ندوة بالمجلس: فرص الإدارة الأمريكية الجديدة لتحريك عملية السلام محدودة جداً
أبريل 7, 2021رؤيتى لـ «القرن الحادى والعشرين» (379)عمره جزء من عمر مصر«
مايو 11, 2021
خلال الأسابيع القليلة الماضية شهدت منطقة الشرق الأوسط سلسلة من التحركات الروسية والصينية النشطة أبرزها جولة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لدول الخليج العربية، استهلها في 9 مارس الماضي بالأمارات العربية ثم الرياض فالدوحة، التي كان قد سبقه اليها وزير خارجية تركيا، الذي اجتمع به لافروف هناك وصدر بيان مشترك عن وزراء خارجية الدول الثلاث روسيا قطر وتركيا تعلق أساساً بالأزمة السورية والتعاون فيما بين هذه الدول لتعزيز تسوية سياسية دائمة لها.
وفي كل من أبو ظبي والرياض أُستقبل لافروف من قبل ولي العهد في البلدين، وتناولت مباحثاته أجندة واسعة من قضايا التعاون السياسي والاقتصادي ومتابعة ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة الرئيس بوتين لأبي ظبي في يونيو 2018 وللرياض في أكتوبر 2019، خاصة فيما يتعلق بأمن الخليج ارتباطاً بمبادرة روسية في هذا الشأن طرحت عام 2018 وملفات سوريا وليبيا واليمن والملف الإسرائيلي / الفلسطيني. ووفقاً لمصادر روسية سيعود لافروف للمنطقة في غضون أيام لزيارة القاهرة وربما عواصم أخرى. وبعيد جولة لافروف أجري “وانج يي” وزير الخارجية الصيني جولة شملت ست دول في المنطقة استغرقت أسبوعاً (24 – 30 مارس الماضي) شملت، على التوالي، السعودية وتركيا وإيران والبحرين ودولة الامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان. وقد وقع الوزير الصيني خلال توقفه في طهران اتفاقاً استراتيجياً لمدة 25 عاماً وفق صيغة تبلورت خلال زيارة الرئيس الصيني لإيران عام 2016، بهدف مضاعفة حجم التجارة بين البلدين بنحو عشرة أضعاف، بحيث تصل الي 600 مليار دولار خلال عشر سنوات. ويعطي الاتفاق الأفضلية للصين للاستثمار في إيران في مجالات البنية التحتية والمصارف وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كما نوقشت مسألة إجراء تدريبات عسكرية وتعاون مشترك في مجال الصناعات العسكرية، وستزود إيران الصين بموجب الاتفاق بكميات كبيرة من النفط والغاز بأسعار مخفضة وبانتظام. ووفقاً لتصريحاته في ختام الجولة، ذكر الوزير أنه توصل الي توافق واسع حول قضايا عديدة مع قادة الدول الست التي رحبت جميعها بقيام الصين بدور أكبر في شئون الشرق الأوسط، كما اتفقت الصين وهذه الدول على ضرورة احترام الاستقلال والسيادة والكرامة الوطنية لجميع الدول، وتعزيز سبل التنمية المستقلة والمتنوعة.
وكشف وانج خلال زيارته للرياض عن مبادرة من خمس نقاط لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، تدعو الي الاحترام المتبادل، ودعم العدالة والانصاف، ومنع الانتشار النووي، وتعزيز الأمن الجماعي المشترك، وتسريع التعاون الإنمائي. وبجانب التأكيد على الدعم الكامل لحل الدولتين، أشار الوزير الي عقد منتدى التعاون العربي الصيني خلال عام 2021 بدعوة من الأمين العام لجامعة الدول العربية، والتزام الصين بالتعاون مع دول الشرق الأوسط لمكافحة وباء كوفيد-19 وإتاحة اللقاحات الخاصة به للجميع.
وأعرب وانج عن تقديره لقيام العديد من الدول النامية، بما فيها 21 دولة عربية، بالتعبير عن تضامنها مع الصين خلال الدورة الأخيرة لمجلس حقوق الانسان بجنيف، مؤكداً أن الدول الست التي زارها تعلق أملاً كبيراً على التعاون العملي المستقبلي مع الصين وتبادل الخبرات معها حول الحوكمة، موضحاً أن جميع هذه الدول أعربت عن رغبتها القوية في ربط استراتيجياتها التنموية بمبادرة الحزام والطريق الصينية للاستفادة من الفرص التي تتيحها جهود الصين لخلق نموذج للتنمية وابتكار نماذج إستثمارية وتوسيع نطاق المبادلات التجارية بالعملات الثنائية.
ومن حيث التوقيت جاءت الجولتين بعد نحو شهرين من بدء ولاية بايدن ومساعيه الحثيثة لحشد دعم الحلفاء والشركاء في تنافسه مع البلدين، والتصعيد الكلامي الذي جري بين بايدن وبوتين، وقبل ذلك بدء إدارة بايدن خطواتها الاولي باستئناف فرض عقوبات على 7 شخصيات من الأمن الروسي ارتباطاً بتسميم المعارض ناڤالني. أما بالنسبة للصين، فقد جاءت جولة “وانج” في أعقاب اجتماع متوتر مع وفد برئاسة نظيرة الأمريكي بلينكن ومعه جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي في الاسكا، بدت فيه الإدارة متمسكة بالمسار المتشدد الذي انتهجته واشنطن منذ الإدارة السابقة، والنظر الي الصين باعتبارها الخصم الاستراتيجي الرئيسي الذي يجب احتواء طموحاته ونفوذه الدولي. وكانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وبريطانيا قد فرضت جزاءات مؤخراً ضد الصين بسبب انتهاكات مدعي بارتكابها ضد أقلية اليوجور، وهو ما دعا بكين الي فرض عقوبات مماثلة ضد مسئولي الاتحاد الأوروبي.
وتعكس جولة الوزيرين، خاصة الوزير الصيني وما أثاره من قضايا وما تحدث بشأنه من تفاهمات مع الدول التي زارها، أن القيادة الصينية لم تعد تكترث بالانتقادات الغربية لسلوكها على خلاف ما كان عليه الحال في الماضي، وأنها ماضية بثبات نحو تحقيق هدفها المتمثل في التكافؤ في القوة وفي القيادة مع الولايات المتحدة.
والواقع أن اهتمام روسيا والصين بالشرق الأوسط تحكمه اعتبارات جيوسياسية واقتصادية تتشابه بشأنها محددات السياسة الخارجية للدولتين تجاه المنطقة سواء كانت مكافحة الإرهاب والتطرف الديني أو الفرص الاقتصادية والتجارية الواسعة التي توفرها المنطقة للبلدين (الصين اليوم هي الشريك التجاري الأكبر للعرب)، لا سيما فيما يتعلق باهتمامها الخاص بتطوير وترسيخ مبادرتها العالمية المعروفة بالحزام والطريق.
إن هذا الظهور الروسي والصيني في المنطقة، وفي هذا التوقيت بالذات، يمثل أهمية استراتيجية قصوى للبلدين، حيث يسعيان من خلال هذه التحركات الي ترسيخ وضعيتهما كقوتين كبيرتين في أذهان شعوب دول المنطقة في وقت تركز فيه إدارة بايدن على مشاكل الداخل وحالة الاستقطاب التي خلفتها سنوات حكم ترامب، وتبدو الإدارة في حيرة من أمرها آزاء هذا التحدي الكبير الذي تمثله الصين والمتمثل في كيفية إعادة صياغة العلاقات المتدهورة معها، بحيث يمكن تعزيز المصالح الأمريكية مع ثاني أكبر اقتصاد والقوة التجارية الاولي عالمياً، دون أن يتحول الأمر الي صدام مباشر بين البلدين.
من ناحية أخرى، من الواضح أن الرئيس بايدن، مثل سابقيه أوباما وترامب، يعتزم المضي قدماً في تخفيف الأعباء المالية والبشرية التي تتكبدها الولايات المتحدة بسبب انخراطها في الشرق الأوسط التي تراجعت أهميتها الاستراتيجية في سياق عملية إعادة التقييم التي جرت على الاستراتيجية العالمية الشاملة للولايات المتحدة، خاصة مع هذا الصعود الصيني. وفى هذا الصدد، ووفقاً لتقديرات عديدة، أمريكية وغيرها، لم يحدد بايدن بعد استراتيجية متماسكة آزاء المنطقة وبدلاً من ذلك آثرت الإدارة تناول بعض الملفات السهلة وغير المكلفة مثل وقف الدعم الأمريكي للحرب في اليمن والكشف عن تقرير المخابرات المركزية حول المسئولية عن مقتل خاشقجي. أما بالنسبة لقضايا ملحة تمس أمن واستقرار الإقليم، مثل الملف النووي الإيراني أو الدور التركي التخريبي في شرق المتوسط ونشاطها الخارجي والعسكري في جوارها الاوسع في كل من سوريا وليبيا والعراق، بجانب منظومة الدفاع الصاروخي S-400، فقد تركت إدارة بايدن هذه الملفات لحلفائها الأوروبيين المنقسمين على أنفسهم أصلاً، مكتفية بالإعراب عن قلقها أحياناً والتلويح بالعقوبات أحياناً أخرى.
وتبدو الإدارة أسيرة لــــ”كليشيه” حقوق الأنسان والديمقراطية دون أن تدرك عمق ما حدث من تغييرات إقليمية ودولية، وحقيقة ان العديد من الدول، وعلى رأسها مصر، تبنت منذ الولاية الثانية لأوباما سياسة تنويع الخيارات في توجهاتها الخارجية لحماية مصالحها العليا وأمنها القومي بأبعاده المختلفة في منطقة تتحمل فيها السياسة الخارجية الأمريكية منذ عقود – على الأقل جزئياً – مسئولية ما آلت اليه الاوضاع من فوضي وعدم استقرار. كذلك يظل الانحياز الأعمى لإسرائيل بعنصريتها البغيضة وسياساتها الاستعمارية المتواصلة وصمتها المطلق عن هذه السياسات والإصرار على تلقين الأخرين الدروس حول “القيم الامريكية” وحقوق الانسان، بمثابة نقطة ضعف خطيرة تتآكل معها أي مصداقية في نوايا واشنطن تجاه شعوب المنطقة.
ومع ذلك من غير المرجح أن تكون التحركات الأخيرة في المنطقة تستهدف ملأ فراغ ما تركه الامريكيون. فالمنطقة ليست ساحة تنافس بين واشنطن وكل من موسكو وبكين، على الأقل في الوقت الحالي. فالروس يتفادون الصدام مع الولايات المتحدة طالما لم يتعلق الأمر بجوارهم المباشر ويؤكدون دائماً أنه لا بديل عن الجهود الجماعية لحل مشكلات الاقليم ويتبنون مقاربة عملية في سياستهم الخارجية في المنطقة دون تكلفة أو أعباء.
أما بالنسبة للصين، تظل منطقة آسيا والمحيط الهادي ساحة التنافس الرئيسية مع واشنطن، ومن غير المنتظر أن تشهد سياستها الخارجية في منطقتنا تحولات تذكر، خارج إطار أولوياتها الاقتصادية والتجارية، رغم مبادراتها السياسية من حين لأخر. وقد تكون جولة الوزير الصيني في المنطقة بمثابة رد على التحركات الامريكية في جوار الصين القريب لاسيما زيارة وزيري الخارجية والدفاع لكل من اليابان وكوريا الجنوبية وهي أول رحلة خارجية لهما.
وكما هو الحال بالنسبة لروسيا، تتبني الصين سياسة واقعية آزاء دول المنطقة والسعي للاحتفاظ بتوازن في علاقاتها بكل من إيران والسعودية والعرب وإسرائيل، وذلك على أمل الفوز بالمكاسب الاقتصادية لعلاقاتها بالجميع. ومن الناحية السياسية تبدو الصين راضية بترك روسيا تلعب الدور الرائد في أزمات الشرق الأوسط، داعمة الموقف الروسي مقابل دعم الروس لموقف الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
وأخيراً ورغم ما قدمته من دعم للعديد من دول العالم لمعاونتها على مواجهة وباء كوفيد-19، وإخفاق إدارة ترامب في إدارة أزمة الوباء بالكفاءة المطلوبة وعزوفها عن ممارسة دور قيادي في هذا الشأن، ولم تدّع الصين في أي وقت لنفسها دور زعيم العالم، حيث مازالت متمسكة بشدة بانتمائها للدول النامية، كما ترى أن النظام الدولي الحالي، في مجمله، يحقق مصالحها بل ولا تنكر أنها مدينة بتقدمها الاقتصادي والتجاري الهائل للبيئة التي وفرها هذا النظام رغم تحفظاتها على بعض جوانبه.
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 13 إبريل 2021 ورابط :