لماذا قد تقود حرب أوكرانيا العالم إلى حروب أخرى؟
أبريل 11, 2022أزمة باكستانية على ضوء الزعم بوجود مؤامرة أمريكية.
أبريل 18, 2022
بتاريخ 13 أبريل 2022، استقبل المجلس السيد/ جيورجى بوريسينكو سفير روسيا الاتحادية لدى القاهرة؛ للتحدث حول “العملية العسكرية الخاصة” التى شنتها بلاده فى أوكرانيا منذ 24 فبراير الماضى، وتداعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية على الأوضاع فى أوروبا والعالم، وفرص إنجاز تسوية للحرب الدائرة هناك. وافتتح اللقاء وأداره السفير د./ عزت سعد مدير المجلس، وشارك فيه عددٌ من أعضاء المجلس من السفراء والأكاديميين والباحثين. وبعد أن عرض السفير لعناصر موقف بلاده، أجاب على تساؤلات الأعضاء. وكان من بين أهم ما أشار إليه فى هذا الشأن ما يلى بصفةٍ خاصة:
-
إن العملية العسكرية كانت لحماية السكان فى شرق أوكرانيا، الذين تعرَّضوا للاضطهاد والممارسات العنصرية المختلفة من قِبَل حكومة كييف، والذين أغلبهم بالمناسبة ذوى أصول وميول روسية. وفى هذا السياق، كان قرار برلمانَى إقليم دونباس (لوجانسك ودونيتسك) بالاستقلال عن أوكرانيا والانضمام بدلاً من ذلك إلى روسيا، جديراً بالاحترام والاعتراف من قِبل الأخيرة، بحكم حق كلٍ من المنطقتين فى تقرير المصير، والتخلص من الاضطهاد الأوكرانى ضدهما، تماماً مثلما كان الحال من قبلُ مع شبه جزيرة القرم، التى اختارت طواعيةً الانضمام إلى روسيا مرةً أخرى فى عام 2014، ومن قبلها أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا اللتين انفصلتا عن جورجيا عام 2008، واعترفت روسيا بهما كجمهوريتين مستقلتين.
هذا، ويتمثل الهدف الثانى فى حماية الأمن القومى الروسى، ومواجهة التهديدات الناجمة عن دعم حلف شمال الأطلسى والغرب عموماً لأوكرانيا، من تعزيز تسلح الأخيرة، ودفعها إلى المطالبة بالانضمام إلى الحف، لتشكل بذلك “تهديداً وجودياً” لأمن روسيا القومى، بالنظر إلى ما يقتضيه ذلك من نشر صواريخ باليستية وغيرها من الأسلحة عالية الخطورة على حدود روسيا، وهو الأمر الذى لم تكن لتقبل به الأخيرة، ومن ثمَّ فقد عقدت العزم على نزع سلاح أوكرانيا وضمان حيادها، لاسيما وأن كييف انتهكت بنود مذكرة تفاهم بودابست لعام 1994 والتى تقضى بحيادها ونزع أسلحتها النووية بضمانة من كلٍ من روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وأضاف أن ما ذكره الرئيس الأوكرانى أمام مؤتمر ميونخ لسياسات الأمن فى 18 فبراير الماضى بشأن تحلله من هذه الترتيبات جعل الجانب الروسى يضع على قائمة أولوياته القضاء على القدرات النووية الأوكرانية للاستخدام العسكرى، وعى قائمة أهدافه من العملية العسكرية الخاصة.
-
بشأن التوصل إلى حل سلمى للأزمة، أشار السفير الروسى إلى أن بلاده مستعدة لتسوية الأزمة سلمياً، ولكن الجانب الأوكرانى ليس جاداً فى هذا الشأن، وأن الغرب – الذى يمده بالسلاح ويقدم له كافة أشكال الدعم – يدفع كييف لمواصلة الحرب، ومن ثمَّ إطالة أمدها. وبالتالى ليس خيار موسكو هو مواصلة عمليتها العسكرية، بل ذلك منوط بالحكومة الأوكرانية ذاتها، ومدى استعدادها لقبول الشروط الروسية، والمتمثلة فى وقف العمليات العسكرية الأوكرانية تماماً؛ نزع سلاح أوكرانيا؛ ضرورة تعديل الدستور الأوكرانى، لتجنب أى مطالب بالانضمام لأى تكتل؛ واعتراف أوكرانيا بأن شبه جزيرة القرم أرض روسية، وكذا الاعتراف بلوجانسك ودونيتسك كدولتين مستقلتين.
وتجدر الإشارة إلى أن القوات الروسية تتوخَّى الخذر الشديد فى عملياتها العسكرية، لتقليل تكلفة الخسائر البشرية داخل أوكرانيا، وقامت بنقل العديد من المدنيين من أنحاء مختلفة فى أوكرانيا إلى روسيا، فيما قدَّمت الخدمات الطبية والغذائية والمأوى لهم. ومع ذلك، تحرص كييف على استخدام مواطنيها كدروع بشرية، وتحاول إطالة أمد الحرب، فى محاولة لتشويه سمعة روسيا دولياً.
-
حول ما إذا كان هناك تفاهم مشترك حول السقف الذى يمكن لكلٍ من روسيا والغرب الوقوف عنده فى سياق الأزمة، أشار السفير الروسى إلى أن القوات النووية الروسية فى حالة تأهب بناءً على أوامر الرئيس بوتين، وهى خطوة لا شك متقدمة وحسَّاسة. ومع ذلك فقد أفادت كثيراً كعنصر رادع لأى تهور غربى للتدخل العسكرى فى أوكرانيا ضد روسيا. ومع ذلك، لا تنوى روسيا استخدام الأسلحة النووية فى النزاع، ولن تدخل فى حربٍ مع حلف شمال الأطلسى، الذى يدرك كلفة الخسائر التى قد تنشأ عن تدخله فى النزاع. ولقد كان بايدن حذراً بما فيه الكفاية لتجنّب مثل هذا السيناريو السىء، وكان حريصاً على عدم إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا، نتيجة التهديدات النووية الروسية.
ومع ذلك، أشار السفير الروسى إلى أنه غير متفائل بالتطورات المحتملة التى قد تترتب على الأحداث الجارية، مشيراً إلى رؤيته الشخصية بأن بلاده قد تُقدِم على استخدام السلاح النووى، فى خطوة على شاكلة ما حدث فى هيروشيما وناجازاكى، كخطوة فاصلة لإنهاء النزاع، متى استشعرت أن هناك “تهديداً وجودياً” لها كما ذكر، خاصة وأن كييف لا زالت تتلقَّى السلاح من عددٍ من الدول الأوروبية، فى تحدٍ متواصل لروسيا التى قامت بالفعل بتدمير العديد من المنشآت العسكرية ومخازن السلاح الأوكرانية.
-
رداً على تساؤل بشأن الآلة الإعلامية الغربية الهائلة لتشويه سمعة روسيا والنجاح النسبى للغرب فى هذا الشأن، أشار السفير الروسى إلى أنها بمثابة حرب إعلامية ضد بلاده، وأنها تقوم ببث العديد من المعلومات المغلوطة بشأن التحركات الروسية فى أوكرانيا، فى سلسلة من الممارسات لـ “شيطنة” روسيا ورئيسها بوتين، من خلال التأكيد مراراً على “أنها حرب بوتين”، وهو ما يعزز من شعبية الرئيس فى الداخل.
-
أكد أن الولايات المتحدة حريصة من جانبها على تعزيز وجودها فى أوروبا وضمان هيمنتها عليها، منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، وذلك عبر شق الصف الأوروبى والتخويف الدائم لأوروبا من روسيا. وأضاف أن “ما يدور فى أوكرانيا هو بمثابة حرب أهلية بين الروس وبعضهم البعض، بالنظر إلى أن أوكرانيا ذاتها ومواطنيها ما هم إلا روس عرقياً، ولكن الحكومة القومية فى كييف لا تدرك أبعاد ذلك على ما يبدو”.
-
حول ما إذا كانت الإطاحة برئيس الوزراء الباكستانى عمران خان مؤخراً لها صلة بالأحداث الجارية فى أوكرانيا، أشار السفير الروسى إلى أنه لا يُستبعَد على الإطلاق أن يكون ذلك عقاباً له على مواقفه المناهضة للولايات المتحدة وللقوى الغربية عموماً، وكذا لموقفه الواضح لتأييد روسيا فى عمليتها العسكرية فى أوكرانيا، بل إنه قد قام بزيارة روسيا إبَّان شنِّ العملية العسكرية فى فبراير الماضى، رغم تحذيرات مسئولى بلاده له بعدم إجرائها آنذاك.
-
ذكر السفير الروسى أن العديد من الدول – بما فيها مصر – تشجب محاولة الإقصاء الغربى لروسيا والنهج المضاد لها فى الساحة الدولية، وقد اتضح ذلك فى امتناع العديد من الدول على إدانة التصرف الروسى فى أوكرانيا، حيث قامت الهند والصين والبرازيل بالامتناع عن ذلك، فيما دعت مصر إلى ضرورة النظر فى جذور الصراع وأهمية معالجتها، مضيفاً أن عصر القطبية الأحادية قد انتهى، وأن روسيا تسعى – مع الدول الأخرى ذات التفكير المتشابه – إلى إقامة عالم يتسم بالعدالة والمسئولية، والتعاون البنَّاء القائم على الاحترام والندية والثقة المتبادلة، دون إقصاء طرفٍ ما، على النقيض مما ترغب فيه الدول الغربية.
-
بشأن خطوة موسكو لمطالبة الدول “غير الصديقة” بالدفع بالروبل مقابل الاستفادة بإمداداتها من النفط والغاز الروسى، أشار السفير/ بوريسينكو إلى أنها آلية لإجبار تلك الدول على التعاون مع روسيا حالياً، لاسيَّما وأن الكثير من الأموال الروسية من العملات الرئيسية مُجمَّدة فى المصارف الغربية، ما يمنع روسيا من الاستفادة منها. موضحاً أن هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعاً لدى الأوساط الغربية التى وجدت نفسها مضطرة للالتزام بذلك؛ لضمان استمرار تدفق الغاز الروسى إلى البلدان الغربية؛ حيث أشار السفير الروسى إلى أن هناك العديد من تلك البلدان تستفيد من ذلك الغاز، وليس ألمانيا وحدها، كما أشار إلى أن الحكومة الفيدرالية الألمانية ليست وحدها كذلك فى استيراد الغاز الروسى، بل هناك شركات ألمانية خاصة تعمل فى هذا المجال. وقد أشار السفير فى هذا الصدد إلى أن بعضاً من تلك الشركات، مثل شركة “BASF” أكبر منتج للكيماويات فى العالم، هدَّدت بإيقاف الأعمال وتسريح ما يزيد عن 40 ألف موظفاً يعملون لديها إذا انقطعت عنها إمدادات الغاز الروسية، ما يشكّل عامل ضغط على الحكومة الألمانية فى هذا الصدد.
-
تطرَّق السفير إلى ما أسماه التهديدات والأنشطة البيولوجية التى تقوم بها الولايات المتحدة فى أوكرانيا لإضعاف روسيا، حيث وُجِدت معامل على صلةٍ بها فى أوكرانيا، بل وفى كازاخستان وأرمينيا وغيرها من البلدان، مشيراً إلى أن التهديدات الأمريكية لروسيا لم تتوقف عند حد تشجيع أوكرانيا على الانضمام إلى حلف الناتو، بل وأيضاً تهديداً بيولوجياً فى غاية الخطورة، وذلك على الرغم من التفنيدات الغربية بشأن تلك المعامل وما بها من مواد خطرة، فى سياق الدور الذى تلعبه الاداة الإعلامية الغربية فى ترسيخ وجهة النظر الغربية فقط، مقابل التضييق على القنوات الإعلامية الروسية.
-
حول الآثار الاقتصادية التى أسفرت عنها العقوبات الغربية القاسية ضد روسيا منذ بدء العملية العسكرية فى 24 فبراير، أشار السفير الروسى إلى أن العقوبات الغربية ضد بلاده هى بالفعل الأكبر ضد أى دولة فى التاريخ الحديث، وهو أمر مؤلم بلا شك لموسكو. ومع ذلك، فإنها مؤلمة أيضاً لمَن وقَّعها. وقد نجح الروبل الروسى مؤخراً فى استعادة وضعه الذى كان عليه قبل شنِّ العملية العسكرية وفرض العقوبات. يُضَاف ذلك إلى الإجراءات التى اتخذتها روسيا بالفعل منذ إعادة فرض العقوبات عقب “استعادة شبه جزيرة القرم” فى عام 2014، حيث قامت بتعزيز قطاعها الزراعى على نحوٍ خاص، حتى أنها أضحت تشهد ازدهاراً كبيراً منذئذٍ، ولديها اكتفاء ذاتى إلى حدٍ كبير، كما قامت كذلك بتطوير نظام مدفوعات خاص بها على غرار نظام “SWIFT” الدولى، والذى تم استبعاد روسيا منه عقاباً على عمليتها العسكرية.
-
فى سياقٍ متصل، وبشأن العلاقات التجارية المصرية/ الروسية فى سياق تلك العقوبات، أشار السفير/ بوريسينكو إلى أن هناك مفاوضات جارية بالفعل بين مسئولى البنك المركزى الروسى ونظيره المصرى حول تطبيق هذا النظام الروسى المبتكر لتسوية المدفوعات الخاصة بالمبادلات التجارية، مثلما يجرى مع الدول الصديقة مثل بيلاروسيا وكازاخستان وعدد من بلدان آسيا الوسطى، بما لذلك عوائده الإيجابية فى قطاعات التجارة والسياحة والمشتريات وغيرها. وأضاف السفير الروسى إلى أنه قد التقى بالفعل بالسيد محافظ البنك المركزى المصرى السيد/ طارق عامر منذ فترة، وتناولا التطورات فى هذا الصدد، وكان رد الفعل إيجابياً.
-
أشار السفير إلى المكالمة الهاتفية التى جرت بين الرئيسين عبد الفتاح السيسى وبوتين فى 9 مارس الماضى، والتى تم الاتفاق خلالها على استمرار تدفق شحنات القمح الروسى إلى مصر. كما تمَّ فى أعقاب ذلك عقد لقاءات افتراضية بين وزير الزراعة الروسى ونظيره المصرى/ السيد القصير، ووزير التموين والتجارة الداخلية/ على المصيلحى، بجانب وزيرَى الصناعة والتجارة فى البلدين، حيث تناولت التأكيد على استعداد روسيا بإمداد مصر باحتياجاتها من القمح الروسى وكذا زيت عباد الشمس وغير ذلك. هذا فى الوقت الذى تتميز فيه مصر بميزة نسبية فى بعض المنتجات الزراعية والكيماوية، والتى تحتاجها روسيا فى المقابل. وقد ذكر أن هناك فرصة جيدة أمام المستثمرين المصريين للمساهمة فى تعويض الفراغ الذى تركه المستثمرون الغربيون فى روسيا مؤخراً والعكس صحيح، وأن كِلا البلدين يسعيان إلى تعزيز كافة الجوانب الاقتصادية لعلاقاتهما، ويبقى فقط العمل على إعادة هيكلة الآليات الروسية ذات الصلة، خاصة نظام المدفوعات والتسويات.
-
فى ذات السياق، أشار السفير إلى أن مصر دولة تتمتع بدور محورى فى كافة المعادلات الإقليمية التى تتواجد بها، ولديها اتفاقيات تجارة حرة مع العديد من مناطق العالم، بما فيها المنطقة الأفريقية، بما يفتح المجال لنفاذ العديد من المنتجات الروسية فى الأسواق العربية والأفريقية. وأشار أيضاً إلى أن مصر تُعَد الشريك الرئيسى لروسيا فى أفريقيا، وأن ثلث التجارة الروسية إلى أفريقيا يتم بالفعل عبر مصر، وأن هناك تعزيزاً جارياً لمختلف العلاقات الروسية مع الأخيرة، فى المجال التجارى والدفاعى والنووى… إلخ. وقد جرت أربع جولات من المفاوضات فيما بين مصر والاتحاد الاقتصادى الأوراسى (الذى يضم كلاً من روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان) منذ عام 2019 بغية إنشاء منطقة تجارة حرة بين الجانبين، للاستفادة من مناطق التجارة الحرة التى تتمتع مصر بعضويتها مع العديد من التجمعات الدولية مثل المنطقة العربية وأفريقيا والاتحاد الأوروبى والميركوسور فى أمريكا اللاتينية. هذا إلى جانب ما تسعى إليه روسيا من تعزيز وجودها فى المنطقة الاقتصادية فى منطقة قناة السويس، موضحاً أنهم يتحملون مسئولية التأخير فى إقامة منطقة للصناعات الروسية فى هذه المنطقة حتى الآن (رداً على ما أثاره بعض الأعضاء من اهمية الإسراع فى إنشاء هذه المنطقة الآن)، وأشار السفير إلى أن العديد من المستثمرين الروس يرغبون بالفعل فى تعزيز استثماراتهم فى مصر، ولكنهم متخوفين من العقوبات الغربية التى تم فرضها على روسيا.