قضايا القارة الافريقية فى إطار مجلس السلم والامن للاتحاد الأفريقي
أغسطس 5, 2021ندوة حول قضايا إقليم شينجيانج
أغسطس 16, 2021
بتاريخ 10 أغسطس الجارى، عقد المجلس حوار مائدة مستديرة مع عددٍ من أعضاء السفارة الصينية لدى القاهرة، للتشاور حول عددٍ من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك بين مصر والصين، وذلك بناءً على طلب السفارة. وضمَّ اللقاء – من جانب المجلس – كلاً من السفراء د./ عزت سعد مدير المجلس، محمد حجازى، على الحفنى، ود./ محمد فايز فرحات، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فيما ضمَّ الوفد الصينى الوزير المفوّض/ Xiao Junzheng نائب رئيس البعثة الصينية لدى مصر.
واستهدف اللقاء التركيز على القضايا التالية بصفة خاصة: أولاً: الموقف الراهن لقضية السد الإثيوبى وفرص التوصل لاتفاق. ثانياً: العلاقات الصينية / الأمريكية وتداعيات التصعيد المحتمل على الشرق الأوسط. ثالثاً: تقييم لأعمال منتدى التعاون الأفريقى / الصينى (FOCAC) بمناسبة مرور عشرين عاماً على إنشائه.
وفى هذا الصدد، تمت الإشارة إلى ما يلى بصفة خاصة:
أولاً: فيما يتعلق بقضية السد الإثيوبى:
-
تناول الجانب المصرى حيثيات أهمية نهر النيل بالنسبة للدولة المصرية، وكيف أنه ساهم فى بناء حضارتها العريقة، وكيف أنَّ الوضع الجغرافى لمصر – بكونها دولة مصب – يحول بينها وبين السيطرة على مياه النهر، فضلاً عن كونها دولة واقعة فى إحدى أكثر مناطق العالم التى تعانى فقراً مائياً شديداً.
-
أنَّ نهر النيل هو منحة ربَّانية واحدة لا يمكن تجزئتها، وأن ما تقوم به إثيوبيا على النيل الأزرق من بناء سد بحجم سد النهضة ومواصفاته، ناهيك عن تصرفاتها الأحادية فى هذا الصدد من شأنه التأثير سلباً وبعمق فى إمدادات المياه وسريانها إلى كلٍ من مصر والسودان، بما يُسفِر بالتالى عن حدوث أزمات غذائية واجتماعية وصحية غير هيِّنة. علماً بأن مصر لم تعترض على إنشاء السد، ما دام من شأنه تحقيق المساهمة فى تنمية إثيوبيا، ولكن اعتراضها هو عدم وجود وثيقة قانونية ملزمة تحدد ملء السد وكيفية تشغيله، وفقاً للطبيعة الهيدرولوجية لمياه النهر، وتلتزم به إثيوبيا تجاه كلٍ من مصر والسودان، بما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث.
-
تسعى مصر إلى تعزيز التعاون مع البلدان الأفريقية عبر عددٍ من المشروعات التنموية، فى مجالات البنية التحتية والكهرباء والزراعة، بل والسدود، تحقيقاً للمصالح المشتركة التى تعود بالنفع على بلدان القارة جميعاً. وبالنظر إلى الوضع الجغرافى لإثيوبيا، كونها دولة حبيسة، هناك العديد من المشروعات التنموية التى يمكن لمصر اقتراحها على الجانب الإثيوبى، بغية تحقيق ما تأمله من تنمية وازدهار. ومن ذلك على سبيل المثال إمكانية إنشاء خط سكة حديد أو طريق برى من أديس أبابا حتى شواطىء مصر على البحر المتوسط، بما يفتح لإثيوبيا مجالاً تجارياً متميزاً مع القارة الأوروبية، وذلك بتكلفة لا تتجاوز 1.6 مليار دولار.
-
وبالنظر إلى علاقات الصين الطيبة والوثيقة مع كلٍ من مصر والسودان وإثيوبيا، فيمكن لها القيام بدور الوسيط لإقناع إثيوبيا بالدخول فى عملية تفاوضية بنّاءة وجدّية مع مصر والسودان، وأيضاً حثها على قبول المشروعات المصرية ذات الصلة. ويمكن فى هذا السياق استخدام الدبلوماسية الاقتصادية الصينية فى إنشاء خط السكة الحديد أو الطريق البرى المذكور بين إثيوبيا ومصر، عبر اضطلاع الشركات الصينية بعملية الإنشاء تلك، وهو ما يمكن أن يكون بوابة لغيره من مشروعات مماثلة فى أرجاء أفريقيا، بما يعود بالنفع على الصين وكلٍ من البلدان الأفريقية الثلاث.
-
من جانبه، أشار الوفد الصينى إلى أنه من المهم استئناف المفاوضات بين البلدان الثلاثة للتوصل لتسوية عادلة بشأن السد، ارتباطاً بمبادرة الحزام والطريق الصينية، وما تحققه لأعضاء المبادرة من مصالح مشتركة تقوم على التعاون. وأكَّد أن الصين تحترم وتدعم الجهود المصرية فى هذا الصدد، وهو ما أكّده وزير الخارجية الصينى خلال زيارته لمصر فى يوليو الماضى.
-
ارتباطاً بقضية السد، طرح الجانب الصينى تساؤلات حول رؤية مصر وتقييمها لكلٍ من الدور الأمريكى والدور الجزائرى فى هذه القضية. ومن جانبه، أشار الجانب المصرى إلى أن الولايات المتحدة لها مصالح غير هيّنة فى منطقة القرن الأفريقى، وأن أية تهديدات أمنية ناشئة عن السد الإثيوبى من شأنها التأثير عليها، وفى طليعة هذه المصالح أن تلك المنطقة تطل على البحر الأحمر، وأن أمنها مهم جداً لحركة الملاحة والتجارة الدولية التى تمر عبر هذا البحر. من جهةٍ أخرى، لعبت الجزائر دوراً تاريخياً فى الصراع الإثيوبى – الإريترى، حيث كانت محطة لتوقيع اتفاقية الجزائر عام 2000، والتى أدت فيما بعد لاستقلال إريتريا عن إثيوبيا. وباعتباره مسئولاً سابقاً بالاتحاد الأفريقى، وسفيراً سابقاً لدى أديس أبابا، بإمكان وزير الخارجية الجزائرى رمطان لعمامرة لعب دور الوسيط بين كلٍ من مصر والسودان وإثيوبيا للتوصل إلى حل بشأن ملف السد. هذا بالطبع إلى جانب طموحات الجزائر القوية فى أفريقيا، والتى تسعى إلى تحقيقها وفق أجندتها الخاصة.
ثانياً: العلاقات الصينية / الأمريكية وتداعياتها على الشرق الأوسط:
-
أشار الجانب الصينى إلى أن الموقف العدائى الذى تتخذه الولايات المتحدة تجاه الصين، والذى استمر فى عهد الإدارة الأمريكية الجديدة، ينبع من سوء تقدير أمريكى للنمو الصينى، والذى هو حق مكفول لجميع البلدان، بما فى ذلك الولايات المتحدة والصين. إن جهود التنمية التى أحدثتها الصين لا تستهدف الإحلال محل، أو منافسة، الولايات المتحدة، حيث تتمسّك الصين بشدة بمبادىء الحوكمة العالمية وتلتزم بها، مثل اختيار النمط الاقتصادى المفضَّل لكل بلد على حدة وفقاً لما يحقق مصالحه الخاصة، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، واحترام استقلال الدول وسلامتها الإقليمية، وحل النزاعات بطريقة سلمية، والتأكيد على الدور المحورى لمنظمة الأمم المتحدة ومبادئها، واحترام القانون الدولى… إلخ.
-
فيما يتعلق بالسياسة الصينية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وسط العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، طرح وزير الخارجية الصينى فى مارس الماضى مبادرة بشأن تحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة، ذات نقاطٍ خمس أساسية، هى:
-
الاحترام المتبادل بين دول المنطقة.
-
الالتزام بالإنصاف والعدالة.
-
تحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية.
-
العمل على تحقيق الأمن الجماعى.
-
تعزيز آليات التنمية والتعاون فى المنطقة.
وفى هذا الصدد، كشف الجانب الصينى عن عدم حصوله على أى استجابة لهذه المبادرة من أىٍ من دول المنطقة، متسائلاً عن الأسباب وراء ذلك. ومن جانبه، ذكر الجانب المصرى (الزميل د. محمد فايز فرحات مدير مركز الأهرام) أنه يمكن إيجاز هذه الأسباب فيما يلى:
-
أن التوقيت الذى طُرِحت فيه المبادرة كان حسَّاساً جداً وغير ملائم لإبداء أى رد فعل إيجابى تجاه المبادرة؛ إذ كانت التوترات الحاصلة بين الصين والولايات المتحدة تلقى بظلالها على العلاقات مع بلدان المنطقة. وقد يُفهَم الرد الإيجابى على المبادرة الصينية خطأً من قِبَل الولايات المتحدة، ما يؤثر بالتالى على علاقات الأخيرة ببلدان المنطقة.
-
تحدثت المبادرة عن العمل على تحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية، هذا فى الوقت الذى تملك فيه إسرائيل أسلحة نووية، وتقوم إيران أيضاً بتعزيز برنامجها النووى، فيما لا تمتلك البلدان العربية أياً منها. ثم كيف تدعم الدول العربية هذا البند وهى مُقرَّة أصلاً بخطة العمل الدولية المشتركة مع إيران، والتى يجرى التفاوض فى فيينا الآن لعودة الولايات المتحدة إليها بعد انسحاب إدارة ترامب منها منذ مايو 2018.
-
إن المبادرة تجاهلت أثر الممارسات الإيرانية فى المنطقة وبرنامجها النووى فى عدم استقرار المنطقة، والذى يرجع فى جانبٍ منه إلى الاستقطاب السنى – الشيعى، وهو ما يمكن معالجته بالحوار وفقاً للجانب الصينى. ومن ثَمَّ، كان وصف عدم الاستقرار فى المنطقة وفقاً للفهم الصينى مختلفاً كلياً عن فهم البلدان الخليجية له.
-
ومع ذلك، أكَّد الجانب المصرى على أهمية تعزيز انخراط الصين فى قضايا المنطقة والاستمرار فى طرح مبادرات بشأن كافة قضاياها، لاسيَّما وأن بلدان المنطقة ترى أن الصين تحاول لعب دور سياسى فى المنطقة، بجانب صعودها الاقتصادى، وأنها تحاول تقديم نفسها بصورة أخرى. ولعلَّ الأوضاع الإقليمية والدولية أضحت مواتية بشدة للعب هذا الدور، خاصةً فى ظل تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة نتيجة اهتمامها بتحدياتها الداخلية. وفى هذا الصدد، دعا الجانب المصرى الصين إلى إمكانية النظر فى آليات مبتكرة لتعزيز وجودها فى المنطقة، من بينها على سبيل المثال توقيع إعلان مبادىء من قِبَل الصين وكلٍ من بلدان المنطقة على حدة، فى سياق التفضيل الصينى للتفاهمات الثنائية على ما عداها. ومن شأن توقيع هذه الإعلانات أن تسهم فى الكشف عن مفاهيم العدالة والتعددية والسلم والأمن التى ترجوها الصين، ومن ثمَّ الحديث عن إمكانية حدوث تعاون جماعى بين دول المنطقة برعاية صينية.
ثالثاً: منتدى التعاون الأفريقى / الصينى (FOCAC):
-
أشار الجانب الصينى إلى أن العلاقات الصينية / الأفريقية شهدت تطورات كبرى منذ إنشاء منتدى التعاون الأفريقى / الصينى (FOCAC) منذ عشرين عاماً مضت؛ إذ ازدادت التبادلات التجارية بنحو عشرين ضعفاً، فيما ارتفع حجم الاستثمارات الصينية المباشرة فى أفريقيا بنحو 100 ضعفاً، كما ارتفع الانخراط الصينى فى أرجاء القارة عبر تدشين عدة مشروعات تنموية، كتلك الخاصة بالصحة والبنية التحتية، والتى تضمَّنت إنشاء نحو 6 آلاف كم سكك حديدية و6 آلاف أخرى طرقاً عاماً، وما يقرب من 20 ميناءً، وأكثر من 80 منشأة كهربائية كبرى. وفى ظل ما يشهده العالم من تغيرات كبيرة، تحرص الصين على تعزيز تعاونها مع القارة الأفريقية فى مجالات الاقتصاد الرقمى والطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعى، وأيضاً فى تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات، وذلك إلى جانب مجالَى الصحة والبنية التحتية.
-
منذ عام 1990، جرت الممارسة الصينية على أنْ تكون الجولة الخارجية الأولى لوزير الخارجية الصينى إلى واحدة من البلدان الأفريقية. وفى عام 2020، كانت الجولة الأولى لوزير الخارجية الحالى إلى مصر. الأمر الذى يعكس حرص الصين الشديد على مواصلة التعاون المستمر والمثمر بين الصين والبلدان الأفريقية.
-
تستهدف الصين فى علاقاتها مع الدول الأفريقية التأكيد على أهمية التعاون المشترك لمكافحة النظم الحمائية والعوائق غير الضرورية والأحادية التى تقوم بها بعض البلدان، من بينها قوى كبرى كالولايات المتحدة، والتى تضر بشدة بمصالح البلدان النامية وبقيم العدالة والإنصاف الدوليَيْن.
-
من المتوقع أن يركز منتدى (FOCAC) القادم، والمزمع عقده فى السنغال فى أواخر العام الجارى، على تعزيز تعددية الأطراف، والتعاون الاقتصادى فى إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومكافحة وباء Covid-19.
-
فى السياق عاليه، تساءل الجانب الصينى عن توقعات مصر للمنتدى القادم، ورؤيتها لمبادرة مجموعة السبع الكبار (G7) الهادفة إلى منافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية، عن طريق التوسع فى مشروعات البنية التحتية ومشاريع التنمية والتجارة.
-
وقد أشار الجانب المصرى إلى أن هذه ليست المرة الأولى التى يقوم فيها لاعبون دوليون بالإعلان عن مبادرات تنموية لمنافسة واحتواء المشروعات الصينية، فقد قامت الولايات المتحدة بذلك عندما كانت هيلارى كلينتون وزيرة للخارجية، وكذا فعلت استراليا والهند واليابان… إلخ. ولكن هذه المبادرات لم تلقَ ذات الزخم الكبير الذى لقيته مبادرة الحزام والطريق، بل ومن الصعب على مثل تلك المبادرات الآن منافسة المبادرة الصينية وما حققته منذ إطلاقها إلى اليوم فى المجالات التنموية المختلفة والصحية والتكنولوجية وغيرها. ولعلَّ أحد أهم الأسباب فى ذلك هو عدم تمسك بكين بالمشروطيات التى تتمسك بها باقى الدول بشأن منح قروض أو تنفيذ مشروعات… إلخ. إذ أن المبادرات الصينية يصاحبها دوماً التأكيد على مبادىء الحوكمة العالمية، والتى من بينها عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، واحترام سيادتها واستقلالها والنمط الاقتصادى الذى ترتضى تطبيقه. من جهةٍ أخرى، فإن كيفية التمويل والاستثمار ذاتها مختلفة؛ إذ إن الشركات الصينية تكون موجَّهة بالأساس من قِبَل الحكومة الصينية، وهو ما يعزز من ضمانات الاستثمار والتمويل والكفاءة واستدامة التعاون، وذلك على النقيض من الشركات الغربية التى يُترَك قرارها للاستثمار غالباً للعرض والطلب وأوضاع السوق، ما يحد من فرص التفاعل مع احتياجات القارة والاستثمار فيها، ويحد بالتالى من قدرة الحكومات الغربية فى السيطرة على قراراتها فى تلك البلدان على النقيض من قدرة الحكومة الصينية.
-
هناك بعض المسائل التى يجب على الصين مراعاتها فى هذا الصدد، فى مقدمتها أزمة الديون الأفريقية بسبب القروض الصينية؛ إذ إن هذه المسألة تتسم بالحساسية الشديدة لدى كثيرٍ من البلدان، خاصة وأن أغلبها بلدان نامية بالأساس، وأيضاً لاعتزام الدول الغربية التخفيض الجماعى للديون الخاصة بالبلدان الأفريقية، فى ظل ما تحرص عليه الصين من أن يتم ذلك بينها وبين كل بلد أفريقى على حدة. من جهةٍ أخرى، هناك مسألة الشفافية التى تستوجب الإعلان عن كافة المشروعات التى تقوم بها الصين فى هذا الصدد، بما يتضمَّنه ذلك من تعزيز المشاورات مع البلدان التى تجمعها المبادرة بغية تحديد الأولويات والأهداف والسياسات… إلخ.
-
هذا، واقترح الجانب المصرى إمكانية أن ينظر الجانب الصينى فى إنشاء منطقة صناعية أخرى، بالإضافة إلى تلك الموجودة بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس. إذ أن من شأن ذلك أن يسهم فى تعزيز العلاقات بين البلدين، فضلاً عن زيادة العمليات التصديرية المرجوَّة من مثل هذه المناطق فى مصر.