75 عاما على قيام الأمم المتحدة.. أزمة تعدُدِيَة الأطراف
أكتوبر 24, 2020بيان بمناسبة الإحتفال بمرور 75 عاماً على إنشاء الأمم المتحدة
أكتوبر 24, 2020بمناسبة مرور 75 عاماً على قيام الأمم المتحدة، بدخول الميثاق المُنشئ لها حيَز النَفاذ في 24 أكتوبر1945، نظَم المجلس المصري للشئون الخارجية – بجانب ندوة افتراضية بالتعاون مع منسق الأمم المتحدة بالقاهرة في 18 أكتوبرحول”إنقاذ تعدُدِيَة الأطراف”- ندوة بتاريخ 24 أكتوبر 2020 شارك فيها كل من: السيد السفير/د. منير زهران – رئيس المجلس ، ومديره، السفير/د. عزت سعد، وعدد من أعضاء المجلس من السفراء والخبراء المختصين .
تم خلال الندوة تناول دور مصر كعضو مُؤسِس للمنظمة حيث شاركت في صياغة الميثاق في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945، وفي صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، كما شاركت بنشاط في أعمال مجلس الأمن كعضو غير دائم فيه خمس مرَات، وفي أنشطة مكافحة الإرهاب، كما تعد مصر سابع أكبر دولة من حيث حجم المشاركة في قوَات حفظ السلام عالمياً.
وقد تم التأكيد خلال المناقشات على ضرورة البناء على الدروس المستفادة لتعزيز دور المنظمة العالمية بحلول الذكرى المئوية لإنشائها عام 2045 ، حيث أظهرت جائحة (كوفيد-19) مدى الحاجة لتعزيز منظومة التعاون الدولي بين الدول والشعوب لمواجهة التحديات المشتركة للكافة على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية، والتأكيد على أن لنظام الأمم المتحدة دورٌ لتيسيرهذا التعاون، من خلال المنظمات الدولية المعنية وخاصةً منظمة الصحة العالمية من منطلق الأدوار التكاملية للمنظمات الدولية. ويتطلب الأمر مُراجعة الوضع الحالي والترتيبات القائمة ذات الصلة للوقوف على آفاق تطويرها.
كما أفرزت الجائحة نوعاً جديداً من التعاون حيث قدمت بعض الدول ومنها مصر مساعدات لدول منكوبة عديدة فى بداية الأزمة وعلى امتدادها، خاصةً الإفريقية، قبل أن تتلقى مصر مساعدات خارجيَة عندما إشتدت وطأة الجائحة بها.
وقد تم تسليط الضوء على القضايا التالية:
-
الأمم المتحدة في عامها الـ75 : تقييم ( أ.د. ياسين العيوطي- أستاذ القانون الدولي – جامعة نيويورك).
-
75 عاماً على قيام الأمم المتحدة: أزمة تعددية الأطراف( السفير/د. عزت سعد- مدير المجلس المصري للشئون الخارجية).
-
مصر ومجلس الأمن الدولي( السفير/ إيهاب عوض- نائب مساعد وزير الخارجية، مدير شئون الأمم المتحدة).
-
الجوانب الإقتصادية من نشاط الأمم المتحدة( السفيرة/ هاجر الإسلامبولي- عضو المجلس).
-
الأمم المتحدة وحقوق الإنسان (السفير/جهاد ماضي -عضو المجلس، وعضو لجنة حقوق الطفل).
-
الأمم المتحدة والقانون الدولي (سفير/د. حسين حسونة- عضو مجلس إدارة المجلس، وعضو لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي).
-
إصلاح الأمم المتحدة وفرص تعديل الميثاق( سفير/د. منير زهران- رئيس المجلس).
أولاً: “الأمم المتحدة في عامها الـ75:تقييم”
الأستاذ/د. ياسين العيوطي- أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس
ماذا نقول عن الأمم المتحدة في عید إعلانھا في 24 أكتوبر عام 1945؟. بعد أن خدمتھا 32 عاماً؛ أرى فیھا قصة النجاح والفشل في آن واحد. وكیف یكون ذلك ؟ إن نظرت إلیھا كمؤسسة عالمیة ذات باعٍ طویل في میادین السیاسة في الـ193 دولة من أعضائھا؛ رأیت فیھا وجه الفشل. ولكن إن رأینا جھود الوكالات المتخصصة التابعة لھا ؛ فإنك ترى وجه النجاح . ولم ھذا ؟ الصحة العالمیة أقرب إلى ذھننا من سیاسات حفظ السلم والأمن. تأمین الطیران المدني ھو جزء من حیاتنا.ھذا یختلف عن بعثات التحقیق في الاضطرابات في دارفور. مثلاً:توصیل الغذاء إلى عالم یحتاج سكانه إلى الغذاء كل یوم ھو حاجة حیاتیه، لا تقارن بجھود نزع السلاح أو جعل الشرق الأوسط منطقة خالیة من السلاح النووي مسائل الحیاة واضحة؛أما مسائل السلام فیھا غموض.وللوضوح سبب ھو أقرب إلینا من حبل الورید. أما السلام فھو أمر یفسره أطراف أي نزاع كل بحسب اعتبارات الشأن الداخلي . وھذا ھو الخط الفاصل بین الأسود والأبیض أي بین الغموض والوضوح ماذا یفھم رجل الشارع من قولنا “الأمم المتحدة”؟. یفھم منه التناطح والفشل في تقریب وجھات النظر. لیس للأمم المتحدة إعلام فعَال. وثائقھا التي تستنفذ ثلث المیزانیة مكتوبة بلغة جدیدة اسمھا لغة الأمم المتحدة وذلك لعدم وضوحھا. إذا ذھبت إلى مركز إعلام الأمم المتحدة بالقاھرة وھو مركز من إجمالي 63 مركز إعلامي في العالم باحثاً عن موضوع المیاه مثلاً، فلن تجد من یعینك إذ لابد وأن تكون واعیاً برقم الوثیقة المطلوبة ومصدرھا. ھل صدرت عن الجمعیة العامة والرمز”A” أو عن مجلس الأمن والرمز”SC” أوعن الأمانة العامة والرمز”ST.” أما إن صدرت عن إحدى الوكالات المتخصصة والبرامج البالغ عددھا ثلاثون في كل أرجاء المعمورة؛ فأمرك ھنا لله. أذكر أنني في السبعینيات قمت بدراسة عن فائدة وثائق الأمم المتحدة في تنویر الناس. اتضح لي من تلك الدراسة أن أي مواطن في العالم الثالث لا یستفید من تلك الوثائق إلا بنسبة 2% من مجموع ذلك القطاع الدیمغرافي العریض. نشرت جامعة كامبریدج في إنجلترا نتائج تلك الدراسة في ثلاث مقالات .
تحیة العید الخامس والسبعین للأمم المتحدة لیست للجانب السیاسي ولكن للجانب المنتج للأمم المتحدة ممثِلاً في وكالاتھا المتخصصة : صحة؛ في منظمة الصحة العالمیة “بجنیف”. ثقافة؛ في منظمة الأمم المتحدة للتربیة والعلوم والثقافة ” الیونيسكو- باریس”. غذاء ، في برنامج الغذاء العالمي “روما”. بیئة، في برنامج الأمم المتحدة للبيئة “نیروبي”. الاستخدامات السلمیة للذرة، في الوكالة الدولية للطاقة الذریة “فیینا” و قد رأسھا لسنوات عدة الدكتور/ محمد البرادعي. وماذا عن القانون ؟ علیك بلجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي، والعضو المصري بھا الآن ھو الدكتور حسین حسونة. ھذه لجنة تستخلص القانون من سوابقھا و متشابھاتھا. وماذا تقول عن محكمة العدل الدولیة ؟ نعم، محكمة العدل الدولیة ھي سادس ھیئات المقر الدائم للأمم المتحدة ومقرھا لاھاي .وكان القاضي عبد الحميد بدوي والسفير/د. عبد الله العريان والسفير/د. نبیل العربي قضاةً بالمحكمة. ولكن الولایة القضائیة القسریة بھا Compulsory Jurisdiction لا یزید عن تعبیر لا تفعیل. ذلك لأنه لابد من قبوله مقدمًا من دولتین متنازعتین. ودعك من المحكمة الجنائیة الدولیة التي أنشئت أیضاً في لاھاي، حيث ولدت مسیسة ولذا بقیت غیر فعَالة . نذكر على سبیل المثال محاولتھا الفاشلة في استقدام الرئیس السوداني السابق البشیر إلى لاھاي. إذ أن السیادة الداخلیة للدول تنفي الامتثال لأوامر خارجیة، والأمم المتحدة لیست بحكومة عالمیة.
لقد شاخت الأمم المتحدة وتسارعت شیخوختھا بعدم إمكانیة تعدیل المیثاق . وكذلك بسوء استخدام حق الفیتو الذي تملكه خمس دول فقط ھي بریطانیا، أمریكا،فرنسا،روسیا والصین .الفیتو ھو في الواقع مرض الـ Polio مرض شلل الأطفال لأنه یشل حركة الدول . لذا نوجه تحیة الیوم للأمم المتحدة بامتداح وكالاتھا المتخصصة والثناء على دور مصر الفعال فیھا .كان فیھا المرحوم عمر لطفي كأمین عام مساعد ھو الذي سوى مشكلة كوبا والسوفيیت عام61، وكذلك المرحوم الدكتور بطرس غالي الذي كان أمیناً عام للامم المتحدة. ولم یخلف ھذین العملاقین أحداً یترك آثار أصابع مصر واضحة في المقر الدائم للأمم المتحدة . وأيضاً أن من مشاكل الأمم المتحدة استحالة تعدیل المیثاق وھذا الوضع ینطبق عليه قول الشاعر العربي : نعیب زماننا والعیب فینا : وما لزماننا عیب سوانا!.
ثانياً:” 75 عاماً على قيام الأمم المتحدة: أزمة تعدُديَة الأطراف”
سفير/د. عزت سعد- مدير المجلس المصري للشئون الخارجية([1])
اليوم 24 أكتوبر يحتفل العالم بذكرى مرور 75 عاماً على قيام الأمم المتحدة عام 1945 وبهذه المناسبة أقرَت الجمعية العامة للمُنظَمة في احتفالية في 21 سبتمبر 2020 في اليوم السابق على إطلاق دورتها الحالية إعلاناً أكد المبادئ والأهداف من وراء إنشائها والتحديَات المعاصرة التي تواجهها، معتبرآ جائحة (كوفيد-19) بمثابة” التحدي العالمي الأهم في تاريخ الأمم المتحدة”. وبدا الإعلان وكأنه ينعي النظام الدولي المُتعدد الأطراف عندما أشار إلى أن هذه التحديات” متشابكة لايُمكن التصدِي لها إلاَ من خلال بث الحياة من جديد في تعدُدِيَة الأطراف”.
والواقع أن النظام الدولي القائم على شبكة واسعة من المؤسسات الدولية التي تشجع الدول على التعاون والتفاعل، ارتبط أساسًا بما يسمَى بـ”النظام الليبرالي الدولي”، والذي يقوم على ركائز خمس: أولها تعدُدِيَة الأطراف، وثانيها توزيع القوة التي تُسهِل القيادة المشروعة لدولة قائدة، وثالثها النطاق العالمي الضروري لعمل هذه الآليات، ورابعها أثر الاعتماد الاقتصادي المتبادل في تحقيق السلام وأخيراً الديمقراطية وتعزيزها. وتمثل تعددية الأطراف مقتضًى أساسياً للركيزتين الأولى والثانية، وهي مفهوم تكميلي لــ”المؤسسات الدولية” حيث يصعب تصوُر وجود هذه الأخيرة ما لم تكن قائمة على أساس تعددية الأطراف، وإلاَ ستصبح مجرد أداة للهيمنة على الدول الأخرى. وفضلاً عن ذلك لا توجد تعددية أطراف بدون إطار مؤسسي، لأنها ستكون ببساطة شكلاً من أشكال التعاون المؤقت. فالإنتماء إلى المنظمات الدولية يُقيِد سلوك الدولة، تماماً مثل الأجهزة الداخلية المُقيِدة لسلوك الأفراد، حيث تجبر المنظمات الدولية دولها الأعضاء على قبول الالتزامات أو حتى الجزاءات، ومن هنا تبدو تعدُدِيَة الأطراف مُهمَة للنظام الدولي كآلية جماعية لصياغة وتنفيذ قواعد عالميَة وإقليمية تستهدف تنظيم وتنسيق سلوك الدول والمواءمة بين مصالحها، بما يجلب الاستقرار وتحقيق رفاهية المُجتمعات.
ومن المنظور الليبرالي، فإن من شأن ذلك إضعاف قدرة الدول على تعظيم فوائد تفوقها النسبي، مما يؤدي إلى ضبط النفس الاستراتيجي. وبالمثل، فإن تعدُدِيَة الأطراف ضرورية بالنسبة للركيزة الثانية للنظام الليبرالي، أي التوزيع الهرمي للقوة. ويعني التسلسل الهرمي ضمناً وجود دولة رائدة قادرة على، وراغبة في، ضمان عمل آليات النظام بشكل صحيح، وهي لا تفعل ذلك باستخدام قوتها فقط، بل وأيضاً من خلال توافق الآراء. فالنظام الليبرالي يقوم على النظر إلى الهيمنة المقيدة، التي تحد من الطموح الاستراتيجي للدولة القائدة، من قبل الدول الأخرى على أنها أساس القيادة الشرعية وسبب للتوافق حولها. ومثل هذا التعهد لن يكون واقعياً ما لم يقترن بتعددية الأطراف. وبمعنى آخر، فإنه بدون تعددية الأطراف، لن تكون تصرفات الدولة القائدة متوقعة وشفافة، كما لن تكون متوافقة، ولو نسبياً، مع مصالح الدول التابعة لها، التي تسمح لها تعدُدِيَة النِظام بالمشاركة في اتخاذ القرارات ومناقشتها والتعبير عن احتياجاتها ومصالحها والمُساهمة في تشكيل قواعد النظام الدولي، بل والدُخُول في تحالفات للدفع بهذه المصالح في الحاضر والمستقبل.
والواقع أن التحديات التي تواجه تعدُدِيَة الأطراف ترجع إلى ما قبل إدارة ترامب ومنذ انتهاء الحرب الباردة. وعلى سبيل المثال فإن المُتأمِل لحالة عدم الاستقرار والفوضى الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، يجد أن أحد أهم أسبابها هو سوء إدارة السلم والأمن الدوليين في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية لكل دول العالم، من قبل الإدارة الأولى لجورج بوش الإبن وميلها إلى العمل المنفرد بعيداً عن الشرعية الدولية ونظام الأمم المتحدة الذي يعد حفظ السلم والأمن الدوليين على رأس أهدافه الرئيسية. ولا شك أن الفوضى في المنطقة بدأت بغزو العراق عام 2003 من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا بعيداً عن مجلس الأمن.
ومع الإدارة الحالية تعرضت تعدُدِيَة الأطراف لهجمات صارخة، حيث تُشير السياسة الخارجية الأمريكية إلى التخلي شبه الكامل عن العمل الجماعي أو المتعدد الأطراف، بل إن ترامب وضع فعالية الأمم المتحدة موضع الشك من خلال الوقف الكامل أو تقليص التمويل الأمريكي لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ولصندوق الأمم المتحدة للسكان ولصندوق البيئة الخضراء ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب. وجاء التنافس الجيواستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، والتي زادت حدَته مع تفشِي وباء فيروس كورونا المستجد، ليزيد من حالة عدم الاستقرار والفوضى في النظام الدولي بالمقارنة بما كان عليه الحال من قبل.
كذلك أعلنت إدارة ترامب انسحاب واشنطن من مؤسسات واتفاقيات متعددة الأطراف مثل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) والاتحاد البريدي العالمي واتفاق باريس لتغيُر المُناخ والصفقة النوويَة الإيرانيَة. وتطوَرت سياسة ترامب الخارجية تجاه الأمم المتحدة لتصبح عاملاً حاسماً في إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار واللَايقين، وهو ما أثر سلباً وبشدة على الحوكمة العالمية الأمر الذي أصبح مدعاةً لقلق كبير من قبل المجتمع الدولي حول آفاق النظام العالمي ما بعد الحرب الباردة.
وفي مناسبات عديدة، أعلنت إدارة ترامب تمسُكها بالعمل الأحادي خاصةً في مجالات ثلاثة: الأول تأكيد الإدارة على استقلالية الولايات المتحدة ورفض تقييدها من قبل المنظمات الدولية والقواعد الدولية، وذلك رغم الدور الكبير لهذه المُنظَمات في تنسيق مواقف الدول والتعاون فيما بينها لمواجهة التحديات العالمية. والثاني تمسُك إدارة ترامب بهيمنتها المباشرة في الأمم المتحدة والدفاع عن زعامتها بطريقة تنافسية. فعلى خلاف مقاربة “القيادة من الخلف” التي تبنتها إدارة أوباما، تستخدم إدارة ترامب نفوذها في الأمم المتحدة بدون أي مقتضى موضوعي للدفع قُدُماً بالأجندة الأمريكية من خلال أعمال بالإدارة المنفردة مثل: التهديدات المباشرة، وربط القضايا وتخفيض تمويلها والانسحاب من المؤسسات الدولية. وفي هذا السياق، أكَدت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية (ديسمبر 2017) بوضوح أن الولايات المتحدة “ستنافس وتقود في منظمات مُتعددة الأطراف بما يحمي المصالح والمبادئ الأمريكية”. وتجسدت آخر مظاهر السلوك الأمريكي في هذا الشأن في قرار الإدارة الأُحادي بالمضي قدماً في إعادة فرض العقوبات على تجارة الأسلحة وغيرها من العقوبات المفروضة على إيران والتي أوقف العمل بها بموجب قرار مجلس الأمن 2231 ، وذلك بعد فشل الضغوط المكثفة للإدارة في استصدار قرار من المجلس بتمديد العمل بهذه العقوبات.
وكان ترامب قد شكا علناً من الأمم المتحدة بأن المساعدات الخارجية الأمريكية لم يكن لها عائد، معلناً أن بلاده ستقدم مساعدات خارجية فقط للبلدان والمؤسسات التي تحترم وتقدر مصالح الولايات المتحدة. ووضعت إدارة ترامب شرطاً مسبقاً لأي تمويل لهيئات الأمم المتحدة أو أنشطتها بأن تكون مُعزِزة لمصالح السياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما أكدته استراتيجية الأمن القومي الأمريكية المشار إليها. أما المجال الثالث الذي تتمسك الإدارة بالعمل الأحادي فيه فيتعلَق بالرُؤية الخاصة لإدارة ترامب بالنسبة لإصلاح الأمم المتحدة، حيث تعتقد الإدارة أن المنظمة يجب أن تولي الأولوية لدعم القيم الاجتماعية المحافظة، وأن إصلاح المنظمة في هذا الاتجاه هو نتيجة طبيعية للمساهمات المالية الأمريكية لها. وفي هذا الصدد، أقرَت وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأمريكيتين في فبراير 2018، خطة استراتيجية مشتركة للأعوام المالية (2018 – 2022)، مقترحةً أنه بحلول عام 2022 ستخفض المساهمات المالية الأمريكية للمنظمات الدولية بنسب أقل من تلك التي أقرت عام 2017. وفضلاً عن ذلك، تعتقد الولايات المتحدة أنه مما يجب إصلاحه في المنظمة هو سوء معاملة الأخيرة لإسرائيل.
والحقيقة أن لدى النُخبة السياسية الأمريكية اعتقاد تاريخي بأن الولايات المتحدة تعد “استثناءً”، وهو ما يجعلها غير مستعدة للالتزام بمقررات المنظمات الدولية أو القبول بالآليات المُتعددة الأطراف كأساس لعملية صنع سياستها الخارجية. وفضلاً عن ذلك، فإن وضعية الولايات المتحدة وهيمنتها كقوة عظمى وحيدة بعد الحرب الباردة، وكذلك نظام التحالف القوي الذي أنشأته، وهي في مركزه، قد مكَنها من اتخاذ أعمال بالإرادة المنفردة بدون الترخيص من الأمم المتحدة. وبهذا المعنى، فإن مفهوم إدارة ترامب بشأن “أمريكا أولاً” ليس مفهوماً جديداً، وإنما هو تعبير صارخ وطويل الأمد لطبيعة الدبلوماسية الامريكية.
والخُلاصة هي أن رؤية ترامب للمؤسسات الدولية تؤثر في خياراته السياسية تجاه الأمم المتحدة، وبعد أن ظلَت هذه المؤسسات بمثابة أداه هامة داعمة للوضعية المهيمنة لواشنطن بعد الحرب العالمية الثانية، باتت الإدارة تنظر إليها كساحة أساسية لتنافس القوى العظمى، وترتب سياستها تجاه الأمم المتحدة وفقاً لأهدافها لدعم النفوذ الأمريكي على المستوى العالمي. وفي هذا السياق ذكر وزير الخارجية بومبيو، في ديسمبر 2018، في كلمة له في بروكسل، أن “الأجهزة الدولية يجب أن تُسّهل التعاون الذي يعزز أمن وقيم العالم الحر، وإلاَ يجب إصلاحها أو إلغائها”. ولا شك أن السياسات الحادية لترامب تثير تحديات كبرى لمستقبل تطور الأمم المتحدة، كما أدت إلى تدهور العلاقات بين القوى الكبرى وأضعفت من قدرة المجتمع الدولي على مواجهة التحديات العالمية عن طريق التعاون، كما زادت من عزلة الولايات المتحدة ومن مخاطر وصولها إلى طريق مسدود. وإذا أعيد انتخاب ترامب فإنه سيُواصل تجنُب تعدُديَة الأطراف وعلاقات التَحالف الأمريكي لصالح الدبلوماسية الثنائية لخدمة أجندته الأكثر أحادية والقوميَة (أمريكا أوَلاً). أمَا إذا فاز بايدن فلايجب أن ننخدع بخطابه اللِيبرالي المُتحرِر، حيث ستؤدِي القيود الداخلية والخارجية على قوة الولايات المتحدة إلى الحد من طموحات ورغبات واشنطن في إيجاد حلول للتحديات الدولية المُلحَة على طريقتها. وسيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يتمكن بايدن من إصلاح الأضرار التي لحقت بمصداقيَة وسُمعة الولايات المتحدة بسبب سياسات ترامب، خاصةً وأن استطلاعات كثيرة للرَأي العام الأمريكي تكشف عن حالة من الاستياء الشديد بسبب الالتزامات الخارجية والرَغبة في التركيز أكثر على التحديات الداخلية التي تُؤثِر في نوعيَة حياة المواطن الأمريكي في وقتٍ تتزايد فيه مخاطر تفشِي الكثير من الأوبئة والحاجة إلى التَعامُل مع المُشكلات التي تُسبِبُها اقتصادياً وإجتماعياً. كل ذلك يدعو الكثيرين إلى ترجيح أن يكون الدَور الأمريكي أقل نشاطاً وتأثيراً في الشئون العالمية في السنوات القليلة القادمة، ونظام دولي أكثر تعقيداً وغموضاً وارتباكآ.
ثالثاً:” مصر ومجلس الأمن الدولي”
السفير/ إيهاب عوض- نائب مساعد وزير الخارجية، مدير شئون الأمم المتحدة
السيد السفير/د. منير زهران- رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية،
السيد السفير/د. عزت سعد – مدير المجلس،
السادة والسيدات أعضاء المجلس،
الضيوف الكرام،،،
أتقدَم بالشكر المجلس المصري للشئون الخارجية على تنظيم هذا الحدث، وأودُ التأكيد أن هذه المبادرة تأتي من بين فعاليات بدأت منذ الأسبوع المنصرم وتمثلت في ندوتين افتراضيتين شارك المجلس في تنظيم إحداها مع مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في مصر، وعقدت الأخرى بالتعاون مع وزارة التخطيط والمجلس القومي للمرأة، وتناولتا جوانب مختلفة حول ماضي ومستقبل دور الأمم المتحدة في العمل الدولي متعدد الأطراف، وكذلك حاضر ومستقبل الشراكة بين الأمم المتحدة ومصر من المنظور التنموي الاجتماعي والاقتصادي، وتُوِجت تلك الفعاليات بندوة المجلس اليوم، ثم مساءً باحتفالية تقيمها وزارة الخارجية بمشاركة السيد/سامح شكري- وزير الخارجية.
إنَ هذه الفعاليات، بتنوعها شكليًا وموضوعيًا، تشير إلى تواصل اهتمام مصر بدور الأمم المتحدة، خاصة باعتبارها من الدول المؤسسة للمنظمة، حيث ظل الإطار متعدد الأطراف للعمل الجماعي الدولي من بين أهم محاور التحرك الدبلوماسي المصري عبر العقود السبعة الماضية في مختلف قضايا الأمن والتعاون الدولي بأبعاده السياسية والتنموية والثقافية والإنسانية والاجتماعية والحقوقية. وبالرغم من التراجع الظاهري في تأثير الأمم المتحدة خلال العقدين الأخيرين وربما منذ انتهاء الحرب الباردة في بداية التسعينيات، إلا أن الثابت أن المنظمة احتفظت لنفسها بهامش مهم للحركة في مختلف القضايا، وظلت منصة لاغنى عنها حتى الآن للنقاش وتبادل الأفكار وإدارة الاختلافات المنهجية والفكرية بين الدول الأعضاء، وأيضاً كمنصة لإطلاق المبادرات التي تحمل مستجدات تطور الفكر الإنساني. وتظل مبادئ ومقاصد الميثاق بمثابة مرجعية هامة لتنظيم العمل الدولي متعدد الأطراف.
وجاءت أزمة جائحة كورونا لتلقي بظلال ثقيلة على عمل المنظومة الأممية ووضعتها في اختبار صعب لمدى استمرار صلاحية وفعالية هياكلها وآلياتها في التصدي للتحديات المستجدة التي تواجه الإنسانية، وخاصة مع تزامن تفشي الجائحة مع تزايد حدة الاستقطاب الدولي، وتصاعد نبرة الأحادية والانعزالية في مقابل العمل الجماعي متعدد الأطراف.
وفيما يتعلق بموضوع الكلمة “مصر ومجلس الأمن الدولي”، فإن مجلس الأمن يمثل الآلية الأكثر تأثيراً وأهمية من بين آليات عمل الأمم المتحدة بالنظر لما تحمله قراراته التي يتخذها بموجب الفصل السابع من الميثاق. فلمصر سجل طويل ومشرف في مجلس الأمن الذي حظيت بعضويته غير الدائمة لأول مرة عام 1946 ثم لخمس فترات لاحقة أعوام 1949-1950، 1960-1962، 1984-1985، 1996-1997، وأخيراً عامي 2016 -2017. وتزامنت كل من تلك الفترات مع مرحلة هامة، وأحياناً حرجة، في تاريخ المنظمة بل وفي مسيرة النظام العالمي ككل، وكذلك في تاريخ مصر الحديث خلال القرن العشرين وبدايات القرن الحالي. وبدون التطرق لتفاصيل طبيعة ونتائج كل من تلك الفترات الست على حدة، ولكن الأمثلة عديدة عن حجم الدور والتأثير المصري في مجلس الأمن خلال واحدة من أخطر الأزمات التي واجهت العالم عام 1960 – أزمة الصواريخ الكوبية- حيث تشير سجلات لوزارة الخارجية الأمريكية رفعت عنها درجة السرية أخيراً أن مصر، من خلال عضويتها في مجلس الأمن خلال الأزمة، لعبت دوراً هاماً (لم يُكشف عن تفاصيله الكاملة) في تسوية الأزمة. وهناك أمثلة عديدة حول حجم وأهمية دور مصر في كل من الفترات الست التي شغلت فيها مقعداً غير دائم في المجلس تعد جميعها شاهدة على عراقة وقدرات الدبلوماسية المصرية.
وخلال هذه المداخلة سأُركِز على فترة عضوية مصر الأخيرة عامي 2016-2017 والتي شرفتُ خلالها بتولي منصب المنسق السياسي ثم المندوب المناوب لوفد مصر الدائم.
لقد تزامنت عضوية مصر في مجلس الأمن عامي 2016-2017 مع مرحلة دقيقة في تاريخ مصر المعاصر في أعقاب ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013 وجاءت بمثابة فرصة سانحة لإعادة التأكيد على حجم ودور الدبلوماسية المصرية، ورؤية مصر مابعد ثورتي يناير ويونيو للتطورات المتلاحقة في محيطها الإقليمي العربي والإفريقي وعلى الساحة الدولية.
ومن هنا استندت الرؤية الحاكمة لعضوية مصر في مجلس الأمن عامي 2016-2017 بشقيها الموضوعي والتنظيمي، إلى ضرورة الاستفادة من مكتسبات تلك العضوية( المتزامنة عام 2017 مع عضوية مصر بمجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي) في استعادة الدور السياسي البارز على المحاور الإقليمية الحيوية للأمن القومي، خاصة في إفريقيا والشرق الأوسط وكذلك في تحقيق مرتبة متقدمة بين الدول المساهمة بقوات في عمليات حفظ السلام. وكان البعد الحاكم لكافة التحركات هو صيانة المصالح الوطنية في الأساس، وكذلك إرساء ركائز التحرك المصري على المستويين الإقليمي والدولي لمرحلة مابعد انتهاء فترة العضوية.
منذ اليوم الأول للعضوية في مجلس الأمن جاء أداء مصر مُعبٍراً عن موقف متوازن بين استعداد للانفتاح على مشاغل المجتمع الدولي والمشاركة في تحقيق التوافق حول مجمل القضايا المطروحة على المجلس من جهة، والدفاع من جهةٍ أخرى عن مصالح البلاد الوطنية وعن ثوابت مواقف مصر السياسية، مع إبراز التزامها بحماية المصالح العربية ( باعتبار مصر العضو العربي بالمجلس) والإفريقية ومصالح الدول النامية، وخاصة تلك المساهمة بقوات في عمليات حفظ السلام الأممية. واتبعت السياسة الخارجية المصرية نهجاً براجماتياً يقوم على استقلالية وجرأة المواقف، وعلى الاستخدام الرشيد لهامش الحركة والمناورة المتاحة بين مواقف القوى الكبرى، مع الحرص على تنسيق المواقف- قدر الإمكان- مع الدول مشابهة التفكير، ومع الدولتين الإفريقيتين الأخريتين من أعضاء المجلس. وقد جاء القرار باتباع هذا النهج البراجماتي والموضوعي في مواجهة الكثير من المواقف الدقيقة التي تتنازع فيها مصالح الدول الكبرى، وفي ظل حالة من الاستقطاب الشديد بين المعسكرين الغربي والشرقي. وقد أفضى هذا النهج إلى الاحتفاظ على مدار عامي العضوية بهامش للحركة المستقلة أسهم في اكتساب أداء ومواقف مصر درجة عالية من الاستقلالية والمصداقية والاحترام.
ولعل من أبرز الأمثلة للتحديات التي واجهتها مصر هي نجاح مصر في استصدار قرار لإدانة تفجير السفارة السعودية في طهران ، وكذا مشروع القرار الأمريكي حول الاستغلال والإيذاء الجنسي من قبل قوات حفظ السلام، ومشروع البيان الرئاسي للمجلس حول تقرير الرباعية الدولية بشأن عملية حفظ السلام بالشرق الأوسط ومشروع البيان الصحفي الأمريكي بشأن محاولة الانقلاب في تركيا، وكذلك الصعوبات التي اتسم بها التعامل مع ملف الأزمة اليمنية من منطلق عضوية والتزام مصر بأهداف التحالف الدولي لاستعادة الشرعية، فضلاً عن التطورات المتلاحقة للأزمتين الليبية والسورية والتعقيدات التي أحاطت بالقرار التاريخي 2334 الذي اعتمده المجلس حول مسألة الاستيطان الإسرائيلي والتسوية السياسية للقضية الفلسطينية.
وقد عكست تلك التجارب دقة وحساسية المواقف التي واجهتها مصر خلال فترة العضوية وفرضت علينا التعامل مع ضغوط تتراوح مابين قصر الفترة الزمنية المتاحة للتقييم واتخاذ القرار، والالتزام بتمثيل مصالح الدول المساهمة بقوات في عمليات حفظ السلام (قرار الإيذاء الجنسي)، أو عدم ملاءمة أسلوب وصيغ التحرك المقترح لمصالحنا وثوابت مواقفنا (مثلما حدث عند مناقشة المجلس لموضوعات حظر التجارب النووية، والإيذاء الجنسي، ومحاولة الانقلاب التركية، وتقرير الرباعية الدولية، والملفان الإنساني والأسلحة الكيماوية في سوريا، والتوجهات الروسية إزاء الأزمة اليمنية، والتوجهات الغربية إزاء الأزمات الليبية والخليجية والسورية، وإزاء أزمات جنوب السودان وبوروندي والكونغو الديمقراطية، والعقوبات على إريتريا)، وذلك في ظل المعطيات والحساسيات السياسية المتنوعة المرتبطة بكل من تلك الأزمات.
وبالرغم من صعوبة ودقة تلك التجارب، يمكن القول إجمالاً أن مصر خرجت بمكاسب تتجاوز التداعيات السياسية المباشر لها ( خيبة أمل روسيا إزاء إفشال البيان الرئاسي حول تقرير الرباعية/ وخيبة الأمل الخليجية إزاء نمط التصويت المصري غير المسيس على قرارات تتعلق بسوريا) والإعلامية (الحملة الموجهة على الموقف المصري من قضايا الاستغلال الجنسي ومحاولة الانقلاب التركية والأزمة السورية). فقد أظهرت مصر في كل من تلك الحالات امتلاكها للرؤية الموضوعية تعلي من الحفاظ على مصالح الشعوب العربية والإفريقية، وصلابة في الدفاع عن مواقفها ومواجهة مختلف الضغوط التي عادة ماتتعرض لها الدول غير دائمة العضوية، وذلك رغم ماعرف عن مصر في الوقت نفسه من مرونة وتعاون بناء وحرص على تحقيق التوافق وإسهامها الموضوعي في كافة القضايا المطروحة، مما أعطى لمجمل هذه المواقف مصداقية فريدة، انعكست في احترام وحرص القوى الكبرى على التنسيق المسبق مع مصر، وتضمين رؤيتها في المسودات المبدئية المبادرة وصياغة المخرجات ذات الصلة بالقضايا الإقليمية محل الاهتمام المباشر. وقادت مصر تجربة مهمة في صياغة قرار 2389 بشأن الأوضاع في البحيرات العظمى بجعل عملية اتخاذ القرار في مجلس الأمن أكثر شفافية وشمولية، من خلال عملية تشاورية موسعة مع دول المنطقة، مصداقاً للمبدأ الذي تؤكد عليه مصر دائماً من أن أعضاء مجلس الأمن يتولون مسئولية صيانة السلم والأمن الدوليين نيابةً عن كافة الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، وفقاً لما نصت عليه المادة 24 من ميثاق المنظمة.
ربما لم تتوافر للرأي العام المصري والدولي صورة متكاملة أو واضحة لحجم ومدى التأثير الذي اتسم به الأداء المصري على مختلف الأصعدة والمستويات، وإسهاماته في تحقيق نقلة نوعية نحو استعادة السياسة الخارجية المصرية لزمام المبادرة في عدد من القضايا والموضوعات الإقليمية والدولية المعني بها مجلس الأمن، وذلك نظراً لأن الغالبية العظمى من أعمال ومناقشات وقرارات المجلس تدور وتتخذ في إطار غير رسمي وغير معلن. ومن هنا، فإن الحكم الموضوعي على أداء مصر خلال عضويتها بمجلس الأمن لايجب أن يستند لمجرد مابدا منها خلال الجلسات العلنية المنقولة عبر وسائل الإعلام والتي لاتمثل سوى 20 بالمائة من أنشطة وأعمال المجلس. ومن هنا، أتوجه بالشكر لمجلسكم الموقر على إتاحة هذه الفرصة لإلقاء الضوء على بعض الجوانب الهامة وغير المنظور لعضوية مصر الأخيرة في مجلس الأمن ووضعها في سياقها الدقيق والأشمل.
بالتأكيد على أن مجمل المواقف والتحركات والمبادرات المصرية خلال عامي عضوية مجلس الأمن 2016-2017 جاءت لتعزز من انطباع تولد لدى كافة الجهات المعنية بشئون الأمم المتحدة(دول أعضاء، السكرتارية، مراكز الأبحاث والمنظمات غير الحكومية) باستقلالية القرار المصري، واستناده لاعتبارات موضوعية ومبدئية، وتعبيره عن مصالح قاعدة واسعة من العضوية العامة للمنظمة وعن رؤية واضحة للمصالح الوطنية. ومن هنا نال أداء مصر تقدير وإعجاب مختلف تلك الجهات نظراً لتميزه بالجرأة والوضوح والموضوعية، وكذلك القدرة على اتخاذ زمام المبادرة بطرح موضوعات ونصوص من زوايا مبتكرة وتستجيب لحجم وتنوع التحديات التي تواجه الأمن والسلم الدوليين، وتستند لامتلاك أدوات العضوية المؤثرة في المجلس من كفاءة ومهنية فريق العمل بوفد مصر الدائم، واتساع نطاق التمثيل الدبلوماسي.
وربما يتساءل البعض كيف تواصلت الاستفادة من هذا الجهد والعمل بعد انتهاء العضوية عام 2017، وربما تجدون إجابة في متابعة حضراتكم لبعض المبادرات والفعاليات التي شهدتها مصر خلال عامي 2018 و 2019 تحضيراً وبالتزامن مع رئاسة مصر للإتحاد الإفريقي، وأبرزها المؤتمر الإقليمي رفيع المستوى حول أداء عمليات حفظ السلام (نوفمبر 2018) ومنتدى أسوان (ديسمبر 2019) إضافة لعدد من ورش العمل والندوات التي تركزت على زوايا مختلفة من العمل الأممي والإفريقي بهدف مواصلة الزخم المتولد عن ريادة مصر لبعض الملفات الموضوعية الحيوية في مجلس الأمن.
وهكذا يجب تقييم نجاح عضوية مصر في مجلس الأمن في سياق متصل وقياس ماحققته من تناغم واتساق ضروريين بين مصالح مصر الدولية والإقليمية.
ثالثاً:”الجوانب الاقتصادية من نشاط الأمم المتحدة”
السفيرة/هاجر الإسلامبولي- عضو المجلس المصري للشئون الخارجية
يرتبط الحديث عن الجوانب الإقتصادية من نشاط الأمم المتحدة بتناول دور المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة وهو أحد الأجهزة الستة الرئيسية التي أنشئت في عام 1945 ويُمثِل مركز المنظومة التنموية للأمم المتحدة ، ويُمارس دوره من خلال:
أن
-
اللجان الوظيفية وتضم: الإحصاء، السكان والتنمية، التنمية الإجتماعية، وضع المرأة، المخدرات، العدالة وصنع الجريمة، العلوم والتكنولوجيا من أجل التنمية، الغابات.
-
اللجان الإقتصادية الإقليمية لإفريقيا، وآسيا والمحيط الهادئ، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية والكاريبي، وغرب آسيا (الإسكوا).
-
الصناديق والبرامج: برنامج الأمم المتحدة للتنمية(UNDP)، برنامج الأمم المتحدة للبيئة ( UNEP)، برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات(UN-Habitat)، منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، منظمة الأمم المتحدة للغذية والزراعة(FAO) والمركز الدولي للتجارة العالمية(ITC)، منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNICTAD) ،المفوضية السامية للاجئين (UNHCR)، ومعهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث(UNITAR)، وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (UNRWA)، ومنظمة السياحة العالمية(UNWTO)، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالجرائم والمخدرات (UNODC).
-
الوكالات المتخصصة وتضم: صندوق النقد الدولي (IMF)، ومنظمة العمل الدولية (ILO)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD)، ومنظمة الطيران المدني الدولية (ICAO)، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO)، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (UNESCO)، والإتحاد الدولي للإتصالات(ITU)، والمنظمة البحرية الدولية (IMO)، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، ومنظمة التجارة العالمية (WTO)، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، والاتحاد العالمي للبريد(UPU). إضافة إلى مجموعة البنك الدولي، البنك الدولي للتنمية والتعمير IBRD، مؤسسة التنمية الدوليةIDAومؤسسة التمويل الدولية IFC، وكالات الاستثمار متعددة الأطرافMIGA، والمركز الدولي لتسوية المنازعات ICSID، واليونيسكو والمسئولة عن وضع المعايير والقواعد العالمية للتعليم والعلوم والثقافة ومنظمة الصحة العالمية تضع القواعد للإنتاج والسيطرة على المنتجات الحيوية والتكنولوجية وإدارة ومواجهة الأوبئة.
-
والواقع أن الوكالات المتخصصة تضع الإجراءات العالمية، ومستويات المعيشة، التشغيل الكامل، الجوانب الإقتصادية والإجتماعية والصحية والغذاء والتغذية وكافة الموضوعات المتعلقة بها. فمنظمة العمل الدولية تضع قواعد العمل الدولية ومنظمة الأغذية والزراعة تضع قواعد سلامة الغذاء والزراعة والصحة الحيوانية .
-
اللجان الدائمة: كلجنة التنسيق والبرامج، ولجنة المنظمات غير الحكومية.
-
أجهزة الخبراء الذين يعملون بصفتهم الشخصية، يعني ذلك أن عمل المجلس الفني يشمل الجوانب التي تتطلب التعاون الدولي من أجل الاقتصاد العالمي أي العمل الجماعي لتحقيق النمو العالمي وتحقيق التقدم من خلال الحلول الجماعية للوصول إلى التنمية المستدامة.
منذ إنشاء المجلس في عام 1945 حُددت مهامه الأساسية في تنمية التعاون الدولي في المسائل الإقتصادية والإجتماعية والثقافية في ثلاثة موضوعات محددة في تحقيق:
-
مستويات معيشة أعلى والتشغيل الكامل ووضع شروط التنمية والتقدم الإقتصادي والإجتماعي.
-
إيجاد حلول للقضايا الإقتصادية والإجتماعية والصحية في العالم إضافة إلى تحقيق التعاون الدولي في مجالات الثقافة والتعليم.
-
حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
-
ومع تطور العمل في المنظمة الدولية أصبح المجلس الإقتصادي والإجتماعي المنصَة الرئيسية لتحليل السياسات ومراجعتها وإعطاء التوجيهات السياسية للدول أعضاء المنظمة الدولية.
وكلَف المجلس بالمتابعة والتنسيق بين نتائج كافة مؤتمرات الأمم المتحدة في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والبيئية في تحقيق التكامل المتوازن للوصول للتنمية المستدامة.وفي عام 1998 حدث تطوُر آخر بإضافة اجتماع المجلس الإقتصادي والإجتماعي في إبريل مع وزراء مالية الدول الأعضاء مع لجنة مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. كما أضيفت للمجلس في الجزء رفيع المستوى مراجعة تنفيذ أجندة 2030 للتنمية المستدامة. ورغم ذلك ونتيجة لأن الوضع في إطار منظومة العمل الدولي دائماً ً هو وضع معقد فإن ذلك وضع حداً على إمكانية التأثير على السياسات الدولية في التجارة والتمويل والإستثمار.
-
تطور آخر حدث في 2005 عندما تقدم كوفي عنان بمقترح ليكون المجلس الإقتصادي والإجتماعي هو المنصة للقاء عالي المستوى بين الدول الأعضاء والمؤسسات المالية الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني حول اتجاهات السياسات العالمية والعمل الدولي. واتفق على عقد منتدى التعاون الدولي عالي المستوى كل عامين بحيث يصبح الجزء رفيع المستوى معني بمراجعة اتجاهات التعاون الدولي في التنمية والدفع بتنسيق أكبر في الأنشطة التنموية.
-
واتفق كذلك في القمة أن يعقد مراجعة سنوية على المستوى الوزاري لتقييم مدى التقدم الذي تحقق لأهداف الألفية للتنمية MDGs. وفي عام 2016 تحولت هذه المراجعات الدورية من أهداف الألفية إلى “أهداف التنمية المستدامة” السبعة عشر والتي تم إقرارها من المجتمع الدولي في عام 2015.
-
كما يتولى المجلس الإقتصادي والإجتماعي توجيه وتنسيق عمل الأمم المتحدة على مستوى الدولة العضو وتنفيذ الأنشطة الخاصة بالتنمية فيها، ويتولى المجلس مسئولية متابعة تنفيذ منظومة التنمية للأمم المتحدة للسياسات التي تتخذ في الجمعية العامة، كما يتابع المجلس كذلك تنفيذ منظومة التنمية للأمم المتحدة لتنفيذ أجندة 2030 للتنمية المستدامة. كما يتولى المجلس مسئولية تعزيز المساعدات الإنسانية وتحسينها من أجل تطوير وتحسين الأداء في الكوارث والطوارئ الإنسانية المختلفة.
-
كما يحتضن المجلس المنتدى المعني بتمويل العلوم والتكنولوجيا والإبداع وهو المركز المعني بمتابعة التقدم المحرز في تمويل التنمية والذي تم إقراره في أجندة العمل التي تم إقرارها في أديس أبابا في 2015. ويعد هذا المنتدى الحكومي الوحيد المعني بتمويل التنمية وبمشاركة عالمية غير حكومية وأصبح منذ ذلك التاريخ المكان الذي يتم فيه بناء التوافق بين الأطراف المختلفة Stake Holders حول تحدي التمويل وخلق بيئة مواتية على كل المستويات لتحقيق التنمية المستدامة ويعقد هذا المنتدى كل عامين حول العلوم والتكنولوجيا والإبداع لبحث التعاون من أجل تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
