توازن القوي في الشرق الأوسط
نوفمبر 1, 2021فى مائدة مستديرة بالمجلس لبحث تطورات المشهد السودانى وتداعياته: التوصية بأن تكون مصر على تواصل وثيق بمكونات المجتمع بالسودان
نوفمبر 2, 2021فى 19 أكتوبر الجارى فى العاصمة اليونانية أثينا، عقدت القمة التاسعة لآلية التعاون الثلاثى المصرى القبرصى، وهى الآلية المتعددة الأطراف التى أطلقت فى نوفمبر عام 2014 (إعلان القاهرة)، بفضل جهود دبلوماسية مكثفة قادتها مصر، تمخض عنها إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، أعلن عنه فى البداية فى يناير 2019 من القاهرة، ثم فيما بعد فى أغسطس 2020، كمنظمة دولية إقليمية متكاملة الأركان- مقرها القاهرة- تجد أساسها فى وثيقة دولية وقعتها وصدقت عليها كل من: مصر وقبرص واليونان وفلسطين والأردن وإسرائيل وإيطاليا وفرنسا. ولم يكن من الممكن أن تقوم مصر بدورها الريادى فى إنشاء هذا المنتدى، وقيادة نشاط دبلوماسى متعدد الأطراف بالتنسيق والتعاون الوثيق مع كل من قبرص واليونان، لولا وجود إرادة سياسية مصرية لإعادة صياغة دورها الجيوسياسى فى منطقة البحر الأبيض المتوسط وتحقيق أهدافها الجيواستراتيجية حفاظًا على أمنها القومى ومصالحها العليا، كهدف أساسى لسياستها الداخلية والخارجية، وذلك فى مواجهة الموقف الأحادى الذى اختارته تركيا منذ البداية، مطالبة بحدود بحرية مع دول شرق المتوسط، بما لا يتفق مطلقًا مع المنطق الجغرافى والقانونى. والمعروف أن التحركات التركية فى شرق المتوسط تشكل تهديدًا واضحًا وثابتا لجيرانها، وبالتالى، فإن الردع هنا- بالمعنى التقليدى أو حتى القوة الصلبة- هو وصفة ضرورية فى هذا الشأن.
وارتباطًا بالجغرافيا السياسية لمنطقة شرق المتوسط، بات الإطار الثلاثى (مصر/ اليونان/ قبرص)، بمثابة عنصر جديد فى السياسة الخارجية المصرية، لتبادل الرؤى والتشاور حول سبل تطوير علاقات التعاون فيما بين الدول الثلاث، والارتقاء بها على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية. وقد امتد التنسيق والتعاون بين الدول الثلاث متجاوزًا قطاع الطاقة ليشمل الأمن الإقليمى والتعاون الاقتصادى والثقافى والعسكرى والأمنى، وقضايا السياسة الخارجية بمعناها الواسع، بما فيها سبل التصدى للتحديات التى تواجه منطقتى الشرق الأوسط وشرق المتوسط. ومن المأمول أن يتسع هذا التحالف الاستراتيجى فى مجال الطاقة ليشمل ليبيا بعد عودة الاستقرار إليها وانسحاب القوى الأجنبية منها.
وقد شهدت القمة التاسعة توقيع الاتفاق الثلاثى فى مجال الربط الكهربائى، للبناء على ما تم قبل أيام بإبرام اتفاقيتين ثنائيتين لربط الشبكة الكهربائية فى مصر مع كل من اليونان وقبرص ثنائيًا، كخطوة تمهيدية- حسبما أشار الرئيس السيسى فى كلمته أمام القمة- للربط الكهربائى مع بقية أرجاء القارة الأوروبية لاحقًا. وتجدر الإشارة فى هذا السياق إلى أن نصف عدد الدول الأعضاء فى منتدى غاز شرق المتوسط هى دول أعضاء فى الاتحاد الأوروبى، باعتباره السوق المستهدفة بصادرات المنطقة من الغاز الطبيعى. وفى هذا الصدد أشار الرئيس السيسى فى كلمته إلى سعى كل من مصر وقبرص إلى الإسراع فى خطوات تنفيذ مشروع خط الأنابيب الذى سيربط حقل «أفروديت» القبرصى (المشترك بين قبرص وإسرائيل، لكن الجزء الأكبر منه يقع فى الجانب القبرصى، وإن لم يتفق البلدان بعد على تحديد حصة كل منهما بدقة) بمحطات الإسالة المصرية، تمهيدًا للتصدير للأسواق الأوروبية بدءًا باليونان. ولا شك فى أن اكتشاف حقل ظهر العملاق للغاز الطبيعى فى أغسطس عام 2015 قد أحدث نقلة نوعية فى الوضعية الجيواستراتيجية للطاقة فى مصر، وعزز من جدارتها لتكون مؤهلة- باعتراف دول المنطقة وخارجها- لأن تصبح المركز الإقليمى لتداول وتجارة الطاقة فى المنطقة بحكم بنيتها التحتية فى هذا الشأن، ونجاحها فى خلق بيئة داخلية جاذبة لاستثمارات شركات الطاقة العالمية لها.
وهكذا ساهمت هذه الآلية فى تغيير البيئة الإقليمية بطريقة ساهمت فى تعزيز الدور المصرى فى المنطقة، وتوسيع نطاق تعاونها مع الشركاء، وتحسين القدرة على مواجهة التحدى الرئيسى الذى تمثله تركيا إزاء تطوير التعاون الإقليمى، بما يكفل الاستغلال الأمثل للطاقة فى شرق المتوسط.
ومما لا شك فيه أن قمة أثينا انطوت على رسالة بالغة الأهمية، مفادها أن مصر، وشريكيتها، تحترم التزاماتها وتعهداتها، كما أنها عازمة على المضى قدمًا فى ترسيخ شراكاتها الاستراتيجية فى إطار آلية التعاون الثلاثى. والرسالة موجهة بالقطع لتركيا، التى عقدت جولتين استكشافيتين مع مصر فى الفترة الأخيرة، كما عقدت مؤخرًا الجولة الاستكشافية الــ63 مع اليونان. وتأتى رسائل، رسمية وإعلامية، من حين لآخر من أنقرة، تترك انطباعات غير حقيقية عن واقع علاقات تركيا وسياساتها الإقليمية تجاه الدول الثلاث، وبالتالى من المهم أن تتواصل هذه الدول للتأكيد على ثوابت شراكتها. وقد كان لافتًا فى هذا السياق تأكيد الرئيس السيسى فى كلمته أمام القمة على الآتى بصفة خاصة:
– ضرورة احترام وحدة وسيادة بلدان المنطقة، وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية ومراعاة مقتضيات الأمن البحرى لكل دولة، كونه جزءًا من الأمن الإقليمى.
– موقف مصر المعروف من القضية القبرصية والقائم على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والقاضية بإعادة توحيد شطرى الجزيرة وعدم الاعتراف بتقسيمها.
ومن المعروف أن تركيا تبذل جهودًا حثيثة للتقارب مع إسرائيل على أمل كسر هذه الآلية للتعاون الثلاثى. واللافت هنا أن الجانب التركى- ولكى يستميل نظيره الإسرائيلى- يشير إلى نفس الحجة التى استخدمتها القيادة التركية من قبل لاحتواء ردود فعل دول المنطقة، وعلى رأسها مصر، على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع حكومة السراج فى ليبيا فى نوفمبر 2019، بالقول بأن خط الحدود البحرية الموقع بين إسرائيل وقبرص (فى ديسمبر 2010) يظلم إسرائيل عمليًا، وأنه فى حال التوصل إلى اتفاق ترسيم حدود بحرية بين تركيا وإسرائيل، سيضاف إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل نحو 16 ألف كم مربع، تشمل المنطقة التى يوجد بها حقل الغاز القبرصى «أفروديت».
وكان الاتفاق الموقع بين مصر واليونان بترسيم حدودهما البحرية فى 6 أغسطس 2020، قد منح مصر منطقة اقتصادية خالصة أقل، فى العلاقة مع اليونان، مما كان الاتفاق التركى/ الليبى يعطيه لها، وهو ما سعت تركيا لترويجه على أمل إثناء مصر عن اعتراضها الشديد على هذا الاتفاق وتأكيد بطلانه، إلا أن القاهرة آثرت الالتزام بأحكام القانون الدولى ذات الصلة والتضامن مع شركائها فى آلية التعاون وتفويت الفرصة على أنقرة لدق إسفين بين القاهرة وحليفتها اليونان. وفى ذات السياق، جاء تصريح الرئيس السيسى، بعد توقيع صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل عام 2018، بأن مصر «سجلت هدفًا كبيرًا (ضمنًا ضد الأتراك). وعندما وقع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اليونان، استنادًا إلى أحكام القانون الدولى واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، تحدث الإعلام المصرى عن تسجيل «الهدف الثانى»، حيث ينظر إلى ترسيم الحدود البحرية بين البلدين على أنه خطوة رئيسية لمحاصرة تركيا دبلوماسيًا وعمليًا.
أخيرًا، من المهم التأكيد على أن الآلية الثلاثية باتت جسرًا مهمًا للتعاون بين مصر والاتحاد الأوروبى، الشريك الاقتصادى والتجارى الأكبر لمصر. وفى هذا السياق وبجانب التعاون فى مجال الطاقة، حرص الرئيس السيسى على إطلاع شريكيه القبرصى واليونانى على آخر تطورات الموقف المصرى من سد النهضة، والذى يلقى دعم البلدين، كما أطلعهما على الرؤية المصرية بالنسبة لعدد من الملفات المدرجة على أجندة العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى، وأبرزها ملف حقوق الإنسان ارتباطًا بالاستراتيجية الوطنية التى أطلقتها مصر فى هذا الشأن فى سبتمبر الماضى، وملف الإرهاب، والهجرة غير الشرعية وما يرتبط بها من أنشطة الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر.
وقد اتخذ الرئيس الخطوة ذاتها قبل أيام خلال مشاركته فى قمة بودابست للدول الأربع الأعضاء فى مجموعة «فيشجراد» (التشيك- سلوفاكيا- المجر- بولندا)، وهى كلها أعضاء فى الاتحاد الأوروبى وفى منظمة حلف شمال الأطلنطى.
نشر المقال بجريدة المصري اليوم بتاريخ 1 نوفمبر 2021 ورابط:
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2451910