مصر وبايدن رئيسًا … السفير عبد الرؤوف الريدي

فى معركة انتخابية غير مسبوقة فى حدتها وغرائبها على منصب الرئيس الأمريكى يخرج منها نائب الرئيس الأمريكى السابق جوزيف بايدن الفائز، ويستعد الآن بل قبل الآن لمرحلة انتقال السلطة على ساحة أمريكية أصبح المجتمع الأمريكى يعانى فيها من استقطاب وانقسام حاد تطل فيه أشباح الماضى العنصرى لأمريكا.

سيحتاج الرئيس المنتخب بايدن كل الخبرة والمساعدة والمساندة من جانب النخبة الأمريكية بما فيها وربما من أهمها نخبة القيادات فى الحزب الجمهورى ليس فقط فى الكونجرس، ولكن أيضًا على ساحة القيادات السياسية الشعبية والفكرية لترميم ما جرى، وسيكون هذا الموضوع الشاغل الأهم ليس فقط للقيادات الأمريكية بل أيضًا للقيادات العالمية التى تعرف أن إعادة الاستقرار للولايات المتحدة جزء من مهمة الحفاظ على سلام العالم وأمنه؛ وهذا موضوع كبير يستحق المتابعة بطبيعة الحال بل المشاركة فيه من جانبنا.

ليس هذا هو الذى أركز عليه فى هذا المقال.. وقد أعود إليه فى ضوء ما يستجد من تطورات، خاصة فيما سيفعله الرئيس السابق دونالد ترامب وأنصاره فى الأسابيع القادمة.. ولكننى أركز فى هذا المقال على ما أرى أنه يتعين علينا نحن أن نستعد له فى التعامل مع الحقبة القادمة فى أمريكا والتى ستختلف جذريًّا عن حقبة الرئيس السابق ترامب.

الرئيس الأمريكى الجديد لديه خلفية كبيرة فى الشؤون الخارجية فقد كان رئيسًا للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ لسنين طويلة.. وهو صاحب مواقف معتدلة. وأعتقد أن الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى كان أول رئيس عربى يهنئه سيعمل بدبلوماسيته الذكية والهادئة على إقامة علاقة عمل جيدة معه.

مع ذلك فهناك قوى أخرى ليس أقلها شأنًا قوة نائب الرئيس كمالا هاريس.. والتى أعتقد أنها ستلعب دورًا مهمًّا ونشطًا فى رئاسة بايدن وهى على أية حال قد أصبحت ذات شأن كبير بدخولها فى الدائرة الرئاسية وقد تأتى يومًا رئيسًا للولايات المتحدة، وإذ تأتى هاريس من المجتمع الأسمر سواء الأمريكيين الأفارقة أو الأمريكيين من أصل آسيوى.. فهى جزء مهم الآن من قيادات هذا المجتمع إن لم تكن هى قائدته الفعلية وسيكون من المهم بطبيعة الحال إقامة علاقة عمل معها.

وعند الحديث عن المجتمع الأسود فى أمريكا.. يظهر الدور المهم لأعضاء الكونجرس جميعًا، وأشير بوجه خاص إلى الأعضاء من أصل إفريقى.. وسيكون أهم هؤلاء ما يسمى بالمجتمع الأسود «البلاك كوكس» Black Caucus والذين بلغ عددهم خمسة وخمسين عضوًا فى مجلس النواب الماضى وعدده «435 عضوًا» بما يعنى أنه كان يمثل ما يقرب من 13% من مجموع أعضاء مجلس النواب وتلك هى الكتلة التى حاولت إثيوبيا استقطابها لتتحرك ضدنا فى قضية سد النهضة الحيوية لنا، واستغلت فى ذلك القس جى جاكسون الذى كان فى الماضى صديقًا لمصر.

إلا أن إثيوبيا لن تكون وحدها التى ستحاول استعداء هذا التجمع علينا معتقدة أن فرصتها فى ذلك أكبر فى الإدارة الجديدة بل ستكون هناك أيضا جماعة الإخوان التى ستحاول استعداء هذا التجمع بل تحقيق المزيد من اختراقه عن طريق الجمعيات الأمريكية «الإسلامية».

هذا عن ساحة الكونجرس المهمة وصاحبة التأثير الكبير فى مسار السياسة الأمريكية.

لن يكون الكونجرس وحده هو الساحة التى يجب أن تجذب اهتمامنا، ستكون هناك مراكز البحث، وخاصة مراكز البحث ذات التوجه الحزبى الديمقراطى، ومن بينها ما له تأثير فى المجتمع مثل مؤسسة بروكنجز وتوجهاتها المناهضة لنا فى الأعوام الماضية، وغيرها من مؤسسات ومراكز أبحاث نحتاج إلى التواصل معها. وبالإضافة إلى مراكز البحث ذات الطابع الحزبى هناك مراكز أبحاث مهمة ليست لها توجهات حزبية مثل معهد ودرو ويلسون المدعوم من الكونجرس، وقد انعقدت رئاسة للنائب المحترم وصديق مصر لى هاملتون لعدد من السنين بعد أن ترك منصبه فى مجلس النواب الأمريكى، ومثل «معهد السلام» الذى يتلقى الدعم أيضًا من الكونجرس وهناك بطبيعة الحال مجلس العلاقات الخارجية الذى يلعب دورا مهما وليست له صفة حزبية.

أحذر هنا من مقولتين أولاهما أن أمريكا هى دولة مؤسسات، وبالتالى فإن سياساتها لن تتغير.. المصالح الأمريكية ثابتة بطبيعة الحال ولكن الرؤية تختلف باختلاف القائمين على هذه السياسات وما يؤثر فى هذه الرؤية ليس ثابتًا بل يتغير بتغير الأشخاص والأفكار.

أما النقطة الثانية فهى القول بأنه يمكن شراء «لوبى» يتولى أمورنا والدفاع عنها فى الكونجرس وغيره.. واقع الأمر أنه ليس هناك من يقوم بهذا الدور سوى المصريين أنفسهم وأولهم سفير مصر فى واشنطن، ثم يأتى دور المصريين العارفين بشؤون الكونجرس، ومع ذلك يمكن الاستعانة ببعض المكاتب المتخصصة فى متابعة شؤون الكونجرس مثلًا ومتابعة ما يجرى بشأنها فى دوائر الكونجرس ومكاتبه، وهناك بطبيعة الحال مراكز الأبحاث المصرية والمجلس المصرى للشؤون الخارجية والغرفة التجارية المصرية الأمريكية صاحبة التاريخ العريق فى التواصل مع الكونجرس.

أكتب هذا المقال لإثارة الاهتمام ولكنه لا يمكن أن يكون مقالًا وافيًا، فهناك المزيد والمزيد مما هو مطلوب من دراسة وبحث وعصف ذهنى.

نحن أمام شىء جديد ومختلف عن عهد ترامب ولن يكون من المفيد أن يقال إن بايدن هو نائب رئيس أوباما السابق وإنه سيسير على نهجه.. أزعم أن كل رئيس جديد هو جديد بفكره وبمن حوله والمهم هو أن نعمل على الساحة الأمريكية لكسب الأصدقاء والتواصل مع كتل مساندة وهى ساحة تتقبل بل تكافئ من يعمل عليها ويتواصل معها ويحاول أن يؤثر فيها.

نشر بجريدة المصري اليوم بتاريخ 11سبتمبر 2020 ، ورابط:

https://www.almasryalyoum.com/news/details/2085599