تطورات الأوضاع في كل من السودان وليبيا والجزائر
مايو 2, 2019تحليل لنتائج الانتخابات الإسرائيلية وانعكاساتها على الداخل الإسرائيلي وعلى عملية السلام
مايو 5, 2019
في 4 مايو 2019 عُقدت بمقر المجلس ندوة حول “عملية السلام وإعادة البناء في افغانستان”. نُظمت بالتفاهم بين سفارة أفغانستان بالقاهرة والمجلس، حيث تناولت المحاور التالية:
– لماذا فشل الحل العسكري في أفغانستان؟.
– تطورات عملية السلام ومآلاتها.
– العلاقات المصرية / الأفغانية والدور المصري في استعادة الاستقرار في أفغانستان.
– تحديات السلام وإعادة إعمار أفغانستان.
افتتح الندوة، وأدار أعمالها السفير د.عزت سعد، مدير المجلس، موضحاُ ما يلي بصفة خاصة:
-
بعد نحو ثمانية عشر عاماً من التدخل العسكري الامريكي في أفغانستان، لا يبدو أن هناك آليه لبناء السلام في هذا البلد الذي تضربه الفوضى الأمنية والسياسية، رغم الحضور العسكري الأجنبي في البلاد، ووسط أوضاع اقتصادية صعبة يعاني منها السكان.
-
ومن جانبها تسعي الحكومة المركزية في كابول لممارسة سلطة فعلية على جزء كبير من الاراضي في وقت ما تزال فيه حركة طالبان حريصة، وقادرة، على مواصلة عملياتها الارهابية وتعزيز نفوذها في انحاء مختلفة من البلاد، وذلك لعوامل واعتبارات عديدة لعل ابرزها الانتشار المتواصل لعناصر الحركة على ما يقرب من 70% من الاراضي الافغانية، كما تسيطر الحركة على 14 اقليماً وفقاً لبعض التقديرات. وبجانب ذلك، ما تزال لدي الحركة القدرة على استقطاب عناصر إرهابية للانضمام اليها ناهيك عن كوادرها التي تمتلك قدرات قتالية عالية، نتيجة لكثرة المعارك التي شاركت فيها. وفي تقدير الخبراء، تظهر الأنماط المختلفة للعمليات الارهابية التي تقوم طالبان بإرتكابها أن قادتها لديهم خبرات كبيرة في مجال التخطيط والتنفيذ. ويضاف الي كل ذلك السيطرة التنظيمية للحركة، والتي تعتمد على مبدأ السمع والطاعة شأنها في ذلك شأن العديد من التنظيمات الإرهابية.
-
وقد أدى نفوذ وسطوة الحركة إلى قيام الدول المعنية بالشأن الأفغاني، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الانخراط في مباحثات معها على أمل احتوائها في عملية سياسية قد تقود إلى سلام بدءاً من اجراء انتخابات تسمح بتشكيل حكومة انتقالية. وبجانب الدور الأمريكي، تسعى روسيا بدورها إلى التأثير على طالبان على أمل تغيير أيديولوجيتها القائمة على التطرف الديني والعنف، رغم إدراج موسكو الحركة كمنظمة إرهابية في روسيا منذ عام 2015. وفي هذا السياق، رعت روسيا اجتماعين عقدا في موسكو العام الماضي وثالث هذا العام بشأن افغانستان بحضور ممثلين عن طالبان وعن الحكومة الافغانية، وآخرين من عشر دول معنية ( إيران والهند وباكستان والصين والدول الخمس الاسلامية في آسيا الوسطى). وتعتقد طالبان أن لها الحق في تشكيل حكومة تتماشي مع معتقداتها، وان لديها قدرات تؤهلها لحكم عموم افغانستان.
-
إرتباطاً بما تقدم، فإن صمود طالبان في مواجهة الضربات الجوية والبرية المكثفة من قبل قوات حلف شمال الاطلنطي قد أقنع الجانب الروسي بأنه لا يمكن هزيمة طالبان من خلال استخدام القوة، وأنه من الصعب للغاية تحقيق أية تسوية سياسية بدون هذه الحركة، حيث ينظر إلى المؤسسات السياسية والقانونية التي تسيطر عليها الحركة على أنها شرعية في معظم أنحاء البلاد. وفي التقدير فإن ما تسعى إليه روسيا هو قطع الطريق على تنامي نفوذ داعش في افغانستان، والذي يعد تهديداً لروسيا ودول آسيا الوسطي عموماً، من ناحية، والحد من تداعيات التحركات الامريكية في افغانستان، والتي تعتبرها روسيا تهديداً لمصالحها من ناحية أخرى. ذلك أنه وفقاً لرؤية موسكو، فإنه بعد 18 عاماً من الحرب في أفغانستان فشلت الولايات المتحدة في حسم الأوضاع هناك برغم ارتفاع تكلفة فاتورتها لتصل لنحو تريليون دولار حسب بعض التقديرات. وما تزال مسألة سحب القوات الأمريكية من هناك (14000 جندي )، كلياً أو جزئياً، محل جدل داخل إدارة ترامب، علماً بأن هناك 8000 من قوات حلف شمال الاطلنطي والقوات الحليفة منتشرة في أفغانستان بغرض تدريب القوات الأمريكية. وبمعنى آخر لدي موسكو شكوكاً في النوايا الأمريكية في الإبقاء على الوضع في أفغانستان تحت السيطرة.
-
رغم عدم التوافق بين الولايات المتحدة وروسيا حول صيغة مشتركة للحوار، إلا أن هدف كلا البلدين هو تعزيز هذا الحوار بين الأفغان ومحاولة بناء الثقة بين طالبان والحكومة الأفغانية، بما يسمح باستعادة الأمن والاستقرار في تلك الدولة وإعادة إعمارها. ووفقاً لما تواتر من أنباء، فقد أسفرت مباحثات الولايات المتحدة وأفغانستان مطلع العام الجاري عن إعداد مسودة اتفاق ركزت على وعود من الحركة بمنع تحول أفغانستان لقاعدة خلفية لهجمات ارهابية ضد دول أجنبية، مقابل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ولكن من دون جدول زمني ولا وقف لإطلاق النار من جانب طالبان.
من هنا رأى المجلس المصري للشئون الخارجية ضرورة عقد هذه الندوة لمناقشة تطورات الأوضاع ومآلات عملية السلام وإعادة البناء في أفغانستان والتحديات ذات الصلة.
-
لماذا فشل الحل العسكرى فى أفغانستان؟
تحدث في هذا الشأن الكاتب الصحفي السيد هاني والمتخصص في شئون أفغانستان من واقع عمله في هذه المنطقة، حيث عرض مفصلاً للاحداث وبدء الحرب كما شاهدها. وعندما بدأت القوات الأمريكية شن الحرب يوم السبت6 أكتوبر 2001 أطلقت وابلاً من الصواريخ والقاذفات على أفغانستان وكان هدفها هو تدمير المطارات والمضادات الأرضية لطالبان قبل اشتراك الطائرات المحملة بأطقم بشرية في الهجوم. في المقابل صمدت طالبان عدة أسابيع تقاوم الغزو، واستطاعت خلالها إسقاط طائرتين هليكوبتر، وقتل 25 من الجنود الأمريكيين، في أول محاولة أمريكية للتدخل البري في أفغانستان.
وكان هدف الولايات المتحدة هو مهاجمة مجمع الملا محمد عمر في قندهار، الذي يعتبر مركز قيادة طالبان، على أمل العثور بداخله على الملا محمد عمر وأسامة بن لادن.
لكن الولايات المتحدة أصيبت بإحباط شديد، فلم تكد الطائرات الأمريكية تهبط على الأرض ويخرج منها جنود الكوماندوز، حتي وجدوا جنود طالبان بانتظارهم، ودارت بين الجانبين معركة شرسة فوق جبل “بابا صاحب” القريب من مجمع الملا محمد عمر، سقط فيها العديد من القتلي والجرحي من الجانبين. الأمر الذي دفع وزير الدفاع الأمريكي “دونالد رامسفيلد” إلي الاعتراف بذلك قائلاً: “إن النيران الأرضية كانت غزيرة إلى درجة أنها حالت دون إنزال الجنود الأمريكيين مما أرغم الطائرات علي العودة”.
وخلص المتحدث إلى القول بأن الحل العسكري فشل في أفغانستان لعوامل عدة منها عدم معرفة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بتضاريس أفغانستان، والتي أعطت تفوقاً نوعياً لحركة طالبان، إضافة للعقيدة القتالية لطالبان. فهم يعتبرون أن حربهم مع الولايات المتحدة حرب مُقدسة من أجل الإسلام. وفضلاً عن ذلك لم تُحل الأزمة عسكرياً نتيجة الانقسامات التي حدثت داخل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، فإطالة أمد الحرب جعل قطاعات واسعة من الرأي العام في ذلك التحالف تنتابها شكوك متزايدة تجاه المهام التي تقوم بها القوات المتحالفة داخل افغانستان. وقد قامت دولة عضو في حلف شمال الأطلنطي – هي هولندا – بسحب قواتها من أفغانستان في أغسطس 2010 تحت ضغوط الشارع هناك.
واختتم المتحدث بالقول بأنه بعد 18 عاماً من الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان تعترف بقوة طالبان وتجلس معها علي مائدة التفاوض بعد أن كانت تصفها بالجماعة الارهابية، مُضيفاً أن الولايات المتحدة وان كانت قد بدأت الحرب علي أفغانستان، إلا أن قرار الحرب هو الاّن بيد طالبان، والتي يبدو أن جيوش 42 دولة قد عجزت عن القضاء عليها.
-
تطورات عملية السلام ومالآتها:
تحدث في ذلك الدكتور محمد فايز فرحات، مدير وحدة الدراسات الاّسيوية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حيث عرض في أربع نقاط أساسية هي: مقومات فرص نجاح عملية السلام الحالية – المعوقات – الواقع الراهن لعملية الحوار – والسيناريوهات المتوقعة، مشيراً إلى أن هناك العديد من المقومات التي تعزز فكرة نجاح عملية الحوار أهمها:
-
أن الشخص المسؤل عن عملية إدارة الحوار، وهو المبعوث الأمريكي “زلماي خليل زاد”، أمريكي من أصول أفغانية ويدرك بشكل كبير طبيعة الشعب الأفغاني والثقافة الأفغانية وهو ما يُمثل عنصر هام في المساعي نحو عملية الحوار، إضافة إلى انفتاح خليل زاد على دور القوى الإقليمية، وربما يمثل ذلك تطور هام. فقبل ذلك رفضت واشنطن أي دور للقوى الإقليمية، التي باتت تضطلع بأدوار هامة وقوية مثل : باكستان – قطر – السعودية – الصين – روسيا – الهند – إيران …الخ. وقد زار المبعوث الأمريكي هذه الدول أكثر من مرة.
-
مشاركة أجنحة معتدلة داخل طالبان مثل “الملا برادر” (الملا عبد الغني برادر قائد عسكري في حركة طالبان، وتقول مصادر أنه الرجل الثاني في التنظيم بعد صهره الملا محمد عمر) في عملية الحوار بعد أن كانت هذه الأجنحة مُهمشة لصالح التيارات المتشددة. ويُعد ذلك بمثابة تحول هام يدفع في اتجاه ايجابي في تشجيع عملية الحوار.
-
دعم القوى الإقليمية، مدفوعة في ذلك بمصلحة مُشتركة في استقرار أفغانستان سواء كانت الهند أم باكستان أم الصين أو إيران ودول الخليج أيضاً، وبالتالي هناك توافق إقليمي علي نجاح الحوار. كما ظهرت الأهمية الجيوسياسية الكبيرة لأفغانستان نتيجة وقوعها في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية. وبالتالي تسعى بكين لاستقرار افغانستان.
-
التحول في موقف طالبان، التي رفضت في البداية فكرة الحوار من حيث المبدأ، وما تزال ترفض الحوار مع الحكومة الأفغانية، حتى الآن. ومع ذلك تُعد عملية الحوار بوساطة روسية بمثابة تحول نوعي حيث قبلت الحركة في جولة مُحادثات موسكو في فبراير الماضي أن تجلس على طاولة الحوار مع بعض القيادات الأفغانية منهم “حامد قرضاي، وإسماعيل خان، الملا عبدالسلام ضعيف”، وبالتالي يمكن أن يمثل هذا التحول مقوماً هاماً من مقومات نجاح عملية السلام.
-
عامل الضغط على الإدارة الامريكية، فإدارة ترامب لديها مصلحة كبيرة في الخروج من أفغانستان لسببين هما:
-
يريد ترامب أن يتحدث عن تحقيق نصر في ملف أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة (18 سنة أو أكثر)، وذلك قبل خوض الانتخابات الرئاسية القادمة.
-
يرغب ترامب في التفرغ للصين، لأنه يدرك أن الاستنزاف الأمريكي في أفغانستان سيكون علي حساب التفرغ للصعود الصيني بشكل كبير.
وفيما يتعلق بالمرحلة الحالية في عملية الحوار، أوضح د.فرحات أن خمس جولات حوار قد عُقدت حتى الآن بمشاركة عدد كبير من الدول، حيث نوقشت خمسة ملفات أساسية هي: الملف الخاص بالانسحاب الأمريكي – مستقبل الحكومة الأفغانية – وقف إطلاق النار – تبادل الأسري – تعهد طالبان بعدم تحول أفغانستان إلى مصدر لتهديد دول الجوار، أو ملاذ آمناً للتنظيمات المتطرفة والإرهابية بشكل عام.
لكن حتى الآن لم يتم التوصل إلى، أو الإعلان عن، تفاصيل محددة بشأن هذه القضايا، وما زالت هناك خلافات بين طالبان وبين الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة الأمريكية حول هذه القضايا. وفي كل الأحوال من المؤكد أن مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، “الطلب الرئيسي لحركة طالبان وهو الانسحاب الكامل للقوات الامريكية من أفغانستان مقابل التعهد بوقف إطلاق النار”، وقد نوقش خلال جولات الحوار.
وفيما يتعلق بالمشكلات التي تواجه عملية السلام: ذكر أن أهمها يا يلي :
-
السياق العام لهذه العملية، حيث لا يمكن لأي من الطرفين أن يتحدث عن انتصار كامل على الطرف الآخر، فلا يمكن الحديث عن انتصار حقيقي لحركة طالبان ولا يمكن الحديث عن انتصار حقيقي للولايات المتحدة. فالأمر لا يعدو مجرد مواجهات لا يوجد فيها طرف منتصر يمكنه فرض شروطه على الطرف الأخر.
-
الأساس الأخلاقي لهذه العملية فلقد كان لهذه الحرب تكلفة مادية وبشرية وانسانية ضخمة على الجانبين. فقد تكبدت أفغانستان خسائر فادحة وكذلك قوات التحالف.
-
الجدل داخل الولايات المتحدة حول مسألة الانسحاب بين الادارة الأمريكية والكونجرس، هذا الأخير مازال رافضاً تماماً لفكرة الانسحاب الكامل، في المقابل الإدارة الأمريكية التي تروج لذلك وترى أنها تحقق مكاسب.
-
ارتباطاً بما تقدم هناك خلاف بين الإدارة الأمريكية والحكومة الأفغانية نفسها، فيما يتعلق بالانسحاب، إذ تتخوف الأخيرة من أن الانسحاب الكامل سيؤدي لخلل في موازين القوة بين الحكومة الأفغانية وطالبان سيصب في صالح حركة طالبان. وفي المقابل هناك خلاف بين الإدارة وحركة طالبان حيث ترغب الأولى في الانسحاب بشكل تدريجي وجزئي خلال فترة من 3 إلى 5 سنوات، بينما طالبان تطالب بانسحاب كامل خلال سنة واحدة.
-
هناك جدل أيضاً حول مستقبل النظام الافغاني نفسه، فطالبان مُصرة على إعادة النظر في طبيعة النظام السياسي والدستور الأفغاني بما يكفل قيام دولة إسلامية، وهو ما أكدته في مباحثات موسكو. وهذا ما تتخوف منه الولايات المتحدة.
-
تسعى طالبان دائماً إلى تهميش الحكومة الأفغانية، التي تريد أن يكون لها دور في المباحثات، وترى أن أي عملية سلام لن يكتب لها النجاح إلا إذا تمت بموافقة الحكومة.
-
هناك مشكلة تتعلق بتعدد المرجعيات، مرجعية قطر ومرجعية موسكو ومرجعيات أخرى تعمل بعض الدول على ترسيخها مثل طشقند وأبوظبي…الخ. بعض هذه المرجعيات يشارك فيها رموز من حركة طالبان مختلفين عن رموز أخرى تشارك في مرجعيات مُختلفة وهكذا. وبالتالي يظل التساؤل ماذا لو تم التوصل إلى اتفاق في إطار أحدي هذه المرجعيات، وما إذا كان سيلزم باقي المرجعيات الأخرى رغم تباين المصالح؟.
-
أخيراً للدول الإقليمية، مصالح وأهداف مختلفة، وهذا يُعقد الأمور، فالمصالح الباكستانية لا تتطابق مع المصالح الهندية، وكلاهما لا يتطابق مع المصالح الصينية وهكذا.
وفيما يتعلق بالسيناريوهات المستقبلية:
أعرب المتحدث عن رؤية متشائمة في هذا الشأن للأسباب التالية:
-
إذا تم التوصل الي اتفاق سلام سيكون بين الولايات المتحدة وطالبان، ومن الصعب جداً أن تكون الحكومة الأفغانية جزء من هذا الاتفاق. لأن طالبان ما تزال رافضة لأي حوار مع الحكومة، وهو ما يعني تدشين لصراع مؤكد بين الحكومة وحركة طالبان، ستتفوق فيه الأخيرة وتتولى زمام السلطة مرة أخرى.
-
السيناريو الآخر يتعلق بمستقبل القاعدة وداعش، ماذا لو تواجدت داعش والقاعدة في أفغانستان، ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة من ذلك؟ وهل ستحصل أمريكا على ضمانات فعلية بأن لا تكون أفغانستان ملاذاً للتنظيمات الإرهابية؟.
-
العلاقات المصرية / الافغانية والدور المصري في استعادة الاستقرار في أفغانستان :
تحدث في ذلك السيد السفير/ هاني صلاح، سفير مصر لدي أفغانستان. الذي أكد على أن العلاقات بين البلدين بدأت منذ أكثر من 90 عاماً في 30 مايو1928. وهناك اتفاق صداقة وٌقعه “امان الله خان” ملك أفغانستان وملك مصر “فؤاد الأول”. وكان هناك تواصل دائم بين الشعبين، منذ أيام الفاطميين، حتى أن الشيخ جمال الدين الأفغاني زار مصر وتتلمذ علي يد الشيخ محمد عبده.
ولم يشهد تاريخ العلاقات بين البلدين أي أزمات دبلوماسية أو توتر. وفي عام 1955 وبعد انتهاء قمة “باندونج” زار الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر “كابول” ونجح في وقف فتيل حرب أهلية هناك.
وعلى المستوي الثقافي، يحمل الشعب الأفغاني حباً شديداً وعميقاً للأزهر الشريف وإمامه، ومن بين الرؤساء الذين تولوا الحكم في أفغانستان أثنان منهم من خريجي الأزهر الشريف، وهناك أكثر من 28 وزير في كل الحكومات الأفغانية تخرجوا من الأزهر الشريف. كما أن أشهر رئيس وزراء أفغاني السيد/ موسي شريف، تخرج من الأزهر.
وهناك 33 مبعوثاً من الأزهر في افغانستان وهؤلاء يتم اختيارهم بعناية شديدة، بجانب المدرسة الدعوية في كابول وهي تُعد واحدة من أفضل المدارس وطلابها من أفضل الطلبة. كما تُقدم مصر 75 منحة كل عام للطلبة الأفغان للدراسة في مصر، وهناك محاولات الآن لزيادة المنح إلى 100 منحة، بدءاً من العام القادم.
وعلي المستوى السياسي، تتسم العلاقات بين البلدين بالود وهناك تواصل بين الرئيسين المصري “عبدالفتاح السيسي”، والأفغاني ” أشرف غني”، كما توجد اّلية للتشاور السياسي بين البلدين كانت قد وُقعت عام 2010، فضلاً عن التعاون الأمني والاستخباراتي علي أعلي مستوي بين الجانبين. وعلي صعيد التعاون الفني تقوم الوكالة المصرية للشراكة من اجل التنمية بتقديم دورات تدريبية لأبناء أفغانستان في المجالات التي يحتاجها الجانب الأفغاني.
وحول الدور المصري في استعادة الاستقرار في أفغانستان:
أوضح سيادته أن هناك دور كبير تقوم به البعثة المصرية للعمل على استعادة الاستقرار واعادة صياغة دور مصري في أفغانستان، فمصر، منذ بدء الحرب عام 1979 أي منذ 40 عاماً، كانت من الداعمين للمجاهدين في أفغانستان، من أجل تحرير بلادهم من الغزو السوفيتي. وكانت مصر تمد المجاهدين بالسلاح، حيث كانت 6 من كل 10 قطع سلاح قادمة من مصر. كذلك قام الأزهر بتفعيل نشاطه في أفغانستان، خاصة وأنه ليس لمصر أطماع خاصة في أفغانستان، وربما تكون هناك زيارة لفضيلة الإمام الأكبر قريباً لكابول.
ويجري العمل حالياً بين السفارة المصرية في كابول والسفارة الأفغانية في القاهرة للعمل علي إنشاء دار فتوي في أفغانستان، وإذاعة للقرآن الكريم هناك.
وحول العلاقات الاقتصادية بين البلدين، قال سيادته أن العلاقات الاقتصادية محدودة للغاية، ويجري العمل حالياً بين اتحاد غرف التجارة والصناعة في مصر وأفغانستان، لجذب استثمارات مصرية في أفغانستان رغم خطورة الأوضاع هناك.
كما يتم التباحث حول دخول شركات الكهرباء المصرية لإنشاء ومد شبكات خطوط كهرباء هناك. وأيضاً العمل على إنشاء مستشفيات في أفغانستان.
-
تحديات السلام وإعادة إعمار أفغانستان :
تناول هذه التحديات السفير/ محمد محق، سفير أفغانستان لدى مصر، حيث أوضح أنه لفهم الصورة الكاملة للأحداث الحالية في أفغانستان علينا أن نعود للوراء قليلاً، فالتدخل الأمريكي وصعود طالبان ربما يعود لما قبل عام 2001. عندما كانت أفغانستان دولة مٌحتلة من قبل الاتحاد السوفيتي، ومن هنا نشأت مجموعة طالبان في التسعينات وكانت مجموعة مسلحة ضد المجاهدين الأفغان.
كما أوضح أن حقبة الثمانينات كانت حقبة مُشرقة للأفغان إذ كان الجميع متحدون ضد الغزو السوفيتي، وكانت الدول الاسلامية وبعض الدول الأوروبية تُدعم أفغانستان في حربها، وحظيت أفغانستان باهتمام دولي كبير.
لكن بدءاً من التسعينات ومع التغيرات التي طرأت علي النظام الدولي كأنهيار الاتحاد السوفيتي، وانفراد الولايات المتحدة بقيادة النظام الدولي، تراجعت أهمية أفغانستان علي الأجندة العالمية، وباتت منطقة منسية من العالم.
وأضاف أن طالبان نشأت في التسعينات ضد المجاهدين نتيجة الحروب الأهلية في أفغانستان، وكانت جزءاً من استراتيجية الجيش والمخابرات الباكستانية لفرض سيطرتها على أفغانستان. ورغم ما قامت به طالبان من انتهاكات وجرائم ضد الأفغان وإغلاق لمدارس الفتيات والغاء الجيش والشرطة والنظام القضائي الأفغاني وغيرها، إلا أن العالم لم ينتبه لكل ذلك حيث خيم الصمت على الجميع، مع دعم مطلق لطالبان من باكستان.
فقط عندما قررت الحركة هدم التماثيل والأماكن الأثرية أدرك المجتمع الدولي أن هناك دولة اسمها أفغانستان، وانتبهت اليونسكو ومنظمة التعاون الإسلامي وغيرهما من المنظمات الإقليمية والدولية، التي قامت بإرسال وفود إلى قندهار لمناقشة الوضع واقناع طالبان بعدم ارتكاب مثل هذه الأفعال، بما في ذلك شخصيات من مصر مثل الكاتب الصحفي فهمي هويدي ومفتي الديار المصرية الشيخ نصر أمين واصل والدكتور يوسف القرضاوي..,غيرهم. هؤلاء فقط كان هدفهم اقناع طالبان بعدم هدم التماثيل لكنهم لم يجرؤوا على توجيه التهم للحركة جراء أفعالها الوحشية في أفغانستان.
وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، استثمرت باكستان في طالبان بشكل كبير، واستطاعت أن تقنع المخابرات السعودية بدعمهم، حيث كان تركي الفيصل” هو المشرف على عمليات تمويل طالبان في التسعينات وكان يزور باكستان باستمرار، وزار أيضاً الملا عمر مراراً. وبعد هذا الاستثمار من قبل باكستان وبمساعدة السعودية لطالبان، فرض الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الخيار الحاكم : “إما ان تكونوا معنا أو ضدنا”. وكانت مسألة الاستعانة بطالبان ضمن خطط باكستان كما أن هناك فصيلاً من طالبان على صلة وثيقة بتنظيم القاعدة وقائده أسامة بن لادن.
وفي النهاية قررت الولايات المتحدة التدخل في أفغانستان وضرب طالبان. الحكومة الأفغانية طلبت من الأمريكان الاستمرار لفترة أطول حتي يتم القضاء على طالبان. والآن تتخوف الحكومة الأفغانية من عودة طالبان للمشهد إذا غادرت القوات الأمريكية.
قال سيادته أيضاً أن أكثر من 470 مليون دولار قد أنفق علي طالبان مُنذ عام 2006 وذلك من السعودية وقطر ودول أخري. وهناك مخابرات تابعة لدول بعينها تُدعم طالبان وتساعدهم بالتمويل والتدريب إلى أخره.
ثم تناول سيادته الحرب الأفغانية بين الأسباب الداخلية والخارجية، موضحاً الآتي :
-
التحديات الداخلية: (حدثت تغيرات كبيرة في العقود الثلاثة الماضية)
-
إعادة هيكلة السلطة: من التوزيع التقليدي: الملك، الوالي، شيخ القبيلة، شيوخ الصوفية، العلماء، التقليديون. إلى ظهور شركاء السلطة الجدد: عصابات الحرب، مافيا المخدرات، الاحزاب السياسية، رموز الاسلام السياسي بديلاً عن شيوخ القبائل وشيوخ الصوفية، مؤسسات المجتمع المدني، الاعلام الحر، شبكة المدارس الدينية.
-
تغيير النسيج الاجتماعي: من توسع المدن، ظهور الطبقة الريفية – المدنية واختلاف قيمها، التمركز العرقي في المدن الكبري وانقساماتها.
-
التغيير الاقتصادي: انتشرت الآن تجارة المخدرات، ظهور الاقتصاد المعتمد على المعونات، ظهور الاقتصاد الموازي، الفساد على المستوى الحكومي والمجتمعي.
-
النزاعات الأيديولوجية: (اليسارية – الإسلامية الأصولية – الليبرالية – الإسلامية التقليدية).
-
التحديات الخارجية وهي الأكبر:
-
ارتكاز استراتيجية باكستان العسكرية على اعتبار أفغانستان العمق الاستراتيجي لها لهدفين: صراعها ضد الهند، ووصولها إلى آسيا الوسطى.
-
الإسلام السياسي واستثمار باكستان الاستراتيجي عليه.
-
المنافسة السعودية – الإيرانية والاستثمار على الإسلام الأصولي بضخ أموال هائلة.
-
تأرجح سياسيات الولايات المتحدة بين التكتيك والاستراتيجية وعدم التناسق بين الرؤية المؤسساتية والمواقف السياسية الداخلية ( تغيير موقفها من الدعم الكامل للمجاهدين في الثمانينات، إلى اللامبالاة في أول التسعينيات، إلى الاقتراب من الاعتراف بطالبان في آخر التسعينيات، إلى إعلان الحرب على الطالبان بعد أحداث سبتمبر، إلى الاستعداد للمصالحة والتوافق معها).
-
عدم الثقة بين منظمة شانغهاي والناتو.
-
متطلبات السلام:
-
على المستوى الداخلي: ضرورة الوصول إلى صيغة متفقة عليها داخلياً بخصوص تقسيم السلطة. على المستوى الإقليمي: الحوار والمصالحة مع باكستان وضرورة الوصول إلى صياغة مقبولة للإيران والسعودية والهند.
-
على المستوى الدولي: التوافق على الحيادية الاستراتيجية بخصوص أفغانستان لدى الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا والصين.
-
المحاولات الراهنة للمصالحة:
-
المناورات التكتيكية والغموض الاستراتيجي لدى الجهات المختلفة.
-
خطر اندلاع الحرب الأهلية في حالة المصالحة المتسرعة وغياب الاتفاق الشامل.
-
خطر سقوط كيان الدولة بأكمله.
-
خطر انتشار الارهاب دولياً.
التوصيات:
-
الحفاظ على كيان الدولة ومؤسساتها.
-
الحفاظ على الإنجازات الكبيرة بعد أحداث سبتمبر 2001.
-
مشاركة الجهات المحايدة في عملية الوساطة للوصول إلى مصالحة مقبولة من الجميع، مثل مصر، نحو اتفاق اقليمي ودولي.
المداخلات والتعقيبات:
– السفير/ يوسف الشرقاوي
وجه سؤاله لسفير دول أفغانستان حول الدور الروسي، وهل الدور الإيجابي الذي فعلته روسيا في سوريا على سبيل المثال، يمكن أن تقوم به في أفغانستان؟. وتسائل عن مدى الدور الذي يمكن أن تقوم به إيران أيضاً في حل الأزمة الأفغانية؟.
فيما يتعلق بهذا الجزء، ذكر الأستاذ/ السيد هاني أن المخدرات هي أحد أدوات السياسة العالمية، وفي الوقت الحالي أصبحت الحروب النظامية مُكلفة جداً. وخلال فترة حكم طالبان استطاع الملا عمر القضاء على حقول المخدرات، وعندما عادت الولات المتحدة نشطت هذه التجارة مرة أخرى.
وكانت المخدرات قد انتشرت في روسيا ومات 30 ألف شاب روسي بمعدل سنوي نتيجة تناول المخدرات، وهذا الأمر دفع مجلس الدوما الروسي للاجتماع والنظر في الامر.
كما أن روسيا في فترة من الفترات كانت تمد طالبان بالسلاح، واستطاعت طالبان التمدد للشمال باستخدام السلاح الروسي.
وبالتالي روسيا لها مصلحة في التدخل في أفغانستان والتوصل لحل لهذه القضية خوفاً من التشدد الديني من جانب وخوفاُ من انتشار زراعة المخدرات من جانب آخر، كذلك تتخوف من انضمام أعضاء من تنظيم داعش الإرهابي إلى حركة طالبان، فروسيا تتخوف من كل ذلك.
– السفير/ محمد الشاذلي
تسائل في مداخلته عن السبب في كل ما حدث في أفغانستان؟ ولماذا كان الغزو السوفيتي لأفغانستان في وقت كان العالم كله معبأ بالغضب ضد الولايات المتحدة الأمريكية بسبب حرب فيتنام؟.
– أوضح الدكتور محمد فايز فرحات في هذا الصدد أن هناك قوى وجماعات لديها مصلحة في استمرار الحرب، لأنها تستفيد من حالة عدم الاستقرار في أفغانستان. سواء بعلاقتها الزبائنية مع القوى الدولية أو الإقليمية وأن هناك قوى نشأت خصيصاً واستمدت شرعيتها فقط لمقاومة طالبان وخدمة المشروع الأمريكي في أفغانستان مثل تحالف قوى الشمال، وهو تحالف منظم وبني شرعيته على أساس محاربة طالبان في أفغانستان وخدمة المشروع الأمريكي. وتسائل أيضاً عن أن الانغماس الباكستاني في أفغانستان يمكن تفهمه، لكن ما لا يمكن تفهمه هو لماذا الاهتمام والانغماس الاماراتي والسعودي بالقضية الأفغانية؟.
أوضح الدكتور محمد فايز فرحات أن الدوافع وراء الانغماس السعودي والاماراتي في أفغانستان نتيجة عدة أسباب هما :
-
أن كلاهما خضع لضغط أمريكي لتوسيع وخلق نطاق إقليمي أوسع في عملية المصالحة والتفاوض، وأن تكون هناك قوى أخرى حليفة للولايات المتحدة الأمريكية غير (الهند – باكستان – الصين -روسيا) تُشارك في عملية المصالحة والحوار بضوء أخضر من الولايات المتحدة.
-
السبب الآخر يتعلق بالجانب المالي، عن طريق أن تقوم هاتان الدولتان بتكوين ضغط على دولة باكستان من خلال استخدام الضغط المالي والقيام باستثمارات في باكستان، حتى تنضم باكستان للمطالب الأمريكية وتُشارك في المصالحة.
-
السعودية تريد نشر الفكر السفلي والديني في تلك المنطقة، وقد أنفقت أكثر من 90 مليار دولار في البوسنة وأفغانستان من أجل هذا الهدف.
السفير/ محمد منير
تسائل عن حجم العلاقات الاقتصادية بين مصر وأفغانستان، وما هي الفرص المستقبلية التي يمكن أن تستفيد منها كلا البلدين؟.
في هذا الصدد أوضح السفير هاني صلاح أن العلاقات الاقتصادية شئ مخزي وضئيل للغاية “تكاد تكون منعدمة”، ولكنه تابع قال أن يجري العمل حالياً بين اتحاد غرف التجارة والصناعة في مصر وأفغانستان، للعمل علي جذب استثمارات مصرية في أفغانستان علي الرغم من خطورة الأوضاع هناك.