لقاء مع د.أيمن خليل مدير المعهد العربي لدراسات الأمن بعمان- الأردن، والسيد/Samuel Hickey الباحث بالمعهد
أبريل 15, 2019من الأساطير إلى الفكر المنظومي…تطور الفكر الإنساني في فهم العالم والحياة من خلال الصوفية والفلسفة والدين والعلم
أبريل 21, 2019
استضاف المجلس المصرى للشئون الخارجية يوم الأربعاء 17 أبريل 2019 ندوة عن “أثر التقدم التكنولوجى على السياسة الدولية وتوازنات القوى”، ألقاها السفير/ محمد الشاذلى. وقد افتتحها السفير/ منير زهران، رئيس المجلس، وحضرها نخبة من الدبلوماسيين والمعنيين بموضوع الندوة، من بينهم السفراء/ عزت سعد، مدير المجلس، وجمال الدين بيومى وكمال أبو عقيل ويوسف الشرقاوى ومحمد العشماوى ومحمد توفيق.
وبعد افتتاح الندوة، أشار السفير/ الشاذلى إلى أنه أعدَّ الموضوع بناءً على قناعته الراسخة بأننا في عصر يحكمه العلم والثقافة، وأن التطورات في هذا المجال في السنوات الأخيرة باتت تشير إلى تغييرات جذرية في عناصر القوة التي تحكم العالم، وإلى تغييرات هائلة في أسلوب الإنتاج وتوازنات القوى التي تحكم العلاقات الدولية، هذا فضلاً عن تغير توازنات القوى في الشرق الأوسط تغيراً جذرياً في غير صالح مصر والعرب بسبب التفوق التقني للأطراف غير العربية في المنطقة، وهي إيران وتركيا وإسرائيل. وفى هذا السياق، أشار السفير/ الشاذلى إلى النقاط التالية:
-
أن العلم والتكنولوجيا قد لعبا دوراً هاماً بل وحاسماً في توازنات القوى بين الدول، وكان له دور الحسم في تقرير النصر في النزاعات بين الدول والحضارات، ولم يكن هذا وليد العصور الحديثة، لكنه أمر قديم قدم الزمن؛ فإذا كان ماهان قد قال “إن التاريخ هو صراع بين قوى برية وقوى بحرية، وكان النصر دائماً حليف القوى البحرية”، فيمكننا القول إن التاريخ هو محصلة صراع بين قوة متقدمة تكنولوجياً وقوة أقل تقدماً، يكون النصر دائماً للقوة الأكثر تقدماً في المجال التكنولوجي. ولعل من أقدم الأمثلة على ذلك نجاح الهكسوس في السيطرة على مصر في القرن 17 بفضل العربة الحربية، فيما استطاعت مصر طردهم لاحقاً لما تمكَّنت من استيعاب هذه الثقافة المتقدمة حينذاك .وفي القرون الوسطى، مكَّنت النار الإغريقية – وهي قاذفات لهب تقذف مادة شبيهة بالنابالم – مكَّنت بيزنطة من السيطرة على البحر المتوسط .ولعل انتصار قوة إسبانية لا تتجاوز 60 رجلاً على امبراطور الإنكا في بيرو وجيشه الذي يزيد على عشرة آلاف مقاتل هو مثال بارز على انتصار الثقافة المتقدمة التي امتلكت المدافع والأسلحة النارية والدروع الحديدية بغض النظر عمَّا تبلغه القوة العددية للخصم .وقد تكرر ذلك في القرن 19 بانتصار بريطانيا على الزولو بفضل مدافع “الجاتلنج” الرشاشة، وعلى ثورة المهدي في السودان، ولقد كانت الأسلحة النارية والتقدم التقني عامل الحسم أيضاً في عجز سكان أمريكا الشمالية عن الدفاع عن أرضهم ضد المستوطنين البيض .بالمثل، كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية مضماراً محموماً للسباق العلمي والتقني بين الأطراف المتحاربة؛ فشهدت الحرب الأولى أول ظهور مكثف للطائرات والغواصات والدبابات والغازات السامة، فيما شهدت الحرب الثانية التسابق للوصول إلى القنبلة الذرية والصواريخ الموجهة والرادار، ثم كانت الحرب الباردة والتنافس على الفضاء والصواريخ الحاملة للرؤوس النووية التي تُطلَق من الغواصات، وأخيراً مشروع حرب النجوم الذي أطلقه الرئيس رونالد ريجان .
-
ولعل من المهم فى هذا المقام التنويه إلى أن التنافس العلمي والتقني لا يقتصر على المجال العسكري فقط، بل يمتد إلى المجال الاقتصادي أيضاً، ولعل السبق الذي أحرزته بريطانيا في المجال الصناعي باختراعها الآلة البخارية والسكك الحديدة جعل اقتصادها ينطلق انطلاقة كبرى، فيما سُمِّي بالثورة الصناعية، وجعلها قادرة على الحشد، مما جعلها القوة العظمى والامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، بتفوقها في مجالات الصناعة والنقل والاتصالات وكل الأعمدة التي تُبنَى عليها قوة الدولة.
-
وفي الوقت الحالي، يجب إيلاء الاهتمام إلى عددٍ من المجالات العلمية والتقنية، والتى من المتوقع أن تغير خريطة العالم بسياساته وتوازناته فى المستقبل المنظور، وعلى المدى الطويل كذلك، ويمكن حصر هذه المجالات فيما يلى؛ الثقافة الحيوية والهندسية الوراثية، والنانو تكنولوجى، وأبحاث الفضاء، وتكنولوجيا الاندماج النووى، وتطبيقات الحاسب الآلى والذكاء الاصطناعى، ومحطات الأبحاث العلمية في قارة أنتاركتيكا.
أولاً: الثقافة الحيوية (Biotechnology) والهندسية الوراثية (Genetic Engineering):
-
منذ أن اكتشف العالمان Francis Crick و James Watson سلاسل الحمض النووي (DNA) في عام 1953، ظهرت ثورة في عالم الثقافة الحيوية، وقد زادت أهمية الثقافة الجديدة باكتشاف الباحث الياباني (Yoshizumi Ishino) في جامعة أوساكا اليابانية في عام 1987 لما يُسمَّى بالتكرارات العنقودية المتناظرة القصيرة منتظمة التباعد أو ما يُطلَق عليها اختصاراً (CRISPER)، والتي تتيح قطع سلاسل الحمض النووي عبر إنزيمات معينة وإعادة تركيبها لإنتاج كائنات ذات صفات جينية جديدة، يُطلق عليها كائنات معدلة وراثياً (Genetically Modified organisms – GMO)، واستُخدِمَت في النبات لإنتاج فصائل ذات خواص جديدة مثل مقاومة الجفاف والآفات والملوحة، وفي الحيوان لزيادة إدرار الألبان ونسبة اللحم ومقاومة الأمراض، وكانت المفاجأة الكبرى إعلان الصيني (He Jiankin) في نوفمبر 2018 ميلاد أول توأم بشري معدل جينياً.
-
بالطبع، تتيح هذه الثقافة آفاقاً هائلة في الزراعة والرعي والصحة والإنتاج الغذائي تهدد بإخراج دول العالم الثالث من المنافسة، واعتمادها بالكامل على الشراكات الاحتكارية التي تهيمن تماماً على الإنتاج، وتعرِّضها لمزيد من الضغوط .
-
ولا يمكن في هذا الصدد إغفال أبحاث الخلايا الجذعية التي باتت تبشر بإنتاج أعضاء بشرية جديدة في الجسم بدلاً من نقل أعضاء تحل محل تلك التالفة، كما أنها تفتح مجالات في إنتاج الغذاء بعد أن نجحت المعامل الأمريكية في إنتاج لحوم بلا حيوانات، وأيضاً هناك تقنيات الاستنساخ التي بدأت بالنعجة دوللي التي خرجت من معامل روزليني في اسكتلندا في عام 1996، وشهدت هذه التقنية طفرة هائلة بإعلان الصين في عام 2018 عن أول مزرعة تجارية للأبقار المستنسخة بقدرة 100 ألف رأس سنوياً ترتفع إلى مليون رأس عام 2020.
ثانياً: النانو تكنولوجي (Nano Technology):
-
وهي ثقافة التحكم في الذرات والجزيئات من أجل تصنيع وخلق منتجات جديدة والتحكم في المادة. وقد نشأت الفكرة عن محاضرة ألقاها الفيزيقي الأمريكي (Richard Feynman) في عام 1959، أمَّا المصطلح فقد وضعه الياباني (Nario Tanigushi) في عام 1974، إلا أن هذه الثقافة ظلت في الدائرة النظرية حتى عام 1981 حتى تمَّ اختراع (Scanning Tunneling Microscope) على يد العالمان (Gerd Binning) الألماني و(Heinrich Rohrer) السويسري، والذي يتيح رؤية الذرات والتعامل معها ومعالجتها .
-
وبالنظر إلى الآفاق التي تفتحها هذه الثقافة، أطلقت الولايات المتحدة مبادرة الـ (Nano technology)، ورصدت لها ميزانية 3.7 مليار دولار، كما استثمر الاتحاد الأوروبي فى هذا المجال 1.2 مليار دولار، فيما خصَّصت اليابان حوالى 750 مليون دولار للأبحاث ذات الصلة .
-
وتعتبر مادة الـ (Graphene) من أهم المواد التي تستخدمها تقنية النانو تكنولوجي، وتُعَد هذه المادة أرفع المواد وأحسنها توصيلاً للحرارة والكهرباء وهي مادة ثنائية الأبعاد، فله طول وعرض، ونظرياً ليس له سمك، وقد استطاع العالمان (Andre Geim وKonstantin Novoselov) التوصّل إليه في عام 2004، وحصلا على جائزة نوبل في عام 2010. ويفتح الجرافين آفاقاً كبيرة في مجالات النقل الكهربائي وألواح الطاقة الشمسية وتحليه وتنقية المياه، وفي المجال العسكري في التدريع وفي حماية مركبات الفضاء، ولا يمكن ترك الحديث عن النانو تكنولوجي دون الإشارة إلى الأبحاث التي تُجرَى في المركز الأوروبي للأبحاث النووية (CERN) في جهاز مصادم الهدرونات الكبير (Large Hadron Collider) للبحث عن أصغر مكونات الذرة ومكونات المادة .
ثالثاً: أبحاث الفضاء (Space Research):
-
يؤرخ لعصر الفضاء بيوم 4 أكتوبر 1957 عندما أطلق الاتحاد السوفيتي القمر الصناعي Sputnik ليأخذ مداره حول الأرض لمدة شهرين، ليكون أول جسم من صناعة الإنسان يصل إلى الفضاء الخارجي .ورغم أن هذا القمر كان انتصاراً علمياً باهراً للاتحاد السوفيتي استُغِل سياسياً في زمن الحرب الباردة، إلا أنه لم يحمل أي أجهزة علمية أو ينقل معلومات إلى الأرض.
-
بيد أن سبوتنيك فتح مجالاً للتنافس في الفضاء، وما لبث أن صار الفضاء العماد الأساسي للاتصالات منذ إطلاق الولايات المتحدة للقمرTelestar ، كذلك الاستشعار عن بعد؛ حيث صارت الأقمار الصناعية هي الأداة الأساسية للكشف عن كنوز الأرض من معادن وبترول، والراصد الأكبر للتغييرات المناخية والتصحر والتيارات البحرية والمصائد السمكية، وحتى الآثار. وفي المجال العسكري، صارت الأقمار الصناعية هي ادارة الاستطلاع الرئيسية للحشود والتحركات العسكرية والقواعد العسكرية وتوجيه الصواريخ العابرة للقارات، يُضَاف إلى ذلك الأبحاث العلمية التي تُجرى على متنَي مكوك الفضاء والمحطة الفضائية الدولية، ثم جهود استكشاف الفضاء من الهبوط على سطح القمر والمريخ وكواكب المجموعة الشمسية، وحتى الخروج من المجموعة الشمسية إلى الفضاء بين النجوم، مثل المركبة (Voyager-1) التي تخطت المجموعة الشمسية عام 2012، و(Voyager-2) التي تخطَّت المجموعة الشمسية في نوفمبر 2018.
-
وقد بدأ سباق الفضاء بين القوتين العظميين – الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي الذي صار الآن روسيا الاتحادية – ولكن سرعان ما انضم للسباق الاتحادُ الأوروبي والهند والصين .
رابعاً: الاندماج النووي (Nuclear Fusion):
-
من المقدر أن يُحدِث الاندماج النووي ثورة هائلة في عالم الطاقة؛ إذ إنه يوفر طاقة نظيفة رخيصة، وهو بعكس الانشطار النووي لا ينتج عنه تلوث إشعاعي. ويتم الاندماج النووي عن طريق محاكاة ما يحدث داخل قرص الشمس التي هي بمثابة المفاعل الاندماجي الكبير الذي يوفر الطاقة للأرض ولسائر كواكب المجموعة الشمسية.
-
والمشكلة الرئيسية في تحقيق الاندماج النووي تكمن في درجة الحرارة الهائلة المطلوبة والتي تماثل درجة الحرارة داخل الشمس وتصل إلى 150 مليون درجة مئوية. والوصول إلى هذه الدرجة الهائلة التي تتحول المادة فيها إلى البلازما التي تفقد الذرات فيها إلكتروناتها يشكل معضلة تقنية إضافية إلى معضلة أخرى هي اختيار الوعاء الذي يتمكن من احتواء البلازما في هذه الحرارة الهائلة دون أن ينصهر.
-
وفيما يتعلق بالوعاء، فإنه قد تم التوصل إليه عن طريق تصميم قام به العالمان إيجور تام وأندريه سافاروف الروسيان، وسُمِّى الوعاء بـ “التوكوماك”. ويُذكَر أن العالم الأول حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1958، فيما حصل الثاني على جائزة نوبل في السلام في عام 1975. وقد تمَّ التصميم بناءً على فكرة نظرية تلقاها العالمان من جندي بسيط في الجيش السوفيتي يُدعَى أوتيج لافرنتيف – وهو شخص تعلم بنفسه القراءة في المكتبات العامة دون الحصول على أي شهادة علمية رسمية – وذلك من خلال رسالة أرسلها لهما في عام 1950 .
-
بنى الاتحاد السوفيتي أول “توكوماك” في عام 1958، وأحاطه بسرية كبيرة. ومع نهاية الحرب الباردة، اشترك العلماء الروس مع العلماء الغربيين في أبحاثهم، وتم بناء العديد من المفاعلات فى الولايات المتحدة وأوروبا، فضلاً عن مفاعلات في اليابان والصين.
-
وفي عام 2006 تكونت مجموعة مشتركة للتعاون في مجال الاندماج النووي من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي والصين واليابان وكوريا الجنوبية لإقامة أكبر جهاز توكوماك في جنوب فرنسا، من المقدر أنْ تبلغ تكلفته 35 مليار يورو، وانضمت بعض الدول بصفة مراقب أهمها استراليا وكازاخستان وإيران .
خامساً: الكمبيوتر (Computer):
-
في منتصف القرن التاسع عشر، وضع عالم الرياضيات البريطاني (Chanly Babuge) تصميماً لحاسوب، ولكن نظراً للتكلفة الباهظة والتعقيدات التى انطوى عليها التصميم، لم يتم صناعة الجهاز. ومع دخول العالم عصر الكهرباء قام الألماني (Konrad Zuse) ببناء آلته التي أسماها(Z-1) في الثلاثينيات من القرن الماضي.
-
أمَّا القفزة الكبرى في هذا المجال، فكانت أثناء الحرب العالمية الثانية عندما قام أحد العلماء البريطانيين ببناء جهازه العملاق الذى أسماه (Colossus) بتكليف من المخابرات البريطانية، وكان هذا الجهاز بقدراته غير المسبوقة هو الأداة التي مكَّنت بريطانيا من كسر الشفرة الألمانية المعروفة باسم (Enigma) ، وكان من الأسباب المهمة لانتصارها في الحرب. ولكن كان من الأمور غير المفهومة قيام بريطانيا في نهاية الحرب بتحطيم الجهاز، وإحراق كل الدوائر والتصاميم الخاصة به. ولكن هذا لم يمنع من انطلاق عصر الكمبيوتر بعد الحرب، إذ ظهرت العديد من الشركات العملاقة التي تتنافس فى صناعته. وقد بدأ استعماله أولاً في الحكومات والشركات العملاقة، إلا أنه انتشر استخدامه مع الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي جماهيرياً. ولقد زادت قدرات الكمبيوتر زيادة هائلة حتى أن قدرة الكمبيوتر فى الهاتف المحمول اليوم تفوق كثيراً قدرة الكمبيوتر الذي وُضِع على مركبة الفضاء الأمريكية (Voyager-1) التي انطلقت في عام 1977، ولعل الجيل الثاني وهو ما يُطلَق عليه (Super Computer) له قدرات هائلة.
-
وتسطيع بعض أنواع السوبر كمبيوتر الحديثة إجراء مائة كوادريليون عملية حسابيه في الثانية، والكوادريليون هذا أمامه عشرة أصفار. ويلعب الكمبيوتر الآن دوراً هائلاً في الحياة واستخداماته في المجالات العسكرية والاقتصادية والعلمية وفي مجال الاتصالات، ولا غنى عنه خاصة في تخزين واسترجاع المعلومات والمحاكاة وبناء الأنماط الرياضية. ولعل الخطوة التالية هي في مجال الذكاء الاصطناعي.
سادساً: محطات الأبحاث العلمية في قارة أنتاركتيكا (Antarctica’s Scientific Units):
-
توجد على قارة أنتاركتيكا القطبية أكثر من 160 محطة بحثية، تتبع 25 دولة، من بينها الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا ودول أوروبية ودول من أمريكا الجنوبية واستراليا ونيوزيلندا وباكستان وجنوب أفريقيا وكويا الجنوبية، ولا توجد أي بعثة عربية رغم أهمية هذه المنطقة التي تستحوذ على 70 % من احتياطي العالم من الماء العذب، فضلاً عن أهمية الأبحاث التي تُجرَى حول التغير المناخي وثقب الأوزون والرصد الفلكي والأبحاث البيولوجية عن حلقات الطعام في المحيطات وغيرها .
هذا، وفى نهاية محاضرته، أشار السفير/ الشاذلى إلى أن المجلس أمامه مهمة ضخمة وصعبة لإقناع متخذى القرار والجمهور بأهمية انفتاح مصر على هذه المجالات الهامة والبحث العلمي بشكلٍ عام، لاسيَّما وأن الكثيرين ينظرون إلى مثل هذه الموضوعات على أنها بعيدة المنال وقائدتها طويلة المدى وتكلفتها تفوق قدرات الدولة المصرية. وفى هذا السياق، أشار إلى أن دور المجلس يكمن فى الآتى:
-
متابعة التطورات العلمية التي لها تأثير على نواحي الأمن القومي والاقتصاد، وذلك باستضافة الشخصيات العلمية المتخصصة في هذه الأمور للاطلاع على رؤيتها، وتكثيف الاتصالات مع الجهات العلمية والأكاديمية في هذا الصدد.
-
القيام بتحليل هذه التطورات ونقلها إلى الجهات المعنية لتنبيهها لمردودها وأهميتها، وأن يعمل المجلس كلوبى للبحث العلمي، والتوصية بزيادة الإنفاق عليه، وأهمية مشاركة مصر في المجال الدولي للعلم.
-
إدراكاً للتكاليف الباهظة التى ينطوى عليها البحث العلمى، فإنه من المفيد، بل ومن الضرورى، السعى لتكثيف التعاون مع الدول العربية والأفريقية والآسيوية. ولعله يمكن الاستفادة من النموذج الأوروبى فى هذا الصدد، حيث مجمع البنية التحتية الأوروبى للبحث العلمى (Joint European Scientific Infrastructure Consortium (JESIC)).
-
ضرورة العمل على تكثيف الاتصال بوسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة والإلكترونية والتفاعل معها لتأكيد أهمية متابعة التطورات العلمية الجارية لخلق رأي عام مهتم ومُقدِّر لأهمية البحث العلمي في وقتٍ يكاد ينعدم فيه الإعلام العلمي في مصر.
المناقشات:
د. كمال أبو عقيل: أشار إلى ضرورة البحث فى مدى اهتمام مصر بالمجالات العلمية والتكنولوجية، وأهمية العمل على معالجة القصور فى هذا الشأن. مشيراً إلى أن مصر تذخر بالكثير من العلماء والمبدعين الذين يمكنهم التعاون فى تحقيق تقدم تقنى مصرى خالص، مذكراً بأنه توجد سوابق كثر لأمثال هؤلاء مثل د. أحمد زويل الذى صنع ميكروسكوباً يبين كيفية تفاعل الذرات مع بعضها البعض، ود. فاروق الباز الذى له باع كبير فى مجال الاستشعار عن بعد. من جهةٍ أخرى، ذكر سيادته أن هناك حملة منظمة لإظهار إسرائيل على أنها أهم دولة فى العالم، وأنها أكثرهم تقدماً فى كافة المجالات، مشيراً إلى أن هذا لا يتفق والواقع، مشيراً إلى أن المركبة التى أرسلتها للقمر فى فبراير من العام الجارى لم تنطلق من إسرائيل ذاتها بل من ولاية فلوريدا الأمريكية، كما أن الصاروخ الذى انطلقت به المركبة لم تصنعه إسرائيل.
تطرق التعليق كذلك إلى الإشارة إلى تقنية الجيل الخامس (G5) ودورها المستقبلى الهائل فى المجال التقنى، حتى أنه يُطلَق عليها الثورة الصناعية الرابعة؛ حيث لا يوجد أدنى حد من الانتظار للوصول إلى المعلومة إطلاقاً، وتزيد سرعتها 1000 مرة عن السرعة الحالية. ولا ريب فى أن هذه التقنية لها استخدامات سياسية غاية فى الأهمية، مثل التجسس. ومن ثَمَّ، يجب على مصر الدخول فى علاقات شراكة مع شركة هواوى الصينية الرائدة فى هذا المجال.
السفير/ جمال بيومى: أشار إلى ضرورة إنشاء طلب على البحث العلمى أولاً قبل التوعية بأهمية البحث العلمى، وتساءل هل الصناعة المصرية تطلب من معامل الأبحاث أنماطاً متطورة من وسائل الإنتاج المختلقة أم لا، مشيراً إلى أنه قد رأى سابقاً بأن يكون فى القمرين الصناعيين (عرب سات ونايل سات) – 15 % من المكونات المحلية المصرية لأجل خلق طلب على البحث العلمى داخل مصر والحصول على التدريب والخبرة فى هذا المجال من الخارج، ولكن لم يُعتد برأيه.
من جهةٍ أخرى، أشار إلى أن العالم العربى كله، بما فى ذلك مصر، يحتاج لشيئين ذوى أولوية قصوى، هما تحلية مياه البحر نتيجة لتهديدات الفقر المائى فى المنطقة، وتكنولوجيا الوراثة لزراعة محاصيل مثل القمح والأرز والقطن فى المياه المالحة، على سبيل المثال، ومضاعفة عوائد مثل هذه المحاصيل. مضيفاً إلى أنه لا يجب الانجرار إلى بحث علمى مرهق مالياً وليس من ورائه طائل.
السفير/ محمد توفيق: تساءل عن كيفية تحول مواطنى الدول النامية من مستخدمين جيدين للتكنولوجيا إلى منتجين لها أو مشاركين فى صناعتها. وأوضح أن العامل الرئيسى فى هذا التحول هو معرفة كيف يمكن لهذه التكنولوجيا المتطورة دوماً أن تؤثر على الأمم والشعوب. وذكر أنه لا بد من وجود ما يُسمَّى بالإدارة المركزية للتقدم العلمى؛ حيث توجد بالفعل فى الدول النامية مؤسسات معنية بالعلم وبالبحث العلمى، ولكنها لا تقوم بواجبها، وهذه قضية إدارية يجب تقويمها.
من جهةٍ أخرى، أشار إلى ضرورة الوعى بما هو أولى وأنسب لمصر، والعمل على تحقيقه، دون المضى فى مسارات باهظة مالياً. وذكر فى هذا السياق أولوية تعاون مصر مع دولة مثل نيوزيلاندا، على سبيل المثال، فى المجال الزراعى؛ إذ تعانى نيوزيلاندا من قضية التلوث البيئى بسبب غازات الأبقار، واجتهد علماؤها حتى توصلوا إلى حلٍ مفاده أن يكون النبات نفسه الذى تأكله الأبقار يجب ألا يؤدى لخروج مثل هذه الغازات، وهذا يمكن التحكم فيه عن طريق السماد، والذى يمكن استجلابه من مصر.
السفير/ يوسف الشرقاوى: أشار إلى أولوية البحث الزراعى بالنسبة لمصر باعتبارها دولة زراعية فى المقام الأول. واقترح ضرورة التنسيق مع السفارات المصرية فى الخارج ومنحها الصلاحيات للتعاون مع المكاتب الثقافية المختلفة فى الدول الأجنبية للاستفادة ممَّا يمكن أن تثمر عنه المناقشات من أفكار تساعد على تطوير الحياة المصرية. كما أشار إلى ضرورة البحث عن طرق متنوعة لتمويل ما يمكن إقامته من مشروعات، واقترح العمل على إيجاد مصادر تمويل عربية أو الدخول فى علاقات تعاون ثلاثى يمكن من خلالها تأمين هذا التمويل.
فى سياق تعليقه، أشار السفير/ الشاذلى بصفةٍ خاصة إلى ما يلى:
-
هناك الكثير من العقبات الأمنية التى تحول دون الشروع فى بعض المشروعات التكنولوجية المتميزة.
-
ضرورة قيام الإعلام بواجبه التوعوى بأهمية البحث العلمى ودوره فى تقدم الأمم، والتركيز على حقيقة أن العلم لا يُشترَى، وإمَّا أن يشارك المرء فى صنعه أو لن يصل إليه.
-
يُقتَرَح إنشاء مركز أبحاث عربى مشترك، كلٌ فى تخصصه، بحيث يستوعب الأفراد الذين يمكن تعليمهم فى هذا التخصص؛ وعلى سبيل المثال، يمكن إنشاء مستشفى مشتركة تستوعب الخريجين بدلاً من هجرتهم للعمل بالخارج.
-
من الضرورى متابعة الكتب والأبحاث العلمية لمعرفة ماهيتها وكيفية الاستفادة منها، مع أولوية إدراك تأثير التكنولوجيا على المجالات الحياتية المختلفة. وعلى الإدارة المركزية للبحث العلمى أن تتحمَّل واجبها فى هذا الشأن. ومن المقترح أن يحوى كل مصنع أو وحدة إنتاجية وحدة أبحاث ومعملاً، بحيث يكون هناك انغماس حقيقى للوحدات الإنتاجية فى المضمار العلمى.
السفير د./ منير زهران: أشار سيادته إلى قضية تمويل البحث العلمى، وذكر أنها تمثل معضلة كبرى بالنسبة لمراكز الأبحاث المصرية، وفى الدول النامية عموماً. هذا بينما تقوم الكثير من المؤسسات والشركات الأمريكية الخاصة بتخصيص مبالغ لمراكز الأبحاث وللجامعات لتحقيق أقصى استفادة من الأبحاث المطلوبة، وهذا لإدراكهم أهمية هذه الأبحاث ومردودها.
من جهةٍ أخرى، أشار سيادته إلى مشكلة العقبات الأمنية التى تعوق مسار البحوث العلمية، وأكَّد على ضرورة معالجتها على النحو الأفضل لأجل تحقيق الفائدة المرجوَّة من هذه الأبحاث وإحراز التقدم التكنولوجى المطلوب.