الامن القومى المصرى السودانى وتحديات اللجوء للقوة
مارس 5, 2021إدارة بايدن ومستقبل العلاقات مع روسيا
مارس 13, 2021فى 9 مارس 2021، نظم المجلس حلقة نقاشية حول السياسة الخارجية الأمريكية فى عهد بايدن ومقاربتها المنتظرة لمنطقة الشرق الأوسط .. وتصوراتها للعلاقات مع مصر، وافتتحها السفير د./ منير زهران، رئيس المجلس، وشارك فيها كلٌ من السفراء/ عزت سعد، مدير المجلس، حسين حسونة، محمد توفيق، محمد بدر الدين زايد، حسام زكى، أ.د./ أحمد يوسف أحمد، أ.د./ محمد كمال، أ./ محمد قاسم، وأ./ عاطف الغمرى.
وقد ناقش المشاركون أهم ملامح السياسة الخارجية المنتظرة للإدارة الجديدة، خاصة تمسكها المتعاظم بقضيتَى الديموقراطية وحقوق الإنسان، فضلاً عن اتخاذ منحىً متشدداً للغاية تجاه الصين وروسيا على وجه التحديد.
وأوصى المشاركون بالعمل على جذب قطاع الأعمال والشركات الأمريكية لمصر، فى ضوء كونها سوقاً استهلاكياً كبيراً ومهماً. ويمكن فى هذا السياق تكرار تجربة المؤتمر الاقتصادى الذى أقامته مصر فى عام 2015، والذى حضره وزير الخارجية الأمريكى الأسبق جون كيرى مع وفد اقتصادى كبير، بما يسفر عن دعم مصر، وكذا تحقيق التقارب مع الإدارة الجديدة، مع التأكيد على مسألة ضرورة الحفاظ على استقرار مصر، لأهمية ذلك بالنسبة للولايات المتحدة ولحلفائها الأوروبيين على السواء.
وتأتى التوصية بالسعى لتعزيز التعاون الاقتصادى، في الوقت الذى قدر فيه المشاركون أنه من غير المرجَّح قيام الولايات المتحدة بتقديم أية مبادرات اقتصادية فى المنطقة نتيجة أزمة كورونا وتداعياتها على الاقتصاد العالمى، فضلاً عن المشكلات الداخلية الكثيرة والمعقدة لديها، ولدى الغرب بصفةٍ عامة. ومع ذلك، ستحرص الولايات المتحدة على تعزيز دورها فى أفريقيا لمواجهة النفوذ الصينى المتنامى فيها. فى هذا السياق، يُشَار إلى فكرة “السياسة الخارجية من أجل الطبقة المتوسطة”، بمعنى اضطلاع هذه السياسة بخدمة القضايا الداخلية للبلاد بصورة متنامية، وبما يكفل رفاهية ورضاء هذه الطبقة، وهو ما يقتضى التعاون مع البلدان التى تربطها علاقات اقتصادية وثيقة مع الولايات المتحدة فى الساحة الدولية. لهذا أوصى المشاركون ،بأنه فى ظل تشابك القضايا وتعقدها، يجب على القيادة المصرية ضرورة التأكيد على الهوية الأفريقية لمصر، وليس فقط الهوية العربية، لاسيَّما وأن التقسيم الدولى للمناطق يتم وفق قواسم جغرافية قارية، وهذا من شأنه تعزيز الموقف المصرى لدى صانع القرار الأمريكى عند تعاطيه مع القارة الأفريقية وقضاياها بشكلٍ عام.
كما خلصت المناقشات إلى إنه على الرغم من الامتعاض الأمريكى من مسألة شراء مصر أسلحة غير أمريكية، إلا أن المصلحة تقتضى ضرورة تصميم مصر على الإبقاء على سياستها الخاصة بتنويع مصادر السلاح والاستمرار فى ذلك، حفاظاً على مصالح مصر العليا وأمنها القومى، وعدم التماشى مع أى ضغوط أمريكية محتملة فى هذا الشأن.
وأشار المشاركون، فى هذا الصدد، إلى أنه بالنسبة للعلاقات المصرية / الأمريكية، فإنها ستكون مركَّبة هى الأخرى فى السياق العام للسياسة الخارجية الأمريكية، حيث لن يحكمها منظور واحد. ويتجلَّى ذلك فى عددٍ من المؤشرات، منها: صفقة الصواريخ الأمريكية الجديدة، التى تم السماح بحصول مصر عليها فى أواسط فبراير الماضى، وزيارة الجنرال كينيث ماكينزى، قائد القيادة المركزية الأمريكية، لمصر أيضاً فى الشهر ذاته. هذا، فيما حملت المكالمة الهاتفية، التى جرت بين وزيرَى الخارجية المصرى والأمريكى فى 23 فبراير(2021)،حضّاً على ضرورة حل الجوانب الخلافية بشأن قضية حقوق الإنسان فى مصر، والتى من شأنها التلميح إلى إمكانية استخدام تلك القضية من قِبَل الجانب الأمريكى فى حال شراء طائرات السوخوى-35 الروسية، والتعاون مع الصين، خاصة فى مجال G5.
وحول طبيعة الدور الذى تتوقعه الإدارة الأمريكية الجديدة من مصر فى المنطقة، أشار المشاركون إلى أن هذا لا يزال غير واضحٍ إلى الآن، لاسيما فى ظل عدم وضوح الرؤية الأمريكية بصدد ملفات المنطقة بشكلٍ عام. ومع ذلك، يمكن القول، بأن بايدن لن يستهدف مصر بصفةٍ خاصة، بمعنى أنها لا تشكل أولوية بالنسبة له، مع ضرورة مراعاة أن وضع مصر لدى الولايات المتحدة فى تراجع، لاسيَّما وأنه تم تشكيل لجنة تشريعية أمريكية بشأن حقوق الإنسان، فضلاً عن قدوم باتريك ليهى رئيساً للجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ، وهو الذى أوقف سابقاً صفقة السلاح التى كان من المفترض تقديمها لمصر لمواجهة الإرهاب، الأمر الذى يفرض تحدياً أمام الدولة المصرية، التى لا شك لديها العديد من القضايا، التى تأمل من الإدارة الأمريكية مساعدتها فيها، مثل: قضية سد النهضة، والأزمة الليبية، والوضع الاقتصادى الداخلى… إلخ.
وفى هذا الإطار، أوصى المشاركون بضرورة الخروج عن الدور التقليدى لمصر، والعمل على تنشيط هذا الدور مع الولايات المتحدة بشكلٍ محدد وواضح، وصياغة خطة عمل لذلك، تتضمَّن الانخراط المبكر والمدروس والفعَّال فى إطار رؤية أشمل وخطاب متكامل وواضح. وفى هذا السياق، يمكن لمصر القيام بتقديم عدة مبادرات شاملة لقضايا المنطقة وأزماتها، لاسيمَّا وأن المناخ مهيَّأ لذلك؛ فمن جهة تتسم سياسة الإدارة الجديدة بالارتباك حتى الآن، أو على أقل تقدير بالالتباس وعدم الوضوح، ومن المفترض أن لدى مصر خبرة كافية بملفات المنطقة، ما يؤهلها للإدلاء بدلوها فى هذا الصدد.
ونوَّه المشاركون إلى أنه بالنسبة للقضية الفلسطينية، فلا خلاف على أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستواصل دعمها غير المشروط لإسرائيل، ومساعدتها على التطبيع مع المحيط العربى، واستكمال الاتفاقيات الإبراهيمية التى بدأتها الإدارة السالفة، إلى جانب الحفاظ على الوضع الراهن المتمثل فى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعدم نقل السفارة الأمريكية منها مرة أخرى إلى تل أبيب. والواقع أنه لا توجد حتى الآن بوادر أو أولوية هذه العملية بالنسبة لها لانخراط الإدارة الجديدة فى عملية السلام. فى ذات السياق، فإن الموقف الأمريكى ليس مؤيداً لخطط إجراء الانتخابات الفلسطينية المقبلة(تم تأجيلها) ، لاسيّما وأنها قد تمثل فرصة كبرى لصعود حركة حماس، العدو اللدود لإسرائيل وللولايات المتحدة؛ الأمر الذى يسهم فى تعميق الأزمة وإضفاء مزيد من الارتباك للإدارة الجديدة، التى تريد الانفتاح على السلطة الفلسطينية، عبر تعديلات بسيطة توائم التغييرات الجديدة. من جهةٍ أخرى، فإن المكالمة الوحيدة، التى أجرتها نائبة الرئيس الأمريكى كامالا هاريس مع أحد أطراف المنطقة كانت مع رئيس الوزراء الإسرائيلى(حينذاك) نتيناهو. ومع ذلك، فيؤمَل أن تقوم الإدارة الجديدة بالمشاركة فى تحريك عملية السلام، على ضوء حديثها فى بياناتها عن حل الدولتين، والشروع فى المفاوضات المُمهِّدة لذلك. ولعل إحدى الفرص القائمة لنجاح ذلك تتجلَّى فى أن خصم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى الانتخابات القادمة (جرت فى وقت لاحق)هو يائير لبيد مؤيد تماماً لفكرة حل الدولتين، فيما يركز على السمة الديموقراطية التى يجب أن تتحلَّى بها إسرائيل فى تعاملها مع الفلسطينيين، وبالتالى يُرجَّح استحواذه على دعم كبير ضد نتنياهو.
وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، هناك بالفعل العديد من التكهنات بشأن أهمية المنطقة لدى الإدارات الأمريكية الأخيرة، فهناك مَن يعتقد بأن المنطقة لا تزال تستحوذ على قدرٍ لا بأس به من الاهتمام لدى القيادة الأمريكية بحكم التطورات الكثيرة والمتسارعة فيها، وكذا بغية الحفاظ على أمن إسرائيل واستقرارها، فيما يعتقد البعض الآخر أن الاهتمام بالمنطقة فى انحسار لصالح الاهتمام بمناطق أخرى، خاصة آسيا. وفى هذا السياق، عزى البعض أن تردد الإدارة الأمريكية الجديدة- لاتخاذ سياسات واضحة تجاه منطقة الشرق الأوسط إلى الآن- يرجع إلى أن أعضاءها على دراية ومعرفة متميزة بقضايا المنطقة، نظراً لتخصصهم وخبرتهم الطويلة بها، ولأن سياسات إدارة ترامب وتراكمات الإدارات السابقة قد أسفرت عن تعقيداتٍ جمَّة فى ملفات المنطقة وقضاياها، وهو ما يستدعى التأنِّى، لاسيَّما فى ضوء اهتمام الإدارة الجديدة بقضية حقوق الإنسان. ولكن من المؤكد فى سياق ما بدر من هذه الإدارة، حتى الآن، أنها لن تعطى شيكاً على بياض لشركاء الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، فى حالة تبنِّى سياسات تناهض المصالح والقيم الأمريكية، ولعل من أبرز الدلائل على ذلك هو إنهاء الإدارة الجديدة دعمها للعمليات العسكرية تجاه جماعة الحوثيين اليمنية. ومن المتوقع فى هذا السياق أن تستحوذ إيران واليمن على اهتمام الإدارة الجديدة عند تعاطيها مع المنطقة، فقضية إيران أمنية واستراتيجية بالأساس، بينما تمثل القضية اليمنية أزمة إنسانية لا يمكن التراخى بشأنها.
ولا تزال، غير واضحة، الخطوط العريضة التى ستسير إدارة بايدن على هداها خلال سنواتها الأربع؛ ولعل هذا نابع من ثقل التركة المعقدة التى تركتها الإدارة السابقة، فضلاً عن حقيقة انتهاج الإدارات الأمريكية المتعاقبة- منذ انتهاء الحرب الباردة- للسياسات التكتيكية، التى تتبلور بحسب مجريات الأحداث وتطوراتها. ولكن من المتوقع بصفة عامة أن تكون علاقات الولايات المتحدة مع البلدان الأخرى “مركَّبة”، أى خليط من عناصر التعاون والخصومة فى آنٍ واحد. ومن هذا المنطلق يُتصوّر قيام علاقات تعاونية فيما بين الولايات المتحدة والصين وروسيا– على سبيل المثال– رغم المواقف الأمريكية المعلنة بشأن حقوق الإنسان والديموقراطية… إلخ، وهو ما أشار إليه بايدن فى خطابه الأول حول السياسة الخارجية فى 4 فبراير الماضى، وفى ملاحظاته أمام مؤتمر ميونخ لسياسات الأمن فى 19 فبراير. وتنبغى الإشارة هنا إلى أنه لن يكون بمقدور الولايات المتحدة الاستغناء عن حلفائها التقليديين، بما فى ذلك الأوروبيون، فى سياساتها لاحتواء كلٍ من الصين وروسيا، إلا أنه من المشكوك فيه أن يمضى هؤلاء الحلفاء فى تعاونهم مع واشنطن إلى المدى الذى ترغب فيه؛ وذلك حفاظاً على مصالحهم الخاصة مع كلٍ من بكين وموسكو.
ونوه المشاركون إلى أنه، وفى سياق جهودها الإصلاحية على المستوى الدولى، أشار البعض إلى أن الإدارة الجديدة ستواجه صعوبات عديدة لاستعادة ثقلها على الساحة الدولية، حتى أن أقرب حلفائها من الأوروبيين أضحوا ينظرون إليها على أنها لم تعد تمثل الملاذ الآمن لهم، وذلك لصالح ألمانيا.
كما رأى المشاركون أن المهمة الأساسية، التى تعنى بها الإدارة الأمريكية الجديدة، هى إصلاح ما أفسده ترامب خلال سنوات رئاسته الأربع على المستوى الدولى، إلى جانب معالجة بعض القضايا الداخلية المُلِحَّة، مثل: أزمة وباء كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، والانقسام الحاصل داخل الشعب الأمريكى بين شعبويين مؤيدين لنهج ترامب وبين المعتدلين، وذلك وفق ما أظهرته الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتطورات اللاحقة عليها.