لم تكن ولن تكون رئاسة مصر للإتحاد الافريقى عام 2019 حدثا عابرا ، حيث حملت مصر خلال ذلك العام لواء الاتحاد الافريقى فى المحافل الاقليمية والدولية ، عبر دور نشط وفاعل تجسد فى أنشطة وتحركات ومبادرات إيجابية وبناءة على المستويين الثنائى والمتعدد ، تبلورت فى إنجازات ضخمة غير مسبوقة فى الاطار الافريقى / الافريقى ، وفى الاطار الافريقى / الاقليمى / الدولى . ولقد شكلت تلك الانشطة والتحركات والمبادرات فى مجملها ـ بما حققته من إنجازات ـ ،علامة فارقة فى تاريخ العلاقات المصرية الافريقية ، ورصيدا تراكميا لمصر فى هذا الصدد ، يستوجب تواصل هذا الدوربل وتعاظمه وتناميه .
إنطلق الدور المصرى من رؤية إستراتيجية واضحة فى إطار برنامج الاتحاد الافريقى 2063 ، فى إتساق مع البرنامج المصرى 2030 ،( برنامج الامم المتحدة 2030 ) ،للتنمية المستدامة ، بما بينهما من تماثل فى شمولية القطاعات المتعددة المستهدفة ، والتى تصل إلى ما يقرب من 18 قطاع ، حيث شاركت وزارات وهيئات واجهزة الدولة المصرية فى هذا الدور التاريخى ، سواء فى مرحلة الاعداد له أو فى فترة الرئاسة ، وبتقدير المشاركة بدور مستقبلى مستدام منشود فى المراحل القادمة .
تجسدت رؤية مصر الاستراتيجية وتمحورت تجاه القارة الافريقية التى يصل عدد سكانها ما يقرب من 2,4 مليار نسمة وناتج محلى إجمالى يقارب 3,4 تريليون دولار ، حول إقامة شراكات إستراتيجية فى الاطارين الثنائى والمتعدد ، سواء البينى أى الافريقى / الافريقى ، أوبين القوى الكبرى والقارة الافريقية ، أو الافريقى / الاقليمى / الدولى ، على أساس المصالح المتبادلة وإحترام السيادة الوطنية والتعزيز النوعى للعلاقات فى كافة المجالات آخذا فى الإعتبار ظروف القارة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية .
لقد جاء التحرك المصرى على المستوى الثنائى متضمنا العديد من دول القارة الافريقية بمناطقها الجغرافية الخمس ، فضلا عن استقبال العديد من رؤساء الدول الافريقية بالقاهرة ، على نحو تجاوزت معه جولات الرئيس بالقارة الافريقية 30 % من إجمالى جولاته الخارجية ، وتجاوز أيضا عدد الفاعليات والمبادرات المصرية الثلاثين ، مثلما عقدت لقاءات ثنائية عديدة فى الاطار المتعدد ، على هامش المؤتمرات الاقليمية والدولية .
وفى الاطار المتعدد إرتباطا بافريقيا ، تم عقد قمم تشاورية مصغرة وموسعة كآلية مستحدثة ، والتى تضم عددا من قادة دول افريقية كتلك التى عقدت بالقاهرة بشأن الازمة الليبية أو إبان الثورة السودانية ، فضلا عن عدد من القمم القارية من أبرزها مؤتمر الامن فى ميونخ (فيراير 2019 ، وفبراير 2020) ، قمة التيكاد ( اليابان أغسطس 2019 ) قمة العشرين ( اليابان يوليو 2019) ، قمة السبعة ( فرنسا أغسطس 2019 ) ، قمة أفريقيا روسيا ( إكتوبر 2019 )، قمة أفريقيا الصين ، قمة الحزام والطريق ( إبريل 2019)، قمة بريطانيا افريقيا ( يناير 2020 ) ، دورة الامم المتحدة 74 ( نوفمبر 2019 ) .
لقد سبق وتواكب مع هذه القمم عددا من الفاعليات المصرية الناجحة ، المرتبطة بافريقيا خلال عام الرئاسة المصرية ، والتى يمكن إختزالها فى منتدى الشباب العربى الافريقى ، منتدى أسوان للسلام والتنمية ، المنتدى الافريقى الاول لمكافحة الفساد، مبادرة تأهيل مليون شاب بحلول عام 2021 ، مبادرة مائة مليون صحة على الدول الافريقية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ،ومبادرة علاج مليون أفريقى من فيروس سى .
رؤية مصر بصدد الملف الامنى : ـ
يشتمل الملف الأمنى على عدد من القضايا الحيوية التى تهدد أمن دول وشعوب القارة ، بل إن إحداها وهو الارهاب يهدد مؤسسات الدولة الوطنية ووحدو وسلامة أراضيها ، بما قد ينتهى معه الأمر إلى تفتيت وتقسيم دول على أسس عرقية أو دينية أو مذهبية أوجهوية .ويمكن إجمال تلك القضايا فى مكافحة الارهاب والجريمه المنظمة ، واللاجئين والنازحين والهجرة غير المشروعة .
وقد تم تداول تلك القضايا فى العديد من الفاعليات المتمثلة فى المنتديات والمؤتمرات المشار اليها ، وأيضا اللقاءات الرئاسية على المستوى الثنائى ، وتوافقت الاراء على رؤية مصرية تستوجب تضافر جهود الدول الافريقية بالتعاون مع قوى كبرى والتجمعات الاقليمية العربية والغربية فى المجالين الامنى والعسكرى ، بل وأيضا التنموى ، فى تواكب معهما لمواجهة تلك التحديات .
ولعل من أبرز الانجازات التى ولدت من رحم هذا التداول ،إستحداث مجموعة من الآليات أبرزها ، تدشين مقر لجنة أجهزة الامن والمخابرات الافريقية بالقاهرة ، كآلية للتعاون وتبادل المعلومات الاستخبارية . / ودعوة مصر لاستضافة مؤتمر لقمة أفريقية لتشكيل قوة أفريقية لمكافحة الارهاب والتى تعد هى الاخرى آلية مستحدثة وجاءت كمبادرة مصرية عقب بدء عضوية مصر فى مجلس السلم والامن للاتحاد الافريقى . / عقد إجتماع بالقاهرة لرؤساء أركان القوات المسلحة بدول الساحل الخمس كآلية مستحدثة فى إطار التعاون الافريقى الافريقى ( لدعم قدرات / تدريب / تبادل خبرات / اسهام فى التنمية ) ، / تعاون مصرى تشادى ربطا بمجموعة دول الساحل الخمس ( تشاد النيجر موريتانيا مالى بوركينا فاسو فى مجال مكافحة التنظيمات الارهابية المتطرفة والمتواجدة فى تلك المنطقة والمتواجدة أيضا فى ليبيا وتهدد دول الجور الليبى بصفة خاصة ودول المنطقة بصفة عامة ( داعش ، القاعدة ، بوكو حرام ، الجهاديين ، الاخوان ..).
وتجدر الاشارة إلى التقدير برؤية مستقبلية تقضى بالربط بين القوة العسكرية لدول الساحل ( 5000 جندى ) كنواة للقوة الافريقة المقترحة لمكافحة الارهاب ،بل وربما فى مرحلة لاحقة لقوة أفريقية عربية فى إطار الامن والتنمية فى منطقة البحر الاحمرعلى خلفية مبادرة الملك سلمان إنشاء ” كيان للدول العربية والافريقية المتشاطئة على البحر الاحمر ” والتى من المتوقع طرحها فى القمة العربية الافريقية التى ستعقد بالرياض فى منتصف شهر مارس 2020 .
ولعل ما يعزز تلك الرؤية التى تربط بين القوتين ،أن قوة دول الساحل تحظى بدعم عسكرى ومادى من فرنسا ( 4500 جندى أضيف اليهم 220 مؤخرا ) وبدعم اوروبى وأمريكى نسبيا ، فضلا عن تواجد لقوات من الامم المتحدة فى مالى حوالى 13000 جندى لحفظ السلام ، كما أن هناك ما يسمى بالتحالف الداعم لدول الساحل والذى يضم بجانب فرنسا كل من ألمانيا ، الاتحاد الافريقى ، الامم المتحدة ، السعودية ، الامارات ، اليابان ، الصين ، روسيا بجانب هيئات ومنظمات تمويل للتنمية وللقوة العسكرية .
يضاف الى ما تقدم تجرى حاليا دراسة فى إطار الاتحاد الافريقى بتشكيل قوة من 3000 جندى لدعم دول الساحل بشكل مؤقت ( ستة أشهر ) ، كما أنه من المنتظر استضافة جنوب افريقيا فى إطار رئاستها للاتحاد الافريقى عام 2020 قمة حول الأمن فى القارة الافريقية فى شهر مايو القادم .
رؤية مصر فى الملف السياسى : ـ
لعل أبرز ما شهده هذا الملف فى فترة الرئاسة المصرية ، هو، إستحداث آلية القمم المصغرة أو الموسعة بالتوجه نحو أفرقة القضايا الافريقية أى تناولها فى الاطار الافريقى ، وفى هذا الصدد تم عقد قمتين تشاورتين إحداهما بشأن الازمة الليبية ، والثانية حول تطورات الاوضاع فى السودان إبان الثورية السلمية الشاملة للشعب السودانى ،كما اضطلعت مصر بدور محورى فى لجنة الاتحاد الافريقى المعنية بالقضية الليبية وبدور مماثل بين أطراف المعادلة السودانية . كما كان لمصر دور بارز فى دعم جنوب السودان فى إطار الجهود الاقليمية ( الافريقية عبر منظمة الايجاد ) والدولية للتوصل إلى توافق بين أطراف المعادلة الجنوب سودانية حول الصراع بينهم على الثروة والسلطة ، والذى إنتهى بالاتفاق مؤخرا بينهم ( فبراير 2020 ) على تشكيل حكومة وحدة وطنية لفترة إنتقالية .
كما إرتبط تناول القضايا السياسية بتبنى مبادرة إسكات البنادق عام 2020 لتهيئة الظروف الملائمة لمعالجة قضايا القارة الافريقية بعيدا عن العنف والسلاح والحد من التدخلات الاجنبية من خارج القارة الافريقية .
وفى هذا الاطار تم إستحداث آلية جديدة تمثلت فى مركز الاتحاد الافريقى لإعادة الاعمار والتنمية لمرحلة ما بعد النزاعات فى القاهرة ، وهى آلية تتولى دراسة الاوضاع فى الدولة المعنية وتضع برامج وتصورات وحلول لمعالجة تلك الاوضاع فى مرحلة ما بعد النزاعات ، وتم إستحداث أيضا آلية أخرى وهى صندوق السلام الافريقى لتجسيد مبدأ توفير حلول أفريقية للقضايا الافريقية .
رؤية مصر للملف الاقتصادى : ـ
تمحورت الرؤية المصرية فى أولولية جذب الاستثمارللقارة الافريقية مفتاح عملية التنمية سواء من الدول المانحة أو الكبرى ، أو من التجمعات القارية وخاصة الاوروبية ومؤسسات وهيئات التمويل الاقليمية والدولية ، سواء من القطاع الخاص من دول القارة او من خارجها العربية والاوروبية والآسيوية . ولقد تحدد الهدف الاستراتيجى لتلك الرؤية فى تحقيق التكامل الإقتصادى والاندماج الاقليمى ضمن إطار برنامج الاتحاد الافريقى 2063 للتنمية المستدامه .، وبتقدير توجيه هذه الاستثمارات الى محورين أساسيين : ـ
الاول قطاع البنية التحتية : ـ ويتضمن طرق برية وبحرية ونهرية وسكك حديدية وربط كهربائى ، فضلاعن طريق القاهرة كيب تاون ، والربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط ، ومنطقة الحزام والطريق .
والثانى القطاعات الانتاجية الزراعية / الثروة الحيوانية / الصناعية / والتعدينية فضلا عن القطاع البشرى المرتبط أساسا بالشباب من حيث التعليم والصحة والعمل وتمكين المرأة ،( ربطا بالمنتديات العديدة للشباب التى عقدت بالقاهرة ، وتم الاشارة إليها ) ، وهى قطاعات تحتوى على ثروات وموارد طبيعية ضخمة ومتنوعة محل صراع تنافس إقليمى ودولى .
واقع الأمر أن تفعيل عملية جذب الاستثمار وتوجيهها على هذا النحو ، إنما تعزز من فرص مضاعفة حجم التجارة البينية فى القارة الافريقية وبين أفريقيا والعالم الخارجى خاصة فى إتصال بانفاذ منطقة التجارة الحرية القارية التى خرجت لحيز الوجود فى فترة الرئاسة المصرية مايو 2019 .
وفى هذا الصدد تم إستحداث آلية جديدة هى الصندوق المصرى لضمان مخاطر الاستثمار لرجال الأعمال والمستثمرين لتشجيعهم على الولوج إلى القطاعات الافريقية المختلفة ، مثلما تلوح أو يمكن أن تلوح فكرة إنشاء آلية مستحدثة مماثلة لتلك المصرية على مستوى القارة الافريقية .
الدور المصرى المنشود حاليا ومستقبلا : ـ
تبوأت مصر عن جدارة وإستحقاق مكانة قيادية خلال فترة رئاستها للاتحاد الافريقى عام 2019 ، وتجسد ذلك فى العديد من المحاور ذات الاهمية البالغة لدول وشعوب القارة الافريقية ، وخاصة الامنية والاقتصادية والسياسية والبشرية على النحو المتقدم ، وهو أمر يستوجب حفاظا على تلك المكانة تواصل هذا الدور وتناميه عبر : ـ
1 ـ الاسهام بتحرك نشط وفاعل فى تفعيل الآليات المستحدثة التى تم إنشائها والمشار اليها آنفا ، بجانب تنشيط الدور المصرى فى آليات الاتحاد الافريقى القائمة بصفة عامة . هذا مع التأكيد على ضرورة إضطلاع مصر بدور متميز فى الاليات التى حظيت فيها مصر بالعضوية ، ومن أبرزها مجلس السلم والامن الافريقى ، لجنة القانون الدولى الافريقية / مجلس الاتحاد الافريقى الاستشاري لمكافحة الفساد . كما يتبدى الاهتمام بالدورالايجابى والبناء الذى تضطلع به الرئاسة المصرية بصدد ملف البيئة ، ومشروع الربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط .
2 ـ عضوية مصر فى الترويكا الافريقية عن العام 2020 فى ظل تولى جنوب أفريقيا رئاسة الاتحاد الافريقى لذلك العام ، حيث يمكن لمصر ، أن تدفع نحو إضطلاع الترويكا بدور نشط فى قضايا السلم والامن وقضايا التنمية المستدامة ، والقضايا الاجتماعية والانسانية الافريقية ، متخذة من الترويكا الغربية نموذجا فى هذا الصدد . هذا مع إمكانية إيجاد صيغة للتعاون بين الترويكا ولجنة الحكماء الافريقية التى يترأسها حاليا معالى الامين العام للجامعة العربية الاسبق عمرو موسى ، فى إطار المهام المنوط بها كل منهما.
3 ـ الاضطلاع بدور نشط وفاعل فى إطار العلاقة الاستراتيجية بين القارة الافريقية والمنطقة العربية ، عبر القمم العربية الافريقية ، ومن خلال مؤسسات الجانبين ، إنطلاقا من رؤية تكاملية أمنيا وتنمويا ، تقضى بأن كل منهما إمتداد للآخر ، وأن البحر الحمر للوصل وليس للفصل بينهما ، خاصة بصدد ما يواجهانه من تحديات مشتركة ، خاصة وأن بالقارة الافريقية عشر دول عربية .
4 ـ تنشيط دور الوزارات والهيئات وكذا المنظمات غير الحكومية والاهلية فى كافة المجالات ، وخاصة تلك المرتبطة بقطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والصحة والتعليم والشباب والمرأة ،
5 ـ الأخذ بنظام المبعوثيين الخاصيين بصدد القضايا الافريقية الساخنة أو المناطق الاستراتيجية الحيوية إسوة بالمتبع من جانب دول أفريقية ودول وقوى غربية بل ومنظمات قارية كالاتحاد الاوروبى أو الأمم المتحدة ،ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر مبعوث منطقة القرن الافريقى ، منطقة البحر الاحمر ، أو لكل من السودان وجنوب السودان . ……….وذلك عند المقتضى .
6 ـ تنشيط دور ومهام اللجنة الوزارية لأفريقيا والتى تضم الوزرارات والهيئات المصرية المعنية بالشأن الافريقى ، بجانب دورها التنسيقى بين كل الأطراف المصرية الفاعلة .