الانتشار النووي في الشرق الأوسط ما بعد إيران
أكتوبر 6, 2020ندوة وزير الخارجية والتعاون الدولى الليبى السابق السيد/ محمد الدايرى
أكتوبر 12, 2020
بتاريخ 7 أكتوبر 2020، نظَم المجلس جلسة عصف ذهني ، بمشاركة كلُ من السادة السفراء: د. منير زهران– رئيس المجلس، ود.عزت سعد-مدير المجلس، وهشام الزميتي- أمين عام المجلس، د. محمد بدر الدين زايد، ومحمد سعيد عبيد، ورخا حسن، وعبد الرحمن صلاح، ومحمد قاسم، والأستاذ/د. علي الدين هلال، والأستاذ/د. جمال عبد الجواد، والدكتور/محمد كمال، والدكتور/محمد السعيد إدريس، والدكتورة/أماني الطويل، أعضاء المجلس، والأستاذ /د. أحمد يوسف أحمد-أستاذ العلوم السياسية، جامعة القاهرة. وشارك عبر تقنية الفيديو كونفرانس كل من السفيرين: محمد توفيق، و سيد قاسم المصري- عضوي المجلس.
– بدأت أعمال الندوة بترحيب السيد السفير رئيس المجلس بالحضور داعياً للوقوف دقيقة صمت على أوراح شهداء السادس من أكتوبر وتهنئتهم بذكرى النصر المجيد، مؤكداً أن السنوات الأخيرة لم تفرق عن سابقتها في التاريخ المصري فهو تاريخ مليء بالتحديات، سواءً الداخلية أو الإقليمية وحتى الدولية. فبالإضافة لظاهرة الإرهاب والتهديدات التي تواجه الأمن القومي سواءً في سيناء وعبر الحدود مع قطاع غزة، وكذا استمرار حالة عدم الاستقرار في المشرق العربي إزاء عدم التوصل إلى تسوية تفاوضية للقضية الفلسطينية واستمرار إسرائيل في إقامة المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة، وزادت حدة التوترات مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن صفقة القرن في بداية هذا العام بالتنسيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو واعترافه بالقدس موحدة وعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، واعترافه بضم الجولان السوري المحتل لإسرائيل ، هذا ناهيك عن استفحال عدم الاستقرار في كلٍ من العراق وسوريا وتهديد تركيا لكلٍ منهما. ويضاف إلى ذلك تحديات الأمن القومي المصري وتهديد المصالح الحيوية المصرية وخاصةً بالنسبة لاستمرار تدفُق مياه النيل نتيجة استمرار إثيوبيا في استكمال بناء سد النهضة وفشل المباحثات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان للاتفاق حول قواعد ملء وتشغيل السد حتى الآن كما تواجه مصر تهديداً لأمنها ومصالحها من غرب البلاد -أي من ليبيا- ومحاولات اختراق أمن مصر عبر الحدود الغربية بتهريب السلاح والإرهابيين وضرب الاستقرار والأمن الداخلي في مصر من خلال دعم فصيل الإسلام السياسي ونشاط الإخوان المسلمين.
وقد تناول السفير رئيس المجلس التطورات الأخيرة ممثلةً في موجة التطبيع مع إسرائيل، وانعكاساتها على الملف الفلسطيني وماتمثِله من تحديَات إقليمية. كما تطرَق إلى السلوك التركي العدواني في منطقة شرق المتوسط وتداعياته على الاستغلال الأمثل لثروات المنطقة، مضيفاً أن تلك التحديات كانت وراء الدعوة التي وجهها المجلس لعقد جلسة العصف الذهني هذه.
وقد توالت مداخلات الأعضاء بدءاً بالأستاذ الدكتور/ علي الدين هلال – عضو مجلس الإدارة، الذي ذكر الآتي:
– أنه لاتوجد دولة في العالم لاتواجه تهديدات، وبالتالي علينا تجاوز أسلوب حصر التهديدات إلى منهج الأولويَات بالنسبة للأمن القومي لكل دولة، ثم القيم الواجب الدِفاع عنها. وبالنسبة للدولة المصرية يمكن القول أن قضية التنمية تمثل أولوية قُصوى بالنسبة للأمن القومي المصري، وبالتالي للتهديدات التي تمس هذه القضية لها الأولوية يليها تهديدات الإقليم.
– ومن واقع الحركة التي تتم على كافة الأصعدة بين رئاسة الدولة ووزارة الخارجية حيال القضايا المختلفة، يمكن القول أن دوائر الحركة التي تقوم بها الدولة هي المحددة للأمن القومي المصري، وهذه الدوائرهي:
– الأولى تتمثل في استخدام السلاح والقوة العسكرية لحماية الأمن القومي في سيناء وعلى الحدود الغربية مع ليبيا، وهاتان هما الجبهتان الوحيدتان التي كشفت فيهما الدولة عن أنيابها المسلحة.
– الثانية دائرة تمس السد الإثيوبي، فقيادة الدولة تتحاشى التلويح أو حتى الحديث عن استخدام القوة المسلحة وتتبنى نهج التفاوض وبناء التحالفات.
– الثالثة دائرة التعاضد وإبداء التأييد اللفظي، من خلال فتح حوارات واستضافة مؤتمرات كما هو الحال إزاء الأوضاع في سوريا والعراق واليمن والسودان ولبنان.
– دائرة رابعة روتينية يشوبها توتر متقطع في علاقاتها مع القوى الأخرى تضم منطقة الشمال الإفريقي وبعض الدول الإقليمية.
ويتم التًعامل مع هذه الدَوائرعبر عدد من الأدوات الرئيسية منها: بناء تحالفات. وفي هذا السِياق، فإن التحالف الرئيسي لمصر سياسياً وتنموياً هو (السعودية والإمارات والبحرين)، وأي حديث عن خلافات مع تلك القوى يُنظر إليها في سياق الحليف الرئيسي السياسي والإقليمي والدولي حتى عندما تتقلَص مصادره المالية. وتتمثل الأداة الثانية الرئيسية للتعامل مع تلك الدَوائر في التنسيق السياسي، كما هو الحال مع العراق وسوريا وعقد لقاءات مع رؤساء هذه الدول والوزراء والقوى السياسية، ولايظهر هذا على أنه محور سياسي، أو نوع من المغامرة تتخذها مصر للبحث عن بديل لحلفائها الخليجيين .
أخيراً تتمثَل الأداة الثالثة في حرص مصر على تبنِي سياسة خارجيَة مُستقِلَة عن حلفائها الخليجيين الثلاث، رغم التَحالف معها، من خلال خطاب سياسي مستقل وعدم التورط في أية أزمات أو حتى عمليات عسكرية إلا في حال تهديد المصلحة الأساسية للبلاد.
وفي معرض تناوله لخصوم مصر السياسيين أكد أن الخصم الرئيسي لمصر هي تركيا، في ظل تورطها في منطقة الشمال الإفريقي وتحديداً في ليبيا، وكذا في دعم الإرهابيين في سيناء فضلاً عن موقفها في لبنان (مع التركمان) ونشاطها في شرق المتوسط، تليها كلاً من إيران وإثيوبيا على التوالي ولكن لايُشار إلى استخدام القوة المسلحة لتحجيم نشاط القوتين .
وفيما يتعلق بالدائرة الإفريقية، فهي دائرة مهمة إعلامياً ورمزياً. ومع محدودية الموارد فلن تطالب مصر باستثمارات هائلة في دول القارة ولكنها مطالبة بإطلاق مبادرات لها وقع إيجابي.
أما فيما يرتبط بالدائرة الدولية، فرغم وجود شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، إلا أن مصر تجمعها اتفاقات شراكة استراتيجية مع كلٍ من الصين وروسيا والإتحاد الأوروبي، وبالتالي تلجأ مصرلتنويع شراكاتها من خلال مقومات ثابتة ومستقرة لدعم سياستها الخارجية مع إعطاء الأولوية لدائرة العمل العربي.
– أكد أ.د. أحمد يوسف أحمد أهمية التصدي لهذه التهديدات بمنتهى الحيوية ، وأنها تُمثل مجموعة متكاملة، ولم تعد تقتصرعلى تهديد رئيسي يأتي من الشمال الشرقي أي من إسرائيل، بل أضحت هناك تطورات أخرى جديدة ترتبط باتفاقية التطبيع الأخيرة بين إسرائيل وكلٍ من الإمارات والبحرين، وهي اتفاقات قد تمتد لدول أخرى وهذا يُثير قضية أكبر وهي قضية العلاقة مع الحلفاء. ويُمكن رصد نوع من أنواع الرغبة السعودية الملحة في الانفراد بالدور الأول في المنطقة، وهو مابدا في سعي المملكة لقيادة تحالف دول البحر الأحمر كنوع من أنواع هذه الهيمنة. أما الإمارات فرغم كونها حليف رئيسي لمصر إلا أن هناك بعض الجوانب المُربكة في سياستها والتغير الجديد الخاص باتفاقيات التطبيع تقتضي إثارة عدد من التساؤلات حول ما إذا كان هذا التوجه ينبع من ضغوط خارجية فقط، في ظل وجود ضغوط أمريكية هائلة وتصديرها لعدد من القضايا بما فيها مثلاً ترسيم الحدود بين الأردن وإسرائيل على أنها جزء من عملية التطبيع وإحلال السلام، مستفهماً عن مستقبل الموقف السعودي من الاتفاقية في ظل الخلافات السابقة داخل الأسرة الحاكمة حول مسألة التطبيع.
وأضاف أن اتفاق التطبيع مع الإمارات هو اتفاق جديد صياغةً ومضموناً، كما أنه يختلف عن اتفاق السلام المصري الإسرائيلي، كما يجري الحديث عن الإستفادة ممَا تمتلكه إسرائيل من مشاريع وتكنولوجيا رغم انها لاتقتصر فقط على الأخيرة في ظل وجود دول تتمتع بذات الإمكانيات وتوفر ذات المشاريع ذات التكنولوجيا المتقدمة. طارحاً في هذا السياق تساؤلاً حول مستقبل التطبيع في الخليج، فرغم أن قطر تمارس التطبيع إلا أنها تظهر موقف معين داعماً للفلسطينيين، وكذا الحال مع سلطنة عمان، والكويت التي لها اعتبارات وقيود داخلية شعبية على مسألة التطبيع رغم وجود رغبة لدى النظام الحاكم بالنهوض بعلاقتها مع إسرائيل.
وقد أشار د.أحمد يوسف إلى أن هذه التغييرات تستدعي التساؤل عن حال النظام العربي، وهل سيؤدي التطبيع لمزيد من الاستقطاب الخليجي/الإيراني، وهل من الممكن أن تكون إسرائيل الدولة الإقليمية الأخرى التي تسعى للعب دور مماثل للقوتين الأخريتين، إيران وتركيا، وهو ماسيتعارض مع المصالح المصرية، خاصةً وأن مصر تعتبر القوة الأكبر القادرة على لعب دور قوي في المنطقة، وبالتالي فأي ترسيخ لقوى إقليمية سيكون على حساب الدور المصري ، وهذه التغيُرات سيكون لها تأثيرات سلبية. وعليه فيجب الانتباه عن أن مايتردد عن أن التطبيع مع إسرائيل سيكون باباً للسلام وحل القضية الفلسطينية غير صحيح إطلاقاً في ظل وجود حديث إسرائيلي عن أن التسوية لن تكون إلا بالسلاح، بل إن هذا التطبيع سيتسبب في عدم الاستقرار ويؤثر على الموقف الفلسطيني المتذبذب والمنقسم.
وخلُص د. يوسف إلى طرح منهج للتعامل مع هذه التحديات من خلال الآتي:
-
الاستمرار في بناء القوة الداخلية والقوة العسكرية. فعملية إعادة البناء هذه مكَنت، وستُمكن، مصر من الاستمرار في لعب دور قوي حيال عدد من الأزمات وعلى رأسها الأزمة الليبية والتي تتطلب من مصر أن يكون لها دوراً فاعلاً. على أن هذا البناء لابد أن يتزامن مع عملية بناء سياسي داخلي. فهناك نقاط ضعف تتعلق ببعض الممارسات التي قد تزيد من الضغوط الخارجية والعمل على مواجهة ضعف وغياب الأحزاب والقوى السياسية.
-
التأكيد على أن مصر لايمكن أن تترك الأمور دون مواجهة، فعلى مصر أن تلعب دوراً رشيداً وفاعلاً في المنطقة.
-
ضرورة وجود عملية متابعة دقيقة ولحظية لمايحدث في المنطقة بحثياً واستخباراتياً ودبلوماسياً، لأن التطبيع قد ينطوي على مشروعات اقتصادية يُمكن أن تؤثر على المصالح المصرية، وعليه فهل سيتم رفض هذه المشروعات أم ستشارك فيها الدولة المصرية؟.
-
ضرورة وجود حوار صريح مع شركاء مصر في الخليج لإظهار التنسيق والدَعم مع مصر في بعض الأمور وإبداء القلق من بعض الممارسات. خاصةً وأن هناك مخاوف من أن تفاجأ مصر بأن تُطلق دول الخليج مبادرات للتصالح مع النظام القطري؟ وعليه فعلى مصر أن تكون مستعدة خاصةً وأن حدة نقد السلوك القطري من قبل دول الخليج قد قلت وتيرتها ، كما يجب أن تكون مصر مستعدة مُسبقاً لأي تغيُر داخلي لدى الأنظمة الخليجية وعلى رأسها السعودية المعرضة بشكلٍ كبير لتغيُرات في وضع النظام السياسي في البلاد.
-
لابد من لفت النظر إلى أن القضية الفلسطينية ستظل مصدراً للاستقرار في المنطقة، فالتطبيع لن يحل القضية الفلسطينية، وعلى مصر العمل على دفع المصالحة للوقوف أمام أية تدخلات إقليمية .
-
على مصر الاهتمام بتوسيع دائرة تحالفتها. فبالإضافة للتنسيق الثلاثي مع دول الخليج، فلابد من توسيع دائرة التحالف من خلال التنسيق مع دول المغرب العربي وشمال إفريقيا، ومحاولة حل أي تعقيدات لدى تلك الدول، ولابد من الاهتمام بإعادة سوريا للأسرة العربية فهي ركيزة للأمن العربي مهما كان نظامها وتحالفها مع إيران، ولابد من لعب دور قوي إزاء ما يجري في لبنان مهما وجدت تحفظات.
-
الاستمرار في لعب دور فاعل وهام في الدول لإفريقية خاصةً وأنها تمثل عمق استراتيجي هام للأمن المصري.
– تناول السفير/د. محمد بدر الدين زايد تأثير خطوة التطبيع على مصر، وهل من الممكن أن تليها خطوات أخرى على المدى القصير؟. وفي هذا الصدد، أكد وجود حالة من الغموض مرتبطة بحدوث تغيرات في المواقف التقليدية لعدد من الدول وعلى رأسها السعودية التي تتنازعها الأفكار التقليدية الموجودة لدى النظام السعودي والأسرة الحاكمة بضرورة التمسك بحل الدولتين والشرعية الداعمة للقضية الفلسطينية ووجود أفكار مختلفة اليوم لدى القيادات الشابة، وعلى رأسها ولي العهد محمد بن سلمان تطالب بالتطبيع والبدء بمرحلة جديدة بفكر مختلف .
وعليه فهذه التغيرات، تطرح تساؤلاً عمَا إذا كان التطبيع يعني المزيد من التراجع للدور المصري؟ خاصةً وأن ماكان يتردد في وقت سابق بأن مصر تلعب دور فعَال وقائد في المنطقة لم يكن بالصحيح. فلم تتبع مصر أي دولة حينما وقعت اتفاق السلام مع إسرائيل وحتى الدول التي لم تقطع علاقتها بها، كالسودان وسلطنة عمان، لم تتبعاها في عملية السلام. ومن هنا فهذا يعني ضرورة الوعي وتقدير حجم الدور المصري بالأساس ولابد من إدراك أن الاعتماد الذاتي على تحقيق الازدهار والتنمية الاقتصادية ينطلق من مفتاح الإعتماد على الذات، خاصةً وأن العالم يشهد العديد من التغيرات، وهناك تنافس من القوى الصغرى للعب دور. وعليه فمصر بحاجة إلى رؤية جديدة للتعامل مع الأوضاع الجديدة، وبناء سياسة خارجية تضع في اعتبارها أن تركيا الخصم الرئيسي لها، في حين تتباين وجهتا النظر السعودية والإماراتية في هذا السياق برؤية إيران الخصم الرئيسي لهما. والواقع أنه بعد ثورة يونيو 2013، كانت هناك رغبة خليجية بأن تلعب مصر دوراً فاعلاً لسد الفراغ والوقوف أمام إيران، إلا أنها فضلت لعب سياسة أكثر رشادة إزاء طهران، ومن هنا كانت التحركات الخليجية الأخيرة. ودعا السفير زايد في هذا السياق إلى استمرار الخطوات المصرية لتنويع الشركاء الاستراتيجين ومصادر السلاح والعمل على تعزيز الأوضاع الاقتصادية والاعتماد على الذات. فضلاً عن ذلك، على مصر الاستعداد لأية تحركات خليجية مستقبلية للتصالح مع قطر، مما يعني ضرورة العمل بشكل رشيد للاستجابة لأي تحديات مستقبلية وتخصيص مبعوثين ومؤسسات لإدارة الأزمات كما هو الحال في باقي الدول بهدف المتابعة المنتظمة للأزمات، وتيقُن صنَاع السياسة الخارجية المصرية بأهمية وجود رؤية مصرية تلعب هذا الدور من خلال إجراءات ورؤية حقيقية للتحرك المستمر مع الوضع في الاعتبار أن العالم قد تغير، وأن اليوم يشهد إقليم يُعاد تقسيمه بواسطة القوى القادرة والمدركة لهذا التغير.
– أكد د. جمال عبد الجواد وجود توافق كبير في الرؤى المطروحة والاتفاق حول الملاحظات الآتية:
– أن العالم يتغير، وعليه فالقواعد الحاكمة للعلاقات الدولية تغيَرت، وبالتالي فأي حديث عن التحالفات لايستوجب استدعاء نموذج التحالفات القديمة في ظل ما أصبح يسود العالم من حالة من عدم اليقين لتظهر نماذج جديدة من التحالفات بعد الحرب الباردة بحيث يكون لأطرافها مصالح تتسبب في وجود خلافات وشد وجذب بين أطراف التحالف الواحد. كما يشهد عالم اليوم قدرٌ من السيولة التي كانت الهيمنة الأمريكية تحميها في وقتٍ من الأوقات من خلال قدر من الانضباط وإقامة نظام ليبرالي دولي قائم على قواعد محددة وهو ماانتهى اليوم، لتصبح كل دولة طرف فاعل في النظام الدولي يتولى حماية مصالحه بنفسه، وحتى دخول أي دولة في تحالفات لايعني توافر تطابق تام مع أطراف التحالف، ولاحتى الثقة الكاملة بين أطرافه، ولم يعد ذلك مخالفاً لقواعد النظام الدولي في ظل مايعتري هذا النظام من فوضى، فضلاً عن حالة السيولة الشديدة التي أصابت منطقة الشرق الأوسط.
وعند النظر لما يحدث في منطقة الخليج، هناك نمط يتكرر بأن الدول الصغيرة تسعى لبناء علاقات مع دول جديدة لتتحرر من القيود التي يفرضها الجوار المباشر، وهو مابدا في التحالف القطري /التركي، وكذا الإماراتي /الإسرائيلي للخروج من الهيمنة السعودية السياسية والأمنية على جيرانها الخليجيين ومحالة لمواجهة الخطر الإيراني عبر هذه التحالفات. وعليه هناك نمط يتكرر يؤكد أن التباين القائم ما بين العالم العربي وقوى الشرق الأوسط لم يعد ذو قيمة تحليلية كبيرة، في ظل إقليم مخترق والبدء في بناء تحالفات مابين الأطراف العربية والجانب الشرق أوسطي تسود فيه قوة القوى الإقليمية في ظل ماتشهده الدولة العربية من حالة من الضعف والانهيار.
وفي معرض تناوله للتطبيع الإماراتي/الإسرائيلي، دعا للتريُث في تحليل الاتفاق الخاص بذلك متوقعاً عدم استمرار حماس اليوم بين الإمارات وإسرائيل على المدى المتوسط خاصةً وأنه لو كانت هناك رغبة في ذلك، فهناك داخل إماراتي وثقافة سياسية وشعبية متأصلة لاتعبر عنها الأغاني بل هي انطباعات شعبية متأصلة تقف حائطاً مهدداً لصمود هذا التطبيع . وينطبق ذات الأمر مع باقي الشعوب العربية وعلى رأسها الشعب الفلسطيني الذي لن يقبل بهذا التطبيع ، وعليه فهذا الأخير، حتى لو تم بين دول المنطقة واليوم مع الإمارات، سيمتاز بكونه تحالفاً أمنياً بالأساس، وقد لايمتد إلى الجوانب الثنائية الأخرى للعلاقات بين البلدين خاصةً وأن ماتمتلكه إسرائيل تمتلكه دول أخرى.
مختتماً حديثه بالتاكيد على أن على مصر أن تكون الطرف القوي الفاعل المتزعم الدفاع عن القضية الفلسطينية، بما تمتلكه من حدود مشتركة مع الجانب الفلسطيني والإسرائيلي ، والوقوف امام أية أدوار تركية أو إيرانية، ولكن هذا الدعم والدور يتطلب من مصر إعادة تعريف القضية الفلسطينية من مبدأ التطبيع والسلام في ظل مايجمع مصر بإسرائيل من اتفاقية سلام وليس من مبدأ الممانعة الذي تتبناه تركيا وإيران. ومن هذا المُنطلق يجب على مصر العمل على رعاية المصالحة الفلسطينية وتوفير تسهيلات للفسطينيين حال تمامها. ومن ناحية أخرى، على مصر الاستمرار في عملية البناء الداخلي وتجاوز فكرة الدولة الريعية المعتمدة على الخارج والمتواجدة منذ عقود، وهو مايُساعد في تقليل حدة الخطر القائم من إقامة مشاريع لوجيستية وخطوط أنابيب ممتدة بين إسرائيل والإمارات قد تؤثر على قناة السويس. داعياً إلى ضرورة العمل على حماية المصالح الوطنية المصرية بغض النظر عن مدى التطابق مع موقف الحلفاء الخليجيين، كما يسعون هم لبناء مصالحهم الوطنية.
– أكد د. محمد كمال أن العالم يمر بحالة من السيولة والتغيرات الضخمة الواجب على مصر التعامل معها، حيث أصبحت القوة اليوم مرتبطة بالتقدم التكنولوجي وهناك دول رائدة في هذا المجال كالصين، التي لم تعد تخضع للمفاهيم القديمة الحاكمة للنظام الدولي، وفضلاً عن ذلك بدأ العالم يشهد تغيُراً هاماً ارتباطاً بتضاؤل الاعتماد الدولي على البترول كمصدر أساسي للطاقة، والتحول لمصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، الأمر الذي تسبب بآثار سلبية على بعض الدول المعتمدة على البترول كمصدر أساسي للدخل والثروة ولممارسة نفوذها في العالم.
ويضاف لهذين المتغيرين، متغير يرتبط بعودة دور الدولة بشكل أكبر في مشروعات التنمية والتخطيط، وإحياء مصلحة الأمن الداخلي وحماية الدولة الوطنية وانحسار مفهوم الأمن الإقليمي والعالمي .
وعليه فهذه المتغيرات تعني المزيد من الانكفاء على بناء الداخل وتحقيق المصلحة الوطنية وفق رؤية شاملة لإعادة البناء السياسي والاقتصادي وبناء عناصر القوة الناعمة، وهو مايتطلب مزيداً من الحوار المفتوح والتوافق على العناصر التي يقوم عليها نموذج الدولة القوية، وهو مايستوجب إعادة صياغة لمفهوم المصلحة الوطنية المصرية وأن تكون مكتوبة وموثقة ولايعني ذلك الكمون أو التدخل الزائد بل المفهوم السائد اليوم وهو التدخل الانتقائي وفقاً لموارد الدولة المحدودة. ووفقاً لهذا المفهوم فإن أولويات مصر تقوم على:
-
تعزيز مكانة مصر الدولية من خلال لعب دور قوي وفعَال في الإقليم حتى تتمكن من لعب دور فعَال في العالم ، خاصة وأن لعب مصر دور فاعل في جوارها الإقليمي المباشر في ليبيا والسودان والقضية الفلسطينية وغير المباشر، نظرا لارتباط ذلك بأمن مصر القومي المباشر وعلى مصر أن يكون لها دور كبير في هذا الصدد.
-
أهمية إضطلاع مصر بلعب دور أكبر في المنطقة العربية، وبخاصة في كل من سوريا واليمن ولبنان ولايُقصد بذلك أن يكون دوراً عسكرياً بالضرورة، بل من خلال إطلاق مبادرات لحلحلة الأوضاع ، فضلاً عن الانفتاح على الدائرة المغاربية والاهتمام بالعمل العربي المشترك في ظل تراجع الاهتمام العالمي بالعمل المشترك.
-
العمل على إعادة الاعتبار لعناصر القوة الناعمة المصرية والقدرة عل توليد المبادرات .
أما فيما يتعلق بدائرة النطاق الجغرافي الأكبر (تركيا- إيران- إثيوبيا)، أعرب الدكتور كمال عن عدم تأييده لنظرية أن تركيا خصم رئيسي لمصر خاصة وأنها كانت في عهد النظام الأسبق صديقاً وحليفاً لمصر ومع رحيل الرئيس مبارك تورطت نتيجة لتحالفها مع الإسلام السياسي، واليوم هناك أنباء تتردد عن رغبة تركية في التوافق مع مصر ، لاسيَما وأن ممارساتها في منطقة شرق المتوسط مُوجَهةً بالأساس لكلٍ من قبرص واليونان. أما على صعيد علاقاتها مع إيران، فإن هذه الأخيرة قد تكون ورقة يمكن لمصر استخدامها للعب بذكاء مع دول الخليج خاصةً وأن طهران لاتمانع من أي دور مصري، وكما نعلم فقد رحَبت بوجود مصر في مؤتمر آستانا، وذات الأمر بالنسبة لإثيوبيا خاصة وأن الحوار المصري رشيد وهناك مساحة للتوافق..
ودعا للاستفادة من الدعوة الفرنسية لإقامة شراكة مع دول جنوب المتوسط لمواجهة مايراه ماكرون اليوم بأن الإسلام الأصولي هو المُهيمن، وإمكانية أن تكون مصر قائدة للإسلام التنويري في جنوب المتوسط. وأضاف أن هناك حاجة لإعادة النظر في علاقات مصر مع القوى الكبرى في ظل تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة، والحرص على أن تؤثر العلاقة مع الصين على الولايات المتحدة واليابان والهند، وكذا النظر في مساحة العلاقة مع روسيا ومستقبل تلك العلاقة.
مختتماً حديثه بالتأكيد على أن الخطوة الإماراتية للتطبيع مع إسرائيل تأتي وكأنها هدية لحملة ترامب الانتخابية بهدف استمالة الطائفة الإنجيلية لدعم ترامب، ومن ناحية أخرى يعني هذا الحراك أن للمنطقة قادة جدد لهم رؤية مختلفة ومتحمسة ويسعون للعب دور إقليمي فعَال وسط تراجع قضية الصراع العربي الإسرائيلي وتقديمه كصراع فلسطيني إسرائيلي مع تآكل للبعد العربي وتراجعه كأولوية من على أجندات القادة الجدد منوهاً لأن التطبيع ذو تأثير محدود على مصر وكذا على العلاقات المصرية/الأمريكية، خاصةً وأن كلاً من الإمارات والسعودية لاتستطيعان لعب دور فعَال ومؤثر لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة، فضلاً عن أن المنطقة لم تعد ذات أولوية استراتيجية في السياسة الأمريكية، داعياً مصر لصياغة أسس جديدة لعلاقتها مع الولايات المتحدة. ومع ذلك على مصر التحوُط من الآثار الاقتصادية لاتفاقية التطبيع هذه في ظل مايتردد عن إمكانية تهديد بعض المشروعات المُزمع إقامتها على إيرادات قناة السويس.
– نوه السفير/ رخا حسن إلى أن تغوُل بعض القوى الإقليمية في المنطقة هو أمر ناتج عن فراغ نتيجة لتراجع الدور المصري ليحل محله أطراف أخرى كما أن غياب البعد السياسي في الرؤية المصرية يؤدي لسلوكيات بعض الدول. وعليه فقد نوَه إلى أن مصر بحاجة لنموذج تنمية اقتصادي متكامل بدلاً من الاعتماد الحالي فقط على تنمية البنية التحتية لجذب الاستثمارت، خاصةً وأن المستثمر ينظر دوماً لآلية اتخاذ القرار وعليه فمصر بحاجة للاهتمام ببناء عناصر القوة الشاملة للدولة وعلى رأسها دوائر صنع القرار السياسي في البلاد والتركيز على النواحي الإنتاجية. فضلاً عن الحاجة لتوحيد التيار المدني للوقوف خلف الدولة المصرية، والعمل على إشراك كافة مؤسسات الدولة المصرية في عملية صنع القرار السياسي وهو مايتطلب عملية بناء سياسي لمؤسسات الدولة.
أما فيما يتعلق بالموقف العربي، والذي يفتقر للتنسيق مع الموقف المصري، هناك حاجة لإعادة النظر في التداعيات السياسية والاقتصادية المستقبلية لأية تغيرات محتملة خاصةً وأن مصر لايمكنها معاداة بعض التغيرات كاتفاقيتي التطبيع الأخيرة في ظل وجود اتفاق سلام مع إسرائيل.
– الحاجة لإعادة النظر في السياسات الراهنة والمتبلورة حول محاربة الإرهاب والإخوان المسلمين خاصةً في ظل انحسار نفوذهم والبدء في اتخاذ سياسات تتناسب مع المتغيرات المحيطة بالدولة المصرية ، خاصةً وأن جمود السياسات المتخذة وتبلورها حول محاربة فصيل الإسلام السياسي أينما كان يضر بعلاقات مصر بعدد من الدول وعلى رأسها دول المغرب العربي والتي يمثل الإخوان المسلمين فيها فصيلاً هاماً وأساسياً وسيلعبون دوراً في رسم مستقبل هذه الدول حتى ولو كان محدوداً، وعليه فالسياسات الحالية قد تكلف الدولة المصرية ثمن ساسي كبير.
أما فيما يخص الدائرة الدولية، وتحديداً علاقات مصر مع الولايات المتحدة، فمصر ليست بحاجة لتأييد طرف على حساب الآخر في الانتخابات الأمريكية. وليس صحيحاً القول بتراجع المنطقة في أجندة الاهتمامات والمصالح الأمريكية خاصةً وأنها لاتزال ذات أهمية حيوية للاستثمارات الأمريكية وممرات الطاقة، كما لايمكن تسوية أية أزمات في المنطقة بدون تدخل أمريكي .
– من جانبها أكدت أ.د. أماني الطويل أن مصر حرصت خلال الفترة الماضية على تعزيز قوتها العسكرية ولكنها لاتزال تفتقر النموذج والذي يمكن أن تقدمه للدول الإفريقية مما يجعل حجم التلاقي مع الأخيرة محدوداً، كما أن سوء الفهم والإدراك لحقيقة تطورات الأوضاع في تلك الدول مكَن دول أخرى من تقديم نموذج سياسي لتلك الدول أكثر قبولاً رغم افتقاره للمصداقية وربما الاستمرارية.
وأضافت أن العلاقات المصرية بدول القارة مرَت بمرحلتين: الأولى في فترة التحرر الوطني، والثانية لمحاربة العنصريَة في جنوب إفريقيا، وهاتين المرحلتين لم يعد لهما وجود. ومن الضروري إدراك أن العلاقات المصرية اليوم هي في إطار الاتحاد الإفريقي الذي هو منظمة ضعيفة وتابعة، وعليه فالتماهي المصري مع الاتحاد الإفريقي لتحسين علاقاته بالدول الإفريقية مسألة تحتاج لإعادة طرح نموذج جديد ومبادرات لحل المشكلات في إفريقيا والنموذج المقترح يقوم على التسامح والاندماج الوطني وتعزيز الاستقرار للدول وتعزيز قدرتها الشاملة لمواجهة التهديدات والتفكير في المشروعات الثنائية على المستوى السياسي بشكل أساسي وتحديث أدوات السياسة الخارجية المصرية.
أما فيما يتعلق بالمتغيرات الخاصة بعناصر قوَة الدول، فهناك حاجة لمعرفة كيف يمكن التعامل مع هذه المتغيرات في ظل مانعانيه من ضعف في أحد الأركان الأساسية وهي التعليم ، واتخاذ سياسات تقوم على حرمان قطاعات كبرى في الشعب من مجانيَة التعليم والذين بهم يكون التغيير والحداثة.
وفيما يتعلق بمسألة التطبيع، حذرت د.الطويل من خطورة مسألة التطبيع على الأمن القومي المصري، وبصفة خاصة المصالح المصرية في منطقة القرن الإفريقي خاصة وأن البحر الأحمر يُمثِل بعد استراتيجي هام في السياسة الخليجية، فضلاً عن قضية المياه في ظل تواجد استثمارات خليجية كبرى في إثيوبيا وفي منطقة حوض النيل، ولايخفى ماتردد بقوة بأن دولة خليجية كانت سبباً في تغيُب إثيوبيا عن اجتماع واشنطن الأخير للتوقيع على الاتفاق الخاص بسد النهضة الذي تم بوساطة أمريكية.
مختتمةً حديثها بالتأكيد على أهمية العمل على بناء نموذج جاذب والعمل على تحقيق التقدم في مجالات التنمية البشرية وتوسيع دائرة الرأي العام والمجتمع المدني المُشارك في عملية صنع القرار، خاصةً وأن القوة الصلبة لم تعد الأداة الوحيدة والأجدر على مواجهة التحديات الراهنة.
– في سياق ماسبق، قدَم السفير/ عبد الرحمن صلاح عدد من المقترحات ذكر أنها ضروريَة لبناء قوة الدولة وقدرتها على مواجهة التحديات تقوم على:
-
الحاجة إلى إتاحة فرصة أكبر لإنطلاق الاقتصاد المصري وتعظيم قدرته على المنافسة وفقاً لقواعد السُوق.
-
الحاجة لاستفادة مصر من قدرتها على تطوير الحوار والخطاب الديني والتنوير والحداثة من خلال مؤسسة الأزهر، والكف عن إرضاء السلفيين.
-
لابد من العمل على بناء تيار سياسي قوي غير حكومي لمواجهة التيار الإسلامي لما سيحققه ذلك من مصلحة وطنية.
-
يجب إقامة حوار مع الدول التي يُنظر لها على أنها تلعب دوراً إقليمياً لبناء علاقات معها بما يتوافق مع المصالح المصرية، فمع إسرائيل نتشارك في مواجهة الإرهاب، وفي تركيا من خلال قنوات اقتصادية هامة وقنوات الحوار والفكر، والعمل بشكل أكبر من خلال قنوات المنتديات التي تبحث هذه المتغيرات كسبل لفتح قنوات للحوار مع تركيا وفقاً لشروط وتوجهات الدولة المصرية.
– في معرض حديثه عن الدور الإقليمي لمصر، بدأ الأستاذ/د. محمد السعيد إدريس، مداخلته بالتأكيد على أن المجلس لابد وأن يلعب دوراً هاماً في مناقشة الأوضاع والمتغيرات الراهنة وإصدار توصيات يتم رفعها لصانع ومتخذ القرار المصري للنظر في كيفية التعامل مع التحديَات ذات الصِلة.
وارتباطاً بمسألة التطبيع مع إسرائيل أكد على أن الحدث شهد حالة من التضخيم الإعلامي ، رغم كونه حدثاً سياسياً مرتبطاً أساساً بالانتخابات الأمريكية بالدرجة الأولى، في حين أن الدافع لدولة الإمارات كان بهدف إظهارها على أنها دولة فاعلة اقتصادياً وسياسياً وتسعى للعب دور فاعل في الإقليم. وعليه فالإمارات أخطأت في حساباتها في إقامة علاقات معه إسرائيل للاستفادة من تقدمها العلمي والتكنولوجي ولكن لم تحسب تبعات الموقف بدقة، خاصة وأن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه التصرفات بل ستستخدم أدوات الضغط المناسبة للوقوف أمام أي تمدد إسرائيلي في منطقة الخليج .
وفيما يتعلق بالدور المصري، أكد أهمية استعادة هذا الدَور من خلال استكمال عملية البناء الداخلي، وأن هناك حاجةً أيضاً لأن تصوغ مصر نموذج اقتصادي لاقتصاد قوي قائم على الزراعة والصناعة والتصنيع العسكري، بدلاً من فكرة الاقتصاد الريعي، وأن تعمل الدولة على بناء منظومة سياسية جديدة وعدم الاكتفاء فقط بالمعالجة الأمنية للأزمات وبناء تعدديُة سياسيَة حقيقيَة للوقوف أمام التيار الإسلامي ومن ثم بناء القوة الصلبة والناعمة ومنظُومة التعليم والصحة. كما يجب على مصر السعي من جديد لبناء تحالف عربي /عربي والتأكيد على أن بناء السلام هو الخطوة الوحيدة التي يمكن من خلالها السماح لإسرائيل بأن تذوب في العالم العربي ، والحذر من إعطاء مؤشرات لدولة الاحتلال بالتسليم بأن الأرض لهم وأن الاعتراف بشرعيتها لايُمثِل مُشكلة.
كما أن على مصر العمل على تأمين جوارها المباشر والمُساهمة الفعَالة في تحقيق السلام في السودان وليبيا وكذا الجوار الشرقي والحفاظ على أمن منطقة البحر الأحمر وتعزيز العلاقات وبناء تحالفات مع القوى الحضارية (العراق وسوريا) خاصة وأن هذا التحالف القديم هو أساس الهوية، ولم يهوي هذا التحالف إلا في لحظة ضعف هذه الدول ، سمحت لدول أخرى بالصعود.
وبانسبة لعلاقات مصر الإقليمية فيجب إدارة حوار رشيد وفعَال مع طهران ما يحقق المصالح المصرية، وينصرف الأمر أيضاً إلى العلاقات مع تركيا. وعلى الصعيد الدولي، فإن على مصر استمرار سياستها الراهنة القائمة على تنويع شراكاتها الاستراتيجية.
– تطرق السفير/هشام الزميتي إلى أدوار الفاعلين من غير الدِول، مشيراً إلى أن التنظيمات الإرهابية لاتزال تتمتع بقوة كبيرة في العديد من الدول، كما هو الحال في القارة الإفريقية في منطقة الصحراء الكبرى التي تستغل ماتتمع به هذه الدول من موارد غير مستغلة ، وتستفيد من حملات نشر الإسلام في هذه الدول للتحالف مع فصائل الإسلام السياسي ومد نفوذها في تلك الدول عبر حصولها على الدعم والتمويل من العديد من القوى الإقليمية التي تستخدم هؤلاء الفواعل للعب دور في منطقة الصحراء الكبرى الأمر الذي قد يؤثر على مصر.
– دعا السفير/محمد سعد عبيد إلى أنه بحكم سابق عمله سفيراً لمصر لدى دولة الإمارات فإن يعتقد في أهمية إعادة النظر في علاقات مصر بها وصياغة مفاهيم وأسس جديدة للعلاقات المصريَة مع عدد من الدول الخليجية الحليفة، مؤكداً أن الأمر ليس مجرَد رد فعل بعد اتفاقيتي التطبيع الإماراتي والبحريني بل لأن ممارسات بعض هذه الدول تهدد المصالح المصرية. وأوضح السفير عبيد أن هذه الخطوة من مصر لاتعني الصدام مع الإمارات أو غيرها بل إرساء أسس جديدة لهذه العلاقات وتوضيح المصالح المصرية وأولوياتها. وأضاف أنه حتى رغم مايبدو من تحالف إماراتي /سعودي، إلا أن بينهما العديد من الخلافات بعضها يتعلق باتفاقيات تاريخية حول الحدود بينهما فضلاً عن ما بدا بشكلٍ واضح في الأجندة الإماراتية فيما يتعلق بالأزمة اليمنية، منوهاً في هذا السياق إلى أن التحرك الإماراتي يُحكم بعددٍ من الأسس منها: العداء الشديد لفصيل الإسلام السياسي، ومن هنا كانت نقطة الالتقاء مع مصر بعد ثورة يونيو 2013، ولكن لايجب استمرار التماهي مع الموقف الإماراتي خاصةً وأن هذا قد يُؤثر سلباً على الموقف المصري وعلاقات القاهرة الإقليمية.
– تحدث السفير/محمد توفيق مشيراً إلى أن دول العالم، في ظل التحديات الراهنة، بدأت تُقدِر أنها مهددة باستمرار، وهو ما أدى إلى شعور كلٍ منها بأن جيرانها يتآمرون ضدها، وتنطلق هذه الإشكالية الأولى من أن كل دولة تتخذ موقفاً دفاعياً من خلال رؤيتها بأن كل تصرُف يُتخذ يُهدِد مصالحها، وفي ظل التغيرات الراهنة يظل اليمين الشعبوي محور هذا التهديد، وسيظل العالم ينتقل من أزمة لأخرى أكثر تهديداً. ومن هنا تستوجب هذه التهديدات من مصر تحرُكاً أكثر فاعلية والإسراع في عملية البناء الذاتي سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً، وبالتالي فأي تأخير في ذلك من شأنه المزيد من تهميش الدور المصري.
أمَا الإشكالية الثانية فتقوم على أن القوة الكبرى في العالم، وهي الولايات المتحدة، لاتتفاعل بشكلٍ جدي مع هذه التطورات وهو مايعود للعديد من الأسباب، منها ماهو داخلي ترتبط بوجود صراعات وانقسامات داخل المجتمع الأمريكي وأخرى خارجية تتعلَق بعدم رغبتها في التورط في المزيد من الأزمات داخل المنطقة ورؤيتها أن هذا التورط يهدد مواردها. وعليه فالموقف الأمريكي – وبغض النظر عن الإدارة القادمة- سيكون مضطرباً مابين تدخلي في مرحلة ومنسحب في مراحل أخرى وفقاً للتفاعلات الداخلية. وفي ظل هذا الاضطراب في السياسة الأمريكية، فإن مصر في حاجة أكبر لدور أمريكي فاعل سواءً في أزمة السد أو حيال الأزمة الليبية وغيرها من أزمات المنطقة، وحتى القضية الفلسطينية التي هي في حاجة لدور مصري أكثر فاعلية يختلف عن الموقف التقليدي، ويكون بالتنسيق مع الولايات المتحدة، خاصةً وأن المرحلة الراهنة ستشهد المزيد من التطبيع، والذي سيكون المُكوِن الرئيسي في التفاعلات العربية /الأمريكية.
وفيما يتعلق بالشق الإقتصادي الذي تنطوي عليه صفقة القرن، فهو لايرتبط فقط بالصراع الإسرائيلي/الفلسطيني، بل هو تصور اقتصادي مستقبلي أوسع للمنطقة، وهذا الشق يهم المصالح المصرية بالأساس خاصةً وأنه يضم أمور ترتبط بمصادر دخل أساسية للاقتصاد المصري، فضلاً عن مايرتبط به بأبعاد سياسية.
وفيما يتعلق بإتجاه دول الخليج للتطبيع فلايمكن لمصر وقف هذا المسار، ولكن يجب إيضاح حدود الموقف المصري، كما يجب علينا اتخاذ تحركات استباقية للتعامل مع احتمالات التعاون الاقتصادي المتوقع بين إسرائيل ودول الخليج، خاصةً وأن هذا التعامل يتطلب تأهيل الرأي العام .
مختتماً حديثه بالتأكيد على أن العلاقات المصرية/الأمريكية أساسية حالياً ومستقبلاً، وتحتاج لأن تأخذ مصر في اعتبارها أهمية التعامل مع كافة الأطراف والمؤسسات الأمريكية وعدم الانحياز لأي من الأطراف الداخلية على حساب الآخر، والسعي لأن يكون لمصر توغُل حقيقي داخل المجتمع الأمريكي بشكلٍ أكبر وبأدوات جديدة.
– أكد السفير/السيِد قاسم المصري أن الدور الإقليمي لمصر يرتبط بشدَة بموقفها من القضية الفلسطينية وضرورات الحل العادل لها (حل الدولتين على حدود 1967 والقدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية…إلخ). وأنه إذا كان الخليج يُريد أن يحشد ضد إيران ويتقي خطرها، فإن حل القضية الفلسطينية سيسلب إيران أهم الركائز التي تستند إليها لتدخلاتها في المنطقة. وكمثال فقط ماكان لحزب الله اللبناني أن تقوم له قائمة لولا المشكلة الفلسطينية، حيث أن سنده الأساسي مصطلح “سلاح المُقاومة” الذي صفق له الشعب العربي من المحيط إلى الخليج يوم أجبر إسرائيل على الانسحاب دون ثمن. وبالتالي مهم للغاية الحفاظ على الدور المصري في الشأن الفلسطيني حتى لاتسد جميع المنافذ أمام الفلسطينيين لإجبارهم على التوجه نحو حلفاء إسرائيل الجدد في الخليج علماً بان حل المشكلة الفلسطينية هي مسألة وثيقة الصِلة بالأمن المصري وترتبط بشدَة بتمترس وتجذُر الإرهاب في سيناء. ويعتقد البعض أن الترتيبات الأمنية خاصَة في المنطقة (ج) ضمن معاهدة السلام هي التي أدت إلى توطُن الإرهاب العالمي في هذه المنطقة.
– كذلك تم التأكيد على أن استعادة دور مصر الإقليمي يبدأ بنفوذها في دول الجوار، ولايجب في هذا السياق، تجاهل حقيقة أن موقف مصر عبر التاريخ ونفوذها الإقليمي كان ولازال يُقاس، ليس بعلاقات الصَداقة مع أوروبا ولاحتى مع أمريكا، بل بمدى تأثيرها في مُحيطها الإقليمي، بما في ذلك التأثير على الفلسطينيين.
وقد اختتمت أعمال الجلسة بتأكيد السفير/عزت سعد-مدير المجلس على عدد من النقاط التي تُمثِل أهم ماخلُصت إليه:
-
أبدى المُشاركون ثقتهم في سياسة مصر الخارجية ومُحدِداتها ودوائر حركتها، وحقيقة أن قضية التنمية الشاملة تُمثِل الأولويَة القُصوى لهذه السِياسة لارتباطها الوثيق بالأمن القومي المصري. وفي هذا السياق، تمَت الإشارة إلى سياسة تنويع الشراكات الإستراتيجية التي تتَبِعُها مصر مع القٌوى الكٌبرى في العالم. كما أشاد المُشاركون بالتوجُهات المستقلَة في سياسة مصر الخارجيَة، خاصةً سياستها تجاه الحلفاء الخليجيين، من خلال خطاب سياسي مُستقل وعدم التَورُط في أزمات أو عمليَات عسكريَة إلاَ في حال تهديد المصالح الأساسية للبلاد.
-
أن مشكلة لعب مصر دور إقليمي فاعل ترتبط بشكلٍ أساسي بعملية إعادة البناء الداخلي والتعامل مع التحديات القائمة على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والإجتماعية ، والتخلي عن الطرق التقليدية في التعامل مع هذه المشاكل (التفكير خارج الصندوق)، خاصةً وأن مصر تُواجه تحديَات جديَة لايُستهان بها للنهوض بمؤشرات التنمية البشرية فيها وبصفة خاصة تلك المُتعلِقة بالبيئة الاقتصادية وجذب الأعمال والتعليم والصحة والبحث العلمي واستخدام العلوم والتكنولوجيا في إدارة البلاد وغير ذلك الكثير، وهي مؤشرَات لاتتفق إطلاقاً ومكانة مصر ورصيدها الحضاري والثقافي الكبير في منطقتها والعالم.
-
أن تحالف مصر مع السعودية والإمارات أصبح – بدرجةٍ ما- قيداً على سياسة مصر الخارجية، ولابد من إقامة حوار صريح مع هاتين الدولتين وتحديد إلى أي مدى تتوافق المصالح أو تتضارب، خاصةً وأن الشواهد اليوم تدل على أنها متضاربة، فمثلاً الاستثمارات الإماراتية في أرض الصومال، بجانب كونها أصبحت معرقلةً لوحدة الصومال تخدم مصالح إثيوبيا حيث مهَدت هذه الاستثمارات طريقاً لإثيوبيا لكي تنفذ منه على ميناء بربرة على طول 30 كم. وحتى في ليبيا لعبت الإمارات دوراً مستقلاً ودون التنسيق مع الدور المصري في بعض الأحيان، كما سعت السعودية لإقامة تحالف يضم دول البحر الأحمر للعب دور قيادي في المنطقة دون تنسيق كافٍ مع مصر.
-
تحدَث مُعظم المشاركين عن حاجة مصر لبناء تحالفات جديدة مرنة لاتقوم بالضَرورة على توافق كامل في المصالح وإنَما يكفي التوافق على مصلحة بعينها والتمسُك بالموقف المصري حتى لو خالف مواقف الحلفاء الآخرين.
-
أكد المشاركون أن تراجع نفوذ مصر الإقليمي ارتبط بتراجع قوتها الناعمة، وأن المطلوب هو استعادة مقومات هذه القوة الناعمة بما فيها مختلف الفنون والسينما والمسرح والموسيقى والغناء.
-
أن التطبيع مع الإمارات هو التطبيع الأمثل الذي طالما حلمت به إسرائيل، ولم تستطع تحقيقه مع مصر أو الأردن، 40 عاماً من السلام البارد والقاصر على العلاقات الرسمية. أما الإمارات فقد اندفعت ومنذ البداية في شراكة استراتيجية وتعاون في جميع المجالات.
-
يجب أن تسعى مصر لدعم وتفعيل دور الجامعة العربية بما يُحقق الأهداف والمصالح المشتركة للدول الأعضاء بعيداً عن الهيمنة واحترام سيادة واستقلال هذه الدول وعدم التدخل في شئونها.