تركيا وفيروس كورونا
مايو 26, 2020الرسائل السرية المتبادلة بين ستالين وتشيرشل وروزفلت” (1-3)
يونيو 1, 2020
سفير/د. محمد حجازي
عضو المجلس المصري للشئون الخارجية
تتجاذب رؤيتان ساحة التحليل السياسي الآن وتنصباً على شكل العالم والعلاقات الدولية في مرحلة مابعد جائحة كورونا، الرؤية الأولى آملة وطامحة في إرساء دعائم وشكل جديد من العلاقات الدولية التشاركية، القائمة على العمل الجماعي متعدد الأطراف لمواجهة المخاطر والتحديات الصحية والبيئية والاقتصادية والأمنية والسياسية.
رؤية تتبنى الدعوة لعالم جديد بمفاهيم تعلي من شأن البحث العلمي وتتشارك في نتائجه، وتتبادل فيه الدول الخبرات والمعارف، والأدوات والمهمات التي تعزز قدرة الجميع على التصدي للجائحات وللمخاطر والتقلبات الاقتصادية، رؤية تؤمن بالعلم والعلماء كثروة قومية لأوطانهم ولبقية العالم.
رؤية تؤمن بأهمية الجيوش البيضاء.. والمكملة للجيوش التقليدية في الحفاظ على مفهوم تطور جديد للأمن القومي يشمل أمن المجتمعات صحياً وبيئياً يقدر الاهتمام بمفاهيم الأمن السياسة والاقتصاد كمحددات للأمن القومي.
والرؤية كذلك تُعلي من قيمة عالم خال من الحروب والنزاعات ومن أسلحة الدمار الشامل، يتفرغ للخير وللصحة العامة وللبيئة وللتنمية الاقتصادية والتكامل والبناء، وتلعب فيه مؤسسات ولجان دولية تنشأ ولتنفيذ تلك الأهداف وفي جميع المجالات دوراً محورياً في تحقيق كل هدف برؤية متجردة للكل من أجل صالح الجميع متجردة خادمة للبشرية جمعاء، رؤية صادقة متطورة تدرك قيمة عصر المعلومات ومستقبل الذكاء الإصطناعي، وماتم إنجازه من خلال العمل عن بعد وبإنجاز لايقل عن التواجد اليومى المرهون بمكاتب العمل، ودواوين الحكومة مما أراح الأفراد وخفف الأعباء على السير والمرور والبيئة وكلف الحياة اليومية ومتاعبها.
الخلاصة: رؤية لنظام جديد وعالم تشاركي متطور وفعًال متحرر من الإستغلال مؤمن بالإنسان ورفاهيته وصحته، يضع حداً للصراعات والحروب والاحتلال يبني دائمًا وينظر للخير خدمة للإنسان الذي ترك نهباً لنظام قديم قائم على استغلاله وقمعه والتضحية به والزج به في آتون معارك طاحنة واحتلالات ظالمة، مضغوطاً اقتصادياً ومهملاً صحياً، عاطلاً ولاجئاً ومتشرداً، تستنفذ طاقته لرفاهية القلة يعدم الأمن في حياته ولا ضمان لمستقبله أو مستقبل أولاده.
والرؤية الثانية هي رؤية أصحاب المصالح والدول النافذة، التي استفادت من عالم قديم سابق لكورونا هي من قهرت وتجبرت وأشعلت الحرائق والنزاعات، وحققت مكاسب على حساب دماء الشعوب وأغرقتها في مصيدة ديون لإفكاك منها فأبقت شعوب وحكومات تارة مستعمرة وتارة مستعبدة.
ولما كانت هذه الرؤية هي جوهر النظام الدولي المعاش برموزه ومؤسساته الأمنية والاقتصادية والسياسة، فلا مجال للأسبابفي شرح مانجم عنه من قهر وإستغلال واهدار لمقدرات دول ومستقبل شعوب ومآسي أخرى نعلمها ونعيشها جميعا في مناطق العالم المختلفة.
أصبحت لتلك الرؤية المتسلطة متربصون للنفاذ مجدداً لعجلة قيادة النظام الدولي، ما بعد الجائحة سيعملون على إعادة فرض سطوتهم ونفوذهم وقد يزداد استغلالهم للظروف الاقتصادية الضاغطة على شعوب ودول أخرى في مرحلة قادمة يسودها الكساد والاضطراب الاقتصادي والسياسي وسط ضغط محموم للنكوص عن مسار ومكاسب العوملة وإعلاء شأن المصالح الوطنية العنصرية والضيقة.
-
ولما كنا أصحاب مصلحة أصيلة في نظام عالمي تشاركي جديد أكثر إنسانية قائم على المبادئ والقيم التي تحمي الإنسان والشعوب، وحتى نتصدى لدعاة العالم القديم والمتربصين في جحورهم؛
-
يجب العمل من الآن على ترسيخ قيم الرؤية الأولى وصياغتها وإطلاقها في إعلان مبادئ دولي أوميثاق أوعهد دولي يشمل كل مبادئ الرؤية الأولى يحافظ ويدعو ويروج لها، ويضمن التزاماً دولياً بشأنها ويدعو لتطبيقها على الساحات الوطنية فيكون عهداً وميثاقاً دولياً يخص المجتمع الدولي والتزاماً وطنياً على الدول فرادى أو أقاليم، التمسك به وإدماجه فى الخطط والسياسات الوطنية .
– ولوضع المبادرة موضع التطبيق لا أجد مكانًا و زماناً أفضل من الاجتماع القادم للجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر، حيث تجتمع الإرادة الدولية وقادة دول العالم سواء مكانياً أو من خلال تقنية الفيديو فلندعهم يتشاورن ويناقشون عالم جديد مبني على عهد وميثاق للمبادئ التي باتت حالة وضرورية ، ومن الآن وحتى سبتمبر القادم،أدعو لأن تعمل دبلوماسيات عدة معاً وأرى مناسبة أن تكون على مستوى القمة فيتحاور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الفرنسي ماكرون، والمستشارة الألمانية، وسيجرون معاً تواصل مع الرئيس الأمريكي ترامب والروسي بوتين والصينيشي جينبينج لإطلاق هذه الوثيقة، فتكون منارة وأساس لمرحلة لا يجب وأن تكون كسابقتها.
– تكمن أهمية إطلاق هذا الإعلان في توفير الممارسات الدولية المتوجبة للمبادئ والقيم المستجدة ودعاة لها. ومع الوقت تسود وتنتشر لتزيح الممارسات الخاطئة صحياً وبيئياً وثقافياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً لعالم جديد أكثر رخاءً وأكثر اتساعاً مع نفسه ومع قيمة الإنسان وحياة البشر.
– مضمون الإعلان ” العهد- الميثاق الدولي” الذي شمل عدة وثائق صدرت في الأشهر الماضية،تضمنت العديد من المبادئ والسياسات الهامة، منها، على سبيل المثال، البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين بالرياض، والبيان المشترك للبنك الدولي وصندوق النقد علاوةً على ما تضمنته رسائل القادة والزعماء لشعوبهم من معاني ومن خلال منظمات دولية وإقليمية .
– وبعد التشاور من الآن على مستوى القمة، يكلَف كل رئيس بطرح المبادرة على باقي الرؤساء لتكوين رأي عام دولي داعم وتتبادل دبلوماسيات الدول الثلاث، مصر وفرنسا وألمانيا، حيث بات يتم تداولها للإعلان العالمي الجديد.
– ومن الآن وحتى سبتمبر القادم، يكون هناك إجماعاً دوليًا على قواعد وأسس عالمنا الجديد، وإطلاق آماله وطموحاته في صورة مبادئ قابلة للتنفيذ تأخذ شرعيتها من إجماع قادة دول العالم ومؤسساتها، ولكن سيسبق الميثاق أو العهد الدولي مكانته وتأثيره كبذرة صالحة وتنبت خير سينمو مع الأيام ويفرض آلياته وديناميكيته وبوصفه مرجعاً لعالم جديد نستحقه جميعاً.
التصور المقترح أن يبدأ الإعلان بمقدمة فلسفية رفيعة تعكس جلل العهد وتستشرف المستقبل، فيبدأ الإعلان هكذا:
“نحن زعماء العالم وقادة دولها ومسئولو مؤسساتها ومنظماتها الدولية، وممثلو المجتمع المدني ، والمنظمات الإقليمية ندرك صلابتنا المشتركة دولاً وشعوباً،نتقاسم خير هذا الكوكب ونتعرض معاً للمخاطر، ويتوجب علينا صونه وحمايته، ورفعة شأن الإنسان ورفاهيته ويتمثل التشارك وتقاسم الأعباء وتحمل المسئولية الدولية الجماعية، أن ننظر بتجرد لما تحقق من إنجازات عبر العقود الماضية ، وما أخفقنا فيه ، لنتعلم الدروس والعبر ولندعم سعينا الدؤوب نحوعالمٍ أفضل؛
عالم يتحرك كجبهة موحدة في تبادل المعلومات بشكل شفافٍ وفوري، نتائج الأبحاث والعلوم للقضاء على المخاطر المشتركة ، جبهة تؤمن بالعلم وتعلي شأن الصحة العامة والعاملين فيها وتعزيز قيمة دور منظمة الصحة العالمية، تتبادل الرأي والمشورة وتتقاسم الاحتياجات والأدوات والمهام والمعلومات، وحماية أرواح البشر ودعم وحماية العاملين في مجال الصحة؛
عالم تتكاتف فيه الأسر الإنسانية في تقديم الدعم والمساندة للشعوب والحكومات الأكثر حاجة لمواجهة الضغوط الاقتصادية المتوقعة،وحماية عمل الناس وفرصهم في الحياة الكريمة ودخولهم، واستعادة الثقة والاستقرار الاقتصادي.
دعم الشراكات الدولية والهيئات ومنظمات المجتمع المدني للتعاون بشكل تطوعي للمساهمة في جهود الاستجابة للمخاطر الصحية طرق منها الجائحات ، وتأكيد وتمويل جهود البحث والإبتكار وتمويل البحث العلمي.
خلق شراكات دولية اقتصادية أمنية وسياسية لاستعادة الاستقرار في مناطق وأقاليم العالم المختلفة، ومعالجة الخلافات والصراعات التي تزيد المعاناة وتحول دون نمو المجتمعات، وتدفع بالمزيد من الهجرات غير الشرعية، وتغذى بيئة الإرهاب الدولي.
حرصاً على أمن وسلامة المجتمعات، يكون متوجبًا على الأسرة الدولية الوقوف في جبهة واحدة ضد خطر الإرهاب ومجابهة عمليات استخدام الإرهاب والمليشيات المسلحة لتحقيق أغراض سياسية وفرض نفوذ إقليمى في مناطق مختلفة.
دعوة كل الأطراف المعنية بنزاعات بعينها، وبحضور الأطراف الإقليمية ذات الصلة،لتسوية الأوضاع الإقليمية فيما بينهما بما يحقق الاستقرار وهدف الأمن الجماعي المفقود في بعض المناطق والتي تتصارع فيها المصالح بشكل حدي لا ينظر لمصالح الآخر.
تعزيز قدرات الاقتصاديات الوطنية خاصة الدول الأكثر احتياجاً ودعم مؤسسات التمويل الدولي لها، ودعم سياسات بنوكها المركزية والعمل المشترك لتخفيف أعباء الديون خاصةً عن إفريقيا في هذه المرحلة.
تخصيص الموارد المطلوبة لحماية مجتمعات اللاجئين والنازحين فيإفريقيا والشرق الأوسط، وتقديم الحماية للفئات المعرضة للخطر وتلك الواقعة تحت الاحتلال،وكذا الدعم التنموي والتعليمي والصحي والإنساني المطلوب لها.
العمل المشترك من أجل إعلان وقف إطلاق النار في كل مناطق النزاعات وطرح حلول دولية وإقليمية تتفهم دوافع كل الأطراف وتدعوها للتفرغ للبناء والتنمية المشتركة والأمن الجماعي،ووقف نزيف الموارد والمعاناة الإنسانية، إدراكاً بأن الحرب الحقيقية هي ضد الفقر ومن أجل التنمية والاستقرار والنهوض بمقدرات الشعوب التيلامبرر لإهدارها وإهدار قيمة الإنسان.
خاتمة الإعلان:
ندعو قادة دول العالم لتقديم الدعم والمساندة لمنظمةالأمم المتحدة، والسعي المشترك لتطبيق مبادئ هذا الإعلان وتبنيه في صورة قرار أممييصدرعن الدورة الحالية للجمعية العامة، ويدعو كل الدول الحاضرة في هذه الدورة لتبنيه على المستوى الوطني، ومن خلال المجتمعات الإقليمية المختلفة.
تعرضت الإنسانية ودولنا وشعوبنا، على حدٍ سواء، لمخاطر مشتركة تستلزم العمل الجماعي من خلال رؤية جديدة مغايرة أكثر احتراماًوإلتصاقاً بقيمنا وموروثاتنا المشتركة”.
توقيع” قادة الدول المشاركة فى الدورة الحالية للجمعية العامة”
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهات نظر الكاتب ولاتعكس بالضرورة رؤية المجلس المصري للشئون الخارجية.