تقرير حول مشاركة السيد السفير رئيس المجلس في ورشة عمل الأمن النووي ومنع الانتشار ونزع السلاح (الرياض، من 30 أكتوبر إلى 1 نوفمبر 2018)
نوفمبر 2, 2018صراع النفوذ فى أفريقيا ما بين الصين والولايات المتحدة
نوفمبر 5, 2018
في 5 نوفمبر 2018، نظم المجلس ندوة بعنوان “تركيا… فى مفترق طرق”، شارك فيها الأعضاء من السفراء والأكاديميين وبعض رجال الأعمال، وافتتحها السفير د./ منير زهران، رئيس المجلس. وتناولت الندوة محاور ثلاثة هي: العلاقات التركية – الأمريكية، والعلاقات التركية – الروسية، والعلاقات التركية – العربية، والأوضاع الداخلية التركية، والعلاقات المصرية – التركية. وقد تحدث فى هذه المحاور، على التوالي، كلٌ من أ. د/ محمد كمال، والسفير/د.عزت سعد، والسفير/د.محمد بدر الدين زايد، والسفير/ عبد الرحمن صلاح، أعضاء المجلس. وأدار النقاش السيد الدكتور/ وحيد عبد المجيد، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
بعد ترحيب السيد السفير رئيس المجلس بالضيوف، أشار إلى أنه من غير المعروف هوية الانتماء التركي، هل تنتمي تركيا إلى العالم النامي أم العالم المتقدم؟ إلى العالم الإسلامي أم العالم الغربى؟ وذكر أنها عضو فى منظمة التعاون الإسلامي، وتتولى رئاسة اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادى فى المنظمة، وقامت باستغلالها أحسن استغلال لصالح اقتصادها، كما تتمتع أيضاً بعضوية كلٍ من البنك الإسلامى للتنمية، ومنظمة التعاون الاقتصادى للدول المطلة على البحر الأسود، وحلف شمال الأطلنطى، الذى انضمت إليه فى عام 1952. وقد سعت منذ القرن الماضى للانضمام إلى الجماعة الأوروبية والاتحاد الأوروبي بعد ذلك، ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل حتى الآن. وانغمست تركيا فى الشئون العربية، لاسيَّما فى الفترة الأخيرة، حيث تتدخل فى الشأن العراقي، بهدف تفويت الفرصة على أكراد المنطقة لتشكيل دولة مُوحَّدة تجمعهم، وازداد تدخلها في الشأن السوري، بصفةٍ خاصة منذ اندلاع الثورة السورية فى عام 2011، ولا زالت تدخلاتها مستمرة فى مناطق أخرى من العالم العربى.
وقد قام السيد الدكتور/ وحيد عبد المجيد بعرض عام للسياسة التركية فى المنطقة وأهمية الندوة ارتباطاً بذلك، قبل أن يعطي الكلمة للمتحدثين.
أشار أ.د./ محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فى سياق ورقته حول “العلاقات التركية – الأمريكية”، إلى ما يلى:
-
شهدت الفترة الأخيرة بعض التطورات الإيجابية فى العلاقات التركية – الأمريكية، ويُستَدَل على ذلك من رفع العقوبات المتبادلة بينهما فى أوائل شهر نوفمبر 2018، رغم كونها عقوبات رمزية بالأساس فرضتها الإدارة الأمريكية بعد حبس القس الأمريكى “برونسون” فى تركيا، وكانت تتعلق بوزيرَى الداخلية والعدل التركيين، وردَّت عليها تركيا بعقوبات مماثلة. ومع ذلك، يُلاحَظ استمرار العقوبات الأمريكية على الواردات التركية من الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة. وتشمل المؤشرات الإيجابية أيضاً الاتفاق على إطلاق عدة دوريات عسكرية مشتركة بين الجانبين فى المنطقة الكردية فى شمال سوريا، وتم الاتفاق هاتفياً بين زعيمَي البلدين على أن تكون هناك قمة بينهما فى باريس فى 10 – 11 نوفمبر 2018. هذا بجانب إعلان واشنطن، فى 4 نوفمبر، استثناء تركيا من العقوبات المتعلقة بحظر استيراد النفط الإيراني.
-
وقد ارتبطت هذه المؤشرات الإيجابية بقضية جمال خاشقجى المثيرة للجدل، والتى جرت أحداثها على الأراضى التركية، إذ حاولت أنقرة الاستفادة منها قدر الإمكان لتحقيق مكاسب إقليمية ودولية، وبالفعل نجحت فى ذلك إلى حدٍ كبير. كذلك ارتبطت بهذه القضية مسألة الإفراج عن القس الأمريكى برونسون، حيث انتهزت تركيا الضجيج الذى أحدثته القضية، لتقوم بإعادة النظر فى الحكم الصادر ضد برونسون، لتُفرِج عنه فيما بعد، مما أزال الكثير من العقبات أمام تحسين علاقات البلدين. جديرٌ بالذكر أن أهمية هذا القس تتجلى فى انتمائه إلى الطائفة الإنجيلية التى تمثل قاعدة شعبية انتخابية ضخمة جداً للرئيس ترامب، ولعل هذا هو السبب الرئيسى للاهتمام الكبير الذى أولته الإدارة الأمريكية لهذا الموضوع.
-
بيد أن هذه التطورات الإيجابية لا تعنى نهاية الخلافات بين البلدين، نظراً لوجود العديد من القضايا الخلافية الأخرى بينهما، حتى أن بعض مراكز الفكر الأمريكية بدأت تتحدث عن أن تركيا، العضو فى حلف الناتو منذ عام 1952، لم تعد حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة. وعلى الجانب الآخر، حاولت تركيا تحقيق نوع من التوازن فى توجهات سياستها الخارجية، بحيث لا تكون قاصرة فقط على علاقة تحالفية مع الولايات المتحدة. وباستدعاء محاولة الانقلاب الفاشلة التى شهدتها البلاد عام 2016، لا زال التوتر قائماً بين البلدين، على خلفية رفض واشنطن تسليم فتح الله جولن الذى تتهمه أنقرة بأنه العقل المدبر لمحاولة الانقلاب المذكورة. وهذه القضية مجرد مثال على وجود العديد من القضايا الخلافية الأخرى، والتى من بينها:
-
أثارت مسألة إمكانية اقتناء تركيا نظام الدفاع الصاروخى الروسى S-400، تساؤلات وشكوك مهمة من قبيل: هل يحق لدولة عضو فى حلف الناتو أن تشترى مثل هذا النظام من دولة خارج الحلف؟ وما الضمانات التى تزيل التخوفات الناجمة عن الحصول على مثل هذا النظام، لاسيَّما وأن بعض العناصر الروسية سيكون فى إمكانها المساعدة فى تشغيل هذا النظام، وبالتالى إمكانية إطلاعها على بعض الأسرار العسكرية الخاصة بالحلف.والمشكلة ذاتها تتعلق بأحدث الطائرات الأمريكية (F-35)، حيث تطالب بعض الأصوات الأمريكية بعدم تمكين تركيا من هذه الطائرات إذا حصلت على منظومة الصواريخ الروسية، لأن وجود النظامين فى تركيا قد يُسهِّل أيضاً للروس إمكانية التعرف على نظم التسليح المتقدمة الخاصة بالحلف. وفى هذا الصدد، تجب الإشارة إلى أن هناك مشكلة كبرى تتعلق بعملية إنتاج وصناعة هذه الطائرة، وهي أن هذه العملية تتطلب تعاوناً وإسهاماً من دول الحلف، ومن ثَمَّ لا يمكن إخراج تركيا منها بسهولة، لأن ذلك سيكون مكلفاً جداً، إلى جانب ما يسببه من تأخير فى مواعيد تسليم هذه الطائرة.
-
من بين الخلافات أيضاً، مساعدة الولايات المتحدة للقوات الكردية فى شمال سوريا، والتى تعتبرها تركيا إرهابية، وتتخوَّف من زيادة نفوذها وإمكانية إنشاء منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتى على الحدود السورية المتاخمة لتركيا. ومن ثم، تتمسك أنقرة بضرورة مواجهتها، واتخذت فى هذا السياق عدة تدابير منها عملية غصن الزيتون فى منطقة عفرين السورية.
-
يُضَاف إلى ما تقدم التوسع فى سلطات أردوغان، خاصة بعد انتخابه رئيساً للجمهورية إثر تحول النظام التركي إلى نظام رئاسي، وقيامه بارتكاب انتهاكاتٍ عدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، واعتقاله للكثير من الأتراك على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة.
-
كذلك تصب التوجهات الأخيرة للنظام التركي ذاته في صالح إذكاء الخلافات، والتي من أهم ملامحها الانفتاح على روسيا، التى لديها مشكلات عديدة مع الدول الغربية، وأيضاً بشأن علاقاتها مع الصين وإيران.
-
إلى جانب ما سبق، هناك موضوعان مهمان على الصعيد الإقليمي، من شأنهما تحديد مستقبل التطورات في العلاقات التركية – الأمريكية، وهما العقوبات على إيران، وعملية السلام فى الشرق الأوسط. فمن جهة، تثار التساؤلات بشأن موقف تركيا من هذه العقوبات ومدى انصياعها للإجراءات الأمريكية المرتبطة بها. من جهةٍ أخرى، وفى ظل التطورات الخاصة بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، يُلاحَظ تبنى تركيا مواقف مشابهة للمواقف التى تتخذها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
-
وخلص د./ محمد كمال إلى القول بأن الكونجرس الأمريكي أصدر قراراً في عام 2018 يطالب فيه الرئيس ترامب بتقديم تقرير عن مسألة المنظومة الصاروخية الروسية وحصول تركيا على الطائرة الأمريكية الحديثة (F-35)، فيما حظر على الإدارة الأمريكية تسليم هذه الطائرة لتركيا، حتى يتم تقديم هذا التقرير. وأشار د./ كمال إلى أن هناك، فى مجمل الأمر، انفراجة فى العلاقات التركية – الأمريكية، ولكنها مقترنة بكثير من القضايا الخلافية التى يتعيَّن حلها، ولعل ما يُسهم إيجاباً فى هذا الأمر هو ما حدث مؤخراً على خلفية قضية خاشقجى من إجراء اتصالات رفيعة المستوى بين البلدين.
من جانبه، عرض السفير د./ عزت سعد، مدير المجلس، مضمون ورقته حول “العلاقات التركية – الروسية”، مشيراً فى ذلك إلى ما يلى:
-
لدى البلدين تاريخ طويل مضطرب من العلاقات، حيث اندلعت بينهما 12 حرباً تقريباً على مدى خمسة قرون. ورغم ذلك، يمكن بسهولة رصد حقيقة حرص البلدين على التوصل إلى حد أدنى من التوافقات. فخلال فترة الحرب الباردة مثلاً، ورغم انتماء كل منهما إلى معسكر منافس، إلا أن البلدين حرصا على الحفاظ على وجود حد أدنى من الهدوء فى علاقاتهما، بل وتحقيق تحولات إيجابية فيها خلال الربع قرن الأخير، وذلك بالبناء على عناصر التوافق بينهما فيما يخص قضايا كثيرة، من خلال تبنى سياسة خارجية تتسم بالواقعية الشديدة. وفى هذا السياق، توصَف علاقات البلدين بأنها نوع من التعاون التكتيكي للإبقاء على الأوضاع الراهنة إلى أقصى حدٍ ممكن، خاصة فى المنطقة الأوروآسيوية، رغم حقيقة وجود التنافس التاريخي بين البلدين.
-
فى أعقاب انتهاء الحرب الباردة، دفعت رغبة البحث عن دور وهوية فى السياسة الدولية كلاً من البلدين لإحداث نوع من الانفراجة فى الفضاء الأوروآسيوى، بلغ ذروته بإنشاء مجلس رئاسي أعلى للتعاون الروسي – التركي، فى عام 2010، ليمثل تطوراً مؤسسياً كبيراً وقاطرة للمزيد من التعاون والتشاور الاستراتيجي في قضايا كثيرة تتجاوز العلاقات الثنائية بينهما. وقد جاء كل ذلك كثمرة للتعاون السياسي بين الجانبين، لاسيَّما الاتصالات المباشرة على مستوى القيادة.
-
جديرٌ بالذكر أن روسيا هي الشريك التجاري الثاني الأكبر لتركيا، بعد الاتحاد الأوروبي، ولدى البلدين رؤية استراتيجية لرفع حجم التبادل التجاري بينهما ليصل إلى 100 مليار دولار، وهي أيضاً من كبار المستثمرين فيها، وتبلغ الاستثمارات المشتركة بينهما زهاء 15 مليار دولار. ويُعَد مجال الطاقة هو العمود الفقري لهيكل التعاون الثنائي، حيث تغطى روسيا نسبة 60 % من احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي، وقد تم توقيع أول عقد لإنشاء محطة لتوليد الكهرباء باستخدام الطاقة النووية على هامش زيارة بوتين لتركيا فى عام 2013. وفي سياقٍ متصل، يذهب خمس السياح الروس للخارج لتركيا سنوياً (نحو 3 مليون سائحاً)، خاصة بعد إعفاء مواطنى البلدين من الحصول على تأشيرات دخول. وكانت مصر منافساً قوياً لتركيا على السياحة التركية إلى حد سحب البساط من تحت أقدامها عام 2010 (أكثر من 3.5 مليون سائحاً لمصر)، وذلك قبل التراجع الحاد فى عدد السياح الروس بعد سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء فى أكتوبر عام 2015.
-
ومن المُلاحَظ أنه عندما تتوتر العلاقات الثنائية، مثلما جرى فى أعقاب حادث إسقاط الطائرة الروسية فى نوفمبر 2015، التى تم على إثرها حدوث قطيعة بين البلدين، وفرض روسيا عقوبات اقتصادية على تركيا، حتى حدثت انفراجة فى يونيو 2016، عندما أرسل أردوغان خطاب تعازى واعتذار للرئيس بوتين –من المُلاحَظ أنه رغم هذا التوتر، لم يتأثر التعاون فى مجال الطاقة على الإطلاق، واستمر ضخ الغاز الروسى إلى تركيا، ولم يقل معدل الاستهلاك التركي منه.
-
من المفيد الإشارة إلى أن التقارب الذى حدث بين البلدين في السنوات الأخيرة لا يعدو أن يكون جزءاً من استراتيجية السياسة الخارجية التركية بالتوجه شرقاً، أي توجهها إلى المنطقة الأوروآسيوية التى تشمل الصين وروسيا وكذا المنتجين الآخرين للطاقة، وذلك إلى جانب انضمام تركيا إلى منظمة شنغهاي للتعاون وتطوير علاقاتها مع جمهوريات آسيا الوسطى وجمهوريات جنوب القوقاز، وتوثيق علاقاتها الاقتصادية بالصين. ومع ذلك، يصعب القول بأن سياسة التوجه شرقاً سياسة حديثة، إذ إنها جزء لا يتجزأ من استراتيجية السياسة الخارجية التركية متعددة الأبعاد التى كثيراً ما دافع عنها حزب العدالة والتنمية باستمرار، مؤكداً على “التنوع” كإطار حاكم للسياسة الخارجية التركية، ومكوناً رئيسياً لعقيدة “العمق الاستراتيجي” التى تطورت على يد أحمد داوود أوغلو عام 2001، وكانت فى قلب الدبلوماسية التركية لأكثر من عقد. وحيث أن المصالح الجيواستراتيجية والاقتصادية والطاقة قد اكتسبت أهمية أكبر كأسباب لاستراتيجية العمل الخارجي التركي نحو القارة الأوروآسيوية، وأيضاً نحو آسيا، فقد كان طبيعياً أن تكون روسيا على رأس أولويات هذه الاستراتيجية التركية. وينبغى التأكيد على أن تحول تركيا شرقاً، وكذلك روسيا كما سيلى البيان، هو انعكاس لحالة عدم الاستقرار فى علاقات أنقرة وموسكو بشركائها الغربيين.
-
على الجانب الآخر، وفيما يتعلق بروسيا، شهدت استراتيجية السياسة الخارجية الروسية للتوجه شرقاً علامة فارقة في عام 2014، بسبب العقوبات الغربية، في أعقاب الأزمة الأوكرانية وضم القرم، والتى كانت قد تأكَّدت منذ اندلاع ثورات الربيع العربي فى عام 2011، وأضحت سمة أساسية من سمات السياسة الخارجية الروسية، خاصةً وأن تقييمها لهذه الثورات هي أنها تمت بهدف زعزعة استقرار دول المنطقة بدعوى نشر الديموقراطية وتغيير النظم فيها. وينبغى الإشارة إلى أن ذلك قد دفع بوتين إلى اقتراح فكرة إنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي فى عام 2014، والذى تقوم مصر بالتفاوض معه حالياً على مشروع اتفاقية تجارة حرة بينهما فى غضون عامين.
-
وهكذا فالضغوط الواقعة على شركاء تركيا التقليديين، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، دفعتها إلى المزيد من تنويع خياراتها الخارجية. وبالمثل، فإن العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا بعد الأزمة الأوكرانية وضم شبه جزيرة القرم قد دفع روسيا إلى التوجه شرقاً نحو الصين والدول الأخرى غير الغربية، بما فيها تركيا وإيران ومصر وغيرها. وعلى سبيل المثال، زار بوتين تركيا خمس مرات خلال عام 2014، آخرها زيارته لها في 2-3 ديسمبر، وقَّع خلالها اتفاق إنشاء محطة الطاقة النووية. ومع ذلك، من الواضح أن الغرب لا يزال الشريك الرئيسى لتركيا، فالاتحاد الأوروبي يظل الشريك التجاري الأول لها، ولم تشكك تركيا مطلقاً في عضويتها فى حلف الناتو، وهذه مسألة مقدسة فى توجهات سياستها الخارجية. ورغم التوترات الأمنية الظاهرة فى هذا الشأن، فإن التعاون المؤسسي بين الجانبين لا يزال مستمراً. وكمسألة واقع، لا يزال الغرب يمثل الأولوية فى توجهات السياسة الخارجية التركية، رغم عمق تعاونها الأمني والسياسي مع روسيا. وبعبارة أخرى، فإن تحول تركيا نحو المنطقة الأوروآسيوية – وفي القلب منها روسيا – لا يعني أنها تترك الغرب لكي تنضم إلى الشرق، على الأقل في المدى القصير.
-
فنظرة إلى سياسة تركيا فى منطقة آسيا الوسطى وجنوب القوقاز – خاصة بعد حرب الأيام الخمسة بين جورجيا وروسيا فى أغسطس 2008 والشرق الأوسط – تشير إلى أن أنقرة وموسكو تتعاونان وتتنافسان فى الوقت ذاته، في معظم، إن لم يكن كل، المجالات (التجارة – الطاقة – الأمن)، وذلك رغم حقيقة أن كلاً من الدولتين تولى أهمية خاصة للمصالح المشتركة لها لدى الطرف الآخر، والبناء على ما يمكن أن يعظم هذه المصالح وترك الخلافات السياسية جانباً من أجل تجنب مواجهة مباشرة. ويمكن الإشارة، في هذا السياق، إلى التشابه الحاصل بين السياسة الخارجية التركية والمصرية، ارتباطاً بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن علاقة البلدين مع روسيا تنطوى على الكثير من الحركة والمصالح، ولكن لا يمكن القول بأي حال أن هذا يأتى على حساب العلاقات المصرية أو العلاقات التركية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
-
وبالنسبة للشرق الأوسط كمجال للتعاون التركى – الروسى، فهو يأتى على هامش العلاقات الثنائية بين البلدين، فكلاهما لديه وكلاؤه فى المنطقة، والذين يتم التشاور والتنسيق معهم باستمرار، غير أن هذا لا ينفي حقيقة وجود نوع من المواجهة بين الدولتين عقب اندلاع الثورات العربية، حيث اعتبرت روسيا هذه الأخيرة بمثابة مؤامرة غربية على نحو ما سبقت الإشارة إليه، كما أنها تخالف أحد الثوابت الأساسية فى السياسة الخارجية الروسية، والذى يتمثل فى رفض تغيير النظم الشرعية بالقوة. وعلى الجانب الآخر، وضعت هذه الثورات تركيا أمام اختبار صعب، ولكنها اختارت فى النهاية تشجيع هذه الثورات ودعمها، متبنية أجندة تغيير النظم. وبهذا الموقف خاطرت تركيا بأمنها الداخلى، ليس هذا فقط، بل وناقضت المنطق الأصلى لانفراج علاقاتها بروسيا التي دافعت دائماً عن الإبقاء على القائمة ورفض تغيير النظم. كذلك فإن الأسباب المباشرة وسير الأزمة الثنائية بين البلدين – والتى دامت نحو سبعة أشهر ما بين إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر 2015 ثم خطاب تعازي واعتذار أردوغان فى يونيو 2016 – هو مثل واضح على ما تتسم به الشراكة بين البلدين من منطق ومواءمات وتكتيكات. والواقع أن التباين فى مواقف البلدين لم يؤثر بشكلٍ كبير على العلاقات بينهما، وكما سلف الذكر، لدى البلدين قدرة على تنحية الخلافات جانباً والبناء على الحد الأدنى من الإيجابيات لاستمرار التعاون فيما بينهما.
-
وبخصوص التساؤل حول تكافؤ العلاقة بين كلٍ من تركيا وروسيا، وهل يملك كلاهما أوراقاً كافية تمكنه من الحفاظ على مصالحه فى القضايا الخلافية مع الطرف الآخر، يمكن القول بأن التداعيات المترتبة على حادث الطائرة، من فرض عقوبات روسية وإصدار تحذير للسياح الروس بعدم التوجه إلى تركيا – دفعت تركيا إلى تنشيط علاقاتها بأوكرانيا، وتلويحها بإمكانية مشاركتها فى تواجد الناتو العسكرى فى منطقة البحر الأسود. لكن، فى الواقع، عكَس خطاب الاعتذار الذي تلقاه بوتين من أردوغان أن تركيا لا تستطيع بأى حال تحمل التكلفة السياسية أو الاقتصادية لأي مواجهة مع روسيا، لاسيَّما فى وقت تشهد فيه أنقرة عزلة دبلوماسية متزايدة وقلق متصاعد من مخاطر تهديد كردي داخلي وخارجي وأزمة اقتصادية. كما أثبت الطبيعة غير المتكافئة للشراكة بين البلدين والهوَّة بينهما فى مصادر القوة والقدرة على المناورة.ويوحى حادث الطائرة بإمكانية تجميد مجالات التعاون الأخرى، غير مجال الطاقة الذى يقدر الطرفان أن التعاون بشأنه يحقق مصالح كل طرف.
-
وقد خلص السفير سعد إلى القول بأن الشراكة التكتيكية أو التقارب بين البلدين يجد أساسه فى التحولات الجارية فى النظام الدولى ما بعد الحرب الباردة، والتى لا تزال فى مرحلة مخاض، كما أنها تمثل تحدياً للبلدين بالمعنى الاستراتيجيى كمسألة هوية، ويُستفَاد هذا أيضاً من المناقشات الداخلية حول قضية الهوية فى كلٍ من البلدين، والمكوِّن الغربى فى هذه القضية، فضلاً عن المخزون والخصوصية الحضارية لكلٍ منهما. ويمكن القول بأن الارتداد الاستراتيجى لكلٍ من تركيا وروسيا عن التحالف والتعاون مع الغرب – بشروطه – يعكس عملية إعادة تقييم أوسع للهوية، وهو ما يؤشر لرغبة لدى البلدين لتجاوز أوضاعهما الحالية وتطلع كل منهما لدور يتفق وتاريخهما وثقافتهما الاستراتيجية. وبطبيعة الحال، فإن عمليات إعادة التقييم الاستراتيجى والهوية تتضمَّن التنافس مع الغرب استراتيجياً واقتصادياً، وحتى نوعاً من حيث المبادىء والمثل.
فى تناوله لمحور “العلاقات التركية – العربية”، أشار السفير/ د.محمد بدر الدين زايد، عضو المجلس، إلى ما يلى:
-
هناك سرديتان لا يزال يتم تداولهما فيما يتعلق بالعلاقات التركية – العربية فى فترة ما بعد الامبراطورية العثمانية، وهما التركي الرهيب والعربي الخائن. ويمكن تقسيم تاريخ العلاقات خلال هذه الفترة إلى مراحل أربع:
-
المرحلة الأولى: وهي التالية مباشرة لانهيار الامبراطورية العثمانية وحتى نهاية الستينيات من القرن الماضي، كان يشوبها التباعد الشديد، ومن ملامحها أن تركيا كانت من أولى الدول التى رحَّبت بإقامة علاقات مع بإسرائيل. كما سارعت إلى الانضمام إلى حلف الناتو، الذي كانت ولا زالت، أحد أعمدته. ولم تؤدِ التحالفات الأخرى مثل حلف بغداد أو الحلف الإسلامي سوى إلى مزيد من الانشقاق والتباعد بين الطرفين. وقد أفرز هذا موقفاً عربياً مناهضاً لتركيا، تمثل فى تأييد العديد من الدول العربية لقبرص، ضد الموقف التركي فى هذا الشأن.
-
المرحلة الثانية: مرحلة التحول التدريجى المتذبذب، والذى تصاعد بعد انتهاء الحرب الباردة، وتخللته ظاهرة “أربكان” فى التسعينات، والتي استنكرتها الدول العربية، مما ساهم فى ترسيخ الشكوك التاريخية بين الجانبين. وقد فشلت، فى هذه المرحلة، التصورات التركية بإمكانية قيامها بدور الوسيط بين العالمين العربي والغربي.
-
المرحلة الثالثة: والتى تأتي مع فشل الاستراتيجية الأمريكية فى العراق، وتوافقت مع المرحلة الثالثة من الطرح الأردوغانى الذى بلوره أحمد داوود أوغلو فى كتابه “العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها على الساحة الدولية”، والنظر إلى تركيا كموقع استراتيجي تلتقي فيه ثلاث مناطق جغرافية: الغرب الأوروبى، والشرق الأوروآسيوى، والجنوب الشرق أوسطى.
-
ومقتضى هذا الطرح أن تلعب تركيا الدور المحوري فى المنطقة عبر توطيد العلاقات مع جيرانها، مثل اليونان وإيران وسوريا والعراق وروسيا، إلى جانب تحسين علاقاتها مع مصر. وقد دفع هذا الطرح أنقرة إلى السعي إلى لعب دور محوري وقيادي في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، بالإضافة إلى تبني خطاب صدامي مع إسرائيل.
-
كما اتسمت هذه المرحلة بتنامى العلاقات الاقتصادية التركية بجيرانها بشكلٍ غير مسبوق، وكانت جزءاً من نجاح النموذج الاقتصادى التركى، حتى أن الصادرات التركية قفزت من 6 % من إجمالي الصادرات التركية عام 2006 إلى 21 % عام 2011 (من 5 مليار دولار إلى 43 مليار دولار). وقد ارتبط بهذا الأمر نمو موازٍ فى القوة الناعمة التركية، جرَّاء رغبتها في أن تكون الدولة الإسلامية النموذجية، التى تجمع بين الهوية الإسلامية وقيم العلمانية، وظهر ذلك جلياً في التطور الكبير لحجم المساعدات الخارجية التركية، حتى احتلت تركيا المركز الرابع دولياً على صعيد المساعدات فى عام 2013، بعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى وبريطانيا، بإجمالى مساعدات حوالي مليار دولار. ولا ينفصل عن أبعاد هذا الدور سعي السياسة الأمريكية فى عهد أوباما لأن يكون هناك نموذج فى العالم الإسلامي يراعي مبادىء الديموقراطية، وبدأت تركيا فى حينه التطبيق الأمثل لهذا النموذج.
-
وفي ظل هذه المرحلة الثالثة أيضاً، والتي سبقت اندلاع الثورات العربية، لم يمنع الأمر وجود توترات محمومة في العلاقات مع مصر، بسبب موضوع غزة. ومع ذلك، يمكن وصف هذه المرحلة بشكلٍ عام بأنها مرحلة غير مسبوقة في كافة نواحى العلاقات التركية– العربية، فيما بعد انهيار الدولة العثمانية، والتى فاقت من حيث الإيجابيات نمط التفاعلات بين الجانبين خلال الفترة العثمانية ذاتها.
-
المرحلة الرابعة: وهي الممتدة منذ اندلاع الثورات العربية حتى الآن، ويمكن الإشارة في سياقها إلى فترة قصيرة، حوالي عامين، بعد قيام الثورات، حيث نظرت تركيا إلى هذه الأخيرة بوصفها تحولات إلى الدولة النموذج التى تمثلها، وكان نجاح جماعة الإخوان في تولي الحكم فى مصر فى عام 2013 سبباً فى دعم تركيا لهذه الجماعة، اعتقاداً منها أنها تحقق هدفها المذكور.
-
وقد اتسمت هذه المرحلة، مثل المرحلة السابقة، بعدم المساس بالتعاون الاقتصادي، حتى أن أكبر شريك تجاري عربي لتركيا، ومن أشد المعارضين للنموذج التركي، وهو الإمارات، لا يزال يملك علاقات تجارية معها بإجمالى 9,61 مليار دولار، ومع العراق بإجمالى 9,18 %، وكذا التبادل التجاري مع كلٍ من السعودية ومصر والمغرب وسوريا، بإجمالي 2,73 %، و2,36 %، و1,66 %، و1,36 % مليار دولار.
-
أمَّا بالنسبة لسوريا، يرى البعض أن التردد التركي في بدايات الأزمة السورية قد دفعها إلى تبني استراتيجية هجومية أو استباقية في هذا البلد، عجلت بعسكرة الثورة السورية وتعميق التدخل التركي فيها. وقد اعتمدت تركيا بشكلٍ كبير على عناصر الإسلام السياسي المتشددة لتحقيق مآربها فى اللعبة السورية، ولا يخفى على أحدٍ دورها الكبير فى تعقيد الأزمة هناك. وبالمناسبة، فإن محاولات بسط النفوذ التركي يقابلهاعداء ملحوظ وشديد من قِبَل الصعيدين الرسمي والشعبي فى سوريا.
-
من ناحية أخرى، تواصل تركيا دورها فى دعم العناصر الإسلامية المتشددة فى غرب ليبيا، خاصة فى مصراتة، ويعمِّق من هذا الدور وجود نسبة مهمة من تجار مصراتة من ذوي الأصول التركية، بما ضمن لها قاعدة فى هذه المنطقة. ورغم محدودية هذه القاعدة سكانياً، فإنها ذات نفوذ اقتصادي ولوجيستي قوي. وبناءً على الدور المهم لمدينة مصراتة الساحلية، تمكنت تركيا من نقل وتمويل وتسليح الميليشيات الموجود بليبيا. وهناك أدلة قوية على دور تركي رئيسي فى معركة مطار طرابلس، وتدعيم حركة فجر ليبيا الإخوانية ضد قبائل الزنتان الليبية.
-
هذا، وقد تعمَّق التباعد التركي فى هذه المرحلة مع عددٍ من الدول العربية، وهى مصر والسعودية والإمارات والبحرين تحديداً، على إثر خلافها مع قطر. وارتبط بذلك اتهامات مباشرة من هذه الأطراف ضد تركيا بالتدخل فى الشأن العربي، ومطالبة عربية لقطر بتحجيم علاقاتها معها.
-
من جهةٍ أخرى، نجحت تركيا في السنوات الأخيرة في الاستفادة من ضعف تيار المستقبل في لبنان، وضعف الدعم السعودي له، للتسرب إلى المناطق السنية في شمال لبنان، وخاصة طرابلس، ودعم العناصر المتشددة هناك، وذلك رغم العلاقة التاريخية الطيبة التى تربط سعد الحريري بتركيا، ورغم قلق كلٍ من الحزب والحريري من هذا الدور التركي. ومن جانبه، حاول الحريري تجنب التصعيد مع تركيا – حليفته السابقة فى سوريا – وغض الطرف عن اتهامها، كونه يعتبر نظام الأسد وإيران عدواً استراتيجياً له. عموماً، يظل الدور التركى الجديد في المناطق السنية الشمالية مصدر التباس وغموض فى الشأن اللبناني، الأمر الذي يرافقه تزايد الإنفاق التركي عموماً في لبنان، وخاصة فى مجال التعليم، بعد تراجع الدور المصري في مراحل سابقة، والتراجع السعودي ودول الخليج في الوقت الحالي، ما يصب فى صالح تدعيم الدور التركي في لبنان.
-
وخلص السفير/ محمد بدر الدين زايد إلى أن المرحلة الحالية تعد أكثر المراحل توتراً وتعقيداً بين الجانبين التركي والعربي، فتركيا تود تطبيق نموذج الإسلام السياسي في المنطقة، وتتدخل عسكرياً بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في عدة دول عربية، وتتقارب مع قطر فى ظل الخلافات العربية معها. ولكن رغم ذلك، لا زالت المصالح الاقتصادية المشتركة بين الجانبين التركي والعربي مزدهرة ومتنامية. من جهةٍ أخرى، لا يمكن استبعاد أزمة خاشجقي وتأثيرها على أحد أهم جوانب العلاقات العربية – التركية، وهي العلاقات التركية – السعودية، وما إذا كانت ستشكل نقطة تحول فى هذا الصدد. ويُلاحَظ أنه في الفترة الأولى لهذه الأزمة، بدا أن هناك تحضيرات لصفقة تركية – سعودية، بالتوازي مع تصعيد تركي، لتحقيق المزيد من الابتزاز لتحسين المكاسب التركية. ولكن من المرجح أن يؤدي التصعيد التركي إلى تحقيق مكاسب على المدى القصير، ولكنه سيعمِّق الخلاف أكثر بين الجانبين على المدى الطويل. لاسيَّما وأن المتابع للسياسات السعودية، يجد أن الرياض فى وقت الأزمات تقوم بالتراجع والتقوقع ثم تتحرك فى التوقيت الذى تراه مناسباً.
فى مداخلته، تناول السفير/ عبد الرحمن صلاح، عضو المجلس، “العلاقات المصرية– التركية، والأوضاع الداخلية في تركيا”، حيث عرض الآتي:
-
أن أردوغان نجح في تقديم نموذج خاص للدولة الإسلامية، التى تتبنى نهج العلمانية والسياسة الاقتصادية الليبرالية، كما نجح فى تقديم نموذج جديد، استطاع من خلاله الحصول على أغلبية مطلقة فى تركيا، بعد غياب هذه الأغلبية لمدة تزيد عن 20 عاماً، وتحديداً من بعد وقوع انقلاب عام 1980، حيث لم تكن هناك أي حكومة قادرة على أن تحكم بمفردها، وكانت الأعمال تسير عبرتشكيل حكومات ائتلافية. ومما يدعو للدهشة هو أن هذا النجاح قد تزامن مع أزمة اقتصادية طاحنة، هبطت فيها الليرة التركية إلى حدٍ كبير، ووصل الدولار إلى مليون ليرة وأكثر.
-
ومع ذلك، يمكن القول أن أردوغان لم يأتِ بجديد فى السياسة التركية عن”توركوت أوزال”، رئيس تركيا الأسبق، الذى قدم طلباً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولكن ما يُحسَب لأردوغان أنه أعلن صراحة تبنيه للعلمانية، في ظل وجود كتلة إسلامية حرجة مؤيدة له، واستخدم الانتماء إلى الغرب والإلحاح في الانضمام للاتحاد الأوروبى كمحاولة لتحقيق الأغراض السياسية التى يهدف إليها، عبر الالتزام بمعايير كوبنهاجن، والتزم بالفعل طوال الفترة من 2000 إلى 2012 بهذه المعايير، لدرجة أن حزب الشعب الجمهورى المعارض، عندما رفع دعوى ضد أردوغان فى عام 2008، يتهمه فيها بعدم التزامه بالعلمانية، تمت تبرئته، رغم أن القضاة كلهم كانوا جمهوريين.
-
جديرٌ بالذكر أن محاولة أردوغان تقديم تركيا كنموذج للدولة الإسلامية الملتزمة بمعايير الديموقراطية، كانت متوافقة بشدة مع التوجه الغربي، الذي كان راغباً في التعامل مع دولة إسلامية، ملتزمة بمعايير الديموقراطية، وبعيدة عن اتهامات وشكوك الإرهاب. وتبغي الإشارة إلى أن هذه الرغبة كانت موجودة لدى الغرب منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث كانت هناك حاجة إلى تصدير النموذج التركي الإسلامي المعتدل إلى مجموعة الدول الجديدة الناطقة بالتركية والناشئة عن تفكك الاتحاد.
-
فى سياقٍ متصل، حاول أردوغان تقديم نفسه كوسيط أو جسر بين العالمين العربي – الإسلامي والغربي، من خلال محاولة الانخراط فى القضايا الشائكة مثل المسألة الإيرانية والقضية الفلسطينية – الإسرائيلية، وكان يتواصل مع إسرائيل وسوريا حتى عام 2010، وادَّعى أحمد داوود أوغلو أن الاتفاق بين الطرفين كان مضموناً ما دامت تركيا ذات صلة بالقضية، ولكنه لم يخرج إلى النور بسبب اعتراضاتٍ إسرائيلية.
-
يمثل أردوغان كذلك نموذجاً للإسلاميين ذاتهم، حيث مكَّنهم وشجعهم على استعمال النقود الخضراء، التى دأب المواطنون على ادخارها وعدم استثمارها، وساعدته فى ذلك حركة فتح الله جولن حينها، الأمر الذى ساهم بشكلٍ كبير فى توسيع قاعدة المشروعات الصغرى والمتوسطة، مما دفع بعملية النمو الاقتصادي فى تركيا، وذلك بالتوازي مع تشجيع ودعم المشروعات الكبرى، وبهذا استطاع الحصول على أكثر من 45 % من أصوات الناخبين، على مدى ثلاث عمليات انتخابية متتالية، وعلى أكثر من 50 % من المقاعد فى البرلمان التركي. وبذلك تمكَّن من الحكم بمفرده حتى عام 2011 – 2012، إلى أن جاء الربيع العربي، حين تصور أن الأمور قد استقامت له، وأنه سيكون السلطان الجديد، الذى سيعيد السيطرة على الدول العربية، التي كانت خاضعة للحكم العثماني في وقتٍ سابق.
-
من الجلي أن أردوغان قد ركَّز على العوامل الداخلية في الدول العربية محل الثورات، ولم يأخذ فى اعتباره التغيرات الإقليمية ولا الدولية المتزامنة مع حدوث هذه الثورات؛
فأولاً: انتقلت الولايات المتحدة من وضع الدولة العظمى الوحيدة، إلى دولة كبرى ضمن دول كبرى أخرى، ولم يكن هذا الأمر حديثاً بالضرورة، إذ كان واضحاً منذ أيام أوباما الأولى، ثم ترامب، الذى أخذ فى معاملة كافة أعضاء المجتمع الدولى سواسية، ولكن لم يدرك أردوغان هذا الأمر، ومن ثم فقد قيمته النسبية التي سعى إلى تحقيقها وإثباتها للغرب.
ثانياً:تجاهل أردوغان نظرة الريبة الروسية التى اعتبرت أن الربيع العربى تهديداً لموسكو، كونها مؤامرة غربية بحسب اعتقادها، وهذا يتباين مع الموقف التركي من هذه الثورات والنتائج الأولية التي أسفرت عنها، من حيث صعود نجم الإسلاميين، المُرحَّب بهم من قِبَل تركيا.
ثالثاً: أن الدول الإقليمية الكبيرة الداعمة للاستقرار شعرت بأنها مهددة، وحاول الإخوان المسلمون القيام بانقلاب في دولة الإمارات، كما دعموا شيعة البحرين ضد النظام.
-
وبالتالي، لم يأخذ أردوغان هذه المخاوف في الحسبان، وظل تركيزه منصباً فقط على العوامل التى تكفل له الحصول على نسبة الـ 50 % التى تمكنه من الحكم منفرداً. ولكن المفاجأة أنه لم يستطع الحفاظ عليها، لأنه وجد نفسه خارج النموذج الذى حاول أن يقدمه أو يمثله، فخرج عن النهج الديموقراطي العلماني، حتى أنه عمد إلى حظر الخمور في أوقاتٍ محددة في اليوم، وعلى الخطوط الجوية التركية. وتنبغى الإشارة إلى أن المتعقلين من حزب العدالة والتنمية هم مَن واجهوا أردوغان، وليس العلمانيون، الذين لم يستطيعوا، في أفضل الأحوال، الحصول على أكثر من 25 % فى الانتخابات التركية.
-
بالنسبة للعلاقات المصرية – التركية، فقد بلغت ذروتها الإيجابية فى عام 2012 – 2013، إلا أنها لم تلبث أن انخفضت بشكلٍ حاد عند اندلاع ثورة 30 يونيو 2013، علماً بأنه لم تكن لدى مصر أي رغبة فى تخفيض العلاقات مع تركيا فى ذلك العام، ولكنها اضُطُرَّت لتخفيض العلاقات، نتيجة استضافة تركيا عناصر إخوانية مصرية، بل ومطالبتها بفرض عقوبات على مصر عن طريق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن المفارقات أنه بينما حاول أردوغان إقناع الأوروبيين بفرض عقوبات على مصر، على إثر ثورة 30 يونيو – التى عدتها تركيا انقلاباً – قام الأوروبيون أنفسهم بالتدخل فى الشأن التركي وفرضوا عقوبات على تركيا، على إثر الانقلاب التركى الفاشل، وقيام أردوغان بفصل واعتقال مئات الآلاف، وارتكاب انتهاكات خاصة بحقوق الإنسان.
-
ولكن رغم الخلافات السياسية، يُلاحَظ أن حجم التبادل التجارى بين البلدين لم يعتريه أي سوء، بل شهد نوعاً من الازدهار، ولا زالت توجد محاولات لزيادته. ويبلغ هذا التبادل الآن حوالي 5 مليار دولار، ويبلغ نصيب الصادرات المصرية فيها حوالي 2 مليار دولار، وهي الدولة الوحيدة تقريباً التي زادت الصادرات المصرية إليها منذ عام 2011 وحتى الآن. هذا بالإضافة إلى استمرار الاستثمارات التركية فى مصر. من جهةٍ أخرى، يُلاحَظ أن السياحة التركية إلى مصر كانت قد انخفضت من حوالي 50 ألف سائحاً سنوياً إلى 10 آلاف سائحاً فقط، لتعاود التعافي مرة أخرى، حتى وصل عددهم إلى 40 ألفاً فى عام 2017.
-
من جهةٍ أخرى، تنبغي الإشارة إلى أن هناك مشكلة خلافية أخرى بين القاهرة وأنقرة، تتمثل فى اعتراض الأخيرة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المبرمة بين مصر وقبرص، وتحفظها الكبير على العلاقات المصرية مع قبرص واليونان وإسرائيل، وتهديداتها بعدم السماح بالقيام بأى أعمال تنقيب فى شرق المتوسط. بيد أن الأتراك يدركون جيداً أن مصر تمثل القوة البحرية الثانية فى شرق المتوسط، بعد تركيا وقبل إسرائيل. لذا، فمن المرجح عدم إقدام تركيا على الاحتكاك بمصر في هذه المسألة، لاسيَّما وأن حقول الغاز المصرية تقع فى منطقة لا تعترض عليها تركيا، ولكن اعتراضها كائن بشأن المكاسب التى تحصل عليها قبرص. ولكن يمكن القول بأن هناك فرصة لتحويل قضية الخلاف هذه إلى تعاون، ويُعتَقَد أن مصر ستحقق مكاسب كثيرة من التعاون مع تركيا، حتى ولو كان هناك خلاف مع أردوغان.
-
ويُقتَرَح فى هذا السياق، إقامة حوار غير رسمي وغير معلن بين منظمات غير حكومية مصرية وتركية قريبة الصلة بالدوائر الرسمية في البلدين، وإقامة حوار مماثل مع مجتمع الأعمال المصري والتركي. ويمكن أن يستهدف الحوار معالجة موضوعات الخلاف والنزاع بين البلدين، كما أن طبيعته غير الرسمية والسرية تتيح فرص بلورة حلول ممكنة دون التزام مسبق من جانب حكومتي البلدين، اللتين يمكن أن تتنصلا فى أي وقتٍ من هذا الحوار في حال فشل التوصل لنتائج إيجابية.كما يمكن العمل على تشجيع المزيد من الصناعيين الأتراك بالقدوم إلى مصر وإعطائهم حوافز أكثر، استغلالاً لانهيار الجنيه المصري والليرة التركية، وهذا خارج المجال السياسي، ومن المرجح أن يسهم ذلك في عملية التمهيد لتسوية الخلافات.
المناقشات:
السفير د./ محمد أنيس سالم-عضو المجلس:
-
هناك تنظيم إقليمي جديد فى الشرق الأوسط (منتدى غاز شرق المتوسط)، وهذا يفرض ضرورة بحث واستشفاف ما يمكن لمصر فعله بعد خمس أو عشر سنوات من الآن.
-
يوجد توافق عربي مصري تركي بشأن مسألة تحجيم تصاعد القضية الكردية، وبينما لا يوجد هناك استثمار لهذه المسألة فى حد ذاتها، فإنه يقابلها دور تركي لتهميش الدور العربي والمصري بالذات فى الأمور السورية.
-
هناك وجهتان نظر خاصة بالعلاقات المصرية التركية، أحدهما موجود بوضوح فى كثير من الأجهزة المصرية ويقول بأنه لن يمكن أخذ خطوة كبرى مع تركيا طالما بقى أردوغان فى السلطة، والثاني يقول بأن هناك خطوات ممكنة في ظل الحكومة التركية الحالية.
أ.د. وحيد عبد المجيد-عضو المجلس: تساءل عما إذا كانت من مصلحة مصر مساعدة تركيا فى حملتها لضرب الأكراد فى سوريا؟ ونحن لنا مع الأكراد علاقة تاريخية منذ أواخر خمسينات القرن الماضى، علماً بأن أكراد سوريا بصفة خاصة ليسوا انفصاليين بخلاف جزء كبير من أكراد العراق، فهل من صالح مصر أن تتعاون مع تركيا ضد الأكراد أم تتعاون مع الأكراد لوضع حد للنفوذ التركي في سوريا؟
إن مسألة العلاقات الاقتصادية يتم حسابها من الجانب المصرى وليس التركى، وهذا وفقاً للمصالح والمكاسب التى يتم تحقيقها من ورائها؛ وهذه مسألة اقتصادية بحتة وليست سياسية.
– وفيما يتعلق مسألة قبرص، أكد على الحاجة إلى وجود تقدير تقنى غير التقدير السياسى لأن الإضرار بمصالح قبرص فى الوقت الحالى، ينعكس لاحقاً على المصالح المصرية فى موضوع الغاز، والتقديرات المرتبطة بهذا الموضوع من خسائر وانعكاسات على مصالح مصر تتطلب تقديرات فنية إلى جانب نظيرتها السياسية والاستراتيجية.
-
مختتماً حديثه في هذا السياق إلى أن العلاقات المصرية مع تركيا وإيران، تم التعامل معها بعقلانية على المستوى الرسمى لأن هناك مصالح مصرية حقيقية ينبغى الحفاظ عليها. ومن ثَمَّ، فإن مسألة الحفاظ على هذه المصالح ليست محل الاهتمام، وإنما هل يمكن تعظيم وتنمية تلك المصالح ونقلها إلى مراحل أفضل فى ظل التوتر السياسى القائم؟
-
أما فيما يتعلق بمقاطعة قطر، أكد ان هناك شروط أمريكية بالنسبة للسعودية لإنهاء الزمة مع قطر في مقابل غلق ملف قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي. وهذا يدعو إلى التساؤل حول الموقف المصري، لأن هذا الموقف تجاه قطر كان سابقاً على مواقف باقي الدول الخليجية، فلمصر قضية مستقلة تجاه قطر، ومتعلق بالتدخل القطري في الشئون الداخلية المصرية، أما الخلافات بين الدول الخليجية الأخرى تجاه قطر لها أبعاد أخرى.
السفير د./ رخا حسن – عضو المجلس:
-
هناك مشاكل أساسية تقتضى إعادة النظر عند الحديث عن دفع العلاقات المصرية التركية، أولها قضية الإخوان المسلمين، فمثلاً في ليبيا هناك دول عربية عديدة، ومعها تركيا، تدعم وجود الإخوان كطرف أساسي في منظومة الحكم الليبية المقبلة، بينما تعارض مصر ذلك. وعموماً، ما دام حزب الحرية والعدالة فى حكم تركيا، فإنه لن يتخلى عن الإخوان المسلمين، وأيضاً دول عربية أخرى لن تتخلى عنهم، فليست تركيا فقط، وهذا يجب أن يكون واضحاً فى العقلية المصرية.
-
بالنسبة لقضية الأكراد، لا تقبل مصر تقسيم الدول العربية، ومعنى استقلال الأكراد أن مصر تقبل هذا التقسيم، وهذا مستبعَد تماماً.
-
يجب على مصر اتخاذ خطوات أسرع من الخطوات التى تتخذها بشأن سوريا دون مجاملةً لأي من الدول العربية، حيث يجب استعادة مصر علاقاتها مع سوريا لأجل الاقتراب من إعادة الإعمار، ولمواجهة ترك مسألة تقسيم جهود الإعمار لتركيا وروسيا وإيران.
-
يأتى التمدد التركي في المنطقة نتيجة تراجع القوى العربية، أكثر من كونه مزايا لتركيا، وهو ما يتطلب أن تتخذ مصر سياسة واضحة تجاه هذه القضية. وهناك دول عدة تتمدد، غير تركيا، مثل إيران، بما فى ذلك دول عربية، وهذا واضح فى منطقة القرن الإفريقى، حيث تقوم بعض الدول العربية بالتدخل لحل المشاكل هناك… فأين مصر؟
-
تركيا عضو فى حلف شمال الأطلنطي، ولها دور أساسي داخل الحلف، ولها عين على روسيا، بالرغم من تعاونها معها ويقوم أردوغان باستخدام الورقتين للضغط على الغرب، علماً بأن بلاده لن تدخل مطلقاً الاتحاد الأوروبي، لاعتباراتٍ ثقافية ودينية مغايرة لتلك الخاصة بالاتحاد.
-
بالنسبة للمقاطعة العربية لقطر، فقد كان موقفاً غير مدروس سياسياً، إذ كيف يفشل مجلس التعاون الخليجي فى أن يحل خلاف بين قطر وباقي دول المجلس، وهل قطر هي وحدها التي تساعد المنظمات الإرهابية دون غيرها من دول مجلس التعاون الأخرى؟ فى الواقع كان الموقف متطرفاً ومن طرف واحد، ومصر جاملت دول المجلس في هذا ضد قطر. ومن ثَمَّ، لا يجب أن تنعكس مشكلة قطر على العلاقات العربية – التركية.
-
هناك تعاون استراتيجي بين مصر والسعودية، ولكن بالرغم من كل ما حصل من تركيا تجاه مصر، لم تخفض السعودية علاقاتها معها على الإطلاق، ومصر لم تطلب منها شىء، بينما الأخيرة متحرِّجة من رفع علاقاتها مع سوريا والتعاون معها علناً تحرجاً من السعودية.
-
لا يجب على مصر أن تدخل في تحالف الشرق الأوسط، لأنه يُعَد بديلاً عن مشروع إحياء التضامن العربي.
-
فى منتدى البحرين الأخير، قال وزير الخارجية السعودي أن التفاوض من أجل هذا التحالف بدأ فى السعودية وأن قطر حضرت هذا التفاوض، وأن التعاون الأمني والعسكري مع قطر قائم رغم الخلاف الدبلوماسي. وفى منتدى الصحراء الاقتصادي، ذكر ولي العهد السعودي أنه يتوقع ازدهاراً ونمواً للاقتصاد القطري خلال السنوات القادمة، وهذا يعطي إشارة لتوقع حدوث مصالحة مع قطر.
السفير/ د.محمد حجازي – عضو المجلس:
-
حذر من أن ضعف الدول العربية هو السبب الرئيسي لتمدد دول مثل إيران وتركيا وإسرائيل. وما دام لا يوجد مشروع أمن قومي عربي متكامل الأركان، ستتدهور الأمور أكثر من ذلك، وستستمر المعاناة.
-
محمد أنور عصمت السادات – عضو المجلس:
-
أكد على وجود حاجة إلى فتح حوارات مباشرة مع الدول التي تمثل اللاعبين الرئيسيين فى المنطقة، وهذا من الممكن أن يتأتى عبر قنوات غير رسمية، مثلاً من خلال رجال الأعمال والاستثمار والتجارة، واستضافة مثل هؤلاء الأشخاص عبر فعاليات تتم في المجلس المصري للشئون الخارجية أو مكتبة الأسكندرية أو عن طريق التنسيق المشترك بين الطرفين، بما يساعد على التشاور المتبادل حول القضايا الراهنة، وتهدئة الأجواء السياسية الخلافية. وتجب مراعاة أن هذا يجب أن يُوجَّه بشكلٍ أساسي ناحية الأطراف التى تجافي مصر، وليست الأطراف الداعمة لها أو التى تدعمها.
-
من الضروري كذلك العمل على مساندة الحكومة المصرية فى جهودها المختلفة، وخلق رأي عام يدعمها. وهذا يأتي عن طريق تكثيف جهود مراكز الفكر المصرية لتقديم الأفكار والتوصيات اللازمة للدفع قدماً بالمصالح المصرية وتعظيمها.
السفير/ د. محمد بدر الدين زايد- عضو المجلس:
-
هناك مشكلة أمنية فى مصر إزاء تركيا نتيجة دعمها للإخوان المسلمين، فهل يمكن العمل على تقوية اقتصاد تركيا، بينما هي تهدد الأمن المصري حالياً؟ هل يمكن أن تبدأ مصر فى ذلك دون اتخاذ أي قرارات تركية من شأنها التخفيف من حدة التهديدات الأمنية التركية تجاه مصر؟
السفير/ حازم خيرت- عضو المجلس:
-
نوه إلى أنه كان من الأهمية بمكان الحديث عن العلاقات التركية – الإسرائيلية خلال الندوة، فتركيا لديها هيمنة في القدس وعلاقاتها بإسرائيل إيجابية إلى أقصى مدى، سواء على الصعيد الاقتصادي أو حتى العسكري.
-
من جهةٍ أخرى، تساءل عن مدى قدرة مصر لاستضافة معارضة تركية للنظام الحالي مثل ما تفعل هي مع الإخوان المسلمين؟
الكاتب الصحفي/أحمد أبو شادى- عضو المجلس:
-
يجب عدم إغفال علاقات تركيا بالدول التركمانية (تركمنستان)، إذ كانت تركيا أول دولة تنشىء خطوط طيران مع الدول التركمانية التى استقلت عن الاتحاد السوفييتى السابق.
-
من المتصوَّر أن تخسر مصر كثيراً جداً جرَّاء عدم الاكتراث بعلاقاتها مع تركيا لمجرد استضافتها لتنظيم الإخوان، فهي دولة لها وزن في المنطقة، والإخوان موجودون في بريطانيا والولايات المتحدة ومصر لديها علاقات مستمرة بهذه الدول.
أ.د. محمد كمال – عضو المجلس:
-
هناك تغير واضح فى الخطاب السعودى تجاه تركيا، فمنذ عدة شهور، صرَّح محمد بن سلمان بتصريحات تصف تركيا بأنها إحدى دول محور الشر، أمَّا الآن يقول بأن علاقات البلدين لا يمكن لأحدٍ أن يمسها. ومن الواضح أن يكون هناك تحرك سعودي – تركي في المنطقة… وهذا يطرح سؤالاً عن رد الفعل المصرى؟
والإجابة تُرجِّح أنه من الأفضل لمصر أن يكون تحركها تجاه تركيا فى إطار متعدد الأطراف كإنشاء منتدى إقليمي يضم الدول العربية بدول الجوار أو إطلاق مبادرة للحوار العربي – التركي من قِبَل الجامعة العربية، وهذا أفضل من البدء بالإطار الثنائي، ومن خلال مثل هذه الأطر متعددة الأطراف، يمكن الدفع لاحقاً بالعلاقات المصرية – التركية.
السفير/ محمد مصطفى كمال – عضو المجلس:
-
أكد على أن لمصر مصلحة أساسية فى استقرار الأوضاع فى سوريا. وقد كان لمصر دور جوهري فى عام 1998 فى منع النزاع الذي كاد أن يحصل بين تركيا وسوريا بشأن عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال الكردستاني. ونظراً لانخراط تركيا فى سوريا حالياً، فيجب على مصر أن تفتح قنوات تشاورية مع تركيا على الأقل بخصوص الأزمة السورية، مع تنحية الخلافات الثنائية جانباً.
-
لقد تم تهميش الدور العربى فى سوريا بسبب فشل الإدارة العربية ومنهجية بعض الدول الخليجية لمحاولة تدمير سوريا ونظامها.
السفيرة/ وفاء الحديدى – عضو المجلس:
-
هناك شعور شخصي سلبي لأردوغان تجاه الرئيس السيسى، نظراً لاعتقاده بأنه هدم كل طموحاته. وبالتالي، فالحوار مع الأطراف التركية لن يتم على المدى القصير.
-
اقترحت تنظيم ندوة أشمل يتم فيها تناول تركيا من كافة جوانبها، لاسيَّما الأمنية منها، وعلاقاتها بإسرائيل، وذلك حتى يمكن بحث كيفية إقامة علاقات مصرية – تركية بشكل دقيق ووثيق.
د. سيد بهى الدين عبد الحميد – عضو المجلس:
-
نوَّه إلى أنه لا يجب أن يكون مشروع الربط الكهربائى بين مصر و أوروبا عن طريق اليونان بديلاً عن المشروع القديم الذى تمَّ الشروع فى تنفيذه، والذى يجتاز الأردن ثم تركيا فأوروبا.
السفير/ عبد الرحمن صلاح – عضو المجلس:
-
دعا إلى تأسيس حوار مصري مع تركيا شبيه بالحوار السعودي – التركي الذى أشار إليه الدكتور محمد كمال، خاصة وأن مصر لا تقبل بأن تكون جزءاً من الصفقة السعودية – التركية.
-
واكد على وجود حوار عربي – تركي فعلي فى إطار الجامعة العربية، ولكنه حوار بين الدول، ما يعنى أنه كما تضع السعودية “فيتو” على الحوار مع إيران، فمن المتوقع أن تضع مصر “فيتو” على الحوار مع تركيا إلى أنْ يتم الوصول إلى تفاهم غير رسمي، فالمشكلة هي استخدام أردوغان موقفه من القيادة المصرية كورقة للحصول على الدعم السياسي. وبالتالي فما دامت هناك عدم قدرة على حل المشكلات الراهنة، فمن غير المرجَّح أن تتغير العلاقة السياسية بين البلدين.
-
أشار إلى أن المعارضة التركية تتميز بأنها منفتحة عالمياً، وقد تم استضافتهم من قبل فى القاهرة، وبعثت الحكومة التركية سفيرها الذى استدعته آنذاك للتشاور، فلماذا لا يتم استغلال هذا المسلك، دون التعرض لجماعة فتح الله غولن التى ستُتَهَم بتأييدها لنظام السيسى.
السفير د./ عزت سعد – مدير المجلس:
-
أكد على أن جوهر المشكلة مع تركيا يكمن فى حقيقة أن الأزمة جاءت من الجانب التركي. وربما لم تتأثر العلاقات الاقتصادية والتجارية كثيراً بالأزمة، لكن يجب إدراك أن ذلك أيضاً موقف تركي بحت. وكما أن تركيا تحافظ على الشق الاقتصادي والتجاري في منظومة علاقاتها مع روسيا، فإنها تفعل ذات الأمر بالنسبة لمصر.
-
هناك مشكلة جدية مع النظام التركى الذى يحتضن الإخوان ويمولهم، وهذا يجعل من الصعب إلى حدٍ ما التوصية بإطلاق حوار غير رسمي مع الأتراك. مشيراً إلى أن أحد المراكز البحثية التركية على تواصل دائم مع المجلس المصرى للشئون الخارجية، ولكن هذا المركز يخضع بالقطع لنفوذ الحكومة التركية.
وحول ماأثير من أحد الحضور حول مسألة كيف حماية قبرص من التهديدات التركية؟ نوه إلى أن قبرص جزء منها يوناني وجزء منها تركي، وكلٌ من تركيا واليونان عضو فى حلف شمال الأطلنطي، وبالتالي فإن سبل حلها ستكون فى إطار الحلف، وأي خلاف هناك سيؤدي إلى تدخله، من الأفضل لمصر ألا تتدخل فى مثل هذا الصراع إذا نشب، لأنها ستكون متورطة فى صراعٍ لا تعلم مداه أو عواقبه.
كما أشار إلى محاولة الاستفادة من الموانىء البحرية المصرية كما تفعل تركيا فى موانيها، من خلال استغلالها فى تعظيم العوائد السياحية وعدم الاقتصار فقط على السياحة الداخلية الأثرية، وتعظيم العلاقات المصرية بكلٍ من تركيا وإيران فى المسائل الاقتصادية والتجارية والاستثمارية حتى ولو لم يكن هناك توافق سياسي، إذ يجب أن تكون هناك علاقات تقوي المصالح بين الشعوب، دون التعويل على الخلافات السياسية التى تفرِّق الأنظمة السياسية، مضيفاً أنه لا ينبغى إعطاء البعد الأمني أكثر من حجمه، لأنه يعمل فى لحظةٍ ما على التدخل فى الأمور السياسية، الأمر الذى يؤدى إلى تدهور العلاقات السياسية بين البلدان.
الخلاصة والتوصيات:
خلصت الندوة إلى عددٍ من التوصيات، ولكن فى سياق وجهتَي نظر سادتا المناقشات:
يتبنَّى الفريق الأول رؤية انفتاحية تجاه تركيا، تقوم على إقامة حوار غير رسمي وغير معلن بين منظمات غير حكومية مصرية وأخرى تركية قريبة الصلة بالدوائر الرسمية فى البلدين، وإقامة حوار مماثل مع مجتمع الأعمال المصري والتركي. ويمكن أن يستهدف الحوار معالجة القضايا محل الخلاف بين البلدين. وفي هذا السياق، أوصى هذا الفريق بالآتي:
-
ضرورة تحييد الأزمة العربية مع قطر، وضمان عدم انعكاسها على العلاقات العربية – التركية.
-
العمل على فتح حوارات مباشرة مع تركيا وغيرها من الدول التى تمثل فواعل رئيسية فى المنطقة، ويمكن أن يتأتى هذا عبر قنوات غير رسمية، من خلال استضافة رجال الأعمال والاستثمار والتجارة، عبر فعاليات تتم فى المجلس المصري للشئون الخارجية أو مكتبة الإسكندرية أو عن طريق التنسيق المشترك بين الطرفين، بما يساعد على التشاور المتبادل حول القضايا الراهنة، وتهدئة الأجواء السياسية الخلافية. ومن ثَمَّ، يجب العمل على تعظيم العلاقات المصرية بكلٍ من تركيا وإيران فى المسائل الاقتصادية والتجارية والاستثمارية حتى ولو لم يكن هناك توافق سياسي، إذ يجب أن تكون هناك علاقات تقوي المصالح بين الشعوب، دون التعويل على الخلافات السياسية التى تفرِّق الأنظمة السياسية.
-
من الأفضل لمصر أن يكون تحركها تجاه تركيا فى إطار متعدد الأطراف، كإنشاء منتدى إقليمى يضم الدول العربية بدول الجوار أو إطلاق مبادرة للحوار العربي – التركي من قِبَل الجامعة العربية، وهذا أفضل من البدء بالإطار الثنائى، ومن خلال مثل هذه الأطر متعددة الأطراف، يمكن الدفع لاحقاً بالعلاقات المصرية – التركية.
-
كان لمصر دور جوهري في عام 1998 فى منع النزاع الذى كاد أن يقود لحرب بين تركيا وسوريا بشأن عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال الكردستاني. ونظراً لانخراط تركيا فى سوريا حالياً، فيجب على مصر أن تفتح قنوات تشاورية مع تركيا على الأقل بخصوص الأزمة السورية، مع تنحية الخلافات الثنائية جانباً.
-
لا يجب أن يكون مشروع الربط الكهربائي بين مصر و أوروبا عن طريق اليونان بديلاً عن المشروع القديم الذى تمَّ الشروع فى تنفيذه، والذى يجتاز الأردن ثم تركيا فأوروبا.
-
اقترح البعض استقبال المعارضة التركية لأجل التشاور معها، لاسيَّما وأنها منفتحة عالمياً، وتم استقبالها في القاهرة من قبل.
-
أشار البعض إلى ضرورة عدم تدخل مصر فى قضية الخلاف التركي – اليوناني بشأن قبرص، نظراً لأن كلاً من تركيا واليونان عضو فى حلف شمال الأطلنطي، وبالتالي فإن سبل حلها ستكون فى إطار الحلف، وأي خلاف هناك سيؤدي إلى تدخله. وعليه، من الأفضل لمصر ألا تتدخل فى مثل هذا الصراع إذا نشب، لأنها ستكون متورطة فى صراعٍ لا تعلم مداه، وليس لها فيه شيء. وفى هذا السياق، اقتُرِح أن يتم عمل تقديرات تقنية في هذه القضية بعيداً عن الأمور السياسية لأن الإضرار بمصالح قبرص فى الوقت الحالي من شأنه أن يكون له انعكاس لاحقاً على المصالح المصرية فى موضوع الغاز.
من جهةٍ أخرى، بالنسبة للفريق الآخر، تنطلق رؤيته من وجود تناقض استراتيجي مصري – تركي من خلال استمرار الجانب التركي في عدم التجاوب – ولوجزئياً – مع متطلبات الأمن القومي المصرى، لاسيَّما تبنيه نهجاً معادياً للدولة المصرية وسياساتها، ومحاولة لعب دور قيادي في المنطقة من خلال قوى الإسلام السياسى، ودعمها سياسات تدخلية عدوانية في عددٍ من الأقطار العربية، من شأنه دعم التيارات المتشددة بما يهدد المصالح المصرية الإقليمية. وعليه، ترى هذه الرؤية أن على مصر اتباع سياسات نشطة لمحاولة احتواء التوجهات التركية، وتبنى خطاب سياسي وإعلامي خارجي وداخلي مفاده أن مواصلة تركيا لهذه السياسات ستدعم التوتر وعدم الاستقرار والتطرف في المنطقة والعالم.كما يجب هذه السياسات دعم وتعزيز شراكة استراتيجية مع كلٍ من اليونان وقبرص، على أن تتم إدارة هذا الملف بقدرٍ كبير من الحذر.
ومع ذلك، لا ترى هذه الرؤية مانعاً من فتح قنوات حوار هادئة مع تركيا فى توقيتات مناسبة ومحسوبة، على أن يسبقها إشعار تركيا بأن وزنها الإقليمي ومصالحها الاقتصادية ستكون فى حالٍ أفضل متى تخلَّت عن سياساتها التصعيدية المعادية لمصر، مع التأكيد على ضرورة تجنب فتح مثل هذه القنوات فى سياقٍ يُفهَم منه أن مصر هى مَن يُلِحُّ لإقامة علاقات مع تركيا.
فى السياق عاليه، أوصى هذا الفريق بالآتي:
-
على الدول العربية أن تطلق مشروع أمن قومي عربي متكامل الأركان، تلعب من خلاله دوراً أكثر فعالية فى محيطها الإقليمى، وأن تنتهج استراتيجيات خلاَّقة تحد من تزايد نفوذ بعض دول الإقليم فى المنطقة.
-
على مصر، بشكلٍ خاص، أن تلعب دوراً بارزاً فى تسوية المشاكل الإقليمية، ومنها سوريا ومنطقة القرن الأفريقى، وألا تترك المجال للدول الأجنبية وباقى الدول العربية لمعالجة هذه القضايا، إذ يؤدى ذلك إلى تهميش الدور الإقليمي المصري. كما يجب على الأخير عدم التحرج من انتهاج سياسة مستقلة تجاه قضية ما تضامناً مع دولةٍ ما، فمثلاً، هناك تعاون استراتيجي بين مصر والسعودية، ولكن بالرغم من كل ما حصل من تركيا تجاه مصر، لم تخفض السعودية علاقاتها معها على الإطلاق، ومصر لم تطلب منها شىء، بينما الأخيرة متحرِّجة من رفع علاقاتها مع سوريا والتعاون معها علناً تحرجاً من السعودية. وفى هذا السياق، يُشَار إلى ضرورة استعادة مصر لعلاقاتها مع سوريا لأجل الاقتراب من إعادة الإعمار، ولمواجهة ترك مسألة تقسيم جهود الإعمار لتركيا وروسيا وإيران.
-
من الشروط الأمريكية لإغلاق قضية خاشقجي بالنسبة للسعودية، العمل على إنهاء المقاطعة العربية لقطر، وهذا ما دلَّت عليه بعض تصريحات المسئولين السعوديين فى عدة لقاءات، كان من بينها منتدى المنامة الأخير ومنتدى الصحراء الاقتصادى، حيث ذكر وزير الخارجية السعودي في المنتدى الأول أن التعاون الأمنى والعسكرى مع قطر قائم رغم الخلاف الدبلوماسى (فى إشارةٍ إلى تحالف الشرق الأوسط)، بينما ذكر ولي العهد السعودي في المنتدى الثاني أنه يتوقع ازدهاراً ونمواً للاقتصاد القطري خلال السنوات القادمة، وهذا يعطي إشارة لتوقع حدوث مصالحة مع قطر. وبالتالي، يجب على مصر وضع تصورات لعلاقاتها مع قطر فيما بعد ذلك، لاسيَّما وأن موقفها السلبي من قطر كان سابقاً على المقاطعة، وأن الخلافات بين الدول الخليجية الأخرى تجاه قطر لها أبعاد أخرى.
-
أشار البعض إلى أنه لا يجب على مصر الدخول فى تحالف الشرق الأوسط العسكري، لأنه سيجلب المزيد من التحديات والأزمات، ولكونه بديلاً عن مشروع إحياء التضامن العربي.
هذا، وقد اتفق المشاركون على ما يلى:
-
ضرورة تنظيم ندوة أشمل يتم فيها تناول القضية التركية من كافة جوانبها، كالجانب الأمنى وعلاقات تركيا مع إسرائيل، وعلاقاتها مع الدول التركمانية فى وسط آسيا.
-
العمل على مساندة الحكومة المصرية فى جهودها المختلفة، وخلق رأى عام يدعمها، عن طريق تكثيف جهود مراكز الفكر المصرية لتقديم الأفكار والتوصيات اللازمة للدفع قدماً بالمصالح المصرية وتعظيمها.
-
محاولة الاستفادة من الموانىء البحرية المصرية كما تفعل تركيا فى موانئها، من خلال استغلالها فى تعظيم العوائد السياحية وعدم الاقتصار فقط على السياحة الداخلية الأثرية.
-
عدم إعطاء البعد الأمني أكثر من حجمه، لأنه يعمل فى لحظةٍ ما على التدخل فى الأمور السياسية، الأمر الذى يؤدى إلى تدهور العلاقات السياسية بين البلدان.