التنظيم الدولي في مواجهة الجائحة
مايو 20, 2020الجائحة والدور المنشود للأمم المتحدة لتعزيز مفهوم الدولة الوطنيةوتأسيس نظام دولي جديد
مايو 21, 2020
سفير د. عزت سعد
مدير المجلس المصرى للشئون الخارجية
مقدمة:
يتفق عدد من الكتاب الأمريكيين الكبار – منهم ريتشارد هاس رئيس مجلس الشئون الخارجية([1]) ، وجوزيف ناي الأستاذ بجامعة هارفارد([2])– على أن أزمة فيروس كورونا المستجد (COVID – 19)، لا تمثل نقطة تحول في المنافسة الجيوسياسية الجارية منذ فترة، بين الولايات المتحدة والصين، وإنما هو محطة على طريق يمضي فيه النظام الدولي منذ فترة في اتجاه التعددية القطبية، وإن بقيت الولايات المتحدة محتفظة بمعظم أوراق اللعبة.
و ما ذكره هاس وناي، وغيرهما، يتفق وواقع أن الوباء حلً على العالم في خضم منافسة جيوسياسية حامية بين أقوى اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين، بالتزامن مع أزمة سياسية – ثقافية للغرب في مواجهة صعود الشرق. وقد كشفت إدارة الأزمة عن نجاح البلدان الآسيوية، بما فيها كوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان وتايوان، بإرثها الثقافي المنضبط وميلها للعمل الجماعي، بجانب تفوقها في استخدام التكنولوجيا المتقدمة والمعلومات العملاقة Big data ونظم الذكاء الاصطناعي، في سيطرتها على الوباء واحتوائه، في مواجهة تعثر وتخبط واضح في إدارة الولايات المتحدة وبلدان أوروبا الغربية للأزمة.
وللتذكير بحقيقة وجود هذا الصراع الجيوسياسي قبل أن تضرب الجائحة العالم بقسوة، فقد صنفت استراتيجية الأمن القومي([3]) (ديسمبر 2017) والدفاع القومي([4]) (يناير 2018) واستراتيجية أجهزة المخابرات الأمريكية([5])(يناير 2019)، الصين كمنافس جيوسياسي يتعين مواجهته باعتباره تهديداً للأمن القومي والتحدي الرئيسي الذي يجب على واشنطن التعامل معه. وكانت الصين قد هيمنت بصورة واضحة على المناقشة الجيوسياسية لمؤتمر ميونخ الأخير لسياسات الأمن في 14 – 16 فبراير الماضي. فقد أكد المشاركون من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية – وبطرق مختلفة – على ما تعنيه السياسات الاقتصادية والأمنية للصين بالنسبة لبقية العالم. وفي هذا السياق، أكد وزير الدفاع الامريكي إسبر على ما تمثله الصين من تحدي أمني لبلاده وحلفائها، و نفى وزير الخارجية بومبيو أن يكون هناك توتر من أي نوع بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، مؤكداً ضرورة توحيد الصف لمواجهة توسع الصين([6]).
وبعبارة أخرى، استغلت واشنطن مؤتمر ميونخ لتوصيل رسالة للأوروبيين مفادها أن التحدي الكبير المشترك القادر على جمع شمل العلاقات عبر الأطلنطي، هو الصين. غير أن قلة ضئيلة من دول أوروبا هي من بدت مستعدة لأخذ هذه الرسالة على محمل الجد.
والواقع أن الحملة العالمية التي تشنها الولايات المتحدة لمنع أقرب حلفائها من استخدام شبكة الجيل الخامس من هواوي، قد فشلت فشلاً ذريعاً حيث لم يستمع اليها أحد، بما فيهم المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإسبانيا، باستثناء قلة من الدول (أستراليا واليابان و بولندا). وتمثل معركة هواوي إحدى محطات طريق المواجهة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الصين بهدف احتواء نفوذ بكين وقوتها وضمان عدم هيمنة ثاني أكبر اقتصاد في العالم على الصناعات المتقدمة التي قد تمنحها قوة اقتصادية وعسكرية( [7]). وفي هذا السياق، كانت واشنطن قد قادت حملة دبلوماسية مكثفة في عهد الادارة السابقة لإقناع حلفائها بعدم الانضمام إلى البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية ( AIIB)، والذي أنشأته الصين عام 2015 وفتحت عضويته لمختلف دول العالم، إلا أن هذه الحملة باءت بفشلٍ ذريع، إذ تسابق حلفاء الولايات المتحدة على الانضمام للبنك كأعضاء مؤسسين ومنهم المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ومصر وكندا وإسرائيل والهند وتركيا وغيرها الكثير.
ما وراء حرب التجارة بين الولايات المتحدة والصين:
إن حرب التجارة التي شنها الرئيس ترامب على الصين منذ عام 2018، وتركيزه على معالجة الخلل الكبير في الميزان التجاري بين البلدين في غير صالح الولايات المتحدة، حجبت المصدر الأساسي للتوترات بين الجانبين والمتمثل في نقل التكنولوجيا وتدفق المعرفة فيما بين البلدين. وفي هذا الصدد، تعتبر الولايات المتحدة نجاح الصين في هذا المجال بمثابة إهانة غير عادلة للقدرة التنافسية الاقتصادية والمكانة الجيوسياسية للولايات المتحدة الأمريكية، وأيضاً كدليل على سذاجة شعار التكامل الاقتصادي و العولمة الاقتصادية([8])، وباتت المشكلة الأكبر التي تواجه المجتمع الدولي، مع تفشي الجائحة، هي انعدام الالتزام السياسي المنسق فيما بين القوى الاقتصادية والتجارية العالمية من أجل وقف التدابير الحمائية الدولية أمام حركة التجارة الدولية. فقد وضعت الجائحة النظام التجاري الدولي في اختبار صارم، كما أن سياسات ترامب الحمائية تركت منظمة التجارة العالمية أقل استعداداً للتعامل مع الوباء، مما كان يمكنها فعله قبل ترامب([9]). وكانت الإدارة قد رفعت تدريجياً، وعلى مضض، الرسوم الجمركية على أجهزة التنفس الصناعي والأقنعة الجراحية الواردة من الصين اعتباراً من 11 مارس الماضي، حيث تغطي نسبة 75% من وارداتها منها، إلا أنه بعد عشرة أيام قيَد ترامب صادرات بلاده من أجهزة التنفس الصناعي والأقنعة استناداً إلى قانون الانتاج الدفاعي. وفي 30 مارس الماضي، وبسبب الموقف الأمريكي، فشل اجتماع وزراء تجارة مجموعة العشرين في مجرد مناقشة ضغوط التدابير الحمائية وما يمكن لدول المجموعة فعله حيالها.
في السياق عاليه، ولأغراض تقييد نقل التكنولوجيا إلى الصين، تدخلت الولايات المتحدة، تحت ضرورات حماية الأمن القومي، للحد من التعاون العلمي الواسع فيما بين المؤسسات البحثية في البلدين بما فيه مراكز الأبحاث الطبية والدوائية. وكان من مظاهر ذلك التحقيق مع وترحيل علماء وباحثين أمريكيين من أصول صينية ومنهم أستاذ كيمياء بجامعة فلوريدا قام فور عودته بتطوير اختبار لفيروس كورونا يعطي نتائج في غضون 40 دقيقة([10]).
الجائحة نقطة توتر جديدة:
في تقدير الكثيرين أن بعض أوجه القصور في إدارة واشنطن لجائحة فيروس كورونا كان بفعل واشنطن ذاتها([11]). ويشار في ذلك إلى عدم قيام الولايات المتحدة بتجديد الاحتياطيات الاستراتيجية من الإمدادات الطبية التي تراجعت قبل الجائحة بنحو عشر سنوات، و تفاقم العجز بفعل التعريفات المفروضة على المنتجات الطبية الصينية. و يقدر هذا البعض أن رد الفعل الأمريكي على الجائحة منذ البداية جاء متسقاً مع شعار” أمريكا أولاً ” الذي رفعه ترامب منذ دخوله البيت الأبيض. وقبل الأزمة بدأت الإدارة في تقليص حجم المساعدات الخارجية، لاسيما تلك المتعلقة بالصحة العالمية. وفي خضم تداول الأنباء حول العالم عن انتشار فيروس (كوفيد – 19) في فبراير الماضي، قررت الحكومة الأمريكية تقليص المساعدات المالية الخارجية للسنة المالية 2021 بنسبة 21%، بما فيها المساعدات الموجهة لبرامج الصحة العالمية بنسبة 35%. و كان الرئيس ترامب أعلن في خطابه أمام الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر 2018، أن ” المستقبل لا ينتمي إلى العولمة…إنه ملك دول مستقلة ذات سيادة تحمي مواطنيها وتحترم جيرانها وتحترم الاختلافات التي تجعل كل دولة حالة خاصة وفريدة من نوعها”، وأضاف: “سوف ننظر في ما اذا كانت البلدان التي تتلقى دولاراتنا وحمايتنا تحمل أيضاً مصالحنا في القلب. في تحركنا للأمام، سوف نعطي مساعدات خارجية فقط لأولئك الذين يحترموننا وبصراحة أصدقائنا([12]).
وفي الصين، ومع اكتشاف أول مريض بالوباء في 8 ديسمبر 2019 في مدينة “ووهان”، دخلت البلاد في حالة إغلاق كامل وعزلة، وبحلول 7 يناير 2020 تم التعرف على الفيروس باسم كورونا الجديد المعدي، حيث أقرت الحكومة الصينية تدابير عديدة للمنع والسيطرة وأطلقت حملة منسقة وشاملة على نحو جيد لهزيمة الفيروس، وفي 12 مارس أعلنت الصين أن ذروة الوباء في أراضيها قد انتهت وأن الحالات الجديدة تتراجع والموقف يتحسن بصفةٍ عامة([13]).
وكانت الصين هدفاً لحملة شنتها وسائل الإعلام الأمريكية، منها مثلاً أن الأزمة ستضع نهاية للحزب الشيوعي الصيني، وأن الصين خارجة لا محالة من النظام الدولي وأنه يجب فك ارتباطها بهذا النظام، حيث سيجبر الوباء الشركات الدولية الكبرى العاملة هناك على نقل سلاسل إنتاجها خارج الصين، الأمر الذي أطلق عليه الصينيون ما يسمي بـ”الشيجزت”Chiext، على غرار المصطلح الذي يشير إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بل والقول بأن الأسواق المالية الصينية غير المستقرة قد تكون أشد خطورة على العالم من أسواق الحيوانات البرية التي أنتجت فيروس كورونا([14]). وقدم هؤلاء توقعات على الانهيار الوشيك للقوة الصينية وتدهور أوضاعها المالية([15]).
والواقع أنه مع بدء نجاح الصين في السيطرة على الوباء واحتوائه، وفي ظل عزوف أمريكي واضح عن قيادة أي تحالف في هذا الشأن، كما حدث إبان وباء إيبولا مثلاً، بدأت بكين حملة دبلوماسية نشطة واسعة ومتعددة الأبعاد لتقديم معونات إغاثة ومساعدات لمختلف دول العالم، استخدمت فيها – ولأول مرة – قواتها المسلحة في استعراض لقدراتها العسكرية اللوجستية، التي نقلت معدات وفرق طبية خارج الحدود لنحو 20 بلداً على الأقل من مجموع أكثر من 170 دولة وخمس منظمات دولية حصلت على مساعدات صينية. ورغم عدم إعلان بكين صراحةً، حتى الآن، عن استراتيجية رسمية منسقة بشأن مساعداتها الإنسانية ارتباطاً بالوباء، إلا أنها بذلت جهوداً ضخمة في تفعيل آليات دبلوماسية متعددة قدمت مساعداتها من خلالها. وفي هذا السياق، تحركت الصين على أساس ثنائي بحت، ودون تنسيق أو مشاركة مع النظام الصحي المتعدد الأطراف، والذي غاب تماماً بسب الموقف الأمريكي الذي حال دون أية قرارات ملزمة في إطار مجلس الأمن حول الجائحة. وقد منح هذا الوضع الصين ميزة استثنائية متفردة لم تزاحمها فيها أي قوة أخرى مانحة.
وقد قدمت الصين مساعداتها ليس فقط من خلال الحكومة المركزية، بل وأيضاً من القوات المسلحة وحكومات الأقاليم والمجالس المحلية والمنظمات غير الحكومية والشركات. ومن المهم الإشارة إلى حرص الصين ضمن نشاطها الدبلوماسي على نقل تجربتها الناجحة في التعامل مع الوباء واحتوائه من خلال التواصل مع الدول والمناطق التي تجمعها بالصين شراكات وعلاقات تعاون، وذلك في شكل مؤتمرات عبر الفيديو بين مسئولي الصحة ونظرائهم في أوروبا وإفريقيا والمنطقة العربية وآسيا وأمريكا اللاتينية. كما شملت دبلوماسية الصحة العالمية الصينية اتصالات مكثفة على المستويين الرئاسي والوزاري بقيادات عدد كبير من الدول الصديقة بما فيها مصر، تم خلالها التأكيد على التضامن لمواجهة الجائحة والتعاون في التعامل مع آثارها، بما فيها التعاون المشترك لإنتاج اللقاح اللازم للتغلب عليها. وقد امتدت المساعدات الصينية لتشمل مناطق الصراعات والتوتر مثل سوريا والعراق وفنزويلا وأفغانستان والصومال وليبيا وغيرها.
والواقع أن المنطق والحقائق على الأرض تدعو أي مراقب موضوعي للأحداث إلى الاعتراف بأن تجربة الصين في التعامل مع فيروس كورونا المستجد مليئة بالدروس الملهمة التي يمكن أن تستفيد منها الدول الأخرى. وفي هذا السياق، يظل أي تقييم إيجابي للتجربة الصينية في مكافحة الوباء مصدر إزعاج كبير للولايات المتحدة الأمريكية قيادةً وإعلاماً. ففي الحالتين هناك إصرار واضح على تحميل الصين ” إثم” انتشار الوباء حول العالم، بالتواطؤ مع منظمة الصحة العالمية. هذا في الوقت الذي يؤكد فيه كتاب أمريكيين معروفين، مثل نيكولاس كريستوف، أن آلاف الامريكيين كان من الممكن أن يكونوا على قيد الحياة اليوم، إذا كان الرئيس ترامب قد أمضى وقتاً أطول في الاستماع إلى منظمة الصحة العالمية بدلاً من محاولة تدميرها، مشيراً إلى أن وقف مساهمة الولايات المتحدة في تمويل موازنة المنظمة في توقيت تستعر فيه نار الجائحة، هو محاولة خطيرة لإيجاد كبش فداء لإخفاقاته([16])، مضيفاً أن ترامب لم يقدم أي قيادة عالمية ضد فيروس كورونا، و”خاف من استجابة الصين السريعة للجائحة، وأنه غرّد في 24 يناير قائلاً:” لقد عملت الصين بجدٍ لاحتواء فيروس كورونا… أريد أن أشكر الرئيس شي”، وبالتالي إذا أراد ترامب أن يحاسب الناس فيمكنه النظر في المرآة. وأضاف البعض الآخر أن جهود الإدارة الحالية انصرفت إلى الداخل الأمريكي فقط وتجاهلت الخارج. وغرًد ترامب ارتباطاً بذلك قائلاً: ” أنا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية…وليس رئيس الدول الأخرى، لذا علينا التركيز على هذا البلد، بينما هم يعملون لبلادهم”([17]).
والواقع أنه حتى 27 فبراير 2020 اعتقد ترامب ومعاونوه أن تفشي الفيروس لن يتجاوز حدود الصين، حيث أكد أن عدد الإصابات داخل جميع الولايات الأمريكية يقترب من الصفر، كما أكد المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو “أن واشنطن استطاعت بالفعل احتواء المخاطر الناتجة عن انتشار مثل هذا الفيروس على خلفية الاغلاق شبه الكامل لحدودها”([18]). وظل تركيز الرئيس ترامب دائماً على ضرورة الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تحققت قبل الجائحة، وذلك لأغراض انتخابية بالأساس. في المقابل، عززت حملة المساعدات التي قدمتها الصين للعالم ارتباطاً بالجائحة حقيقة مفادها أن الكثير مما يعتمد عليه العالم في مكافحة الوباء يتم تصنيعه في الصين([19]).
والواقع أنه بالرغم من إخفاق الإدارة الأمريكية في إدارة الأزمة بالكفاءة المطلوبة، بالمقارنة بالصين، فضلاً عن تركيزها على الداخل وموقفها من منظمة الصحة العالمية وأطر التعاون متعددة الأطراف عموماً على النحو السابق تبيانه، وعزوفها عن ممارسة دورها القيادي كما كان الحال في السابق، إلا أن الصين بدورها لا تبدو مستعدة للتدثر بعباءة الزعامة العالمية، رغم انها قدمت الدعم والمساندة للعديد من دول العالم، و لم يدّع المسئولين الصينيون في أي وقت لأنفسهم هذا الدور حيث مازالوا متمسكين بشدة بانتمائهم للدول النامية، كما يرون أن النظام الدولي الحالي، في مجمله، يحقق مصالحهم بل ولا ينكرون انهم مدينون بتقدمهم الاقتصادي والتجاري الهائل للبيئة التي وفرها هذا النظام رغم تحفظاتهم على بعض جوانبه. وفي هذا السياق ترى الصين أزمة وباء كورونا المستجد ليست أزمة عولمة، وإنما أزمة في نظام الحكومة العالمية الحالي بأبعاده الاقتصادية والسياسية، حيث لا تبدو الولايات المتحدة مستعدة لأخذ مصالح القوى الاقتصادية الصاعدة في الاعتبار متبنية مقاربة تقوم على التنافس الدولي بدلاً من التعاون، والعمل على إضعاف أو حتى التخلي عن مسئولياتها وتعهداتها في مجالات عديدة. ولا تخفي الصين التأكيد على أن الصعود الآسيوي وقيادتها لعملية التنمية الاقتصادية الدولية يحول التركيز على العلاقات عبر الأطلنطي الي منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهو ما يستوجب إعادة ضبط هيكل القوة العالمي ونمط توزيع المصالح وإعادة النظر في الوضع الذي دام طويلاً والذي هيمنت فيه أقلية من الدول الغربية على الحوكمة العالمية، وأنه يجب على المجتمع الدولي إدراك هذا الخلل، والسعي إلى تبني آليات ووسائل جديدة تتيح لكل القوى التفاعل بإيجابية مع النظام الدولي.
وهكذا، يقودنا التحليل السابق إلى التأكيد على أنه لا توجد قوة عظمى تستطيع وحدها أن تلبي احتياجات العالم، وأن هناك حاجة لتعاون الولايات المتحدة والصين وأطراف ثالثة كالاتحاد الأوروبي لسد هذا الفراغ، فالنزعة القومية والحمائية لا تستطيع إعادة بناء الاقتصاد العالمي أو مكافحة الأوبئة التي لا تعرف حدوداً. وكما أكد البعض بحق، فإن دعم تدفق السلع والأفراد والأفكار والخدمات الصحية العامة على نحو متوازن ومنظم، سوف يتطلب التوصل إلى توافق دولي جديد ورؤية تقوم على التعاون الواسع بدلاً من التنافس([20]).
وفي هذا الصدد، من المهم استمرار مصر في استراتيجية سياستها الخارجية القائمة على تنويع وتوسيع خياراتنا الاقتصادية والسياسية والأمنية بالانفتاح على الجميع، مع إيلاء الاهتمام الكافي لتطوير وتحديث القدرات المصرية في مجالات التعليم والعلوم والتكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي حيث كشفت الجائحة عن الأهمية الحيوية للعلوم والتكنولوجيا في احتوائها.
[1]- Richard N. Haass: “ The Pandemic Will Accelerate History Rather Than Reshape It”, Foreign Affairs, April 7, 2020.
[2]-Joseph Nye. Jr., “ No The Coronavirus Will Not Change The Global Order”, Foreign Policy, April 16, 2020.
[4]-On National Defense Strategy of USA (2018). The Document is available at
website of the American Departmentof
[5]-The National Intelligence Strategy of the United States of America
7-David E. Sanger & David McCabe: Huawei Is Winning the Argument in Europe, As the U.S Fumbles to Develop Alternatives, The New York Times, Feb. 17, 2020: https://www.nytimes.com/2020/02/17/us/politics/us-hvawei-59-html.
[10]– المرجع السابق.
[14]– من هؤلاء Walter Russell Mead أستاذ العلاقات الدولية الامريكي في مقال له في 3 فبراير في صحيفة وول ستريت جورنال.
[15]– Alexander Lomanov: Cold War Virus: U.S Plunges Into Information Confrontation With China, March 23, 2020. Valdai Club. https://valdaiclub.com/a/highlights/cold-war-virus/.
[17]-فيليب جوردون:” أمريكا أولاً “فانتازيا خطيرة في زمن جائحة – مرجع سابق.
[18]– المرجع السابق.
[20] -يوكون هوانجوجيريمي سميث: الاستجابة للجائحة تعكس دروساً لم نستخلصها من حرب التجارة بين الولايات المتحدة والصين – 27 ابريل 2020- مرجع سابق.
-
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهات نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة رؤية المجلس المصري للشئون الخارجية