
رفع السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب
ديسمبر 15, 2020
ندوة “التعاون العربى – الأفريقى… الفرص والتحديات”
يناير 5, 2021بتاريخ 23 ديسمبر 2020، استضاف المجلس السيد/ نصر الدين المفرح أحمد، وزير الشئون الدينية والأوقاف بالسودان، للحديث عن التطورات الحاصلة فى بلاده منذ اندلاع الثورة السودانية الشبابية في ديسمبر 2018، وذلك برفقة كلٍ من د./ عبد الرحيم آدم، رئيس مجمع الفقه الإسلامي السوداني؛ د./ عادل حسن حمزة، الأمين العام لمجمع الفقه؛ أ./ عبد العاطي أحمد عباس، الأمين العام لديوان الأوقاف الإسلامية بالسودان؛ أ./ منتصر عباس، الأمين العام لمجلس الحج والعمرة؛ أ./ محمد يوسف، مدير عام إدارة الأوقاف بولاية الخرطوم؛ و أ./ عبد العزيز صادق، قسم الإعلام والمراسم بوزارة الأوقاف السودانية. وقد افتتح الندوة السفير د./ منير زهران، رئيس المجلس، وشارك فيها عددٌ من السفراء والأكاديميين المعنيين بالشأن السوداني من أعضاء المجلس.
هذا، وقد استهل الضيف حديثه بإبداء عميق شكره للمجلس على تنظيم الندوة، مشيراً إلى أن هناك علاقات تاريخية وثيقة تسمها الأخوة والمودة بين كلٍ من مصر والسودان وشعبيهما. وفى سياق حديثه عن الثورة السودانية التى اندلعت فى ديسمبر 2018، والتطورات اللاحقة لها، أشار إلى أن إرهاصات تلك الثورة ليست حديثة وإنما تعود إلى عام 1989، حينما تولَّى الرئيس السابق عمر البشير حكم البلاد، واتخذ منحىً جائراً فى حكمه بتفضيل أتباعه ذوي الانتماء الإخوانى على غيرهم فى الوظائف والمعاملات الاجتماعية، فضلاً عن عمله على أدلجة المجتمع السوداني المكوَّن من 517 قبيلة، حتى تمكَّن باستعمال طرق الفساد من نشر أنصاره فى كافة مؤسسات الدولة، بما كوَّن دولة عميقة تتغلغل فيها العناصر الإخوانية.
وأضاف الضيف أن البشير قد ناقض بفعله ذلك ما ذكره فى أحد خطاباته فى عام 1991، من أنه يريد تحقيق أهداف ثلاثة، هي: إحداث السلام فى السودان، وحفظ وحدة البلاد، وإعادة الإسلام المعتدل إليها. إذ إن الأحداث أثبتت أنه لم يحقق سوى الفتنة فى البلاد، وإثارة النزاعات والصراعات بين الأقاليم السودانية، بما أفضى فى نهاية المطاف إلى استقلال جنوب السودان، هذا فضلاً عن تعميق الفكر المتطرف والإرهاب فى البلاد عبر فرض مناهج دراسية متشددة واهتمام كبير بميزانية الدفاع، حتى أن 70 % من موارد الدولة كانت مخصصة لها، فيما تم استنزاف الشباب المتعلمين باعتبار أنهم كانوا يشكلون نحو 96 % من حملة السلاح فى مناطق كردفان ودارفور وجنوب السودان. هذا كله إلى جانب إدراج اسم السودان على قوائم الدول الراعية للإرهاب، بما انطوى عليه ذلك من تداعياتٍ سلبية غاية فى الصعوبة على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية فى البلاد.
ومن ثَمَّ، جاءت الثورة السودانية فى ديسمبر 2018 لتشكل لحظة فارقة فى عمر الأمة السودانية، كمحاولة للتخلص من نظام البشير وآثاره. وبعد نجاحها، أولى القائمون على إدارة الفترة الانتقالية الجارية اهتمامهم إلى هدفين رئيسيين؛ أحدهما آنى يتمثل فى إعادة السودان إلى الساحة الدولية عبر إزالة اسمها من قوائم الدول الراعية للإرهاب، والاشتغال على معالجة العوامل التى أدت إلى إدراجها على تلك القوائم مثل انتهاك حقوق الإنسان والاعتقالات التعسفية… إلخ. أمَّا الآخر فهو استراتيجي ذي أبعادٍ متعددة، منها استرداد الأموال المنهوبة من قِبَل النظام المنقضى وإزالة الفساد من مؤسسات الدولة وتمكين الشباب والمرأة فى تلك المؤسسات… إلخ.
ومما يدعو إلى التفاؤل حول مستقبل السودان أن الهدف الأول قد تم تحقيقه بنجاح على إثر القرار الأمريكي بإزالة اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، فضلاً عن اتخاذ الكونجرس قراراً بالحصانة السيادية تجاه السودان؛ لكي لا يكون عرضة لأية قضايا مستقبلية خاصة بالإرهاب، إلى جانب اعتماد 931 مليون دولار كمساعدة مباشرة لدعم اقتصاد السودان. من جهة أخرى، فإن التطورات المنوطة بتحقيق الهدف الاستراتيجي وأبعاده تتخذ طابعاً إيجابياً ملحوظاً، بما أسفر عن حدوث تقدم كبير فى عمليات تصحيح الأوضاع فى السودان، وإصلاح الكثير من المفاسد التى اقترفها النظام السابق أثناء حكمه الجائر. فعلى سبيل المثال، تم إعادة توزيع موارد الدولة التى كانت مخصصة لمسائل الحرب والدفاع (70 %) وصرفها فى أوجهها المستحقة لها، حيث أصبح مجال التعليم يستأثر الآن بنحو 34 % منها بعد أن كان يحصل فقط على 2 % أيام البشير، وكذا الحال فى مجال الصحة.
فى سياقٍ متصل، تم تشكيل “لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال” والتي استطاعت استعادة أكثر من 48 عقاراً استولى عليها النظام المنقضى بطريق غير شرعية، وذات قيمة إجمالية تبلغ 397 مليون دولار. كما أصدر مجلس الوزراء قراراً بإعادة المفصولين تعسفياً من وظائفهم خلال الفترة الممتدة من عام 1989 إلى الخدمة المدنية، وتعويضهم عن الأضرار التى لحقت بهم، فضلاً عن إيلاء الرعاية أيضاً إلى أولئك العاملين فى مشروع الجزيرة السوداني، الذين يربو عددهم على 200 ألف عاملاً، والذين لم تكن لهم أية حقوق فى عهد نظام البشير، رغم أهمية ذلك المشروع فى الاقتصاد السوداني.
هذا، وأعاد الضيف التأكيد على عمق العلاقات المصرية – السودانية، رغم ما شابها من توترات خلال عهد الرئيس السابق عمر البشير، داعياً إلى ضرورة العمل معاً على النهوض بالبلدين والتخلص من العقبات الماثلة أمام تحقيق ذلك الهدف.
على إثر ذلك، شهد النقاش عدداً من الاستفسارات حول تلك التطورات وموقف السودان وإجراءاته بشأن عددٍ من القضايا، من أهمها:
-
هل توجد استراتيجية معينة لدى السيد الوزير لتصحيح الصورة التى أخذها الغرب عن السودان، بكونه داعماً للإرهاب وقامعاً للحريات… إلخ، لاسيما فى ضوء تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة – وغيره – بشأن الإرهاب الذي يقترفه مسلمين، بما يوحى بأن هناك نوعاً من الغموض أو الخلط بين الإسلام كدين وممارسات بعض الجماعات الإسلامية التكفيرية… فهل هناك تفاعل سوداني مع القيادات الغربية فى هذا الشأن، وكذلك مع المنظمات الدولية الإسلامية لتعميق التعاون والتشاور حول سبل مكافحة التطرف والإرهاب؟
-
انطلاقاً من الدور الكبير الذي تلعبه آليات تنمية المجتمعات المدنية فى القضاء على التطرف والإرهاب، هل هناك اهتمام من قِبَل القيادات السودانية المعنية لتلك المسألة؟
-
هل هناك تصور لدى القيادة السودانية الحالية بشأن ما يحدث فى إقليم التيجراى الإثيوبي منذ 23 نوفمبر الماضي؟
من جانبه، قدَّم الضيف ردوداً موجزة على النحو التالي:
-
هناك بالفعل العديد من الأعباء التى تقع على كاهل القيادات السودانية عند التعامل مع قضية الإرهاب ومحاولة تصحيح الصورة النمطية العدوانية التى أخذتها الدول الغربية عن السودان. ولكن باندلاع ثورة ديسمبر 2018، فإن المسار أضحى يتغير تدريجياً لصالح هذا التصحيح، بما ساهم فى إيجاباً فى محاولات مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف فى السودان. ولقد دلَّ على ذلك شطبُ اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، ومنحها الحصانة السيادية ضد أية دعاوى قضائية تُرفَع ضدها فى هذا الصدد. وغنىٌ عن الذكر أن هذا الإجراء سيسهم كثيراً فى تعديل الانطباع الغربي عن السودان فى هذا الملف.
-
والواقع أن هناك أدياناً ومعتقدات عدة فى السودان. ونظراً للمعاملات الودودة التى يُظهِرها المسلمون فيما بينهم ومع الطوائف الدينية الأخرى، تحولت أغلب الكنائس السودانية إلى مساجد، على مدار العشر سنوات الماضية. بل إن هناك أقاليم سودانية كاملة تحوي بيوتاً يعيش بها مسلمون ومسيحيون معاً فى عائلة واحدة. ومن جانبها، شرعت وزارة الأوقاف على توثيق المظاهر الوسطية للإسلام، عبر تعديل المناهج الدراسية، بالتعاون مع وزارة التعليم، لتوضيح مبادئ الدعوة وأدب الحوار والخلاف والتسامح، بدلاً من التركيز على آيات الحرب والقصائد الجهادية. كما تم حظر برنامج “ساحات الفداء”، وهو أحد أهم البرامج الإعلامية التى كان يعتمد عليها النظام السابق فى تحقيق مآربه، عبر بث دعاوى باطلة يُرَاد منها استنفار الناس واستنزاف ثرواتهم ومواردهم. فى سياقٍ متصل، تسعى وزارة الأوقاف إلى ابتعاث قوافل دعوية وثقافية وإعلامية إلى أقاليم السودان المختلفة، بل وخارج السودان، لإيضاح صحيح الدين. ولقد تم الاتفاق مع الوزارة المصرية المناظرة توقيع بروتوكول تعاون ثنائي لمناهضة التطرف والغلو والجماعات التكفيرية عبر نشر عدد من القوافل المعنية وتعزيز دورها حتى تؤتى ثمارها على النحو الأمثل.
-
بالنسبة لعلاقة السودان بإثيوبيا، فإنها علاقة تاريخية قديمة جداً، يسمها الهدوء أحياناً والتوترات أحياناً أخرى. والحق أن الصراعات الحاصلة فى إقليم التيجراى الإثيوبي قد أفادت الخرطوم كثيراً فى استعادة الأقاليم السودانية التى احتلتها أديس أبابا من قبل، بل ومكَّنتها من المطالبة بترسيم الحدود مع إثيوبيا، وهو ما جرى الاتفاق عليه مؤخراً.
-
هذا، ولقد أسفرت جهود الإصلاح التى اضطلعت بها الحكومة الانتقالية عن جذب نسبة لا بأس بها من الاستثمارات الأجنبية إلى السودان؛ إذ إن هناك نحو 15 شركة استثمارية كبرى من ألمانيا وعدد من الدول العربية عاملة الآن فى السودان، بما يسهم مستقبلاً فى نهوض الاقتصاد السوداني.
من جانبه، أشار سفير السودان لدى القاهرة/ محمد إلياس إلى أن المجتمع السوداني يشهد خلال المرحلة الراهنة تطورات مهمة على كافة الأصعدة، كما أن روح التعددية السياسية أضحت تثبت نفسها إلى حدٍ كبير، دلالة على أن السودان يمكنه المضي قدماً فى مرحلة التغيير والإصلاح. وعلى الرغم من التسليم بأن المرحلة الانتقالية فى أي من بلدان العالم تتسم بالسيولة والهشاشة، إلا أن إمكانات وأفق السودان توفر له فرصاً كبرى لتحقيق أهداف البناء والتقدم. ولا ريب فى أن هذه العملية تتطلب تعاوناً وثيقاً مع الفواعل الدولية المتعددة، وفى مقدمتها الجمهورية المصرية التى تُعَد جزءاً عضوياً وثيق الصلة بأرض السودان. ومن ثَمَّ، يجب التأكيد على ضرورة تعزيز أواصر التعاون بين الجانبين واتخاذ مواقف مشتركة تجاه القضايا الإقليمية والدولية المُلِحَّة، والتي من بينها قضايا الإرهاب والتطرف.