لقاء د. / محمود ضاهر عويس رئيس حزب التشاور الوطنى الصومالى
أغسطس 1, 2021زيارة وفد تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين للمجلس
أغسطس 5, 2021
سفير عزت سعد
في 23 يوليو الجاري، احتفلت الصين بمرور مائة عام على انشاء الحزب الشيوعي. وبهذه المناسبة وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي رسالة تهنئة للرئيس “شى جينبنج” أمين عام الحزب ورئيس الصين وشعبها وصف فيها الحزب بأنه ” الصرح السياسي العظيم الذى قاد الصين بنجاح فأمن الاستقلال التام، وأقام هيكل للدولة الصينية عام 1949، ثم قادها ومازال الى يومنا هذا بسياسة حكيمة استطاعت أن تحقق المعجزة الاقتصادية الصينية التي دفعت بالصين الى مصاف الدول الكبرى كقوة دولية تعكس عظمة الحضارة الصينية وتستلهم من تاريخها قوة دافعة للحداثة، حيث أصبحت التجربة الصينية، تمثل قصة نجاح يسعى كثيرون الى دراستها والاستفادة منها …”. وتطرقت الرسالة ما وصلت اليه العلاقات المصرية الصينية من ارتقاء لتصبح من طبيعة استراتيجية شاملة، منوها عن “المفارقة التاريخية التي جعلت أول مؤتمر وطني للحزب الشيوعي الصيني( 1921) يتوافق مع الثالث والعشرين من يوليو عندما قامت الثورة المصرية المجيدة في عام 1952 والتي وضعت أسس توجه الدولة المصرية الحديثة … فكانت مصر أول دولة عربية وأفريقية وشرق أوسطية تعترف بجمهورية الصين الشعبية وانجازات الحزب الشيوعي الصيني وإقامة العلاقات الدبلوماسية معها”.
ومما لاشك فيه أن رسالة الرئيس السيسي تؤكد التوجه العام للسياسة الخارجية المصرية على مدى السنوات السبع الماضية والمتمثل في الاستقلالية والتوازن وأولوية المصالح المصرية وأمن البلاد القومي كهدف رئيسي لهذه السياسة. وفى هذا السياق لا يمكن تجاهل الانجازات التي تحققت على صعيد العلاقات المصرية/الصينية في السنوات الاخيرة في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار وغيرها.
وتشير تقديرات أمريكية عديدة الى أن هدف بكين الرئيسي هو حماية حكم الحزب الشيوعي الصيني من النقد الخارجي، بدلاً من تصديره كنموذج الى الخارج. فالمقاربة الصينية لا تستهدف الديمقراطيات الغربية أو غيرها، كما أنها بعيدة كل البعد عن دعم “ماو” أو “ستالين ” للثورات الشيوعية في الخارج. ولا تبدو بكين معنية بالنظم الداخلية للدول، وانما تهتم بالأساس بمواقف الدول تجاه الحزب الشيوعي في الداخل، بجانب النزاعات حول السيادة الصينية والتعاون الاقتصادي مع الصين، على الترتيب. وبدلاً من محاولات تقويض الديمقراطيات الليبرالية – على خلاف روسيا وفقاً لتقييم الغرب – تولى الصين جل جهودها لتغيير مواقف وسياسات هذه البلدان تجاه حكم الحزب الشيوعي ومنع الحكومات من دعم المناوئين للسيادة الصينية في هونج كونج أو مضيق تايوان أو جزر بحر الصين الجنوبي.
وتعتقد تلك التقديرات أنه ما قبل إدارة ترامب، التي تبنت شعار” أمريكا أولاً “، اتبعت الولايات المتحدة سياسة خارجية تقوم على الايديولوجية أكثر بكثير من الصين. وقد عاد هذا الاتجاه بقوة مع إدارة بايدن. فقد دعمت واشنطن الثورات الملونة في أوربا الشرقية وآسيا الوسطى وفى شمال افريقيا والشرق الاوسط، بدعم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فيما سمى بـ “الايديولوجية التحريضية”.
ويصف بعض المحللين التدهور الحاصل الآن في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، بأنه التطور الجيو سياسي الاهم منذ تفشى وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19) حتى الآن، حيث تبدو علاقات البلدين وكأنها وصلت الى نقطة اللاعودة، بعد تحول ما بدا كحرب تجارية ونزاع على حقوق الملكية الفكرية الى عداء يشمل السياسة الداخلية للصين والايديولوجية، وبدت واشنطن وكأنها اكتشفت فجأة أن الصين يحكمها الحزب الشيوعي، على حد قول بعض الكتاب.
وقد جاء إحتفاء الحزب الشيوعي بمئويته وسط كم هائل من التقديرات، من خبراء أمريكيين في الأساس، التي تؤكد ان الصعود الصيني يمثل التحدي الاستراتيجي الاكبر والاكثر تعقيداً الذى تواجهه الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب الباردة. وفى هذا الصدد أطلقت إدارة بايدن استراتيجية جديدة للتعامل مع بكين، تعتمد أساسا على تكوين تحالفات دولية تضم الحلفاء والشركاء الأوربيين والاسيويين لكبح جماح النفوذ الصيني. ومن بين عشرات التقديرات في هذا الشأن، تقرير حديث للمجلس الأطلنطي (مارس 2021)- اعتمد على أبحاث وآراء مئات الخبراء وصانعي السياسات والاكاديميين في الولايات المتحدة و أوربا وآسيا، يشير الى خمس فئات من التهديدات التى تمثلها الصين لواشنطن وحلفائها. يتعلق الاول منها بالخطر الذى يمثله النظام الصيني، ممثلاً في الحزب الشيوعي، على القيم الديمقراطية التي تدافع عنها الولايات المتحدة وحلفائها، ويشير التقرير الى إعتماد الرئيس الصيني على استراتيجية لتأجيج القومية الصينية ودعم الحزب الشيوعي، وهو التهديد الثاني، والذى يتواكب مع صعود ما يسمى بـ” الحلم الصيني” وهو استراتيجية تنموية طموحة تسعى الصين لتحقيقها بحلول عام 2049، مستخدمة عدة آليات لتحقيق ذلك من أهمها مبادرة الحزام والطريق التي ينظر اليها على أنها اكبر مشروع أنمائي في القرن الحادي والعشرين لكسب النفوذ على الساحة العالمية، ومبادرة صنع في الصين 2025 التي تعزز الانتاج المحلى والتصدير وتقليل الاعتماد على الخارج. أما تهديد الثالث، وفقاً للتقرير، فيتمثل في سعى الصين الى إعادة تشكيل نظام الحكومة العالمي وخلق نظام موازى للنظام الدولي الحالي بما يجعل العالم ” آمناً للحزب الشيوعي الصيني”، لذلك تقوم الصين باتباع استراتيجية التدخل المضاد من أجل الحفاظ على قوة الحزب في الداخل، مستندة في ذلك على المبدأ الصيني ” الفوز بدون قتال”، أي أن تعمل الصين على بسط نفوذها السياسي في الدول الاخرى من خلال ” الدبلوماسية القسرية”، التي تعني اختراق أنظمة الدول من خلال الهجمات السيبرانية وعمليات التجسس للاطلاع على البيانات السرية …الخ. ويشير التقرير الى التهديدين الاقتصادي والعسكري باعتبارهما التهديدين الرابع والخامس.
والواقع أن الهدف من هذا المقال ليس تناول انجازات الصين بقيادة الحزب الشيوعي على مدى العقود السبعة الماضية، حيث باتت القوة الاقتصادية الثانية والاولى تجارياً عالمياً ومساهمتها بنسبة 16% تقريباً في أجمالي الناتج الإجمالي العالمي وكسب المعركة ضد الفقر …الخ، وانما إلقاء الضوء على ما يسميه بعض الكتاب الامريكيين بـ ” القلق الوجودي” الذى إنتاب ادارة بايدن من الصعود الصيني، وهو ما ظهر بوضوح منذ خطاب بايدن الاول حول السياسة الخارجية في فبراير الماضي، ثم ملاحظاته أمام مؤتمر ميونخ لسياسات الأمن في وقت لاحق من الشهر ذاته، وانتهاء برحلة بايدن الاولى خارج الولايات المتحدة الى أوربا في يونيو الماضي، أي بعد مرور خمسة أشهر تقريباً على دخوله البيت الابيض، والتي – وفقاً للعديد من المحللين – لم تهدف فقط الى اقناع مجموعة السبع ثم دول حلف شمال الأطلنطي وقادة الاتحاد الأوربي بعودة أمريكا، بل وأيضاً لتعبئة وحشد أصدقاء واشنطن لمواجهة التهديد الذى تمثله الصين، وأن هذه الأخيرة هي – وفقاً لبايدن – ” العدو الجديد للعالم الحر، وينبغي لنا أن نتكاتف معاً للكفاح ضدها”.
والحقيقة أن نظرة الى الخطاب السياسي للرئيس بايدن منذ دخوله البيت الابيض في يناير الماضي، وحتى الآن، توحى للمرء بأن العالم بات أسيراً لصراع تاريخي بين ” الديمقراطيات” من ناحية، و” النظم الاستبدادية” من ناحية آخري، وأن مصير البشرية، ستحسمه الدول الديمقراطية التي ستكسب المعركة تحت قيادة أمريكا. وبغض النظر عن واقع ان هذا الخطاب يستهدف أساساً التغلب على إرث ترامب في الداخل والخارج وعودة الولايات المتحدة الى الساحة العالمية، يعتقد محللين كثر أنه من الخطأ، بل وسوء التقدير، أن يبقى بايدن أسيراً لهذا التأطير الثنائي القطب والأيديولوجي الذى تحركه أساساً المنافسة العالمية مع الصين، وبدرجة أقل مع روسيا. ويرجح هؤلاء أن تكون محصلة هذا التأطير محدودة للغاية، وقد تؤدى الى نتائج عكسية. ويشار في هذا السياق الى ان الولايات المتحدة قد تكون محقة، أو لديها مصلحة، في مكافحة النفوذ الأيديولوجي الصيني و جعل ذلك أولوية الاولويات في سياستها الخارجية، غير أنه من غير المنطقي، وغير المفهوم، أن تسعى واشنطن الى اقناع الدول الأخرى، خاصة الحلفاء والشركاء الذين لديهم مصالح لا يستهان بها، بل ويمكن وصفها بالاستراتيجية، في الحفاظ على علاقات جيدة ومثمرة مع كلا من الصين وروسيا، بالالتزام بتوجيهاتها في هذا الشأن. وتشير شواهد عديدة على أن هذا النهج الأمريكي سيفشل في حشد رأس المال الدبلوماسي والموارد التي يحتاجها، ناهيك عن إمكانية ان يدفع هذا النهج كلا من بكين وموسكو الى المزيد من الاصطفاف والتنسيق الوثيق، ودفع الدول الاخرى الى تعميق العلاقات مع الصين وروسيا. ولا يخفى أن خطاب بايدن في هذا الشأن يعد استفزازاً للبلدين، بما يحمله ذلك من نتائج على الاطراف الثالثة وخلق مناخ دولي يتسم بمنافسة متصاعدة بين القوى الكبرى بدلاً من تخفيفها. والطريف أن بايدن كثيراً ما يؤكد على أنه لا يتحدث عن حرب باردة جديدة، غير أن “خصومه المستبدين” يفهمون ما يقول.
أخيراً كان بيرنى ساندرز، العضو الديمقراطي بمجلس الشيوخ محقاً عندما ذكر في مقال له بدورية الشئون الخارجية في 17 يونيو الماضي ” أن الصراع الأساسي بين الديمقراطية والاستبداد لا يحدث بين البلدان بل داخلها، بما في ذلك الولايات المتحدة. ولن تفوز الديمقراطية إلا من خلال إثبات أنها يمكن أن توفر في الواقع نوعية حياة أفضل للناس من الاستبداد”.
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 2 أغسطس 2021 و رابط :