مشاركة المجلس في ندوة حول مصر ومبادرة الحزام والطريق… الانعكاسات السياسية والاقتصادية وخارطة طريق التفاعل الإيجابي
سبتمبر 23, 2018ندوة سوريا… سيناريوهات ما بعد الحسم
سبتمبر 26, 2018
بتاريخ 26 سبتمبر 2018، عقد المجلس المصرى للشئون الخارجية، بالمشاركة مع المركز المصرى للدراسات الكردية، ندوة بعنوان “سوريا… سيناريوهات ما بعد الحسم”، حضرها نخبة من السفراء والأكاديميين والباحثين فى الشأن السورى والعربى، بما فيهم السيدة/ إلهام أحمد، الرئيس المشارك لمجلس سوريا الديموقراطية، ورئيس لجنة التفاوض مع الحكومة السورية بشأن مستقبل سوريا عامة والمنطقة الشمالية بصفة خاصة (مناطق الأكراد أو ما تُسمَّى بـ “فيدرالية شمال سوريا” أو “روج آفا” باللغة الكردية) – قامت بالتعقيب عبر سكايب. وقد افتتح الندوة السفير د./ منير زهران، رئيس المجلس، وتحدث فى جلساتها الأربع، على الترتيب:
1-السفير حازم خيرت، مساعد وزير الخارجية وسفير مصر السابق لدى سوريا، عن “الوضع الداخلى… ما بعد انتهاء الحرب”.
2-السفير د./ محمد بدر الدين زايد، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، عن “سوريا فى محيطها العربى”.
3-د./ رجائى فايد، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية ورئيس المركز المصرى للدراسات الكردية، عن “سوريا فى محيطها الإقليمى… تركيا/ إيران/ إسرائيل”.
4-أ. د./ جمال عبد الجواد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية، عن “مواقف الأطراف الدولية: روسيا/ الولايات المتحدة/ الاتحاد الأوروبى”.
•نص الكلمة الافتتاحية للسفير د./ منير زهران:
كانت سوريا الشقيقة من الدول التي تعرضت لمؤامرة لبث عدم الاستقرار في العالم العربي من خلال ما أطلقت عليه الدول الغربية الربيع العربي، ورغم أن عدداً من الدول العربية نجحت في اجهاض تلك المؤامرة ومنها بصفة خاصة مصر. إلا أن سوريا استمرت تعاني من تلك المؤامرة من عام 2011، أي من سبع سنوات، وكان الإخوان المسلمون ضالعين في تلك المؤامرة التي انغمست مصر فيها منذ البداية تحت حكم الإخوان حتى ثورة يونيو 2013.
تلك المؤامرة شاركت فيها بالإضافة إلي الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا – ويضاف لها تركيا وإيران إضافة لبعض الدول العربية وخاصة قطر من خلال المشاركة في المؤامرة ومد الارهابيين بالتمويل والسلاح والتدريب إضافة إلي حزب الله في لبنان بتكليف من نظام الملالي.
وقد استضاف مجلسنا عدداً من الاجتماعات منذ عام 2013 ليس فقط لدراسة وتحليل ما جري ويجري في سوريا، إلا أن مجلسنا استضاف خلال عامي 2014 و 2015 عدداً من التنظيمات المعارضة والمنغمسة في الفوضى في سوريا” فيما عدا الاخوان وجبهة النصرة” لمحاولة التوفيق فيما بينهم والتوصل إلي أرضية مشتركة لخروج سوريا من تلك الأزمة التي اسفرت عن تشريد ونزوح ملايين السوريين واضطرارهم للعيش في مخيمات للاجئين في الأردن ولبنان وتركيا فضلاً عن اللجوء لأوروبا وكندا والولايات المتحدة، وانما للاتفاق علي خريطة طريق من خلال مرحلة انتقالية يتم من خلالها الاتفاق علي حكومة مؤقتة يتم في ظلها وضع دستور للبلاد وتنظيم استفتاء حوله يشارك فيه جميع السوريين يتم انتخاب برلمان وأخيراً انتخاب رئيس للبلاد في ظل حكم ديمقراطي بإشراف دولي لا يستبعد فيه أحد.
والآن ينظم المجلس هذا الاجتماع ودعينا له الزملاء ذوي الخبرة والتجربة ليعالجوا جميع نواحي الأزمة وكيفية الخروج منها لاستعادة سوريا للاستقرار مع الأخذ بعين الاعتبار وجود قوات أجنبية علي أراضي سوريا من روسيا والولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا، والتهديد بمذابح اذا تعرضت ادلب لهجوم رغم وجود ارهابيين فيها ومرتزقة يتم استئجارهم من أوروبا وتركيا وأفغانستان.
•كلمة السفير/ حازم خيرت:
في بداية الكلمة، توجه سيادته بالشكر للمجلس المصري للشئون الخارجية لدعوته للحديث عن سوريا. وحملت الورقة المقدمة عنوان “الوضع الداخلي… ما بعد انتهاء الحرب”، وأكد أنه رغم وجاهة العنوان إلا أنه من الصعب التنبؤ بشكل سوريا الجديد بعد الانتهاء من هذه الفترة الصعبة والمحنة التي تمر بها، وعما إذا كانت تلك الحرب ستأخذ منحى نحو التصعيد أم التهدئة، وكيف سيتم التوافق في ظل التعقيدات الكثيرة في الملف السوري سواء ما بين السوريين أنفسهم والأطراف الفاعلة.
فما حدث في سوريا لم تتضح معالمه بعد في ظل ما تشهده الساحة السورية من تجارب للسلاح بين الشرق والغرب، وصراع للنفوذ قد تترتب عليه إطالة أمد الحرب التي خلفت حتى الآن أكثر من 400 ألف قتيل و5 مليون لاجئ و 6 مليون نازح و 13 مليون في حاجة إلى مساعدات، وتدمير للبنية التحتية تحتاج لسنوات من إعادة الإعمار.
وأوضح سيادته أنه إذا افتُرِضَ أن سوريا استعادت عافيتها، فيُتصوَّر وجود أربعة سيناريوهات:
الأول: هو المشروع الوطني الديموقراطي العلماني. الثاني: هو مشروع بعض ما تبقي من النظام السياسي ما قبل 2011 ومحاولة إعادة بناء نفسه باّلياته السابقة مع دعم بعض الدول الاقليمية والفاعلة. الثالث: هو مشروع الإسلام السياسي المعتدل. والرابع: هو مشروع الاصلاح الدستوري الذي يمهد لانتخابات رئاسية وبرلمانية برقابة دولية.
ولا شك أن كل هذه المشروعات أمامها تحديات كبيرة، وقد تكون رغبة طرف ورفض أطراف أخرى فاعلة، وقد تكون صعبة التطبيق عملياً لأسباب سياسية واجتماعية وثقافية ودينية.
فالمشروع الأول الذي يتحدث عن الديموقراطية العلمانية ذات التعددية قد يكون الحل المثالي للدولة السورية الحديثة، وهو مطلب الغالبية العظمي من المعارضة المعتدلة المناهضة للإسلام السياسي والأنظمة الديكتاتورية، والتي ترفع شعار لا للطائفية، إلا أن الوصول لهذا المشروع من الناحية العملية يواجهه العديد من العقبات، أولها فرضية مغادرة النظام الحالي المشهد، وهو أمر أثبتت الحرب في سوريا وتداعياتها صعوبته.
ومن جهة أخرى، فإن التركيبة الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية والثقافية والطائفية والعرقية قد تكون معوقاً لهذا المشروع المثالي رغم تميز سوريا بالتعايش بين هذه الانتماءات الدينية المختلفة لقرون في هذه المنطقة فيما بينها. ورغم مرور قرابة 8 سنوات على الثورة السورية واستفحال حالة الاستقطاب العرقي والديني، لم تنجر مكوناتها إلى حرب أهلية كما حدث في بلدان أخرى. إلا أنه من الصعب في نفس الوقت التنبؤ بالإبقاء علي هذا الوضع في ظل التغيير الديموجرافي والسكاني الذي خلفته تلك الحرب، ولاسيما مع ما يتردد من انتشار ظاهرة التشيع في سوريا، والدور الذي تلعبه إيران مستغلة الظروف الصعبة التي تشهدها سوريا وخاصة الطبقة الفقيرة منها.
ورغم أن هذا النموذج هو الأقرب إلى لبنان إلى حدٍ ما، ولكن لابد من التأكيد على أن سوريا ليست لبنان ولبنان ليست سوريا، فهناك اختلافات جوهرية في الأفق السياسي والقيادات والأحزاب، وكذلك التركيبة السياسية والطائفية والايديولوجية والثقافية بين البلدين.
أما المشروع الثاني، وهو مشروع بعض ما تبقى من النظام السياسي ما قبل 2011 ومحاولة إعادة بناء نفسه باّلياته السابقة مع دعم بعض الدول الاقليمية والفاعلة، فيُعتقَد أن هذا المشروع سيواجه عقبات مهما سعت الدول الداعمة للنظام الحالي فى ترسيخه؛ لأن هذا النظام سيواجه مشكلة كبيرة في التعامل مع المجتمع الدولي الذي لا يمكن أن يتقبل نظاماً ساهم من وجهة نظر الكثير فيما وصلت إليه سوريا من قتل وتهجير ودمار – وبالتالى سيظل في عزلة وتهديد دائمين وتدخلات وتصفية حسابات من قبل قوى إقليمية ودولية لا شك فى أنه سيكون لها تأثير كبير على مسيرة الاستقرار والتنمية وإعادة الإعمار في سوريا، وهذا المشروع على الأرجح قد يكون غير قابل للتنفيذ.
أما المشروع الثالث، وهو مشروع الإسلام السياسي المعتدل، وهو لا شك الأخطر، حيث ليس هناك فرق بين الإسلام السياسي المعتدل والإسلام السياسي المتطرف، كما أن المشهد السوري لا يمكن أن يتماشى مع الإسلام السياسي من قريب أو من بعيد في ظل التعددية الطائفية وحماية حقوق الأقليات، ولاسيما أن هذا النموذج السياسى فشل حتى في دول ليست بالتركيبة المعقدة كسوريا، بل إنه هو الذي ساهم في دخول الإرهاب في سوريا وفي المنطقة بأسرها.
وإذا كانت بعض الدول الإقليمية مثل تركيا تسعى إلى هذا المشروع لبسط نفوذها وتحقيق حلم الدولة العثمانية، فلا يُتصوَّر بأي حال أن يقبل الشعب السوري مثل هذا السيناريو شكلاً وموضوعاً. وفي هذا الصدد، تُخشَي محاولة تركيا ودول أخرى بالدفع ببعض الحركات الموالية لها من الإسلام السياسي للمشاركة في العملية السياسية القادمة، وهو ما يتطلب التصدي لها بقوة لحماية الشعب السوري ونسيجه الوطني.
المشروع الرابع وهو مشروع الإصلاح الدستوري الذي يمهد لانتخابات رئاسية وبرلمانية برقابة دولية، ويُعتَقَد أن هذا المشروع هو الأكثر ملاءمة، وذات منظور تفاؤلي على عكس المشروعات سالفة الذكر، بل ربما يكون الأمل الوحيد لوصول سوريا إلى بر الأمان. ولا شك أن التطورات الأخيرة تشهد بعض الإيجابيات، ولاسيَّما بعد وجود بعض المؤشرات في اتجاه وقف العمليات العسكرية في محافظة إدلب، وبعد أن أشار السيد/ وليد المعلم، وزير الخارجية السوري، أن هدف اللجنة الدستورية هو الوصول إلى الدستور المقبل، كما أن الطريق ممهد لتشكيل تلك اللجنة إذا توافق الفرقاء على القوائم المقدمة من الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني مثالثة.
ويبقى التحدي لوصول هذا الدستور إلى النور هو الاتفاق على بعض المسائل الخلافية كصلاحيات رئيس الجمهورية وشكل النظام السوري المقبل ودور الجيش وأجهزة الأمن. ويعتقد سيادته أن السوريين الوطنيين هم المسئولون عن اغتنام هذه الفرصة، من خلال التخلي عن أي مصالح شخصية ضيقة أو أجندات خاصة وأن يفتحوا صفحة جديدة، وأن يضعوا مصالح دولتهم وشعبهم فوق أي اعتبار، وأن تقدم كافة الأطراف التنازلات اللازمة، والتي تصب في النهاية لصالح الشعب السوري واستعادة سوريا لاستقرارها وعافيتها ووحدة ترابها.
وعلى أى حال، لا يزال الطريق إلى الحل طويلاً ويحتاج إلى عزيمة وإصرار وحسن نوايا، ويُعتقَد أن مستقبلسوريا بات محكوماً بأربعة أسئلة:
فالسؤال الأول، هو التواجد الإيراني في سوريا، والذي تغلغل وفرض نفوذه بشكل كبير في العقد السابق وزاد أضعافاً منذ اندلاع الثورة في سوريا، فهل من الممكن إجلاء القوات الايرانية من سوريا في إطار الحلول المطروحة لإنهاء الحرب السورية؟ هل حتى إذا انسحبت جزئياً سيكون انسحابها تكتيكياً من بعض المواقع؟ وهل إذا بقى النظام في معادلة ما بعد الحرب سيطالب برحيل القوات الإيرانية وتقليص نفوذها أم سيبقيها كصمام أمان لحمايته؟
يُضَاف إلى تلك التساؤلات ما يلي: هل ستقبل إسرائيل اي تواجد إيراني تزعم أنه يهدد أمنها القومي أم ستستمر في اختراقاتها واستعراض عضلاتها من خلال قصف المواقع الإيرانية، والتي في الأغلب يكون ضحاياها من السوريين؟ وهل ستستمر فى محاولاتها خلق حالة من البلبلة وعدم الاستقرار ودعم ميليشيات وقوى مناهضة لإيران ووكلائها في الأراضي السورية.؟
السؤال الثاني عن الوجود الأمريكى والتحالف الدولي ضد “داعش”، حيث يسيطرون على ثلث مساحة سوريا ومعظم ثروات النفط والغاز والزراعة والسدود. من الصعب التنبؤ بقرارات الرئيس ترامب، لكن الولايات المتحدة تقول حالياً أنها لن تقدم على إجلاء قواتها شرق نهر الفرات وتفكيك قاعدة التنف قرب حدود العراق طالما بقيت القوات الإيرانية.
أما تركيا، وهو السؤال الثالث، فهل يمكن أن تترك الساحة السورية دون موطأ قدم لها؟ وهل ستتخلى عن أطماعها في بعض الأراضي السورية والمناطق الكردية؟ ولعلَّ ما تردد مؤخراً عن نيتها لاقتطاع أراضي في سوريا عبر وثائق مزعومة تثبت ملكية 15 قرية من محافظة إدلب يظهر حقيقة نواياها. والكارثة الأكبر للدور التركي في سوريا هى دعمها للإسلام السياسي، والسؤال هنا: هل سيتجاهل المجتمع الدولي مرة أخرى توفير ملاذ آمن للعناصر الإرهابية في إدلب، والتي ستغادر الأراضي السورية وفقاً للاتفاق الأخير بين موسكو وأنقرة؟ وأين ستكون المحطة القادمة لتلك العناصر؟
رابعاً، رغم أن روسيا هي الآن اللاعب الأكثر فاعلية ولديها حرية تحرك واتصالات مع جميع الأطراف، إلا أنها لا شك ستواجه تحديات وإشكاليات عديدة إزاء التوصل إلى توافق بين الفرقاء الداخليين والخارجيين في المشهد السوري، وهو أمر غاية في الصعوبة لا سيما وأن بعض هؤلاء الفرقاء لهم أجندتهم الخاصة، وليسوا بالقطع لديهم النوايا الحسنة تجاه الدولة السورية واستقراراها. كما أنه من الصعب التصور بأن روسيا قادرة على الاستجابة للمطلب الاسرائيلي والامريكي بإخراج القوات الإيرانية ووكلائها الذين يهددون أمن إسرائيل، وإن كانت قد حققت بعض النجاح بإبعادها عن الجولان السوري المحتل، وفى التقدير أن الجانب الروسي ليس لديه القدرة على تهدئة وتطمين الاسرائيليين من جهة، أو احتواء تحركات ونشاط القوات الإيرانية في سوريا من جهة أخرى. ورغم ما تقدمه موسكو من دعم للجيش السوري، وآخرها نيتها في تزويد دمشق بمنظومة S-300 المضادة للطائرات، إلا أنها سوف تغض الطرف عن الغارات الاسرائيلية داخل الأراضي السورية وستكتفي بالإدانة، ولكن ستظل الاتصالات قائمة بين موسكو وتل أبيب تجنباً لأي صدام مباشر بينهما.
لابد من التأكيد فى هذا المقام على أن الغائب الأكبر في سوريا هم العرب والدور العربي. بعض الدول تراهن على روسيا، لكن كل الأمل أن تقوم الجامعة العربية أو الدول العربية الرئيسية بلعب دور أكبر. صحيح هناك خلافات بين الدول العربية في التعامل مع الأزمة السورية، وصحيح أن هناك مشاغل داخلية قد تجعل الملف السوري ليس في الأولوية، ولكن في نفس الوقت لا يمكن ترك هذا الفراغ لكي يملأه الآخرون. كما يُرجَى ألا تتكرر تجربة العراق عندما تُرِكَ فترة طويلة، وعندما عدنا إليه كان الوقت قد تأخر.
•كلمة السفير د./ محمد بدر الدين زايد:
أوضح سيادته أن البعد العربي في الأزمة السورية كان مُشكِّلاً دوماً أحد أبرز مجالات تعقيدها – في البداية بالتورط الكبير، ثم لاحقاً وحتى الآن بالغياب العربي الكبير عن التأثير في مجريات التفاعلات والصراع المحيط بالأزمة السورية، الذي هو أحد تحليلات المرحلة الأولى من التدخل.
فإن إشكاليه هذا البعد هي أنه بالإضافة إلى ليبيا فقط، فإن مواقف الأطراف العربية قد نبعت بدرجة كبيرة من تاريخ ومجمل علاقاتها بالنظام السوري ما قبل اندلاع الأزمة؛ فبينما كانت أغلب العالم العربي في حالة ذهول وترقب خلال الثورتين التونسية والمصرية، وفي الاخيرة تحديداً، كان من الواضح ميل دول الخليج باستثناء قطر طبعاً لمحاولة إنقاذ هذا النظام، والتأثير في شكل التفاعلات ونتائج ما بعد تنحي مبارك عن الحكم، وبالمجمل محاولة الإبقاء على علاقات وثيقة مع مصر – قدر الممكن – أياً كان شكل الحكم في مصر، باستثناء الأزمات التي جرت في بعض جوانب علاقات مصر الخليجية خلال حكم الرئيس السابق مرسي. أما في حالة ليبيا وسوريا، فإن الوضع كان مختلفاً منذ البداية، وهو ما شكَّل بالتالي التأثير الأكبر في صياغة المواقف السياسية العربية من الأزمة السورية.
فيما يتعلق بـ الموقف الخليجي، يُلاحَظ وجود مفارقة مفادها أن علاقات دول الخليج بسوريا كانت تتسم بدرجة عالية من الود والحميمية لعدة عقود، وخاصة خلال حكم الرئيس حافظ الاسد، وانه رغم تناقص التوجهات السياسية والفكرية نجح الطرفان في الحفاظ على علاقات ودية بحكم عوامل عديدة، كانت قمتها في الدور المهم لسوريا في التحالف الدولي لتحرير الكويت. على أن الأمور اختلفت تدريجياً مع حكم الرئيس بشار بتزايد وتيرة التحالف السوري الايراني، ودور حزب الله في لبنان واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ما أدى إلى الأزمة المعروفة في عام 2006، وتهجم بشار الأسد على قادة مصر والخليج بعد المواجهة التي تمت في 2006 بين حزب الله واسرائيل، المفارقة أن دول الخليج بسبب تعاطف الملك عبدالله الخاص مع سوريا ( قبائل شمر الممتدة في سوريا التي تنتمي إليها والدته) احتوت الأزمة لاحقاً، بل وأجبر سعد الحريري على مرافقته إلى دمشق والاستضافة من جانب بشار.
ولكن لم تكفِ هذه التسوية لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، ومن ثم كانت الثورة السورية والعنف الشديد الذي مارسه النظام السوري في قمع التظاهرات الفرصة الكبيرة لتحولات السياسات الخليجية تجاه سوريا، وبشكل خاص السعودية وقطر – فبعد أن قادت الدولتان حملة اتخاذ الجامعة العربية قرارات ضد الحكومة والنظام السوري – يمكن وصفها بغير المسبوقة في تاريخ الجامعة العربية – فلم يحدث هذا مع العراق مثلاً عند غزو الكويت – ولعبت الدولتان دوراً لهما في قرارات الجامعة العربية في البداية المتوازنة 7435، 7436 – أكتوبر ونوفمبر – ثم القرار الحاد 7438 الذي علق مشاركة وفد الحكومة السورية وأقرَّ بالعقوبات الاقتصادية والسياسية، ودعا الدول العربية لسحب سفراءها من دمشق.
الخطوة التالية كانت لعب كل من السعودية وقطر أدوار رئيسيه في تسليح وتدريب المعارضة السورية، وذلك لأسباب مختلفة؛ فالسعودية همها الاستراتيجي هو وقف التمدد الايراني، فضلاً عن نوازع الانتقام من شخص بشار الأسد، أما قطر فقد كانت هذه فرصتها لدعم فصائل الاسلام السياسي – والتسريع بإعادة صياغة التوازنات السياسية في المنطقة لصالح هذا المشروع – وفي هذه المرحلة يمكن اعتبار الدور الخليجي أحد الادوار الرئيسية
في التأثير على الازمة السورية وتحولها الي ساحة للصراع الاقليمي، وبزوغ مفاهيم حول الصراع السني – الشيعي. ولقد كان تنسيق هاتين الدولتين مع تركيا هو المحور الرئيسي – الذي دفع بإيران – المتورطة منذ البداية في تحالفها مع النظام السوري الى مزيد من التورط، ولاحقاً الدفع بميلشيات حزب الله للدفاع عن النظام – الذي لعب الدور الرئيسي في دعم وتسليح حزب الله، وهنا الفارق بين التدخل السعودي والقطري، كون الاخيرة تدرك أن أدواتها من فصائل الاسلام السياسي هي الهدف في ذاتها، أما السعودية فهي مع رفضها لمشروع الاخوان المسلمين السياسي تذبذبت علاقاتها بهم تاريخياً، ولديها اضطراب في الرؤية والمفاهيم حول ادواتها السياسية – ومدى امكانية تحقيقها لاستراتيجيتها التي بدورها مضطربة ومحكومة بتناقص أزلي لم يتم تجاوزه حتى الآن بين تحالفها السياسي مع الوهابية السلفية، كمشروع سياسي ونمط تحالفاتها وتطلعاتها، على الاقل بالنسبة لجزء من نخبتها السياسية الحاكمة لمجتمع اكثر حداثه، وهو ما تبلور اكثر لاحقاً بعد وفاة الملك عبدالله وتولي الملك سلمان وولي عهده المشروع السياسي المعقد.
وبالتركيز على الموقف السعودى الراهن من الأزمة، فيمكن القول ان التراجع النسبي في الشأن السوري يرجع الي عده عوامل: أولها: إدراكها هزيمة الطرف الذي دعمته، وانتصار خصومها، وعدم جدوى المزيد من الاستنزاف والتورط. ثانيها: رغبتها في ترك مسافة بعيده عن أطراف المشروع السياسي الاسلامي والتي تقودها تركيا وقطر وتباعد علاقاتها بالطرفين معاً. ثالثها: تورطها في الأزمة اليمنية. رابعها: وهو الأهم الأزمة بينها وبين قطر – وتركيا.
أنتج كل ما سبق سياسة خارجية سعودية مضطربة تجاه الأزمة السورية وغير متماسكة، من تبني لغة خطاب سياسي متشدد في حين تجاه النظام السوري ومحاصرة دولياً وفي الجامعة العربية بل وانتقاد من لا يشاركها هذا التوجه كمصر شريكتها مثلاً، وفي لحظة أخرى صدور بعض التصريحات التي تتحدث عن تسوية سياسية في سوريا، بل وأحياناً مرحلة انتقالية يستمر فيها بشار الاسد، ومن تخفيف المشاركة في تسليح الفصائل المسلحة الى مشاركة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة حملاتها الجوية ضد داعش بعدد 4 طائرات فقط، الى محاولة تجميع الفصائل السورية، وانْ تبدو بمظهر اللاعب الرئيس الذي يمكنه ذلك – إلى التوقف بعد تبين ضعف المعارضة السورية وعدم تمتعها بتواجد حقيقي على الارض، في المجمل السياسة السعودية الآن تجاه سوريا هي سياسة مضطربة غير متماسكة، كونها وصلت إلى مفترق طرق ونهاية طريق بين اعتبارات متناقضة، لا تتماسك إلا قليلاً في تعبيرها عن عدائها للدور الإيراني، ويُعتَقَد أن السعودية ستؤيد أي تسوية، حتى لو تضمنت بقاء الاسد واكتمال سيطرة روسيا، بشرط تراجع ايران نسبياً في الساحة السورية، علماً بأن السعودية لم تتوقف عن الدعم السياسي للمعارضة السورية.
وربما كانت الإمارات العربية المتحدة أسرع من السعودية في تبني هذا الاتجاه السابق، والاستعداد له، وهو ما ينطبق على مواقف دول الخليج الأخرى فيما عدا قطر. بالنسبة للأخيرة، من الملفت للنظر وجود تقارير عن اتصالات سورية، وُصِفَت بأنها ضمن مكايدات قطر للسعودية من خلال علاقتها بإيران، كما ان الحصار المفروض على قطر أدى وفقاً لبعض التقديرات الى تراجع في حجم دعمها للفصائل السورية المتشددة.
من جهةٍ أخرى، لعب لبنان البلد العربي الصغير دوراً مؤثراً في الأزمة السورية، ومن أهم أبعاده ما يلى:
-دور حزب الله المحوري في الدفاع عن النظام السوري ومحاربة الفصائل الثورية بتنوعاتها المختلفة.
-هناك ادلة وشواهد لا تحتمل الشك في لعب اطراف سنية لبنانية أدوار رئيسية في تدعيم وتمويل الفصائل السورية المسلحة – والحقيقة ان تفاصيل هذا البعد من الخطورة بمكان، وقد يتعذر الخوض في تفاصيلها – ولكن ربما كانت هذه الادوار لا تقل اهمية إنْ لم تزد عن ادوار المخابرات الخليجية في هذا الصدد.
-استضافة لبنان ما يزيد عن مليون لاجئاً سورياً في الأراضى اللبنانية.
-إن لبنان هي الدولة التي تعد نفسها بأكثر من أي طرف آخر للمشاركة بقوة في عمليات إعادة الإعمار في سوريا، وخاصة من ينتمون للطوائف التي تحالفت مع النظام السوري، وحتى تلك التي حاربت ضده، ستسعي للحصول على جزء من مكاسب إعادة الإعمار.
وضع الأردن أيضاً يُعَد لافتا بهذا الصدد، فقد شاركت في الأزمة من خلال عدة محاور؛ الأول: المشاركة في دعم المعارضة والفصائل السورية بالتعاون مع دول الخليج. الثاني: المشاركة في استقبال اللاجئين السوريين. والثالث: المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش. واستباقاً للتطورات، فإن الحديث اليوم عن فتح الحدود السورية الأردنية يُعَد تعبيراً عن البراجماتية التقليدية للسياسة الأردنية واستشرافاً لمصالحها المستقبلية مع الدولة السورية.
من ناحية أخرى، يمكن القول أن الموقف المصري الذي كان دوره متراجعاً بشدة في بداية الأزمة ومراحلها الأولى، وكان يوشك أن يصبح جزءاً من المواجهة المتطرفة ضد النظام السوري في فترة حكم الاخوان المسلمين، قد عاد الى ثوابته وتوازناته بالنسبة للازمة السورية، ونجح ببطء وبقدر من التدرج في العودة الى الحسابات والساحة السورية دون أن يصل الى ان يصبح ضمن الفاعلين الرئيسين في هذه الساحة، وذلك من خلال الادوار المعروفة في ضمان مناطق التهدئة وادخال المساعدات الإنسانية، والواضح ان الطرفين السوري والروسي يحملان رغبة كبيره في إشراك الطرف المصري في مواجهة مخاوف ايرانية مشتركة وواضحة بهذا الصدد.
يبقى التأكيد على أن الوضع الراهن يشير بوضوح إلى هامشية التأثير العربي في الساحة السورية وطغيان اللاعبين الدوليين الاقليميين في وقت يتزايد فيه تحول هذه الساحة الى ساحة صراع رئيسية للتمهيد للترتيبات الدولية والاقليمية المستقبلية.
ولابد من الإشارة فى النهاية إلى أن فترة انكفاء مصر على أوضاعها الداخلية فى الفترة من 2001 إلى 2014 جعل من إمكانية عودة مصر بدور أكبر في الساحة السورية امراً بالغ الصعوبة، فضلاً عن أن خروج الجامعة العربية الطوعي عن دورها – والشكل الذي مارسه التدخل الخليجي في الأزمة حتى وقتٍ قريب أدى إلى تهميش الدور العربى بشكلٍ واضح، ومستمر حتى الآن.
•كلمة د./ رجائى فايد:
رغم أن المشهد السوري، مازال يتسم بقدر قليل من السيولة، إلا أن التطورات الميدانية في الحرب التي مازالت، تشير إلي أن المشهد يتجه حالياً إلي الحسم، وعلي الأغلب لصالح النظام، ولأن تلك الحرب، لم تكن حرباً سورية خالصة، فبالإضافة إلي التنظيمات الإرهابية عابرة القارات، وإلي القوي الدولية، فقد كان لدولتي الإقليم (تركيا وإيران) مكانة واضحة في تلك الحرب، وفي صنع نتائجها، في حين أن الطرف الإقليمي الثالث وهو إسرائيل، نأي بنفسه عن الاقتراب من هذه الحرب، على أساس أن كل الأطراف المتنازعة، تعتبر خصوماً لإسرائيل، واكتفي بتوجيه بعض الضربات من حينٍ لآخر لأهداف تابعة للنظام السوري، أو الإيراني، لذلك فإن كل دولة من تلك الدول سيتحقق لبعضها مكاسب نتيجة لهذا الحسم المتوقع وخسائر للبعض الاّخر وذلك كما يلى:
إسرائيل: تعاملت إسرائيل مع هذا الصراع على أساس أن كافة أطراف الصراع هم خصومها، وكان كل أملها (ومازال) أن يطول هذا الصراع لأبعد مدى، فمصالحها تتعاظم مع استمراره، والذي سيؤدي إلى حالة من الاستنزاف، تضعف النظام والجيش والمجتمع (ملايين من القتلى والجرحى والمهجرين)، وعندما يتم التوصل في النهاية إلى تسوية للأزمة، فإن النظام الناشئ حينئذ، سيكون نظاماً هزيلاً، وتابعاً، وبدون جيش نظامي قوي، وبالتالي لن يشكل أي خطر على إسرائيل، ولزمن طويل مقبل، فمن أجل إصلاح ما دمرته الحرب، سيضطر النظام إلى قبول المساعدات أياً كان مصدرها، ومهما كانت شروطها، والتي سوف تجعله أسيراً للمانحين، سياسياً واقتصادياً، كما سيكون النظام حينئذ مشغولاً بحل مشاكله الداخلية لسنوات طويلة، ويصبح المجتمع والنظام عُرضة للاختراق الدولي والإقليمي من خلال دوائر الإغاثة وغيرها، وبالتالي ستتمكن إسرائيل من تمرير التسوية التي تريدها لصالحها بشأن الجولان، وقد سبق لبنيامين نتنياهو، زيارة الجولان في إبريل 2016، وعقد اجتماعاً للحكومة هناك، وأعلن أن الجولان ستبقى مع اسرائيل للأبد، كما أن ماّلات الصراع، التي كانت تتمناها إسرائيل وفق مصالحها، أن يتم تفكيك الدولة السورية، إلي دويلات صغيرة طائفية وإثنية، سنية وعلوية وكردية ودرزية ومسيحية، وهي الحالة الأفضل لإسرائيل، لأن ذلك سيشكل ضماناً للتفوق الإسرائيلي على تلك الدويلات.
وقد لخصت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية ما يمكن اعتباره الموقف الحقيقي أو السياسة الإسرائيلية تجاه الأزمة السورية؛ إذ قالت الصحيفة إن إسرائيل محظور عليها التورط في المستنقع الذي تعيشه سوريا، لأنه ليس لديها أي مصلحة في دخول ذلك الصراع الدائر بشمالها، وأضافت الصحيفة أن إسرائيل لن تستفيد من الدخول في سلسلة الصراعات الإثنية والطائفية التي يشهدها الشرق الأوسط، ويجب ألا تحسب نفسها بشكل علني مع أي طرف من أطراف الصراعات في المنطقة، لأن ذلك سيصب في صالح الطرف المقابل، وفي الواقع، فإن هذا التحليل ينطلق من الهدف الاستراتيجي لإسرائيل مما يحدث في سوريا، الذي يتمثل في ألا تشكل سوريا ( بصرف النظر عما ستؤول إليه الأوضاع) أي خطر حالي أو مستقبلي على إسرائيل، وبصفة خاصة على الأوضاع القائمة في هضبة الجولان، وبما أن ما يحدث في سوريا عبر السنوات الماضية يحقق ذلك الهدف، فيصبح من المنطقي ألا تتدخل إسرائيل بشكلٍ مباشر وخشن باستخدام القوة المسلحة مثلاً، وإنْ كان ذلك لا يمنع، بل يفرض على إسرائيل، متابعة تطورات الموقف على الأرض، وتوجيه بعض الضربات لأهداف استراتيجية، تخدم الهدف الإسرائيلي من آنٍ لآخر، على نحو ما حدث خلال السنوات الماضية، كل ما كانت إسرائيل تخشاه، من مآلات هذه الحرب، أن تفضي إلى انتشار الفوضى عند حدودها الشمالية، أو يتصدر المشهد تنظيمات جهادية غير منضبطة، وهذا الاحتمال أصبح بعد تطورات المشهد مستبعداً حالياً، إذ من الواضح أن الأمور تتجه إلى تصدر النظام للمشهد السوري المقبل.
ويتبقى الموقف الإسرائيلي من المسألة الكردية في سوريا؛ فمن المعروف أن الإدارة الكردية التي تدير شمال سوريا ( حزب الاتحاد الديمقراطي)، تتبنى فكر عبدالله أوجلان، المُعادِي في كل طروحاته لقوى الاستعمار وللصهيونية، وبالتالي يصعب على إسرائيل استخدام الملف الكردي، كورقة ضغط مضافة على النظام السوري المقبل. ولكن يمكن فى سياق هذه الندوة توجيه سؤال للأستاذة إلهام أحمد (وهي القيادية في هذا الحزب) لو سُدت كل السبل في نهاية المشهد السوري، ولم يكن هناك من سبيل للحزب سوى إسرائيل، والتي من المتوقع أن تفتح ذراعيها له، إن طرق بابها، فهل يطرق الحزب هذا الباب رغم موقفه المُعلَن منها؟
إن توقع تصدر النظام السوري للمشهد المقبل في سوريا، ليس أفضل ما كانت إسرائيل تتمناه، ولكنه بكل تأكيد أفضل لها من نتائج أخرى ليست في صالحها، ولم تعد متاحة.
تركيا: إن المتابع للموقف التركي حيال الأزمة السورية يجد أن هناك تباينات واضحة في مواقفها إزاء هذه الأزمة، ما بين السعي إلى نشاط دبلوماسي في البداية لحلها، إلى انتقادات حادة للنظام السوري لعنفه ضد المتظاهرين، إلى القناعة بأن (أيام الأسد في السلطة باتت معدودة)، فساندت الثوار بمساعدات لوجيستية وبالسلاح، كما فتحت حدودها لاستقبال اللاجئين السوريين، وسمحت للمعارضة السورية بفتح مكاتب لها على أرضها، كما هاجم الإعلام التركي شخص الأسد بشكلٍ حاد، وكثفت الجهود لتجميع القوى الدولية لإسقاطه، كما حظرت استخدام مجالها الجوي أمام حركة الطيران التي تنقل المساعدات العسكرية لنظام الأسد، واتخذت إجراءات اقتصادية أخرى ضده، وردت سوريا بإجراءات اقتصادية مقابلة، واتجهت الأمور إلى مزيد من التصعيد بعد إسقاط سوريا إحدى المقاتلات التركية، فزادت تركيا من حشودها العسكرية عند الحدود، واعترفت بالائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري.
لقد سعت تركيا من خلالها دعمها عسكرياً ولوجيستياً للثورة السورية إلى أن تتبوأ موقع القوة الإقليمية الرائدة، في الوقت الذي تقع فيه بين منافسها التقليدي في الشرق الأوسط (إيران)، ومنافسها التقليدي في منطقتي البلقان واّسيا الوسطي (روسيا)، ورأت في دعمها للثورة السورية فرصة تاريخية للحد من نفوذ كل من الدولتين، وبالتالي تحقق مكتسبات تقفز بها إلى مصاف الدول التي يحسب لها ألف حساب، يضاف إلى ذلك، أن طول الحدود بينها وبين سوريا (911 كم)، يجعلها دائماً في خشية من أي تطور سياسي عند تلك الحدود (الأكراد) لا يتفق وأمنها القومي، وعليه مواجهته ومنع تطوره بكافة السبل، خاصة وأن التيار السياسي المهيمن على هذه المنطقة، يرتبط بحزب العمال الكردستاني (عبدالله أوجلان)، وهو الحزب الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية، وبالتالي فإن من صالح أمنها القومي ألا تكون بعيدة عن هذا المشهد، بل يجب عليها أن تشارك فيه وبقوة.
لقد حاولت تركيا منذ بداية الأحداث أن تُسْدِ النصح لنظام الأسد، بأن يعتمد سياسة الحوار، ويلبي مطالب المتظاهرين، لكن النظام رفض تلك النصائح، واعتمد على التعامل الخشن معهم، وبالتالي توترت العلاقة بين الطرفين، إلى أنْ وصلت للموقف التركي المقتنع بأن أيام الأسد باتت معدودة، وعليه العمل على الإسراع بها. وفي إطار دحض الاتهامات الموجهة لتركيا بأنها تتعاون مع داعش، فإن البرلمان التركي وافق للجيش في 2 أكتوبر 2014 على دخول الأراضي السورية والعراقية لمواجهة مقاتلي داعش، ودعا وزير الخارجية (مولود شاوش أوغلو) قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لحشد قوات برية لقتال داعش، كما سمحت لقوات البشمركة الكردية العراقية بالعبور إلى سوريا عبر أراضيها للمشاركة في تحرير مدينة كوباني (عين العرب) من الاحتلال الداعشي، لكن الحكومة السورية اتهمت تركيا بانتهاك سيادتها بالسماح لقوات أجنبية بالدخول عبر حدودها إلى عين العرب، ولكن علاقة تركيا بتلك التنظيمات المتطرفة تأكدت مؤخراً، من خلال معركتها ضد قوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، واحتلال مدينة عفرين، وجاء ذلك في إطار جهود تركيا، لدفع الوجود الكردي الى شرق نهر الفرات، والحيلولة بينه وبين الاقتراب من شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وكانت الخطوة التركية الاولى في عملية درع الفرات، ثم في عملية غصن الزيتون، ثم في التفاهم الذي تم مؤخراً بين تركيا وروسيا والنظام بشأن إدلب.
والخلاصة أن تركيا تكبدت الكثير، وتحمل اقتصادها الكثير، نتيجة الرهان على إسقاط النظام، وخسرت هذا الرهان ، ووجدت أنه من الأفضل لها حماية مصالحها القومية بعيداً عن رهانها السابق، ولأن المسألة الكردية في شمال سوريا، من حيث الإبقاء على وضعها الحالي ( فيدرالية روج افا ) أو تقليصها إلى منطقة حكم ذاتية أو القضاء عليها نهائياً، يرتبط بحسابات مصالح دولية، وبالحوار بين القامشلي (مركز الفيدرالية) ودمشق – فإن حسابات المكسب والخسارة التركية ترتبط بمآلات هذه المسألة. وبشكلٍ عام، فإنه لو تحققت بعض المكاسب التركية من حيث تقليص الوضع السياسي لهذه المنطقة (من فيدرالية، إلى حكم أو إدارة ذاتية)، فإن هذا المكسب لا يتناسب إطلاقاً مع ما تكبدته تركيا من خسائر ضخمة نتيجة لرهاناتها الخاسرة.
المعضلة الإيرانية: هناك تحالف استراتيجى بين إيران وسوريا قبل الحرب الأهلية فى سوريا، فخلال الحرب العراقية الإيرانية، كانت سوريا مؤيدة لإيران فى تلك الحرب، كما تم توقيع عدة اتفاقيات تعاون بين الدولتين، وبمجرد نشوب الأحداث الحالية، فإن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية (على خامنئى) أعلن فى سبتمبر 2011 فتواه بالجهاد لصالح الحكومة السورية، بعدها صرَّح قائد الحرس الثورى الإيرانى (مسعود جزائرى) بأن “الإيرانيين لن يسمحوا بنجاح خطط العدو لتغيير النظام السياسى فى سوريا”، لذلك فإن التواجد العسكرى الإيرانى فى الحرب الأهلية فى سوريا أسهم بدرجة كبيرة فى انتصار الجيش السورى على فصائل المعارضة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ويقدِّر الخبراء عدد الميليشيات الإيرانية فى سوريا ما بين 25 ألف و40 ألف، وهذه الميليشيات تتبع فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى بقيادة قاسم سليمانى، إضافة إلى ميليشيات حزب الله الموالية لإيران، وهذه الحالة تسبب قلقلاً بالغاً لإسرائيل وللولايات المتحدة معاً، وكما سيرد لاحقاً. ومؤخراً، وقعت إيران مع الحكومة السورية اتفاقية تعاون عسكرى، وكما ذكر وزير الدفاع الإيرانى (أمير حاتمى) أن “بلاده ستقدم لدمشق كل أشكال الدعم لإعادة بناء القوات المسلحة، والصناعات العسكرية، بما فى ذلك الصواريخ”، واستطرد قائلاً “ستشمل الاتفاقية أى شىء تعلن الحكومة السورية أنها بحاجة إليه لحفظ أمنها، وتستطيع إيران أن تقدمه”.
وبالتطرق إلى العلاقات الروسية الإيرانية فى سوريا، فتلك العلاقة حالياً جيدة، بل وتتسع سواء بالتعاون السياسى أو من خلال الصفقات الروسية لإيران، لكن يمكن أن تتخلى روسيا عن حليفتها إيران إنْ هى وجدت عرضاً سياسياً أكثر إفادة لمصالحها؟ وهل يمكن أن تلعب الولايات المتحدة على هذا الوتر، لتفقد إيران حليفها الأكبر، وبالتالى تخرجها من سوريا؟ وتجنباً لهذا الاحتمال، فقد كثر الحديث عن تغيير إيران للطبيعة الديموجرافية لعددٍ من المناطق كان يقطنها سوريون من السنة، والتى تحولت إلى مناطق تسكنها ميليشيات شيعية دخلت سوريا لمساعدة النظام السورى، وازداد الحديث عن دور خفى يلعبه رجال أعمال ومقاولون إيرانيون قاموا بشراء وبناء عقارات فى أماكن مختلفة لتبدو هذه الخطوة وكأنها جاءت استباقاً وتحسباً من أى غدر روسى محتمل فى إطار صفقة دولية قد تتسبب فى إخراجها من سوريا، فروسيا تدعى فى أحاديثها مع أكثر من دولة أن إيران ستخرج من سوريا بعد إزالة داعش والنصرة من هذا البلد، إلا أن قليلاً من الدول تصدق هذا الكلام، خصوصاً أنه يصدر يومياً تصريحات عن مسئولين إيرانيين ان إيران باقية فى سوريا، وان وجودها شرعى هناك، كونه بطلب من بشار الأسد.
ولإيران هدف استراتيجى هام من وجودها فى سوريا، فهذا الوجود يؤمن وصولها إلى بيروت وحزب الله والبحر المتوسط عبر العراق، وذلك ما تسعى إسرائيل إلى منعه وقطع هذا الطريق (طهران – بغداد – دمشق) بكافة السبل، كما أن دول الخليج وفى مقدمتها السعودية، تعتبر أن هذا الطريق هو خطوة هامة لتحقيق حلم الهلال الشيعى، وهو ما يجب عليها الوقوف فى طريق تحقيقه، وإخراج إيران وحليفها حزب الله من سوريا، وفى إطار تقلب المصالح الدولية، فإن إيران تتوجس من إمكانية حدوث انقلاب فى موقف روسيا المساند لها، وهذا التوجس له ما يبرره؛ فبنيامين نتنياهو التقى ببوتين ثلاث مرات منذ مطلع العام الجارى، وكانت مسألة الوجود الإيرانى فى سوراي فى صلب تلك اللقاءات، وقد تم اللقاء الأخير لنتنياهو فى موسكو، فى نفس توقيت وجود (على أكبر ولايتى) مستشار المرشد الأعلى الإيرانى، مما دعا بعض المراقبين أن يعتبر ذلك سباقاً إسرائيلياً إيرانياً على استمالة بوتين، فأى طرف منهما الذى قد ينجح فى مسعاه؟
لو نجح نتنياهو وتمكَّن من إخراج إيران من المشهد السورى، فإن روسيا حينئذٍ ستكون وحيدة فى هذا المشهد، بعد افتقادها للظهير الإيرانى المساند، ويصبح وجودها فى سوريا موضع مناقشة، وهى التى بذلك الكثير لتحقيق هذا الوجود. ولو تمكَّنت غيران من منع نتنياهو من تحقيق مآربه، فإن الوجود الإيرانى نفسه قد يؤدى مستقبلاً لحرب تسعى فيها إسرائيل لإخراج إيران من سوريا، أو على الأقل إبعادها للعمق السورى بعيدة عن حدودها.
•مشاركة أ. د./ جمال عبد الجواد:
أوضح سيادته أن سوريا الآن لم تعد تشهد أزمة داخلية… فالأطراف الداخلية تم إضعافها بشكلٍ شبه كامل، سوى طرف وحيد له قوة على الأرض وله تصورات، ويُعَد رقماً لا يمكن إهماله فى تسوية المعادلة السورية؛ ألا وهو الطرف الكردى الذى يطمح فى إقامة دولة مستقلة أو على الأقل انتزاع أكبر قدر ممكن من السلطات فى إطار الدولة السورية.
لقد أضحت الأطراف الخارجية هى التى لها القوة على الأرض فى الوقت الحالى؛ هناك روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى. وعند تشريح مصالح الدول الثلاث الأولى، يتبيَّن ما يلى؛ روسيا حليف قديم لسوريا، وسوريا بالنسبة لها وسيلة لكسر الطوق الذى يفرضه الغرب عليها بعد أزمة أوكرانيا، ونقطة مهمة فى سباق التنافس مع الولايات المتحدة، كما تُعَد سابقة تثبت روسيا من خلالها أنها حليف يمكن الثقة فيه والاعتماد عليه، وأن لديها ما تقدمه لحلفائها على عكس الغرب الذى يتمسك فقط بالشعارات، وتؤكد من خلال ذلك على أنه ليس لها مطالب فيما يخص طبيعة النظم الداخلية للدول التى تقبل التحالف معها، وأنها تريد فقط أن يكون لديها حلفاء يبادلونها الثقة ويوحدون معها المواقف.
إن روسيا لم تتدخل بهذا الشكل الحاسم فى سوريا إلا بعد تخلى الأطراف الآخرين عن القيام بدورهم هناك، وهذا التدخل ربما كان هو الطريقة الوحيدة لتجنب سيطرة الجماعات المتطرفة على المشهد السورى، وبهذا المعنى فقد قامت بتجنيب المنطقة بأكلمها ويلات تلك السيطرة، وقدَّمت خدمة جليلة لها.
بالنسبة لإيران، هناك مخطط استراتيجى واضح وجلى لتوطيد النفوذ الإيرانى فى المنطقة، كما أن العلاقات بين النظم الحاكمة فى البلدين وثيقة إلى حدٍ كبير. وفيما يخص تركيا، تلوح القضايا التى تتعلق أساساً بالأمن القومى التركى، والتى ترتبط أساساً بالأكراد الذين يسكنون شمال سوريا، إلى جانب تطلعاتها للقيام بدور مهيمن فى المنطقة. وغنىٌ عن الذكر أن هاتَيْن الدولتَيْن قد وضعتا استثماراتٍ ضخمة جداً على الصعيدَيْن المادى والمعنوى لتعزيز أهدافهم.
من جهةٍ أخرى، وعند الحديث عن المصالح الغربية، حصراً فى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، يتبيَّن أن مصلحة الأخير تتجلَّى بشكلٍ غير مباشر فى رغبته فى تجنب الأسوأ وتقليل الخسائر إلى أقصى حدٍ ممكن؛ فبعد تطورات سبع سنين، تم اختزال الوضع فى سوريا بالنسبة للاتحاد فى تمنِّى عدم اندلاع أزمة داخلية جديدة من شأنها تدفق المزيد من اللاجئين نحو الأراضى الأوروبية.
أمَّا المصالح الأمريكية فى الوضع السورى، فإنها تدور حول نقطتين أساسيتين؛ الأولى إسرائيل وأمنها، والثانية إيران وتواجدها فى سوريا. وتجدر الإشارة إلى أن السياسة الأمريكية قد شهدت تحولاً مهماً وواضحاً تجاه تواجدها فى سوريا؛ فعلى عكس التزامها فى البداية بأنها ستغادر سوريا بمجرد القضاء على الإرهاب، أعلنت مؤخراً أنها لن تغادر إلا بعد خروج الميليشيات الإيرانية وتوابعها من سوريا؛ أى أن الوجود الأمريكى مرهون بالوجود الإيرانى هناك. وينبغى التأكيد على أن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة ببقاء أو رحيل الأسد، على عكس ما كان من قبل، وأضحى هدفها الأهم هو منع الآخرين – تحديداً إيران – من الاستحواذ على النفوذ الإقليمى. وفى هذا الإطار، يمكن القول أن استخدام الولايات المتحدة لإقليم الأكراد فى سوريا ما هو إلا لاتخاذه كقاعدة للانطلاق، وليس تبنياً لقضية الأكراد ذاتها.
يعتقد سيادته أن التسوية فى سوريا ليست قريبة لصعوبة الوصول إلى تسوية مرضية بين روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا. على أنه ينبغى التأكيد رغم أن التسوية غير مرجَّحَة، فإن التصعيد أيضاً غير مرجَّح، لأنه سيكون مكلفاً جداً. وفى هذا السياق، يمكن تصوُّر الوضع الراهن فى سوريا على أنه مرحلة بين بين (لا تسوية ولا تصعيد)، ومن المرجَّح بقاء نظام الأسد واستمرار حيازته لمساحاتٍ كبرى من الدولة السورية، مع احتمالية قيامه بإضفاء تحديثاتٍ سياسية واجتماعية فى الداخل السورى.
•مشاركة السيدة/ إلهام أحمد:
فى تعقيبها، أوضحت سيادتها أن الحرب التى استمرت منذ سبعة أعوام قد أنشأت وضعاً خاصاً من تقسيم النفوذ على كامل جغرافيا الأراضى السورية، وقد لا تعترف الكثير من الدول بهذا الوضع، لكنه واقع موجود وظاهر للعيان.
كيف يمكن وضع حلول بما يتلاءم مع الوضع الجغرافى والوضع المجتمعى فى سوريا بالكامل؟ وعند البحث عن الحل لابد من العودة إلى أسباب الأزمة وجذورها… يعتقد النظام السورى وبعض الأنظمة العربية أن الوضع الحالى قد تشكَّل نتيجة للتدخلات الخارجية، لكن الواقع أن الأسباب كانت داخلية وليست خارجية منذ البداية، فالنظام لم يستطع معالجة القضايا الداخلية فى سوريا، فعلى سبيل المثال كان هناك حراك كردى على مستوى المدن السورية وحتى العاصمة فى 12 مارس 2004، ولكن شهد هذا الحراك قمعاً من جانب النظام. وهنا لابد من التأكيد على أن حرمان الجانب الكردى من حقوقه الأصيلة كان أحد الأسباب الرئيسية للأزمة، يُضَاف إلى ذلك تهميش الشرائح الاجتماعية سواء كان ذلك فى المناطق الريفية ذات الغالبية العربية أو غيرها. وبالتالى، فالأزمة السورية هى أزمة اقتصادية واجتماعية وثقافية، ولكن النظام لم يستطع معالجة هذه المشكلات بطرق إبداعية وجديدة، إنه لم يعرف فقط سوى استخدام القوة لكسر أشكال المعارضة المحتجة على هذه المشكلات.
اندلعت الثورة السورية فى خضم الثورات العربية المتزامنة معها، ولكن أدى تسليح الحراك الشعبى إلى التدخلات الخارجية، وفى النهاية أصبحت الحرب حرباً عالمية ثالثة، إذا جاز التعبير، نتيجة حدوث صراع دولى على الأراضى السورية.
ولا شك أن البحث عن حل لا يمكن أن يأتى عن طريق السلاح أو عن طريق دعم طرفٍ ما ضد طرفٍ آخر. ومن ثَمَّ، لابد من معالجة الوضع الحالى بوسائل حيادية وغير عسكرية.
عند الحديث مثلاً عن التدخل التركى فى الشأن السورى، يُرَى أن لدى تركيا مساعى لاحتلال أراضى سوريا، وهى الآن مهتمة بشأن إدلب، وتحاول فرض سيادتها على جغرافيتها، لذلك ارتضت أن تكون حامية لخروج الفصائل المسلحة الموجودة بها كى يكون سلاح هذه الفصائل موجوداً بيد أنقرة. وتعرف جميع دول العالم جيداً أن هذه الفصائل لا تمثل المعارضة السورية وأن غالبيتها ليست فصائل محلية، وإنما هى مجموعات أتت من الخارج، من الشيشان ومن منطقة الإيغور الصينية ومن أوروبا ومن جهاتٍ أخرى عديدة. وستؤدى الحرب فى تلك المنطقة – على الرغم من كل ذلك – إلى انتشار هذه الفصائل فى دول أوروبية ودول إقليمية أيضاً. ولكن مثل هذه الحرب لم تحدث نتيجة الاتفاق الروسى التركى، الذى يقضى بنقل هؤلاء الفصائل إلى أماكن أخرى غير معلومة يمكن ضربهم فيها.
إن تدخل تركيا فى عفرين واضح لأنظار دول العالم أجمع، ولم يتخذ المجتمع الدولى أو أىٍ من وحداته أى إجراءٍ تجاهه، رغم أن هذه المدينة تحوى أكثر من مليون ونصف علمانياً، وتُعَد أكثر المدن مسالمة فى الشمال السورى. وإلى الآن يتم ارتكاب المجازر فى عفرين، إلى جانب عملية التقسيم الديموجرافى المُمنهَج هناك. على العكس من ذلك، تُعَد إدلب الآن مرتعاً للفصائل المتشددة التى تهدد أمن الدول الإقليمية ودول العالم أيضاً، ولكن هناك إصرار شديد من الدول المنخرطة فى الأزمة على ضرورة الإبقاء على تلك الفصائل ريثما يتم نقلها لمناطق أخرى، بحجة الحفاظ على الوضع الإنسانى فى إدلب. ولا شك فى أن الموقفين فى عفرين وإدلب يبينان مدى الازدواجية التى تظهرها تلك الدول عند تعاملها مع الملف السورى.
والمشكلة هنا أن هذه الفصائل ستزال محافظة على ثقافتها وستتمكّن من نشرها فى مناطق أخرى فيما بعد، وذلك إذا لم يتم ضربها فى إدلب. فحتى إذا نُزع منها السلاح، لن يُنزَع منها فكرها المتطرف. لذا، هذا لا يُعتبَر حلاً للأزمة السورية فى عمومها، وإنما هو عملية ترقيع – إن جاز التعبير – للأزمة تقوم بها روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة وكافة الدول المشاركة أو المؤثرة فى الملف السورى.
من جهةٍ أخرى، وعند الحديث عمَّا يتم اتهام قوات سوريا الديموقراطية به، من حيث أنها تهدد أمن ووحدة الأراضى السورية، فإنه تمكن الإشارة إلى تصريحات بعض المسئولين الروس والمسئولين السوريين فيما يخص مناطق شرق الفرات. ذكر آخر تصريح لوزير الخارجية الروسى أن “خطر التقسيم يهدد سوريا من شرق الفرات”، وهذا على ما يبدو موجَّه إلى الولايات المتحدة قبل أن يُوجَّه إلى قوات سوريا الديموقراطية، فالجميع يعلم أن النظام السورى استطاع أن يصل إلى هذه المرحلة بسبب وجود قوات سوريا الديموقراطية فى هذه المناطق، واستطاعت سوريا الحفاظ على وحدتها إلى هذا الحد. فلولا وجود هذه القوات وقوات حماية الشعب، لكانت تلك المنطقة أيضاً بالكامل مرتعاً للفصائل الإرهابية، تتلاعب بها الدول الإقليمية – والتركية بشكلٍ خاص – ولكانت هذه المناطق أيضاً تحت السيطرة التركية التى تفرض سلطتها على عفرين كأمرٍ واقع. وترى سيادتها أن التصريحات التى يتم إصدارها الآن غير مسئولة فى هذه المرحلة بالذات.
تنبغي الإشارة هنا إلى أن الحكومة السورية كان يجب عليها القيام بواجبها لفرض حظر جوى على المقاتلات التركية التى دخلت الشمال السورى، وقد ذُكِر هذا الأمر صراحةً للمسئولين السوريين بأنه قد تقاعسوا عن مسئولياتهم تجاه كامل الأراضى السورية عندما تعرضت للهجوم. قبل ذلك، تعرضت هذه الأراضى لضربات من داعش ثم جبهة النصرة، ثم تم تحريرها من قِبَل قوات سوريا الديموقراطية وراحت أخيراً ليد النظام، ثم دخلتها القوات التركية لاحقاً. ومن هنا، فإن اتهام قوات سوريا بأنها تهدد وحدة الأراضى السورية لا أساس له من الصحة، بل لديها الحق فى اتهام النظام بأنه تقاعس عن أداء مهامه تجاه تلك الأراضى.
تجدر الإشارة إلى أن الأمريكان قد ساعدوا قوات سوريا الديموقراطية فى مواجهة داعش، والآن هم موجودون بالمنطقة لضمان الوصول إلى نظام ديموقراطى فى سوريا، والآن تتعرَّض هذه القوات لتهديداتٍ من النظام ومن تركيا بين الفترة والأخرى. وهذا يعنى أن الوجود الأجنبى أيضاً سيستمر إلى أنْ يكون هناك ضمان كامل لعملية سورية ديموقراطية شاملة. ويُتصوَّر أن الحل يعود للنظام السورى ومدى استعداده للقيام بمثل هذه العملية الحقيقية. وتُبدِى قوات سوريا استعدادها لذلك منذ بداية الأزمة وحتى الآن، وهى مع الحوار السورى – السورى، ومع الحل السورى – السورى، وضد التدخل الخارجى، وأن تكون سوريا لا مركزية، مع مراعاة أن التسمية – كالفيدرالية وغيرها – لا تهم، وهذا خاضع للتفاوض إذا تم اللجوء إلى الحوار فى عملية التسوية.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى الدور الذى يمكن أن تلعبه مصر فى الملف السورى، انطلاقاً من مواقفها السابقة المحافِظة على وحدة الأراضى السورية، وانطلاقاً من العواطف المشتركة بين الشعبَيْن.
•تعقيب السفير/ سيد أبو زيد:
بدايةً، أبدى سيادته الملاحظة على عنوان الندوة، وطرح تساؤلاً حول كلمة “الحسم” المذكورة فيه، هل هو الحسم السلمى أم العسكرى؟ أى هل يأتى عندما يتم الوصول إلى تسوية سلمية نتيجة جهود تُبذَل مع الأمم المتحدة وغيرها؟ أم هل يأتى نتيجة تصرفات عسكرية من قِبَل أطراف الصراع؟
يُلاحَظ أن دور الأمم المتحدة ودور العرب ضعيفان جداً فى هذا الملف الشائك والمُعقَّد. ينبغى التأكيد أيضاً على أن الموقف المصرى دون باقى المواقف العربية له أهميته الخاصة انطلاقاً من المحاور الأساسية التى تقوم عليها السياسة الخارجية المصرية والمهمة فى الأزمة السورية مثل التأكيد على وحدة الأراضى السورية ووحدة الشعب السورى والحل السلمى والحوار وعدم التدخل الخارجى، وأن الأمم المتحدة لها اليد العليا فى وضع حلٍ للأزمة السورية. وقد ذُكِر أن مصر لها قبول على المستويَيْن الرسمى والشعبى فى سوريا، وحتى على المستوى الدولى. وعلى أى حال، فإن الدور المصرى لا يواجه عادةً أى رفض، وأنه مرحَّب به فى ظل التحديات الكثيرة التى تواجهه.
من بين الأطروحات التى تناولت الوضع السورى فيما بعد الحسم، كانت هناك واحدة تقول بأن العودة إلى الدولة السورية السابقة صعب، ويجب التأكيد على هذا الأمر لسببٍ بسيط يتمثل فى استمرار الحرب لمدة سبع سنوات بين أطراف متعددة من المفترض أن تتمتع بصلاحياتٍ مستقبلية فى النظام السياسى السورى.
تنبغى الإشارة أيضاً إلى المسألة الكردية، ووفق ما ذكرته السيدة/ إلهام أحمد بأن الأكراد يريدون حلاً سورياً سلمياً خالصاً دون أى تدخل خارجى، فإن ذلك يتفق والطرح المصرى، وهذا من شأنه تقريب وجهات النظر وتجنيب البلاد المزيد من الخسائر والخلافات.
•المداخلات والمناقشات:
السفير/ حازم خيرت: ذكر سيادته أنه عندما كان سفيراً لمصر فى سوريا، لمس مسألة العاطفة والمودة بين الشعب السورى، وفى علاقته مع غير السوريين، بل ومن النظام ذاته. لذا، أضحت مشاهدة ما يحدث هناك من جرائم ومجازر امراً غريباً وغير مألوف. وبيَّن سيادته أن حافظ الأسد كان قادراً على إقامة توازنات بين العرب وإيران، أمَّا بشار فقد ارتمى فى أحضان إيران. وذكر أن مشكلة بشار تكمن فى اختيار مستشاريه؛ ففى السابق، كان معه عبد الحليم خفاجى وغازى كنعان، وهما شخصيتان حكيمتان ومحبوبتان جداً لدى الشعب السورى، ثم فقدهما لصالح شخصياتٍ أخرى مثل رستم كازان.
السفير د./ محمد بدر الدين زايد: حمَّل سيادته النظامَ السورى الكثير من مشاكل وأزمات المنطقة، مثل دخول حزب الله فى لبنان وتغلغل إيران فى المنطقة. وتعقيباً على الحالة العاطفية فى القضية السورية، بيَّن أن فى مصر إشكالية فى هذا الأمر؛ حيث يأمل المصريون فى تخليص السوريين من ويلات الحرب، ويدافعون فى ذات الوقت عن النظام السورى. وفى النهاية، أشرك سيادته السعودية مع سوريا فى التسبب فى المشكلات التى تعانى منها المنطقة فى الوقت الحالى دون تفرقة.
د./ رجائى فايد: يعتقد سيادته أن إيران لن تغادر سوريا إلا إذا طلبت منها الحكومة السورية ذلك. وفيما يتعلق بتركيا، يرى أنها وجدت فى الأزمة السورية فرصة تاريخية للتمتع بدور إقليمى مقابل كلٍ من خصميها روسيا وإيران، ومن ثَمَّ راهنت على ما قامت به فى سوريا، لكنها خسرت خسارة فادحة لا تتناسب مع أى مكسب يمكن أن تحققه فى المستقبل.
أ. د./ جمال عبد الجواد: أوضح سيادته أن المنطقة العربية كانت مليئة بالأوضاع التى أثبتت هشاشتها فور اندلاع الثورات فيها. ولقد أدت الأخيرة إلى تغيير أشياء كثيرة فى المنطقة؛ فالسعودية مثلاً خسرت حليفاً رئيسياً عندما سقط مبارك فى مصر، وبدا فى اعتقاد السعودية أنه ما دامت خسرت مصر، فلابد لإيران أن تخسر حليفتها سوريا، وبالتالى اندفعت إلى مسألة تغيير النظام فى سوريا. إضافةً إلى ذلك، ذكر سيادته أن أكثر شىء قوَّض “التضامن العربى”، إذا كان موجوداً، هو التحالف السورى الإيرانى، وأن التطورات المُعقَّدَة التى تشهدها الساحة السورية حالياً ما هى إلا فاتورة متأخرة يدفعها النظام السورى بالشراكة مع الدول العربية أيضاً.
د. كمال أبو عقيل: أشار سيادته إلى أن الأزمة السورية تدخل فى المنظومة التى وضعها المحافظون الجدد فى واشنطن فى عام 1998، والتى تقوم على تحطيم الدول الرئيسية فى المنطقة أو استقطابها أو تحييدها مثل العراق وسوريا ومصر، بحيث تكون إسرائيل هى الدولة العظمى فى المنطقة. ومن جهةٍ أخرى، أشار إلى أنه بعد إسقاط طائرة روسية فى سوريا على أيدى المقاتلات الإسرائيلية، واعتراف إسرائيل وإبدائها الاعتذار عن ذلك، والذى تم على إثره اتخاذ روسيا قرار إمداد سوريا بنظام S-300، ذكر نتنياهو – فى مفارقةٍ عجيبة ومريبة – أن التدخلات الإسرائيلية ستزال موجودة فى سوريا بالتنسيق مع روسيا. وتعقيباً على هذا الحدث، بيَّن د. كمال أن هذا مبنى على وجود 1.1 مليون روسياً يهودياً فى إسرائيل، وهم الأساس لحزب الليكود، وأنه من الواضح أن إسرائيل تقوم بدور معين بالوساطة بين روسيا وسوريا والولايات المتحدة الأمريكية.
السفير د./ رخا حسن: أشار سيادته إلى أن إسرائيل لديها اهتمامات بسوريا تتمثل أهمها فى الجولان وجبل الدروز والوجود الإيرانى على الأراضى السورية. وذكر أن روسيا نفسها تريد تحييد إيران فى سوريا فيما بعد حل الأزمة السورية وعملية إعادة البناء. وبالنسبة لتركيا، فلا شك فى أنها تريد ترويض الأكراد الموجودين فى سوريا، وذكر أن الولايات المتحدة تنوب عن السعودية وإسرائيل فى الأزمة السورية، وأن قرار الأمم المتحدة 2254 يُعَد بمثابة خارطة طريق كاملة لهذه الأزمة. وبيَّن سيادته أنه سيكون للفصائل السورية دور مهم فى صياغة الحل فى سوريا، وأنهم سيؤثرون فى قضية هل من الممكن إقامة نظام ذاتى فى سوريا من عدمه، وسيؤثرون كذلك فى قضايا الانتخابات والبرلمان وغيرها من الأمور المهمة فى النظام السياسى السورى فيما بعد انتهاء الحرب هناك.
السفير/ أسامة توفيق: ذكر سيادته أنه يجب تعقب جذور المشكلة الرئيسية لحلها. وتركيزاً على التدخل الروسى، ذكر أنه جاء متزامناً مع انتزاع روسيا لمنطقة القرم الأوكرانية، كما جاء دفاعاً عن مصالحها فى سوريا بشكلٍ غير مباشر إذا تم النظر إلى مشروع نقل الغاز الطبيعى من قطر لسوريا لأوروبا، وبالتالى قطعت هذا الطريق لأجل إقامة مشروعاتها الخاصة بهذا الملف، ومن ذلك على سبيل المثال مشروع “خط الغاز الشمالى 2” الذى تنشئه روسيا حالياً لإمداد أوروبا بالغاز، ودون المرور بأوكرانيا. وبهذا المشروع تُحَل مشكلة الغاز الروسى، ومن ثَمَّ تتبقى مشكلة القرم، والأزمة السورية… فهذه قضايا يجب حلها جميعاً فى وقتٍ واحد.
فى كلمته الختامية، أشار السفير د./ منير زهران إلى أن هناك تعقيداً يواجه الأزمة السورية فى مجلس الأمن نتيجة السجال الروسى الأمريكى حولها باستخدام حق النقض، وقد سبق للسكرتير العام السابق بان كى مون اختيار كوفى عنان للوصول إلى حلٍ للأزمة، ولكنه استقال… تلاه الأخضر الإبراهيمى الذى كان مبعوثاً للأمم المتحدة ولجامعة الدول العربية فى آنٍ واحد، ولكنه فشل واستقال فى المهمة… وأخيراً تم تكليف ستيفان دى ميستورا مبعوثاً خاصاً للسكرتير العام للأمم المتحدة. وعلى ما يبدو، فإن الأخير لا يقوم بطرح اقتراحات فعَّالة أو عملية للوصول إلى تسوية مرضية، ويكأنه يساعد على تطويل الأزمة.