“التنوير والحداثة….ودور القوى الناعمة “
نوفمبر 30, 2019زيارة وفد سريلانكا للمجلس
ديسمبر 11, 2019
بتاريخ 3 ديسمبر 2019 استضاف المجلس وفداً من المعهد الصيني للدراسات الدولية CIIS بعضوية كل من البروفيسور/ Cui Lei رئيس الوفد من قسم الدراسات الأمريكية بالمعهد والسيد/Wang Zesheng وعدد من الباحثين بالمعهد، وكان في استقبالهم كل من السادة السفراء: د. منير زهران – رئيس المجلس، د. عزت سعد- مدير المجلس، علي الحفني- منسق اللجنة الدائمة للشئون الآسيوية بالمجلس ، وهشام الزميتي- أمين عام المجلس.
– بدأت أعمال اللقاء بترحيب السفير/د. منير زهران – رئيس المجلس، بالوفد الصيني منوهاً إلى أن اللقاء يأتي بهدف التباحث حول القضايا الخاصة بتغيُر التحالفات العالمية في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة ، وإمكانية وجود تحول في هيكل هذه التحالفات، وحقيقة تحول الاستراتيجية الأمريكية من التدخل في أزمات الشرق الأوسط إلى التوجه لتعزيز التواجد في منطقة المحيط الهادئ وشمال آسيا، والتقارب الصيني الحالي مع دول منطقة الشرق الأوسط في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية للصين مع دول المنطقة، فضلاً عن الدور الروسي النشط في منطقة الشرق الأوسط، وإمكانية وجود تحرك أمريكي حيال هذه الأزمات.
– عقب ذلك أعطى السفير زهران الكلمة لرئيس الوفد السيد/ Wang Zesheng الذي أكد على أن التوترات مابين الولايات المتحدة وحلفائها أصبح طبعاً غالباً في عهد الإدارة الجديدة، ولم يعد قاصراً على دولة بعينها، ولكن الولايات المتحدة، ورغم انسحابها من بعض الأزمات في المنطقة، إلا أن علاقتها مع حلفائها التقليديين في المنطقة كتركيا وإسرائيل وتركيا تحتاج لمزيد من التحليل والدراسة، واستجابة لذلك تم تشكيل لجنة داخل المعهد دراسة تطور تلك العلاقات وأثرها على الصين وكيف يمكن للصين أن تتعامل مع التغيرات المستمرة في السياسة الأمريكية .
أما فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية حيال منطقة المحيط الهادئ والدول الآسيوية فالواقع أن توقف المفاوضات الأمريكية مع كوريا الشمالية ، قد يؤثر على علاقتها بحلفائها ككوريا الجنوبية واليابان، وبالمثل فإن الانسحاب الامريكي من العديد من المناطق والأزمات سيؤثر بدوره على علاقتها بحلفائها في العالم.
– تعليقاً على ماذكر، أشار السفير/د.عزت سعد- مدير المجلس، إلى أن هناك إجماع في العالم، وحتى بين دول منطقة الشرق الأوسط، بأن السياسة الأمريكية في عهد الإدارة الجديدة ليست وليدة اللحظة بل تمتد إلى سنوات حكم الرئيس أوباما، فمنذ المفاوضات التي أسفرت عن توقيع الاتفاق النووي الإيراني تم عقد قمة أمريكية/ خليجية في منتجع كامب ديفيد عام 2015 دعا فيها الرئيس أوباما الى ضرورة اعتماد دول الخليج على نفسها في تأمين مصالحها وتسوية خلافاتها وبالتالي فسياسة الانكفاء ليست نهجاً جديداً على الإدارة الأمريكية.
والواقع أن السياسة الأمريكية حيال أزمات المنطقة دفعت دولها لإعادة النظر في علاقاتها مع القوى الكبرى وعلى رأس هذه الدول كانت الدولة المصرية، فلم تعد تقتصر علاقتها الاستراتيجية على الولايات المتحدة وإنما عمدت إلى إقامة علاقات تعاون وشراكات استراتيجية مع العديد من القوى الكبرى الأخرى وعلى رأسها الصين وروسيا وغيرهما.
ومثال آخر على ذلك، هي المملكة العربية السعودية التي تجمعها بالولايات المتحدة علاقات استراتيجية ولكن الانسحاب والتراجع الأمريكي من المنطقة دفعها لإقامة علاقات مع روسيا والصين خاصة وأن الصين بمبادرتها المعروفة بالحزام والطريق ستلعب دوراً هاماً في بناء العلاقات في منطقة المتوسط، بل وفي القارة الأوروبية. فالحرب التجارية والسياسات الحمائية التي تتبعها إدارة ترامب دفع الحلفاء الغربيين في تنمية علاقاتها بالدول الأخرى. وفي الحالة التركية نجد أنها بدأت في الخروج من عباءة الناتو وفتح علاقات شراكة معلنة مع حلفاء آخرين والتي على رأسها روسيا وهو مايظهر من صفقات التسليح المبرمة بينها وآخرها صفقة صواريخ S-400.
مشدداً على ضرورة استفادة الصين من هذا التقارب في لعب دور أكثر فاعلية حيال أزمات المنطقة خاصةً وأن مبادرتها الحزام والطريق تلعب دوراً هاماً في تحقيق وتفعيل هذا التقارب واستغلال فرصة الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وأنه في حال فوز الديمقراطيين بالحكم واتباعهم لنهج مغاير لسياسة ترامب فقد يعني هذا ضياع هذه الفرصة لأنهم سيتبعون سياسات مختلفة عن سياسة الرئيس ترامب، خاصة وأنهم يعارضون الانسحاب الأمريكي من المتوسط ومن منطقة الهادئ ولكن ستظل الانتقادات الموجهة لدول المنطقة والمتعلقة بملف حقوق الانسان وحرية الرأي وكذا التعامل مع منظمات المجتمع المدني.
– نوَه السفير/علي الحفني- منسق اللجنة الدائمة للشئون الآسيوية بالمجلس، إلى أنه فيما يتعلق بالنظام التحالفي الحالي ومدى إمكانية تغيره فهناك العديد من العناصر التي تحكم هذه العلاقات ، والواقع أن إدارة ترامب تعاني من أزمتين تتعلق الأولى بكيفية عودة الولايات المتحدة للعب دور عالمي والأخرى بتحقيق التناسق بين مؤسساتها، لاسيما وأن المؤسسات الأمريكية على خلاف حول سياسة الإدارة الأمريكية وبخاصة تلك الخارجية.
أما فيما يتعلق بالدول الأوروبية فالواقع أن قضية البريكست هي الأكثر إشغالاً لدول الاتحاد الأوروبي حتى ولو وجدت خلافات حالية من الولايات المتحدة.
ورغم كل هذه التغيرات إلا أن هذا التراجع يمثل فرصة جيدة للصين ويفتح أمامها المجال للتوسع وبناء علاقات جديدة مع أوروبا تساهم في تزايد التأثير الصيني، وسيكون نقطة انطلاق لتأسيس نظام عالمي قائم على التنوع والتعددية والخروج من الهيمنة الأمريكية ، وكل ذلك سيكون في إطار مبادرة الحزام والطريق والتي تلعب دوراً في تعديل النظرة والاتجاه الرافض للعولمة وستكون نقطة لإعادة تشكيل ورسم النظام الاقتصادي العالمي وتحقيق التنمية العالمية الشاملة والمتوازنة بما سيعود بالنفع على كافة الدول.
– أكد السفير/ هشام الزميتي- أمين عام المجلس، الى أن عقيدة أوباما كانت قد ركزت على الانسحاب من مشاكل المنطقة والبدء في مواجهة الخطر الصيني والروسي ولو حتى عسكرياً، وهو ماسارت على خطاه الإدارة الجديدة ، أما فيما يتعلق بشكل التحالف العالمي فالواقع أنه لايوجد تغيير في نظام التحالف وإنما في مضمونه وهو الأمر الذي تحدده الموازنة الأمريكية ، ولكن لايمكن إغفال السمة المشتركة بين كافة الأنظمة الأمريكية سواء أكانت جمهورية أو ديمقراطية بدعمها الكامل والمطلق لإسرائيل، وهو مابرز في القرارات الأخيرة.
تعليقات ختامية:
– أكد رئيس الوفد الصيني أن المشكلة الراهنة في النظام التحالفي ترتبط بشكل أو بآخر بالمنفعة المادية المحققة. فبينما ترى الصين أن علاقاتها وشراكاتها الحالية ستلعب دوراً في النهوض بمعدلات التنمية والنمو ، لاترى الولايات المتحدة أي منفعة لها من تقاربها مع دول المنطقة الأمر الذي دفعها لمطالبتها بتقديم الأموال مقابل الحصول على أية حماية مستقبلية.
– نوًه السفير/منير زهران إلى انسحاب الشركات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط والتوجه للمنطقة الآسيوية بهدف مواجهة الصعود الصيني في الشرق، ولكن بقدر أن هذا قد يكون تحدي إلا أنه سيكون دافعاً للإدارة الصينية لمزيد من التوجه لبناء علاقات تعاون في المنطقة ومزيداً من الشراكات خاصة وأن الإدارة الحالية لاترغب في الدخول في أي التزامات تجارية كما حدث في انسحابها من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، والواقع أن هذا سيحدث نوعاً من التوازن والتعددية في النظام العالمي بدلاً من الأحادية القطبية. أما فيما يتعلق بالأوضاع في منطقة الشرق الأوسط ، فإن تشهده من تدهور هو نتيجة للسياسات الأمريكية المتبعة إزاء أزمات المنطقة بدءاً من الدعم الكامل لإسرائيل، الأمر الذي أدى لتخليها عن دورها في لعب دور الوسيط في عملية السلام، مروراً بأزمات المنطقة الأخرى وسياساتها التصعيدية مع طهران.
مختتماً حديثه بالتأكيد على أن العلاقات الأمريكية مع باقي دول المنطقة هي علاقات قائمة على الاستفادة من كل الصفقات في تحقيق المصالح الأمريكية والإسرائيلية ، وتصوير إيران على أنها العدو الرئيسي والمهدد لاستقرار المنطقة لإبعاد الضوء عن العدو الحقيقي والممارسات الإسرائيلية العدوانية ضد شعوب المنطقة.
– تعليقاً على ماسبق، أكد السفير عزت سعد أن الرابط الأساسي بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة لم يكن بهدف الحصول على الأموال ، فمثلاً كان تقديم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لمصر جزءاً من اتفاقية كامب ديفيد وتلك المساعدات جُمٍد معظمها اليوم نتيجة للخلافات بين البلدين حول أوضاع حقوق الإنسان بمصر، أما عن تحالفها بإسرائيل فهو تحالف ودعم كامل ومطلق ليس فقط من الإدارة الحالية بل ومن الإدارات السابقة حيث حرص الرئيس أوباما على تخصيص ضمانات بجانب المساعدات المالية المقدمة لإسرائيل لمدة عشر سنوات قادمة، هذا بالإضافة للحماية الأمريكية المطلقة للسياسات والممارسات الإسرائيلية ووقوفها أمام أية محاولات تضر بمصالح إسرائيل .
والخلاصة أن العلاقات الأمريكية الخارجية تختلف من دولة لأخرى، والسياسات الأمريكية الراهنة تعمل بكل جهدها لتصعيد الخلافات والعداءات بين دول الخليج وإيران بما يعمل على إذكاء العنف في المنطقة رغم الإدانة الأمريكية المستمرة للعنف والتطرف والممارسات الطائفية ليبرز هنا مدى التضارب وازدواج المعايير وهذا هو النهج الغربي في التعامل مع القضايا.
مشدداً في هذا السياق على أهمية الدور الصيني في المرحلة القادمة إزاء القضايا الأمنية بحيث لايقتصر دورها فقط على القضايا الاقتصادية واتخاذ مبادرات وقرارات لتحقيق التسوية العادلة للقضية الفلسطينية خاصة وأن ذلك من شأنه أن يعمل على تهدئة الأوضاع في المنطقة وسيعود بالنفع على مبادرة الحزام والطريق التي تلعب دوراً هاماً في تحقيق التنمية الاقتصادية لدول المنطقة التي تورد للصين مانسبته 50% من احتياجات الصين من النفط، وبالتالي فمن مصلحة الصين إدانة والوقوف أمام أية تصرفات من شأنها تغذية العنف والإرهاب بالمنطقة .
– فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب في إفريقيا ، أكد السفير هشام الزميتي على أن دول القارة الإفريقية تعاني من انتشار الإرهاب والجماعات المتطرفة كحركة الشباب الصومالية، وبوكوحرام ، وهو مايلقي على عاتق الدولة الصينية أهمية تعزيز التعاون مع الدول الإفريقية في إطار مايجمعها من اتفاقيات وشراكات معها لمساعدتها على مواجهة التنظيمات الإرهابية ليكون ذلك بداية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي لدول القارة بما سيعود على الصين بالنفع والفائدة وسيساهم في تحقيق خطة الصين الاقتصادية.
– وفي ذات السياق، أكد السفير علي الحفني إلى أهمية أن تولي الصين اهتماماً بتأمين مناطق العبور الاستراتيجي كباب المندب ومضيق هرمز خاصة في ضوء الدفع الأمريكي لمزيد من التوترات بين دول الخليج وإيران ودفع السعودية من خلال تلك السياسة لشراء أسلحة بمليارات الدولار وتصوير إيران بأنها المهدد الرئيسي وهي محاولة حثيثة في حقيقة الأمر لحماية إسرائيل وتحقيق أمنها.
إن الأجندة الأمريكية التي صاغتها الولايات المتحدة ودفعت لتحقيقها عبر أحداث الربيع العربي في المنطقة تسببت في حالة الفوضى والدمار، وهو ما أدركته الشعوب العربية مؤخراً في المظاهرات في لبنان والسودان والتي توحدت فيها صفوف شعوب تلك الدول ولم تسمح لأية مليشيات للعب دور في تهديد أمن دولهم أو استخدام ورقة الإخوان المسلمين أو التنظيمات الاسلامية مرة أخرى كما حدث في مصر عام 2005 وانتهى بوصولهم للحكم عام 2012.