الأوضاع والأزمات الإقليمية فى ظل كورونا
مايو 23, 2020إفريقيا والتصدى لجائحة كورونا وتداعياتها في الإطار الدولي
مايو 24, 2020
سفير/ أحمد حجاج
رئيس جمعية الباجواش المصرية
وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية
تقديم:
-
فوجئ العالم منذ يناير الماضي بغزو عالمي شمل كل أركان الأرض. هذا الغزو المفاجئ الذي لم تكن له مقدمات مسبقة شمل كل القارات وكافة الدول ومختلف قراها بل وكل أنحاء المعمورة، فلم يُقِم أي اعتبار للحكومات القائمة ولم يعترف بالحدود بين الدول ولم يحصل على تأشيرة تسمح له بالدخول حتى عن طريق التهرب خلسة.
-
يعد هذا الوباء من الأسباب الرئيسية لشعور البشرية بالهلع والخوف، وفي نفس الوقت ببعض التواضع للدول العظمى بعد أن ظنت أنها امتلكت ناصية العالم وغزت القمر والفضاء واستطاعت امتلاك قدرات نووية وعسكرية هائلة لا تغيب عنها أي بادرة عدائية في أي مكان من العالم.
-
هدد هذا الوباء اقتصاديات كل الدول الغنية والفقيرة، وهناك شبح ضخم للبطالة الخانقة في كل الدول متواكباً مع انخفاض صادراتها ووارداتها، كما غيَر من سلوك الناس وأظهر مكامن المشاعر الشعبوية وكراهية الأجانب، كما ازدادت ظاهرة العنصرية…إلخ.
-
أظهر هذا الوباء مدى هشاشة بعض الأنظمة الرأسمالية، إن لم يكن كلها، فقد تبين فقر أنظمتها الصحية غير المدربة لمواجهة حدوث وباء شامل والتي تعاني نقصاً في المعدات الصحية، أما الدول النامية فقد استكان أغلبها إلى هذا الوباء المدمر الذي لا تمتلك شيئاً يذكر لمقاومته.
-
لماذا إفريقيا؟ لأن هذه القارة الكبيرة التي يبلغ سكانها 1300 مليون نسمة هي التي كان يضرب بها المثل لعدم الشفافية والفساد والنظم الديكتاتورية وفقر في القوة البشرية خاصةً الأطباء وتوقع لها الجميع أن ينتشر فيها الوباء بسرعة فائقة بصورة أكبر عن الدول الغنية. ولما كانت مصر جزءاً منها الذي يتاخم العالم العربي الذي ترتبط إفريقيا معها جغرافياً وإنسانياً واقتصادياً. لذلك فإن انتشار الوباء بها سيؤدي إلى الإضرار بمصر والعالم العربي.
-
كانت مصر ورئاستها مشاركة ومتنبهة في وقتٍ مبكرٍ لتداعيات هذا الوباء. وشارك الرئيس السيسي في اجتماعين عاجلين للقمة الإفريقية وقمة عدم الانحياز، والتي دعا فيها إلى ضرورة تضافر كل الجهود الدولية لمقاومة هذا الوباء، بل وقامت مصر بإرسال بعض شحنات من الأدوية والمعدات الصحية حتى إلى بعض الدول الغنية تأكيداً على أن هذا الوباء أصبح عالمياً ويقتضي تضامناً بين كل دول العالم، إذ لا توجد دولة تستطيع التصدي له بمفردها. وقد اعتادت مصر في السنوات الأخيرة تزويد الكثير من الدول الإفريقية باللقاحات اللازمة وتدريب الكوادر الصحية الإفريقية لمختلف معاهدها.
إفريقيا:
-
يشكل هذا الوباء تحدياً حياتياً لإفريقيا، التي اعتادت لمئات السنين أن تكون موطناً لكل الأوبئة الرئيسية التي شهدتها البشرية من الكوليرا إلى الملاريا والإيدز والإيبولا والسل والحصبة وشلل الأطفال والتي تودي كل عام بحياة الملايين من السكان.
-
كان العالم يتوقع أن ينتشر الفيروس بشراسة وبسرعة مخيفة في كلٍ أنحاء القارة بما يفوق القارات الأخرى، إلا أنه فوجئ بأن مدى إصابات بعض دولها كانت أقل بكثير مما شهدته مثلاً الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
-
شهدت إفريقيا في السابق محاولات عبر منظمة الوحدة الإفريقية والإتحاد الإفريقي بالتعاون مع الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية لمقاومة هذه الأوبئة المنتشرة والمتوطنة في أنحاء القارة وحققت بعض النجاحات وإن كانت جزئية في هذا الصدد، إلا أنها لم تستطع القضاء على أي منها، وذلك نظراً لعدم الخبرة من ناحية ونقص الإمكانيات المالية من ناحية أخرى. ولكن أساساً لعدم توافر الإرادة السياسية الكافية في حشد الموارد المتاحة محلياً والتصدي لكل أجهزة الدولة وتعبئة الشعوب لاعتبار أن ذلك هو المحك الرئيسي للتقدم اقتصادياً وتعليمياً واجتماعياً وانتشال الكثير من الأفارقة من العيش في براثن الفقر المدقع. كما أن التعاون بين الدول الأفريقية نفسها لم يكن كافياً في تنفيذ الخطط التي يتفق عليها بكل إخلاص وجدية. واختبأ بعضها وراء دعاوى السيادة على أراضيها لعرقة أي تنفيذ لهذه الخطط عبر الحدود، واحتجاجها المستمر بأنها لا تملك الموارد المالية اللازمة لذلك.
-
كانت نظرة العديد من الشعوب الإفريقية إلى حكوماتها متدنية ولم يكن هناك اقتناع كبير بقدرتها على رعاية الشعوب وتوفير رعاية صحية مناسبة لها، بل إن بعض هذه الدول لم يكن لها عند استقلالها وحتى بعد مرور فترة طويلة على هذا الاستقلال إلا عدد قليل جداً من الأطباء. وهو بالمناسبة أمر حرص عليه الاستعمار السابق وعمل على تأكيده بالعمل على عدم التحاق الأفارقة بالجامعات – إن وجدت – لدراسة العلوم الطبية وكان عدد المستشفيات والمراكز الصحية في إفريقيا في أقل حالاته فضلاً عن ارتفاع أسعار الدواء إن وجد والاعتماد على الوصفات الشعبية أساساً مع غياب أي نظم للتأمين الصحي.
-
كانت ردود الفعل الأولية لظهور هذا الوباء إما منكرةً لوجوده أصلاً أو الاعتقاد بأنه لن يصبها لتواجدها بعيداً عن مصدره، أو مترددة في اتخاذ أية إجراءات حاسمة ووقائية مسبقة على أساس أنه سينتهي قريباً أم عاجلاً، لذلك تقاعست هذه الدول عن الاستعداد له مثل محاولة الحصول على الأجهزة الطبية الضرورية مثل الماسكات أو أجهزة التنفس أو أعداد أماكن كافية للعزل والكشف المبكر واتخاذ إجراءات للفحص الشامل والمتابعة والحد من انتقادات المواطنين او توعيتهم بعدم الاختلاط المباشر. بل إنها تأخرت كثيراً في إغلاق الحدود ومنع سفر وقدوم الطائرات الأجنبية والدولية.
-
بالرغم أن هناك مركزاً إفريقياً لمتابعة العدوى والأوبئة تابع للإتحاد الإفريقي ومنظمة الصحة العالمية، إلا أن الحكومات الإفريقية لم تهتم به بشكل كافٍ، أو بتوصياته، أو حتى بحثِه على إقامة برامج تدريبية كافية وقد استحدث هذا المركز ما يسمًى بخطة إفريقيا الشاملة للتصدي لأي ظهور لوباء كبير، بل وخصص القادة الأفارقة قمة خاصة في أبوجا نيجيريا عام 2001 للتركيز على الشئون الصحية في إفريقيا وأصدروا إعلاناً خاصاً دعوا فيه كل الحكومات إلى تخصيص ما لا يقل عن 15% من دخلها القومي لقطاع الصحة ولكن غالبية هذه الحكومات للأسف تجاهلت هذه التوصيات واعتبرت أنها مجرد إعلان غير ملزم. والدليل على ذلك أن تجارب بعض الدول الإفريقية لمكافحة وباء الإيبولا كانت فاشلة في معظمها لاعتقاد بعضها أنه محصور في منطقة غرب إفريقيا بصفة خاصة ولم ينتشر في بقية أنحاء القارة، وامتد هذا إلى عدم المبالاة لانتشار الإيدز في عدد كبير من الدول الإفريقية باعتباره مرضاً غريباً من صناعة الدول الغربية أو بانتشار الملاريا التي تحصد أرواح الملايين من أبناء القارة كل عام. وصاحب ذلك استمرار العادات غير الصحية والبدائية وعدم الاهتمام بالنظافة وغسل الأيدي واللامبالاة من جانب الحكومات والشعوب أيضاً. كما لم يكن لدى الإتحاد الافريقي أي نظام للإنذار المبكر يستطيع تنبيه الحكومات باحتمالات وتوقيت ظهور مثل هذه الأوبئة مما يعطي لهذه الدول فسحة من الوقت للاستعداد وتنبيه شعوبها. ومن الجدير بالذكر، أن إفريقيا تمتلك منذ إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية جهازاً يعمل على التنبؤ بالصراعات والأزمات.
-
من المتوقع خسارة الاقتصاديات الإفريقية نتيجة ظهور هذا الفيروس بما لايقل عن 20% من دخلها القومي مع تأثير الأزمة المالية الدولية التي ينتظر أن تعصف بكل دول العالم والتي سيكون لها مردود كبير على 15 دولة إفريقية على الأقل في تجارتها الخارجية التي تنحصر أساساً على تصدير المواد الخام والبترول الذين انخفضت أسعارهما فجأة بصورة قياسية، فضلاً عن انتهاء أو انخفاض عائدات السياحة وتحويل أموال المغتربين إلى دولهم والتي كانت تعتبر من أهم مصادر التمويل للحكومات حتى وقتنا الحالي، وكل ذلك في مرحلة تتزايد فيها مخاطر المجاعة في عدة أماكن من القارة وتزايد فاتورة استيراد المواد الغذائية والسلع المختلفة من الخارج. ويفاقم هذه الأوضاع حالياً انتشار موجات هائلة من الجراد في عدة مناطق من القارة الإفريقية وخاصةً في شرق إفريقيا والتي ستكون سبباً رئيسياً في حدود كوارث للإنتاج الزراعي في هذه الدول.
-
وممَا سيفاقم هذه الأوضاع الصعبة إعلان تأجيل تنفيذ الاتفاقية القارية لإنشاء منطقة تجارة حرة في إفريقيا والتي من المفترض أن تسمح بدخول السلع والخدمات الإفريقية عبر الحدود دون أية رسوم جمركية أو عوائق إدارية، وكان من المتوقع دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في شهر يوليو القادم.
-
وكما سبق ذكره، فإن هناك تساؤلات في مختلف أنحاء العالم عن أسباب تدني انتشار الفيروس في إفريقيا عن مختلف مناطق العالم، وإن كان هناك اعتقاد لدى الخبراء الغربيين ومنظمة الصحة العالمية أن إفريقيا ستشهد موجة كبيرة في المستقبل القريب لانتشار الوباء وقيل أن السبب في تدني معدل الإصابات الآن يرجع إلى تأخر وصول الوباء أساساً وليس لقيام الحكومات بالتصدي له مع الادعاء بأن الإصابات هي أكبر بكثير مما تعلنه الحكومات الإفريقية التي تفتقر إلى أجهزة إحصائية منظمة مع استمرار وجود الملايين من اللاجئين والمهاجرين في إفريقيا لا يتلقون أية رعاية صحية ولا تعليم ولا تهتم الحكومات بأمرهم، وخاصةً في ليبيا وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى والكونجو الديمقراطية والصومال وبوركينا فاسو، هذا فضلاً عن استمرار النزاعات الإفريقية المسلحة، وتزايد العمليات الإرهابية التي تحاول استغلال أوضاع تفشى الوباء.
-
ظهرت بعض النظريات التي تحاول أن تفسر قلة عدد المصابين بفيروس كورونا في إفريقيا، وأهمها أن الوباء لم ينبع من داخل القارة وإنما من خارجها، حتى من جانب بعض السياح الأوروبيين الذين كانوا في زيارات سياحية في إفريقيا وكانوا يحملون هذا المرض. تبلغ نسبة سكان إفريقيا 17% من سكان العالم، ولكن نصيبها حتى الآن من الإصابات لا يتعدى 1،1% من إجمالي الإصابات العالمية، فضلاً عن انخفاض نسبة الوفيات. وهناك دراسة أخرى تقول أن الوباء في جنوب إفريقيا مثلاً سيصل إلى ذروته إلى ما بعد سبتمبر القادم، أي أن يتوافق مع بداية شهور الشتاء، حيث أنه يزدهر عادةً في ظروف البرودة، كما يحدث في وباء الإنفلونزا العادية كل عام، والذى يبدأ مع ظهور الشتاء. من الأسباب الأخرى في رأيهم أن الوباء لا يستطيع أن ينتشر مع وجود درجات حرارة عالية أو أن يتواجد في أجواء أشعة الشمس. كما أن بعض الأبحاث البريطانية تشير إلى أن أمراض سوء التنفس هي أقل انتشاراً في المناطق الحارة والجافة. ولو أن خبراء معهد باستير في باريس لا يشاركون هذا الرأي.
-
من الأسباب الأخرى التي لم تثبت صحتها تماماً حتى الآن هو أن غالبية سكان إفريقيا هم من فئة الشباب، الذين لديهم مناعة أكبر قد يكونا اكتسبوها من التحصينات التي تلقوها في طفولتهم، مثل الملاريا والحصبة والسل. فضلاً عن عدد كبار السن في إفريقيا هم أقل بكثير من الدول الأوروبية ودول الشمال عموماً التي تنتشر فيها ظاهرة تنامي نسبة كبار السن من السكان الذين يكلفون دولهم أموالاً طائلة لرعايتهم، إذ أن مناعتهم أقل بكثير بدليل وفاة عدد كبير منهم في مراكز الرعاية الصحية. ومن الأسباب الأخرى القول بأن الأفارقة هم أقل سفراً من غيرهم من سكان العالم. ولكن كل هذه النظريات غير مؤكدة حتى الآن.
-
في خضم كل هذه التكهنات الإيجابية والسلبية نشر مؤخراً تقرير لمنظمة الصحة العالمية يتوقع حدوث 190 ألف حالة وفاة في افريقيا خلال الشهور الاثني عشر القادمة، وحدوث عشرة ملايين إصابة خلال الشهور السته القادمة، كما تتوقع المنظمة استمرار الوباء في إفريقيا لسنوات عديدة، وهنا لن تستطيع النظم الصحية في عدد كبير من دول القارة أن تكون في وضع يمكنها من مواجهة تزايد الإصابات، ويوصى التقرير أن تركز الدول الإفريقية على محاولة إحتواء الوباء بدلاً من محاولة تركيز كل الجهود للقضاء عليه والتي ستكون تكلفتها عالية جداً، كما تفتقر إفريقيا إلى القدرات أو الموارد لإجراء الفحوصات اللازمة والسريعة لاكتشاف العدوى إذ لا تتعدى الفحوصات الحالية أكثر من 23 ألف حالة لكل مليون من السكان، في حين أنها تصل إلى 685 ألف حالة في أوروبا وامريكا وآسيا.
خاتمة وتوصيات:
-
يجب التنبه من الآن إلى احتمال انتشار الوباء بشكل واسع بين الدول العربية والإفريقية المتاخمة في الحدود والتي تعتبر معبراً رئيسياً للهجرات غير الشرعية ومصدراً للعمالة في دول الخليج وفي أوروبا. ومن هنا تكمن أهمية تضافر كل الجهود للعمل سوياً عن طريق الاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية، وعلى الأخص منظمة الصحة العالمية للمساهمة في محاولة اكتشاف لقاح للوقاية من ظهوره مستقبلاً.
-
الدول العربية والإفريقية تعاني من مشاكل مزمنة من قلة مستوى التعليم وعدم وجود توعية مناسبة كافية بين شعوبها بخطورة هذا الوباء وضرورة عدم الاختلاط، بل ووصل الأمر إلى عدم الاكتراث شبه المتعمد بالالتزام بتعليمات الحكومات في هذا الصدد، وهنا يجب تكثيف جهود التوعية بمختلف الوسائل وإلى أقصى حد ممكن.
-
للوقاية من هذه الجائحة المفاجئة، يجب السعي دولياً إلى إنشاء جهاز إنذار مبكر ينبه المسئولين والشعوب في مختلف دول العالم بإمكانية ظهور أي من هذه الأوبئة لاتخاذالإجراءات اللازمة للتصدي لها، ويجب بحث هذا الامر خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال سبتمبر القادم.
-
يتوجب على الدول أن تعيد النظر في أولوياتها الاقتصادية على ضوء توقع حدوث انخفاضات كبيرة جداً في دخلها القومي والتوصل إلى اتفاق دولي لمساعدة الدول الفقيرة والنامية. فتشير الدراسات أن إفريقيا ستفقد ما يقرب من 88 بليون دولار هذه السنة مع ارتفاع ديونها من 1،8 ترليون دولار إلى 2 ترليون دولار وفقدان ما لا يقل عن 20 مليون إفريقي وظائفه.
وأخيراً، لا يمكن لأفريقيا والعالم أن يسيرا على هدى مع ما تعودا عليه قبل هذا الوباء الذي يمكن أن تكون له آثاره الخطيرة على مستقبل البشرية بل وعلى التحالفات الدولية القائمة.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهات نظر الكاتب ولاتعكس بالضرورة رؤية المجلس المصري للشئون الخارجية.