بمناسبة دخول معاهدة حظر الأسلحة النووية حيز النفاذ
يناير 24, 2021السفير عبد الرؤوف الريدى يكتب: مصطفى الفقى في رحلة الزمان والمكان
يناير 27, 2021
سفير د . صلاح حليمه
لم تزل أزمة سد النهضة تراوح مكانها وعلى طريق شبه مسدود ، ويبدو أنه لا فكاك منه الا بخيارات بديله وعاجلة تحدث إختراق لتغيير المسارنحو الهدف المنشود ، بعد أن تم تقريبا استنفاذ آليات ووسائل فض المنازعات بالطرق السلمية ، على مدى ما يقرب من أكثر من نصف عقد من الزمان ، عبر مفاوضات ثلاثية ـ مصر والسودان وأثيوبيا ـ ، بحضور مراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبى والاتحاد الافريقى ، وتحت رعاية أمريكية والبنك الدولى فى مرحلة من المراحل اضطلعا فيها بدور الميسر / الوسيط فى الاطارين القانونى والفنى ( يناير / فبراير 2020 ) ، وفى مرحلة أخرى لم تزل قائمة ، تحت رعاية أفريقية لرئاسة الاتحاد الافريقى ( جنوب افريقيا ) ، لتتوقف المفاوضات أمام معادلة صعبة مستعصية على الحل بين موقف مشترك مصرى سودانى ، وآخر أثيوبى . وبينما يطالب الاول باتفاق قانونى فنى ملزم إستنادا ألى القانون الدولى والاتفاقات الدولية ذات الصلة ، والتى تبلورت فى مجملها فى اعلان المبادئ عام 2015 ، يتمسك الثانى ـ الأثيوبى ـ بنهج يرفض الالتزام باتفاق قانونى ، وإنما فقط بقواعد عامة استرشادية لعمليتى الملء والتشغيل يمكن تغييرها مستقبلا بمجرد الاخطار دون التقيد بأى شروط أو استحقاقات مصرية سودانية .
يتأسس موقف مصر على عناصر أربعة رئيسية ، الوضعية القانونية لنهر النيل فى اطار القانون الدولى كنهر دولي بامتياز ، الاحكام الوارده فى الاتفاقات المبرمه ذات الصلة ، الحقوقق التاريخية المكتسبة، الاسترشاد بالتجارب الناجحة لدول متشاطئه على نهر. وفى هذا الصدد ، يؤكد القانون الدولى للأنهارلسنة 1977 فى المواد 5 ، 6 ، 7 ، على مبادئ، الاستخدام المنصف والعادل ، عدم التسبب فى إحداث ضرر ذى شأن ، الاخذ بمعايير أجتماعية واقتصادية عند تطبيق المبدأ الاول .بينما تؤكد الاتفاقات المبرمة بصدد نهر النيل بين الاطراف المتشاطئة على النيل الازرق ـ ونهر السوباط ـ مصر والسودان وأثيوبيا (12 اتفاقية أهمها 1902 ، ، 1906 ، 1929 ، 1959 ، 1993 ، 2015 ) ، والتى تبلورت فى مجملها فى اعلان المبادئ 2015 ـ محور المفاوضات الجارية ـ ،عدم اقامة مشروعات تعترض سريان مياه النيل دون موافقة مسبقة ، اقرار بحصة مصر المكتسبة ، وحق الفيتو على إنشاء أى مشروع ، الامتناع عن أى نشاط يسبب ضررا من أحداها للاخرى ، التعاون لزيادة حجم التدفقات المائية وتقليل الفواقد ، قواعد لملء وتشغيل السد ، آلية تنسيقية لتشغيل السد ،آليات لحل النزاعات ، تبادل المعلومات والبيانات . ويؤكد القانون الدولى للأنهار على مشروعية الحقوق التاريخية المكتسبة مثلما إعترفت بها اتفاقات دولية ، وأحكام محكمة العدل الدولية فى بعض النزاعات .
يتأسس موقف أثيوبيا بصدد سد النهضة على مفاهيم خاطئة وانتهاك صارخ للقانون الدولى ولاعلان المبادئ ، ومن قبل للاتفاقات المبرمه بينها وبين الاطراف المعنية بل وعدم الاعتراف بها ، بدعوى اتفاقات فى عهد الاستعمار ، رغم أن أثيوبيا كانت آنذاك وفى جميعها دولة ذات سيادة سواء فى فترة الاستعمار ، أو فى فترة كانت الاطراف الاخرى ـ مصر والسودان ـ ذات سيادة أيضا ـ ( اتفاقية 1993 ، واتفاق اعلان المبادئ 2015 ،) . تجسد الموقف الاثيوبى بمفاهيمة الخاطئة وانتهاكاته الصارخة فى التصرفات الاحادية فى عملية بناء السد وملئه ، والسعى نحو فرض أمر واقع ،وينطلق من الادعاء بأن نهر النيل الازرق نهر داخلى رغم انه نهر دولى بامتياز ، وعلى حق السيادة المطلق رغم أنه حق مقيد بالعضوية فى المجتمع الدولى وبالمواثيق والاتفاقات الدولية ذات الصلة .
الموقف الاثيوبى بمجمل ما تقدم من مفاهيم وانتهاكات ،وممارسات ، وبمثل هذا النهج ، يضع أثيوبيا بجدارة واستحقاق على قائمة الدول المارقة . ويتعزز هذا التقدير ـ كدولة مارقة ـ بتواصل أثيوبيا لذات النهج فى نزاعها الحدودى مع السودان بعدم الاعتراف بالاتفاقات الدولية التى تحكم وضعية النزاع ( إتفاقية 1902 ، 1903 ، 1995، ) لتعكس أطماعا أثيوبية فى اراضى سودانية ، بل ويتعزز التقدير أيضا بإن هذا النهج يدفع الى القول وبحق أن الهدف المعلن من سد النهضة ، وإن كان تنمويا ، وهو ما رحبت به مصر الا أنه يتجاوزه لاخر حقيقى ، وهو سياسى بالدرجة الاولى ، يستهدف تحجيم قوة مصر بالتحكم المنفرد فى تدفقات المياه لدولتى المصب والحاق اضرار جسيمة من حيث الطبيعة والحجم تمس الحياة والوجود ، للثروات الطبيعية والبشرية والحيوانية، قد تصل الى حد الاقتراب من مفهوم الابادة .( انخفاض حصة مصر من 11 ـ 19 مليار متر مكعب ، تأثر 2 مليون فدان ، 10 مليون مزارع ، تقليل امدادات الكهرباء بنسبة 25 % ـ 40 % ، إنخفاض منسوب المياه فى بحيرة ناصر ،تأثر قدرة السد العالى على انتاج الكهرباء، فجوة غذائية ، تأثر الثروة السمكية (، هذا فضلا عن الخطر الاكبر وخاصة بالنسبة للسودان مصر على التوالى، وهو معامل امان السد الذى لم يتم مراعاة المعايير الدولية بصدده .
تتعاظم المخاطر العديدة على دولتى المصب ، ليس فقط مع تواصل الموقف الاثيوبى المتعنت والمتسم بالمماطلة والتسويف ، والتصرفات الاحادية لفرض أمر واقع يتعذر تغييره والرجوع عنه ، خاصة بعد إقدام أثيوبيا على الملء الاول دون إتفاق مسبق منتهكة بذلك اعلان المبادئ فى مادته الخامسة ، ومشروع اتفاق مسار واشنطن المتسم بالتوازن والشمولية والعدالة ومراعاة مصالح الاطراف الثلاثة فبراير 2020 ، بل وأيضا من جراء إنخفاض معامل الامان للسد المفتقر الى المعايير الدولية بما يهدد الوجود والحياة فى السودان ومصر ، وهو أمر يثير هواجس شديدة ومخاوف حقيقية ربطا باعلان أثيوبيا عن نيتها منفرده بدء الملء الثانى خلال الاشهر القادمة ، والتأكيد على لسان كبار المسئولين الاثيوبيين أن النيل الازرق سيصبح بحيرة أثيوبية .
وفى التقدير ،يستوجب مجمل ما تقدم بصدد الموقف الاثيوبى ، ومع ضغوط عامل الوقت فى ظل تواصل عمليات بناء السد وعمليات الملء وصولا للتشغيل ، تحركا مصريا (سودانيا ) ، لدرء تلك المخاطر المدمره ، بكافة الوسائل والسبل فى إطار القانون الدولى والاتفاقات والمواثيق الدولية ، ومن بينها مشروعية اللجوء لاستخدام القوة ، لاجهاض أية خطوات أثيوبية تعظم من تلك المخاطر الجسيمة ، والتى يمكن أن تعد من قبيل اعمال الحرب أو العدوان ، والتوصل لتسوية للأزمة تتخذ من مشروع اتفاق مسار واشنطن أساسا ومنطلقا ، خاصة وانه سبق مشاركة الدول الثلاث فى إعداده ، بوساطة وتأييد أمريكى والبنك الدولى ، مع الاخذ فى الاعتبار أن موقف الاتحاد الاوروبى والولايات المتحدة خاصة (فرضتا عقوبات على أثيوبيا ) ، والمجتمع الدولى عامة ، يتسق لحد كبير مع موقفى مصر والسودان ، وهو الأمر الذى يمكن تحقيقه باعادة فرض وليس مجرد طرح القضية أمام مجلس الامن بوضعية تجعل معالجتها فى إطار الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ، سواء تم ذلك من الناحية الاجرائبة بتحرك ثنائى مباشرمن جانب مصر والسودان او من خلال الرئاسة الجديدة ـ الكونغو ـ للاتحادد الافريقى.