فى ندوة “الجهود المصرية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر”
ديسمبر 21, 2021تعليقاً على موقف مسئول سابق تركى خلال زيارته المجلس المصرى
ديسمبر 22, 2021
السفيرة / نائلة جبر
رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر
كانت مصر سباقة في إنشاء آلية مؤسسية لمكافحة كل من الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، حيث بدأت منذ عام 2007 بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء 1584 لسنة 2007 في إنشاء لجنة وطنية تنسيقية، تابعة لوزارة الخارجية، لمنع ومكافحة الاتجار في الأفراد، وفي عام 2014 تم تأسيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء 380 لسنة 2014، وأخيراً في عام 2016 تم دمج اللجنتين بموجب القانون 82 لسنة 2016 الخاص بمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية وتهريب المُهاجرين، وتشكلت اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء 192 لسنة 2017، وتتبع رئاسة مجلس الوزراء، وتضم في عضويتها حالياً 30 وزارة وهيئة ومجلس قومي، ويقع مقرها بوزارة الخارجية.
ولمصر في هذا الشأن سياسة متكاملة، تقوم على توفير بيئة حاضنة لمواطنيها واحترام المواثيق الدولية ذات الصلة من أجل التعامل مع هذه الجرائم، فالدولة المصرية لا تنظر إلى تهريب المُهاجرين والاتجار بالبشر باعتبارهما جرائم عبر وطنية فقط، بل تنظر إليهما كانتهاك لحقوق الإنسان، ولذلك فإن اللجنة الوطنية تضم في عضويتها المجلس القومي لحقوق الإنسان، والمجلس القومي للطفولة والأمومة، والمجلس القومي للمرأة، ولأنها ايضاً جرائم ترتبط بالفساد وغسل الأموال، تضم اللجنة في عضويتها هيئة الرقابة الإدارية ووحدة غسل الأموال.
هذا، وتختص اللجنة الوطنية بتنسيق الجهود المشتركة على المستويين الوطني والدولي، ووضع السياسات والدراسات والخطط والبرامج لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، بالإضافة إلى، على سبيل المثال لا الحصر، العمل كمرجعية استشارية للسلطات والهيئات المعنية، كما يناط بها إعداد ورفع التقارير مباشرة إلى السيد رئيس مجلس الوزراء.
وإذا توقفنا عند الجانب التشريعي، نجد أن مصر انضمت إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية واثنين من البروتوكولات الملحقة بها وهما: بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، وبروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو، بالإضافة إلى حرص مصر على صياغة تشريعات وطنية تتسق مع التزاماتها التعاقدية المترتبة إلى انضمامها لهذه الصكوك الدولية، واحترامها لمبادئ ومعايير حقوق الإنسان المتعارف عليها دولياً.
فكان القانون 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر، الذي وضع عناصر جريمة الاتجار دون تقيدها بشكل معين من أشكال الاستغلال، مما أتاح للقائمين على إدارة العدالة بضبط جرائم مستحدثة مثل جرائم الابتزاز والتهديد من خلال الانترنت (الجريمة الالكترونية) باعتبارها من جرائم الاتجار. أما القانون 82 لسنة 2016 بشأن مكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية وتهريب المُهاجرين، فهو أول قانون في منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا يُعرف جريمة تهريب المهاجرين ويوقع العقوبات على مُرتكبيها، مما عزز عنصر الردع حيال عصابات التهريب، وقد رحبت المحافل الدولية ذات الصلة بالقوانين الوطنية المصرية، وأشادت بهما، ولاسيما بالنسبة لاحترامهما مبادئ ومعايير حقوق الإنسان المتعارف عليها دولياً.
حرصت اللجنة الوطنية ايضاً، إلى جانب تشريع القوانين، على إجراء الدراسات للتعرف على أشكال وأنماط الجريمتين وصورهما في المجتمع المصري، فكانت الدراسة الأولى، التي وضعها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حول أشكال الاتجار الخمس وهي زواج الصفقة، والاتجار بالأعضاء البشرية، والعمل القسري، والاستغلال الجنسي، واستغلال أطفال بلا مأوى، ثم وجهت اللجنة الوطنية، في عام 2016، بإعداد أول دراستين حول “الهجرة غير الشرعية والشباب” و”الهجرة غير الشرعية والأطفال غير المصحوبين”، وذلك بغرض التعرف على مسارات الهجرة غير الشرعية والقوى الدافعة ورائها، كما قامت الدراستان برصد المحافظات المصرية الاكثر تصديراً للهجرة غير الشرعية.
وقد ساهمت هذه الدراسات في تمكين اللجنة الوطنية من إعداد استراتيجيات وخطط عمل تتسق مع الواقع المصري، وذلك بعد التعرف على الأسباب والدوافع التي تساعد على تطور هذا النوع من الجرائم، بما يُمكن اللجنة على وضع خطط عمل تحلل الجريمة وتضع سبل التوعية لمحاربتها ومواجهتها. بالإضافة إلى، إعداد وإصدار أول خريطة إيضاحية لمصر عام 2016، حُددت بموجبها المحافظات والقرى الاكثر تصديراً للهجرة غير الشرعية، وذلك بالتعاون مع الهيئة المصرية للمساحة، الأمر الذي ساعد الوزارات والهيئات التنفيذية في استهداف هذه المحافظات في كل من العمليات التوعوية والتنموية، وتم ذات الشيء بالنسبة لجرائم الاتجار بالبشر.
أما فيما يتعلق بالجانب التنفيذي (العملي)، فقد قامت اللجنة الوطنية بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر (2016 – 2021)، تقوم على أربعة محاور وهي: التدابير الخاصة بالمنع والوقاية وتجفيف المنابع، التدابير الخاصة بالمكافحة والمعاقبة ومنع الإفلات من العقاب، التدابير الخاصة بالحماية والمساعدة، التدابير الخاصة بالشراكات.
قد تم إطلاق أول استراتيجية وطنية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية (2016 – 2026)، والتي انبثق عنها ثلاث خطط عمل، حيث تم تنفيذ وتقييم خطة العمل الوطنية الأولى (2016 – 2018)، وخطة العمل الوطنية الثانية (2018 – 2020)، كما تم إطلاق خطة العمل الوطنية الثالثة (2021 – 2023)، والتي تتسق مع إستراتيجية مصر (2016 – 2030).
تجدر الإشارة إلى ان اللجنة الوطنية اهتمت بالتحرك على ثلاثة محاور أساسية بالنسبة لتنفيذ استراتيجياتها وخطط العمل المنبثقة عنها، وهي: الإعمال الفعال للقانون (Full Implementation of the law) وما يرتبط بالتعريف بالقانون وتدريب الجهات العاملة بجهات إدارة العدالة، لضمان إنفاذ القانون وتحقيق دوره الأساسي في تحقيق الردع العام ومعاقبة الجناة وحماية المواطن، والتوعية بما يرتبط بذلك من استخدام وسائل الاعلام وكل طرق التعريف الحديثة الالكترونية، وخطط التنمية وهي خطط تقوم بها الدولة، وتتبنى اللجنة نتيجة لتشعب علاقاتها بالجهات المانحة بعض المشاريع الرائدة (Pilot Projects) كنموذج يحتذى به في مجالات التنمية، ولمكافحة الجريمتين.
هذا، وفي عام 2017، قامت اللجنة الوطنية بإطلاق حملة التوعية الخاصة بمكافحة الهجرة غير الشرعية تحت مسمى “اهلك.. حلمك.. حياتك.. لا للهجرة غير الشرعية”، بمشاركة كابتن حازم إمام، وتم إعداد وإذاعة برامج ومسلسلات إذاعية حول مخاطر الهجرة غير الشرعية والبدائل الإيجابية المتاحة منها مسلسلات “رايح على فين يا سلامة” و “أنقذني شكراً”، وتلا ذلك الموجة الثانية
بعرض أغنية “فارس”، لمغنى الراب زاب ثروت والمغني الشعبي احمد شيبه في مايو 2018،
كما تم تنظيم برامج توعية مجتمعية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عاماً بالتعاون مع المجلس القومي للطفولة والأمومة للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية بالمدارس ومراكز الشباب ودور الثقافة داخل المحافظات الأكثر تصديراً للهجرة غير الشرعية.
هذا، وقد تم إدراج موضوعات الهجرة غير الشرعية داخل المناهج التعليمية، وذلك بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، وتدشين أول مسابقة رسم عن مخاطر الهجرة غير الشرعية والبدائل المتاحة بالمدارس الاعدادية والثانوية بالمحافظات الاكثر تصديراً للهجرة غير الشرعية، وقامت اللجنة الوطنية بتكثيف الزيارات الميدانية في تلك المحافظات بهدف إلقاء الضوء على مخاطر الهجرة غير الشرعية وعرض الفرص البديلة والمتاحة، وقصص النجاح لنماذج من شباب المحافظة والقرية.
كما انضمت اللجنة الوطنية إلى حملة “Aware-Migrants مهاجرون واعون .. أنشر كلمة .. أنقذ حياة” التي أطلقتها الحكومة الإيطالية بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، والتي تهدف إلى رفع الوعي بين المهاجرين المحتملين، خاصة القادمين من جنوب القارة الافريقية، حول مخاطر رحلة الهجرة غير الشرعية.
وتلتزم اللجنة باستقبال ومساعدة الباحثين من المصريين والأجانب في مجالات مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، والتعريف بالجهود الوطنية في هذا المجال.
وفي مايو عام 2019، أطلقت الأمانة الفنية للجنة الوطنية حملة إعلامية تحت شعار “معاً ضد الاتجار بالبشر”، بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، تستهدف التعريف بصور الجريمة والعقوبات التي حددها القانون للجناة، بالإضافة إلى خدمات الحماية والمساعدة التي تقدمها الدولة لضحايا الجريمة، وقد اختار المكتب الرئيسي للمنظمة الدولية للهجرة بجنيف الجزء الأول من الحملة باعتباره الأفضل بين حملات التوعية على مستوى (100) مكتب للمنظمة حول العالم.
وفي نوفمبر 2020، أطلقت اللجنة الوطنية الجزء لثاني من حملة “معاً ضد الاتجار بالبشر” ليوضح أشكال جريمة الاتجار بالبشر في مصر وحث المواطنين على الإبلاغ عنها من خلال المنظومة الوطنية الجديدة للخطوط الساخنة، التابعة للمجلس القومي لحقوق الانسان والمجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة، لاستقبال شكاوى هذه الجريمة، وذلك من خلال إعلان تليفزيوني يتناول الجريمة بشكل فني مختلف مما ساهم في شد انتباه المشاهد ووصول رسائل الحملة بشكل واضح.
وقد تم بث الإعلان التليفزيوني على فترتين وجاءت الأولى خلال شهر نوفمبر ۲۰۲۰، والثانية بداية من منتصف شهر فبراير وحتى نصف أبريل ۲۰۲۱، وعملت اللجنة على بث الإعلان على القنوات الفضائية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمحطات الإذاعية، وعرض رسائل الحملة من خلال اللافتات الإعلانية بالشوارع والميادين الرئيسية بالقاهرة والمحافظات التي تتركز بها جريمة الاتجار بالبشر فضلاً عن إرسال رسائل نصيه توعوية للمواطنين تحمل أرقام الخطوط الساخنة المخصصة لتلقي شكاوى تلك الجريمة.
وفيما يتعلق بالشراكة Partnership، فإن اللجنة تعمل على التنسيق والتعاون مع الجهات الوطنية للوصول إلى الهدف المرجو، ولاسيما المجتمع المدني، حيث وقعت اللجنة الوطنية بروتوكول تعاون مع الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية في مصر، ومؤسسة كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة، وذلك تأكيداً لأهمية دور الجمعيات الأهلية في توعية المواطنين بمخاطر الجريمة، وإلى جانب ذلك، تتعاون اللجنة الوطنية مع المنظمات الدولية والجهات المانحة ذات الصلة ولاسيما المنظمة الدولية للهجرة، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، ومنظمة العمل الدولية، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة.
وتولي اللجنة الوطنية اهتماماً كبيراً بالتعاون الإقليمي، حيث تشكل نموذجاً يحتذى به بين الدول النامية ولاسيما الدول الافريقية والدول العربية فيما يتعلق بمكافحة جريمتي تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، حيث قامت بمساعدة الدول الراغبة لصياغة استراتيجيات وخطط عمل وطنية في هذا الشأن، وعرض القوانين والاستراتيجيات الوطنية كنموذج لأفضل الممارسات.
وفي هذا السياق، قامت اللجنة الوطنية بتنظيم واستضافة المؤتمر الافريقي الأوروبي الأول للنواب العموم بشأن التعاون القضائي الدولي للتحقيق في وملاحقة قضايا الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، بمدينة شرم الشيخ في سبتمبر 2018، كذلك نظمت واستضافت “المنتدى الإقليمي لمكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر”، كأول منتدى إقليمي لتبادل الخبرات والتعاون بين جهات التنسيق الوطنية من 18 دول أفريقية شاركت في المنتدى خلال نوفمبر 2019، وذلك بالتعاون مع المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال افريقيا التابع لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
هذا، وقد حرصت الأمانة الفنية للجنة الوطنية إلا تشكل اللجنة عبئاً ثقيلاً على ميزانية الدولة، حيث اعتمدت في الجزء الأكبر من أنشطتها للتوعية والتدريب على الدعم من أجهزة الأمم المتحدة المعنية.
ويجدر الإشارة إلى ان الجهات الدولية تشيد باللجنة الوطنية كآلية تقوم على التشبيك Networking وتبعد عن الصورة البيروقراطية التقليدية في الإدارة، لذا تهتم الجهات المانحة بالتعاون معها لأسلوبها الحديث في الإدارة، وبخاصة إدارة الأموال والمساعدات التي ترد من الجهات المانحة.