انتفاضة فلويد والمسألة الفلسطينية بقلم السفير عزت سعد
يوليو 9, 2020ندوة مشتركة بين المجلس والسفارة الصينية بالقاهرة
يوليو 14, 2020
لبنان كما عرفناه وتعرفنا عليه بهويته الفريدة والمتفردة ، بلد التسامح والمحبة ، بلد الالفة والمودة ، بلد التعايش والتآخى ، بلد النشاط الاقتصادى البناء ، والفكر والفن الراقى ، درة الشرق الاوسط ، وسويسرا العالم العربى . على الرغم من الصراعات والصدام الدامى أحيانا الذى شهده لبنان فى فترات سابقة ، الا ان قدرة شعبه على اعادة البناء والتشييد تفوق معدلات الهدم والتدمير . مر لبنان بأكثر من محنه ومأزق وخرج منها قويا متعافيا وهكذا سيكون .
اليوم يمر لبنان بأقسى المحن وأسوأها ، متجسدة فى تدمير مرفأ بيروت ، ذلك الدمارالذى أشبه بزلزال عنيف هز لبنان والمنطقة ليخلف وراءه مئات من الضحايا الأبرياء ، وتشريد الالاف من المواطنين الشيوخ والنساء والشباب والاطفال ، وتدمير منشآت ومؤسسات وأبنية وممتلكات عامة وخاصة ، بل وفرض ضرورة الاصلاح والتغيير إستجابة لمطالب شعبية عارمة للأجيال الجديدة . وعن عملية التدمير التى لحقت بلبنان وهى امرـ دون أن نستبق نتائج تحقيق دولى مستقل مأمول ومنشود ـ ، يصعب تصورأن تكون حدثا عارضا ، بل إنها على الارجح بفعل فاعل على عكس ما ورد فى تصريح للرئيس الفرنسى ماكرون الذى ربما قصد به عدم توجيه أو التلميح بأى إتهام لأى طرف قبل عقد مؤتمر دعم لبنان الذى دعا اليه . أما الفاعل وإن كان شبه مجهولا حتى الآن ، إنتظارا لنتائج تحقيق مرتقب ، فان الاجابة على السؤال الحاكم فى هذا الصدد هو من صاحب المصلحة فى إرتكاب هذه الجريمة الشنعاء ؟ . قد تنحصر الاجابة على الارجح على ضوء قراءة المعطيات الحالية فى إحتمالين لا ثالث لهما ، أحدهما حزب داخلى له إرتباطات ولائية خارجية ، والآخر دولة بالجوار فى حالة عداء مع ذات الحزب بصفة خاصة .
لقد عاش لبنان منذ استقلاله على تركيبه طائفية متوازنه بين مسلميه ومسيحييه ، بين طوائفه الاسلامية ونظيرتها المسيحية ، بوضعية خاصة فى اطار عالمه العربى ، وفى إرتباط بالعالم الغربى وخاصة فرنسا دولة الاستعمار السابق للبنان الذى كان تحت الانتداب الفرنسى، ونأى بموجبها ـ أى بتلك التركيبه المتوازنه ـ عن صراعات اقليمية دولية بقدر المستطاع ، ولم يكن هناك ما يعكر صفو أمن لبنان وأستقراره سوى صراعات محلية نشبت على خلفية تواجد منظمات ذات طابع طائفى ، تتبنى مسار المقاومه الفلسطينية للاحتلال الاسرائيلى كما أعلنت فى فجر التكوين ، ارتبطت آنذاك أو ربما فى مرحلة لاحقة بعلاقات عضوية بدول ذات نهج أيدولوجى طائفى اسلامى معتمدا عسكريا على مليشيات متطرفة ، وفرت لها تلك الدول الدعم المادى بالسلاح وبالمال والدعم المعنوى سياسيا فى المحافل المحلية والاقليمية والدولية ،وهى دول المحور الثلاثى ايران وقطر وتركيا ، لتنشئ على ضوء مجمل ما تقدم مليشيات خاصة بها ، على مستوى عال من التدريب والتسليح والقدرات العسكرية والمادية لتصبح فى واقع الامر دولة داخل الدولة بسيطرتها على مؤسساتها المختلفة ومفاصل الحكم فيها ، ولم يعد الامر فى حقيقته مقاومة الاحتلال الاسرائيليى ودعم القضية الفلسطينية ، وإنما الهيمنة والسيطرة على مقدرات الدولة ، ومؤسساتها ومفاصلها المختلفة ومنها المرفأ، ودانت بالولاء لدولة الملالى الايرانية ، ودولة الولاة التركية ، والدعم المالى القطرى . ولتبدأ تلك المنظمات فى الاضطلاع بدور عسكرى وسياسى بدول فى الجوار اللبنانى بالتدخل لصالح هذه الدولة أو تلك ، متجاوزة بذلك المصالح الاستراتيجية للبنان ، والوضعيه الخاصة له ، وما تم التوافق عليه ليختل التوازن القائم بين تركيبته الدينية والطائفية ، وليشهد لبنان أوضاع سياسية متأزمه ، وأوضاع اقتصادية متدهورة ، وإجتماعية متصادمة مع انتشار الفساد وتهريب وتخزين السلاح والاتجار به ، وبدا مرفأ بيروت ملاذا لدول الملالى والولاة والتى تمارس تدخلات خارجية بدول عر بية / وعربية أفريقية / وأفريقية ، كمخزن للأسلحة والمواد المتفجره للاستخدام عند المقتضى داخليا أو خارجيا .
واقع الامر أن تفجير المرفأ لم يكن سوى القشة التى قسمت ظهر البعير أى التى فجرت الموقف الداخلى وزادته إشتعالا ، فقد سبق الحادثة مظاهرات وإحتجاجات شعبية صاخبة على مجمل تلك الاوضاع المشار إليها ، مطالبة بالاصلاح والتغيير ، ومؤكدة عدم الثقة فى الحكومة القائمة وتوجيه العديد من الاتهامات لممارسات تصب فى غير مصالح الشعب ودولة لبنان ، بل ونادت بإسقاط النظام وضرورة تغييرأسسه ومكوناته القائمة على تركيبته الطائفية التى فقدت توازنها المعهود ، وأن يتخذ النظام المنشود من المواطنه والانسانية أساسا ومنطلقا . ومن هنا ليس الوضع الشائك أو المنزلق الخطر الذى يمر به لبنان اليوم هو تفجير المرفأ وما أفرزه من تداعيات سلبية بشرية ومادية ، إذ أنها أمورلها الاولوية ، وسيتم مداواتها ومعالجاتها بدعم أقليمى ودولى متنوع على غرارنموذج مؤتمر باريس ، بل ويمكن للجامعة العربية أن تطرح مبادرة فى نفس الاطار بعقد مؤتمر عربى لدعم لبنان فى المجال الانسانى وإعادة الاعمار والبناء مماثلا لمؤتمر عقدته فى الخرطوم من أجل دارفورفى عام 2007 / 2008 شاركت فيه الدول العربية ومنظمات المجتمع المدنى العربية ، إرتباطا بالعمل العربى المشترك بجانب الدور الذى تضطلع به دول عربية فى الإطار الثنائى فكلاهما أى العمل الثنائى والعمل المشترك لا يغنى أحدهما عن الآخر .
لقد كانت ثقة الشعب اللبنانى مفقودة فى الحكومة القائمة مثلما حظيت بنفس الوضع من عدم الثقة إقليميا ودوليا لحد كبير ، وتوالت استقالات وزراء لتعلن الحكومة استقالتها أيضا أمام ضغوط شعبية ، وإقليمية ودولية ، والتى تجلت فى تصريحات لرؤساء دول وحكومات ومواقف من جانبهم ومن جانب مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولى تتحدث عن توجيه المساعدات للشعب وليس للحكومة وربط أية مساعدات بعملية إصلاح وتغيير إقتصادى وسياسى .
وفى التقدير أن لبنان سيمر بمرحلة أنتقالية ستشهد عملية إصلاح سياسى وإقتصادى ووضع حد للفساد والمفسدين ، وإنهاء محاولات الهيمنة والسيطرة من الداخل والخارج خاصة لأطراف بعينها ، والتوجه نحو تفكيك جميع المليشيات ونزع سلاحها وربما دمجها فى القوات المسلحة اللبنانية او أجهزة الشرطة أو القطاع المدنى تحت إشراف إقليمى دولى ، وربما تشكيل مؤسسات الدولة فى المرحلة الحالية فى أطار التوازن الطائفى التقليدى ، لتتلوه مرحلة تالية تتخذ من المواطنه اساسا ومنطلقا لدستور جديد يحافظ على النسيج الاجتماعى للشعب اللبنانى دون تحزب أو تعصب أو ولاء أو ارتباط بقوى خارجية تهيمن وتسيطر على مقدرات الدولة وشعبها .وربما يكون ذلك كله فى المرحلة الانتقالية تحت إشراف إقليمى ودولى عبر حكومة وحدة وطنية تكنوقراطية تتوافق عليها الاحزاب السياسية لحين إجراء أنتخابات ووضع أسس جديدة لقانون انتخابى جديد .
سفير / د صلاح حليمه