جلسة عصف ذهني حول “أبعاد الدُور الإقليمي لمصر والتحديات ذات الصِلة في ضوء الأوضاع الإقليمية والدَولية المُتغيِرة”
أكتوبر 7, 2020ندوة ممثل الاتحاد الأوروبى لدى مصر السفير/ Christian Berger
أكتوبر 14, 2020بتاريخ 12 أكتوبر 2020، استضاف المجلس السيد وزير الخارجية والتعاون الدولى الليبى السابق/ محمد الدايرى، للتحدث عن تطورات الأزمة الليبية. وافتتح اللقاء السفير د./ منير زهران، رئيس المجلس، وشارك فيها عدد من السيدات والسادة أعضاء المجلس.
أشار الضيف فى بداية حديثه إلى المحاضرة التى ألقاها بالمجلس فى 15 يناير الماضى والخاصة بتطورات القضية الليبية حينذاك، والتى أكَّد فيها العلاقة التاريخية الوطيدة بين ليبيا ومصر، وكيف أن أواصر الصداقة والأخوة متينة للغاية بين شعبى البلدين، مذكراً بأن الأزمة معقدة جداً، نظراً لانخراط العديد من القوى الإقليمية والدولية ذات المصالح المختلفة فيها، ناهيك عن النزاعات فيما بين الفرقاء الليبيين أنفسهم. وبالنظر إلى تطورات الأحداث خاصة منذ يناير 2020، تطرَّق الضيف إلى التالى:
-
فى 8 يناير 2020، أطلقت كلٌ من روسيا وتركيا مبادرة لإعلان هدنة ووقف إطلاق النار فى ليبيا، ولكن اجتماع موسكو الذى عُقِد فى 13 يناير باء بالفشل، حيث رفض المشير خليفة حفتر والمستشار عقيلة صالح التوقيع على وثيقة المبادرة التى اعتُبر نصها داعماً للإسلام السياسى فى ليبيا ولتركيا تحديداً.
-
فى 19 يناير 2020، عُقِد مؤتمر برلين الذى نظمته ألمانيا بالتنسيق مع الأمم المتحدة بمشاركة 11 دولة، بينها الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس الأمن وتركيا وإيطاليا والجزائر ومصر والإمارات، و4 منظمات دولية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبى، الاتحاد الأفريقى، الجامعة العربية). ورغم حضور كلٍ من حفتر والسراج المؤتمر، إلا أنهما لم يتقابلا، ولم يوقع الأول على البيان الختامى الذى كان من أبرز بنوده التأكيد على وقف إطلاق النار، كما قصفت مليشياته العاصمة الليبية طرابلس بعد يوم واحد فقط من انعقاد المؤتمر.
-
اجتمع مجلس الأمن الدولى فى 6 فبراير 2020، ووافق – بقراره رقم 2510 – على مخرجات مؤتمر برلين بشأن ليبيا، وفاجأت روسيا الحاضرين بامتناعها عن التصويت، رغم مشاركة الرئيس الروسى بوتين نفسه فى مؤتمر برلين. من جهة أخرى، اتخذت روسيا مسعى آخر، بإرسالها وفداً إلى المستشار عقيلة صالح فى شرق ليبيا فى أبريل الماضى، ليوضح أن الحل العسكرى لن يمكن الاعتماد عليه لحل الأزمة الليبية، لخطورة العواقب والأضرار التى يمكن حدوثها جرَّاء ذلك فى طرابلس وترهونة، بل يجب اللجوء بدلاً من ذلك إلى تبنى مبادرة سياسية فعَّالة. وعليه، دعا صالح يوم 11 أبريل إلى مبادرة سياسية ارتكزت أساساً على مخرجات برلين وبعض الأفكار التى طرحها فى السابق؛ حيث تضمنت اعتماد مجلس رئاسى جديد مكون من 3 أشخاص، وتشكيل حكومة جديدة، ووقف الحرب. من جانبه، دعا المشير حفتر فى نفس اليوم إلى تجديد التفويض الشعبى له، رغبة منه فى الحفاظ على الوضع الراهن، وعدم الخضوع للقوى الكائنة بغرب ليبيا.
-
هذا، وبناءً على مذكرة التفاهم الأمنية التى وقعتها تركيا مع حكومة الوفاق فى 27 نوفمبر 2019، تدخلت تركيا فى الأراضى الليبية فى يناير من العام الجارى، بعد حصولها على تفويض من البرلمان التركى، ما أعطى زخماً نسبياً لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، الأمر الذى وجدت معه قوات الجيش الوطنى الليبى صعوبة فى المضى قدماً نحو استكمال مهام حملة “بركان الغضب”، التى كان قد بدأها للوصول إلى طرابلس. وعليه، انسحب الجيش الوطنى فى 5 يونيو 2020 بعد أن كان على مقربة من طرابلس بنحو ستة كيلومترات تقريباً.
-
وفى اليوم التالى، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسى بكلٍ من حفتر وصالح فى القاهرة، ليصدر “إعلان القاهرة” الذى يدعو إلى احترام كافة الجهود والمبادرات الدولية والأممية، من خلال إعلان وقف إطلاق النار اعتباراً من يوم 8 يونيو 2020، وإلزام كافة الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضى الليبية، وتفكيك المليشيات وتسليم أسلحتها، حتى يتمكن الجيش الوطنى الليبى بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بالمهام العسكرية والأمنية فى البلاد. بيد أنه فى يوم 8 يونيو، أعلن الرئيس التركى أردوغان أن القوات التركية حققت إنجازات كبيرة فى منطقة غرب ليبيا وأن ما بعد خط الجفرة وسرت سيكون من اليسير تحريره والاستيلاء عليه من قبضة الجيش الوطنى الليبى.
-
تلى تلك التطورات اجتماعُ شيوخ القبائل الليبيين بالرئيس السيسى فى القاهرة فى 16 يونيو، والذين طالبوا مصر حينها بالتدخل لحماية الدولة الليبية ومساعدتها على التخلص من أزمتها. وعليه، وجَّه الرئيس السيسى تحذيراً إلى الجانب التركى فى 20 يونيو من خطورة تجاوز خط “سرت – الجفرة”، الذى اعتبره خطاً أحمر، الأمر الذى لقى ترحيباً واسعاً من قِبَل الليبيين، والذى كان له أبلغ الأثر فى عدم مواصلة تركيا زحفها نحو شرق ليبيا.
-
أكَّد الضيف أنه منذ ذلك الحين، تعاظم ثقل الدور المصرى سياسياً وعسكرياً، حتى أن وزير داخلية حكومة الوفاق فتحى باشاغا أثنى على جهود ثلاث دول – مصر إلى جانب روسيا والولايات المتحدة – لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار بين الفرقاء الليبيين، والذى تم الإعلان عنه فى 21 أغسطس 2020. كما تلقَّى الرئيس السيسى خطاباً من رئيس حكومة الوفاق فايز السراج يثِّمن فيه جهود مصر وحرصها على تحقيق السلام والاستقرار فى ليبيا. بالإضافة إلى ذلك، زار وفد من المجلس الأعلى الليبى مصر فى سبتمبر الماضى، داعياً القاهرة إلى تبنِّى دور فعَّال فى غرب ليبيا، ومعبراً عن استيائه الشديد من العجرفة التركية التى أصبحت تعامل حكومة الوفاق وكأنها تابعة لها وعليها تنفيذ تعليماتها السياسية والعسكرية.
-
فى السياق عاليه، أشار إلى دور مصر فى استضافة ممثلين عن الفرقاء الليبيين بمدينة الغردقة، فى أواسط أكتوبر الماضى، كجزء من الاجتماعات التمهيدية المقررة تحت رعاية الأمم المتحدة، والخاصة بعقد اجتماع نهائى فى تونس فى 9 نوفمبر 2020 للتوافق حول نقاط التسوية اللازمة للأزمة الليبية ولتبنِّى خارطة طريق للمرحلة المقبلة. ولقد عُنِى الاجتماع المصرى بمحاولة إرساء قاعدة دستورية خاصة بالفترة الانتقالية فى ليبيا، وذلك بعد نجاح الجولة الثانية من الحوار الليبى فى مدينة بوزنيقة المغربية حول آلية اختيار المناصب السيادية السبع، وفقاً للمادة15 من اتفاق الصخيرات، وبعد الاجتماع الوزارى الذى تم عقده فى برلين فى 5 أكتوبر.
-
أشار إلى أن الاجتماعات المُشار إليها كانت بمشاركة ممثلين عن كافة القوى السياسية القائمة حالياً فى ليبيا؛ عن كلٍ من مجلس النواب الليبى من شرق ليبيا وحكومة الوفاق وحزب العدالة والبناء الإخوانى وسيف الإسلام القذافى وغيرهم. وأضاف أن اجتماعات تونس المزمع عقدها ليست الأولى من نوعها، بل كانت هناك محاولتان سابقتان؛ الأولى فى أبريل 2019، والأخرى فى مارس 2020، ولكن لم يحالفهما التوفيق، وقدَّم غسان سلامة، مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، استقالته على إثر ذلك.
-
فى سياقٍ متصل، أضاف أنه من المقرر أن تقوم القائم بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا، Stephanie Williams، بتسيير محادثات مباشرة بين وفدى اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5) فى العاصمة السويسرية جنيف ابتداءً من19 أكتوبر. وسوف ترتكز محادثات اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5) على المداولات السابقة والتوصيات التى خرج بها الاجتماع الذى انعقد فى الغردقة فى الفترة من 28 – 30 سبتمبر واستضافته السلطات المصرية تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا، لتثبيت وقف إطلاق النار، وبأحكام واضحة يلتزم الجميع بموجبها بإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضى الليبية ومياهها الإقليمية.
-
وخلص الضيف إلى القول بأن هناك بوادر إقليمية ودولية جادة تسعى لأول مرة منذ اندلاع الأزمة الليبية إلى إيجاد حل سياسى لرأب الصدع فى ليبيا. ومع ذلك، لا يمكن التأكيد على أن اجتماعات نوفمبر فى تونس ستكون النهائية فى المسلسل الليبى، إلا أن تحقيق تقدم فى حل الصراع الليبى لن يكون مستحيلاً، وأن لمصر دوراً رئيسياً فى هذا الشأن يجب الحفاظ عليه وتفعيله بحكم الأهمية الحيوية لليبيا بالنسبة للأمن القومى المصرى والروابط التاريخية بين البلدين.
المناقشة:
السفير د./ منير زهران: تساءل عن حقيقة الدور الذى تقوم به الحكومة المغربية فى الأزمة الليبية، لاسيما وأنه يجرى بمشاركة خاصة من وزير الخارجية المغربى وليس ممثلاً عنه. كما طلب تقييماً للصمت الذى اتسم به الموقف الأوروبى تجاه التدخل التركى فى ليبيا، وتقييماً آخر لدور الإمارات فى الأزمة الليبية، خاصة وأنها قد اتخذت عدة إجراءات منفردة سابقاً بشأن الأزمة الليبية، لم تكن متوافقة مع التوجهات الأمنية المصرية، ودون أى تشاور مع الجانب المصرى.
السفير/ فاروق مبروك: هناك الكثير من الميليشيات الأجنبية المسلحة فى الأراضى الليبية، ومن المعلوم أن من بينها ميليشيات ذات أصول سورية، فما هى الجنسيات الأخرى؟ من ناحية أخرى، ما هو وضع الإخوان المسلمين الحالى فى ليبيا؟
السفير د./ عزت سعد: تساءل عن مدى إمكانية الربط بين جهود التفاوض المختلفة بين الفرقاء الليبيين فى القاهرة وبوزنيقة وجنيف، وإذا كان من المفترض إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، فلماذا يتم الآن توزيع المناصب السيادية فى العمليات التفاوضية الجارية قبل العملية الانتخابية؟ وهل هناك توازن فى أعداد ممثلى القوى السياسية الليبية فى اجتماعات القاهرة وبوزنيقة وجنيف، أم أن لأحدها أو أكثر الغلبة على الآخرين؟ وهل يشارك هؤلاء الممثلون بأنفسهم فى كافة الاجتماعات أم هم متغيرون؟
أ/ عاطف الغمرى: أشار إلى وجود نوع من التفاؤل الحذر بشأن ما يحدث من الجهود التفاوضية الجارية نتيجة كثرة محاولات عقد حوار سياسى جاد بين الفرقاء الليبيين. وأضاف أن القوى التى تتباحث فى مدينة بوزنيقة المغربية لديها توجهات مختلفة ومعارضة تماماً، سواء من حيث خصائصها الأيديولوجية أو المصلحية، فما هو الضمان لعدم تمرد تلك القوى الموالية لتركيا وللتيار الإسلامى فى ليبيا بعد ذلك؟
من جانبه، طرح الوزير الأسبق محمد الدايرى ردوداً موجزة، تمثل أهمها فيما يلى:
-
بخصوص الدور المغربى فى المفاوضات الجارية، أشار إلى أن الرباط لعبت دوراً أساسياً سابقاً فى الأزمة عبر استضافتها لاتفاق الصخيرات، كما أن هذا الدور يتم تحت إشراف الملك المغربى مباشرة، إذ إنه من المعروف أن المناصب السياسية، كتلك الخاصة بالخارجية، تتبع الملك بشكل مباشر. وعليه، أوْلت المبعوثة الأممية رعايتها لاجتماعات بو زنيقة المغربية بشأن ليبيا.
-
هناك فساد مالى كبير فى حكومة الوفاق، وكذا فى الحكومة الليبية المؤقتة، الأمر الذى أدى إلى حدوث أزمات اجتماعية واقتصادية كبيرة من قبيل نقص الغذاء وفقدان الكهرباء… إلخ. ولقد أدى ذلك إلى اندلاع مظاهرات شعبية منددة بذلك فى أغسطس الماضى، كما دفع كلاً من رئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثنى ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج إلى تقديم استقالتَيهما، مع ربط الأخير نفاذ استقالته بتسليم مقاليد الأمور إلى حكومة انتقالية متفق عليها.
-
تجدر الإشارة إلى أن الكثير من الميليشيات المسلحة الموجودة فى ليبيا لا تنتهج أيديولوجية معينة، فهى جهوية تتبع بعض المدن مثل مصراتة ودرنة… إلخ، وقد انتشرت منذ عام 2011 فى إطار الشعارات العامة ضد الرئيس السابق معمر القذافى، ولكن هذا لا يمنع من وجود ميليشيات أخرى تعتنق أيديولوجيات معينة، والتى من بينها عناصر متطرفة تابعة لداعش وجبهة النصرة وأنصار الشريعة، والتى كانت قد اختطفت السفير الأردنى فى عام 2013، ومبادلته بمتطرف يتبع تنظيم القاعدة. فى سياقٍ متصل، تعتمد جماعة الإخوان المسلمين على الدعم التركى والقطرى، وفقدت أرضيتها الصلبة فى البلاد إلى حدٍ كبير فى الوقت الراهن. وفيما يتعلق بجنسيات العناصر المسلحة المكوِّنة للميليشيات الأجنبية فى ليبيا، فهناك عناصر تحمل الجنسية السورية قد استجلبتها تركيا إلى ليبيا، وعناصر أخرى تشادية ممولة من قطر وتقف إلى جانب قوات بركان الغضب فى طرابلس، وثالثة سودانية فى كلٍ من غرب وشرق ليبيا.
-
اجتمع وزير الدفاع القطرى مع نظيره التركى فى 17 أغسطس 2020، على إثر التدخل التركى فى ليبيا، علماً بأنه لم تطأ قدما أى وزير دفاع أو خارجية قطرى الأراضى الليبية منذ عام 2016، فى إشارة واضحة إلى أن قطر ستدعم الوجود العسكرى التركى فى مصراتة (بقاعدة عسكرية) والوطية (قاعدة جوية)، وأن على الليبيين قبول الوضع الجديد. وفى تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، تمت الإشارة إلى أن هناك عدداً من الطائرات التى أقلت أسلحة من قطر على وجه التحديد إلى ليبيا، عبر مدينة جربة التونسية. ولا زالت قطر تلعب دورها الإعلامى المغرض بحماس، لبث المزيد من الفوضى ولتحقيق مآرب خاصة فى الأراضى الليبية وفى المنطقة العربية.
-
بالنسبة للمسارات التمهيدية المختلفة التى يجرى انعقادها برعاية الأمم المتحدة فى بلدان متفرقة، فإنها جميعاً تخدم هدفاً واحداً وهو حل الأزمة الليبية عبر دعم حضور نحو 70 شخصية سياسية ليبية فى تونس، لصياغة خارطة طريق، تؤسس لمرحلة انتقالية خامسة لمدة 18 شهراً، يتم خلالها التوصل إلى اعتماد دستور جديد، تُبنَى عليه انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد 18 شهراً. وهذا لا يمنع من حدوث توافقات حصلت بالفعل فى أبو زنيقة مثل انتخاب مجلس رئاسى مكون من ثلاثة أشخاص – رئيس ونائبان – يمثلون الأقاليم التاريخية الثلاث فى ليبيا (طرابلس وبرقة وفزَّان)، ثم رئيس وزراء مستقل عن المجلس الرئاسى يقوم بالاضطلاع بالمهام التنفيذية، مع اختيار نائبين له كذلك.
-
بشأن مراكز القوى الليبية، أشار إلى أن أشهر تلك المراكز هما الفصيلين الأساسيين؛ التابعين لحفتر وللسراج فى شرق ليبيا وغربها، على التوالى. بالإضافة إلى ذلك، يوجد سيف الإسلام القذافى الذى لديه مناصرون فى أنحاءٍ عدة من البلاد، لاسيما فى مدينة سرت مسقط رأس العقيد معمر القذافى. ولقد سبقت الإشارة إلى أن الاجتماعات التمهيدية ضمَّت ممثلين عن القوى الثلاث، فضلاً عن أن اجتماع مونترو الذى عُقِد فى سويسرا لرسم طريق تلك الاجتماعات التمهيدية كان قد حضرها ممثلان عن سيف الإسلام، ويُعتقَد أن الدعم الشعبى الذى يحظى به الأخير يبتغى ترشيحه إلى رئاسة البلاد بعد انتهاء الفترة الانتقالية التى ستحوى بالتأكيد عدداً من الممثلين التابعين لتيار سيف الإسلام. على أنه تجدر الإشارة إلى أن هناك تيارَيْن فى الاجتماعات الخاصة بالشأن الليبى؛ وهما التيار الخاص بسيف الإسلام وذلك الخاص برموزٍ أخرى كانت تابعة لنظام الرئيس القذافى، ولكنها تناصر سيف الإسلام، لوجود خلافات قديمة منذ العهد السابق، مثل الحركة الشعبية بقيادة وزير الصحة السابق مصطفى الزيدى، وهذا تيار مؤيد لمعركة طرابلس ولقيادة الجيش الوطنى الليبى، شأنهم فى ذلك شأن بعض القيادات العسكرية من النظام السابق التى دعمت عملية الكرامة التى أطلقها المشير خليفة حفتر.
-
فيما يتعلق بالموقف الأوروبى من التدخل التركى فى ليبيا، هناك موقف رافض واضح جداً من قِبَل كلٍ من اليونان وقبرص تجاه تركيا، سواء فى ليبيا أو فى شرق المتوسط. من جهة أخرى، فإن موقف إيطاليا مترنح إلى حدٍ ما، فتارة تقوم بمناورات عسكرية مع اليونان وقبرص وتارة أخرى تهادن تركيا، وذلك كله لخشيتها على مصالحها النفطية والغازية الكبرى فى منطقة غرب ليبيا، والتى تسيطر عليها حكومة الوفاق المعترف بها دولياً وكذا تركيا. وفى هذا السياق، تم إبعاد نحو 300 عسكرياً إيطالياً كانوا يقومون بحراسة المشفى العسكرى الإيطالى فى مصراتة، بناءً على طلب تركيا. هذا، ومن جانبها تسعى ألمانيا، بحكم علاقاتها الاقتصادية مع تركيا واستضافتها لنحو 4 مليون تركياً على أراضيها، إلى إحداث توازن بين كلٍ من تركيا وفرنسا فيما يتعلق بالأزمة الليبية. ومن جانبه، دعا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى 10 سبتمبر الماضى سبع دول أوروبية مناهضة للتدخل التركى فى ليبيا إلى اجتماعٍ للتشاور بشأن ذلك، كما أنه من المقرر انعقاد اجتماعٍ أوروبى بشأن تركيا فى ديسمبر 2020. وفى 10 أكتوبر 2020، قام عدد من السفراء الأوروبيين بتقديم أوراق اعتمادهم إلى رئيس حكومة الوفاق، ولكنهم أصدروا بياناً جماعياً برفضهم لمذكرة التفاهم المشار إليها، ووصفها بعدم الشرعية، لاسيما وأن تركيا قد استخدمت مفهوم المنطقة الاقتصادية الخالصة فى الاتفاق، لأجل تحقيق مكاسب من ورائها، بينما هى لم توقع أصلاً على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. وعلى كلٍ، يمكن القول بأنه لا ريب فى أن هناك نوعاً من التراجع فى الدور التركى فى ليبيا، نظراً لمعاناته من العديد من المشكلات الداخلية والإقليمية. ولقد ذكر المتحدث الرسمى باسم الخارجية التركية فى 20 يوليو 2020، عقب التحذير الذى أطلقه الرئيس السيسى، بأن بلاده لا تسعى إلى الدخول فى أية مواجهة خارجية، سواء كان ذلك مع مصر أو غيرها.
-
أكَّد أن اليد الطولى فى ليبيا هى لصالح تركيا وليس روسيا، على عكس الحالة السورية. ولكن لا ينبغى التهوين من الوجود الروسى فى ليبيا. وفيما يتعلق بإمكانية التوافق الروسى – الأمريكى لحل الأزمة الليبية، أشار إلى أن الولايات المتحدة كانت غائبة إلى حدٍ كبير عن المشهد الليبى على مدار السنوات الماضية، وكانت عاكفة على متابعة مساعى الأمم المتحدة ومساعى الدول الأخرى لإيجاد حل. ولكن فور ورود معلومات تفيد باعتماد قوات الجيش الوطنى الليبى على قوات فاجنر الروسية فى معركة طرابلس، فإن الخارجية الأمريكية تحركت عبر عقد اجتماعات مع المشير خليفة حفتر ووزير الداخلية فتحى باشاغا فى واشنطن وروما، كما تم التركيز على إصدار العديد من البيانات المنددة بوجود فاجنر فى ليبيا، بما فى ذلك الإشارة إلى وصول عدة طائرات عسكرية من قاعدة “حميميم” الروسية فى سوريا إلى ليبيا. من جهة أخرى، أشارت المتحدثة باسم الخارجية الروسية إلى أن بلادها تسعى إلى دعوة 100 شخصية سياسية ليبية، معظمها من بقايا النظام السابق، لأجل التباحث بشأن ليبيا. ومن ثم، أضحى هناك نوع من الهواجس لدى الأمريكيين بشأن الوجود الروسى فى ليبيا. ويُتصوَّر أن الولايات المتحدة باركت التدخل التركى فى ليبيا وأعطته الضوء الأخضر، ظناً منها أنه سيؤدى إلى موازنة الوجود الروسى هناك. ففى يوليو الماضى، أشار مساعد وزير الخارجية الأمريكى لشئون الشرق الأوسط David Shinker إلى أن هناك بالفعل تدخلاً تركياً فى ليبا، ولكن قبل هذا التدخل التركى كان هناك تدخل روسى. بيد أنه فى ظل التململ الذى يطرحه المشهد من رفض شبه جماعى للتدخل التركى، فإنه يُقدَّر أن الولايات المتحدة تميل إلى دعم الموقف المصرى لحل الأزمة ورحيل أية قوات أجنبية من الأراضى الليبية، بما فى ذلك تلك الخاصة بتركيا.
-
منذ سنوات، كان هناك تنسيق مصرى – فرنسى – إماراتى – ليبى، بشأن ليبيا، لكن هناك بعض التحديات الجديدة التى تطرحها المواقف الإماراتية فى الوقت الراهن. فقبل توقيع اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل، تراجع المشير حفتر عن تصدير النفط الليبى، فى خطوة اعتبرتها الولايات المتحدة مدعومة من قِبل الإمارات، وذلك وفق بيانٍ شديد اللهجة أصدرته السفارة الأمريكية بليبيا. وعلى كلٍ، فإن الدور المصرى فى ليبيا أكثر عمقاً وتأثيراً عن غيره، وليس أدل على ذلك من استضافة القاهرة المتجددة لأطراف النزاع، فضلاً عن انعقاد اجتماعات الغردقة تحت رعاية الأمم المتحدة.
-
لأجل حل الأزمة الليبية، لابد من حشد الدعم العربى اللازم لذلك، فذلك هو أفضل وسيلة لمجابهة الأطماع التركية والتصرفات القطرية فى البلاد، لاسيما وأن هناك دعماً مادياً هائلاً من تركيا وقطر لأتباعهم فى ليبيا، فضلاً عن التواصل التركى مع كلٍ من تونس والجزائر لاستمالتهما، والذى أُشِيع بموجبه عزم تركيا على إنشاء قاعدة عسكرية لها فى منطقة الوطية القريبة من الحدود التونسية وغير البعيدة عن نظيرتها الجزائرية. كما يجب إشراك كافة القوى السياسية الليبية فى عملية التسوية. فضلاً عن ذلك، لا بد من العمل على حل الميليشيات المسلحة بشكلٍ تام من المشهد الليبى، عبر تفعيل المادة 34 من اتفاق الصخيرات، وتفعيل الملحق الأمنى لهذا الاتفاق، وقد أُثيرت بالفعل نقاشات متعلقة بهذا الشأن فى الاجتماعات التى أُجريت فى مدينة الغردقة المصرية. على أنه لا يمكن فى هذا السياق قبول تجريد مدينة مثل سرت مثلاً من السلاح لتكون مقراً مستقبلياً للحكم، دون غيرها من المدن مثل طرابلس؛ فهذا لن يؤدى إلى تحقيق الاستقرار والسلام الدائمين فى الأراضى الليبية.
