حلقة نقاشية حول “القرار الأمريكي بالانسحاب العسكري من سوريا وتداعياته”
يناير 16, 2019المواجهة| لماذا تصر بعض الدول على تجزئة ملف حقوق الإنسان؟.. السفير عزت سعد يجيب
يناير 28, 2019
استقبل المجلس المصرى للشئون الخارجية في 27 يناير 2019، فى تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً، سفير اليابان بالقاهرة/ ماساكى نوكى؛ حيث تحدث عن العلاقات الثنائية بين مصر واليابان، وسبل تعزيزها. وحضر الاجتماع السفراء/ منير زهران، عزت سعد، حسين حسونة، السيد أمين شلبى، محمد العشماوى، وفاروق مبروك، والسادة: د. على الدين هلال، د. محمد كمال، د. إيمان رجب، أحمد أبو شادى، إبراهيم فوزى، محمد عبد المعبود، والمحامى محمد حسونة.
افتتح الاجتماع السفير د./ منير زهران، رئيس المجلس، بالترحيب بالسفير اليابانى، متمنياً له التوفيق فى أداء مهامه الدبلوماسية، وبالسادة الحضور، ثم أعطى الكلمة للسفير الذى بدأ بتوجيه الشكر للمجلس على دعوته، وقام بعرض لمحة موجزة عن سيرته الذاتية، وعن اليابان وسياستها الخارجية، فضلاً عن العلاقات المصرية – اليابانية وسبل تعزيزها. وفى هذا الصدد، أشار السفير إلى ما يلى بصفة خاصة:
-
أنه لأجل تكوين بيئة دولية مستقرة من المنظور اليابانى، فمن الضرورى العمل على بناء الثقة والعلاقات التعاونية مع دول العالم المختلفة، فى إطارٍ من الحميمية داخل المجتمع الدولى. ويمكن لذلك أن يتم عن طريق الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى تحقيق السلام والرخاء، والقادرة على منع بزوغ التهديدات المختلفة من منابعها. وفى هذا السياق، ومنذ أن تولى رئيس الوزراء الحالى “شينزو آبى” مقاليد الأمور فى اليابان فى عام 2012، عمدت اليابان إلى الانخراط فى الجهود الدبلوماسية التى تساهم فى تحقيق السلام والاستقرار والرخاء للمجتمع الدولى، وذلك من خلال رؤية شاملة للمجتمع الدولى، منبثقة عن سياسة “الإسهام الوقائى لتحقيق السلام (the Policy of Proactive Contribution to Peace)”، والتى تتخذ من مبدأ التعاون الدولى أساساً لها. ونتيجة لذلك، استطاعت اليابان تعزيز وتنمية وجودها على الساحة الدولية، وتوطَّدت العلاقات بين رئيس الوزراء “آبى” ونظرائه من ناحية، وبين وزير الخارجية “تارو كونو” ونظرائه من ناحيةٍ أخرى، بما أعطى للعلاقات اليابانية مزيداً من الموثوقية. ويُشَار هنا إلى أن عدد الزيارات الخارجية التى قام بها رئيس الوزراء فيما بين ديسمبر 2012 وديسمبر 2018، قد بلغت 156 زيارة، بينما وصل عدد الزيارات التى قام بها وزير الخارجية فى الفترة المذكورة 181 زيارة، وغنى عن الذكر أن معدل هذه الزيارات كبير للغاية بالنسبة للساسة اليابانيين.
-
لليابان طبيعة جغرافية خاصة، وتحيط بها العديد من الدول ذات الثقل؛ فهناك الصين التى تدخل فى نزاعات مع دول المنطقة حول السيادة فى بحر الصين الشرقى، والتى شهدت مؤخراً نزاعاتٍ أخرى تجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأول لليابان. وهناك روسيا التى تتماس اليابان معها حدودياً من الجهة الشمالية، والتى لها أيضاً بعض المشاكل الحدودية مع الدولة اليابانية. كذلك توجد كوريا الشمالية ذائعة الصيت من حيث برنامجها النووى وصواريخها الباليستية المثيرة للجدل، والتى مارست عدة تجارب نووية غير مشروعة، وأطلقت غير صاروخ تجاه الأراضى اليابانية.
-
وبالنسبة للسياسة الخارجية اليابانية، ذكر السفير أنها تقوم على أولوياتٍ ست، هى على الترتيب: (1) تعزيز التحالف اليابانى – الأمريكى، (2) تعزيز العلاقات، قدر الإمكان، مع دول الجوار، (3) تطوير الدبلوماسية الاقتصادية، (4) طرح مبادرات بشأن القضايا العالمية مثل البيئة والإرهاب وتغير المناخ… إلخ، (5) ضمان حرية وانفتاح المنطقة الهندية – الباسيفيكية، (6) وأخيراً الانخراط فى عملية السلام فى الشرق الأوسط والمشاركة فى تحقيق استقراره.
أولاً: العلاقات اليابانية – الأمريكية: تُعَد العلاقة بين كلٍ من اليابان والولايات المتحدة علاقة تحالفية عضوية متميزة، وذلك فى كافة المجالات المختلفة، كما أنها لا تقتصر فقط على العلاقات الثنائية، بل والدولية والمتعددة الأطراف أيضاً. ومما تجدر الإشارة إليه أن رئيس الوزراء آبى قد زار ترامب قبيل مدة قصيرة من إجراء الانتخابات الأمريكية، ثم توالت اللقاءات والاجتماعات بعد فوزه فى تلك الانتخابات. وقد تبادل الطرفان الحديث بشأن الملفات الساخنة المتنوعة، بما فيها ملف كوريا الشمالية النووى، وهناك حوار دورى يتم بين نائب رئيس الوزراء اليابانى ونائب الرئيس الأمريكى لمتابعة التطورات والتنسيق فى السياسات والإجراءات الواجب اتخاذها حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك، كما وقَّع البلدان اتفاقية تجارية جديدة فى سبتمبر 2018، لتعزيز العلاقات التجارية بينهما، بما فى ذلك المعاملات المالية بين البلدين. من جهةٍ أخرى، يمكن القول أنه نتيجة للعلاقات القوية التى تجمع كلاً من اليابان والولايات المتحدة، فإن العلاقات اليابانية بحلفاء الولايات المتحدة فى المنطقة، مثل استراليا وكوريا الجنوبية والهند، قد شهدت حالة من النمو والازدهار، لاسيَّما فى الفترة الأخيرة.
ثانياً: العلاقات اليابانية مع دول الجوار: تأتى فى مقدمة دول الجوار اليابانى كلٌ من الصين وروسيا وشبه الجزيرة الكورية.
-
بالنسبة للعلاقات اليابانية – الصينية، فإن العلاقات معها ذات أهمية شديدة من المنظور اليابانى، وهى تتسم بالاستقرار إلى حدٍ كبير، رغم وجود بعض الخلافات بشأن جزر “سينكاكو” فى اليابان، وجزر “ديايو” فى الصين، والتى تكتسب أهميتها من قربها من ممرات استراتيجية للتجارة، بالإضافة إلى كونها موقعاً هاماً للصيد ومكاناً خصباً برواسب النفط ([1]).
وفى زيارته إلى الصين فى أكتوبر 2018، والتى تُعَد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء يابانى رسمياً إلى الصين منذ عام 2011، أعلن آبى أنه يأمل فى إجراء تبادلات صريحة مع القادة الصينيين حول القضايا الإقليمية والعالمية، من أجل توسيع التعاون فى شتى المجالات وتسهيل تنمية العلاقات الثنائية بشكلٍ أكبر، كما تم توقيع اتفاقيات بقيمة 2,6 مليار دولار. ومن الجدير بالذكر أن إعادة توطيد العلاقات لم يقتصر على المستوى الرسمى فقط، بل والشعبى أيضاً؛ إذ يشير المعدل الخاص بالسائحين الصينيين إلى اليابان إلى أن أعدادهم زادت من مليون زائراً، خلال الفترة التى أعقبت تأميم الجزر، إلى حوالى 8,4 مليون زائراً فى عام 2018.
-
العلاقات اليابانية – الروسية: ذكر أنها لا تقل أهمية عن تلك الخاصة بالصين، وأنها شهدت تطوراً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، لاسيَّما عقب الزيارات التى قام بها المسئولون اليابانيون، وفى مقدمتهم رئيس الوزراء، إلى روسيا. ولعل من أهم هذه الزيارات هى التى قام بها آبى إلى موسكو فى سبتمبر 2018، والتى تمت فيها مناقشة مسألة إبرام معاهدة سلام بين روسيا واليابان، والتى يُجرَى بحثها منذ عشرات السنوات، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية فى عام 1945. ولعل الركن الأساسى لإبرام هذه المعاهدة هو تسوية قضية جزر الكوريل المثارة بين البلدين. فبعد الحرب العالمية الثانية، استعاد الاتحاد السوفيتي – سابقًا- السيطرة على الجزر، بموجب مؤتمر بوتسدام، الذي عُقد قرب العاصمة الألمانية برلين، بين الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي، وتم الاتفاق على منح موسكو الجزر الأربع، وهو ما أشعل التوتر السياسي بينها وبين طوكيو. وبعد أحد عشر عاماً، وقعت روسيا واليابان اتفاقية، قضت بتقاسم الجزر الجنوبية الأربع من جزر كوريل لتحصل كلٌ منهما على جزيرتين، بيد أن هذا الاتفاق لم يصمد طويلًا بعد توقيع اليابان اتفاقاً أمنياً مع الولايات المتحدة، إبان اشتعال الحرب الباردة، مما جعل موسكو تتخلى عن التزاماتها بشأن هذا الاتفاق. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتى عام 1991، اتفق الجانبان عام 1993 على الالتزام بالاتفاقية الموقعة عام 1956، لكن اليابان هذه المرة أصرت على تملك الجزر الأربع، ولم يطرأ أى جديد منذ ذلك العام، رغم مرور ربع قرن على ذلك.
-
العلاقات مع شبه الجزيرة الكورية: ذكر أنها منطقة مهمة جداً بالنسبة لليابان، لاسيَّما وأنها أقرب المناطق جغرافياً لليابان. وفيما يتعلق بجمهورية كوريا الجنوبية، فتوجد اتفاقية قديمة بين الدولتين تعود لعام 1965، وهناك عدة مشكلات قديمة بين الجانبين، وهو ما لا يمنع البلدين من الدخول فى عددٍ من الحوارات والمناقشات بشأن القضايا الإقليمية والدولية. ومما تجدر الإشارة إليه هو أن التعاون الثنائى بين البلدين لا يقتصر فقط على العلاقات الرسمية، وإنما يمتد كذلك إلى الشعبين.
أمَّا بالنسبة لكوريا الشمالية، فليس لدى اليابان أى نوع من تطبيع العلاقات مع هذه الدولة، كما أنه ليست هناك أى تفاهمات قانونية بينهما. وما يجب التأكيد عليه هو أن كوريا الشمالية ليست مهمة لليابان فحسب، وإنما للعالم أجمع، نظراً لبرنامجها النووى والصاروخى غير الشرعى، بما ينطوى عليه ذلك من أخطار تهدد استقرار المنطقة والعالم. وفى هذا السياق، تحاول اليابان بذل أكبر جهدٍ ممكن للتعاون مع الشركاء، خاصةً الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وكذا المجتمع الدولى، بما فى ذلك روسيا والصين، بغية احتواء الأخطار التى تفرضها كوريا الشمالية. والواقع أنه إلى جانب الأهمية السياسية للقضية الكورية، فإن هناك أهمية تقنية متنامية، وهى التى تتمثل فى كيفية نزع السلاح النووى من هذه الدولة، بما يشمله ذلك من أخطار تتعلق بمسألتَى الأمن والسلامة، وبكيفية حماية شعوب المنطقة من التسربات النووية الإشعاعية بأقل قدر من الخسائر.
-
هذا، وقد أشار السفير إلى مسألة تطوير الدبلوماسية الاقتصادية، والتى تُعنى بتعزيز التعاون الاقتصادى بين اليابان والدول المختلفة، وتقديم مساعدات ومنح يابانية إلى تلك الأخيرة، بما يساعدها على النهوض ببرامج البنية التحتية والتنمية الاقتصادية والثقافية والتعليمية لديها، وبما يحقق الغاية الأسمى المتمثلة فى إرساء قواعد السلام والاستقرار والحفاظ على الإنسان وبنائه. ولعل مسألة تطوير الدبلوماسية الاقتصادية تتقاطع مع الأولوية الرابعة للسياسة الخارجية اليابانية، وهى طرح مبادرات بشأن القضايا العالمية مثل البيئة والإرهاب وتغير المناخ، مع فارق بسيط، وهى أن الدبلوماسية الاقتصادية موجهة فى أغلب الأحيان إلى دولٍ بعينها، فى حين توجَّه المبادرات إلى المجتمع الدولى كله نظراً لعظم القضية الدولية محل الاهتمام.
وفى هذا السياق، أشار السفير إلى أن أفريقيا تستحوذ على الكثير من الاهتمام فى خريطة السياسة الخارجية اليابانية، ويمكن القول ببساطة أنها تندرج تحت البند الرابع من أولوياتها. فهى تعد شريكاً سياسياً واقتصادياً مهماً لليابان، لاسيَّما وأن وجودها ودورها فى المجتمع الدولى يزداد شيئاً فشيئاً. وبالنسبة لليابان، فإن الرغبة فى معالجة التحديات التى تواجه أفريقيا لا تدور فقط حول تعزيز العلاقات اليابانية – الأفريقية، وإنما تمتد أيضاً إلى محاولة اكتساب ثقة المجتمع الدولى.
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال مؤتمر طوكيو الدولى السادس بشأن التنمية الأفريقية (TICAD VI)، والذى عُقِد فى كينيا فى عام 2016، ركَّز القادة على ثلاث أولوياتٍ رئيسية، هى: التنوع الاقتصادى وعملية التصنيع، تعزيز أنظمة مرنة وسليمة، وتعزيز الاستقرار المجتمعى. ولقد قرَّرت اليابان حينها استثمار حوالى 30 مليار دولار فى أفريقيا بالشراكة مع القطاع الخاص، بما فى ذلك الاستثمار فى مجال تنمية الموارد البشرية الأفريقية والتى يتوقَّع أن يستفيد منها 10 مليون أفريقياً تقريباً. فى سياقٍ متصل، قام الاجتماع الوزارى الخاص بالـ (TICAD)، والذى انعقد على مدى يومَى 6 و7 أكتوبر 2018 فى طوكيو، بمتابعة التطورات فى الإجراءات التى تم الإعلان عنها فى المؤتمر السادس، فضلاً عن مناقشة الموضوعات الخاصة بالمؤتمر القادم، والذى من المقرر أن يُعقَد فى الفترة ما بين 28 و30 أغسطس 2019 فى مدينة يوكوهاما اليابانية. جديرٌ بالذكر أن تلك المناقشات قد أكَّدت أهمية التمسك بالمعايير الدولية الخاصة بمنح المساعدات، بما فى ذلك مسألة الديون (Debt Sustainability).
هذا، وتدرك اليابان جيداً مدى المشكلات التى تعانى منها القارة الأفريقية، حيث انتشار الصراعات وعدم الاستقرار السياسى والإرهاب والتطرف والفقر، بما يسهم فى تنامى معدل التهديدات التى تواجهها القارة، مما يقلل من فرص السلام والاستقرار. ولهذا الغرض، عزمت اليابان على عقد اجتماع لمجموعة الأشخاص البارزين للتباحث بشأن كيفية تحقيق السلام والاستقرار فى أفريقيا، على مدى يومَى 31 أغسطس و1 سبتمبر 2018 فى طوكيو. كما تحاول اليابان تعزيز سبل التواصل والتعاون بين كلٍ من قارتَى آسيا وأفريقيا عبر سياسة انفتاح وتحرير المنطقة الهندسية – الباسيفيكية.
وبشكلٍ عام، يمكن الإشارة إلى أنه بخلاف برنامج الـ (TICAD)، فإن هناك برامج أخرى معنية بالنهوض بشئون القارة الأفريقية وتعزيز العلاقات اليابانية – الأفريقية، من أهمها: المنتدى الاقتصادى اليابانى الأفريقى (Japan-Africa Public-Private Economic Forum) والمُقرَّر انعقاده فى جنوب أفريقيا هذا العام، واللجنة المشتركة للقطاعين العام والخاص لتعزيز التجارة والاستثمار فى أفريقيا (the Public and Private Sector Joint Mission for Promoting Trade and Investment in Africa)، وقد عُقِدَت اللجنة المشتركة الحادية عشر بشأن كلٍ من رواندا وزامبيا فى يوليو 2018، وملتقى الأعمال على هامش اجتماع الـ (TICAD) الوزارى فى أكتوبر 2018، فضلاً عن متابعة تنفيذ الاتفاقيات التجارية التى تم إبرامها بين اليابان والدول الأفريقية.
-
ذكر السفير أن بلاده مهتمة بالمبادرة الخاصة باستراتيجية “الهندى / الهادى حر ومفتوح (Free and Open Indo-Pacific (FOIP) Strategy)”، وأنها ليست موجهة للصين، وإنما تستهدف تحقيق التعاون الوثيق بين منطقتى آسيا وأفريقيا، بما يسهم فى تحقيق رخاء وازدهار المجتمع الدولى؛ فآسيا لديها معدلات نمو عالية، فيما تستحوذ أفريقيا على مقدرات ضخمة من محركات النمو. وهكذا سيؤدى انفتاح الجبهة البحرية أو المحيط الهندى إلى تعزيز روابط التعاون المختلفة فيما بين القارتين، بما يستتبعه ذلك من تعزيزٍ مماثل فى روابط التعاون مع دول المنطقة الباسيفيكية، وتحديداً فى قارتى أمريكا الجنوبية والشمالية. بالمناسبة، تنظر اليابان إلى الممرات البحرية مثل البحرَين الأحمر والمتوسط وقناتَى السويس وبنما على أنها وسائل تساعد على تعزيز ودعم العلاقات بين شعوب الدول والقارات المختلفة.
-
تطرق السفير إلى موقف بلاده من عملية السلام فى الشرق الأوسط، مؤكداً أنها منخرطة فيها ومهتمة بالمشاركة فى تحقيق استقرار الشرق الأوسط، موضحاً أن أهمية الأخير تنبع من أنه يغطى أكثر من 80 % من إجمالى الاحتياجات النفطية لديها، وتهدف اليابان إلى إقامة علاقات تعاونية متعددة الأبعاد مع دول المنطقة فى المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية، وحتى على مستوى شعوب الجانبين. وفى فعالية “الحوار اليابانى – العربى” التى تم عقدها فى سبتمبر 2017، استعرض وزير الخارجية اليابانى “مبادىء كونو الأربعة”، كان أحدها رغبة اليابان فى لعب دور أكبر فى إرساء السلام والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط. وفى ديسمبر من ذات العام، زار كونو المنطقة مرتين، وأعلن تمسكه بالدور اليابانى المذكور.
فى سياقٍ متصل، قام رئيس الوزراء آبى بزيارة كلٍ من الإمارات والأردن وإسرائيل وفلسطين خلال شهرَى أبريل ومايو 2018. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال (The G7 Ise-Shima Summit) فى مايو 2016، أعلنت اليابان أنها ستوفر 6 مليون دولار تقريباً فيما بين عامَى 2016 و2018، لدعم عملية السلام فى الشرق الأوسط، بما فى ذلك من برامج تنمية الموارد البشرية لحوالى 20 ألف فرداً. من جهةٍ أخرى، ومنذ اندلاع الأزمة السورية، قدَّمت اليابان أكثر من 2.2 مليار دولار كمساعدات لسوريا والعراق والدول المجاورة لهم.
-
وعن العلاقات اليابانية – المصرية، أشار السفير اليابانى إلى أنها علاقات وطيدة وآخذة فى التنامى، وأن بينهما الكثير من المشروعات المشتركة التى تم إنجاز الكثير منها، ولعل من أبرزها دار الأوبرا المصرية والمتحف الكبير بقرض يابانى ميسَّر، والمدارس المصرية -اليابانية الهادفة إلى النهوض بالحركة التعليمية فى مصر، وببناء قدرات الطفل المصرى عبر وسائل إبداعية جديدة. كما أن العلاقات التجارية بين البلدين فى تزايد مماثل. وفى سياقٍ متصل، أشار السفير اليابانى إلى أن بلاده ستقوم بدعوة الرئيس السيسى للمشاركة فى قمة مجموعة العشرين (G20)، معرباً عن أملهم فى أن تصبح مصر المتحدث الرسمى باسم أفريقيا فيها، بحكم رئاستها للاتحاد الأفريقى.
المناقشات:
-
السفير د./ منير زهران: أشار سيادته إلى التوسعة التى شهدتها قناة السويس فى الفترة الأخيرة، وإلى أهميتها المتصاعدة، ومدى ما يمكن أن تؤديه من دور وفرص للدفع نحو تعظيم الاستثمارات اليابانية فى مصر. كما أشار إلى الدور اليابانى فى بناء المتحف المصرى، وما يمكن أن ينطوى عليه ذلك من فرص لتعظيم القوة السياحية المصرية خلال الفترة المقبلة.
أ.د./ على الدين هلال: تساءل سيادته عن كيف يمكن لليابان لعب دور هام فى القضايا العالمية المختلفة؟ وما موقفها الحالى من الإدارة الأمريكية الحالية، والتى يراها الكثيرون متخبطة فى تصرفاتها ومقوضة للنظام العالمى القائم؟ وكيف ترى مستقبل هذه الإدارة؟
-
السفير د./ عزت سعد: تساءل سيادته عن تطورات الاستثمارات اليابانية فى مصر، وما إذا كانت الأمور تسير على النحو المطلوب فى هذا الشأن، خاصة وأن المشاركين لمسوا من حديث السفير اليابانى أن مصر لم تستفد – كما يجب – مما تقدمه اليابان ثنائياً، وفى الإطار المتعدد الأطراف. وأضاف السفير سعد أن أغلبية من المحللين والمتابعين للتطورات فى شبه الجزيرة الكورية يرون أن ما تحقق منذ قمة سنغافورة وحتى الآن هو المزيد من التقارب والمصالحة بين الكوريتين، واهتمامهما باتخاذ خطوات عملية فى هذا الاتجاه، تنفيذاً للإعلان الصادر عن قمة سبتمبر 2018 بين زعيمَى الكوريتين. أمَّا بالنسبة لمسألة نزع السلاح النووى لكوريا الشمالية والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بصفةٍ عامة، فلم تحقق أى نتائج. وقد طلب السفير مدير المجلس التعرف على تقييم السفير اليابانى فى هذا الشأن، وإلى أين وصل الحوار الذى أطلقه ترامب مع كوريا الشمالية.
السفير د./ حسين حسونة: أشار سيادته إلى تجربة المدارس المصرية – اليابانية، وأظهر مخاوفه من ان تكون نوعاً ما من محاولة فرض الثقافة اليابانية على نظيرتها المصرية. كما أشار إلى المشكلات المتعلقة بالجزر التى تطالب اليابان بملكيتها، وتساءل عن الأسباب المانعة من لجوء اليابان إلى الوسائل القانونية مثل محكمة العدل الدولية لحل تلك المشكلات.
-
أ.د./ محمد كمال: أشار سيادته إلى فكرة البحار الموصِّلة للمحيطات، والتى عرض السفير اليابانى لمحة عنها فى سياق حديثه عن أهمية الممرات البحرية فى دعم التعاون والرخاء الدوليين، ليتساءل فى هذا الصدد عن القواعد الاستراتيجية التى وضعتها اليابان لتنفيذ هذه الفكرة. من جهةٍ أخرى، ذكر أن الهند من أهم اللاعبين الرئيسيين فى آسيا، ومن ثم تساءل عن المستوى الذى وصلت إليه العلاقات اليابانية – الهندية، وعن مرتبة الهند بالنسبة للسياسة الخارجية اليابانية.
-
د./ إبراهيم فوزى: أشار إلى أن السفير اليابانى لم يذكر أى شىء عن أوروبا، فقط كان التركيز على العلاقات اليابانية الأمريكية، فى سياق الحديث عن علاقات اليابان مع دول العالم الغربى. خاصةً وأن مركز أوروبا فى السياسة الدولية معروفٌ لدى الجميع، فمن الغريب أن يتم إهماله من قِبَل دولة متقدمة مثل اليابان.
-
أ./ أحمد أبو شادى: أشار إلى قضية انخفاض المعدلات الديموجرافية فى اليابان، وما تنطوى عليه من خطر يهدد البنية الإنتاجية والتصنيعية فى هذه الدولة المتقدمة، وما إذا كانت هناك نوايا إلى استقدام مهاجرين من منطقة الشرق الأوسط أو من أفريقيا على سبيل المثال لسد العجز الحاصل فى هذا الأمر.
-
السفير/ هشام الزميتى: تسائل سيادته عن الدور الذى يمكن أن تلعبه مبادرة الحزام والطريق الصينية فى انفتاح المنطقة الهندية – الباسيفيكية، وعن نظرة اليابان لهذه المبادرة.
-
د./ إيمان رجب: عقدت سيادتها مقارنة بين الدورين اليابانى والصينى فى الشرق الأوسط، وتساءلت عن الجانب السياسى من الاستراتيجية اليابانية الخاصة بالشرق الأوسط؛ حيث أشارت إلى أنه من المعروف أن هذه الاستراتيجية تركز على البعد الاقتصادى، دون البعدين السياسى والعسكرى، وذلك على عكس ما تفعله أو تقوم به الصين من حيث لعب دور اقتصادى أكثر نشاطاً، وتشييد قواعد عسكرية فى المنطقة، فهل هناك ملامح مستقبلية محتملة لأن تقوم اليابان بمضاهاة السلوك الصينى فى المنطقة؟
من جانبه، أعطى السفير اليابانى ردوداً موجزة، يُمكِن الإشارة إليها فى النقاط التالية:
-
يوجد العديد من مجالات التعاون الثنائى بين كلٍ من مصر واليابان، فهناك حالياً مشاركة يابانية فى المتحف المصرى الكبير وعددٍ من مشروعات البنية التحتية، وهناك تعاون مهم فى التجربة الجديدة الخاصة بالمدارس المصرية اليابانية. ولا شك فى أن عمليات التطوير التى تجريها الدولة المصرية – رغم الوضع الاقتصادى الصعب – فى كافة المجالات ستعود بالنفع على الشعب المصرى وعلى منطقة الشرق الأوسط وعلى كافة الدول المنخرطة فى علاقات معها، وذلك على كافة أصعدة ومجالات التعاون المختلفة. وفى هذا السياق، يمكن الإشارة إلى التطوير المتعلق بمحور قناة السويس كجزء من عمليات التطوير الشاملة فى مصر، وهذا يصب فى زيادة وتعميق التعاون الثنائى المصرى – اليابانى، لاسيَّما على المستوى التجارى.
-
وبخصوص المدارس المصرية – اليابانية، نوَّه إلى أن اليابان لديها نظامها التعليمى الخاص بها، ولكنها لا تنوى بأى حال فرض هذا النظام على الدول التى تتعاون معها. فكل ما يرنو إليه تطبيق هذا النظام هو تعزيز وسائل التنمية الذهنية والنهوض بقدرات الطلاب، عبر التركيز على كيفية تعظيم عملية التفكير والبحث لأجل التوصل إلى حلول تساعد على مواجهة المشكلات المختلفة؛ فهى تركز على بناء الشخصية المتكاملة للطالب، وأيضاً بناء الجسم واحترام المبادىء والقيم وقواعد الأخلاق والنظام العام والعائلة. وأشار السفير إلى أن الرئيس السيسى متحمس كثيراً إلى تحقيق هذه الأهداف. كما أشار إلى أن المسألة بين البلدين لا تدور حول استثمار ومنح المال فقط، ولكن اليابان تستفيد كثيراً من هذا الأمر. علماً بأن تجربة المدارس اليابانية لا توجد فى مصر فقط، بل أيضاً فى بعض دول المنطقة الأخرى مثل السعودية.
-
تحاول الشركات اليابانية عند القيام بأى إجراء استثمارى أن تضمن مستقبل عملياتها الاستثمارية فى البلد محل الاستثمار، وهذا نابع من رغبتها فى المكوث لأطول فترة ممكنة، ومن ثم تدخل هذه الشركات فى دائرة من المحادثات والمفاوضات قبل الشروع فى عملياتها الاستثمارية. وفى هذا السياق، أشار السفير إلى أنه يريد من مصر أن تقدم يد العون أكثر فأكثر للجانب اليابانى، ولاسيَّما فيما يتعلق بإجراءات تيسير الاستثمارات والحوافز الاستثمارية.
-
فيما يتعلق بقضية الجزر، أشار السفير إلى أنه قد أقيمت بالفعل دعاوى ضد كوريا الجنوبية، وأن اليابان لا تستبعد اللجوء إلى خيار مقاضاة الدول للحصول على حقوقها فى الجزر، ولكنه أكَّد على أن ذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمراقبة الأوضاع فى بحر الصين الجنوبى المتنازَع عليه. من جهةٍ أخرى، وبالنسبة لمسألة الهند، فإنها بلا شك إحدى أهم دول آسيا، والتى لا بد من التعاون معها، وهناك علاقات جيدة جداً تربطها مع اليابان، وأن هذه العلاقات فى تزايد، لاسيَّما فى ظل الزيارات المتبادلة بين زعماء البلدين. بالمثل، فإن علاقة اليابان بالاتحاد الأوروبى جيدة كذلك، وهناك تعاون بينى فى مجالات الاقتصاد والأمن.
-
بالنسبة لمسألة النقص الديموجرافى، ذكر أن هناك مليون أجنبى تقريباً فى اليابان من الصين وكوريا الجنوبية وفيتنام، ولكن معظمهم يعملون فى المجالات غير الإنتاجية أو التصنيعية، مما يدفع اليابان إلى محاولة الاعتماد أكثر على تطبيقات الذكاء الاصطناعى للحفاظ على معدل النمو فى إجمالى العملية الإنتاجية. وفى هذا السياق، أشار السفير إلى أن بلاده تفكر جدياً فى مسألة استقدام مهاجرين من أماكن مختلفة من العالم، ولكن بكفاءاتٍ عالية ومحددة، وأنها تقوم الآن بعدة تعديلات على قانونها الخاص بالهجرة لاستيفاء هذا الغرض.
-
من المتوقع أن تلعب مبادرة الحزام والطريق التى أطلقتها الصين منذ عدة سنوات دوراً كبيراً فى دعم انفتاح المنطقة الهندية – الباسيفيكية، وهذا الأمر مقبول بشكلٍ كامل من قِبَل الحكومة اليابانية، حيث أنها لا ترى غضاضة فى محاولات الصين الارتقاء بالبنى التحتية لعددٍ غير قليل من الدول، وعلى نفقتها الخاصة، بهدف تعزيز التبادل التجارى وتعميق أواصر التعاون والترابط بين وحدات المجتمع الدولى؛ إذ إن ذلك بعينه هو نفس ما تسعى إليه سياسة اليابان لأجل تحقيق الرخاء والاستقرار. ولقد أكَّد السفير أن بلاده تستبعد نزعة السيطرة والنفوذ عن المبادرة الصينية.
-
تحاول اليابان الانخراط أكثر فى قضايا الشرق الأوسط لمحاولة الإسهام فى حل المشكلات المنتشرة فيها، بهدف إحلال السلام والاستقرار والازدهار لدول وشعوب المنطقة، بما يحقق الهدف النهائى الذى تطمح إليه اليابان، من حيث تعميق أواصر التعاون وتحقيق المنفعة المتبادلة على مبادىء الأمن والسلم والرخاء.
[1] يُذكَر أن اليابان قد عمدت إلى تأميم تلك الجزر فى عام 2012، فى خطوة استفزت الصين، أعقبها تجميد العلاقات بينهما لمدة عامين، حتى التقى رئيس الوزراء اليابانى والرئيس الصينى Xi Jinping فى عام 2014 على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادى لآسيا والمحيط الهادى “APEC” فى بكين، حين وافقا على استئناف الحوارات السياسية والدبلوماسية والأمنية تدريجياً.