حلقة نقاشية حول “العراق بعد الانتخابات البرلمانية…مابين ضغوط الخارج ومعطيات الداخل”
يوليو 12, 2018مصر وقطاع غزة بين حتمية التحرك وضرورة النجاح
يوليو 19, 2018
مقدمة:
مع فجر يوم 14 أبريل الماضي، شنَّت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا هجوماً عسكرياً استهدف ثلاث منشآت رئيسية في دمشق وحمص، قِيل أنه رد فعلٍ على هجوم كيميائي اتُهِمَ نظام بشار الأسد بتنفيذه بـدوما بالغوطة الشرقية في 7 أبريل 2018. وبعد الهجوم مباشرة، ظهر وزير الدفاع الأمريكى ماتيس ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دانفورد أمام الإعلام الأمريكي ليعلنا انتهاء الضربة العسكرية، وليقولا إنها كانت “ضربة لمرة واحدة فقط”(1). وتمَّ الهجوم باستخدام صواريخ قُدِّر عددها بأكثر من مائة صاروخاً، بالرغم من أن وزير الدفاع الأمريكى أشار سابقاً إلى أن الأدلة على استخدام الهجمات الكيماوية غير قاطعة (2).
وقد اعتبرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن “العدوان الثلاثي ضد سوريا انتهاك فاضح للقانون الدولي، وكسر لإرادة المجتمع الدولي، وسيكون مآله الفشل”. وتباينت ردود الأفعال الدولية حول الضربة بشدة؛ فقد ذكر المتحدث باسم رئاسة الجمهورية في مصر أن التصعيد الأخير فى الأزمة السورية يدعو إلى القلق الشديد، مؤكداً دعم مصر الدائم للحلول السياسية وإنهاء المعاناة الإنسانية للشعوب جرَّاء الحروب ودعم الحكومات الشرعية والجيوش الوطنية، ودعا المتحدث إلى ضرورة إجراء تحقيق شفاف فيما يخص الوضع فى سوريا عبر المنظمات الدولية ووسائلها(3). ورفضت لبنان والعراق والجزائر الضربة تماماً، فيما أيدتها تركيا والسعودية والبحرين والإمارات وقطر وسلطنة عمان، مع جملة الدول الغربية ككندا وألمانيا إلى جانب إسرائيل واستراليا واليابان. وأدانت الصين وإيران بشكلٍ كامل هذا الهجوم واعتبرتاه خرقاً للقانون الدولى، فيما أعربت روسيا على لسان رئيسها بوتين أن “الضربات الغربية ضد سوريا عدوان ضد دولة مستقلة تقف فى طليعة الدول المُحارِبة للإرهاب. وفى ذات السياق، أكَّد السفير الروسى لدى واشنطن أناتولى أنطونوف أن “أسوأ المخاوف قد تحققت، وأن التحذيرات الروسية لم تجد آذاناً صاغية”، منوِّهاً أن روسيا قد حذَّرت مسبقاً من أن تلك الأمور لن تمر دون عواقب (4).
وقد فشل مجلس الأمن في تبني مشروع قرار – قدمته سوريا- يدين الهجوم ويطالب بوقفه، وذلك بأغلبية 8 دول، من بينها الدول المعتدية الثلاث المتمتعة بحق الفيتو بالمجلس.
ولاشك أن هذه الضربة تدل على الفشل الذريع لنظام الأمن الجماعى الدولى، واستمرار القوى الكبرى فى العمل خارج نظام الأمم المتحدة، والاستهانة بأحكام ميثاقها وبكافة قواعد ومبادىء القانون الدولى ذات الصلة؛ وذلك باستخدام القوة المسلحة دون ترخيصٍ من مجلس الأمن. كما لم تمكًن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وهى المعنيَّة بالمسألة، من إجراء تحقيقٍ عادل ونزيه فى الاتهامات المُوجَّهة للنظام السورى باستخدام السلاح الكيماوى.
ويلقي هذا المقال الضوء على الدلالات والتداعيات الاستراتيجية التى انطوت عليها الضربة مع بيان لكيفية اتخاذ الولايات المتحدة القرار بالضرب ومبرراتها، مروراً بموقف باقى الدول الغربية منها، فدلالاتها على العلاقات الأمريكية – الروسية، وأخيراً تداعياتها على إيران وعلى البنيان الثلاثى الضامن للأمن فى سوريا (تركيا وإيران وروسيا).
-
وفى التقدير، فإن هذه الضربة هدفها سياسى بالأساس، وليست لها أية مضامين استراتيجية أو عسكرية؛ حيث لم تغير الأوضاع على الأرض، وكانت مدفوعة بالأساس بالحفاظ على ماء الوجه خاصة بعد تهديدات ترامب المتكررة بضرب سوريا، ورغبة واشنطن في تأكيد كبريائها ووضعيتها كوة عظمى. وفي هذا السياق، دأبت صقور واشنطن على مطالبة ترامب بفعل المزيد، وحثوه فى وقتٍ سابق من شهر أبريل 2018 على إعادة النظر فى رغبته فى سحب القوات البرية الأمريكية من سوريا؛ تلك الخطوة التى تعبر من وجهة نظرهم عن الاستسلام الأمريكى بينما يسعى نظام الأسد إلى تعزيز موقفه على الأرض.
ولا شك أن أحد الأهداف الرئيسية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو صرف انتباه الرأي العام الأمريكي عن المشاكل التي تواجهها إدارته في الوقت الحالي وإظهار أنه الرجل الحقيقي المسئول والقائد القوي.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو مدى أهمية تلك الضربة لمركز الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط؟
-
جمع الشتات الغربي للعدوان على سوريا:
لقد بذلت الولايات المتحدة جهوداً ضخمة للحصول على أكبر دعمٍ غربى لتنفيذ تهديداتها بضرب سوريا، بيد أنها فشلت فى خلق جبهة غربية مُوحَّدة أو حتى على صعيد حلف الناتو للتصدى للحكومة السورية، واقتصر الأمر على المملكة المتحدة وفرنسا فقط. أما باقى شركاء واشنطن فى الغرب فلم يعلنوا دعمهم لهذه الخطوة سوى بعد انتهائها. وهذا يُظهِر على ما يبدو أن لكلٍ من الدول الغربية أجنداتٍ وأهدافٍ مختلفة لا تتوافق بالضرورة مع التصعيد العسكرى الحاصل؛ وتُعَد ألمانيا أحد أهم الأمثلة البارزة فى هذا الصدد نظراً لأنها رفضت بوضوح المشاركة في الضربة.
في الوقت ذاته، تنبغي ملاحظة أن الأطراف الثلاثة التى قامت بالضربة أكدت أن هدفها ليس إسقاط الأسد، بل إظهار رد على الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية. وأخذاً فى الاعتبار حقيقة انقسام المجتمع الدولي إلى حدٍ كبير حول ضرورة أو حتى منطق استخدام القوة ضد الأسد، فمن المستبعد إلى حدٍ كبير تشكيل ائتلاف أوسع في هذا الصدد. ومع ذلك، يبدو أنه في حال وجود أي توافق في الجبهة الغربية لاستهداف الأسد مباشرة، فإن الحلفاء الأمريكيين في الشرق الأوسط، كالمملكة العربية السعودية وشركائها في مجلس التعاون الخليجي سيكونون أول مَن ينضمون إليها، لأنهم كانوا يرغبون منذ فترة طويلة في خلق كيان قوي يتحرك ضد الأسد.
وربما يمكن تبرير موافقة فرنسا على أن تكون إحدى قوى الضربة هو استشعارها لتنامى قوة روسيا كفاعل يأخذ خطواتٍ عملية منفردة للدفاع عن مصلحتها الوطنية كما فعلت فى الأزمة الأوكرانية من قبل، وكما تفعل فى الأزمة السورية القائمة. ونظراً لأن أوروبا تستشعر هذا الأمر أيضاً، ولكوْن ماكرون أحد المتعهدين بالحفاظ على الكيان الأوروبى فى مجمله – كما تبيَّن من رفضه لدعوات الانعزال التى دعت إليها منافسته مارين لوبان فى الانتخابات الرئاسية السابقة – فإنه حاول إعلان خطٍ أحمر لروسيا مفاده عدم الاستهانة بالقوى الغربية وضرورة إدراجها فى حساباتها إزاء منطقة الشرق الأوسط عموماً وسوريا خصوصاً. وهذا الأمر جلى كذلك على خلفية حادثة تسميم الجاسوس الروسى سكريبال وابنته، فقد طردت فرنسا – برفقة 14 دولة أوروبية – أربعةً من الدبلوماسيين الروس (5).
وهنا يمكن تفسير الموقف الفرنسي إزاء روسيا فى إطار سياسة أوروبية عامة وقناعاتٍ ثابتة تحدد بصفة عامة مواقف السياسة الخارجية الفرنسية، رغم عدم تجاهل الشق الجيد من العلاقات الفرنسية – الروسية، حيث سيزور ماكرون موسكو يومي 24 و 25 مايو 2018 (6).
-
روسيا… والترتيبات الأمريكية:
وفقاً لما أُعلِن، تم إبلاغ الروس بالضربة قبل وقوعها، وتم تحديد الممرات الجوية التى سوف تُستخدَم فى الضربة وليس الأهداف، كما أنه من المؤكَّد أن موسكو أبلغت حليفتها طهران بالضربة أيضاً، بل إن المواقع التى ضُرِبَت قد أُخلِيَت قبل ذلك بأيام.
من جهةٍ أخرى، أظهرت موسكو بالفعل ردة فعل محسوبة على هذه الضربة؛ فمنذ المرحلة الأولى من التهديدات الأمريكية، حاولت موسكو التحرك نحو تهدئة الوضع عن طريق إقامة بعض قنوات الاتصال الجديدة مع الجانب الأمريكى، ولمَّحت بوضوح إلى أنها لن تتسامح مع أى فعل ضد مصالحها فى سوريا. وبذلك، تمكنت روسيا أيضاً من كسب الوقت لحليفتها دمشق لإخلاء الأهداف المحتملة. وبعد أن تمَّت الضربات، حاولت موسكو نزع شرعية الخطوة باستخدام الأمم المتحدة، وفى نفس الوقت اتباع مسار أكثر استقلالية نحو التسوية السياسية فى سوريا، بالاعتماد أكثر من ذى قبل على الآليات البديلة لمساعى الأمم المتحدة مثل عمليتَى أستانا وسوتشى (7).
على الرغم من محاولة إيران تقليص أهمية تلك الضربة وتأثيراتها على النظام، باعتبار أنها ركزت فقط على استهداف المواقع الخاصة بالأسلحة الكيماوية المدعى بها في دمشق وحمص تحديدًا، ولم تشمل أهدافًا أخرى، إلا أنها كانت حريصة فى الوقت نفسه على قراءة دلالاتها السياسية ومدى ارتباطها بالملفات الأخرى التى تحظى بأهمية خاصة من جانبها، لاسيَّما الاتفاق النووى، الذى يقترب من استحقاق حاسم فى 12 مايو 2018، عندما تقرر إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ما إذا كانت ستواصل تعليق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران بمقتضاه أم ستوقفه، بما يعنى انسحابها منه. ومن هذه الدلالات ما يلى (8):
-
التقارب الأمريكى مع الدول الأوروبية:بدأت إيران ترى أن السياسات التي تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الملفات الإقليمية الأبرز ساهمت في تقريب الرؤى مع الدول الأوروبية الأخرى، خاصة بريطانيا وفرنسا، لدرجة باتت تدفعها إلى التماهي تدريجيًا مع تلك السياسات، على نحو بدا جليًا في حرصها على المشاركة في توجيه تلك الضربة. وتشير مشاركة هاتين الدولتين في الضربة، وفقًا لرؤية اتجاهات عديدة داخل طهران، إلى أنها ستنخرط في ممارسة ضغوط أكبر على إيران، خاصة فيما يتعلق بمطالبتها بالموافقة على إجراء تعديلات في الاتفاق بما يستوعب التحفظات الأمريكية العديدة تجاهه.
-
تأثير روسيا: زادت أهمية الدور الذي تقوم به روسيا بالنسبة لإيران بعد الضربة، خاصة بسبب استخدامها الفيتو في مجلس الأمن لمنع صدور قرار بتشكيل لجنة تحقيق دولية لتحديد المسئول عن استخدام الأسلحة الكيماوية مجددًا في دوما، بناءً على مشروع تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية للمجلس، على نحو ساهم في تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين روسيا والدول الغربية، حيث وجهت بريطانيا انتقادات قوية للأولى بعد أن اتهمتها باستخدام الفيتو لحماية النظام السوري.
-
وفي رؤية إيران، فإن ذلك قد يلقى بتداعياته على الملف النووي تحديدًا، في حالة ما إذا تطور التصعيد الحالي إلى مراحل غير مسبوقة، خاصة إذا انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية منه، ويبدو أن إيران تحاول استثمار التوتر المستمر في العلاقات بين روسيا والدول الغربية لتعزيز موقفها استعدادًا لتلك المرحلة.
-
عدم مشاركة إسرائيل:اعتبرت الاتجاهات السابقة أن حرص الدول الغربية على عدم إشراك إسرائيل في الضربة الثلاثية، كان الهدف منه توجيه رسالة بأن أولويتها تنحصر في استهداف المواقع الخاصة بالأسلحة الكيماوية فقط التي يمتلكها النظام السوري، دون توسيع نطاقها لتشمل قصف مواقع تابعة لإيران أو الميليشيات الموالية لها، خاصة حزب الله، لا سيما أن إسرائيل قامت، في 9 إبريل الماضي، بتوجيه ضربة سريعة لمطار “تي فور” العسكري، أسفرت عن مقتل 7 من المستشارين العسكريين الإيرانيين من بينهم عقيد متخصص في تسيير الطائرات من دون طيار.
-
قلق تجاه الصين:لم تخف طهران قلقها من المواقف التي تتبناها الصين في مجلس الأمن في الملفات التي تحظى باهتمام خاص من جانبها. فللمرة الثانية على التوالي، تمتنع الصين عن التصويت، حيث اتخذت هذا الموقف للتعامل مع مشروع القرار الذي أعدته بريطانيا، بالتشاور مع الولايات المتحدة وفرنسا في 18 فبراير 2018، لإدانة إيران بسبب تقاعسها عن وقف تهريب الأسلحة والصواريخ إلى الحوثيين. وكررت ذلك في مشروع القرار الذي أعدته الولايات المتحدة، في 10 إبريل، للدعوة لتشكيل لجنة تحقيق دولية بعد استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.
-
وتعني هذه السياسة الصينية بالنسبة لإيران أنه لا يمكن الرهان على دعم بكين لها داخل مجلس الأمن، في حالة ما إذا وصل التصعيد بين إيران والدول الغربية إلى مرحلة حرجة، قد تتجه الأخيرة فيها إلى المجلس لاستصدار قرارات ضدها، على نحو قد يتحول إلى متغير مهم يساهم في تحديد اتجاهات السياسة التي ستتبعها طهران تجاه بكين خلال الفترة القادمة.
-
تداعيات الضربة على البنيان الثلاثى الضامن للأمن فى سوريا (تركيا وروسيا وإيران):
سبقت الإشارة إلى أن الموقف التركى من الضربة كان مغايراً تماماً لموقف كلٍ من روسيا وإيران. ولا ريب فى أن هذا الاختلاف سيلقى بظلاله على علاقات الدول الثلاث فيما يتعلق بالأزمة السورية، لاسيَّما وأنها الدول الضامنة لمناطق خفض التصعيد فى هذه البقعة الملتهبة من العالم. ومن ثَمَّ، إذا فشلت الدول الثلاث فى التوصل إلى تفاهماتٍ وترتيبات جديدة حول أهدافها النهائية واستراتيجياتها الحقيقية، فإن الوضع سيكون أكثر تعقيداً. وفى هذا السياق، يجب انتظار القمة الثلاثية المقبلة في طهران لرؤية آثار التوجهات الحالية على عملية أستانا (9).
المراجع:
[1]- أحمد جمعة، “تعرف على المناطق المستهدفة فى العدوان الثلاثى على سوريا”. 14 أبريل 2018. موقع اليوم السابع.
2- المرجع السابق.
3 – “ردود فعل دولية وعربية على العدوان الثلاثي الذي استهدف سوريا”. 14 أبريل 2018. موقع الميادين.
4- المرجع السابق.
5- يوسف صابر، “محددات الموقف الفرنسي تجاه أزمة الجاسوس “سكريبال”.23 أبريل 2018. موقع المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة. (https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/3870).
6- المرجع السابق.
-7Hamidreza Azizi, “MOSCOW TO PURSUE MORE INDEPENDENT PATH TOWARD POLITICAL SETTLEMENT IN SYRIA”. 14 April 2018. Website of Valdai Club. )http://valdaiclub.com/a/highli ghts/moscow-de-escalating-syria/(.
8- “ملفات مترابطة: كيف تتعامل إيران مع الضربة الغربية لسوريا؟”. 17 أبريل 2018. موقع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.(https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/3858/).
-9Hamidreza Azizi. Op. Cit.
نشرت بمجلة الدبلوماسي يونية – يوليو 2018 عدد 268 بعنوان بدء الولاية الثانية للرئيس السيسي