نبيل فهمي: لا مجال لدبلوماسية الانعزال والمطلوب أن أسبق أعدائي دائما
مايو 25, 2022زيارة وفد مجموعة الدول الثمانى النامية (D-8) برئاسة السفير/ Isiaka Imam
مايو 30, 2022
بتاريخ 30 مايو 2022، استضاف المجلس السفير/ راجى الإتربى المدير التنفيذي المناوب لمصر والدول العربية بمجموعة البنك الدولي وعضو مجلس الإدارة، للتحدث حول “الشراكة بين مصر ومجموعة البنك الدولي وأثرها على الإصلاح الاقتصادى والتنمية”. وافتتح اللقاء السفير د./ منير زهران رئيس المجلس، وشارك فيه السفيران د./ عزت سعد مدير المجلس، ود./ هشام الزميتى أمين، ود./ صادق عبد العال، ود./ محمد حسونة، وعدد من الباحثين.
وقد تناول اللقاء ما يلى بصفةٍ خاصة:
-
ذكر السفير/ الإتربى أن المشهد الدولي الراهن شديد التعقيد والسيولة، وأن العالم لم يشهد منذ الحرب العالمية الثانية ثلاث أزمات كبرى متتالية ومتوالية على نحو ما شهده خلال السنوات القليلة الماضية؛ حيث أزمة المناخ وجائحة Covid-19 والحرب فى أوكرانيا، مشيراً إلى أن وجود مثل هذه الأزمات فى آنٍ واحد يجعل من تداعياتها القاعدة على المسرح الدولي، وليس الاستثناء، على الأقل من 5 إلى 10 سنوات، مما يتطلَّب ضرورة التفكير حول فرص التأقلم معها ريثما يتم وضع حلول جذرية لها.
-
من المرجح استمرار أزمة المناخ وتصاعدها، بما لذلك من تداعيات مؤدية لتنامى ظواهر الهجرة والنزوح وانخفاض الغذاء، وانتشار المزيد من الأوبئة، على شاكلة جدرى القرود وغيره، مع ملاحظة أن جزءًا كبيراً من البلدان المتقدمة أضحى يعانى تماماً مثل البلدان النامية من هذه الأزمة، بل دفعهم ذلك إلى منافسة بعضها البعض لتعزيز جذب الاستثمارات الأجنبية لمحاولة مواجهة تداعيات أزمة المناخ. ويُشار هنا إلى أن البلدان النامية عانت الأمرَّيْن من ذلك، حيث أصبحت مُطالَبَة بأن تكون سياساتها التنموية متوائمة مع الاقتصاد الأخضر، رغم نقص التمويل اللازم لذلك، لاسيَّما فى الوقت الراهن. من جهةٍ أخرى، قام العديد من البلدان المتقدمة بضخ سيولة نقدية لم تُشهَد من قبل ورفع أسعار الفائدة، على خلفية تنامى جائحة Covid-19 ومن بعدها الأزمة الأوكرانية، وهو ما خلق موجات تضخمية هائلة، تم تصديرها إلى الدول النامية، لتعاني منها بدورها، بما فى ذلك التأثير على مشروعاتها التنموية وعملاتها ومعاملاتها التجارية. هذا بالإضافة إلى تنامى خطر حدوث أزمة ديون عالمية مرجَّحَة، وتداعيات سلبية حادة على حركة الاقتصاد العالمي بشكلٍ عام.
-
أضاف أن قدرة الصين على سد الفراغ الاقتصادى العالمي الناشئ عن مجمل تلك الأزمات، بالنظر إلى قوتها الاقتصادية الهائلة، أضحت محل شكٍ كبير، بالأخذ فى الاعتبار مشكلاتها الداخلية المتعلقة بالتضخم فى أسعار المواد الخام وبالعقارات والصحة والتكنولوجيا والديموجرافيا، هذا إلى جانب النزاعات التى ما زالت قائمة فيما بينها وبين الولايات المتحدة، ومن ثم لا يمكن الاعتماد على الصين وحدها فى دفع عجلة الاقتصاد العالمي.
-
بالنسبة للبنك الدولي، ذكر السفير/ الإتربى أنه لا يخفى أنه أحد نماذج البنوك متعددة الأطراف، وأكثرها انتشاراً، وأكبرها من حيث التمويل السنوي بميزانية سنوية تبلغ 1,1 تريليون دولار، كما تتمتع بعضويته الآن 190 دولة، مقارنة بـ 45 دولة وقت إنشائه. بالإضافة إلى ذلك، لدى البنك القدرة على التأقلم واحتواء أجندته لقضايا جديدة، حيث كانت بدايته لخدمة الإعمار فى النطاق الأوروبى أساساً ثم توسَّع للدول النامية، ثم تضمَّنت أهدافه المساعدة فى خدمات خارج البنية الأساسية، من خدمات وصناعة وزراعة، وجهود القضاء على الفقر، وتعزيز المعرفة والجهات الإعلامية، وتقييد درجة اللامساواة… إلخ. وخلال السنوات القليلة الماضية، وتحديداً منذ عام 2015، بدأ يدرك البنك أن العالم يشهد أزمةً ما كل عشر سنوات فى المتوسط، بل وستكون الأزمات متوالية ومتزامنة، أخذاً فى الاعتبار تزايد الفجوة التمويلية فى مشروعات البنية الأساسية بنحو 20 تريليون دولار، والتي تتطلب نحو 2,5 تريليون دولار سنوياً لمعالجتها حتى عام 2030. وعلى خلفية قيام كلٍ من بنك الاستيراد والتصدير وبنك التنمية الصينيَيْن بإعطاء قروض للدول النامية أكثر من مجموع ما يقدِّمه البنك الدولى، شهد الأخير فى عام 2018 أكبر زيادة فى رأس المال فى تاريخه، بما مكَّنه من مضاعفة تمويله عالمياً، ليبلغ أكثر من 150 مليار دولار سنوياً جرَّاء جائحة Covid-19.
-
أشار إلى اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين مصر والبنك الدولى 2015 / 2016، وكونها أداة هامة لتعزيز التواصل فيما بين الجانبين. مضيفاً أن البنك لم ينقطع تمويله لمصر يوماً واحداً، رغم الأزمات والأحداث التى مرَّت بها الدولة المصرية، بما عُدَّ بادرة ثقة من البنك للأخيرة، وهو ما يسَّر بدوره بدء مصر التفاوض مع مجموعة البنك الدولي للحصول على القروض فى عام 2014، رغم عدم وجود رؤية واضحة أو برنامج إصلاح، إنما لتوافر إرادة سياسية قوية. ومن ثمَّ، قدَّم البنك آنذاك 3 مليار دولار لمصر؛ لدعم موازنتها، دون التشاور مع صندوق النقد الدولي، فى سابقة فريدة من نوعها، كما ساعدها فى بلورة برنامج وطني للإصلاح، بما عزَّز من الثقة فى اقتصادها إبَّان المفاوضات مع الصندوق. ويُشَار هنا إلى أن حالة الشراكة الاستراتيجية المُشَار إليها سلفاً جعلت مصر تتوسع فى المشروعات التنموية التى شهدتها البلاد مؤخراً، وفى هذا الصدد نجح الطرفان فى تعيين فترة خمسية جديدة لتلك الشراكة تبدأ من العام الجاري، خلفاً للفترة ما بين عامي 2015 و2019.
-
أكد السفير أنه فى سياق التطورات والتحديات الاقتصادية العالمية حالياً، والتي من المرجَّح استمراراها وتصاعدها مستقبلاً، فمن الضروري أن تتوافر فى الاقتصاد المصري سماتُ التنوع والقدرة على التحديث والمرونة والصمود والمزيد من الاندماج فى الاقتصاد العالمي. وفى هذا الصدد، من المهم العمل على تعزيز الموارد البشرية للدولة ومواصلة تحسين برامج الصحة والتعليم وتشجيع الابتكار، وكذا البنية الأساسية والرقمية بشكلٍ أكثر ترابطاً واستدامة، وبما يُمكِّن الدولة من توطيد قدراتها الخدمية والإنتاجية، كل ذلك بالتضافر مع تعزيز البنى المؤسسية لتكون أكثر قدرة على الصمود وأكثر كفاءة وفاعلية، بما فى ذلك إدارة الموارد والديون، مع تعزيز سياسات التصدير وتشجيع الطلب.
-
استفسر بعض الحضور عمَّا إذا كان لاستراتيجية الشراكة الجديدة التى من المفترض اعتمادها فى سبتمبر 2022 خصائص معينة عن سابقتها؟ وهل تتضمَّن أية إشارات لسبل الدفع بعملية الاستثمار والتنمية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس؟ أجاب السفير/ الإتربى بأنه بالرغم من التطورات الضخمة التى تشهدها البلاد منذ عام 2014، إلا أنه ليس هناك نموذج اقتصادي واضح تتبنَّاه الدولة المصرية للنمو، وذلك حتى رغم الإعلان مؤخراً عن وثيقة سياسة ملكية الدولة، وتعزيز دور القطاع الخاص فى اقتصاد البلاد؛ إذ لا بد من اعتماد نموذج واضح حتى يمكن للدول الأخرى والمستثمرين الأجانب التعامل مع مصر على أساسه، بما يُعزِّز من مصداقية وشفافية الاقتصاد المصري ويُعظِّم فرص جذب الاستثمارات إليها كذلك. وفى هذا السياق، فإن الاستراتيجية الجديدة تُعَد استمراراً لنهج الأخرى السالفة، متضمِّنةً أموراً عامة لتعزيز النمو والازدهار.
-
تساءل بعض الحضور عن حقيقة قضية الديون، كونها تُثقِل كاهل الاقتصاد المصري، وعمّا إذا كان هناك احتمال لإعادة جدولتها، ومدى قدرة مصر على القيام بذلك، ذكر الضيف أن ديون مصر الخارجية تمثل نحو 40 % من إجمالي الناتج المحلى، وهى نسبة مقبولة إلى حدٍ ما، وأن مصر لم تقُم بجدولة ديونها منذ 40 عاماً، وأن مجرد التفكير فى القيام بخطوة كهذه يُعد بمثابة إعلان إفلاس الدولة، ما يؤثر سلباً، بالتالي، على تدفقات الاستثمار الأجنبى إلى البلاد، بل ويهدد بانقطاعها، كما أن تلك الخطوة لن تعالج مشكلة الديون، بل ستُسهِم فى تعميقها أكثر فأكثر.
-
وحول تصور البنك الدولي لتعزيز قطاع الصحة وشبكات الحماية الاجتماعية، فى سياق توجه العالم الآن إلى الصحة الاستباقية، وليس الوقائية، وكيفية تهيئة مواطني البلدان التى ليس لديها القدرة العلاجية، والحرص على تعزيز صحة المواطن بغض النظر عن وقوع أية أمراض جديدة، وعمَّا إذا كان تمويل المشروعات المتنوعة الجارية فى مصر من قِبَل البنك، بما فى ذلك الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية، يأتي فى صورة قروض أم مساعدات، ذكر الضيف أن البنك شارك بالفعل فى مبادراتٍ كبرى مثل المبادرات المتعلقة بالمرأة، كالكشف المبكر عن سرطان الثدي وغيرها، ومن الطبيعي أن يطلب البنك برنامجاً وطنياً به كافة البنود المنوطة بمبادرةٍ أو تطوير قطاعٍ ما، وفى المقابل يوفر البنك قروضاً مرنة للدولة المعنية. ومع ذلك، ورغم ما حصلت عليه مصر من قروضِ من البنك، إلا أن برامجها فى كثيرٍ من الأحيان تأتى مفتقرة لترتيب الأولويات التى يجب التعامل معها أولاً، ومن ثمَّ تضاربت الجهود، فى قطاع الصحة على سبيل المثال، بين تدريب العاملين أولاً ام هيكلة القطاع ككل، أم تعزيز البنية الصحية، وهكذا. وبالتالي، هناك ضرورة مُلِحَّة لإيضاح الأولويات بالنسبة للبنك، وأن يكون الأخير ملتزماً بذلك، لتتحقق النتائج على النحو المرجو. وحرىٌ بالذكر هنا أنه رغم التطورات المختلفة التى تشهدها قطاعات متنوعة بمصر، فإن آليات النمو المصرية ليست جيدة إلى حدٍ ما، حتى أنه يمكن القول بأن الاقتصاد المصري متجه نحو أزمة، وبوتيرة سريعة بفعل الأزمات العالمية الراهنة، والتي كشفت سلبيات تلك الآليات.
-
أكَّد السفير/ الإتربى أن الممارسات تؤكد أن البنك وصندوق النقد الدوليين مُسيَّسين إلى حدٍ كبير، مشيراً إلى أن إيران وروسيا محرومتان من الاقتراض من البنك، ولو لإنشاء مشروعات بنية أساسية أو تنموية، وذلك تحت ضغوط غربية، ودون وجود مستندات رسمية تقول بذلك. وفيما يتعلق بمصر، فيُشار إلى أنه رغم ظهور توترات من حينٍ لآخر بين مصر والولايات المتحدة ذات الحصة الأكبر فى هاتين المؤسستين، ارتباطاً بحقوق الإنسان وغيرها، إلا أنه لم يكن هناك أى اعتراض أمريكي رسمي تجاه احتياجات مصر من البنك.