أزمة الجائحة في سياق التنافس الأمريكي / الصيني
مايو 20, 2020تداعيات جائحة كورونا الأولية على مستقبل الاتحاد الأوروبي والانعكاسات المحتملة على العلاقات المصرية/ الأوروبية
مايو 21, 2020سفير/د. محمود كارم
عضو مجلس إدارة المجلس المصري للشئون الخارجية
ذكر الأمين العام للأمم المتحدة مؤخراً، إن جائحة «كورونا» “جرس إنذار غير مسبوق لجميع سكان الأرض وأن دعم الوقود الأحفوري يجب أن ينتهي، وأن الملوثين يجب أن يدفعوا ثمن تلويثهم”، داعياً إلى “استثمار الأموال العامة في القطاعات المستدامة إلى جانب المشاريع الصديقة للبيئة والمشاريع المناخية”.
نقف أمام هذه التصريحات التي تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية كبيرة لإعادة ترتيب النظام الدولي بعد أن فشل العالم في الحفاظ على الوضع القائم في مواجهة هذه الجائحة. وبدلاً من أن أشرع في سرد المتعارف عليه وما تعلمناه من المتابعة اليومية لهذه الجائحة، أقترح تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يعالج تلك الآثار السلبية بوضع البدائل والحلول، وهو ما عكف عليه السكرتير العام للمنظمة في التصريح المشار إليه في هذا المقال من خلال وضع بعض الأفكار القابلة للتنفيذ. مع العلم بأن العناصر التي سوف أقترحها قد تشكل ما يطلق عليه “عناصر مذكرة تفسيرية لمشروع القرار المقترح”، وهي ليست مقترحات شاملة نهائية جامعة، بل هي إسهام لشحذ الذهن يمكن البناء عليه وإضافات أخرى لصياغة القرارالمراد من واقع العناصر التفسيرية التالية:
-
ظهر جلياً خطـأ الدفوع التي تنادي باستبدال النظام الدولي القائم على محوريه دور الدولة وهدم نظام “الدولة-الأمة”. حيث شهدت الثلاثين عامًا الأخيرة في الأمم المتحدة وغيرها من المفاوضات الدولية سلسلة من المحاولات المستترة غير الواضحة لإدخال مفاهيم جديدة بالقاموس الدبلوماسي الدولي والنص عليها في القرارات الدولية، تفتقر إلى القيم العملية المتعارف عليها، وحملت وراءها سلسلة من الأغراض الخبيثة غير المحددة. ويبدو لي أن بعض هذه المفاهيم كانت تستهدف هدفًا واحدًا فقط وهو إسقاط الدولة وتشكيل النظام الدولي على أساس تعميم وتدويل مفاهيم الديموقراطية والليبرالية الغربية فقط على العالم أجمع، دون تقديم بديل قابل للتطبيق لما قد يحدث إذا ما اختفت الدولة مثلاً، أو أصبحت فاشلةتؤدي إلى مشاكل الهجرة غير الشرعية على سبيل المثال. والغريب أن من ينادي بإسقاط الدولة ومؤسساتها يتجاهل ضرورة الحل السياسي للمنازعات المحتدمة والتي أدت إلى ظهور معسكرات اللاجئين والتي صارت هي الأخرى مشاكل إنسانية وبؤر للفيروس، ويتجاهل إعادة الحق الشرعي للشعوب مثل الحق الثابت غير القابل للتصرف للشعب الفلسطيني.
ولذلك فإننا نطالب المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة لمنع بعض الدول من استغلال تلك الأزمة وانشغال العالم بها لتكريس الاحتلال أو لضرب الشرعية الدولية في مقتل، مثل ما تفعله إسرائيل الآن من محاولات لضم أجزاء من الضفة الغربية أو لتسريع وتيرة بناء المستوطنات. وأتساءل أين حقوق الإنسان من معاناة الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وهي تواجه مغبة الاحتلال والعزلة والكورونا؟.
وتعددت تلك المفاهيم والمحاولات الخبيثة تحت مسميَات عديدة تحمل بين طيَاتها مفهوم الحق في التدخل في الشئون الداخلية للدول، وتغيير الأنظمة بالقوة، التدخل الإنساني، الأمن الإنساني، المشروطيَة في التعاون الدولي تحت مسمى، واجهها المفاوض العربي في المحافل الدولية ودعني أستشهد ببعضها
Democratization of the military, shared values, regime change, material breach as in the case of Iraq, responsibility to protect.
وهنا علينا أن نؤكد أن جائحة كوفيد- 19 أظهرت أهمية دور الدولة ومؤسساتها لمواجهة أخطارها وهو أمر يجب أن تؤكد عليه الأمم المتحدة. ونذكر بكل فخر أن رئيس مصر عبد الفتاح السيسي، كان أول من نادى بدعم مفهوم الدولة الوطنية في المحافل الدولية ومن فوق منصة الأمم المتحدة.
-
إن حجم الإنفاق العسكري للدول النووية والإنفاق المستعرعلى الأبحاث العلمية لتطوير السلاح النووي وتزويد الترسانات النووية بأجيال حديثة صغيرة الحجم، شديدة الدمار، يكرس المطالبات الدولية بضرورة نزع السلاح النووي. وقدعكس الإنفاق العسكري العالمي أرقاماً بلغت 1822 مليار دولار في عام 2018 بزيادة 6.2% عن العام السابق. وبلغ حجم ما أنفقته الولايات المتحدة بمفردها على السلاح النووي 37 مليار دولار سنوياً، بينما طالب الرئيس الأمريكي زيادة تلك الميزانية 25%، والعالم في وسط أزمة كورونا وذلك في منتصف فبرايرالماضي 2020. ولذا كان المطلب الملح لدول عدم الانحياز بخفض وعكس الإنفاق العسكري، وتوجيهه لخدمة القضايا الصحية والعلاجية والإجتماعيةوالإقتصادية والتعليمية مطلباً رئيسياً عادلاً، وكان ذلك من ضمن مطالب دول عدم الانحياز في الدورة الخاصة الأولى بنزع السلاح والتي عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة1978 دون أي استجابة من الدول النووية. وإذا قارنا بين حجم الإنفاق على تطوير أجيال جديدة من السلاح النووي وميزانية ما ينفق عالمياً على الصحة والعلاج لوجدنا هوةً كبيرة ليست في صالح البشرية. ولا أذيع سراً بأن الأسابيع الماضية والغرب في أشد المعاناة من محنة كورونا، اطَلعناعلى إجراءات اتخذتها الدول النووية لرفع الجاهزية والتأهب النووي للحفاظ على التفوق النووي العسكري NuclearPreparedness بدلاً من التركيز على مواجهة الجائحة. ناهيك عن إنفاق ما يربو من 5 مليار دولار خلال الأسابيع الماضية لضمان سلامة تخزين السلاح النووي كما أعلنت وزارة الطاقة الأمريكية، في الوقت الذي باتت فيه البشرية في أشد الاحتياج لأبحاث للوصول إل علاج او مصل ضد الجائحة.
-
أظهرت تلك الأزمة سهولة تخليق وتصنيع سلاح جرثومي وبيولوجي صغير الحجم شديد القدرة والفتك من الخلايا الجرثومية، في معامل صغيرة الحجم تتكون ربما من غرفة واحدة فقط وهو أمر لا يمكن للمجتمع الدولي السكوت عليه. ويندرج ما ذكرتُه تحت مسمًى “أسلحة الدمار الشامل” التي تذكرنا بالمبادرة المصرية التي قدمتها للأسرة الدولية في الرابع من إبريل 1990لإنشاء منطقة خالية من كافة أسلحه الدمار الشامل بالشرق الأوسط. وكانت الدبلوماسية المصرية في المقدمة بطرحها للمبادرة والدفاع عنها أمام المحافل الدولية والتنبيه مراراً وتكراراً لضرورة منع وصول هذه التقنية إلى أيادي الجماعات الإرهابية التي قد تستخدمها بشكل عشوائي مدمر. ولذا كان على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات أشد صرامة تجاه احتمالات تملك الجماعات الإرهابية لسلاح بيولوجي أو فيروس مماثل يندرج تحت تصنيف أسلحة الدمار الشامل الأمر الذي يجعلنا هنا ننادي بضرورة تفعيل المبادرة المصرية.
