في ندوة “التعاون العربي – الأفريقي… الفرص والتحديات” مصر لا تجد العائد المناسب لمساهمتها الكبيرة في ميزانية الاتحاد الأفريقي
يناير 5, 2021سياسة «بايدن» تجاه العالم والشرق الأوسط
يناير 15, 2021
سفير / د صلاح حليمه
إضافة إلى ما ورد فى الفصل الخاص بقضية دارفور فى كتاب ” كتابية ” ، لمعالى عمرو موسى الامين العام الاسبق لجامعة الدول العربية ، أسجل عددا من الوقائع والتطورات ذات الاهمية البالغة من حيث المغزى العميق والدلالات الواضحة ، لما شهده السودان الشقيق بصدد قضية دارفور، وذلك من واقع تواجدى على الارض فى السودان كمبعوث للجامعة العربية الى السودان ، لمدة ما يقرب من تسع سنوات ( 2007 ـ 2016 ) ، بموجب قرار من قمة عربية على خلفية مبادرة من معالي الامين العام آنذاك عمرو موسى . تحددت مهمة المبعوث فى الاضطلاع بدور محورى فى تسوية أزمات السودان السياسية ، ودعم أوضاعه الانسانية بما يرفع المعاناه عن أبنائه فى الولايات السودانية محل الصراع المسلح بين الحكومة وحركات التمرد آنذاك ، وعلى نحو تأكد معه وربما لأول مرة فى تاريخ الجامعة العربية ، وعلى غير هوى ميثاقها أنها ليست جامعة للحكومات فقط وإنما أيضا للشعوب .
1 ـ طرح مبادرة للجامعة العربية لدعم الاوضاع الانسانية فى دارفور فى سابقة لم تحدث من قبل فى تاريخ الجامعة العربية ، وكذا تعيين مبعوث خاص للجامعة العربية فى السودان فى سابقة هى الثانية والانجح بانجازاتها من سابقتها فى تاريخ الجامعىة العربية ( الاولى فى الصومال ) وذلك للاسهام سياسيا فى تسوية قضية دارفور ، باعتبارها قضية عربية مثلما هى قضية أفريقية . تمت دعوة الاتحاد الافريقى والامم المتحدة للإنضمام إلي المبادرة ، ولكن قفزت قطر عليها آنذلك باتفاق مع السودان فى إطار توجهاتهما السياسية الاسلامية ، وتولت قطر إدارتها ” كوسيط ” بقدر من الكفاءة والإقتدار ، والذى كانت قد برعت فيه آنذاك ـ دور الوسيط ـ قبل أن تسقط فى محور ايران تركيا .وقد تعززت إدارتها بالدرجة الاولى بدور محورى للوسيط الاممى المشترك ” باسولى ” وبامكانياتها المادية التى استثمرت فى تفعيل المبادرة على نحو أو آخر سواء مع السودان أو مع قيادات دارفورية متمرده ، وبشخصية آل محمود وزير الدولة للشئون الخارجية القطرى الذى يتمتع بقدر من الحكمة والحنكة السياسية .
2 ـ تم عقد مؤتمرعربى لدعم الاوضاع الانسانية فى دارفورعام 2007 ، تحت رعاية الجامعة العربية ومنظمات غير حكومية ، حضره معالى الامين العام ، والرئيس عمر البشير منذ بدايته حتى نهايته ، وتم جمع حوالى 400 مليون دولار . تم توجيه جزء من تلك الحصيله للغرض الذى أنعقد عليه المؤتمر ، ومن أبرز ما تم أنجازه ـ وافتتح الامين العام بعضا منه فى زيارته الثانية لدارفور ـ قرى نموذجية مكتملة الخدمات ( حوالى عشرين قرية ) وثلاث مستشفيات ، ومشروعات إنتاجية زراعية ، تشجع فى مجملها على عودة اللاجئين والنازحين . وقد أضحت فيما بعد النموذج المحتذى به من جانب عدد كبير من الدول العربية والاتحاد الاوروبى وتركيا …..، وأنبهر بها الجنرال جريشون مبعوث الولايات المتحدة للسودان آنذاك والذى التقى بمعالى الامين العام بمكتب معاليه بالقاهره ، وطرح فى لقاء جمعنى معه وقيادات سودانية ، بترتيب مسبق فى زيارة ميدانية الى دارفور، رؤية تحت مسمى مثلث جريشون الحضرى الذى يربط ولايات دارفور الثلاث ـ آنذاك ـ بطرق فيما بينهم تقام حولها قرى نموذجية مقترنه بمشروعات إنتاجية زراعية تشجع عودة النازحين واللاجئين والاقامة بشكل دائم فى إطار من الامن والاستقرار. إكتنف الغموض مصير الجزء الآخر من حصيلة الدعم ، وتردد آنذاك أن بعضا من هذا الجزء لم يرد للسودان بدعوى أن دولا لم تف بما وعدت به، مثلما لم يرى مشروع جريشون النور لموقف الادارة الامريكية من السودان آنذاك ، والتى أنهت مهمة جريشون .وهو مشروع قد يرى السودان حاليا اعادة تقييمه ودراسة جدواه وامكانية تنفيذه حيث يوفر قدرا كبيرا من التعايش القبلى الأيجابى والبناء محل الصراع القبلى السلبى المدمر .
3 ـ تم طرح مبادرة شخصية من جانب المبعوث لدعم الاوضاع الانسانية فى المناطق التى تحت سيطرة الحركات المسلحة فى جنوب كردفان والنيل الازرق فى إتساق مع شمولية رؤية معالى الامين العام دور الجامعة العربية آنذاك بالتوجه نحو الاهتمام بالجانب الانسانى لدعم الشعب السودانى ورفع المعاناه عن أبنائه ، وكان ذلك عقب ترك سيادته لمنصبه . وقد لقيت المبادرة ترحيبا وتأييدا كبيرين من المجتمع الدولى وحركات التمرد دون الحكومة السودانية فى البداية ، ولكن أمام ضغوط ومواقف اقليمية ودولية ، والتأكيد على مسئولية الدولة السودانية ومؤسساتها القائمة عن حياة مواطنيها فى كافة الولايات بما فيها مناطق النزاع قبلتها فى وقت لاحق على مضض ، خاصة وأن حال انفاذها سيكون لها مردود سياسى ايجابى على فرص تسوية النزاع فى تلك المناطق . ظلت المبادرة مرتبطة باسم شخص المبعوث فى الاطار المحلى والاقليمى والدولى لحين أفصحت الجامعة العربية ـ بعد صمت طال مداه ـ عن تبنيها لها ليصدر قرار من مجلس الامن رقم 2046 لعام 2012 ، يشيد بالمبادرة ( بعد أن أضحت ثلاثية بانضمام الاتحاد الافريقى والأمم المتحدة اليها ) ، ويدعو الاطراف السودانية والمجتمع الدولى للتعاون لانفاذها .
4 ـ كانت رؤية معالى الامين العام بصدد المحكمه الجنائية الدولية ، تقضى بضرورة تعامل السودان معها ولو بشكل غير مباشر عن طريق مكتب محاماه دولى من منطلق أن المحكمة ستظل تلاحقة وتقيد تحركاته وهو ما حدث بالفعل ، على عكس رؤية القيادة السياسية السودانية أى البشير التى إرتأت إزدراء المحكمة بل وتجاهلها ، مع السعى سواء فى الاطار الثنائى ، أو فى الاطار المتعدد ( الاتحاد الافريقى والجامعة العربية ) ، على تبنى موقفا مناوئا على النحو المتقدم ، بل وحث دول اعضاء بها على الانسحاب منها ، وحث غيرها على عدم الانضمام اليها باعتبارها تستهدف دول العالم الثالث ، وأنها مسيسه ، وتتسم مواقفها بازدواجية المعايير . وقد سبق لقاء الامين العام مع البشير لقاء مع الدكتورمصطفى عثمان نصح فيه الامين العام بتجنب اثارة موضوع المحكمة الجنائية فى لقائه مع الرئيس ، مشيرا الى ان البشير سيثور ويغضب بشده ( من المعروف أن البشير ينتمى الى قبيلة الجعليين المعروف عنها سرعة الانفعال والغضب ….وربما هو الامر الذى حرص فيه البشير ان يكون على عثمان طه المنتمى الى قبيلة الشيقيين المعروف عنهم الذكاء والهدوء …..نائبا له . ) . وقد تعرض الامين العام عقب المقابلة لهجوم وانتقادات موجهة بصحف سودانية ضد شخصه بعبارات وضيعه ، قابلها سيادته بتلقين وزير الخارجية على كرتى درسا قاسيا بمكتب الامين العام وبحضور طاقم القائمين على ادارة الملف بالجامعة ( السفير سمير حسنى ، والمستشار زيد الصبان ) ، وكان الوزير فى حالة يرثى لها من الضياع لا يجد ما يرد به .
5 ـ لعب العامل النفسى دورا لا يقل أهمية عن العوامل الاخرى التى أدت الى انفصال الجنوب ، فقد ظل أبناء الجنوب يعانون من النظره الدونية التى يتعامل بها أبناء الشمال معهم ، خاصة فى الاجهزة والمؤسسات الرسمية، فى تفرقة بدت وكأنها بين عرب وافارقة ، وقد أستخدمها الغرب بتضخيمها على نحو مبالغ فيه ، فى تعزيز مطلب الانفصال ، بجانب العوامل القبلية والدينية والثروات الطبيعية فضلا عن تهميش الجنوب فى كافة المجالات . كان تقدير المبعوث أن الانفصال قادم لا محالة، ولن يجدى معه العمل على تفعيل خيار الوحدة الجاذب (اطلق البعض عليه “الكاذب”)، وأن إداعاءات كبار المسئولين السودانيين بما فيهم وزير الخارجية على كرتى آنذاك فى اجتماعاتهم مع المندوبين الدائمين فى الجامعة ، وكنت من بين الحضور ، بثقتهم فى تصويت أبناء الجنوب لصالح خيار الوحدة تفتقر الى أية مصداقية أو أساس سليم ، فقد إنحصرت فى إدعاءاتهم بوعود ـ واهية ـ من قيادات قبلية وسياسية جنوبية بمواقف تدعم هذا الخيار . وقد توافقت آراء القائمين على الملف فى الجامعة على تقديرالمبعوث فى إجتماع عقده معالى الامين العام معهم للتعرف على رؤيتهم وتقديرهم للموقف . وقد حضر هذا الاجتماع المرحوم السفير بن حلى نائب الامين العام ، والسفيرالقدير سمير حسنى مدير ادارة أفريقيا ، والمستشار النشط زيد الصبان بمكتب الامين العام .
لقد حظيت الجامعة العربية آنذاك بمكانة ومنزله غير مسبوقه لدى الشعب السودانى ، وخاصة فى مناطق الصراع بين الحكومة وحركات التمرد ( دارفور ، جنوب كردفان ، النيل الازرق ، شرق السودان ) وبين أعضاء المجتمع الدولى من الدول والهيئات والمنظمات الاقليمية والدولية ، فضلا عن اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الافريقى برئاسة تامبو مبيكى ، التى تتولى ادارة ملفات السودان ، وقد كانت تعزف من قبل وعن عمد عن دعوة الجامعة العربية للمشاركة فى اجتماعاتها . لقد جاء هذا التطور على خلفية الجهود التى بذلت والمبادرات التى طرحت ،والانجازات التى تمت من جانب الجامعة العربية ،حيث شكلت فى مجملها رصيدا ضخما لدى الشعب السودانى ، تجسد فى أحدى صوره فى استقبالات شعبية حافله للامين العام ابان زيارته لدارفور ، وإحتفاء بالمبعوث وبكبار المسئولين بالجامعة ابان أى زيارة لاى من الولايات محل الصراع .