
نافخ الصافرة
أكتوبر 26, 2021
السفير د. عزت سعد يكتب: آلية التعاون الثلاثى المصرى اليونانى القبرصى كيف غيرت مصر البيئة الإقليمية شرق المتوسط؟
نوفمبر 1, 2021بقلم السفير محمد سعد
ملاحظات عامة([*])
إتصالاً بحديث التطبيع الخليجي/ الإسرائيلي، فإنه قد يكون من المفيد التطرق إلى بعض التحديات والاتجاهات العامة في المنطقة، ومدى إرتباطها بمصالحنا الوطنية، لتحديد البدائل المتاحة أمام صانع القرار للتعامل معها.
١- سيظل الشرق الأوسط يحظى بأهميته الاستراتيجية بحكم الموقع وبحكم الثروة البترولية، وما يرتبط بها من ثروات مالية (صناديق الثروة السيادية)، وهو ما يعزز من إستمرار قوة الدولار الأمريكي في النظام المالي العالمي، كما أن الوجود والأمن الإسرائيلي يعظم من القيمة الاستراتيجية لاسيما في ظل السياسة القائمة على منع أى دولة فى المنطقة من إمتلاك سلاح نووى، أو الإخلال بمعادلات القوة لغير صالح إسرائيل.
٢- أن تراجع السيطرة الأمريكية الأحادية على مقاليد القوة فى العالم، سواء فى ظل ثنائية جديدة (أمريكا والصين) أو تعدد أقطاب (أمريكا- الصين- روسيا- الإتحاد الأوروبي) سيزيد من حدة التنافس فى المنطقة، ويصاحبه تنافس إقليمى حاد (إيران- تركيا- إسرائيل- مصر- السعودية)، ولعل الإنسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان والعراق سيزيد من تصاعد النفوذ الإقليمي لبعض هذه الأطراف، وبصفة خاصة تركيا وإيران.
٣- قدرة عدد من دول المنطقة على مواجهة الضغوط الديموغرافية المتمثلة فى الزيادة السكانية والطفرة فى أعداد الشباب، فى ظل ضغوط إقتصادية وإجتماعية، وفى ظل محدودية الموارد، وسوء توزيع الدخل،
مما قد يرتب تداعيات خطيرة على صعيد الإستقرار السياسى، خاصة مع غياب رؤى إصلاحية يعتد بها، وفى ظل وباء كورونا، علاوة على مشاكل بيئية تتعلق بتغير المناخ وندرة المياه والغذاء والتصحر واللاجئين.
٤-إستمرار تأثير جماعات العنف والتطرف فى التأثير على مجريات الأحداث فى المنطقة لاسيما فى ظل عدم تحقيق إختراقات على صعيد تسوية الصراعات فى المنطقة (سوريا- ليبيا- اليمن) فى ظل صعوبة حسم هذه الصراعات عسكرياً. هذا بالإضافة إلى الأزمات الوجودية فى عدد من دول المنطقة (العراق – لبنان).
٥- إستمرار مراوحة القضية الفلسطينية مكانها دون أفق حل يقوم على مبدأ مقايضة الأرض بالسلام، وفى ظل معادلات الصراع الفلسطينى/ الفلسطينى القائمة.
التطبيع الخليجى مع إسرائيل وتوازن القوى فى الشرق الأوسط:
أولاً: لكى نفهم هذا التطور الهام لابد من العودة إلى الإتفاق النووي مع إيران عام ٢٠١٥،فى ظل الإدارة الديمقراطية لأوباما، وهو إتفاق دفع دول الخليج، وبصفة خاصة السعودية والبحرين والإمارات إلى دق ناقوس الخطر، لاسيما وأن هذا الإتفاق جاء على خلفية التمدد الإيراني فى العراق وسوريا ولبنان وغيرها، وبدا وكأن الإتفاق جاء ليؤشر على مرحلة جديدة تستطيع فيها إيران أن تتحول إلى اللاعب الأكثر تأثيراً فى المنطقة، فهى تملك مواطئ قدم راسخة فى الإقليم ، وهى تملك قدرات عسكرية تقليدية وغير تقليدية، كما أنها إستطاعت أن تصمد فى وجه الحصار ومحاولات الإختراق من الخارج، وهى تحقق إختراقاً فى جدار العزلة الدولية، تستطيع الإدعاء حقاً بأن ثورة الخمينى قد آن لها أن تحظى بإستراحة المحارب المظفر، وأن الشعب الإيراني سيجنى مكاسب هذا الإتفاق على المستوى الإقتصادى والسياسي والأمني، دون أن يتنازل عن أى من ثوابته العقائدية وطموحاته التاريخية.
هكذا بدى المشهد آنذاك، وهكذا قرأته دول المنطقة، وفى الصدارة منها دول الخليج العربى الثلاث.
ثانياً: فى تقدير كثير من المتابعين والمتخصصين فى الشأن الخليجى، أن الدول الثلاث وعلى رأسها الإمارات، رأت فى إسرائيل طوق النجاة الوحيد، بإعتبارها القوة الإقليمية ذات الوزن والثقل العسكري الأكبر فى المنطقة، والقادرة على مواجهة سيناريوهات العدوانية الإيرانية، بل أنها،أى إسرائيل، لا تستبعد خيار المواجهة العسكرية مع إيران بإعتباره الخيار الأوحد لمواجهة الكابوس النووي الإيراني. وفى ضوء هذا التلاقى الإستراتيجى بدأت منذ ذلك التاريخ،تحركات وإتصالات مكثفة بين الجانبين لفتح صفحة جديدة فى العلاقات. وفى التقدير أن الأطراف الخليجية كانت تطمح فى الإحتفاظ بهذه العلاقات فى إطار من السرية والحذر، إلا أن ما عجل بإعلانها على هذا النحو إعتبارات سياسية تتعلق أساساً بحاجة كل من ترامب ونتنياهو لتحقيق إختراقات على صعيد السياسة الخارجية لتعزيز شعبيتهما، وفرصهما فى السباق الانتخابي.
وهو ما برز فى المشهد الإحتفالى المرتجل والمرتبك فى البيت الأبيض للتوقيع على إتفاقيات التطبيع بين الجانبين.
ثالثاً: رغم التحولات الدراماتيكية فى السياسة الخارجية الأمريكية فى ظل إدارة ترامب، لاسيما على صعيد تجميد الاتفاق النووي مع إيران، وفرض المزيد من العقوبات عليها، إلا أن ترامب بدا واضحاً أنه ليس فى وارد تقديم حماية مجانية للخليج، ولعل مطالبته المتكررة بالدفع مقابل هذه الحماية، خير تعبير عن هذا التوجه الذي زعزع من الثقة الخليجية فى الإلتزام الأمريكي التاريخي بحماية أمن الخليج.
وفى ضوء هذا الموقف الأمريكي الذي تعزز مع إدارة بايدن، بالحديث عن تخفيض كبير فى الوجود العسكري الأمريكي فى العراق وسوريا وحتى فى الخليج، يصبح الخيار الإسرائيلي هو الخيار الأمثل لملأ الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة، خاصة وأن عودة بايدن إلى مائدة المفاوضات مع إيران يعيد بالنسبة لهذه الدول هواجس مابعد اتفاق ٢٠١٥.
رابعاً: ساهم عدد من العوامل بتسريع وتيرة العلاقات مع إسرائيل، على نحو بدا لكثيرين وكأنه مشهد من مشاهد مسرح العبث، يمكن إيجازها فيمايلى:
١-أن البيئة الدولية مهيأة تماماً لهذه الخطوة، فلا يوجد فاعل دولى يعتد به لا يرحب بعلاقات جيدة مع إسرائيل، بما فى ذلك روسيا والصين. بل أن هذه الخطوة ستفتح آفاقاً وفرصاً على أكثر من صعيد إقليمياً وأمريكياً وأوروبياً……..
٢-على المستوى الإقليمي، وفى ظل حالة الفراغ السياسى والأمني فى العالم العربى، والصراعات والحروب الأهلية التى تخوضها ما يعرف بدول الممانعة، وعلى رأسها سوريا وحلفائها فى لبنان، من شأنه أن يجعل تمرير هذه الإتفاقيات أمراً لا يرتب آثاراً أو تداعيات سياسية أو أمنية يعتد بها على تلك الدول.
٣-لعلنا لا نذيع سراً، إذا قلنا بأن القضية الفلسطينية لم تعد تمثل نقطة محورية لدى الأنظمة العربية فى ظل حالة التهميش التى تعانيها عملية التسوية، والإنقسام الفلسطينى، وتغير الأولويات فى المنطقة.
٤- على المستوى الخليجى المحلى، فقد وقر فى أذهان قطاعات من الرأي العام أن رفاهية بلادهم يعلو فوق أى إعتبار، وأنه إن كان هناك من خطر، فهو ليس إسرائيل، بل إيران وربما جيران اخرون، بالإضافة إلى جماعات العنف والإرهاب.
مصر والتعامل مع الإتجاهات العامة والتوقعات فى الشرق الأوسط:
يرى أن تعتمد مصر فى تعاملها مع التطورات فى المنطقة،على تحرك دبلوماسى فعال على أكثر من مستوى:
١- إعداد خطة للتحرك مع الأطراف الدولية ذات الوزن والتأثير فى المنطقة، وفى صدارتها الولايات المتحدة وروسيا والصين، مع الأخذ فى الإعتبار كافة أوجه التعارض والتلاقي بين مصالح هذه الأطراف، ولعله ليس من قبيل المبالغة القول بأن مصر تحتاج إلي فلسفة أو إطار مرجعى مرن، تستطيع من خلاله أن تضع سياسات عامة منسقة وموضع إتفاق بين المؤسسات المشاركة فى صنعها، بحيث يصبح هذا الإطار المرجعى بمثابة دليل عمل ومرجع لا غنى عنه، مع التأكيد على ضرورة خضوع هذا الإطار لمراجعات دورية،ويرافقه قدرة وسرعة إستجابة فائقة للتعامل مع الأزمات الطارئة.كما أن هذا يستدعى أيضاً عملية حشد لكافة القدرات الوطنية خاصة على صعيد القدرات البشرية المتاحة، ومؤسسات المجتمع المدنى ذات الصلة، والمراكز البحثيةإلخ………
٢- إن مصر مدعوة أيضا لبدء حوارات على المستوى الإقليمي ومع اللاعبين الفاعلين، فى إطار الإطار المرجعى المشار إليه، ولعل البدء فى فتح حوار بناء مع قطر، وبدرجة أقل مع تركيا، سيستدعى أيضاً حواراً مع إيران يراعى الحساسيات الخليجية، ولكن يفتح الباب لمصر للتحرك بفاعلية أكبر فى العديد من الملفات العالقة ذات التأثير المباشر على مصالح مصر الحيوية فى العراق وسوريا ولبنان واليمن.
٣- السعى للمشاركة بفعالية فى كافة الأطر والآليات الخاصة بالأمن الإقليمي الجماعى، بل والمبادرة -بالتنسيق مع الأطراف الفاعلة – فى دراسة وطرح آليات لتحقيق إستقرار إقليمى فعال وقابل للحياة، خاصة فى ظل مايطلق عليه إعادة هيكلة الوجود العسكري الأمريكي فى المنطقة.
٤- ليس من قبيل المبالغة، القول بأن التطورات الخاصة بصراعات المنطقة قد وصلت إلى مرحلة شارفت فيها الأطراف الإقليمية والدولية على إدراك أن إستمرارها يدخل فى باب العبث، فى ظل العبء المالى على ميزانياتها لاسيما مع الأزمات المالية الحادة وتداعيات أزمة كورونا.بالإضافة الى وصول الصراعات إلى نقطة توازن لا يستطيع فيها أى من أطرافها الإدعاء بتحقيق نصر أو هزيمة حاسمة.
ه-لابد من إدراكنا بأن دول الخليج النفطية باتت تعاني أزمات مالية نتيجة لتراجع أسعار النفط وازمة كورونا، إضطرت معها إلى إرجاء إصلاحات إقتصادية وإجتماعية وتراجع معدلات النمو، الأمر الذي يعنى تراجع فى تأثيرها الإقليمي الناتج عن تراجع دعمها للعديد من الأطراف بما فيها مصر- وهو أمر ينطبق على أطراف عديدة فى المنطقة كإيران وتركيا- ولعل ما سبق يدعو مصر لصياغة علاقاتها مع الخليج برؤية تتجاوز قضية الدعم المالى الخليجى مقابل التأييد والدعم الأمني والسياسي.
وأخيراً، وليس آخرا، فإن الملف الفلسطينى لابد وأن يحظى فى هذه المرحلة برؤية ثاقبة مخططة يدخل فى جزئياتها التحرك على أكثر من صعيد أمريكياً وإسرائيلياً وعربياً وأوروبياً.
5- أما عن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية في سوريا، فهى فى وضع كارثى، يصعب تصور إصلاحه فى المدى المنظور. فبالإضافة إلى لجوء ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان، فإن حوالي ٨٠٪ من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وواصلت الليرة السورية إنهيارها لتصل إلى أكثر من ٣٠٠٠ ليرة مقابل الدولار الواحد، بعد أن كان الدولار يعادل ٤٧ ليرة قبل عام ٢٠١١، وتراجع الناتج المحلى الإجمالي من ٦٠ مليار دولار قبل ٢٠١١ ليصل الآن إلى ٢٠ مليار. كما أن البنية الأساسية قد طالتها آلة الدمار على نحو جعل البعض يقدر تكاليف إعادة الإعمار بحوالي ٢٥٠ مليار دولار.
وتمثل العقوبات الغربية المفروضة على النظام أحد العوائق التى ستشل من قدرته على تطبيع علاقاته مع العالم وعودة الإقتصاد السورى للإندماج فى الإقتصاد العالمي.
ولا شك أن قدرة النظام ومؤسساته تتسم بالضعف، بما فى ذلك الجيش والأجهزة الأمنية، للإضطلاع بأدوارها فى الإدارة والتحكم، فى ظل التواجد العسكري والأمني الأجنبي، سواء من قبل القوات العسكرية أو عناصر المليشيات الشيعية، هذا بالإضافة إلى الميليشيات التابعة للنظام، بالإضافة إلى ما يطلق عليهم الشبيحة أو اللجان الشعبية.
من ناحية أخرى، تتزايد حدة الإنقسامات بين أطياف المجتمع السورى، فى ظل التركيبة المعقدة العرقية والطائفية، خصوصاً فى ظل تصاعد دور التنظيمات الجهادية، وتزايد عمليات التشيع التى ترعاها إيران فى العديد من المناطق، علاوة على لعب النظام بالورقة الطائفية، فى إطار لعبة تهديد وتخويف كل طائفة من الأخرى، وفى ظل ماتمثله قضية الأكراد من إشكاليات ليس فقط على المستوى الداخلى، بل على المستوى الإقليمي والدولى.
ولا شك أن حالة التدهور الإقتصادى والسياسي التى تعانيها لبنان تنعكس سلباً على قدرة النظام على الإستفادة من نافذة خلفية طالما حرصت سوريا على الإستفادة منها.
ويخطئ البعض فى عالمنا العربى، حين يظن أن بشار الأسد خرج من الحرب منتصراً، أو أن الحرب الأهلية الدائرة فى سوريا قد وضعت أوزارها لصالح النظام.
ويجب أن نستعد لمرحلة جديدة يتم خلالها إعادة تأهيل النظام وعودته إلى بيت العرب،والشروع فى إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، بل أكثر من هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها حلفاءها، وقد إنسحبوا من أفغانستان بصورة مخزية، مفسحين المجال لعودة طالبان، التى جيشت الجيوش لحربها على مدى عشرين عاماً، ستضطر فى نهاية المطاف للتعامل مع بشار الأسد دون قيد أو شرط!
وهكذا وبتلك الإريحية، راحت بعض الدوائر تتحدث عن أن سوريا الأسد، كانت وستظل الرقم الصعب فى معادلات الشرق الأوسط، وأنها وقد أحبطت المؤامرة الإمبريالية /الصهيونية، للنيل من آخر معاقل الممانعة والصمود والتصدي، ستعود مرة أخرى لتقف حاجزاً منيعاً دفاعاً عن الأمن القومي العربى.
وقد تناسى هؤلاء، حقائق وديناميات ومرارات ومآلات الصراع على مدى أكثر من عشر سنوات:
-
– فالنظام لا يحكم سيطرته على كامل التراب السورى، فما زال الشمال السورى ، شرقه وغربه خاضعاً للولايات المتحدة وتركيا وحلفائهم.
-
– والنظام أصبح رهينة فى يد داعميه الرئيسيين (إيران وروسيا)، بالإضافة إلى حزب الله والمليشيات الشيعية.
-
– إنتهاكات إسرائيل المتتابعة للمجال الجوى السورى بغرض إستهداف الوجود الإيراني ووجود حزب الله.
-
– تحتفظ تركيا والولايات المتحدة بوجود عسكرى على الأراضى السورية.
-
-غياب أى أفق لمصالحة وطنية أو صيغة تشاركية، أو مرحلة إنتقالية تتضمن إصلاحاً دستوريا بما يضمن إنتقالا سلمياً يجنب البلاد مزيد من ويلات الصراع.
6- ستظل تركيا تمسك بأوراقها فى الملف من خلال الإبقاء على قواتها العسكرية فى الشمال حفاظاً على مصالحها الإستراتيجية المتمثّلة فى منع الأكراد من إستغلال الصراع لتحقيق أية مكاسب سياسية سواء داخل سوريا أو بالتحالف مع حزب العمال الكردستانى، بالإضافة إلى منع المزيد من موجات لجوء ونزوح اللاجئين السوريين إلى الأراضى التركية، علاوة على إستخدام معبر باب الهوى ممراً أساسياً لمرور المساعدات الإنسانية إلى الشمال السورى، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية.
7- على الصعيد العربى، فقد تراوحت المواقف العربية من الازمة السورية ما بين تدخل خليجى قادته السعودية وقطر ضد النظام، ربما لحسابات خاطئة تتعلق بإمكانية سقوط النظام،ثم إحجام عن التدخل نتيجة لاعتبارات عديدة، منها قوة ووتيرة التدخل الإقليمى والدولى فى الصراع، والتخوف من التيارات الإسلامية التى إنخرطت فى الصراع، خاصة مع دخول تنظيم الدولة إلى الحلبة نهاية ٢٠١٤ وما ترتب عليه من تدخل دولى مكثف لمواجهة هذا الخطر. كما رأى العديد من الأطراف العربية فى التدخل العسكري التركى فى سوريا مدعاة لقلق بالغ خاصة مع السياسة التركية العدوانية فى ليبيا،ويضاف إلى ماتقدم تأثر العديد من الدول بالموقف الأمريكى الذى حاصر النظام وأعوانه من خلال العقوبات أو ما يعرف بقانون قيصر.
وبصفة عامة يمكن القول أن العرب وجامعتهم العربية فشلت فى بلورة موقف عربى تجاه واحد من اهم القضايا الإسترتيجية العربية.
8- ستبقي إسرائيل طرفاً إقليمياً معنياً بكيفية إدارة الصراع وأطرافه ومخرجاته، كما يصعب تصور تسويته بعيداً عن الرؤية والمصالح الإسرائيلية.
9- لعل تأثير الموقفين الروسى والأمريكى على مجريات الصراع، جعلت كثير من الأطراف تعلق آمالاً على التحولات فى مواقف الطرفين، لاسيما وأن الروس، وقد حقق حليفهم نصراًعلى خصومه لن يبقى موقفهم على ماهو عليه دون أفق سياسي لحل معضلات ما بعد الحرب، كما أن الإدارة الأمريكية الجديدة لم تحسم موقفها بشكل نهائي من مسارات الصراع فى سوريا أو أفق التسوية.
10- إتصالاً بالملف السورى، وما أشرنا إليه من إعتبارات تتعلق بصعوبة، إن لم يكن إستحالة، الحديث عن خيار إعادة تأهيل النظام السورى، وعودته لممارسة دوره السابق، سواء فيما يتعلق بصيغة الحكم التى أورثه إياها والده، والتى تقوم على أساس السيطرة والتسلط الأمني، والإستناد إلى قاعدة ولاء
طائفية ضيقة، أو فيما يتعلق بلعبة التوازنات وتوظيف التناقضات الإقليمية والدولية لضمان دور سورى نشط وفعال فى العديد من القضايا الحيوية فى المنطقة.
-
– فعلى الصعيد الداخلى، ستبقى المعارضة السورية، رغم تشرذمها وإرتباط العديد من فصائلها وأجنحتها بأجندات داعميها الأقليميين والدوليين، رقماً يصعب تجاوزه فى أى محاولة لإعادة رسم مستقبل سوريا السياسى كدولة موحدة، سواء على صعيد المشاركة السياسية والحريات العامة والحكم الرشيد،أو على صعيد إستيعاب التطلعات العرقية فى إطار سوريا الموحدة.
-
– أما على الصعيد الإقليمي، تواجه سوريا معضلات غير مسبوقة، فإيران لم تعد ورقة سياسية، يحسن النظام توظيفها على مدى سنوات طويلة ومنذ الثورة الإيرانية، بل تحولت إلى قوة عسكرية ومليشياوية ذات حضور أمنى/ عقائدي لايستهان به، سواء تعلق الأمر بمدى قدرة النظام على كبح جماح هذه القوة داخلياً أو إقليميا، بالإضافة إلى قدرتها إستخدام إيران الورقة السورية فى معادلاتها الإقليمية، بما فى ذلك عملية تسوية الأزمة السورية نفسها.
وفى تقدير البعض فإن أفق التسوية السلمية ستبقى رهناً بعدد من العوامل المرتبطة بمواقف الأطراف الدولية والإقليمية، وإمكانية فك حالة الإشتباك والتعقيد التى تحيط بمصالح هذه الأطراف وذلك على النحو التالى:
-
– إمكانية توصل روسيا والولايات المتحدة إلى تفاهمات حول التسوية فى سوريا، ولا يتصور عاقل أن تقوم تلك التسوية على بقاء النظام بصورته الحالية، بل ربما تكون هذه الصيغة أقرب الى صيغة الحل الوسط المرحلية القائمة على مخرجات اللجنة الدستورية، وعملية جنيف، وصيغة أستانا، وجميعها صيغ تقوم على جعل النظام طرفاً فى العملية السياسية، ويتم ربط هذه العملية بملفات اعادة التعمير، وعودة اللاجئين. وفى هذه الحالة من المتصور أن يتم إعطاء النظام السورى بعض الحوافز مثل تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها معه، وربما إعادته للجامعة العربية (وهي عمليه بدأتها بالفعل أطراف خليجية مثل الإمارات، والبحرين والسعودية) يضاف إليهم الأردن والعراق.
-
– كما أنه من المتصور أن تشرع موسكو فى حوارها مع أنقرة إلى طرح هذا التصور، مضافاً إليه تهدئة مخاوف أنقرة بشأن الملف الكردى، وهو أمر يَصْب أيضا فى مصلحة الأطراف الأخرى المعنية بالموضوع الكردى (العراق- إيران – سوريا) وهي ملفات يتوجب على أنقرة أن تجلس مع الجانب السورى لمناقشتها. وعليه، ليس من المستبعد أن تقدم أنقرة على بدء حوار إستكشافى مع دمشق قريباً.
-
– تبقى طهران الطرف الأكثر صعوبة فى هذه المعادلة، ولعل السلوك الإيرانى سيتأثر بعدد من المعطيات الهامة أهمها:
أ- نتائج المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني، وأمكانية تحقيق تقدم فى ملف التطبيع الغربى مع إيران.
ب- نجاح المفاوضات بين السعودية وإيران التى ربما يتبعها مواقف خليجية أخرى فى إتجاه الحوار وبعيداً عن المواجهة.
-
– محاولة إستيعاب المصالح الإيرانية، وفى نفس الوقت السعي لتحسين سلوك إيران الإقليمي في سوريا والعراق ولبنان وغيره، من خلال بدء حوار بناء مع طهران.
أخيراً فإن دول المنطقة، ومعها الأطراف الدولية الفاعلة، ستكون مطالبة في مرحلة من المراحل بإيجاد صيغة ما للأمن الإقليمي، قادرة على التعامل مع التحديات التي تخطت قدرة أي طرف منفرداً أو حتى تجمع محدود من الدول على التصدي لها.