ندوة مشتركة بين المجلس والسفارة الصينية بالقاهرة
يوليو 14, 2020ندوة “أزمة سد النهضة الإثيوبي”
يوليو 22, 2020فى مايو الماضى، يكون قد مضى 25 عاما على المؤتمر الدولى الذى عقد فى نيويورك عام 1995 لمراجعة معاهدة عدم الانتشار النووى ومد العمل بها لانهائيا. وترجع فكرة إبرام المعاهدة عام 1968 ــ والتى اعتمدت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (2373/22) فى 12 يونيو 1968 ــ إلى ستينيات القرن الماضى، عندما سادت توقعات بأنه فى غضون عقد سيتراوح عدد الدول المالكة للأسلحة النووية ما بين 25 إلى 30 دولة، وهو ما أدى إلى التفاوض على المعاهدة التى أنشأت نظاما قانونيا دوليا يقوم على ركائز ثلاث هى: منع الانتشار النووى، ونزع السلاح النووى وهو الهدف الأسمى للمعاهدة والاستخدام السلمى للطاقة النووية، والذى يتم من خلال إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بموجب نظام الضمانات الشامل الذى نصت عليه المعاهدة، والتى دخلت حيِز النفاذ عام 1970 وتضم اليوم أكثر من 189 دولة ليس من بينها إسرائيل والهند وباكستان، وانسحبت كوريا الشمالية منها عام 2002.
وبمناسبة مرور 25 عاما على المد اللانهائى للمعاهدة، أفرج مؤخرا عن بعض الوثائق من أرشيف الخارجية الأمريكية وجهاز المخابرات المركزية، تلقى الضوء على المناخ الدولى الذى ساد آنذاك، والتفاهم الكامل حول المد اللانهائى فيما بين روسيا يلتسين والولايات المتحدة وبريطانيا، وهى الدول المودع لديها المعاهدة، والذى أعطى لها حياة أبدية.
وتشير الوثائق إلى أنه قبل نحو ثلاث سنوات من عقد المؤتمر، بدأ التنسيق الوثيق فيما بين الدول الثلاث وتوافقها الكامل حول ضرورة المد اللانهائى مهما كلَفها ذلك، ومتابعتها الوثيقة لمواقف الدول المختلفة من المسألة من خلال تبادل المعلومات واللقاءات المنتظمة على مستوياتٍ متعددة وتوزيع الأدوار فيما بينها لجذب أكبر عدد من مؤيدى المد اللانهائى. كما تعكس الوثائق الدور المحورى الذى لعبته الولايات المتحدة فى توجيه النقاش وأجندة الأعمال التحضيرية للمؤتمر، والدور النشط لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى مراقبة مواقف الدول وإعداد سيناريوهات مختلفة عن النتائج المحتملة للمؤتمر.
ولقد ظلت المخاوف من مستقبل المعاهدة واضحة فى مناقشات الدول النووية الثلاث المودع لديها المعاهدة، إزاء خيبة أمل الدول التى لا تمتلك أسلحة نووية من عدم احترام القوى النووية أيٍ من تعهداتها بالتخلص مما لديها من أسلحة، بجانب استمرار دول غير أطراف فى المعاهدة فى تطوير قدرات نووية عسكرية كبيرة، بما فيها إسرائيل.
وتشير الوثائق إلى بعض الأفكار التى استهدفت خلخلة موقف الدول العربية وبلدان عدم الانحياز أو على الأقل «تحييدها» من خلال بناء تأييد لأوراق ثلاث حول: مبادئ وأهداف منع الانتشار ونزع السلاح النووى ــ قرار حول أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط وتعزيز عملية مراجعة المعاهدة.. وكانت تلك فكرة رئيس المؤتمر السيرلانكى «جايانثا دانابالا» الذى تم اختياره بعد تعهده للدول النووية بأنه سيكون محايدا (كوفئ فيما بعد بتعيينه نائبا للسكرتير العام للأمم المتحدة لشئون نزع السلاح).
***
وتشير الوثائق إلى انفراد الولايات المتحدة، باقتناعها بتمرير المد اللانهائى للمعاهدة رغم استمرار إسرائيل خارج نظام المعاهدة. كما بدأ الأمريكيون والروس والإنجليز فى تلقين زملائهم الصينيين والفرنسيين بشأن الخطط الخاصة بالمؤتمر وأهدافه، وأن ممثل روسيا بصفةٍ خاصة هو من تولى حث الجانب الصينى على دعم المد اللانهائى للمعاهدة، إلا أن الأخير رد «بأسلوب مستفز» بأن المد اللانهائى للمعاهدة يمثل استمرارا للتمييز بين الدول المالكة للأسلحة النووية والأخرى غير المالكة لهذه الأسلحة، مضيفا أنه من أجل جذب هذه الأخيرة من الضرورى تعديل المعاهدة. وبدت محاولة إقناع الصينيين بالمد اللانهائى للمعاهدة أمرا صعبا لتمسكهم بأن ذلك يضعهم فى موقف ضد «معظم الدول النامية». وجاء اختيار مدينة نيويورك كمقر لمؤتمر المراجعة بناءً على تقدير الجانب الأمريكى بأن المشاركة ستكون أكبر إذا ما عقد المؤتمر هناك.
وقبل أسابيع قليلة من بدء أعمال المؤتمر فى 17 إبريل 1995، كان لدى المجموعة الغربية دعم للمد اللانهائى من 92 دولة، مع «جيوب» مؤيدة من حركة عدم الانحياز. والطريف أن الوثائق تشير إلى أنه للإبقاء على تماسك الأغلبية المؤيدة للمد، كان على الولايات المتحدة إقناع أطراف المعاهدة بـ«حسن نواياها» فى إحراز تقدم على صعيد نزع السلاح النووى بما يكفل «غطاء سياسيا» يبرر دعم هذه الدول لموقف واشنطن. وتضيف أنه لضمان أغلبية الثلثين، يقتضى الأمر إحراز تقدم فى قضايا ضبط التسلح والأمن الإقليمى التى تهم الدول غير المالكة للسلاح النووى. وبالفعل وبالتزامن مع مؤتمر المراجعة كانت قد انطلقت سلسلة من الندوات وورش العمل ضمت خبراء ودبلوماسيين من مصر وإسرائيل والولايات المتحدة والأردن، استضافتها القاهرة وواشنطن وتل أبيب وعمان وغيرها، لبحث مشروع دراسة «إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط« فى إطار نظام للأمن الإقليمى. وبدأت هذه الأنشطة فى إبريل 1995 واستمرت حتى 1997 دون أن تسفر عن شيءٍ، خاصةً بعد اغتيال رابين وصعود اليمين المتطرف لحكم إسرائيل.
وقد أقر مؤتمر عام 1995 صفقة قرارات بموجبها تم مد المعاهدة لانهائيا وكجزء من ذلك دعا قرار حول الشرق الأوسط، ضمن مسائل أخرى، كل دول المنطقة للانضمام إلى المعاهدة واتخاذ خطوات عملية نحو إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى المنطقة. كما ألزم المؤتمر الدول المالكة للسلاح النووى «بإتمام التخلص الكامل من ترساناتها النووية لتحقيق «نزع السلاح النووى» عالميا، من خلال خطوات، شاركت مصر بفاعلية فى بلورتها مع مجموعة «ائتلاف الأجندة الجديدة» (البرازيل وأيرلندا والمكسيك ونيوزيلاند والسويد وجنوب إفريقيا) بهدف إضفاء نوع من العجلة والوضوح والمحاسبة على عملية نزع السلاح النووى. وأكدت الوثيقة الختامية للمؤتمر «أن القضاء الكامل على الأسلحة النووية هو الضمانة المطلقة الوحيدة ضد استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية».
***
والآن وبعد مرور 25 عاما على المد اللانهائى للمعاهدة، لم يتحقق أى شيء على الإطلاق مما تم التعهد به، بخلاف المد اللانهائى للمعاهدة بطبيعة الحال!، فلم تتحقق عالمية المعاهدة حيث ما تزال إسرائيل الدولة النووية الوحيدة فى منطقة الشرق الأوسط التى مازالت خارج المعاهدة، كما أن الدول النووية المعترف بها ماضية بحماس فى تطوير قدراتها وتحديث أسلحتها النووية، ونقل سباق التسلح فيما بينها إلى الفضاء الخارجى، وبدا التمديد اللانهائى للمعاهدة وكأنه ترخيص للدول النووية بالاحتفاظ بأسلحتها لانهائيا أيضا. وفى تبريرها لموقفها هذا يؤكد بعض هذه الدول أن البيئة الأمنية والأوضاع السياسية الدولية غير مواتية للمضى قدما فى التخلص من السلاح النووى. وقد حرصت الدول الخمس النووية وحلف الناتو على الاحتفال بالذكرى الخمسين لدخول المعاهدة حيز النفاذ فى 5 مارس الماضى معتبرة إياها «الوثيقة الدولية المتعددة الأطراف الأهم فى التاريخ المعاصر» و«مفتاح الأمن العالمى بأكمله».
هذا فى الوقت الذى تتزايد فيه الضغوط لمحاصرة الدول غير المالكة للسلاح النووى ولإنشاء نظام يحقق معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. ورغم أن هذه الأخيرة لم تدخل حيز النفاذ بعد، إلا أنه وعلى خلاف الممارسة الدولية أنشئت منظمة دولية لوضع هذه المعاهدة موضع التنفيذ. وهكذا، تقلص نظام منع الانتشار النووى – الفاقد لأى مصداقية ــ فى محاصرة إيران بالعقوبات رغم كونها طرفا فى المعاهدة. ومن المحبط فى هذا السياق، أن الدول النووية لا تكتفى فقط بعدم احترام التزاماتها بموجب المعاهدة، وإنما التعاون فى المجال النووى مع دول غير أطراف فيها ومحاولة وضع تدابير فردية وجماعية من شأنها عرقلة التعاون فى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
وتشير تقديرات عديدة إلى أن انتشار التكنولوجيات العسكرية النووية وغير النووية الجديدة الفتاكة باتت هاجسا جديا لزعزعة الأمن والاستقرار حول العالم، حيث تتوافر لدى عدد أكبر من الدول، بل وكيانات من غير الدول، وهو ما يضع نظام منع الانتشار النووى القائم تحت مزيد من الضغوط. ويعتقد البعض أنه خلال العقد القادم، مع استمرار هذا الوضع، يمكن أن تسعى عدة دول، وإن كان من غير المحتمل، للحصول على الأسلحة النووية. وتشير التقديرات فى ذلك إلى كل من السعودية ومصر وتركيا، بجانب كوريا الجنوبية واليابان وكلاهما دول «عتبة نووية»، مشمولتان بالمظلة النووية الأمريكية، بدعوى تعاظم نفوذ الصين فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ على حساب النفوذ الأمريكى فيها.
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 18 يوليو 2020 و رابط دائم :
https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=18072020&id=1ff9f568-30fd-4ca1-8b7e-76a4a127ca21