطر في أن تتحوّل الأراضي الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى بؤرة من بؤر الاقتتال الداخلي الوحشي، على النمط الذي نشهده في بلدان ومدن عربية حولنا، خاصة وأن الراغبين والداعمين والممولين لمثل هذا الاقتتال جاهزون ومتحمّسون حولنا وعلى بعد قليل منّا، هذا الاقتتال الذي لن يكون لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي أو التدخّل الأجنبي، ولكنه سيكون بين فصائل جديدة وعديدة ومتطوعين يهرعون لنصرتها، فصائل من معارضة مسلّحة، معتدلة أو متطرفة أوسلفية وربما قومية أو وطنية، والتي بدأت بوادر تواجدها ونشاطها بالظهور في الفترة الأخيرة.
يتحدث الفصلين السادس والسابع من الكتاب بإسهاب عن موضوع استغرق الكثير من النقاش والإتهام في تاريخ العمل السياسي الفلسطيني، وقبل وقت طويل حتى من تبلور الخلاف حول هذا الموضوع بين قادة ومُنظّري حركتي فتح وحماس. وقد زاد من حدة هذا النقاش وعداوته ووضعه في عليّة القداسة، تدخّل المفكرين والمؤرخين والكتّاب العرب والإسلاميين والثوريين واليساريين، وبرامج تلفزيونية، وكتب، ومقالات صحفية، وتهديدات وتحريم وتكفير، مع معرفتنا جميعًا، وممارساتنا العلنية والسرية، المباشرة وغير المباشرة، أن موضوع التفاوض، حين تدعو الظروف إلى ذلك، والاتصال والحديث والمجادلة وإثبات الحق هو جزء من النضال الذي مارسته كل الشعوب، ولم تحرّمه أي من الديانات، وقد مارسه الأنبياء والخلفاء والملوك والسلاطين عبر التاريخ.
إن التفاوض حين تدعو الظروف والأمور إليه هو ضرورة سياسية ووطنية، والحرب في مفهومها الحقيقي هي تفاوض ولكن بالسلاح وليس بالحجة، وأن نتائج الخيارين الحرب أو التفاوض هي ذاتها، ولا يعطي أي من الخيارين لأي من المشاركين سوى حجم قوته على الأرض ليس أكثر أو أقل. والطرف الذي يملك القوة المتفوقة لا يحتاج للتفاوض لأن الحسم هو ملك يديه، ولكن تحقيق بعض المكاسب ودرء أخطار ممكنة هو الذي يدفع الطرفين إلى التوجه للحديث والإقناع والحجة.
والتفاوض لا يعني التنازل ولا ثبات الوضع وديموميته، وليس هناك في تاريخ البشرية مثالًا واحدًا لاتفاق بين طرفين بقي ساريًا بعد أن تغيّر ميزان القوة بين الطرفين المتعاهدين. وانتهى معظم سعي الشعوب للاستقلال، وبعد تضحيات جسيمة وحروب طويلة، بالتفاوض مع الغاصب المحتل وقبول بعض الشروط المجحفة التي انهارت وتبددت بعد سنوات قصيرة.
أتت خاتمة الكتاب لتؤكد أسس المشكلة بين الفصائل والحركات والأحزاب الفلسطينية المتصارعة، ولتقدم بكل التواضع والانفتاح سبل العودة للتماسك والتوحد. إسرائيل لا تخشى حركة حماس، ولا حركة فتح، وهي غير مُعرّضة واقعيًا لحرب من دولة أو دول عربية أو إسلامية. قد تكون قوة حركتي فتح وحماس العسكرية والقتالية كافية لكل منهما للسيطرة والحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة، بترحيب وتهليل من إسرائيل نفسها، ولكن البدء في تحرير فلسطين أو على الأقل المحافظة على ما تبقّى منها، يحتاج إلى أكثر بكثير من قوتهما اليوم، وأول الطريق للوصول لذلك هو تحقيق وحدة الشعب والأرض الفلسطينية، الأمر الذي يبدو أن كليهما غير قادر أو ربما غير جاد أو غير راغب في التوصّل إليه.
تُواجه اليوم الكيانات السياسية في أجزاء من العالم، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، نفس تلك التحديات والمعطيات التي واجهتها مثيلاتها منذ قرن مضى، والتي سوف تجلب معها التغيير والتأقلم اللازم لمواجهة واقع وتحديات المستقبل، ولسوف تستمر في بلادنا الحروب الصغيرة، وتنافر القوميات والأديان والمذاهب، والهجرة والدمار، وتفسّخ الشعوب وانقسامها. كما سوف يعاد تشكيل الدول والكيانات السياسية بما يتوافق مع سيطرة وحسم القوى الأعظم حول الروابط والأسس الجديدة التي ستفرضها احتياجات وواقع المستقبل.
قد يكون من المؤلم والمحزن أن نعترف اليوم، وبعد حوالي خمس سنوات من التقاتل والتناحر والغضب والدمار والقسوة والعناد، وبعد التعوّد على مشاهد الموت والذبح والشنق والسجن والتهجير والكره، بأن الروابط القديمة التي جمّعت ووحّدت شعوبنا العربية والإسلامية خلال القرن الماضي على الأقل، قد انهارت ولن تعود، ولسوف تتبدّل حدود دول، وتتغير أنظمتها السياسية ووحدتها ومركزيّتها ومسمّياتها.
وهذا الكلام لا يُقصد به فصيل بعينه في بلادنا، بل يقصدهم جميعًا في معرض مسؤليتهم، أحزاب وفصائل وبالذات الفصيلين الأكبر والأقوى، حركة فتح وحركة حماس.
ثلاثون عامًا من التناحر والتقاتل، وجهد جاد لتوسيع الخلاف وخلق الأسباب، وتعميق النزاع وترسيخ الانقسام والتفرد بالسلطة، رغم أنهما يواجهان عدوًّا واحدًا موحّدًا وقادرًا وغير خائف ولا وجل من جهودهما السياسية ولا نشاطهما المقاوم اللذين حققا لذلك العدو، خلال العقد الأخير على الأقل، أزهى عقود الأمن والأمان منذ إنشاء دولته الغاصبة على أرض شعبنا التاريخية.
أرى اليوم واجبنا جميعًا بأحزابنا وقيادتنا يتمثل في البدء في العمل للخروج من الموقف العدمي الحالي الذي لم يتقدم بقضيتنا على درب السياسة والتفاوض ولا انتزع لنا نصرًا في ميادين القتال، بل جعل خلافنا واختلافنا هو الأساس، وجهدنا في محاربة بعضنا بعضًا هو الأولوية، لقد انتهز أعداء شعبنا ما نحن فيه من تفرّق وانقسام ليزيدوا من عذاب شعبنا الصابر المجاهد، لم يُنهك من خلافاتنا أحد إلا شعبنا، ولم يُقتل إلا شبابنا وأطفالنا، ولم تُهدم إلا بيوتنا. لم يمضِ على شعبنا يوم إلا وكان أمسه أفضل منه، ولن يأتي في المستقبل المنظور يوم إلا وغده أسوأ منه. وفي هذا الصدد يمكن طرح عدة تساؤلات على النحو التالي:
-
من يستطيع اليوم أن يقرر أو يدّعي أنه يتكلم بأسم الشعب الفلسطيني، أو بما يريد الشعب الفلسطيني، كل الشعب الفلسطيني؟
-
هل هي حكومة نصف الشعب الفلسطيني ومالكة الـ 35% من الأرض الفلسطينية المتبقية؟، أم تلك التي تحكم النصف الفلسطيني الآخر من السكان والسيطرة على 350 كم2 من تلك الأراضي؟
-
هل يستهدف العمل الفلسطيني السياسي والمقاوم ما تطالب به حماس، المتمثل بالمقاومة حتى استرداد الأرض الفلسطينية كافة؟
-
أم هو ما تؤمن به المنظمات الإسلامية التي لن تقبل إلا بالخلافة الإسلامية الحاكمة لكل البلاد الإسلامية؟
-
أم هو برنامج الجبهات أصحاب نظرية من البحر إلى البحر؟
-
أم هو من يتمسّك به أولئك الذين التزموا باتفاق أوسلو ويعملون من أجل تنفيذه؟
إن شعبنا لا يطمح اليوم للحل الأمثل لقضيته، ليس لأننا لا نريده، ولكن لأنه غير ممكن التحقيق. إن وضعنا الداخلي الممزق، وعدم توازن قوتنا مع قوة إسرائيل، ولا تحالفاتنا بالنسبة لتحالفات إسرائيل، ومواقف الأمم المتحدة وغالبية دول العالم، واتجاهات الرأي العام العالمي، هي عوامل واضحة سبق لنا دفع ثمن باهظ ومؤلم لعدم إدراكها وتجاهلها. نفس هذه العوامل هي التي تفرض علينا، كما فرضت منذ أربع وعشرون عامًا على الرئيس عرفات القبول بالحل الممكن حتى نتأهل، إن كنّا جديرين، لمرحلة الحل الأمثل.
إن المهمة الأولى والوحيدة في سلّم الأهمية الملقاة على كاهل الفصائل الفلسطينية وقادتها اليوم هي العمل على إعادة الوحدة للأرض والشعب الفلسطيني. ووقف العمل والكلام حول المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وبدء الكلام والعمل لإيجاد صيغة يكون التوحَد فيها في مصلحة القضية والشعب وليس مصلحة حركتي حماس وفتح فقط.
الشعب الفلسطيني يريد بتبسيط شديد اتفاق الفصائل الفلسطينية جميعًا، وفتح وحماس بالذات، على برنامج عمل سياسي مشترك يلزمنا ويمثلنا جميعًا، بغض النظر عن صعوبة توافق الآراء، أو الخروج عن مناهج التحالفات الإقليمية والدولية المتصادمة، وبفهم أن التوصل لبرنامج سياسي مشترك قد يستغرق وقتًا وجهدًا، وسوف ينتظر شعبنا بصبر وشغف تحقيق هذا الإنجاز الرئيس، فقد انتظر شعبنا مجرد التوصل لمصالحة بين فتح وحماس أكثر من عقد من الزمن وهي لم تتحقق بعد.
الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية هو عامل القوة الأكبر والأهم لدى الفلسطينيين سواء في أراضي 1967 أو أراضي 1948، كما إن دعم التواجد والوجود الفلسطيني على ما نسيطر عليه اليوم من أرض فلسطين هو السبيل الوحيد الذي سيُمكّنا من استكمال تحقيق كافة أهدافنا الشرعية في المستقبل بما فيها حق العودة. لقد كان تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 خطوة متقدمة عن حكومة عموم فلسطين التي كانت قد جاءت متأخرة كثيرًا على بدء النضال الفلسطيني، والتي اقتصر الاعتراف بها على عدة دول عربية وإسلامية. فقد حقق إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، التي حازت بعد سنين من العرق والدم على الاعتراف العربي والدولي، وجودًا سياسيًّا معنويًّا للفلسطينيين، لأنه لم يكن مرتكزًا على أرض فلسطينية. ولكن إنشاء السلطة الوطنية المستقلة وعودة رئيسها عام 1994، حقق الوجود السياسي الفلسطيني على الأرض واكتسب اعتراف دول العالم بأسره بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل، ربما ليس على كل الأرض التي يريدها الفلسطينيون، أو السيادة الكاملة التي يطمح لها ويستحقها الفلسطينيون، ولكنها مثلّت في حقيقتها أول إنجاز في تاريخ منطقة الشرق الأوسط لوجود كيان فلسطيني سياسي على جزء من الكل الذي يعتبره الفلسطينيون بلادهم.
ترتبط أهمية وأولوية عامل دعم الوجود الفلسطيني الحالي على أرضه بشكل لصيق وثابت بوجود كيانية سياسية تمثّل – بغض النظر عن محدودية سيادتها وتكالب الاحتلال حولها – حق ووحدة ووجود الشعب الفلسطيني على أرضه، وتعكس صورة واضحة لمضمون معنى الدولة والشعب الفلسطيني. لقد كان طمس هذا العامل هو هدف المشروع الصهيوني الإسرائيلي منذ البداية، والذي عبّرت عنه رئيسة الوزراء الإسرائيلية “جولدا مائير” في سؤالها الاستفساري المريب حين قالت “هل هناك شعب فلسطيني؟، أين هو الشعب الفلسطيني؟. كانت رئيسة الوزراء تدرك تمامًا أن هناك مئات الآف من الفلسطينيين في الأراضي التي احتلتها إسرائيل، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، ومخيمات اللاجئين في البلدان العربية المجاورة، ولكنها قصدت أنه ليس لهم دولة أو دويلة أو كيانية سياسية مُعترف بها دوليًا، توحّدهم وترعاهم وتتكلم بإسمهم.
سوف يتحتّم في الفترة الحالية والقريبة نسبيًّا على كافة القيادات الفلسطينية، وخاصة حركتي فتح وحماس، مجابهة تحديات صعبة ومهمات تاريخية وقرارات حاسمة سوف تترك آثارها على مستقبل القضية الفلسطينية ومصير الشعب الفلسطيني، لقد حان وقت القرارات الجريئة والمؤلمة، ونحن اليوم في منعطف خطير لن يساعد في الخروج منه استعمال نفس الأساليب والتبريرات التي درجنا عليها خاصة في العقد الماضي. على حماس وفتح أن يعملا معًا قبل أن ينتهي دورهما معًا من مسرح الحياة السياسية الفلسطينية. إن فرص بقاء حركة فتح فصيلًا فلسطينيًّا مُوحّدًا وقويًّا تتضاءل كل يوم كما حصل بعد انتهاء أعمال المؤتمر السابع لها، والذي تأرجح بين خياريّ الحسم أو الفوضى. كما أن توقعات فوز حركة فتح في أيّ انتخابات قادمة تبدو أكثر تضاؤلًا.
كما أن أحلام حركة حماس في النجاح بالوصول للضفة الغربية، وربما مجرد استمرارها في السيطرة على قطاع غزة بدون تغيير منهجها وتحالفاتها، دونه أيضًا خرط القتاد. سوف تتغيّر خارطة منطقة الشرق الأوسط كلّيًا إن عاجلاَ أو آجلاً، وليس في الخارطة الجديدة مكان لضعيف. إن تعاون التنظيمين واتفاقهما على برنامج عمل مشترك ومقبول، ليس فقط من قبلهما، بل من قبل الشعب الفلسطيني صاحب الولاية الشرعية والعليا، ومؤيد أيضًا من قواعد الشرعية الدولية، هو الطريق لمستقبل آمن للشعب الفلسطيني، وهو الضمان لمشاركة فلسطين الموحّدة في أيّ مخططات مستقبلبة للمنطقة التي نعيش فيها.
مثّل ذهاب الرئيس عباس إلى واشنطن لمقابلة الرئيس الأمريكي الجديد اهتمامًا دوليًا بضرورة إيجاد حل مقبول للمشكلة التي تسبّبت تقريبًا في معظم مشاكل الشرق الأوسط، وأن يذهب الرئيس عباس باعتباره رئيسًا للسلطة الوطنية الفلسطينية يعكس قناعة العالم بأسره واعترافه بضرورة إرساء دولة فلسطين، وقد يكون العائق الأقوى الذي جابه الرئيس الفلسطيني لتحقيق النجاح هو كونه لا يمثّل كل الفلسطينيين.
ليس هناك اليوم في الساحة الفلسطينية السياسية والدستورية، شرعية انتخابية لأي منصب أو تجمّع حاكم، فقد انتهت ولاية الرئيس محمود عباس بانتهاء مدة سنوات انتخابه، وكذلك المجلس التشريعي الذي انتهت ولايته، ليس بانتهاء مدة فترة انتخابه فحسب، ولكن بسبب انقسامه وتخليه عن تمثيل كل الفلسطينيين كما يُحتّم القانون الأساسي الفلسطيني، وقد أقال رئيس السلطة الوطنية رئيس وزرائه بعد انفصال غزة عن الجسد السياسي الفلسطيني. يحكم اليوم الرئيس عباس بالشرعية الوحيدة المتوفرة في مجال العمل السياسي الفلسطيني وهي “الشرعية التوافقية”، والتي اكتسبها بتوافق واعتراف وقبول كافة المؤسسات والأحزاب الفلسطينية، بما في ذلك حركة حماس، على إشغاله لذلك المنصب، والتعامل معه قانونيًّا وواقعيًّا على أنه الرئيس الشرعي للسلطة الوطنية الفلسطينية.
فقد أسدل غياب الرئيس الشهيد ياسر عرفات من مسرح الحياة الستار على آخر زعيم فلسطيني التفّت قلوب وسواعد الشعب الفلسطيني بكامله حوله ومعه وأحبته كما أحبّها وبذل حياته من أجلها وفي سبيلها. الزعيم الذي عمل واجتهد وأصاب وأخطأ ونجح وفشل ولكنه لم يحد في بصيرته وبصره عن الهدف، ولم يتنازل أو يساوم في تحقيق الأهداف الممكنة. الزعيم الذي قاد الشعب الفلسطيني قرابة نصف قرن بالاختيار والمحبة.
لن يتيسر لشعبنا في المستقبل المنظور سوى اختيار رئيس لنا بالانتخاب الشعبي والتوافق الحزبي، فلقد انتهى عهد الزعماء في تاريخ العالم، عهد نهرو، وجمال عبد الناصر، وماوتسي تونغ، ولينكولن، وستالين، وديغول وفرانكو، وياسر عرفات، ترك هؤلاء الزعماء شعوبهم، آجلًا أو عاجلًا، لتختار لنفسها قادة مسيراتهم بالاتفاق والانتخاب، انتهى عصر الزعيم التاريخي ليحل مكانه الرئيس الحاكم، لفترة محددة ووفق برامج سياسية واقتصادية واضحة وتحالفات مع أحزاب وقوى فاعلة يقتنع بها وبجدواها الناخبون. منصب الرئاسة هو حق كل مواطن طامح ومؤهل وقادر لشغله، وهو أيضًا حق لكل المواطنين يتمثّل في حريتهم وواجبهم في إدلائهم برأيهم. لم يعد في قاموس انتخاب الرئيس في بلادنا مكانًا لفارس وحيد أو وريث حزبي أو قريب أو زعيم جديد، ولسوف يؤدي العبث والرفض والإتهام والانقسام الذي تشهده بلادنا إلى تحطيم هذه الشرعية ورئيسها، ايًّا يكون. وهذا ما تسعى إليه إسرائيل التي يمكنها التعامل مع الشعب الفلسطيني، الجسد بدون رأس، بما فيه حركة فتح وحركة حماس، وكل الفصائل الفلسطينية أيضًا، سلمًا أو حربًا كما تشاء.
ما تبقّى اليوم من فلسطين وشعبها، وما تمثّله الكيانية الساسية الفلسطينية الصغيرة المُحاصرة وسلطتها الوطنية الضعيفة، تبدو في مسيرة شعبنا القاسية منذ قرن من الزمن كأيقونة جميلة من زجاج مُلّون منقوش، ولسوف يصعب على شعبنا إعادتها أو العودة إليها لو تحطّمت، ولن تسامحنا أجيالنا القادمة على أننا وحدنا وبأيدينا، حطّمنا تلك الأيقونة الأمل.
مداخلات الحضور :
طرح سيادته علي المُتحدث سؤالين ،الأول يتعلق بجهود مصر للمصالحة فيما بين الفصائل الفلسطينية المُختلفة وبصفة خاصة فيما بين فتح وحماس، موضحاً أن الانقسامات فيما بين الفصائل تضر بالقضية الفلسطينية ضرراً بالغاً ، كما ذكر الرئيس محمود عباس غير مرة أن المواقف المُتطرفة التي كانت تتخذها حماس قد أثرت علي سير المفاوضات مع الأمريكان حينما كان يتفاوض الجانب الفلسطيني مع وزير الخارجية السابق جون كيري وكانت تسبب حرجاً كبيراً للمفاوض الفلسطيني.
وقد طلب السفير زهران التعرف من الضيف الفلسطيني عن جهود مصر لمحاولة لم الشمل والمصالحة فيما بين حماس وفتح؟
أما السؤال الثاني فقد تعلقبالدور الذي قامت به قطر للُمُصالحة والذي بدا من الناحية الرسمية – محاولة للم الشمل- إنما في الحقيقة كانت مُنحازة “لحماس” ضد “فتح”، وذلك قبل حصار قطر نتيجة دعمها وتأييدها للحركات الإرهابية في مُختلف الدول العربية؟
-
تعقيب: السيد مروان كنفاني
في البداية قال إن تعبير “المصالحة” هو تعبير خاطئ في السياسة، فالمصالحة هي مصالحة بين شخصين مُختلفين في بعض الأشياء، وعادة، في بلادنا، عندما تتم فإنها تتم وفق شروط، ولا تنتهي بتقبيل كلا المتخاصمين لبعضهما .
بالنسبة للشعب الفلسطيني، أضاف أن المصالحة ليست أولوية وإنما الاهم هو أن تلتزم حماس وفتح وكل الفصائل الفلسطينية بما أصبح معروفاً “ببرنامج سياسي مُشترك” لمدة من الوقت.
مثال : الرئيس الفرنسي ماكرون نجح في الإنتخابات الفرنسية بدون أن يكون لديه حزب، ومع ذلك صوت له حوالي 70% من الشعب الفرنسي، لأنه وضع برنامج سياسي مُشترك وافق عليه الجميع من اليمين واليسار وغيرهم.
وخلص كنفاني حول هذه النقطة إلي القول بأن أي دعوة للمصالحة، وفقاً للوضع الذي فيه الفلسطينيين الأن، سيكون تكراراً للمصالحتين اللتين حدثتا قبل سنة 2007 ، إذ اجتمعت الأطراف في مكة المكرمة بدعوة من الملك عبدالله، وتبادلت القبلات وقبضتالمقابل، وعادت إلي فلسطين بإتفاق مُصالحة، والحكومة التي تشكلت نتيجة هذه المُصالحة هي التي فصلت غزة عن الضفة الغربية. وأستطرد كنفاني متسائلاً، ومشيراً إلي أنه لا يملك إجابة عن جدوي وجدو حكومة إتلافية بين حماس وفتح، فحماس لديها برنامج وفتح لديها برنامج أيضاً.وفي هذا السياق تعترف فتح والسلطة الفلسطينية بإسرائيل، بينما حماس لا تعترف بإسرائيل، السلطة الفلسطينية تعترف بالإتفاقات التي تمت، بينما حماس لا تعترف. السلطة الفلسطينة تريد أن تستمر في العمل السياسي والتفاوضي، بينما حماس ترفض العمل السياسي. والتي هي في نفس الوزارة، نصف الوزارة لا تستطيع الذهاب إلي غزة والنصف الأخر يخشي الذهاب إلي الضفة.
“وبالتالي فإن أي نتيجة سوف تصدر عن حكومة توافق ستكون وفق هذا الجدول ..المطلوب هو البرنامج السياسي المُشترك المؤقت. وهو أن تتفق جميع الفصائل الفلسطينية علي برنامج عمل بعد دراسة وافية وطويلة. فنحن ننتظر المُصالحة التي نصبوا إليها منذ عشر سنوات ولم تتم إلي الأن. إذا وصلنا إلي بيان وبرنامج سياسي مُشترك يُلزم كلاً من فتح وحماس والسلطة وعُرض علي الشعب الفلسطيني وتمت الموافقة عليه، سيكون ذلك دستور المرحلة والكل سيلتزم ببنوده وسيسري علي الجميع”.
وسيكون ذلك فرصة لشعبنا وللعالم لكي نبرهن علي اننا نسعي للسلام والدخول في مفاوضات تقودها الامم المتحدة وعلي أساس أن توقف إسرائيل كل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني .
“هنا سيكون لدينا حكومة تتحدث بصيغة واحدة، وما لم يتم ذلك، فإن أي حديث اّخر هو مجرد حرث في بحر وضحك علي عقول الناس.
-
أما فيما يخص قطر، ففي عام في عام 1996م ، عندما بدأت قناة الجزيرة ، كُنت من المعارضين لها ورفضت الظهور علي شاشتها، وكنت أتهمها منذ البداية بأنها سوف تقسم الشعب الفلسطيني ، لأنها كانت تقول أن الفسطينيين قسمين قسم خائن وجواسيس يقوده ياسر عرفات، وقسم مُقاتل ومُجاهد وشريف .
كانت قناة الجزيرة مفتوحة لأي شخص يقول أنه يؤيد حماس أو ينتمي لها.
وأريد أن أنوه إلي شئ هام في فترات سنوات الأمل من عام 1994- 2000 كانت في فلسطين بوادر حقيقية لمجتمع ديمقراطي، وكنا علي الطريق الصحيح لتحقيق الوحدة وتقوية وضعنا الداخلي، لكن تم مُحاربة ذلك من قبل بعض البرامج التابعة للقناة القطرية.
قطر اليوم وقعت مع شعوب أقوي منا –نحن عندما قلنا ذلك لم يسمعنا أحد- ويبدوا أن هذا المُشكل ليس سهلاً بالنسبة لها، وسوف تضطر إما إلي أن تستمر في عنادها أو تتجه إلي العقل وأعتقد أنه في خلال أسبوع أو اسبوعين سوف ينتهي هذا الموضوع.
علق سيادته علي نقطتين
الأولي: رأي أن هناك مبالغة في تحميل مسألة الانقسام الداخلي الفلسطيني مسئولية الفشل في التوصل إلي حلللقضية الفلسطينية، وأنه علي قناعةبأن تعطيل الحل أو بقاء الحال علي ما هو عليه ليس سببه الانقسام الفلسطيني، معتبراً أن الإنقسام هو نتيجة لغياب الحل . فطول الوقت هناك سلطة شرعية فلسطينية وهناك رئيس، ذلك وفي أي دولة ديمقراطية – الغرب مثلاً – هناك معارضة قد تكون مُتطرفة . مثل حماس، مؤكداً أن هذا الانقسام هو نتيجة لغياب الحل لأنأي طرف من الأطراف المؤثرة لم يأت،في أي وقت من الأوقات بمُبادرة ذات قيمة تستطيع أن تعزز من وضعية السُلطة الشرعية الفلسطينية .
أما النقطة الاخري، فقد أكد أن بعض الانظمة العربية وفرت حاضنة – للأسف الشديد- لتكريس هذا الإنقسام الفسطيني، إذن لا يجب تحميل الأخوة الفلسطينيين وحدهم وزر هذا الإنقسام. فهناك نظم عربية كان لها باع، وما تزال، في تكريس هذا الإنقسام. وهناك دولة مثل قطر تعتبر حماس، حتي وقت قريب، هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
-
السفير/ محمد بدر الدين زايد
أتفق مع السفير عزت سعد فيما أدلي به من ملاحظات. وتطرق للحديث عن اشكاليات المٌتعلقة بإتفاقيات أوسلو، وطلب من السيد كنفاني توضيحها والتركيز عليها بشكل أكبر، مشيراً إلى أن هذه الاتفاقيات قادت إلى خلل في غير صالح الفلسطينيين، مضيفاً أنه فيما يتعلق بحماس فإن منهجها في التعامل مع القضية يعرقلها.
واشار الدكتور زايد إلى أن الجانب الفلسطيني مُقصر تماماً فيما يتعلق بعرب إسرائيل، وإذا كان هناك أمل في تغيير موازين القوى في المُستقبل، فإنها ستأتي من عرب إسرائيل وأن هذه القوة مهمة ويجب أن نأخذها في الاعتبار.
-
مداخلة السفير الفسطيني بالقاهرة
أثني على حديث السيد مروان كنفاني، مؤكداً الآتي:
– أعطى السيد كنفاني الخلاف بين فتح وحماس بعدين: بعد فلسطيني / فلسطيني – وبعد فلسطيني /أسرائيلي، وأغفل جانب هام وهو البعد الإقليمي لأن القضية الفلسطينية لا يمكن لها أن تحقق تقدم نحو الحل دون الحاضنة العربية، والحاضنة الإقليمية لفسطين. وأشار إلى أنه، من وجهة نظره، فإن حركة حماس فرع للإخوان المسلمين، لذلك يجب أن ننتبه ونحن نتحدث عن الخلاف الفلسطيني / الفلسطيني ضرورة توحيد الموقف، وهذا أمر حيوي ومهم للقضية الفلسطينة، مؤكداّ أن إسرائيل هي الطرف الضامن لإستمرار الإنقسام الحالي، وأن حركة حماس، حتى هذه اللحظة، لم تتخل عن الأجندة الإقليمية أو الدولية لجماعة الإخوان المسلمين وهذه هي إحدى المشاكل.
وقد ذكر السفير الفلسطيني أنه حتى لايكون مُنحازاً لفتح ضد حماس، فإنه عندما حدث انقلاب 2007م داست عناصر حماس على صورة الرئيس ياسر عرفات وعلى العلم الفلسطيني وحرقوه، والجندي المجهول في غزة، والذي يُمثل الجندي الفلسطيني والعربي والمصري بالتحديد هدموه. هم لا يؤمنون بالدولة لأن قياداتهم عبدالله عزام كان يدرس في الجامعة الأردنية وذهب إلي القتال في أفغانستان وحلل القتل هناك، لأنه من ضمن الاجندة الدولية للإخوان المسلمين ، وكان يحرم القتال ضد الإسرائيليين في القدس القريبة منه “هذا هو نهجهم”.
الإخوان شكلت حركة حماس عام 1987م، عندما قام الشعب الفلسطيني بالإنتفاضة الأولي والتي أذهلت العالم، ووجدت قيادات الإخوان المسلمين نفسها أمام خيارين، إما أن تبقي علي أجندتها السابقة، وهي التي ترفع شعار لا لمنظمة التحرير، وإما ان تلتحق بالمنظمة حتى لا تخسر كل الجماهير، ومنذ اليوم الأول قسمت الشارع الفسطيني.
واستطرد فذكر أن انتشار حماس ذراع الإخوان المسلمين، في الأراضي المُحتلة بخطة وبرنامج ومساعدة إسرائيلية، فكل طالب فلسطيني منتمي للحركة الوطنية كان يتم منعه من قبل الجانب الإسرائيلي من السفر، ومن ينتمي للإخوان المسلمين كان يُرسل إلي لندن وأمريكا للدراسة، ثم يعودوا إلي فلسطين ويُعينوا في مؤسسات التعليم العالي والأوقاف، وهذا أمر مُوثق ولا يوجد به تجني على أحد. كما أنه من المعروف أن لدى الإخوان المسلمين برنامجهم العالمي، وحتى الآن تحارب حماس منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها منظمة علمانية. وقد خرقت حماس إتفاق تم توقيعه في عام 2009م في القاهرة بين فتح وحماس، وذلك بعد سنتين.
ثم تطرق للحديث عن المستقبل قائلاً: نحن بالفعل بحاجة إلي برنامج سياسي، لكن لابد أن لا يكون هذا البرنامج برنامج حزبي للإخوان المسلمين وحركة حماس وإنما برنامج وطني من أجل إقامة دولة في إطار الشرعية الدولية .
وفيما يتعلق بالإنتخابات، ذكر أن هناك حاجة للتخلص من الخلافات فيما بين الفلسطينيين من أجل عقد الإنتخابات التشريعية والرئاسية على أن تشرف عليها جامعة الدول العربية، ثم يلي ذلك التوافق حول برنامج وطني وأن تعود الحاضنة العربية، داعمة للقضية الفلسطينية. وللأسف فإن الخلافات العربية تنعكس، أول ما تنعكس، علي القضية الفلسطينية وأول من يدفع ثمن الخلاف العربي / العربي هم الفلسطينيين سواء كان مواطن أو قضية.
-
د.أحمد فؤاد أنور..أستاذ بقسم اللغات الشرقية “اللغة العبرية” جامعة الإسكندرية.
وجه دكتور أحمد سؤالين للسيد كنفاني، أولهما:
“السيد مروان كنفاني تحول من لاجئ إلي لاعب كرة مشهور ثم سياسي بارع، وصل لقمة السياسة، فهل السيد مروان كنفاني رياضياً تحول إلي السياسة، أم اديباً ضل طريقه إلي السياسة؟”. أما السؤال الثاني، فيتعلق بما إذا كان السيد كنفاني قد أرسل نسخة من كتابه إلى السيد محمود عباس والسيد خالد مشعل قائد حركة حماس، وماهي ردود فعلهما على ذلك؟
-
اللواء اركان حرب/ محمد الشهاوي، مستشار مدير كلية القادة والأركان.
تساءل عن توقيت كتابة الكتاب، ورغبته في أن يتضمن ما يدور الاّن وما يُقال عن صفقة القرن ودورها في حل القضية الفلسطينية، باعتبار أن هذه القضية هي قضية العرب جميعاً.
تعقيب السيد مروان كنفاني
أشار إلى أن الإجابات على عدد كبير من الأسئلة التي تم طرحها موجودة داخل الكتاب وبالتفصيل.
ففيما يتعلق بالسكان الفلسطينيين في إسرائيل، ففي غلاف الكتاب توجد عبارة تقرأ ” لقد حققت الحركة الصهيونية أهدافها عام 1948م ليس بإنتصارها علينا بالمعارك العسكرية، بل لأنها نجحت في طردنا من بلادنا، ولو لم تنجح إسرائيل في طردنا من بلادنا لما كانت هناك اليوم دولة إسرائيل. فجزء قليل من شعبنا أدرك هذه الحقيقة مُبكراً ونجح في الإنتصار علي أهداف الصهيونية العالمية وعلي إسرائيل وقد حققوا ذلك ببقائهم في بلادنهم وتمسكهم بأجزاءِ من أرضهم في المدن والقري الفلسطينية المُحتلة من قبل إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة وهم اليوم التحدي والأمل في توحيد بلادنا فلسطين”.
وفيما يتعلق بموضوع الإخوان المسلمين، ذكر أنه تحدث عنه في الكتاب بغزارة.
أما بالنسبة لموضوع الانقسام، فلم تكن هناك مبالغة أو تهويل في عرضه وأنه يختلف في هذه النقطة مع السفير عزت سعد. فالإنقسام هو سبب كل ما أصابنا الاّن ووحدة الشعب الفلسطيني هي الأهم .
وهذا الصدام موجود قبل أن يذهب ياسر عرفات ويمضي علي أوسلو، ولا خلاف في هذا الموضوع فيما يتعلق بالخلافات التي تحدث الآن، والتي قادت لحدوث انقسام فسطيني ، فعندما تُهاجم حماس فتح والعكس لم تكن أوسلو محل خلاف بينهم، الكل في فلسطين مُتفق فيما يتعلق بأوسلو.
أيضاً موضوع الدول العربية موضوع حساس جداً، فالدول العربية تتدخل في العمل الفلسطيني من خلال تفتيت الفلسطينيين واستقطاب مكوناتهم المنقسمة على نفسها.
ما أريد أن أقوله أن الوحدة الفلسطينية هي التي تُشكل الحاضنة التي تحدث عنها السفير عزت سعد، عندما يكون الفلسطينيون موحدون، سيكون لديهم القدرة علي إقناع الدول العربية جميعاً أن تقف بجانبهم.
الرئيس ياسر عرفات عندما كان يتحدث مع أي رئيس عربي ويقول له هذا الرئيس أن القضية قضيتكم، كان يغضب غضباً شديداً.
موضوع الدول العربية موضوع شائك ولكنه يتحسن قليلاً عندما يتوحد الشعب الفلسطيني .
وأخيراً، وفيما يتعلق بأسلو، إذا كانت أوسلو سيئة لهذه الدرجة لماذا نسفه الإسرائيليين، عندما حدثت الإنتفاضة الفلسطينية ضربت إسرائيل بشدة المؤسسات الرئاسية والأجهزة الأمنية الفلسطينية ومعالم السلطة الفلسطينية قبل أن تضرب حماس أو فتح، لأنهم يعلمون اين تكمن الخطورة، إسرائيل كانت تريد أن تنهي السلطة الوطنية الفلسطينية، فهي غير مُهتمة بحماس ولا بفتح فهي تعرف مكمن ضعفهم وتحاربهم بشتي الطرق إما بحرب مباشرة مع كل منهما أو ببث الفرقة بينهما.
لذلك إسرائيل ضربت الأمل في إنشاء دولة إسرائيلية ، فالدول لا تبني بقرار كقرار أوسلو أو غيره ولكن الدول تُبني علي الأرض، ياسر عرفات قُتل لأنه بدأ يبني دولة علي الأرض، حيث قام بتكوين حرس رئاسي ورئاسة جمهورية وسفارات …إلخ
وعندما جاء رئيس الوزراء البريطاني “جون ميجور” إلى غزة، كُنت رئيساً للجانب الفلسطيني في لجنة ضمت كلاً من الجانب الفلسطيني والاسرائيلي والأمريكي . استقبل الرئيس ياسر عرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي إستقبالاً رسمياً..مما أدي لغضب المندوب الإسرائيلي.إذ قال للرئيس الأمريكي أن ياسر عرفات يقدم نفسه على أنه “مؤسس دولة”، وكيف يستقبل رئيس الوزراء إستقبال رسمي ..كما أن رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي تم إغتياله بسبب توقيعه علي أوسلو.
لقد بدأ ياسر عرفات في بناء دولة، وكان الإسرائيليون يعرفون ذلك وهم الذين شجعوا علي الإنتفاضة وهم الذين حطموا السلطة الوطنية، وهم الذين بنوا الجدار الذي لم تعد له أهمية لمنع إقامة أي دولة فلسطينية في المُستقبل. هذا هو الخطر. الخطر ليس فتح ولا حماس ولا الدول العربية حتي، الخطر أن تبني واقعاً علي الأرض، عندما دخلنا غزة كانت في حالة يرثى لها، وبعد سنوات أصبحت دولة وبها مطار وبها إمكانيات دولة.