ندوة “تركيا”… فى مفترق طرق
نوفمبر 5, 2018تقرير السفير د. حسين حسونه عن مشاركته في انشطة ثقافية وعلمية عقدت خلال شهر نوفمبر 2018 :
نوفمبر 11, 2018
في تقدير مسئولين أمريكيين وتقارير مستقلة صادرة عن مراكز بحوث امريكية عديدة، يؤثر التدخل الصيني في افريقيا بشكل كبير على المصالح الاستراتيجية الامريكية. ويمتد هذا التأثير الي العديد من القضايا الاستراتيجية الملحة، حيث يقوم ما يقرب من 6500 جندي أمريكي بتدريب القوات المحلية فى أفريقيا، واداء مجموعة من مهام مكافحة الارهاب بهدف ضمان أمن الولايات المتحدة في ظل حالة عدم الاستقرار في المنطقة. ومما يعقد الامور بالنسبة للولايات المتحدة حرص الصين على الحفاظ على وجود بحري في غرب المحيط الهندي بدعوى حماية سفنها التجارية من القرصنة، ومشاركتها المتنامية في بعثات الامم المتحدة لحفظ السلام في افريقيا. كذلك تنظر الولايات المتحدة الي القاعدة العسكرية الصينية في ميناء بجيبوتي، والتي افتتحت في أغسطس عام 2017، على انها تهديد للأنشطة العسكرية الامريكية، وان امكانية إدارة الصين لهذا الميناء مقابل ديون مستحقة لها لدي الحكومة الجيبوتية بقيمة 1.5 مليار دولار، قد تحد من قدرة الامريكيين على استخدام الميناء، خاصة وأن جيبوتي هي الدولة الوحيدة في افريقيا التي تستضيف قوات دائمة من الجيش الامريكي منذ عام 2003.
والواقع أنه بعد مسلسل الفشل في السياسة الامريكية لوقف تمدد الصين وترسيخ تواجدها في افريقيا، وبعد التداعيات السلبية لبذاءات ترامب وما أثارته من ردود فعل عالمية واسعة اتهمته فيها بالعنصرية، استشعرت إدارته الحاجة الى إيفاد أحد كبار مسئوليها لتهدئه خواطر الافارقة. ومن هنا، جاءت جولة تيلرسون وزير الخارجية السابق في القارة في مارس الماضي، والتي كان مقرراً لها أن تشمل كلاً من جيبوتي وكينيا وتشاد ونيجيريا واثيوبيا، وهي كلها دول حليفة للولايات المتحدة في مجال الامن ومكافحة الارهاب. وقد أصاب المرض الوزير خلال تواجده في كينيا ولم تكتمل زيارته لنيجيريا حيث قطع جولته عائداً الى واشنطن بعد أن علم بخبر إقالته من تغريدة لترامب تداولتها وسائل الاعلام.
والحقيقة أن جولة تيلرسون التي لم تكتمل لم تقنع أياً من الأفارقة، وكانت بمثابة فرصة ضائعة لإعادة رسم علاقات جديدة بين الولايات المتحدة والقارة الافريقية، كما جاءت دليلاً على الموقف اللاأخلاقي المتراجع للولايات المتحدة ووقوفها على الهامش بينما تبدو الصين الاكثر انخراطاً في القارة.
والطريف ان تيلرسون، وقبل أن يبدأ جولته، أشار في محاضرة له حول العلاقات الصينية الافريقية في جامعة جورج ماسون الى ان مقاربة الصين نحو افريقيا يمكن ان تقود الى مديونية كبيرة للدول الافريقية لبكين. وفي مقر الاتحاد الافريقي في أديس أبابا، في اليوم التالي، حذر تيلرسون من الاستثمارات الصينية، قائلاً ان البلدان الافريقية تخاطر بالتنازل عن سيادتها بالدخول في ترتيبات تتعلق بهذه الاستثمارات.
وقد بدت حجج تيلرسون غاية في الضعف، خاصة في ضوء حقيقة ان ترتيب الولايات المتحدة يأتي وراء الصين في افريقيا على أصعدة متعددة. وعلى سبيل المثال، تشير احصاءات دولية موثقة الى أن الاستثمارات الامريكية المباشرة في القارة تراجعت بنسبة 5.2% عام 2015، في وقت تخلق فيه الصين فرص عمل. فالوظائف التي وفرتها الصين خلال عام 2016 كانت الاعلى على الاطلاق في افريقيا، حيث زادت ثلاثة أضعاف عن عدد الوظائف التي خلقها ثاني أكبر مستثمر وهو الولايات المتحدة. وتشير التقارير الى انه في عام 2017 وفرت 1000 شركة صينية – نحو 300 ألف فرصة عمل للعمال الأفارقة، كما استثمرت الصين في تدريب العمالة وتبادل برامج الطلبة. ولم تعد الولايات المتحدة مكاناً مرحباً به من الشباب الافارقة على نحو متزايد، حيث اصبح معهد كونفوشيوس مقصداً هاماً للعديد من الشباب الافارقة لتعلم اللغة الصينية على أمل أن يحظوا بوظيفة في الصين أو لدى الشركات الصينية المنتشرة في ارجاء القارة، وذلك ازاء العوائق الكثيرة التي وضعتها اوروبا والولايات المتحدة أمام دخول هؤلاء الشباب.
وفيما يتعلق بمشكلة الديون الافريقية للصين، جاء انتقاد تيلرسون مجافياً لحقيقة أن الدول الافريقية ماتزال تنفق أكثر في خدمة ديونها المستحقة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي مما تنفقه في قطاعي الصحة والتعليم، وذلك وفقاً لتقارير المؤسسات الدولية.
والخلاصة هي ان الاستراتيجية الصينية الشاملة تجاه افريقيا وامكاناتها الاقتصادية والتجارية الهائلة واستثماراتها الضخمة في القارة، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة، قد حسمت المنافسة مع الولايات المتحدة في القارة السمراء لصالحها. إن هذه الحقيقة لا يجب أن تدهش أحداً لاسيما الولايات المتحدة ذاتها، فالمراقب للتطورات في الصين خلال السنوات الاخيرة لابد وان يكون قد توقع دوراً رئيساً لهذه الدولة في الشئون العالمية، إن آجلاً أو عاجلاً، وأنه يتعين التكيف مع هذا الدور والتعايش معه، وهو ما لا يبدو أن واشنطن مستعدة له في ضوء اعتبار الصين تحدياً جدياً للأمن القومي والمصالح الامريكية، يتعين احتوائه، خاصة وانها لا تتبع نموذج التنمية الغربي، وتأخذ منحىً مخالفاً للمفاهيم والتوجهات والقيم الايديولوجية الامريكية.
نشرت بجريدة المصرى اليوم يوم الاثنين 5 نوفمبر 2018، رابط دائم :
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1340269