مشاركة السفير/د.محمود كارم في المؤتمر السنوي لمؤسسه كليه دفاع حلف الاطلنطي التابعة للناتو بروما
ديسمبر 19, 2018لقاء السفير الأفغاني بمقر المجلس
يناير 2, 2019
على مدى يومي 18 – 19 ديسمبر 2018 ، عقد المجلس المصري للشئون الخارجية مؤتمره السنوي لعام 2018 تحت شعار ” مصر والعرب في شرق أوسط متغير ” ، شاركت في أعماله نخبة من السفراء والأكاديميين والباحثين والمهتمين بقضايا المنطقة والعالم . وافتتح أعمال المؤتمر السفير/ د . منير زهران رئيس المجلس، والسفير/ حمدي لوزا نائب وزير الخارجية للشئون الإفريقية نيابة عن السيد / سامح شكري وزير الخارجية.
وقد اختار المجلس موضوع مؤتمر هذا العام ، بجوانبه المعقدة والمتشابكة ، أخذاً في الاعتبار البيئة الإقليمية والدولية المتغيرة وانعكاساتها على الأوضاع في عالمنا العربي ، لاسيما استمرار تزايد نفوذ الدول غير العربية ( إيران – تركيا – إسرائيل ) في الشئون والأزمات العربية في وقت لا يبدو أن للعرب دور كبير في إحداث التغيرات الجارية في منطقتا ، وفي ظل دور متراجع لجامعة الدول العربية بوصفها التنظيم السياسي الإقليمي الرسمي الجامع للعرب ، وهو ما أدى إلى استفحال التحديات التي تواجه الدول العربية مثل مخاطر تفتت بعض الدول والإرهاب ومخاطر أخرى عديدة تهدد الأمن القومي العربي الذي ما يزال مفهومة محل جدل وانقسام ما بين دول عربية ترى أن إيران باتت مصدر الخطر الرئيسي على الأمن الإقليمي ، ودول أخرى تؤكد أن إسرائيل ، باستمرار احتلالها فلسطين وأراض عربية أخرى، وممارساتها العدوانية والعنصرية هي الخطر الأكبر الذي يتعين التعامل معه ومواجهته .
وارتباطاً بوجهة النظر الاولى ، يلاحظ النشاط الدبلوماسي والسياسي الإسرائيلي الواضح تجاه بعض الدول التي لا تجد غضاضة في التواصل مع إسرائيل على أساس أنها في نفس الخندق الذي توجد فيه هذه الدول ضد إيران .
علاوة على ما تقدم لا يخفى أن القوى الكبرى لها أدوار لا يمكن تجاهلها في ما يجرى في المنطقة العربية، وهي أدوار صراعية تنافسية، في أغلبها ، تتخذ أشكالاً عسكرية واقتصادية جديدة . والأمر هنا لا يتعلق بالتحولات في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه مشكلات المنطقة فحسب ، وأبرزها الموقف المخجل وغير المسئول لواشنطن من النزاع العربي / الإسرائيلي ، بل وأيضاً أدوار القوى الكبرى الأخرى ( روسيا – الصين – الاتحاد الأوروبي ) ، والتي تعمل كل منها للدفع بمصالحها الخاصة ، والتي قد لا تتفق بالضرورة مع مصالح دول المنطقة ومقتضيات أمنها واستقرارها .
وهكذا ، وللتعرف على ما يجرى في منطقتنا ومن يدير عملية التغيير فيها ، عقد المؤتمر جلسات أربع، تناولت الجلسة الاولى منها دور القوى الكبرى (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، الاتحاد الأوروبي)، من حيث توجهات السياسة الخارجية لكل منها في المنطقة ورؤيتها لمصالحها فيها وأهدافها وأدواتها لتحقيق هذه الأهداف ، ومدى التغير الحادث في استراتيجيتها تجاه المنطقة منذ عام 2011 وحتى الآن ، والأنماط الحاكمة لعلاقة كل منها مع القوى الأخرى في المنطقة ( صراع أم تنافس أم تعاون ) .
وتناولت الجلسة الثانية دور القوى الإقليمية ( إيران – تركيا – إسرائيل ) وما هي سياسة هذه الدول في المنطقة ورؤيتها لمصالحها فيها وأهدافها وأدواتها لتحقيق هذه الأهداف ، ومواقفها من النزاعات العربية وتأثير سياساتها ومصالحها على أمن واستقرار المنطقة . أما الجلسة الثالثة ، فقد تناولت دور الدول العربية ، و إلى أي مدى تمارس هذه الدول دوراً مؤثراً في استقرار المنطقة ، سلباً أو ايجاباً ، وهل تتجه النزاعات القائمة الي التسوية والحل أم الى الاستدامة وأسباب ذلك . وفي الجلسة الرابعة ، التي عالجت موضوع ” مصر وقضايا المنطقة ” ثم تناول قضايا أربع رئيسية هي: مصر والنزاعات العربية ، مع التركيز بصفة خاصة على دول الجوار المباشر ليبيا وفلسطين والسودان ، مصر والأمن العربي ، بما في ذلك المبادرات المصرية لإنشاء هيكل إقليمي دفاعي ومفهومها الخاص للأمن القومي العربي والدفاع العربي المشترك وأمن منطقة البحر الأحمر، والدور المصري في مجال مكافحة الإرهاب، وإلى أي مدى تلقي القاهرة تعاون ودعم الاشقاء العرب والأطراف الإقليمية والدولية في هذا الشأن ، وأخيراً مصر والمستقبل العربي ، من حيث تصورها لمستقبل المنطقة وللعمل العربي المشترك والدور المصري في هذا الشأن .
وفيما يلي أهم ما تم استخلاصه من ما ذكره المتحدثين أمام المؤتمر، ومن المناقشات التي جرت خلاله:
أولاً : الجلسة الأولى : دور القوي الكبرى :
1- يستفاد من وثيقتي الأمن القومي والدفاع الوطني الأمريكيتين ، الصادرتين في ديسمبر 2017 ويناير 2018 ، تضاؤل الأهمية النسبية لمنطقة الشرق الأوسط برمتها ، بما في ذلك أولوية مكافحة الإرهاب الدولي ، وأن محور السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط قد انتقل من الصراع العربي / الإسرائيلي إلى الصراع السعودي / الخليجي / الإسرائيلي مع إيران ، وهو تطور لا يعد مفاجئاً ، إذ أنه تبلور تدريجياً في العقود والسنوات الأخيرة بحيث أضحي سياسة رسمية معلنة .
على أن ذلك لا يعني انسحاباً أمريكياً شاملاً من الشرق الأوسط ، وإنما توجهات نحو الحفاظ على المصالح الامريكية بتكلفة أقل ، حتى لو أدى ذلك إلى التنازل عن بعض مناطق النفوذ التي تعتبرها واشنطن هامشية ، أو التخلي عن نظم حكم وجماعات سياسية متحالفة مع الولايات المتحدة . وتظل مسألة حماية أمن إسرائيل ذات أولوية في سياسة واشنطن في المنطقة وضمان إمداد حلفاء أمريكا في آسيا وغيرها بالغاز والنفط من المنطقة بأسعار معقولة ، والحفاظ على أمن الممرات المائية في المنطقة ، وفي مقدمتها قناة السويس، إلى جانب منع تمدد النفوذ الصيني والروسي في المنطقة .
وفي ضوء كل ذلك ، ما يزال للولايات المتحدة وجود عسكري في العراق وقواعد عسكرية في الخليج وفي البحر الأحمر، حيث وفرت هذه القواعد الدعم اللوجستي لقوات التحالف في اليمن .
2- لا يمكن التعويل على الدور الأمريكي لإخراج المنطقة العربية من حالة السيولة التي تواجهها حالياً على كافة الأصعدة . ذلك أنه بالرغم من أن الولايات المتحدة ما تزال القوة العظمى المهيمنة على العالم والإقليم وصاحبة القدرات والإمكانات الضخمة ، فإن محددات داخلية عدة قد أثرت سلباً على دورها في الشرق الأوسط وجعلت التنبؤ برد الفعل الأمريكي أكثر صعوبة وأقل دقة ، ولم يعد ممكناً التعويل على مفهوم السلام الامريكي في منطقتنا ، بعد أن بات هدف الولايات المتحدة في المنطقة هو إعادة ترتيبها بما يكفل إدماج إسرائيل وتركيا والاستفادة من ثروات الاقليم ، خاصة الخليج ، وإضعاف دوله وجعلها دولاً تابعة في قراراتها وسياساتها .
3- بالنسبة للسياسة الخارجية الروسية في المنطقة ، فهي تمثل عاملاً مهماً في معادلة العلاقات الروسية الأمريكية ، حيث تبدو موسكو حريصة على استعادة دور القوة العظمى في الإقليم ، خاصة بعد الأزمة الأوكرانية وضم القرم عام 2014 وما أدى إليه ذلك من عقوبات أمريكية وأوروبية استهدفت فرض عزلة دولية على روسيا . وقد عادت موسكو بوجه مختلف عن الوجه السوفيتي ، بحيث بات الشرق الأوسط هو المنطقة التي تتمتع فيها السياسة الروسية بميزة تكتيكية على الأقل ، تجعلها مختلفة عن سياسات الغرب . ولا شك أن التدخل العسكري في الأزمة السورية في أواخر سبتمبر عام 2015 ، والذي جاء كرد فعل روسي على الموقف الغربي من الأزمة الأوكرانية ، يشكل علامة فارقة في سياسة روسيا في المنطقة . فضلاً عن كونها المرة الأولى التي تحارب فيها قوات روسية خارج الفضاء السوفيتي السابق منذ سقوط الاتحاد السوفيتي ، نجحت روسيا بمهارة شديدة في تجاوز العزلة الدبلوماسية التي وجدت نفسها فيها بعد ضم القرم ، وذلك من خلال لعب ورقة الشرق الأوسط .
ومع ذلك يظل التدخل العسكري الروسي في سوريا بمثابة استثناء على سياسة روسيا تجاه مشكلات المنطقة ، حيث تجنبت مثل هذا التدخل ، وحتى الدبلوماسي أحياناً ، في نزاعات الإقليم . ومما تجدر الاشارة إليه هنا أن موسكو – كما هو حال الدول العربية – ترتكز في سياستها الخارجية على مبادئ عدم التدخل في الشئون الداخلية والمساواة في السيادة ورفض تغيير الأنظمة .
4- وإذا كان صعود الإسلام السياسي للسلطة مع ثورات الربيع العربي عام 2011 قد وفر فرصاً سياسية وعسكرية سهلت من عودة روسيا إلى المنطقة ، خاصة وأن هذا الصعود أقلق موسكو كثيراً ودعاها إلى التعاون مع دول رئيسية في المنطقة ، على رأسها مصر وكذلك ليبيا وسوريا والعراق ، حيث أدى صعود داعش في هاتين الأخيرتين إلى وضع خطر الارهاب والتطرف على رأس أجندة الأمن الدولي، فإن تراجع الولايات المتحدة عن مشكلات المنطقة وعزوفها عن الانخراط فيها بصورة جدية ، ثم فوضى السياسة الأمريكية في عهد ترامب ، قد دفع دول المنطقة إلى البحث عن شراكات بديلة وتوسيع دائرة خياراتها السياسية حيث بدت روسيا بمثابة بديل جذاب للعديد من دول المنطقة . والملاحظ هنا هو الواقعية الشديدة والمرونة التي تتسم بها سياسة روسيا في الإقليم ، حيث تحتفظ بعلاقات طيبة بكل الأطراف ، حتى المتنازعة منها مثل إسرائيل وإيران ، والأخيرة والسعودية ، والأخيرة وقطر. بل إن روسيا تحتفظ بروابط مع جميع الأطراف في النزاع الواحد، وهو ما نراه مع الجانب الفلسطيني( حماس- فتح – السلطة الوطنية الفلسطينية) ومع كل من ليبيا وسوريا ولبنان .
5- على حين تدين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الدور الروسي في المنطقة وتعتبره نوعاً من الانتهازية ، تتسم السياسة الروسية في المنطقة بإنفتاح كبير وبسمة تعاونية أكثر منها تنافسية أو صراعية. إذ يؤكد الروس دائماً على عدم وجود بديل للجهود الجماعية الدولية في حل المشكلات الإقليمية والدولية . كما أنه على خلاف واشنطن ، تتسم سياسة موسكو في المنطقة بالتوازن. ففي الوقت الذي تسعى فيه إلى بناء علاقاتها بالدول العربية ، سواء تلك المتحالفة مع واشنطن أو غير المتحالفة معها، – وكذلك مع الشارع العربي ( قناة روسيا اليوم التي تبث منذ إبريل 2010) – تحتفظ روسيا أيضاً بنوع من الشراكة الاستراتيجية مع إيران وعلاقات متطورة مع إسرائيل .
6- على خلاف علاقة روسيا بكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المنطقة ، والتي تتسم – في مجملها – بالتنافس ، تبرز الصين كقوة كبرى تقف بثبات مع روسيا سياسياً ، بوصفهما قوتين مقاومتين لما يسمي بـــ” النظام الليبرالي الدولي ” الذي تقوده الولايات المتحدة . والملاحظ هنا بالنسبة لعلاقة القوتين بالمنطقة ، تبدو الصين راضية بترك روسيا تلعب الدور الرائد في الشرق الأوسط كما تسلم بالمصالح الروسية في سوريا . وكما هو حال روسيا ، تتسم سياسة الصين الخارجية بقدر واضح من التوازن بين مختلف الأطراف، وهو موقف تمليه اعتبارات الأمن القومي للصين ومصالحها العليا .
وبعد أن أصبحت الصين القوة التجارية الأولى وثاني أكبر قوة اقتصادية عالمياً ، بدأت في السعي إلى الانخراط بشكل أكبر في الشئون الدولية والمشاركة بفاعلية في المؤسسات متعددة الأطراف ، وذلك من خلال طرح مبادرات إقليمية ودولية أبرزها مبادرة الحزام والطريق . وقد طرحت بكين تصورها للعلاقات العربية الصينية واستراتيجيتها حيال المنطقة العربية ، في ورقة طرحها الرئيس الصيني في لقاء بمندوبي الدول العربية بمقر جامعة الدول العربية على هامش زيارته للقاهرة في يناير 2016 ، داعياً هذه الدول الى الانضمام لمبادرة الحزام والطريق وتعزيز العلاقات مع بلاده على قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة ، باعتبار أن للمنطقة مكانة مركزية في المبادرة .
والواقع أن المشاركين في مؤتمر المجلس لم يختلفوا حول حقيقة أن القرن الحادي والعشرين هو قرن آسيوي بامتياز، بعد أن ضاقت المسافة بين الصين والولايات المتحدة في العديد من المجالات، إلا أن هناك تساؤلات طرحت ارتباطاً بذلك من قبل: ماذا سيحدث عندما تصبح الصين القوة الاقتصادية الأولى عالمياً، وهل ستكون كذلك عسكرياً ؟ وماذا سيكون رد فعل الولايات المتحدة والغرب على ذلك، وماذا سيكون تعامل الصين مع الدول النامية حينئذٍ؟.
7- فيما يتعلق بدور الاتحاد الأوروبي والأنماط الحاكمة لعلاقاته بالقوى الكبرى الأخرى في الإقليم ، جاء انحسار الدور الأمريكي في المنطقة لصالح دور الاتحاد الذي يشهد صعوداً نتيجة لمصالحه الاقتصادية والتجارية الضخمة مع المنطقة ، بما في ذلك التعاون في مجال الطاقة بما يقلل من اعتماد دول الاتحاد على الغاز الروسي ، ولمواجهة تحديات اللاجئين والهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للحدود بجانب الأزمتين الليبية والسورية والملف النووي الإيراني. وهناك تنسيق وتشاور مستمر بين مصر والاتحاد الأوروبي في هذه القضايا ، ويسعي الاتحاد إلى تأكيد جدارته وأهميته في ضوء خروج بريطانيا منه في مارس القادم، وظهور تيارات شعبوية ويمينية متطرفة في دول أوروبية عديدة تشكك في صموده وترويج فكرة الهويات القومية ضد فكرة الإتحاد وأهدافه.
-
لا يمكن التقليل من أهمية الدور الإيجابى الذى تحاول المنظمات الإقليمية والدولية ممارسته فى قضايا المنطقة.فللأمم المتحدة قوات حفظ سلام وبعثات سلام موجودة فى عددٍ من الدول العربية. وبالنسبة لجامعة الدول العربية، فإن جميع المبادرات العربية الكبرى مثل منطقة التجارة الحرة العربية تمَّت فى إطارها، وهناك قمة تنموية عربية ستنعقد فى بيروت فى يناير 2019، ما يعنى أنها لا زالت ذات أهمية فى محاولة لم الشمل العربى. وفى هذا السياق، يجب على كلٍ من مصر والسعودية بشكلٍ خاص – باعتبارهما مؤثرتين فى المنطقة – أخذ مبادرات إصلاحية وتقويمية داخل الجامعة، لجذب باقى الدول الأعضاء على تبنيها، وليكن ذلك فى قضايا التنمية المستدامة والمناخ وملفات حقوق الإنسان، ويأتى فى مقدمة ذلك كله بذل الجهود البنَّاءة لتسوية الخلافات البينية فيما بين دول المنطقة. من جهةٍ أخرى، وفيما يتعلق بالدور المنوط بمجموعتَى عدم الانحياز و(الـ 77+ الصين)، فيُقتَرَح إدماجهما معاً، للدفاع المتكامل عن القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدول الجنوب فى وجه سياسات دول الشمال، وبما يشكِّل ضغطاً فاعلاً في أروقة الأمم المتحدة، لحل قضايا ونزاعات الدول النامية، بما فيها الدول العربية، بأقل خسائر ممكنة.
ثانياً: الجلسة الثانية دور القوى الإقليمية:
9- إن التوازن السياسي في المنطقة ليس في صالح الدول العربية في الوقت الراهن، وإنما بيد دول الجوار غير العربية( إيران وتركيا وإسرائيل).
10- أدى تفاعل الأحداث في الإقليم إلى تراجع النظام العربي لصالح النظام الشرق أوسطي. وفي تقدير بعض المتحدثين أن من بين أسباب ذلك نظرة حكومات دول عربية إلى إيران على أنها عدو رئيسي لها، مما وضع هذه الدول في خندق واحد مع إسرائيل، حتى ولو كان ذلك غير مقصود بحيث بات يجمع هذه الدول وإسرائيل هدفاً استراتيجياً واحداً هو احتواء التهديد الإيراني. وأضاف هذا البعض أنه من قبيل المبالغة الشديدة القول بأن إيران هي أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، ذلك أن إسرائيل، في المقابل، مارست – وماتزال- إرهاب الدولة أكبر بكثير من إيران، بل إن هناك دول عربية موَلت ودعمت الإرهاب ربما أكثر بكثير من الأطراف غير العربية التي يجري إتهامها.
11- أن ماتريده كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا وإيران هو صمود النظام الشرق أوسطي على حساب النظام العربي، بما يؤدي إلى تهميش الهوية العربية وتمييعها لصالح النظام الشرق أوسطي.
ويبدو ذلك واضحاً مما فعلته الولايات المتحدة في العراق على سبيل المثال، حيث أغفل الدستور العراقي، الذي صيغ تحت رعايتها، ذكر أن العراق دولة عربية . كذلك جاءت صيغة مؤتمر التعاون الاقتصادي التي اقترحتها الولايات المتحدة بالتعاون مع منتدى دافوس، والذي عقد إجتماعاته الأربعة في الدار البيضاء وعمَان والقاهرة والدوحة في ذات السياق (فكرة الإندماج الإقتصادي).
12- ارتباطاً بما تقدم، هناك بعض العوامل التي تساهم في تداعي النظام العربي لصالح النظام الشرق أوسطي منها سقوط الدول العربية وتفكك مجتمعاتها ومحاصرتها من الداخل باسم الديموقراطية والمجتمع المدني والحريات، في وقت تفعل فيه الولايات المتحدة ماتشاء خاصة عندما تتعارض العولمة مع مصالحها.
13- تواجه فرص تسوية القضية الفلسطينية من خلال عملية تفاوضية تحدياً خطيراً في ضوء قبول إدارة ترامب رؤية اليمين الإسرائيلي في هذا الشأن وبشكل كامل، والذي ينكر تماماً حقوق الشعب الفلسطيني باعتبارها حقوقاً وطنية. وبجانب السياسات الإسرائيلية الاستيطانية وإجراءاتها في القدس والحرم الشريف ذاته، وتشجيع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لتقسيم وشرذمة الكيانات الفلسطينية، لم يعد تطبيع الدول العربية مع إسرائيل، وعلى الأخص الدول الخليجية، مرتبطاً بالتوصل إلى تسوية عادلة مع الفلسطينيين. ومن هنا أكد المؤتمر ضرورة العمل على استعادة القضية الفلسطينية لمكانتها في سلم الأولويات باعتبارها القضية المركزية والأساسية للعرب، وذلك من خلال جهد عربي جماعي، مع أهمية إعادة النظر في عملية إدارة الصراع العربي الإسرائيلي واستخلاص السياسات التي أدت إلى نتائج إيجابية لصالح القضية الفلسطينية. وفي هذا السياق، يجب الإسراع بإنجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية ودعم الجهود المصرية بقوة لإتمامها. وقد اشار المشاركون إلى أهمية التواصل مع شركاء السلام الدوليين والعمل على تسويق مبادرة السلام العربية على مستوى الرأي العام العالمي ومؤسسات صنع القرار على الصعيد الدولي ولدى الرأي العام الإسرائيلي، خاصة معسكر السلام الإسرائيلي.
14- أشار بعض المتحدثين، كما تطرق النقاش، إلى ضرورة التواصل مع كل من إيران وتركيا، من حيث أن الدبلوماسية وجدت للتعامل مع الأصدقاء والأعداء على السواء، وأن قطع الاتصالات بين “بلدين مركزيين” في المنطقة لايصب في مصلحة مصر. وبالتالي يمكن للدولة المصرية السماح بنوع من دبلوماسية المسار الثاني من خلال هيئة مدنية موثوق بها للتواصل مع هاتين الدولتين دون إعلام أو إعلان . وقد تمت الإشارة هنا إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه رجال الأعمال في هذا الصدد.
ثالثاً: الجلسة الثالثة: دور الدول العربية:
15- تبدو الدول العربية محاصرة بأشكال مختلفة من الاختراق والتأثير والضغط والابتزاز. كذلك تشهد المنطقة اندلاع وتشجيع الهويات الفرعية، وهو مايستوجب احترام جميع الثقافات الفرعية الموجودة في المنطقة كالأكراد والأمازيغ، حيث يجب ان يتم كفالة الحقوق الثقافية التي يدعيها العرب لأنفسهم لهؤلاء بصورة كاملة، طالما ظلوا جزءاً لايتجزأ من الدول العربية.
16- تراجع التأييد الإفريقي والدولي للقضايا العربية ، وهو مايتطلب مراجعة بعض مفردات الخطاب العربي بما يجعله مقبولاً في الأوساط الإقليمية والدولية.
17- التنافس فيما بين الدول العربية، رغم جسامة التحديات والأخطار في المنطقة. ومن ذلك موضوع مؤتمر البحر الأحمر الذي استضافته الرياض في 12 ديسمبر الجاري، رغم أنه كان من المقرر عقده في القاهرة. وقد بات من الممارسات العادية سعي بعض الدول العربية إلى إفساد مخططات البعض الآخر، ومحاولة بعضها لعب أدوار أكبر من إمكاناتها وقدراتها بكثير.
وبالتالي لابد من بذل الجهود لتنقية الأجواء العربية من الخلافات والنزاعات، ووضع رؤية واضحة لما يعنيه الأمن القومي العربي وماهية التحديات والتهديدات التي تواجهها الدول العربية.
رابعاً: الجلسة الرابعة: مصر وقضايا المنطقة:
18- في بعض الحالات، لاتنظر القوى الكبرى إلى الدول العربية فرادى، وإنما إلى مجموعة من الدول في منطقة جغرافية بعينها كالخليج أو المشرق العربي أو المغرب …إلخ، وذلك بالنظر إلى أن حجم الدولة العربية منفردة قد لايسترعي انتباه هذه القوى، وحتى إذا استرعاها، فقد لايكون ذلك بالقدر الذي تريده. ومن ثم هناك خيار في أن تطرح مصر نفسها في إطار موقف جماعي، وهو ماقد يبدو صعباً في ظل الظروف الراهنة، والخيار الآخر هو أن تطرح نفسها كعنصر مؤثر وضاغط على الموقف الجماعي.
19- إن تأثير مصر واضطلاعها بدور إقليمي بارز، يستدعي بالضرورة قدرتها على تحمل التكلفة المادية أو البشرية لهذا الدور. وهنا أكد المتحدثون أن التحدي الرئيسي الذي تواجهه مصر هو عملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية والإسراع بالتعافي الإقتصادي من خلال تنفيذ برنامجها لإصلاحي وتحقيق معدلات نمو مرتفعة لسنوات عديدة متتالية، دون استنزاف للموارد، وهو مايتيح لها إقامة علاقات متكافئة مع الدول الأخرى، حتى ولو كانت حليفة، بل والتحدث من مركز قوة. وفي هذا السياق، أشير إلى أنه رغم الصعوبات والأحداث التي واجهتها الدولة المصرية في السنوات الأخيرة، إلا أنها لازالت أكثر الدول قبولاً لدى الشعوب العربية، كما أن تأثيرها في دول المنطقة، لايقتصر فقط على القنوات الرسمية والإعلامية، وإنما أيضاً من خلال القنوات الشعبية غير الرسمية وهي كثيرة.
20- أن التطورات السلبية الحاصلة إقليمياً ودولياً تتيح للسياسة الخارجية المصرية فرصاً حقيقية للمساهمة في لم شمل العرب وتنقية الأجواء العربية، من خلال سياسات حكيمة تؤكد على مفاهيم الدولة القومية في مواجهة الطائفية والتناول الحذر مع المبادرات التي قد تطرحها الإدارة الأمريكية في هذه الظروف الملتبسة.
21- فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ركز المؤتمر على محاور ثلاثة أساسية تحظى باهتمام في السياسة المصرية: المواجهة العسكرية والأمنية، المواجهة الثقافية والفكرية والتنسيق مع الدول الأخرى في مكافحة الإرهاب. والملاحظة الرئيسية هنا هي أن النجاح الأكبر الذي تحقق حتى الآن هو في المحور الأول أي المواجهة العسكرية والأمنية، كما يمكن القول بأن التنسيق مع الأطراف الأخرى في مواجهة الإرهاب قد حقق نجاحاً كبيراً . أما المحور الثاني الخاص بالمواجهة الثقافية والفكرية، فقد كانت محصلتها اقل نجاحاً رغم أهميتها الكبيرة لأن نتائج المواجهة الثقافية والفكرية ستحدد مدى قدرة الإرهاب على إعادة إنتاج نفسه في المستقبل، أم لا، سواء من خلال عناصر جديدة أو آليات مستحدثة. وأضاف المشاركون أن المشكلة الرئيسية في هذه المواجهة هي أن القضية الرئيسية التي تقوم عليها ليست واضحة بالقدر الكافي، كما أن مفهوم تجديد الخطاب الديني لم يتبلور بشكل واضح بعد، ولابد أن تنطلق أي عملية مواجهة من تصور واضح ومحدد تتمكن الدولة من خلاله من الوصول لأهداف محددة بأدوات تحقق هذه الأهداف. وهناك أسئلة كثيرة في هذا السياق تفتقر لإجابات واضحة، أهمها: هل تجديد الخطاب الديني يشمل فصله عن الخطاب السياسي وعن المجال العام عموماً، أم أن عملية تجديد الخطاب الديني هي عملية منفصلة تتعلق بمراجعة هذا الجانب أو ذاك من التراث الإسلامي فقط؟.
هذا وقد تمت الإشارة إلى أنه وإن كانت التنمية الإقتصادية لها أهميتها، إلا أنها ليست ضمن الأولويات أو المحددات الرئيسية في المرحلة القادمة، خاصة وأنه لم يثبت وجود علاقة مباشرة يعتد بها بين المستوى المعيشي في مجتمع ما والعنف فيه. فالعنف موجود في مجتمعات ذات مستوى معيشي مرتفع وتضم سكاناً من خلفيات متنوعة، كما لم يثبت أن معظم من يمارسوا الإرهاب من فئات فقيرة، بل إن معظم من انضم للجماعات الإرهابية ليسوا من الفقراء والمهمشين، وإنما معظمهم من الطبقة الوسطى ذوي خلفية جامعية متخصصة في العلوم التطبيقية. وعليه هناك حاجة إلى خطة متوسطة الأجل تتواكب مع اتجاهات السياسة المصرية الثلاثة، مع ضرورة تطويرها لاحقاً لتأخذ في الاعتبار أولويات أخرى.
22- بالنسبة لمصر والمستقبل العربي، فقد عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي عن رؤية مصر في هذا الشأن منذ عام 2014، والتي تقوم على العناصر الرئيسية التالية:
– ترى مصر أن مستقبل العالم العربي مرتبطاً بالوصول إلى استراتيجية الأمن العربي الشامل.
– مواجهة التهديدات الخارجية.
– تبقى جامعة الدول العربية، كمؤسسة للنظام العربي، والمظلة والإطار الذي يقوم بدور جوهري في تفعيل الاتفاقات العربية، وصولاً إلى التكامل الإقتصادي وأيضاً تحقيق استراتيجية الأمن العربي الشامل.
في السياق عاليه، وعلى صعيد الحركة، تؤمن مصر حالياً بعدم وجود مايسمى قيادة منفردة للنظام الإقليمي العربي، وإنما قيادة جماعية تستوجب وجود نوع من التنسيق وترتيب الأولويات مع الدول الفاعلة.
23- بالنسبة لمفهوم الدولة النموذج، فقد أكد المتحدثون أن الدول العربية بحاجة إلى فكرة الدولة النموذج في عالمنا العربي، وأنه لكي يكون هناك نوع من التأثير لهذا النموذج، فإنه بحاجة إلى تسويق، وهو مايستوجب حتماً نجاح هذا النموذج في الداخل أولاً وأن يكون مقبولاً إقليمياً وعالمياً. وقد تحدث الرئيس السيسي عن ان مصر قدمت نموذجاً تاريخياً لاستعادة مؤسسات الدولة الوطنية بصورة سلمية وحضارية، من خلال مكافحة الإرهاب وتجديد الخطاب الديني بصورة شاملة، وأن هذا النموذج يؤدي إلى دعم كل الجهود الرامية إلى إعادة تسوية كل أزمات المنطقة، بما يحافظ على وحدتها وسيادتها وسلامتها الإقليمية، مع التأكيد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
ومع ذلك لم تقدم مصر مبادرة خاصة بها بشأن المستقبل العربي، وإن كان من المفهوم أن مشاركة الدول العربية في صياغة مستقبلها أمر يمثل أهمية خاصة، وإن كانت الأوضاع الحالية لاتوحي بتوافر إرادة سياسية جماعية لصد التدخلات الخارجية في الإقليم، وبالتالي تتحمل الدول العربية مسؤولية مايجري، وهو ماتشهد به كل الأزمات العربية.