
لقاء مع مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الفلسطيني برام الله حول “التطورات علي الساحة الفلسطينية وفرص عملية المصالحة الوطنية والمطروح من أفكار ومبادرات ارتباطاً بعملية السلام المتعثرة”
نوفمبر 28, 2018
لقاء مع وفد برئاسة السفير الصيني المعني بمنتدى التعاون الصيني/العربي
ديسمبر 10, 2018الفهرس
تقديم:
– سفير/ د. عزت سعد- مدير المجلس المصري للشئون الخارجية.
– سفير/ علي الحفني- مدير مركز مصر/إفريقيا بالجامعة البريطانية في مصر.
الجلسة الافتتاحية
-
كلمة السيد/محمد فريد خميس – رئيس مجلس أمناء الجامعة البريطانية في مصر.
-
كلمة السفير/د. منير زهران- رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية.
-
كلمة السفير/ أبو بكر حفني- مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية.
-
كلمة الأستاذ/د. أحمد حمد- رئيس الجامعة البريطانية في مصر.
الجلسة الأولى
التطورات الأخيرة في منطقة القرن الإفريقي:
-
منسق الجلسة: أ.د. سيد فليفل
-
التطورات الأخيرة في منطقة القرن الإفريقي ودلالاتها (إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتي وجنوب السودان)- السفير/ أبو بكر حفني
-
التحديات أمام الاستقرار في القرن الإفريقي – اللواء/أ.ح.د. مصطفى كامل محمد السيد
-
نحو إدارة رشيدة للمصالح العربية الإفريقية في ضوء الواقع الجديد في القرن الإفريقي- السفير/د.صلاح حليمة
-
مداخلات
الجلسة الثانية
مستقبل الأمن في منطقة البحر الأحمر:الفرص والتحديات
-
منسق الجلسة: السفير/علي الحفني
-
تحديات عولمة البحر الأحمر- اللواء/أ.ح. سمير محمد أحمد بدوي
-
مخاطر عدم الاستقرار على أمن البحر الأحمر – أ.د.أماني الطويل
-
السيناريوهات المستقبلية لأمن البحر الأحمر- اللواء/أ.ح.د. مصطفى كامل محمد السيد
-
مداخلات
الجلسة الختامية:التوصيات
تقديم([1]):
شهدت منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا تطورات هامة في الآونة الأخيرة، وهي تطورات تبدو إيجابية إلا أنها تطرح العديد من التساؤلات، كما أنها مقترنة بعدد من التحديات، وهو الأمر الذي يدعو إلى شحذ فكري على مستوى النخبة المصرية، واهتمام خاص من قِبَل الأوساط الأكاديمية ومراكز الفكر، وصولا ً إلى تحقيق المزيد من الوعي والإدراك والفهم المتعمق لمختلف الجوانب المقترنة بتلك التطورات.
وقد باتت منطقة القرن الإفريقي بأهميتها الاستراتيجية تشكل فرصة إقتصادية واضحة لدول الخليج، الأمر الذي ترحب به الدول الإفريقية المتعطشة إلى الاستثمارات المالية وتطوير بنيتها التحتية. والملاحظ هنا أن هناك تأثيراً متبادلاً بين الأمن في منطقة القرن الإفريقي وأمن الخليج، وتجسد ذلك في موجات عدم الاستقرار التي شهدتها منطقة الخليج التي انتقلت بدورها إلى منطقة القرن الإفريقي؛
– حيث حدثت الموجة الأولى مع انهيار أسعار النفط عام 2014، مما فرض على دول الخليج تنويع اقتصادياتها لتجنب الآثار المدمرة لهذا الانهيار، بما في ذلك تبني استراتيجيات جديدة للاستثمار في إنتاج الغذاء في منطقة القرن الإفريقي.
– أما الموجة الثانية فقد تمثلت في حرب اليمن بتداعياتها السياسية والأمنية على المنطقة.
ومما لاشك فيه أن البحر الأحمر يمثل أحد الطرق المائية الحيوية للأعمال التجارية الدولية، إذ تمر عبره التجارة الأوروبية مع آسيا، وكذلك النفط من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط. فضلاً عن ذلك، يعد البحر حلقة وصل بين منطقتي الخليج والقرن الإفريقي وممراً للهجرة بينهما. وقد بات البحر الأحمر مهددا ً ببعض عوامل الفوضى التي تودي بأمنه واستقراره. فعلى الجانب الغربي منه ، توجد الحروب الأهلية في السودان وجنوب السودان، والتوترات الحدودية بين إثيوبيا وإريتريا، قبل أن يعود الهدوء مع تولي آبي أحمد رئاسة وزراء إثيوبيا، والانتشار الكبير للجماعات الجهادية العاملة هناك منذ التسعينات، لاسيما في الصومال واليمن. كل ذلك يثير القلق، خاصة في ضوء التهديدات في منطقة مضيق باب المندب وخليج عدن، بفعل الأوضاع السائدة في اليمن والأطماع التوسعية لبعض القوى الإقليمية، مما يؤثر سلباً على عبور السفن عبر المضيق والبحر، ويؤثر بالتالي على التجارة الدولية عبرهما، وهو الأمر الذي يفاقم المخاطر التي تواجه الأمن القومي الإقليمي، بما في ذلك مصر، مما يتعين معه المتابعة الدقيقة والمستمرة لتداعيات ذلك وتطوراته المستقبلية، خاصة وأن عمليات وجهود مكافحة القرصنة في خليج عدن ومدخل البحر الأحمر لايتم التنسيق بشأنهما فيما بين الدول المعنية، وبالتالي فقد ترك ذلك الباب مفتوحاً لدول أخرى من خارج المنطقة لتأمين سفنها التجارية العابرة من وإلى خليج عدن والبحر الأحمر (الصين- روسيا- كوريا الجنوبية- إيران…إلخ). ويضاف إلى ذلك، القواعد العسكرية في جيبوتي ( الولايات المتحدة- الصين- السعودية- فرنسا- اليابان- ألمانيا- تركيا…إلخ).، حيث بررت القرصنة البحرية إنشاء هذه القواعد، والتي رغم كثرتها يظل التحدي الأمني ماثلاً للعيان، وبالتالي بات البحر الأحمر طرفاً أصيلاً في المعادلة الأمنية منذ أن عبره نشطاء القاعدة في الخليج ليهاجموا سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998.
في السياق عاليه، جاء اهتمام الجامعة البريطانية في مصر بالتعاون مع المجلس المصري للشئون الخارجية بتنظيم ندوة حول التطورات في منطقة القرن الأفريقي وأمن البحر الأحمر، في 3 ديسمبر 2018 ، بقاعة الدكتور بطرس غالي، بمقر الجامعة، حضرتها نخبة متميزة من المفكرين والدبلوماسيين والأكاديميين ورجال الأعمال وعدد من طلاب العلوم السياسية بالجامعة، وشارك فى افتتاحها كلٌ من السيد/ محمد فريد خميس، رئيس مجلس أمناء الجامعة البريطانية في مصر، والسفير د./ منير زهران، رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية، والسفير/ أبو بكر حفني، مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية، وأ. د./ أحمد حمد، رئيس الجامعة البريطانية فى مصر. لبحث العلاقة بين تلك التطورات وانعكاساتها المحتملة على أمن البحر الأحمر، والسعي للخروج من هذه الندوة ببعض التوصيات، وخاصة ما يتعلق منها بالارتباط بين المصالح العربية والأفريقية في هذا الإطار، فضلاً عن السيناريوهات المستقبلية التي يمكننا في مصر أن نلعب دوراً في صياغتها، ورفعها إلى جهات الاختصاص كمساهمة من الجامعة والمجلس في وقتٍ لم تحظَ فيه التطورات المشار إليها وعلاقتها بأمن البحر الأحمر بالقدر الكافي من الوعي و الإدراك بأهميتها وخطورتها حتى الآن.
وقد جرت أعمال الندوة على جلستين رئيسيتين، بخلاف الجلستين الافتتاحية والختامية، تناولت الأولى منهما التطورات الأخيرة فى منطقة القرن الأفريقى من خلال أوراق بحثية قدَّمها كلٌ من:
-
السفير/ أبو بكر حفني، بعنوان “التطورات الأخيرة فى منطقة القرن الأفريقى ودلالاتها (أثيوبيا وأريتريا والصومال وجيبوتى وجنوب السودان).
-
اللواء أ. ح. د./ مصطفى كامل محمد السيد، بعنوان “التحديات أمام الاستقرار فى القرن الأفريقى”.
-
السفير د./ صلاح حليمة، بعنوان “نحو إدارة رشيدة للمصالح العربية/ الأفريقية فى ضوء الواقع الجديد فى القرن الأفريقي”.
أمَّا الجلسة الثانية، فقد تناولت”مستقبل الأمن فى منطقة البحر الأحمر: الفرص والتحديات”، وقدَّمت خلالها أوراق من قِبَل كلٍ من:
-
اللواء أ. ح./ سمير محمد أحمد بدوى، عن “تحديات عولمة البحر الأحمر”.
-
أ. د./ أمانى الطويل، عن “مخاطر عدم الاستقرار على أمن البحر الأحمر”.
-
اللواء أ. ح. د./ مصطفى كامل محمد السيد، عن “السيناريوهات المستقبلية لأمن البحر الأحمر”.
الجلسة الافتتاحية
كلمة السيد/ محمد فريد خميس([2])
التأكيد على الانتماء المصري للقارة الإفريقية خاصة وأن معظم ترابها وسكانها وعاصمتها توجد في إفريقيا، بل وفي موقع متفرد في أقصى الشمال الشرقي من القارة، وملتقى إفريقيا مع القارتين الآسيوية والأوروبية، ومعبر تجارتها مع الدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط من خلال البحر الأحمر وقناة السويس.
والتأكيد على ثراء ميراث حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي فيما ميًز التاريخ الحديث للعلاقات المصرية الإفريقية، إذ لعبت مصر مع عدد من الدول الإفريقية الرائدة الأخرى دوراً محورياً في قيادة حركات التحرر في القارة ورعاية منظماتها بشتى أشكال الدعم بما في ذلك الدعم العسكري، وهو الأمر الذي وضع مصر وتلك الدول في وضع المواجهة مع الدول الاستعمارية ودوائر المال والأعمال في الغرب. ولم يقتصر الدور المصري على ذلك الدعم فقط إذ أن الدول الإفريقية التي تحررت ونالت استقلالها كانت في مسيس الحاجة لدعم شقيقتها مصر وشقيقاتها الدول الإفريقية الأخرى لبناء مؤسسات الدولة وتوفير الاحتياجات الأساسية والضرورية لسكانها في المراحل الأولى من الاستقلال، هذا فضلاً عن الدعم السياسي في كافة المحافل الدولية. كما لعبت مصر ضمن عدد من الدول، المحدود عددها، دوراً هاماً في إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية، ووضع اللبنات الأولى لعملية الاندماج الإفريقي.
هذا ولقد تحول الدعم المصري للدول الإفريقية ليمتد لكافة جوانب العلاقات العسكرية منها والأمنية والاقتصادية والتعاون الفني والاجتماعية والثقافية والفنية، وبصفة خاصة في مجال توفير الخبرات المصرية المتنوعة لتأهيل وتدريب الكوادر الإفريقية وجعلها في وضع يسمح لها بممارسة أدوارها المنوطة بها في مجالات الإدارة وغيرها.
لاجدال في أن مصالح مصر تكمن في القارة الأفريقية وكذا أمن مصر القومي، وهو الأمر الذي أكدته التحديات والإشكاليات التي أثارتها الخلافات بشأن الأمن المائي في دول حوض نهر النيل ومتطلباته، فضلاً عن تلك التحديات الخاصة بانتشار الإرهاب في ربوع القارة الإفريقية والذي امتد إلى أربعة مناطق من المناطق الخمسة الكائنة في القارة. وتأكيداً للمصالح المصرية المتنوعة في القارة الإفريقية ومع الدول الإفريقية، فتجدر الإشارة إلى أن قارة إفريقيا قارة بكر وغنية بالثروات والطاقات التى يجب استغلالها الاستغلال الأمثل. وفي ذلك السياق فهناك حاجة إلى استقصاء سبل الدخول فى علاقات شراكة وتعاون تضم دول القارة معاً، وإلى ضرورة العمل على توحيد الجهود والمواقف للدفاع عن حقوق القارة السمراء فى الأروقة الدولية، وإلى تفعيل دور مصري قوي فى أنحاء القارة مثل ما كان عليه الحال فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتأسيساً على الروابط الشديدة التي تربط مصر وإفريقيا منذ الأزل، وتأسيساً أيضاً على المصير المشترك فلا اندماج يمكن أن يتم إلا بجهود كل دول القارة، ولاقدرة على مجابهة التحديات، وهي عديدة، إلا من خلال تضافر جهود أبناء القارة وسواعدها من الشباب.
واتصالاً بما تقدم، فإن ندوة ” التطورات في منطقة القرن الإفريقي وأمن البحر الأحمر” تأتي في وقتٍ هام شهدت فيه منطقة القرن تطورات يمكن وصفها بالإيجابية وإن كانت لاتخلو من تحديات ، ونأمل أن تستمر في إطارها الأجواء التصالحية بين الدول الواقعة في ذلك الإقليم بل ويمتد أثرها إلى غيرها. وتأتي الندوة في وقتٍ تبدو فيه المخاطر المرتبطة بأمن البحر الأحمر في ازدياد وهو الأمر الذي يتعين تناوله من خلال منهج واقعي وجهد جماعي، كما تأتي الندوة عشية تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي وهو الأمر الذي وإن كان يضيف المزيد من الأعباء على قيادة الدولة ومؤسساتها إلا أنه يفتح آفاق عريضة لتعزيز العلاقات المصرية/الإفريقية وهي مهمة لاتقتصر فقط على رأس الدولة ومؤسساتها وإنما كافة الفعاليات في المجتمع المصري، كما أن الأمر يجب ألا يقتصر على الجوانب السياسية والاقتصادية لرئاستنا للقارة، ولكن يمتد إلى كافة المجالات الممكنة الأخرى وخاصة في مجال التعليم والرعاية الصحية. وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى ماسبق وأعلنه من تخصيص عدد كبير من المنح الدراسية للطلبة الأفارقة للدراسة في كل من الجامعة البريطانية في مصر وأكاديمية الشروق.
كلمة السفير/د. منير زهران([3])
” يسرني أن أشارك باسم المجلس المصري للشئون الخارجية في افتتاح هذه الندوة المشتركة التي جرى الإعداد لها وتنظيمها بالتعاون والتنسيق بين مجلسنا الموقر وبين مركز مصر/ أفريقيا بالجامعة البريطانية في مصر.
هذه الندوة يتزامن توقيتها مع الفترة التي تشهد فيها منطقة القرن الأفريقي تطوراً إيجابياً من حيث الاستقرار منذ تولي السيد/ آبي أحمد رئاسة مجلس وزراء إثيوبيا، وبداية مرحلة جديدة من الحوار والتعاون مع دول حوض النيل، وبصفة خاصة دولتي المصب مصر والسودان، وذلك على ضوء التقدم في بناء سد النهضة وأهمية التمسك بمصالح ومشاغل الدول الثلاث بالنسبة إلى انسياب وتدفق مياه نهر النيل ومراعاة حصص كل منها لتحقيق آمال الشعوب الإفريقية المعنية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعاون والتضامن والاعتماد الجماعي على الذات.
وقد سعدنا أيضاً بمتابعة توجهات رئيس وزراء إثيوبيا / آبي أحمد في تحقيق المصالحة مع إريتريا من أجل إنهاء فترة عصيبة من التوتر بين البلدين منذ استقلال إريتريا وتسوية الخلافات بينهما حول ترسيم الحدود والتعاون بين البلدين لتأمين منفذ بحري للتجارة الخارجية لإثيوبيا عبر الموانئ الإريترية وخاصة أسمرة.
وعلى الجانب الآخر، برغم حرص مصر على تحقيق التعاون الوثيق مع السودان في جميع المجالات بما يحقق آمال وتطلعات البلدين، فإن تعاون السودان مع تركيا في إدارة جزيرة سواكن المطلة على البحر الأحمر في شمال شرق السودان يثير قلق ومشاغل مصر، خاصة وأن الاتفاق المُوقَّع بين رئيسَي البلدين به ملحق سري (حسبما أعلن) – بجانب توتر العلاقات المصرية التركية، جرَّاء إيواء تركيا لقيادات جماعة الإخوان المسلمين منذ فترة رئاسة الرئيس الأسبق محمد مرسي، ومنحها قاعدة إعلامية موجهة ضد مصر، مما أثار حفيظة الحكومة المصرية، وخشية استغلال التواجد التركي في سواكن لبث حالة من عدم الاستقرار في شرق إفريقيا وفي جنوب البحر الأحمر.
ويُضَاف إلى ذلك تعاون الحكومة التركية مع دولة قطر في إيواء وتمويل جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك التنظيمات الإرهابية المرتبطة بها التي تواصل بث عدم الاستقرار في ليبيا في الجبهة الغربية لمصر.
وتشهد منطقة جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب تهديدات لأمنها، ومحاولات جماعات الحوثيين السيطرة على ميناء الحديدة، الأمر الذي يُعرض الملاحة عبر باب المندب لمخاطر تهدد حرية التجارة الدولية وقوافل السفن التي تعبر المضيق من وإلى قناة السويس شمالاً وجنوباً، مع استمرار النزاع في اليمن بين الحكومة الشرعية والحوثيين، والذي تصدى له التحالف العسكري بين السعودية ودولة الإمارات بشكلٍ خاص لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن والسعي إلى تسوية سلمية للنزاع المستمر في اليمن منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، والذي أسفر عن تدمير البنية الأساسية في ذلك البلد الشقيق، ومذابح للمواطنين اليمنيين الآمنين وسقوط مئات الآلاف من الشهداء ووفاة حوالي 50 ألفاً من ضحايا المجاعة من الأطفال، وتدهور الأحوال الصحية وانتشار الأوبئة في ذلك البلد الشقيق الذي يُعَد من أفقر دول العالم وينتمي إلى مجموعة الدول الأقل نمواً.
ومن ناحيةٍ أخرى، استمر عدم استقرار الأوضاع في الصومال نتيجة العمليات الإرهابية لحركة الشباب مهدداً بعدم استقرار الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي، واستضافة جيبوتي لعددٍ من القواعد العسكرية الأجنبية، وخاصة من فرنسا والولايات المتحدة واليابان وإيطاليا والصين، مع استضافة قوات ألمانية وإسبانية في القاعدة الفرنسية، بالإضافة إلى قاعدة سعودية يجري التفاوض حول إنشائها.
كل ما تقدم يتزامن مع القلق المستمر من تمركز القاعدة العسكرية والبحرية الأمريكية في جزيرة دييجو جارسيا في المحيط الهندي والتي كانت تُسمَّى موريشيوس قبل أن تتنازل عنها فرنسا وخضعت لسيطرة بريطانيا واستمرت تحت إدارتها منذ أوائل القرن التاسع عشر، في مواجهة الساحل الشرقي لأفريقيا وهي جزيرة مساحتها 28 كم2، وطولها 60 كم، وعرضها لا يزيد عن 8 كم، وقد أقامت الولايات المتحدة بها قاعدة عسكرية بحرية بعد استئجار القاعدة من بريطانيا عام 1966 لمدة 50 عاماً انتهت عام 2016 وتقرر مد الإيجار عشرين عاماً سوف تنتهي عام 2036 – وهي قاعدة تهدد أمن واستقرار شرق أفريقيا وجنوب البحر الأحمر، وسبق استخدامها في الحرب الأمريكية ضد أفغانستان في أوائل الألفية الثالثة، كما استخدمتها إنجلترا والولايات المتحدة في غزو العراق عام 2003، وقد رفضت كلٌ من بريطانيا والولايات المتحدة إخضاع الجزيرة للمنطقة الخالية من السلاح النووي في أفريقيا التي نشأت بمقتضى معاهدة بلندابا والتي وُقِّعَت في القاهرة عام 1996، كما رفضت الدولتان توقيع برتوكول الضمانات لعدم استخدام السلاح النووي لتهديد دول أفريقيا، وتضم القاعدة الأمريكية مطاراً مجهزاً لاستقبال الطائرات العسكرية المُحمَّلة بالقذائف الثقيلة مثل طائرات B1 و B2 و B52 التي يمكن أن تطال بحر الصين الجنوبي.
ويهم المجلس المصري للشئون الخارجية الاستفادة من هذه المداولات من أجل تأمين المصالح العربية والأفريقية في القرن الأفريقي وتأمين وسلامة واستقرار دول البحر الأحمر، الأمر الذي يسوف يساهم بشكل إيجابي في استثمار ثروات البحر الأحمر لخدمة جهود التنمية لصالح شعوب الدول المشاطئة، وتحقيق عمليتي الأمن والاستقرار في المنطقة مع اجتثاث جذور الإرهاب منها.
وبالنسبة لاستثمار موارد البحر الأحمر لصالح الدول المشاطئة، العربية منها والأفريقية، فإنه يلزم الاستفادة من الجهود المشتركة لمنظومة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وبرامجها وصناديقها للمساهمة في تنمية تلك الموارد في منطقة البحر الأحمر، وبصفة خاصة لتنمية واستثمار موارد البحار والمحيطات في ظل “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحر لعام 1982″، وتنسيق تلك الجهود والاستفادة من الإطارات الأممية الثلاثة الخاصة بالمحيطات والمياه والطاقة “UN Energy, UN Water, UN Oceans”.
ومن المرغوب فيه الاستفادة من أنشطة اللجان الإقليمية الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة، ونُشير بصفة خاصة إلى اللجنة الاقتصادية لإفريقيا ECA، واللجنة الاقتصادية الاجتماعية لغرب آسيا ESCWA، كما يلزم أيضاً الاستفادة من إمكانيات التمويل المتاحة على المستويين العالمي والإقليمي، وبصفة خاصة بنوك التمويل الدولية ومنها مؤسستي بريتون وودز، وبنك التنمية الأفريقي، وبنك التنمية الآسيوي، والبنك الإسلامي للتنمية، وأُطر التعاون فيما بين دول الجنوب، والتعاون فيما بينها ودول الشمال في إطار ما يُسمَّى بالتعاون الثلاثي.
كلمة السفير/ أبو بكر حفني([4])
أشار السفير/ أبو بكر حفني مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية، في كلمته الافتتاحية إلى أنه منذ 300 سنة قبل الميلاد، ومصر تتفاعل بإيجابية مع منطقة القرن الإفريقي، حيث كانت هناك علاقات خاصة بين البطالمة فى مصر وإثيوبيا، وكانت هناك علاقة بين القبائل الصومالية وإثيوبيا، وذات الأمر كان مع اليمن اليهودية وعرب الجزيرة العربية وإثيوبيا فى ذلك الوقت، وكانت مصر هى الدولة الأقوى وذات النفوذ فى المنطقة وقتئذٍ.
وقد طرح سيادته عدة تساؤلات خاصة بكيفية خروج مصر من المعضلات والأوضاع المعقدة الحالية، مؤكداً أنه ليس بوسع دولة واحدة بمفردها ضمان أمن البحر الأحمر وأن هناك حاجة إلى التنسيق والتعاون فيما بين الدول المعنية. وحول مدى فعالية الاتحاد الإفريقي لتناول مشكلات المنطقة، ذكر أنه مما يحد من استقلالية الاتحاد الإفريقي اعتماده على الاتحاد الأوروبي لدعم موازنته، وهو مافتح الباب أمام بروكسل للسيطرة على بعض آليات الإتحاد الإفريقي، مما يجعل من الصعب تنفيذ أجندة متوازنة في منطقة القرن الإفريقي تراعي المصالح المصرية وتعترف بها. وقد أكد السفير حفني على الدور الحاسم لإثيوبيا في المنطقة، بفضل الدعم الغربي غير المحدود لها، وكيف أن الولايات المتحدة تغض الطرف عن الاستثمارات الصينية الضخمة في تلك الدولة.
وفيما يتعلق بالدور المصري، أكد السفير حفني ضرورة حماية مصالح مصر المائية وأن أمن البحر الأحمر هو بنفس أهمية مصالح مصر المائية، مضيفاً أن هناك فرصاً اقتصادية واستثمارية ضخمة في دول القرن الإفريقي، خاصة في إثيوبيا، للقطاع الخاص المصري. واختتم بالقول بأن الكنيسة القبطية المصرية لها دور أساسي ومحوري في تطوير العلاقات بين مصر إثيوبيا.
كلمة الأستاذ/د. أحمد حمد([5])
يسعد أسرة الجامعة البريطانية في مصر استضافة ندوة ” التطورات في منطقة القرن الإفريقي وأمن البحر الأحمر”لأهميتها ، واستضافة هذا العدد الكبير من المسؤولين الحاليين والسابقين وقدامى السفراء والمتخصصين والخبراء في الشأن الإفريقي المشاركين في تلك الندوة، والتي نسعد بتنظيمها بالتعاون والتنسيق بين مركز مصر/إفريقيا التابع للجامعة وبين المجلس المصري للشئون الخارجية.
أن الشأن الخارجي أحد القضايا التي تعنى بها الجامعة وهو الأمرالذي جعلها في بدايات نشأتها كواحدة من أحدث الجامعات المصرية الخاصة، أن تنشئ مركزين أحدهما لعلاقات مصر بدول الشرق الأوسط والدول العربية، والآخر لعلاقات مصر الإفريقية، وهما اثنان من مراكز عدة تابعة للجامعة والتي يبلغ عددها 15 مركزاً. كما أنه رغم حداثة نشأة الجامعة إلا أنها تتطور بشكل متسارع حتى بلغ عدد كلياتها عشر كليات افتتح آخرها مع بدء العام الدراسي 2018-2019 ، وهي كلية الطاقة وهندسة البيئة، كما تجاوز عدد الطلاب الذين يرتادوها العشرة آلاف هذا العام.
أن الجامعة البريطانية تتسم إدارتها باستقلالية تامة وإن كانت مناهج التعليم بها مستقاة من منظومة التعليم الجامعي ببريطانيا، وهو الأمر الذي يفسر منح الجامعة لخريجيها شهادات ممنوحة من عدد من الجامعات البريطانية المرموقة بجانب الشهادات المصرية، وفي هذا الإطار فإن الجامعة حصلت على المركز الأول بين الجامعات المصرية الخاصة للأعوام الأربعة الأخيرة وذلك من حيث السياسة التعليمية المتبعة بالجامعة وأدائها المتنوع وتطورها السريع وتفوقها في المجالات العلمية، حتى أنه طبقاً لتقييم إحدى المؤسسات التعليمية المرموقة عالمياً فإن الجامعة البريطانية تفوقت في العام الأخيرعلى كل الجامعات المصرية في مجال الفيزياء.
واتصالاً بذلك، فإن هناك برنامج دراسي حول إفريقيا يتم تدريسه بالسنة الثالثة لقسم العلوم السياسية بكلية إدارة الأعمال والاقتصاد والعلوم السياسية التابعة للجامعة، وان الجامعة خصصت جوائز لأفضل ثلاثة بحوث حول إفريقيا يتقدم بها الدارسون في ختام ذلك البرنامج.
وإنه لشرف للجامعة أن يتم تكريم الأستاذ الدكتور نائب رئيس الجامعة لشؤون الدراسات العليا والبحوث من قبل الأكاديمية الإفريقية للعلوم ، وهو الأمر الذي يؤكد صلات الجامعة بإفريقيا ومؤسساتها ودولها، علماً بأنه بالرغم من وجود العشرات من الدارسين الأفارقة بالجامعة البريطانية إلا أن السيد/ محمد فريد خميس – رئيس مجلس أمناء الجامعة البريطانية في مصر، أعلن عن تخصيص عدد كبير من المنح الدراسية للطلبة الأفارقة للالتحاق بالجامعة وهي المنح التي تتم في إطارها تغطية كافة نفقات الدارسين الوافدين من إفريقيا.
الجلسة الأولى
التطورات الأخيرة فى منطقة القرن الأفريقى
منسق الجلسة: د.سيد فليفل([6])
خلال ترأسه لهذه الجلسة نوًه الأستاذ الدكتور/ سيد فليفل، إلى عدة أمور:
-
أن المرحلة الحالية تأتى فى أعقاب اتفاق جرى بين مصر والسعودية حول مسألة ترسيم الحدود، بما فيها الحدود البحرية فى البحر الأحمر. وقد اعترفت السعودية بأن الحدود المصرية تمتد إلى نهاية حلايب وشلاتين. وكان ذلك بلا شك ذات صلة بكثير من الإجراءات السودانية المضادة لمصر، والتقاعس نوعاً ما عن استمرار المساهمة السودانية فى التحالف العربي الذى تقوده السعودية فى اليمن.
-
إن مسألة أمن البحر الأحمر هى مسألة مطروحة باستمرار ومدعاة للاهتمام منذ فترة ليست بالقصيرة؛ ويكفى للإشارة إلى ذلك أنه منذ أن جرت المواجهات الإثيوبية – الصومالية قبل تفكيك الصومال فى عام 1963، ثم حرب عام 1977، تم عقد ندوة كبيرة فى جامعة عين شمس حول أمن البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقى، وها هى الندوة الحالية تضيف إلى هذا المسلسل من الاهتمام بأمن المنطقة بأسرها.
-
بالنسبة لمسألة النفوذ المصرى المنفرد فى إقليم البحر الأحمر، فيُذكَر أنه قد امتد تاريخياً إلى نهاية السلطنة الأيوبية فى مصر، بالإضافة إلى فترة تكوين العثمانيين ولاية الحبش العثمانية التى كانت تشمل الساحلين الشرقى والغربى للبحر الأحمر، وكانت مصر هى المسئولة عن تأمين هذه الولاية بشكلٍ مباشر، وكانت لها صلاحية التحكم فى الملاحة غير الإسلامية فى البحر، وذلك بعد أن دخل البرتغاليون إلى جنوب البحر الأحمر. ولا شك أن هذا الوضع قد تغير كثيراً فى الوقت الحالى.
-
تكمن المشكلة حالياً فى أن هناك دولاً عديدة مطلة على البحر الأحمر، ومن أهمها إسرائيل، الأفعى التى لديها حركة مستمرة ونفوذ مؤثر فى المنطقة، وهو مايفيد باستحالة أن تحظى دولة منفردة بالقوة والسيطرة والنفوذ فى الإقليم.
-
شهدت الآونة الأخيرة وصول رئيس وزراء جديد فى إثيوبيا، ينتمى لأول مرة إلى أغلبية الأورومو، محاولاً القيام بإصلاحات وتغيرات جسيمة فى كيان الدولة الإثيوبية. وتجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى أن إثيوبيا كانت محكومة منذ عام 1270 من قِبل العرق الأمهرى، ومن قبله كان التيجراى الذين أسسوا مملكة أكسيوم القديمة. وقد ظل الأمهريون فى حكم الدولة الحبشية حتى عام 1991، حين سقط منجستو، ثم وصلت أقلية التيجراى التى كانت أصل الحضارة الحبشية القديمة إلى سدة الحكم مرة أخرى، إلى أن وصل آبى أحمد لرئاسة الحكومة الإثيوبية مؤخراً من عرقية الأورومو. وغني عن الذكر في هذا السياق ما يحمله الوضع الإثيوبي من تعقيدات إثنية لا يمكن إهمالها بأي شكلٍ كان، فمسألة الاستقرار فى إثيوبيا ذات أهمية كبيرة لدولة خاصة وأنها دولة ذات ثقل فى منطقة القرن الأفريقي، واتصال ذلك بمصلحة مصر والخاصة بتدفق أكثر من 80 % من مياه النيل التى تصلها من قِبَل إثيوبيا وحدها.
-
هناك محاولة لرأب الصدع فى الصومال، لكنها ستظل فارغة المضمون ما لم تُحَل مشكلة التدخل فيها باسم الاتحاد الأفريقى بقوات مخالفة لما تم الاتفاق عليه، بمعنى عدم دخول قوات من دول الجوار، وهذا الأمر غير مقبول على الإطلاق من الشعب الصومالى، وبالتالى تجد حركة الشباب المجاهدين فى الصومال حاضنة من الشعب الصومالى، ممَّا يسهم فى تعقيد الأمور أكثر وأكثر. وهذا يتطلب دوراً مصرياً فعَّالاً، من قبيل ما قام به فضيلة شيخ الأزهر فى نيجيريا، وساهم فى إضعاف حركة بوكو حرام هناك.
-
فى سياقٍ متصل، شهدت منطقة القرن الأفريقى مصالحات إريتريا مع كلٍ من الصومال وجيبوتي وإثيوبيا، كما شهدت موقفاً جديداً للسودان، منذ ظهور الأيديولوجية الإخوانية بحدوث الانقلاب العسكرى فى عام 1989. بيد أن النهج السوداني الجديد لا يجب الارتكان إليه بشكلٍ كامل، إذ لا يمكن التفكير فى إمكانية التغيير الكلي للنظام هناك، وأنه من الضرورى بدلاً من ذلك القيام بمعالجات جمَّة فى النظام السياسي السوداني. فمن السذاجة الاعتقاد بأن النظام السوداني يمكن أن يتغير، وقد ظهر ذلك جلياً فى موقف الرئيس السوداني عمر البشير، عندما حاول أربعة من مجموعة الحكماء الأربعين فى السودان بإقناعه بألا يقوم بترشيح نفسه فى الانتخابات القادمة في 2020، حيث رفض طلبهم وذكر أن أمر تغيير السلطة يحتاج إلى سنوات لبحثه.
الورقة الأولى
“التطورات الأخيرة فى منطقة القرن الأفريقى ودلالاتها (إثيوبيا وأريتريا والصومال وجيبوتى وجنوب السودان)”
السفير/ أبو بكر حفنى([7])
استعرض السفير/ أبو بكر حفني الورقة المعدة حول ” التطورات الأخيرة فى منطقة القرن الأفريقى ودلالاتها (إثيوبيا وأريتريا والصومال وجيبوتى وجنوب السودان)” مشيراً إلى ما يلى بصفة خاصة:
-
من الصعب الوصول إلى تعريف محدد لمنطقة القرن الأفريقى، ومن الممكن إدخال كلٍ من رواندا وبوروندى وأوغندا إلى مجموعة الدول المذكورة أعلاه.
-
إن أهم تغيير حدث فى منطقة القرن الأفريقى مؤخراً، هو تولى آبي أحمد رئاسة الوزراء فى إثيوبيا. ذلك لأن النظام هناك كان على وشك الانهيار. ولا حاجة للقول بأن هذا الانهيار – إذا حدث – سيكون له من التداعيات ما لا تُحمَد عقباه. ورغم ذلك، وعلى الجانب الآخر، يمكن القول أن وصول آبى أحمد لرئاسة الوزراء لا يقع بالضرورة فى صالح مصر؛ فبنظرة براجماتية، يتبين أنه كان ضابطاً للمخابرات في الجيش الإثيوبي وأنه كان أحد الشخصيات المهمة فى نظام ملس زيناوي منذ إنشائه، وكان الشخص الثاني من حيث الأهمية فى حزب الأورومو، الذى شارك فى السلطة الإثيوبية منذ عام 1971 حتى سقوط نظام التيجراي فى عام 1991. ومن ثم، فإن السياسة الإثيوبية فى المنطقة ستظل واحدة، لأن شكل النظام فقط هو الذى تغير. يضاف إلى ذلك، أن القيادة الشابة في إثيوبيا تتعامل مع المبادرات المصرية بعدم اهتمام كافي وهو الأمر الذي يتعين معه حث هذه القيادة بشكل مستمر للتعاطي مع هذه المبادرات بشكل أفضل.
-
من الجدير بالذكر أن النظام الحاكم السابق فى إثيوبيا كان مستمداً قوته من القوى الغربية، التي لم تتخلَّ عن أديس أبابا حتى عندما كانت تابعة للمعسكر الشيوعي فى ظل حكم منجستو. ويُلاحَظ أن الغرب رفض بشكلٍ قاطع سيطرة القوات الصومالية – التى كانت مدعومة من قِبَل مصر فى عهد الرئيس السادات – على الأوضاع فى إثيوبيا، وطالب بانسحابها، فى إشارة واضحة لعدم رغبته فى سيطرة قوات إسلامية على إثيوبيا، ما يعنى إمكانية تحولها إلى دولة مسلمة فى نهاية المطاف.
-
وعليه، فإن الدور المرسوم لإثيوبيا، وفقاً للغرب، هو أن تكون دائماً دولة مسيحية مستقلة قادرة على قيادة منطقة القرن الأفريقي. وبالتالي، على إثيوبيا بذل الجهود الممكنة لإعادة تفعيل منظمة الإيجاد مرة أخرى، وأن تلعب دورها الذى كانت عليه قبل الحرب الإريترية- الإثيوبية فى عام 1998، تحت قيادتها. والحق أن إثيوبيا فى الوقت الحالى هى الدولة الوحيدة المؤهلة لقيادة هذه المنطقة.
-
تنبغى الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبى هو الذى يتولى مسئولية الإنفاق بالكامل على القوات الإثيوبية المتواجدة فى الصومال، بحوالى مليار و300 مليون يورو سنوياً. ورغم أن مسألة وجود هذه القوات ذاتها فى الصومال غير مستساغة من قِبَل الكثير من الأطراف المعنية بالشأن الصومالى، إلا أنها لا تُواجَه ما دام الغرب يريد ذلك. وتجدر الإشارة في هذا الإطار، إلى تقدير مصر لتضحيات قوات “الأميصوم”، إلا أن لدى مصر تحفظات بشأن مهمة هذه القوات في الصومال. ومن المفيد فى هذا السياق الإشارة إلى أن مَن يرسم سياسة الاتحاد الأوروبى فى أفريقيا بشكلٍ حصرى هم كلٌ من ألكساندر روندس (الأمريكى الأرثوذكسى) وجوك ستوبيار (متزوج من سودانية، وكان سفيراً سابقاً فى المنطقة) وفون كونفرفاك (سفير بلجيكا السابق فى إثيوبيا).
-
منذ فترة، عزم الاتحاد الأفريقي على صياغة استراتيجية خاصة بمنطقة القرن الأفريقي، وكانت المفاجأة هى استبعاد مصر من عملية الصياغة، بحجة أنها مهمة تقع فقط على عاتق الدول الأعضاء فى منظمة الإيجاد. وأشار السفير/ حفنى إلى أن هذه السياسة ستدفع مصر إلى إنشاء كيان إقليمي موازي خاص بأمن منطقة البحر الأحمر، وسيقتصر هذا الكيان في مرحلته الأولى على الدول المتشاطئة مع استبعاد كلٍ من الاتحاد الأفريقي والأوروبي. وكان من المفارقات حينها أن الاتحاد الأفريقي دعا كلاً من قطر والإمارات للمشاركة فى تلك الاستراتيجية، ولم يدعُ مصر.
-
فى الواقع، هناك ضرورة لدور مصري قوي في منطقة القرن الأفريقي، يستمد دوافعه من عدة أبعاد اقتصادية وسياسية وأمنية. ويمكن الإشارة هنا على وجه الخصوص إلى ما يتعلق بحرب الموانىء فى منطقة القرن الأفريقي، وسعي الكثير من الدول الأجنبية إلى تأمين موطىء قدمٍ لها فى المنطقة، من بينها الإمارات التى قامت – بمشاركة إثيوبية – باستغلال ميناء بربرة فى أرض الصومال التى لم تعترف بها مصر. وكان من العجيب أن الحكومة الصومالية لم تعلق على هذا الأمر، فى حين أنه إذا حدث لقاء بين أحد المسئولين المصريين ونظيره من أرض الصومال، يتم إلقاء التهم على المصريين بأنهم خائنين لقيم العروبة، وهو ما لم يتم التعليق عليه فى حالة الإمارات. إن حرب الموانىء جارية بشدة فى جنوب البحر الأحمر، وتتسابق الدول العربية والإقليمية والدولية فيما بينها فى هذا الصدد، وإلى جانب المساعي الإماراتية، توجد مساعٍ قطرية وتركية وصينية… إلخ. ومن المهم في هذا السياق، الإشارة الى ضرورة عدم ربط علاقات مصر بدولة الصومال، والتي تتسم بالخصوصية، والدعم المصري لها بالعلاقات الصومالية/الإثيوبية.
-
تُعَد إثيوبيا صاحبة أكبر محفظة مالية فى البنك الدولى من أفريقيا (بحوالي 7 مليار دولار)، ودورها مدعوم بشدة من قِبَل الغرب، الذى يغض طرفه عن الاستثمارات الصينية فى الأراضي الإثيوبية ما دامت تصب فى نهاية المطاف فى صالح تقوية الدولة الإثيوبية وتعزيز دورها، علماً بأن الغرب يدرك تماماً الظروف الاستثمارية السيئة فى إثيوبيا، ولا يرى فى تواجد الصين هناك غضاضة لتصحيح هذه الظروف، وذلك فى السياق المذكور أعلاه.
-
يلزم التأكيد على أن منطقة القرن الأفريقى تجمع كلٍ من الخلافات بين دول المنطقة والخلافات داخل كل دولة، وتُسهِم الاختلافات العرقية بشدة فى إذكاء هذه الخلافات. فى سياقٍ متصل، هناك بعض المشكلات المتعلقة بالاختلافات الجيلية فى دول المنطقة من قبيل كبر سن رئيس أوغندا والسودان والحالة الصحية لرئيس إريتريا، وكل هذه أمور تجعل من القيادة الشبابية الجديدة فى إثيوبيا قوة لا يُستهَان بها إذا أُرِيد إجراء إصلاحات هيكلية تتزعمها إثيوبيا فى المنطقة.
-
من الضروري العمل على حماية وضمان مصالح مصر المائية، وحماية مصالحها فى منطقة قناة السويس، وحماية وضمان أمن البحر الأحمر، علماً بأنه لا فرق فى الترتيب بين المصالح المائية وأمن البحر الأحمر؛ إذ إنهما على ذات القدر من الأهمية.
الورقة الثانية
“التحديات أمام الاستقرار فى القرن الأفريقى”
اللواء أ. ح. د./ مصطفى كامل محمد السيد([8])
مقدمة:
هناك عدة عوامل واعتبارات رئيسة مؤثرة إلى حد كبير على استقرار منطقة القرن الأفريقي، يمكن اعتبارها بمثابة حقائق، كما أنها تشير إلى مدى أهميتها الجيوستراتيجية:
الحقيقة الأولي: تشير إلى أن مصطلح القرن الأفريقي الكبير هو مصطلح استعماري في نشأته، سياسي وجيوبوليتكي في استخداماته، شأنه شأن مصطلح الشرق الأوسط الكبير، الذي يضيق ويتسع وفقاً لاستراتيجيات ومصالح القوى العظمى والكبرى، لذلك يمكن القول أن القرن الأفريقي جيوبوليتكياً أوسع كثيراً من القرن الأفريقي جغرافياً.
الحقيقة الثانية: تشير إلى أن منطقة القرن الأفريقي، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمنطقة العربية، خاصة دولها المتشاطئة على البحر الأحمر، بل إن بعض مراكز الدراسات الاستراتيجية تعتبرهما كلاً واحداً لا يتجزأ، بحكم الاعتماد المتبادل بينهما، فالمتغير الذي قد يحدث في أي جزء منهما، يؤثر على جميع الأجزاء الأخرى سلباً أو إيجاباً، وبالرغم من ذلك فقد افتقرت المنطقتان إلى سبل التنسيق، والتعاون، والتكامل، وهي القيم الأساسية اللازمة لدرء المخاطر، والضرورية لإحداث الاستقرار والتقدم .
الحقيقة الثالثة: تشير إلى أنه بالرغم من توفر جميع الاشتراطات التي تجعل من منطقة القرن الأفريقي كلاً مترابطاً، ونسقاً تفاعلياً واحداً، بحكم تواصلها الجغرافي الممتد، وبحكم تكامل وتماثل عناصرها الجغرافية، والاجتماعية، والثقافية، واللغوية، بل وتواجه مستقبلا واحداً، إلا أن دولها قد عجزت حتى الآن عن تأسيس نظام إقليمي يستحق أن يُطلَق عليه “النظام الإقليمي لمنطقة القرن الأفريقي”.
الحقيقة الرابعة: تشير إلى أن منطقة القرن الأفريقي تعد من أكثر المناطق الإقليمية أهمية بحكم موقعها وثرواتها، إذ يزيد من أهميتها أنها تشرف على أكثر المسطحات المائية أهمية بالتكامل مع المنطقة العربية، سواء بالنسبة لاستراتيجيات القوى العالمية التي نشأت على مر التاريخ، أو بالنسبة لحركة التجارة العالمية، حيث أصبحت تحتوي على مصالح متعارضة متشابكة، فغدت وكأنها بؤرة تركيز، ومحط أنظار، بل ومسرح نشاط وتفاعلات هذه القوى وتلك الكيانات الاقتصادية العملاقة، فوجدت نفسها طرفاً في صراع القوى البحرية والقوى البرية في صورته الجديدة، حيث أصبحت في قلب ظاهرة “التنافس الاستراتيجي الدولي”.
وترتيباً على هذه الحقائق، يمكن رصد أبرز التحديات الدولية، والإقليمية،والمحلية ذات الأبعاد السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية المؤثرة على استقرار منطقة القرن الأفريقي.
أولاً: التحديات الناجمة عن منظور وأوضاع القوي العالمية:
-
يؤثر المحتوى الفكري للمنظور الجيوبوليتيكي للقوى العالمية بصورة كبيرة على استقرار المنطقة، إذ يمكن ملاحظة أن المنظور الأمريكي يهدف إلى الاحتفاظ بمركز الهيمنةFocus of Hegemony في قلب الولايات المتحدة، لضمان استمرار انفرادها بالنفوذ على الساحة العالمية، بينما تسعى روسيا إلى تعظيم مكانتها الدولية، لضمان استعادة نفوذ القوة السوفيتية العظمي، لتلعب دور القطب الموازن في نظام عالمي جديد، أما الصين فتترقب وتتحين الفرصة المناسبة لمشاركتهما النفوذ على ساحة النسق الدولي، خاصة بعدما ارتقت قمة الهرم الاقتصادي العالمي. وتكمن مخاطر هذا المنظور أو ذلك في الآتي:
-
احتمال بروز أزمات سياسية واقتصادية تحمل في طياتها مخاطر داهمة للعالم بأسره، إلا أن هذه المخاطر ستتعاظم في منطقة القرن الأفريقي والمنطقة العربية بالتأثير المتبادل، مع تأجج ظاهرة التنافس الدولي للهيمنة على المسطحات المائية التي ترتبط بالمنطقتين وبمحطات العالم (الخليج العربي – خليج عمان – البحر العربي – خليج عدن – باب المندب – البحر الأحمر) سعياً وراء الهيمنة على البحر المتوسط الذي يعتبر قلب الجزيرة المحيطية العظمى (أفريقيا – آسيا – أوروبا).
-
يتعين أن يوضع في الاعتبار أن التواجد السوفيتي في البحر المتوسط، بمياهه الدافئة طوال العام، يشكل الركن الأساسي في العقيدة الاستراتيجية السوفيتيةSoviet Doctrine ، سواء كان ذلك لروسيا القيصرية، أو لروسيا السوفيتية، أو حتى لروسيا الاتحادية وريثة النفوذ والقوة السوفيتية العظمى.
-
وترتيباً على ذلك، ربما تصبح المنطقة إما منطقة اصطدام Crush Zone عندما تصطدم هذه القوى في حرب لا يعلم أوزارها إلا الله، وتصبح المنطقة بأسرها كرة ملتهبة لا يستطيع مَن بداخلها التعامل معها، ولا يستطيع مَن بخارجها الاقتراب منها، أو أن تكون المنطقة منطقة التحام Cohesive Zone عندما تتفق هذه القوى على تقسيمها إلى مناطق نفوذ فيما بينها.
-
أما عدم استقرار المنطقة من الزاوية الأمنية الاقتصادية، فيرجع إلى استمرار هيمنة دول المنظومة الرأسمالية، والتكتلات الاقتصادية العملاقة على الاقتصاد العالمي، ذلك أن الأمن الجماعي الأوروبي يرتكز على دول جنوب المتوسط، بينما يرتكز الأمن الجماعي للتكتلات الاقتصادية العملاقة في شرق آسيا على دول القرن الأفريقي، والدول المتشاطئة على البحر الأحمر، لكن الأهم هو عدم قدرة أي دولة من هذه الدول على تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي المنشود في المنطقتين بشكل منفرد، مهما كانت قوتها الشاملة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعاظم التواجد والتدخل الأجنبي، وبالتالي يؤدي إلى ترسيخ ظاهرتي الاستقطاب والتبعية، وهو الانجذاب الحقيقي نحو التخلف.
ثانياً: الأخطار والتحديات الناجمة عن أوضاع القوي الإقليمية:
تكمن تحديات عدم استقرار المنطقة في سعي القوى الإقليمية غير العربية إلى تأسيس وبناء قوة عسكرية ذات قدرات تسليحية هائلة تفوق متطلباتها الدفاعية، وتأسيس وبناء قواعد بحرية في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، لتحقيق مشروعاتها القومية بالتمدد والتوسع والاستيلاء على أراضي الغير، إذ يمكن ملاحظة الآتي:
-
استمرار تمسك إسرائيل بمنظورها الجيوبوليتيكي في فرض الدولة اليهودية في قلب العالم العربي، وتحقيق حلمها لإقامة إسرائيل الكبرى على أرض الميعاد، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة إضعاف القوة الشاملة لمصر، حتى ولو كان ذلك بالإضرار بأمنها المائي من قلب القرن الأفريقي نفسه، أي من إثيوبيا.
-
استمرار سعي إيران إلى تحقيق حلمها الدائم لإحياء الامبراطورية الفارسية الساسانية تحت الراية الشيعية، ولذلك تسعى إيران إلى تطويق السعودية بواسطة الحوثيين في اليمن، وقاعدتها البحرية في أرخبيل دهلك، للهيمنة على مضيق باب المندب واستكمال الهلال الشيعي لإحكام حصار السعودية، وتهديد الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس.
-
استمرار تطلع تركيا إلى إحياء الدولة الاسلامية تحت راية العثمانيين الجدد، ولتحقيق ذلك تسعى تركيا إلى الهيمنة على مصر أولاً، حتى ولو كان ذلك بعودة الجماعة الإرهابية إلى سدة الحكم، كما تسعى إلى تهديد مصر من الجنوب بقواعدها في الصومال، وإريتريا، والمزمع إنشاؤها بجزيرة سواكن. مع الوضع فى الاعتبار العلاقة التى تربط النظام السودانى والنظام التركى. وترتيباً على ذلك، يمكن أن تنشأ علاقات تصارعية بين الدول المتضررة ودول القرن الأفريقى وجنوب البحر الأحمر.
ثالثاً: التحديات الناجمة عن الأوضاع المحلية لدول القرن الأفريقي:
-
تعاني بعض الأنظمة السياسية في دول القرن الأفريقي من بعض الأزمات والتوترات الداخلية التي تؤدي إلى عدم الاستقرار، ولعل أبرزها هي أزمة المشاركة السياسية، بمعنى مناقشة القرار والمشاركة فيه قبل إعلانه لتحقيق الديمقراطية، أما الأزمة الأكثر تأثيراً على الاستقرار الأمني والسياسي، فهي الخلط بين مفهوم الأمن القومي وأمن النظام، باعتبار أن الأمن الذاتي للنظام يعتبر أمن الدولة والعكس بالعكس.
-
تتجه معظم دول القرن الأفريقي إلى حافة أزمة واقعة لا محالة، إذ تتمثل هذه الأزمة في محدودية الموارد المائية، والفقر المائي، إذ ستسهم هذه الأزمة في تقليص فرص الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة، حتى في الدول التي تجري في أراضيها الأنهار الفيضية، بالرغم من أن المنطقة تتمتع بنسبة عالية جداً من الهطول المطري خاصة في إثيوبيا، ولديها أكبر احتياطي للمياه، وستتعاظم هذه الأزمة في غياب التنسيق والتعاون والتكامل، وهي القيم اللازمة للتخطيط الاستراتيجي لاستغلال الفائض المائي الهائل الاستغلال الأمثل.
-
كما تشكل زيادة معدلات المواليد في جميع دول المنطقة التحدي الأعظم لإحداث الاستقرار الأمني والسياسي فيها، في غياب إحداث التنمية الحقيقة على نحو عام، وفي مجالات التنمية البشرية على نحو خاص، إذا لم تشهد جميع مجتمعات دول القرن الأفريقي تحولاً ونمواً اقتصادياً، وثقافياً، وتكنولوجياً، يواكب ويترافق مع هذا النمو الديموجرافي.
-
تفتقر جميع دول القرن الأفريقي إلى وجود قواعد صناعية ثقيلة، خاصة وأن الناتج الإجمالي المحلي لمعظم، إن لم يكن لجميع هذه الدول، لا يتحمل تأسيس هذه القواعد من ناحية، وغياب التقدم العلمي والتقني من ناحية أخرى. الأمر الذي أدى إلى تعاظم حاجتها إلى الدول الصناعية الكبرى لتلبية احتياجاتها من المعدات والأدوات، بل وأنظمة التسليح المختلفة، فأصبحت عرضة للتبعية السياسية والاقتصادية بل والعسكرية، وبالتالي أصبح استقرارها السياسي والأمنى عرضة للخطر، إن لم تلبِّ مطالب هذه القوى.
-
وأخيراً، يمثل افتقار معظم دول القرن إلى التكنولوجيا المتقدمة تحدياً آخراً يحول دون تقدم هذه الدول، وقد ترتب على ذلك هجرات العقول إلى الغرب سعياً وراء فرصة أفضل، كما أدى أيضاً إلى الهجرات الواسعة غير الشرعية، وهجرات أوسع لسكان الريف إلى الحضر بحثاً عن فرصة عمل، فاضمحلت الثروة الزراعية في بعض البلدان وبات الريف مستهلكاً، وتقلصت الصناعات الصغيرة التي كانت قائمة على المنتجات الزراعية والحيوانية، وأصبحت المدن وكأنها تنمو عشوائياً إلا فيما ندر.
-
تلك كانت أبرز التحديات الناجمة عن الأوضاع الدولية والإقليمية والمحلية التي تؤثر على استقرار القرن الأفريقي أمنياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً.
الورقة الثالثة
“نحو إدارة رشيدة للمصالح العربية الأفريقية فى ضوء الواقع الجديد فى القرن الأفريقى”
السفير د./ صلاح حليمة([9])
أولاً: مقدمة:
-
تبرز الأهمية البالغة لتداول هذا الموضوع في أنه يتواكب مع قرب تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي في عام 2019، وهي في نفس الوقت العضو الأكثر وزناً وتأثيراً في الجامعة العربية.
-
مثلما يشهد الساحل الغربي / الأفريقي للبحر الأحمر تطورات عميقة المغزى واضحة الدلالة، لا تقف عند القرن الأفريقي فقط، سواء بمفهومه التقليدي الضيق أو التقليدي الواسع، بل تمتد لتشمل منطقة الساحل الأفريقي للبحر الأحمر، وهو المصطلح الأنسب لتداول قضايا ذات طابع استراتيجي.
-
وفي اتصال بالتطورات التي يشهدها الساحل الأفريقي، يشهد الساحل الشرقي / العربي للبحر الأحمر، تطورات مماثلة، ذات تأثيرات متبادلة بينهما يمكن أن تتعزز بها فرص تنامي المصالح العربية الأفريقية وتعاظمها.
-
أخذاً في الاعتبار أن بالقارة الأفريقية إحدى عشر دولة عربية من بينها أربع دول (مصر / السودان / جيبوتي / الصومال ) متشاطئة بمشاركة دول أفريقية – على البحر الأحمر، ذات ثقل ووزن وأهمية استراتيجية عربياً وأفريقياً.
-
واقع الأمر، أن الحديث عن المصالح العربية الأفريقية يستوجب أن يتأسس على وينطلق من رؤية استراتيجية تقضي بأن منطقة البحر الأحمر هو قلب وواسطة العقد للعالم القديم، والنظر إليه – أي البحر الأحمر – كبحيرة عربية أفريقية، وأنه للوصل وليس للفصل بين المنطقة العربية الممتدة من الساحل العربي حتي دول الخليج، والمنطقة الأفريقية المتشاطئة على الساحل الأفريقي ولدول بالجوار لتلك المتشاطئه عليه.
-
بمقتضى تلك الرؤية، تتقاطع الدائرتان العربية والأفريقية، على نحوٍ يتعين معه النظر إلى المنطقة العربية كامتداد للقارة الأفريقية، والعكس صحيح، في ارتباطٍ بالتطورات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر، وهو الأمر الذي يستوجب العمل على تنمية المصالح وتعظيمها للجانبين وإداراتها على نحوٍ منشود، تلك المصالح التي تتحصل في جوانب أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية، أخذاً في الاعتبار أن الأمن المائي الذى يشمل الأنهار والبحار والمحيطات – كما سنرى – جزء لا يتجزأ من تلك المصالح، وأن هناك مخاطر وتحديات من جانب قوى إقليمية ودولية يتعين احتوائها وإفراغها من مضمونها.
ثانياً: العرض:
-
المخاطر والتحديات:
-
تزايد عدد القواعد العسكرية الثابتة والمتحركة بشكل مضطرد في منطقة البحر الأحمر، حيث يوجد في:
-
جيبوتي: قواعد عسكرية لكلٍ من فرنسا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والصين، والمملكة العربية السعودية، ومؤخراً اليابان وإيطاليا.
-
الصومال: قاعدة عسكرية لتركيا بالعاصمة الصومالية مقديشيو، وقاعدة عسكرية لدولة الإمارات في إقليم صومالي لاند، ويتردد أن هناك قاعدة أخرى للإمارات بالإقليم.
-
إريتريا: قاعدة عسكرية لدولة الإمارات، ويتردد بأن في إريتريا قاعدة عسكرية لإسرائيل رغم النفي الإريتري.
-
السودان: هناك توجه نحو إقامة قاعدة عسكرية لتركيا في جزيرة سواكن بالسودان، وكان قد تردد إثارة الرئيس السوداني إبان زيارته لروسيا في نوفمبر 2017 إقامة قاعدة عسكرية روسية في السودان.
-
ليبيا: هناك توجه نحو إقامة قاعدة عسكرية لتركيا في مصراته بليبيا.
-
تتعدد الأساطيل البحرية العسكرية التي تتواجد أو تنتشر بالبحر الأحمر كقواعد عسكرية متحركة، لعل من أبرزها في إطار البحث الأسطول البحري المصري الجنوبي الذي جرى تحديثه وتطويره، والأسطول البحري الإثيوبي المستحدث مؤخراً، رغم أن إثيوبيا دولة حبيسة. ومن المعلوم أن قوى إقليمية ودولية تستخدم البحر الأحمر في التواجد أو في المرور باعتباره مياهاً دولية أو في زيارات مثلما كانت قطع بحرية إيرانية تتردد على ميناء بورسودان بالسودان منذ بضع سنين.
-
اليمن: تتواجد عناصر من تنظيم القاعدة ومن حزب الله، بجانب تواجد عسكري إيراني متعدد الأشكال، والذي يُعَد بمثابة قاعدة عسكرية ضخمة ثابته ومتحركة، ويشكل هذا التواجد في مجمله مصدراً رئيسياً لتهديد الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأحمر العربية – الأفريقية، وفي منطقة الخليج، خاصة وأن هذا التهديد يتجسد في تصريحات إيرانية رفيعة المستوى بإغلاق الممرات والمضايق في كليهما، مما قد يدفع في اتجاه نشوب حرب إقليمية دولية.
-
تتواجد قوات أثيوبية ضمن قوات حفظ السلام في مقديشيو (أميصوم أكثر من 22.000 فرداً، منها قوات إثيوبية أكثر من 12.000 فرداً). وواقع الأمر أن القواعد العسكرية، خاصة تلك التي لدول من غير المتشاطئة على البحر الأحمر تدفع في اتجاه زيادة حالة التوتر وعدم الاستقرار، بالنظر إلى أنها قد تُستخدَم في غير الغرض المُخصَّص لها.
-
تنامي ظاهرة الإرهاب وانتشارها في دول عربية وأفريقية، مع تعدد المنظمات التي تمارس الإرهاب في ارتباطٍ وثيق مباشر أو غير مباشر بالمنظمتين الأم للإرهاب، وهما القاعدة، وتنظيم الدولة، مقترنة بتدخلات خارجية من قوى ودول إقليمية ودولية داعمة، مستهدِفةً تفتيت وتقسيم دول على أساس عرقي / ديني / مذهبي / جهوي، وإقامة كيانات مُستحدَثة غير عربية في المنطقة من شأنها طمس الهوية العربية، بما يعزز مطلب إسرائيل – وهي دولة تطل على البحر الأحمر – نحو الاعتراف بها كدولة يهودية، بل وربما احتواء الجامعة العربية ككيان عربي خالص في تنظيم شرق أوسطي أكبر.
-
تحركات محور قطر –إيران – تركيا في منطقة البحر الأحمر بالمفهوم المتقدم، على نحوٍ يزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة، في إطار سعيه لبسط السيطرة والنفوذ على دول بالمنطقة بالتفتيت والتقسيم إلى دويلات على الأسس المشار إليها.
-
تطورات إيجابية:
-
شهدت منطقة القرن الأفريقي سلسلة من التطورات الإيجابية البناءة، لتنهي حالات من العداء السياسي الذي بلغ في بعضٍ منها حد الصدام المسلح (حروب بين دول لاعتبارات سياسية وأيديولوجية – نزاعات على الحدود ارتباطا بحقوق تاريخية تتأسس على حق قانوني JURI أو D.FACTO في إطار القانون الدولي لتطبيق مبدأ السيادة على الأرض وما عليها وما بها من ثرواتٍ طبيعية وبشرية – حروب أهلية ذات خلفية قبلية ودينية، مواجهة الإرهاب بتعدد أشكاله وصوره، والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والنازحين واللاجئين…)، لتدفع في مجملها نحو تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والتوجه نحو مرحلة تعزيز عمليات التنمية والتطوير والتحديث، ولعل أبرز هذه التطورات التي وضعت حداً لصراعات مسلحة عبر الحدود، وخلافات على الحدود والتوجهات السياسية، ما شهدته المنطقة من تطبيع العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا / وجيبوتي وإريتريا / والصومال وإريتريا / والسودان وإريتريا / فضلاً عن نقلة نوعية في العلاقات بين مصر والسودان / وكذا بين مصر وإثيوبيا / وبين إثيوبيا والسودان / والسودان وجنوب السودان / وجنوب السودان وأوغندا.
-
ولقد اضطلعت كلٌ من مصر والسعودية والإمارات على نحوٍ اتسم بالتنسيق والتشاور، سواءً في إطار ثنائي أو في إطار الرباعية العربية مع دول المنطقة بدور محوري في هذا الصدد، مثلما كان لإثيوبيا مع تولي آبي أحمد سدة الحكم في البلاد، وتوجهاته الحكيمة القائمة على تصفير الأزمات، دوراً محورياً وتاريخياً أحدث – في اتساقٍ مع دور دول الرباعي – تغييرات جذرية في نفس الاتجاه بصدد مجمل العلاقات بين دول المنطقة ، فضلاً عن دور السودان في قضية جنوب السودان.
-
توجه الولايات المتحدة الأمريكية نحو إقامة التحالف الشرق أوسطي الاستراتيجي، بعقد قمة لدول التحالف التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي + مصر والأردن، وذلك في واشنطن في يناير 2019(وبتقدير أن يشمل ولو في مرحلة لاحقة إسرائيل). وهو التحالف الذي يجئ على خلفية القمم الثلاث التي عقدها ترامب في الرياض في 21 مايو2018، وتأكد هذا التوجه في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 ثم في حوار المنامة على مستوى وزراء الخارجية والدفاع في الأسبوع الأول من نوفمبر 2018 وحضره 50 وزيراً ومسئولاً، يمثلون 25 دولة، وخلصت تصريحات عدد من الوزراء إلى أن التحالف سيكون بمثابة اتفاقية أمنية وسياسية واقتصادية بين الدول المشاركة فيه.
ثالثاً: تحليل وتقييم:
-
على المستوى الأمني، واقع الأمر أن الهاجس الأمني الذي كان مثار قلق بالغ لدى دول المنطقة قد تراجع بقوة، وقلت حدته بفضل التطورات الإيجابية المشار إليها، وتحول إلى رباط قومي يجمع بينهم، في مواجهة المخاطر والتحديات التي لم تزل بقاياها قائمة في هذا الصدد، وهو الأمر الذي يطرح وبقوة النظر في إنشاء منظمة للأمن والتعاون في منطقة البحر الأحمر تضم دول منطقتى الساحل الأفريقي والساحل العربي، كمنظمة عربية أفريقية فرعية تحت رعاية الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، والتي يمكن دراستها من الآن على مستوى الآليات التي تجمع المنظمتين لتُطرَح كمبادرة في القمة العربية الأفريقية القادمة التي ستُعقَد في الرياض عام 2019.
-
يرتبط بهذا الهاجس وتلك المبادرة النظر في إنشاء قوة عربية إفريقية من دول المنطقة، على غرار القوة الإقليمية للاتحاد الأفريقي، أو قوة الـG5 لدول الساحل الأفريقي (والتى تضم كلاً من موريتانيا، النيجر، مالي، تشاد، بوركينا فاسو)بدعم فرنسي (أوروبي). ويمكن أن تكون وحدات من الرباعية العربية نواة لتلك القوة مع ضم وحدات من دولٍ بالمنطقة، وبتمويل من دول الخليج، بعيداً عن أي دور لدولٍ من خارج المنطقة. وبموجب ذلك يتم التخلص من أو إجهاض فكرة التحالف الشرق أوسطي الاستراتيجي؛ إذ رغم ما قد يبدو فيه من إيجابيات بأولوية العداء لإيران ومواجهة الإرهاب، إلا أن سلبياته تفوق تلك الإيجابيات، حيث يصب في مجمله لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، ويكرس الانقسامات في العالم العربي، ويضرب سياسة العلاقات المتوازنة لدول بالمنطقة مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى.
-
يرتبط بالمحور الأمني المحور السياسي، وهو ما يستوجب، على ضوء ما تقدم، إحياء دور الجامعة العربية في تنقية الأجواء العربية بالعمل على إنهاء الخلافات العربية / العربية، وفي نفس الوقت النظر في صياغة مبادرة تتضمن رؤية لنظام عربي داخل الجامعة العربية تُراعَى فيه العلاقات العربية مع دول الجوار العربي (إيران وتركيا)، على نحوٍ يتم بموجبه إنهاء حالة العداء، والتوجه نحو تطبيع العلاقات – ربما عبر وثيقة تعاهدية – على أسس من علاقات حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية والأمن المتبادل واحترام وحدة وسلامة أراضي الدول، ليتم بذلك تحلل المحور الثلاثي الإيراني – التركي – القطري الداعم للإرهاب، والمتسبب في صراعات إسلامية / إسلامية، وهو المحور الذي لم يزل يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة. وفي هذا الصدد، من المفيد إحياء لجنة التقريب بين المذاهب الإسلامية التي كانت تتسم بالنشاط والفاعلية في الثمانينيات والتسعينيات.
-
على المحور الاقتصادي، النظر في إقامة تجمع اقتصادي عربي إفريقي يضم دول المنطقة، ويتخذ من الاقتصاد الأزرق أساساً ومنطلقاً، في نطاق برنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، وبرنامج الاتحاد الأفريقي 2063 للتنمية المستدامة، حيث تمتلك المنطقة ثروات هائلة بما لديها من بحار ومحيطات وبحيرات وأنهار. وتتعزز فرص إقامة مثل هذا التجمع، بما تشهده المنطقة من تطورات إيجابية سبقت الإشارة إليها، من حيث تنامي فرص تحقيق الأمن والاستقرار، وبالتالي المناخ المناسب لعملية التنمية المستدامة. ويمكن استكمال هذا التجمع وتوسيع نطاق نشاطه بالنظر في إقامة مشروعات تكاملية مشتركة بين دول المنطقة، بما تستوجبه من إنشاء وتعزيز البنية التحتية على النحو الذى يمكن أن تضطلع معه دول الخليج بدور محوري.
مداخلات الحضور:
– السفير/ أبو بكر حفني- مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية:
أشار إلى أن دولة جنوب أفريقيا قد لعبت دوراً فى عودة مصر إلى استراتيجية البحر الأحمر فى إطار الاتحاد الأفريقى، ليؤكد على أن الأخير – مع الاتحاد الأوروبى – يريد جذب الدول العربية الخليجية، ودون مصر، للعب دور فى منطقة القرن الأفريقى. وهذا نابع بالأساس من حاجة الاتحاد الأفريقى لموارد مالية لا تستطيع مصر توفيرها للنهوض بأوضاع المنطقة. ومع إدراك مصر أن عليها تعزيز روابطها وعلاقاتها بكافة الدول الأفريقية، فلابد لها من البحث عن سبل توفر من خلالها الموارد والأفكار اللازمة. وفى هذا الصدد، وبدلاً من ترك القضية للاتحادين الأفريقى والأوروبى، يمكن لمصر ذاتها دعوة حلفائها الطبيعيين من الخليج كالسعودية والإمارات لمساعدتها فى معالجة أزمات المنطقة، وتوفير التمويل اللازم لذلك، فى مقابل التعاون فى موضوعاتٍ أخرى، من أهمها أن مصر من ضمن الدول الضامنة لأمن الدول الخليجية، وبالتالى على الأخيرة أن تضمن أمن مصر فى منطقة القرن الأفريقى.
لابد من الإشارة إلى أنه رغم ما قيل عن قوة العلاقات الإثيوبية – الإسرائيلية، فإن استثمارات وقوة مصر فى إثيوبيا أكثر من تلك الخاصة بإسرائيل. ولعل ما يعزز من هذا الوضع هو البعد المذهبى الأرثوذكسى الضارب فى تاريخ البلدين وفى علاقاتهما البينية.
بالنسبة لدور القطاع الخاص فى أفريقيا، فإن هناك دعم حكومى لهذا القطاع. وفى أثناء زيارة رئيس وزراء إثيوبيا السابق ديسالين إلى مصر، كان هناك حرص على إطلاعه على المناطق الصناعية فى مصر، برفقة ممثل شركة السويدى. وقد تم تسليمه خطابين، اشتمل أحدهما على دعوة لإنشاء منطقة صناعية مصرية فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا باستثمارات حوالى 120 مليون دولار، فيما ينطوى الثانى على دعوة لإنشاء محطة طاقة شمسية بكلفة 500 ألف دولار تقريباً. ولكن رغم ذلك، لابد من التنويه إلى أن مشكلة القطاع الخاص المصرى فى إثيوبيا تتمثل فى المشروعات الصغيرة أو المتوسطة، وهذه مشكلة تقابل كافة المشروعات الأجنبية الأخرى ذات الحجم الضخم.
– السفير/ د. منير زهران- رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية:
أشار إلى أن هناك ضغوطاً من الدول المتقدمة وخاصة الولايات المتحدة لاستخدام دول إقليمية فى المنطقة العربية لمنع تفعيل معاهدة الدفاع العربى المشترك لصالح إنشاء تنظيم إقليمى جديد، أطلقت عليه الولايات المتحدة اسم “الناتو العربى (MESA)” كتجمع للدول العربية السنية ضد إيران، وليس من مصلحة مصر الانسياق وراء الأجندة الأمريكية فى المنطقة، والتى يأتى على رأس أولوياتها حماية إسرائيل، وتعبئة الدول العربية لمعاداة إيران، وآخر مظاهر ذلك انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى الإيرانى، ومطالبة الولايات المتحدة الدول الأخرى فى الاتفاق الالتزام بتنفيذ العقوبات الأمريكية التى فرضتها على إيران. والتأكيد على استمرار خطر العدوان الاستيطانى الإسرائيلى، والذى يهدد بابتلاع باقى فلسطين، وعدم الانسياق وراء التلويح الأمريكى بخطر إيرانى كبديل لأولوية الخطر الإسرائيلى على دول المنطقة.
وفى هذا السياق، أوصى بالتواصل المصرى مع كلٍ من إيران وتركيا. إذ إنه من غير صالح مصر تنفيذ الأجندة الأمريكية – الإسرائيلية بمعاداة إيران، لاسيَّما وأن مصر ليس لديها عداوة مباشرة مع الجانب الإيرانى، بل ربما أمكن لمصر القيام بدور توفيقى بين السعودية وإيران وأن تستغل دعوات المسئولين الإيرانيين للعب هذا الدور. من ناحية أخرى، الانفتاح على تركيا غير الرسمية، عبر إقامة علاقاتٍ بين مراكز الفكر المصرية والتركية المرحبة بذلك، وعبر رجال الأعمال من الجانبين، وهذا ربما يسهم فى الخروج بتشاورات ونتائج مثمرة قد تُسهِم فى حل بعض المشاكل العالقة بين الطرفين. وفى هذا السياق، يُوصَى بأهمية استثمار إمكانات منظمات المجتمع المدنى، ومنها المجلس المصرى للشئون الخارجية، لإقامة حوار مع كلٍ من إيران وتركيا، فهناك مكونات فى هذَيْن المجتمعَيْن ترغب فى التقارب مع مصر.
– أ.د. أمانى الطويل- مدير الوحدة الدولية والبرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية:
بالنسبة للارتباط بين إثيوبيا والغرب، فيُذكَر أنه قائم أصلاً على العلاقات الإسرائيلية – الإثيوبية، وعلى الرابط الثقافى بين كلٍ من البلدين، فى ظل الاعتقاد بأن القبيلة الـ 13 الإسرائيلية هي إثيوبية. ويمكن القول أن إسرائيل أرادت من وراء تعزيز هذا المعتقد شد أطراف المنطقة العربية وإضعافها. من جهةٍ أخرى، استطاعت إسرائيل توطيد الروابط الإثيوبية بالغرب عن طريق مواقع نفوذها فى العالم الغربى. وفي هذا السياق، يمكن القول أن قضية الدعوة الأمريكية لمواجهة إيران عبر إنشاء التحالف الشرق أوسطي هي لتفتيت أوصال المنطقة العربية أكثر مما هى عليه، بالتوازى مع غض الطرف عن النوايا الإسرائيلية الهادفة إلى تعزيز هيمنة تل أبيب على المنطقة. وبالمناسبة، قضية الحرب على إيران روَّجت لها إسرائيل كثيراً فى واشنطن. تماماً مثلما كان الأمر المتعلق بالصراع فى دارفور؛ حيث أُنشِىء تحالف دارفور على يد حاخام يهودى روَّج لدعوته فى نيويورك.
وبالتالى، لابد من الوعى بأن هناك مصالح متناقضة لكلٍ من مصر وإسرائيل، وأنه لا يجب على مصر الانصياع وراء المخطط الإسرائيلي، ومن ثم الأمريكي، بالانضمام إلى التحالف المذكور، والذى يأتي فى ذات السياق على حساب القوة العسكرية العربية المخطط لها فى إطار الجامعة العربية، حيث معاهدة الدفاع العربى المشترك.
تعول الحكومة المصرية كثيراً وبصورة منفردة وشخصية على دور القطاع الخاص فى أفريقيا، وذلك دون أى تنسيق أو تمويل أو مساعدة حكومية أو رسمية. وهذا أمر لا ريب فى أنه يحتاج إلى مراجعة شاملة، ذلك لأن هذه القطاع لا يستطيع وحده تحمل مسئولية تأمين المصالح المصرية فى المناطق التى يصل إليها، هذا فضلاً عن المشكلات والمصاعب التى تواجهه، والتى لا يمكن أن يحلها دون تدخل السلطات الرسمية.
– السفير/ د.محمود كارم- عضو مجلس إدارة المجلس المصري للشئون الخارجية:
أشار إلى تعظيم الاهتمام بالحضور المصرى الفعَّال فى الآليات والمنتديات الدولية التى تقوم بالتعاون مع القارة الأفريقية عبر بوابة التنمية مثل التيكاد، والمنتدى الصينى – الأفريقى وغيرهما. يُضَاف إلى ذلك إمكانية تعزيز التعاون الثنائي فيما بين مصر والدول الأجنبية المنخرطة فى منطقة القرن الأفريقي، ومنها اليابان التى أقدمت منذ فترة قصيرة على إنشاء قاعدة عسكرية فى جيبوتي، وذات الأمر بالنسبة للصين، وهكذا.
– د./ جمال سليم- أستاذ العلوم السياسية:
تساءل عن الآليات التى يمكن أن تقوم بها مصر لمعالجة التهديدات التى تثيرها منطقة القرن الأفريقي، فى ضوء أنها لم تعد القوة الأكثر تأثيراً كما كان الحال من قبل. من جهة أخرى، تساءل إلى أى مدى يمكن لمصر أن تفك الارتباط فيما يتعلق بعلاقاتها مع إيران بالعلاقات السعودية – الإيرانية.
تعقيب ختامي:
– أ.د./ سيد فليفل- الرئيس السابق للجنة الشئون الإفريقية بمجلس النواب وعضو البرلمان الإفريقي:
أشار إلى أنه إذا لم يكن بوسع مصر فرض إرادتها ونفوذها فى المنطقة، فإنها قادرة على منع الآخرين من فرض إرادتهم. وأنه لا بد من وجود رؤية إدراكية شاملة لصياغة استراتيجية تمكِّن من معالجة كافة القضايا التى تهم الشأن المصرى. وأشار فى هذا السياق إلى أن على الجانب المصرى القيام بالمزاوجة بين الآليات المتعددة التى لديها فى مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع، وأن تستغل موقعها الجيواستراتيجى والمعنوى أيضاً فى إقامة وتوطيد الروابط مع الدول الأفريقية، ونوَّه إلى أن مساحة الدور المصرى ليست جغرافية فقط، ولا تحتاج فى كل الأوقات إلى أموال.
الجلسة الثانية
“مستقبل الأمن فى منطقة البحر الأحمر: الفرص والتحديات“
منسق الجلسة: السفير/علي الحفني([10])
بدأ السفير/ علي الحفني مدير مركز مصر/ إفريقيا بالجامعة البريطانية في مصر، ومنسق اللجنة الدائمة للشئون الآسيوية بالمجلس، أعمال الجلسة الثانية بالترحيب بالسادة الحضور والمشاركين، خاصًا بالذكر السادة المتحدثين، لواء/أ.ح. سمير محمد أحمد بدوي، وأ.د.أماني الطويل، واللواء/أ.ح.د. مصطفى كامل محمد السيد، كما أعرب عن سعادته بتولي أعمال التنسيق للجلسة الثانية حول “مستقبل الأمن في منطقة البحر الأحمر:الفرص والتحديات”، والتي سيتم خلالها استعراض التحديات الماثلة أمام عولمة البحر الأحمر، وكذا المخاطر الناجمة عن عدم الاستقرار في المنطقة على أمن البحر الأحمر ، وماهية السيناريوهات المستقبلية لتحقيق الأمن في منطقة البحر الأحمر، وآليات العمل من أجل التعاون المشترك للاستفادة من الفرص والموارد التي تتمتع بها المنطقة، وكذا لمواجهة أي تحديات آنية أو مستقبلية.
وأشار سيادته في هذا السياق إلى أن الدول المشاطئة للبحرالأحمر عليها التزام وأمامها مسؤوليات جسام في تحقيق توحيد الرؤى والمفاهيم بين هذه الدول، وخلق مزيد من الروابط وتعزيز شبكة المصالح وعدم ترك الخلافات الحالية أو المستقبلية بينها تؤثر على مجمل الأوضاع الأمنية في المنطقة، وتفتح الباب أمام التدخلات الأجنبية بدعاوى مختلفة على شاكلة أن الدول المعنية طلبت ذلك أو أن مناخ الأزمة أو الفوضى يستدعي ذلك….إلخ.
ومن وجهة نظره، فإن شأن الوضع الأمني في منطقة البحر الأحمر لايصح معه أن يترك برمته للقوى الدولية الساعية لتأمين مصالحها أو السكوت عن الدول الإقليمية التي تطمع في نشر نفوذها بالمنطقة، وبالتالي فهناك حاجة ماسَة للسعي لإيجاد رابطة تجمع بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر لدواعي التنسيق وتبادل المعلومات والتعاون بشتى أشكاله، وبحيث يكون هناك توجه استباقي جماعي لهذه الدول حيال أي مخاطر تتعرض لها منطقة البحرالأحمر في المستقبل، ومن ثمً مصالح هذه الدول.
كما يتعين الأخذ في الاعتبار أن المخاطر المشار إليها تعززت بفعل انتشار الإرهاب في منطقة الساحل الغربي للبحر الأحمر كواحدة من المناطق التي امتد إليها نشاط المنظمات الإرهابية سواء في منطقة الساحل و الصحراء والممتدة من شمال إلى غرب إلى وسط وإلى شرق إفريقيا، علماً بأن مجابهة الإرهاب لايمكن أن تنجح سوى من خلال عمل جماعي ومنظومة شاملة تمتد من المجابهة الأمنية إلى المجابهة التنموية والثقافية أيضاً.
ومن الطبيعي أن تأخذ مصر المبادرة بالدعوة لاجتماع يضم الدول المشاطئة وبحيث تشارك فيه الدول العربية والإفريقية الواقعة على البحر الأحمر مباشرةً، كما أنه مما لاشك فيه أن جهود الدولة المصرية لتحقيق التنمية المستدامة وأجندة 2030 ومابعدها تتطلب القيام بأدوار مختلفة ومتنوعة لدرء أي مخاطر تعرض الأمن القومي المصري للخطر، فإن التنمية لايمكن أن تتم سوى في بيئة آمنة ومستقرة ، وهو أمر يتطلب التشاور المستمر والتنسيق بين مؤسسات الدولة المختلفة ومثيلاتها في الدول الواقعة في منطقة البحر الأحمر، وبصفة خاصة على مستوى القيادات.
الورقة الأولى
“تحديات عولمة البحر الأحمر”
اللواء أ. ح./ سمير محمد أحمد بدوى([11])
مقدمة:
-
تشكل منطقة البحر الأحمر وحدة جغرافية مترابطة من منظور تحقيق الأمن الإقليمي والدولي، بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يلعب دوراً فاعلاً في تأمين المصالح الأمنية والعسكرية والاقتصادية للقوى العظمى والكبرى.
-
يمثل البحر الأحمر أقصر وأسرع طريق بحري بين الشمال والجنوب، وكذا بين الشرق والغرب، وقد توفرت له مزايا وخصائص استراتيجية وجيوبوليتيكية جعلت منه موقعاً للتنافس والنزاعات والصراعات الإقليمية والدولية.
-
أثبتت تطورات الأحداث عبر المراحل التاريخية المختلفة حقيقة تأثير التفاعلات بين دول المنطقة وبعضها البعض أو بين القوى الدولية والقوى الإقليمية الأخرى على الأمن القومي المصري والعربي. وفي هذا الإطار، سيتم تناول موضوع ورقة العمل (تحديات عولمة البحر الأحمر)، من خلال إلقاء الضوء على الآتى:
-
الأهمية الاستراتيجية والجغرافية للبحر الأحمر.
-
الأهمية الجيوبوليتيكية للبحر الأحمر.
-
التحديات والتهديدات المؤثرة لعولمة البحر الأحمر.
أولاً: الأهمية الاستراتيجية والخصائص الجغرافية للبحر الأحمر:
-
يتميز البحر الأحمر ببيئة خاصة، تشكلت من عناصر التاريخ والجغرافيا، وبطبيعة مكانية جعلته يؤثر في الأحداث، وأعطته مكانة وأهمية استراتيجية يجب إلقاء الضوء عليها في إطار البحث والدراسة، للتوصل لاستراتيجية قومية تساهم في الحفاظ على المصالح القومية وتأمينها في ضوء التهديدات والتحديات التي تفرضها التوجهات نحو عولمة البحر الأحمر.
-
كانت عروبة البحر الأحمر هدفاً استراتيجياً للدول المطلة عليه. وفي هذا الإطار، بُذِلَ العديد من التحركات السياسية العربية بهدف تنسيق السياسات والأهداف للتوصل إلى استراتيجية عربية موحده تجاه البحر الأحمر، ولكنها لم تلقَ نجاحاً لاعتبارات داخلية وإقليمية، فضلاً عن التواجد العسكري الأجنبي في البحر الأحمر وحوله.
-
يتميز البحر الأحمر بموقع جغرافي استراتيجي هام؛ حيث أنه ملتقى ثلاث قارات وحلقة الوصل بين ثلاث مناطق استراتيجية (الشرق الأوسط والقرن الأفريقي ومنطقة الخليج) وتطل عليه ثمانِ دول، منها ست دول عربية (المملكة العربية السعودية، مصر، السودان، الأردن، اليمن، وجيبوتي) ودولتان غير عربيتين (إسرائيل وإريتريا) حيث تقع أربع من هذه الدول في قارة أفريقيا (مصر، السودان، جيبوتي، إريتريا) والأربعة الأخرى في قارة آسيا (المملكة العربية السعودية، الأردن، اليمن، إسرائيل).
-
يستمد البحر الأحمر أهميته الاستراتيجية من موقعه الجغرافي، الذي يربط بين بحر العرب والمحيط الهندي بالبحر المتوسط، ومن ثَمَّ بالمحيط الأطلنطي، وزاد من هذه الأهمية اكتشاف النفط في منطقة الخليج العربي المرتبطة من وجهة نظر الجغرافيا السياسية منذ حرب عام 1973 م، وانتقال مسرح الصراع (العربي – الإسرائيلي) إلى جنوب البحر الأحمر، الذي أصبح يشكل قضية حيوية، تتنافس الدول المطلة عليه بغية تحقيق السيطرة.
-
يؤدي البحر الأحمر دوراً بارزاً في الربط بين الشعوب التي تعيش على جانبيه كطريق لتبادل المنافع فيما بينها، خاصة في مجال التجارة بالنسبة إلى الأقطار التي لا منفذ لها غيره. كما أن ارتكاز العديد من الدول على المنفذين الشمالي والجنوبي من شأنه أن يؤدي إلى نشوب صراعات بينهما، في ظل مساعي بعضها إلى السيطرة وبسط النفوذ على مقاليد البحر الأحمر، كما هو الحال في الصراع العربي – الإسرائيلي، والصدامات التي حدثت بين إريتريا واليمن حول جزيرة حنيش الكبرى، وكذلك التوترات بين جيبوتي وإريتريا حول الحدود.
-
يقع البحر الأحمر في مركز الكتلة العربية جغرافياً وقومياً، ما يجعل الدول المجاورة شديدة الحساسية لكل ما يؤثر في التوزان البحري؛ إذ يمكن تهديد أمن تلك الدول، خاصة التي ليس لها منافذ بحرية بديلة، سواء باحتلال منافذها إلى هذا البحر أو بإغلاق المضايق المتحكمة فيه. كما يؤدي البحر الأحمر دوراً هاماً في الربط بين شطري الوطن العربي في قارتي آسيا وأفريقيا.
-
تتميز منطقة البحر الأحمر بتعايش ثلاث قوميات مختلفة، تعتنق ثلاث ديانات (الإسلام والمسيحية واليهودية). وقد أدت التناقضات في مصالح دول هذه القوميات إلى قيام تكتلات إقليمية، أسفرت عن نشوب صراعات إقليمية وداخلية عرقلت منع قيام تعاون أمني أو سياسي أو اقتصادي بين هذه الدول، ليكون أساساً لنظام أمني إقليمي شامل يوفر الاستقرار للمنطقة، خاصة وأن هناك ترابطاً عضوياً بين أمن البحر الأحمر والأمن القومي العربي بصفة عامة، وأمن الدول المطلة عليه بصفة خاصة، لذلك أصبح أمن البحر الحمر لا ينفصل عن هدف تحقيق الأمن القومي العربي.
-
كذلك ربط الموقع الاستراتيجي للبحر الأحمر بين العالمين العربي والأفريقي، الأمر الذي وفر عوامل التقارب والتجاور بينهما بصفة عامة وبين الدول المشاطئة بصفة خاصة، مما أدى إلى نشأة شبكة من التعاملات والعلاقات (سواء كانت تعاونية أو خلافية أو تصادمية) ارتبطت بسياسات واستراتيجيات القوى الإقليمية، وكذا القوى العظمى والكبرى ذات المصالح في البحر الأحمر. وهكذا أصبح البحر الأحمر أحد العناصر المهمة فى شبكة العلاقات الدولية المتداخلة لتلك القوى.
-
الخصائص الجغرافية للبحر الأحمر:
-
يشغل البحر الأحمر مساحة قدرها (438000) كم2، ويمتد من باب المندب جنوباً إلى سيناء شمالاً حوالي (1900) كم، ويُقدَّر اتساعه في الجزء الشمالي منه بحوالي (180) كم، ويزداد اتساعه جنوباً حيث يبلغ عند خط العرض (16) شمالاً اتساع (370) كم، أما خليج العقبة، فيبلغ أقصى اتساع فيه (30) كم، في حين يبلغ أقصى اتساع في خليج السويس ما بين (70 – 80) كم.
-
يبلغ طول سواحل البحر الأحمر، بدءاً من قناة السويس حتى باب المندب (4938) كم، منها (4244) كم إجمالي سواحل الدول العربية الست المشاطئة، في حين يبلغ طول سواحل إريتريا (683) كم وإسرائيل (26 .11) كم.
-
يشكل البحر الأحمر الحد الغربي لشبه الجزيرة العربية، كما يشكل أيضاً الحد الشرقي لمصر والسودان وجيبوتي، مما يمنح مصر (بالتقائه بالبحر المتوسط عبر قناة السويس) موقعاً جغرافياً استراتيجياً متميزاً. ومن الطبيعي أن ينعكس هذا التفرد في الموقع على الوطن العربي ككل، الأمر الذي أضاف له مميزات جغرافية واقتصادية أخرى جعلته ذو أهمية استراتيجية عالمية.
-
يكاد البحر الأحمر أن يكون “بحيرة عربية”؛ حيث أن الدول العربية الست المطلة عليه تشغل (84.2%)من سواحله، في حين تشغل إريتريا ما نسبته (15.6%) وإسرائيل (0.2%).
-
يبلغ عدد الجزر بالبحر الأحمر (379) جزيرة، يدخل معظمها ضمن المياه الإقليمية للدول العربية الست؛ (253) جزيرة عربية أي ما نسبته (66.67%)،في حين يدخل الباقي (126) جزيرة؛ أي ما نسبته (33.24%) في المياه الإقليمية لإريتريا، والتي كانت قبل استقلال إريتريا جزراً إثيوبية، وأغلب هذه الجزر غير مأهولة بالسكان، إما لفقدان المياه العذبة وشدة الحرارة وعامل المد والجزر، أو صغر مساحتها وصعوبة تضاريسها.
-
يتحكم في البحر الأحمر ثلاثة مضائق هي (باب المندب – جوبال – تيران):
-
مضيق باب المندب: يقع جنوب البحر الأحمر وتحده من الشرق اليمن، ومن الغرب إريتريا وجيبوتي، ولا يزيد اتساعه على (32) كم، وتتحكم في مدخله جزيرة بريم، التي تقسم مضيق باب المندب إلى ممرين؛ الشرقي، ويسمَّى (باب الاسكندر) ويبلغ عرضه نحو (1.5) كم، أما الممر الغربي، فعرضه نحو (28) كم، وهو الممر الرئيسي للملاحة، حيث لا يستخدم الممر الشرقي غالباً لضيقه وانتشار الشعاب المرجانية فيه.ويعتبر باب المندب بوابة البحر الأحمر التي تصله بالخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي، وتتحكم في المضيق قاعدة عدن البحرية على الساحل الآسيوي وميناء جيبوتي على الساحل الأفريقي.
-
مضيق جوبال: يتحكم فى مدخل خليج السويس (الذراع الشمالية الغربية للبحر الأحمر)، ويوجد في مدخله مجموعة من الجزر مثل (جوبال وطويله وشدوان)، وهي جزر صخرية جرداء، ومضيق جوبال هو المدخل إلى قناة السويس.
-
مضيق تيران: يتحكم في مدخل خليج العقبة، وتقسم جزيرتا تيران وصنافير المدخل إلى ثلاث ممرات: واحد منها صالح للملاحة، وهو بين جزيرة تيران وسيناء وعرضه (5.9) كم، أما الممران الآخران فيتميزان بضحالة مياههما.
ثانياً: الأهمية الجيوبوليتيكية للبحر الأحمر:
-
يبدو البحر الأحمر بالمفهوم الجيوبوليتيكي أكثر اتساعاً منه بالمفهوم الجغرافي للبحر نفسه، إذ لا يقتصر دوره على الوحدات السياسية التي تطل عليه مباشرة، بل يتعداها ليشمل الوحدات السياسية التي ترتبط به سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو استراتيجياً، وثمة مَن يرى أن منطقة القرن الأفريقي تدخل ضمن نطاق المفهوم الجيوبوليتيكي للبحر الأحمر، كما أن منطقة الخليج العربي يمكن أن تدخل في الحيز الواسع لهذا البحر، باعتبار أن معظم صادراتها النفطية تمر عبره.
-
يتضح أن النطاق الجيوبوليتكي للبحر الأحمر يتسع اتساعاً يمكن أن يشمل معظم الخريطة السياسية للعالم، وذلك لعدة خصائص تميزه وتدفع به إلى الصدارة من حيث الأهمية من وجهة نظر الجغرافيا السياسية، لذا يصبح من المؤكد أن أي حديث عن استراتيجية للأمن في البحر الأحمر يعني الحديث عن استراتيجية كتلة جغرافية واسعة تشمل البحر المتوسط والخليج العربي وبينهما البحر الأحمر. ويقتضي هذا أن تُؤخَذ هذه الكتلة في الحسبان عند تخطيط استراتيجية الأمن لمنطقة البحر الأحمر.
-
على هذا القياس، يمكن القول أيضاً أن دول أوروبا الصناعية لها علاقة جيوبوليتيكية بالبحر الأحمر، لأنها تعتمد على نفط الخليج اعتماداً رئيسياً، ولا تخرج الولايات المتحدة الأمريكية عن الحيز الجيوبوليتيكي للبحر الأحمر، حيث يمر نفط الخليج الذي تحتكر معظم إنتاجه وتجارته ونقله الشركات الأمريكية.
-
كذلك لا تُغفَل أهمية البحر الأحمر الجيوبوليتيكية من قِبَل روسيا، حيث يعتبر أقصر الطرق التي تربط بين موانئها على البحر الأسود وأسطولها في المحيط الهندي، كذلك الولايات المتحدة الأمريكية، فبالإضافة إلى أطماعها في منطقة الخليج العربي، حيث احتكارها لبترول الخليج، تتواجد أساطيلها البحرية المرابطة جنوب البحر الأحمر والخليج العربي والبحر المتوسط، والتي استخدمتها في حربها على العراق.
ثالثاً: التحديات والتهديدات الدولية والإقليمية المؤثرة نتيجة عولمة البحر الأحمر:
-
ترتبط التحديات والتهديدات في منطقة البحر الأحمر باستراتيجيات ومصالح القوى الكبرى، لاسيَّما بالنسبة للولايات المتحدة والقوى الكبرى الفاعلة، وتتفق مجمل هذه المصالح في تأمين حركة التجارة الدولية وتدفق الموارد البترولية، وتمتد أبعادها إلى السعي لبسط النفوذ والهيمنة وفقاً لمدى ثقل هذه القوى تجاه مسرح البحر الأحمر. وقد أصبح التواجد العسكري الدائم والدوري لهذه القوى (سواء كان بحرياً أو جوياً أو برياً) هو النمط المستخدم لتأمين مصالحها من الناحية العملياتية، وهو ما يتطلب تهيئة الموقف الإقليمي والدولي من جانب هذه القوى لتأييد هذا التواجد، مما يتيح الفرصة لإسرائيل لتنفيذ أهدافها في المنطقة في ظل غياب الدور العربي.
-
التحديات والتهديدات الدولية:
-
على المدي القريب:
-
تزايد مساحة التنافس بين القوى الدولية للحصول على أكبر قدر من المكاسب وعوامل السيطرة والهيمنة بالمنطقة، وبشكلٍ يؤدي إلى خلق محاور وتحالفات بين بعض أطرافها لتحقيق مصالح وأهداف تلك القوى، بشكلٍ قد يتعارض مع مصالح وأهداف باقي الأطراف الإقليمية بمنطقة البحر الأحمر.
-
فرض صيغ أمنية جديدة بواسطة القوى الدولية تمشياً مع مصالحها وأهدافها بالمنطقة على حساب دور وثقل القوى العربية المطلة على البحر الأحمر، بشكلٍ يهمش من فاعلية هذه الدول، ويتيح مزيد من السيطرة للأطراف غير العربية.
-
دعم وتعزيز الدور الإسرائيلي في منطقة البحر الأحمر باعتباره أحد الأدوات الأساسية المنفذة للاستراتيجية الأمريكية، وفي إطار وجود مصالح مشتركة بينهما لتعزيز دور إسرائيل، الحارس الأمني للمصالح الأمريكية.
-
تغذية التيارات المتطرفة بالمنطقة لتصعيد الخلافات بين دولها، أو لتوفير حالة من عدم الاستقرار الداخلي كأحد مجالات المواجهة غير المباشرة مع الولايات المتحدة.
-
على المدي المتوسط:
-
حصول الولايات المتحدة الأمريكية على مزيد من نقاط الارتكاز العسكرية في دول المنطقة والقرن الأفريقي، بشكلٍ يتيح لها الهيمنة على الأوضاع في المنطقة، والتي غالباً ما تكون لصالحها ولصالح حلفائها على حساب باقي دول البحر الأحمر.
-
زيادة فجوة الاختلال في معادلة توازن القوى العسكرية لغير صالح القوى العربية المطلة على البحر الأحمر، في حال نجاح إقامة محاور غير عربية تنضم إليها إسرائيل.
-
زيادة فرص الدعاوى الإسرائيلية لتدويل (باب المندب) والجزر العربية المسيطرة عليه، وإتاحة الفرصة لمزيد من التواجد العسكري الإسرائيلي مع دول البحر الأحمر غير العربية في إطار الرؤية الأمريكية لتأمينه.
-
دعم وتعزيز القدرات العسكرية الذاتية لإسرائيل في البحر الأحمر لتكريس سياستها الأمنية في المنطقة من خلال الحصول على قواعد انطلاق تتيح لها زيادة نطاق الإنذار والاستطلاع، وزيادة مجالات العمل لقواتها الجوية والبحرية، وزيادة الأعباء الدفاعية والأمنية العربية لمواجهة التهديدات المحتملة في منطقة البحر الأحمر.
-
تظل محاولات التدخل الإيراني لعرقلة الملاحة عبر البحر الأحمر، سواء بأعمال التخريب أو التلغيم، مع استمراره في تعزيز إمكانيات النظم المتطرفة خاصة الحوثيين في اليمن، وهو ما يزيد من مساحة التوتر وعدم الاستقرار.
-
على المدي البعيد:
استكمال السيطرة والهيمنة العسكرية على منطقة البحر الأحمر من خلال تنفيذ الترتيبات الأمنية الأمريكية في المنطقة، بشكلٍ يتيح انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على هذا المجرىالملاحي، بعد ترتيب الأوضاع السياسية بها، وتولي نظم حاكمة موالية للولايات المتحدة للسيطرة على دول البحر الأحمر، وبالشكل الذي يبعد أي هيمنة أو سيطرة عربية فعلية على هذا المجرى الملاحي الهام، خاصةً بعد الصعود الاقتصادي الهائل للصين، وبعد استكمال المشروع الاقتصادي الصينى العملاق، المُسمَّى بالحزام والطريق.
-
التحديات والتهديدات الإقليمية:
من خلال تحليل حقائق الموقف الراهن بدول البحر الأحمر، وكذا طبيعة العلاقات التي تربط بينها، فإنه يمكن استخلاص أن تلك الظروف،إلى جانب تأثير طبيعة التوجهات الدولية على مسارات حركة دول الإقليم، لا تتيح إمكانية إقامة تعاون إقليمى بناء فى ظل بيئة أمنية مناسبة داخل الإقليم، ويمكن بلورة أهم التحديات الإقليمية التي تواجه أمن البحر الأحمر في الآتي:
-
سياسياً:
-
التباين في استراتيجيات وتوجهات الدول المطلة على الضفة الغربية للبحر الأحمر، فتوجهات جيبوتي تتركز استراتيجيتها على استمرار الاعتماد على قوة أجنبية لتأمينها، كما تتعارض توجهات إريتريا مع المصالح العربية.
-
الدول الواقعة شمال خليج العقبة والساحل الشرق للبحر الأحمر أحد أطرافها اسرائيل، المعروفة بتوجهاتها، وهناك السعودية واليمن واستمرار العمليات العسكرية للتحالف العربي لاستعادة الشرعية والاستقرار في اليمن.
-
استمرار مشاكل الحدود بين معظم الدول المطلة على البحر الأحمر، ويمثل ذلك أحد التحديات الأساسية التي لا تتيح إمكانية التعاون المشترك.
-
تردي الوضع في اليمن وتفككه وإمكانية تأثير ذلك على الملاحة في مضيق باب المندب وإعطاء الفرصة لدول إقليمية مثل إسرائيل وإيران لمد الحوثيين بالسلاح والتأثير على طرق الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس.
-
اقتصادياً:
-
استثمار واستغلال القوى الكبرى حاجة معظم دول الإقليم للدعم الاقتصادي للضغط عليها، وتوجيه اهتماماتها بما يخدم أهدافها ومصالحها.
-
محدودية حجم التعاون الاقتصادي بين دول الإقليم، فيما يتعلق باستغلال الثروة السمكية أو الجزر في مجال إقامة بعض الصناعات أو لصالح السياحة.
-
كذلك تتأثر الملاحة في قناة السويس باضطرابات الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، لأنهما يعتبران امتداداً جغرافياً. وبالتالي، يتأثر دخل مصر من قناة السويس بما يحدث في أمن البحر الأحمر، لاسيَّما بعدما كثر الحديث عن احتمال انتقال بعض الخطوط الملاحية إلى استخدام طريق رأس الرجاء الصالح، خاصة في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار التي تشهدها دول المنطقة وفي مقدمتها اليمن ودول القرن الأفريقي).
-
اجتماعياً:
-
يرتبط هذا التحدي أساساً بالظروف الاقتصادية التي تعاني منها الدول المطلة على البحر الأحمر، إلى جانب تأثير حالة عدم الاستقرار التي يمر بها الموقف الداخلي ببعض دول الإقليم، أضف إلى ذلك ضعف البنية السكانية،وبروز قدر كبير من التخلف، ومحدودية الإمكانيات العلمية والتكنولوجية المتقدمة، التي تعتمد بشكل أساسي على العامل الاقتصادي.
-
تنامي ظاهرة التطرف في العديد من دول الإقليم، خاصة فى الصومال واليمن.
-
عسكرياً وأمنياً:
-
تأثير الظروف الاقتصادية على عدم إمكانية زيادة القدرات العسكرية لمعظم دول الإقليم، إلى جانب استنزاف تلك القدرات في صراعات ومواجهات داخلية.
-
تواجد بحري قوي لبعض الأطراف الإقليمية (مثل إسرائيل وإيران)، بالإضافة إلى تركيا التي تتعارض أهدافها مع مصالح دول الإقليم.
-
محدودية وجود قدرات عسكرية مناسبة لدى بعض الدول المشاطئة لتأمين البحر الأحمر.
الورقة الثانية
مخاطر عدم الاستقرار على أمن البحر الأحمر
أو ما هو مسار التهديدات في باب المندب؟
أ.د. أماني الطويل([12])
مقدمة:
على الرغم من انقلاب موازين القوى في الحرب باليمن في الفترة الأخيرة لصالح التحالف العربي لدعم الشرعية، فإن حجم التهديدات في مضيق باب المندب يشهد تصاعداً غير مسبوق، يهدد بشكلٍ جاد حركة التجارة العالمية، كما يهدد كلاً من عناصر الأمن الخليجي بشقيه السعودي والإماراتي، فضلاً عن تهديد حركة التجارة عبر قناة السويس لمصر، حيث يبرز التطور التكنولوجي المرتبط بالألغام البحرية كأداة فعالة في تصاعد هذا التهديد.
هذه التهديدات غير المسبوقة مرتبطة بعددٍ من العوامل منها:التمدد الإيراني عبر ثلاث عقود في البحر الأحمر، وأيضاً بالقرصنة البحرية التي برزت خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، والمترتبة على انهيار الدولة في الصومال، وطبيعة الطموح السياسي لحركة الشباب. وبطبيعة الحال يفرض تصاعد هذا التهديد عدداً من الإجراءات على الصعيدَيْن الإقليمي والعالمي.
أولاً: طبيعية التهديدات في باب المندب:
-
التهديدات العسكرية:
تصاعد حجم التهديدات على الصعيد العسكري في منطقة باب المندب منذ أكتوبر ٢٠١٧، وذلك مع استحداث الضربات الصاروخية وانتشار الألغام البحرية اللاسلكية، والتي زرعتها المليشيات الحوثية، فضلاً عن تنفيذ ضربات للقطع البحرية الخليجية بواسطة طائرة بدون طيار،حيث ألحقت صواريخ موجّهة مضادة للسفن أُطلِقَت من الساحل اليمني الخاضع لسيطرة الحوثيين أضراراً جسيمة بسفينة “سويفت” التي تشغّلها دولة الإمارات كمهبط للقوات ومركز للخدمات اللوجستية. وخلال الأسابيع التالية، قامت البحرية الأمريكية بردّ ثلاثة اعتداءات مماثلة، كما أطلقت صاروخ “توماهوك” لضرب مواقع الرادار الساحلية المسئولة عن رصدالمعلومات اللازمة لتنفيذ الهجمات([13]).
وفي هذا السياق، تم ضرب فرقاطة سعودية قبالة ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين في نهاية يناير 2018 بواسطة طائرة بدون طيار، يمكن التحكم بها عن بعد، تشبه النوع الذي يستخدمه المهربون الإيرانيون لانتشال السلع المهربة من شبه جزيرة مسندم العُمانية في مضيق هرمز، كما تتعرض السفن الحربية الأمريكية التي تعبر مضيق هرمز بشكلٍ متكرر لمضايقات من الزوارق الصغيرة التابعة لـ «القوات البحرية لفيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني”،وذلك من لنشات بحرية دون طاقم.
وفي ضوء هذه المخاطر، نصحت الحكومة الأمريكية مؤخراً بعبور مضيق المندب خلال ساعات النهار فقط، مع تزايد حجم التهديدات من الألغام البحرية اللاسلكية لكافة السفن.
-
التهديدات الاقتصادية:
يشكل باب المندب شرياناً حاسماً للاقتصاد العالمي. فهناك 52 سفينة و 4 ملايين برميلاً من النفط يمرون عبر المضيق يومياً، مما يجعله رابع أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم، والوحيد الذي يواجه سيولة أمنية تصل إلى حد الفوضى([14]). فخلال عام 2017، تعرضت سفينتان تجاريتان وخمس سفن بحرية لهجمات الألغام الانسيابية([15]) والقوارب المتفجرة والأسلحة الصغيرة في جنوب البحر الأحمر. وطبقاً لتقرير الطاقة السنوي، الصادر عن جامعة كولومبيا قبل عدة أسابيع، فإن إغلاق باب المندب كممر مائي، ولو مؤقتاً، يمكن أن يؤدي إلى زيادات كبيرة في تكاليف الطاقة الإجمالية وأسعار الطاقة العالمية([16])، حيث أن إغلاق المضيق سيمنع وصول نفط الخليج العربي إلى قناة السويس أو خط أنابيب سوميد، وتحويلها إلى الطرف الجنوبي من إفريقيا، مما يزيد من وقت العبور وتكلفته. بالإضافة إلى ذلك، لن يعود بالإمكان استمرار تدفقات النفط الأوروبي والجنوبي الإفريقي التوجه إلى الأسواق الآسيوية عبر قناة السويس وباب المندب.وطبقاً للتوقعات الاقتصادية، فإن التكاليف الإضافية للنقل البحري سوف تتزايد بمبلغ 45 مليون دولار يومياً، إضافة إلى الارتفاع في تكاليف الشحن المترتبة على زيادة مسار الناقلات بحوالي 6000 ميلاً بحرياً.
والواقع أن مضيق باب المندب يكتسب أهمية إضافية في الوقت الراهن، بسبب اعتماد مصر على الغاز الطبيعي المسال المستورد للحفاظ على إمداداتها من الكهرباء، حيث تتجه ناقلة واحدة من الغاز الطبيعي المسال إلى مصر كل أسبوع من خلال عبورها المضيق([17])، وإذا تمّت عرقلة العبور، فلن يكون أمام هذه الشحنات القدرة على الاستمرار.
-
التهديدات المرتبطة بالقرصنة البحرية:
دفعت عمليات القرصنة البحرية التي برزت خلال عامَى 2008 و2009 إلى تعزيز التواجد العسكري الدولي في البحر الأحمر، حيث فقد العرب وزنهم الأبرز فيه، وتحول البحر الأحمر إلى منظومة شبه عسكرية لحماية حركة التجارة العالمية من جهة، والمصالح الاستراتيجية للدول الكبرى، حيث تتواجد قواعد عسكرية من دول تتقاطع مصالحها مثل الولايات المتحدة والصين، إلى جانب انتشار واضح لأساطيل الدول العظمى والإقليمية، وذلك لمراقبة خليج عدن وحماية الممر المائي من عمليات القرصنة، فضلاً عن تطورات الحرب في اليمن. ولعل القاعد العسكرية الفرنسية هي الأكبر في القارة الأفريقية، وتتمركز في جيبوتي التي تقع على الجانب الغربي من مضيق باب المندب، وهي تضم 2735 عسكرياً، يتمركز منهم 1576 فرداً بشكلٍ دائم في جيبوتي، بينما يقوم 1159 آخرون بمهام قصيرة الأجل في المنطقة.
ثم تأتي القاعدة العسكرية الأمريكية “ليمونير” في جيبوتي، التي أُنشِئَت عام 2007، وهي مسئولة عن العمليات والعلاقات العسكرية مع الدول الأفريقية، وبلغ تعداد قواتها ما يقرب من 4 آلاف جندياً، وأصبحت مقراً لقوات “أفريكوم” في المنطقة، ومهمتها مراقبة المجال الجوي والبحري والبري للسودان وإريتريا والصومال وجيبوتي وكينيا واليمن. هذا إلى جانب وجود قواعد يابانية وصينية، حيث تشير وقائع الاحتفال بالذكرى الـ 49 لإنشاء الجيش الصيني مؤخراً في بكين إلى توجه صيني بعسكرة دوره حول العالم.
ثانياً: عوامل تصاعد التهديدات:
-
الدور الإيراني:
تعزز الوجود الإيراني في منطقة القرن الإفريقي بعد حرب يوليو 2006 في لبنان، احتساباً لردود الفعل الإقليمية والدولية على نتائج هذه الحرب، حيث استقر الأمر في طهران على خروج إيران من دائرتها المعتادة، والعمل على رسم خريطة جديدة لنفوذها البحرى، والخروج من الدائرة المحدودة بمياه الخليج العربى والمياه الساحلية للمحيط الهندي. وبدأت عناصر “القوات البحرية لفيلق الحرس الثوري الإسلامي” في خليج عدن في العمل منذ نوفمبر2008، عندما أَرسِلَت أول سفينة حربية لتسيير دوريات لمكافحة القرصنة رداً على استيلاء قراصنة صوماليين على سفينة شحن إيرانية([18]).
وقد تبلورت ملامح الاستراتيجية الإيرانية في البحر الأحمر عام 2009، وذلك مع انعقاد القمة الإيرانية الجيبوتية، وهى القمة التى انتهت بالتوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون المشترك، تضمنت الإعفاء من تأشيرات الدخول لمواطني البلدين، وبناء مراكز للتدريب فيما عُرِف لاحقاً بالحرس الثوري الإفريقي،بالإضافة إلى منح البنك الإيراني قروضاً للبنك المركزي الجيبوتي، وإنشاء لجنة مشتركة ومساهمة في عملية التنمية في جيبوتي([19]).
وقد تعزز الدور الإيراني في البحر الأحمر مع تزايد علاقاته مع الحوثيين في اليمن، فكان للمجهود الإيراني دور كبير في تحول الحوثيين إلى ميليشيا عسكرية مسلحة، مهددة للأمن القومي اليمني، وهو التداعي الأبرز الذي أسفر عن توجهات التحالف العربي ضد تصاعد الدور الإيراني في اليمن.
-
استمرار تأثير حركة الشباب الصومالية:
بعد فترة من الهدوء النسبي، عادت حركة الشباب المجاهدين لتطفو مجدداً على سطح الأحداث في الصومال، وذلك مع الهجمات التي وقعت خلال شهرَي أكتوبر ونوفمبر 2017، وقد كان آخرها قتل أربعة رجال بالرصاص، اتهمتهم الحركة بالتجسس في 6 نوفمبر. وتعد الهجمات التي تشنها الحركة الأكبر من نوعها منذ عام 2007، وذلك بمعيار قوة التدمير وحجم الخسائر الناجمة عنها، الأمر الذي يحمل رسائل قوية لخصوم الحركة في الداخل والخارج، حيث تشير هذه الهجمات الإرهابية إلى الرغبة في قطع الطريق أمام استكمال إدارة الرئيس محمد عبدالله فرماجو. كما تسعى حركة الشباب إلى سحب قوات الدول المشاركة في قوات أميصوم من الصومال، وهو ماأقدمت عليه بالفعل قوات سيراليون، بينما تقاوم قوات كل من كينيا وأوغندا، حيث تتمسك الحركة باعتبار “أن قوات الاتحاد الإفريقي بمثابة قوات غازية تحمي حكومة عميلة ومرتدة”، وهو مايفضي إلى الحيلولة دون نشر قوات تابعة للأمم المتحدة في الصومال، بعد انسحاب بعثة أميصوم. وبطبيعة الحال فإن مساعي حركة الشباب في تقويض المحاولات الجنينية لإنشاء مؤسسات الدولة في الصومال يشكل تهديداً واسعاً لكل دول الخليج، مع تصاعد فرص تنامي الهجمات الإرهابية في الإقليم.
ثالثاً: أدوات مواجهة التهديد:
-
على الصعيد الإقليمي:
فرضت تفاعلات الحرب اليمنيةتحولات خليجية قد طالت موقف سلطنة عمان لتكون على خط التحالف مع المملكة العربية السعودية اعتباراً من نهاية عام 2016 ([20]) ، وهو ما يعني استشعار سلطنة عُمان بعظم واقتراب الخطر الإيراني من دول المجلس، قياساً على توقعات مرتبطة بتأثير التدخل العسكري الإيراني في اليمن الآن علي دول الخليج العربي لاحقاً، وكذلك قياساً على الدور الإيراني / الروسي في الوضع السوري.وبمضاهاة الحالتين السورية واليمنية ودور إيران فيهما، فإنه من المنطقي أن تتماس خطوط المواجهة مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي التي لن تستثني إيران منها أحداً. في هذا السياق، تتحسب السعودية لتطوير إيران لدورها العسكري / الأمني في اليمن، فلجأت إلى توسيع دائرة هذه المواجهة العسكرية لتصل إلى جيبوتي، بهدف إقامة قاعدة عسكرية لها على أراضيها المواجهة لليمن على الجانب الآخر من مضيق باب المندب، للإحاطة بأي مجهود عسكري بحري مُضاد لعمليتها العسكرية باليمن. وقد أكد هذه الاتصالات وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف الذى أشار إلى “أن حكومته وافقت “مبدئياً”على إقامة قاعدة سعودية في جيبوتي، التي ترحب بالوجود العسكري السعودي على أراضيها… حيث وُضِعَت بالفعل مسودة اتفاق أمني وعسكري واستراتيجي بينهما سيُوقَّع عليه عاجلاً”( [21]).
أما على الصعيد المصري، ففي يناير ٢٠١٧، أعلنت مصر عن تشكيل مركز قيادة الأسطول الجنوبي في قاعدة سفاجا البحرية بمحافظة البحر الأحمر، ويتكون من الآتي:
– حاملة المروحيات، من طراز “ميسترال Mistral”.والعائمات السريعة (RHIB).
– اللواء الثاني مُدمّرات (الفرقاطاتFrigatesوالقرويطاتCorvettes).
– اللواء الأول لنشات (لنشات الصواريخ الهجومية).
– اللواء الثاني مرور ساحلي (لنشات الدورية والمرور الساحلي)([22]).
-
على الصعيد الدولي:
على المستوى العسكري، يبدو أنه من الضرورى العمل على تعزيز القدرات المرتبطة بمواجهة الصواريخ من الساحل اليمني، وكذلك الزوارق الصغيرة. ومن شأن تحسين منظومات الأسلحة على متن السفن والمروحيات المخصصة للاشتباك المتوسط المدى على سطح المياه أن يساعد قوات التحالف على تعزيز قدرة سفنها على مقاومة تلك التهديدات.
وفي هذا السياق، لابد من تكرار مجهود دولي لإزالة الألغام البحرية، على نحوٍ مماثل لما جرى عام 1984.على أن المجهود الأبرز يبدو عربياً بامتياز، وذلك بالعمل على تعزيز القدرات الشاملة للنظام العربي بحوامله المصرية والخليجية، وذلك في مواجهة مطامع دول الجوار الإقليمية.
الورقة الثالثة
“السيناريوهات المستقبلية لأمن البحر الأحمر”
اللواء أ.ح/ مصطفى كامل السيد([23])
مقدمة:
بعد العرض الجامع والشامل للأوراق البحثية في الجلستين الأولى والثانية، فإنه يبدو أن فرص إعداد وصياغة سيناريوهات مستقبلية لإحداث الاستقرار الأمني والسياسي في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، قد تبدو محدودة للغاية، إذ سيتوقف بنيان أي سيناريو مستقبلي على التقاء الإرادات القومية للكتل الحيوية.ويُعنَي بالكتل الحيوية، شعوب الدول المعنية، ونظمها السياسية، بما فى ذلك الأحزاب السياسية والمعارضة وقادة الرأي والإعلام، مع التركيز على مدى قدرة الأخيرين على تشكيل وتعبئة وحشد وتوجيه الرأي العام الداخلي حول السيناريو المنشود، حيث تعبر الإرادة القومية عن مدى تفاعل هذه الكتل مع السيناريو المنشود، أي مدى إدراك ورضاء ودافعية الفعل ورد الفعل وانصهارهم في بوتقة واحدة.
-
الإدراك: لجميع محتويات كلٍ من المعادلة الدولية والإقليمية والمحلية.
-
معدل الرضا: عن هذه الإدراكات.
-
دافعية الفعل: إزاء هذه الإدراكات، هل الإجراءات المطلوب اتخاذها والأدوار المطلوبة تأديتها ناتجة عن الرغبة أو القوة التي يلزم أن تتطابق مع هذه الإدراكات.
السيناريو الأول:
هو مبادرة تشارك في إعدادها وصياغتها الدول المركزية في المناطق الإقليمية الثلاث؛ مصر باعتبارها الدولة التي تربط البحرين الأحمر والمتوسط بقناة السويس، وثقلها، والسعودية باعتبارها دولة المركز في منطقة الخليج العربي، وإثيوبيا باعتبارها دولة المركز في منطقة القرن الإفريقي الكبير، وهي الدول ذات التأثير في أقاليمها الثلاثة التي تشكل كلاً واحداً، ولا غنى لأحد هذه الأقاليم عن الأخريَيْن.
ويمكن إيضاح فكرة هذه المبادرة في إيجازٍ شديد في النقاط الرئيسية التالية:
-
يمكن أن يكون موضوع المبادرة: هو الشراكة الاستراتيجية بين الجميع وللجميع.
-
أماهدف المبادرة: فهو ضمان إحداث التنمية للجميع من خلال التنسيق والتعاون والتكامل لإحداث الاستقرار.
-
أدوات تنفيذ المبادرة:
-
تأسيس وتشكيل منطقة إقليمية، تحت اسم “مجلس الشراكة الاستراتيجية لدول البحر الأحمر وشركائهم في القرن الإفريقي والخليج العربي”.
-
تأسيس منطقة حرة للتجارة والاستثمار “(FZIT) Free Zone For Investment and Trade ” تكون نموذجاً للتبادل التجاري والتعاون الاستثماري، يُشترَط ضمان نجاحها لتكون نموذجاً للحذو حذوه لتحقيق مجالات التعاون الأخرى لتحقيق أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر، وبالتالي المنطقتين الأخريَيْن.
-
ولضمان نجاح هذه المبادرة، يمكن الإعلان عن المبادئ التالية:
-
التأكيد على سيادة الدول المنضمة على أقاليمها، وعدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة.
-
التأكيد على أن هذا التجمع غير موجه ضد أحد.
-
التأكيد على أن هذا التجمع ليس بديلاً عن أي تنظيمات إقليمية قائمة.
-
اعتبار هذه المبادرة بمثابة “إعلان مبادئ”.
السيناريو الثاني:
فهو إعداد مبادرة مصرية خالصة تُقدَّم إلى قادة دول الأقاليم الثلاثة، وتكون في صورة دراسة متكاملة، توضح أهمية تأسيس وبناء استراتيجية مقترحة لتحقيق أمن واستقرار البحر الأحمر، قائمة على حقائق تتسق مع منهج المدرسة الواقعية، وتتسق مع أدبيات العلوم السياسية، حيث تؤكد الأطراف أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تأسيس وبناء استراتيجية لتحقيق استقرار وأمن منطقةٍ ما، دون الاستناد إلى حقائق للتأسيس عليها، ويُتصوَّر أن أبرز هذه الحقائق ما يلي:
الحقيقة الأولي: تشير إلى أن البحر المتوسط يمثل قلب الجزيرة المحيطة العظمى، بينما يمثل البحر الأحمر الشريان الحيوي الذي يربط هذا القلب بالعالم، إذ يربطه بالمحيطين الهادي والهندي بواسطة قناة السويس، الأمر الذي أدى إلى تعاظم الأهمية الجيواستراتيجية للمناطق المرتبطة بالبحرين والمسطحات المائية المتاخمة.
الحقيقة الثانية: هي أن مصر والسودان والأردن والسعودية واليمن تتشاطأ على سواحل البحر الأحمر الأكبر طولاً، والأكثر تأثيراً، وجميعها دول عربية، بينما تتشاطأ إسرائيل على أقلها طولاً، وأعدمها أثراً.
وتشير الحقيقة الثالثة: إلى أن ظاهرة التنافس الدولي تعد من أبرز التحولات التي طرأت على النظام الدولي الراهن، وهو ما أكده “جيمس ماتيس” وزير الدفاع الأمريكي أثناء عرضه وثيقة “استراتيجية الدفاع الوطني”، على الكونجرس في يناير 2018، إذ أعلن أن: “التنافس الدولي الاستراتيجي سيكون الحدث الأبرز والأهم، الذي ستتمحور حوله جميع الحسابات الاستراتيجية لحماية وصيانة الأمن القومي الأمريكي”.
أما الحقيقة الرابعة، وهي التي يتعيَّن أن توضع في الاعتبار: هي عدم قدرة أي دولة متشاطئة على البحر الأحمر منفردة على تحقيق “أمنه أو استقراره” مهما كانت قوتها الشاملة. وفي هذا السياق،يُشَار إلى حادثة منع الحوثيين للسفينة السعودية من المرور في مضيق باب المندب، بالرغم من تواجد هذا العدد الكثيف جداً من القواعد الأجنبية التي لم تحرك أحدها ساكناً لمجابهة هذا الحدث، وهي الإشكالية الرئيسية التي تواجه جميع دول الأقاليم الثلاثة.
وللعمل على توفير فرضية مناسبة لحل هذه الإشكالية، فقد تم إجراء دراسة بأكاديمية ناصر العسكرية للمقارنة بين مفهوم “الأمن الإقليمي” الذي يشترط ضرورة اشتراك جميع دول الإقليم لتحقيقه، ومفهوم”الأمن الجماعي” الذي لا يشترط ذلك. وبطبيعة الحال، قد لا تتسق هذه المبادرة مع جميع دول الأقاليم المعنية ربما لتعارض قيمها، وتناقض حاجات أمنها، ولذلك يُقترَح تأسيس الاستراتيجية من منظور “الأمن الجماعي”، وليس من منظور “الأمن الإقليمي”.
أما الصعوبات التي يمكن أن تواجه تأسيس وبناء الاستراتيجية المنشودة، فيشير الواقع إلى أنه بالرغم من أن استراتيجية تحقيق الأمن الجماعي لمنطقة البحر الأحمر تعتبر استراتيجية بالغة الأهمية، إلا أنها أيضاً تعتبر بالغة الدقة والتعقيد والصعوبة، إذ تكمن صعوبتها في أنها قد لا تحظى بموافقة جميع الدول، لكن الأكثر صعوبة هي أنها تتسم بكثرة التشعب، ولعله لا يكون من قبيل المبالغة القول بأنها استراتيجية تشبه إلى حدٍ كبير استراتيجية “الأمن الجماعي الأوروبي”، الذي عانى منه الاتحاد كثيراً عند تأسيسه حتى ارتقائه، لتعدد مراحلها، وصعوبة تحقيق متطلبات هذه المراحل مجتمعةمرة واحدة.
إذ تتطلب أولاً ضرورة التقاء “الإرادات السياسية” للدول المشاركة كضرورة استراتيجية ملحة كمرحلة أولى؛ فالتقاء الإرادات يقود إلى بناء مصالح متبادلة لها صفة الدوام كمرحلة ثانية، وبناء المصالح الدائمة تؤدي إلى توحد الأهداف كمرحلة ثالثة، وتوحد الأهداف يقود إلى تحقيق التنسيق والتعاون والتكامل كمرحلة أخيرة، إذ ترسخ المراحل الثلاث الأولى البعدين البنياني والسلوكي للاستراتيجية المقترحة، بينما ترسخ المرحلة الأخيرة البعد القيمي لها.
وتتطلب ثانياً ضرورة الاستفادة الكاملة من التوصيف الدقيق لمعطيات وخصائص الجغرافيا السياسية لمنطقة البحر الأحمر والمناطق اللصيقة المتاخمة، أى منطقتي “القرن الأفريقي، والخليج العربي”، ثم التحليل المنطقي لجميع عناصرها، ثم استنباط أهميتها الجيوستراتيجية، لتأسيس المصالح المتبادلة التي لها صفة الدوام.
وتتطلب ثالثاً الاستفادة الكاملة أيضاً من دراسة وتحليل المخاطر الراهنة والمحتملة التي قد تنشأ عن تفاعلات المتغيرات مختلفة المستويات، أو عن تفاعلات التوجهات الجيوبوليتيكية الجائرة للقوى المختلفة، إذ ينبغي الوضع في الاعتبار، عند تقدير موقف البيئة الأمنية الاستراتيجية لمنطقة البحر الأحمر، مدى تأثير انعكاسات هذه وتلك على المعادلات الاستراتيجية الثلاث الدولية والإقليمية والمحلية.
وتتطلب رابعاً تحديد مقدرات الوحدات السياسية التي ستشارك في تأسيس وبناء الاستراتيجية المقترحة، بكل دقة، بما يتسق مع الهدف الاستراتيجي المعلن، وهو ضمان إحداث الاستقرار الأمني والسياسي، وتحديد أدوات تحقيقه، ومتى وكيف يمكن أن يتحقق.
وتتطلب خامساً وأخيراً، وهو الأهم، أن تنبثق هذه الدراسة لتأسيس الاستراتيجية المنشودة من دورس وعبر الماضي، وتتطابق على حقائق الحاضر، وتتسق مع متطلبات الغد، بما يضمن حماية وصيانة المصالح الدائمة والمتبادلة بين الدول المشاركة في تأسيسها.
وهكذا، إنْ حظيت هذه المبادرة بهذه المبادئ بقبول معظم الدول المعنية، فيمكن البدء في تأسيس وبناء هذه الاستراتيجية بمشاركة نخب من هذه الدول، إذ ستتعاظم الأهمية الجيوستراتيجية لهذه المناطق يوماً بعد يوم، كانعكاسٍ صريح لتعاظم ظاهرتي التنافس الدولي، والتواجد الأجنبي الكثيف، وانعكاسٍ صريحٍ أيضاً لتداعيات الحرب الاقتصادية، التي يشنها القائد السياسي الأمريكي على حلفائه قبل أعدائه، والتي من المتوقع لها أن تستمر لسنين عديدة. وفي جميع الحالات، ينبغي أولاً تحقيق توزان مكانة مصر، حتى يمكنها الاستفادة من وزنها الإقليمي والدولي، بتنظيم قدرتها الاقتصادية، حتى لا تشعر أي دولة أن هذه الاستراتيجية مقترحة ومنشودة لصالح مصر فقط.
ويمكن لمصر تنظيم قدراتها الاقتصادية تلك عن طريق استغلال ميناء شرق بورسعيد المحوري الذي قد يلعب دوراً أساسياً في المشروع الصيني العملاق “الحزام والطريق”، بما يتسق مع تطور استراتيجية النقل البحري التي ستعتمد اعتماداً كبيراً على أربعة موانئ محورية، هى موانىء هونج كونج وصلالة وبورسعيد وغرب أسبانيا.
مداخلات الحضور:
– السفير/ أبو بكر حفنى- مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية:
من المفيد الإشارة إلى أن أى تحرك مصرى فى منطقة القرن الأفريقى يتطلب تعاوناً خاصاً مع كلٍ من إريتريا والسودان. ويجب أن يكون حاضراً فى الذهنية المصرية أنه من الصعب على إريتريا أن تنخرط تماماً مع إثيوبيا رغم اتفاقيات ترسيم الحدود، وذلك لسببين؛ أولاً: وجود حوالى 700 ألف لاجئاً إريترياً فى الأراضى الإثيوبية، لم يُعرَف بعد ما الإجراءات الواجب اتخاذها حيالهم. ثانياً: أن النظام فى إريتريا يسارى التوجه إلى أقصى مدى، على عكس النظام الإثيوبى الذى يود تطبيق النظام الرأسمالى المنفتح.
– أ.د./ سيد فليفل- الرئيس السابق للجنة الشئون الإفريقية بمجلس النواب وعضو البرلمان الإفريقي:
-
أشار إلى تأييده لفكرة إقامة نوع من الحوار المصرى – الإيرانى، مع إمكانية إتاحة الفرصة لعُمان – كطرف خليجى محايد ويتمتع بعلاقات طيبة مع دول المنطقة – أن تقوم بالوساطة بين الطرفين. ودعا فى هذا السياق إلى عزل الكلمات المنفرة مثل التحكم والسيطرة والنفوذ واستبدالها بمصطلحات التعاون والتفاهم والتنسيق والمشاركة… إلخ.
-
من الضرورى عدم استبعاد إريتريا من معادلة القوى فى القرن الأفريقى؛ إذ إنها دولة استطاعت أن تصمد فى وجه إثيوبيا لمدة 35 عاماً، وانتصرت فى حربها تلك، فضلاً عن أنها كانت جزءاً من ولاية الحبشة التى كانت تديرها مصر فى السابق، ومن ثم لا يمكن النظر إليها باستهزاء. ومن الجدير بالذكر أن القيادات الإريترية قد أجرت نحو 25 زيارة إلى مصر.
-
على الصعيد العالمى، لا بد من أخذ التوجهات الصينية ومشروعاتها الدولية فى الاعتبار؛ إذ إنها تمثل الحقيقة الاقتصادية العظمى فى الفترة الحالية. وعلى مصر أن تقوم بصياغة استراتيجية شاملة للتعاون مع الصين تمكِّنها من استغلال مبادرة الحزام والطريق الصينية الاستغلال الأمثل، حتى يمكنها من خلالها إثبات أهميتها فى حركة التجارة الدولية.
-
أشار إلى أن هناك مخطط أمريكى إضافى يُجرَى العمل عليه حالياً، وذلك فى ظل إعلان قطر نيتها للخروج من منظمة الدول المصدرة للبترول (OPEC)، بحجة رغبتها فى التركيز على قوتها التصديرية الخاصة بموردها الهائل من الغاز الطبيعى. ومفاد المخطط الأمريكى هو الرغبة فى إحداث نوع من التوازن مع الغاز الروسى الذى تقوم روسيا بتصديره إلى أوروبا. ودعا فى هذا السياق إلى ضرورة إقبال مصر على التعاون مع الدول الخليجية و روسيا فى مجال الطاقة، لاسيَّما وأن مصر حققت طفرات كبرى فى اكتشافاتها من حقول الغاز الطبيعى، بما يجعلها مركزاً إقليمياً متكاملاً لتلبية الخدمات المطلوبة فى هذا المجال.
-
فى سياقٍ متصل، أشار إلى أنه لا بد من تحقيق التعاون فيما بين القطاعين العام والخاص والاستعانة بالأخير فى المشروعات الكبرى داخل مصر وخارجها. وأشار فى هذا الصدد إلى أن إندونيسيا التى كان تعدادها 70 مليون فرداً قد وقعت تحت وطأة الاستعمار الهولندى عبر 2 مليون فرداً، من خلال شركة مكونة من عدة أساطيل تجارية كانت تحمل مدناً كاملة وموجودة فى الحيز الإندونيسى، الأمر الذى استغلته القيادة الهولندية لاستعمار إندونيسيا
– السيد/ محمد فريد خميس- رئيس مجلس أمناء الجامعة البريطانية في مصر:
أكَّد على الهوية الأفريقية للدولة المصرية، وإلى ضرورة حل المشكلات والقضايا القائمة فى المنطقة، ودعا إلى ضرورة الإسراع فى إنشاء خط ملاحى مصرى لنقل الصادرات المصرية إلى أفريقيا، وإلى استغلال مبادرة طريق الحرير الصينى للعب دور مصرى متميز فى هذا المجال.
– السفير/ فهمى فايد- عضو المجلس المصري للشئون الخارجية:
أكَّد على أن فكرة تحالف الشرق الأوسط يرمى إلى إقحام إسرائيل للعب دور الشريك بدلاً من دور العدو، وذلك على عكس ما كان سابقاً. وأوضح أن فكرة الصراع مع إيران ليس صراعاً دينياً، وإنما صراع قوميات؛ عرب وفرس، وهذا يمكن احتواؤه بسهولة، بعيداً عن فكرة إنشاء تحالف عسكرى خاص لمواجهته. ورغم ذلك لا يمكن التقليل من محاولات إيران لبث نفوذها فى المنطقة؛ إذ يمكنها ان تشكل تهديداً رئيسياً لمضيقَى هرمز وباب المندب، حتى أن الإمارات قد أدركت ذلك، فأسرعت إلى إنشاء ميناء الفجيرة بدلاً من أبو ظبى الذى يقع قبل مضيق هرمز لئلا تتأثر صادراتها النفطية بتهديدات إيران، كما تم عمل وصلات من العراق للسعودية لميناء الفجيرة.
– السفير/ محمد الشاذلى- عضو المجلس المصري للشئون الخارجية:
أشار إلى أن مصر كانت تملك فى ثلاثينات القرن الماضى مجموعة بحثية، أُطلِق عليها “المباحث” قامت بمسح البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربى حتى الهند. وفى عام 2016، دخلت سفينتا أبحاث إيرانية وإسرائيلية فى البحر الأحمر، واختفى الدور البحثى المصرى تماماً، رغم وجود الأسطول المصرى فى جنوب البحر. ودعا فى هذا السياق إلى ضرورة استعادة الدور البحثى المصري مرة أخرى، بما فيه من زيارات المجاملات والعروض الموسيقية التى كانت تحملها الأساطيل المصرية فى السابق فى منطقة القرن الأفريقى.
من جهةٍ أخرى، لابد من البناء على الفرص التى توفرها مبادرة الحزام والطريق الصينية.
– السفير د./ محمد بدر الدين زايد- عضو المجلس المصري للشئون الخارجية:
أكَّد على ضرورة وجود رؤية إدراكية وصياغة محددة واضحة للأولويات والأهداف التى ترغب مصر فى تحقيقها فى ظل الأوضاع القائمة. وأكَّد كذلك على عدم وجود قوة واحدة مسيطرة على زمام الأمور فى المنطقة أو فى البحر الأحمر.
أشار على وجه الخصوص إلى أن مشكلة السياسة الخارجية المصرية ليست مسئولية وزارة الخارجية ولا مسئولية رجال الأعمال، وإنما هى مسئولية الدولة المصرية، بما يتبع ذلك من غموض فى الدور والأولويات. وفى هذا الصدد، يجب على الدولة إظهار التعاون مع أفريقيا كأولوية فى سياستها الخارجية، وإشراك كافة الجهات المعنية على المستويين المدنى والرسمى للعب دور فى هذا الشأن.
إن مسألة الدور لا تتعلق بالقوة العسكرية فقط أو القوة الاقتصادية فقط، وإنما هى قضية متراكمة لكل أبعاد القوى الصلبة والناعمة المتاحة للدولة، ويُشَار هنا إلى أن مصر كانت تلعب دوراً وهى محتلة من اليونان الإغريق، كما أنها شاركت فى صياغة ميثاق الأمم المتحدة، رغم خضوعها الفعلى للاحتلال الإنجليزى آنذاك. وبالتالى، فلابد من التحرر من توازنات القوى الراهنة والبحث عن استراتيجية شاملة تمكِّن من تحقيق المصالح المصرية بشكلٍ متميز، وعلى كافة المستويات والمجالات. وأشار بصفةٍ خاصة إلى أن هناك فرصة جيدة للتحرك المصرى فى السودان رغم المشكلات المتعلقة بالنظام السياسى هناك.
الجلسة الختامية: التوصيات
احتوت هذه الجلسة بشكلٍ مجمل على التوصيات العامة التى أشارت إليها الأوراق المطروحة ومداولات المناقشات، وصدرت فى شكل البيان التالى:
مقدمة:
اجتمعت مجموعة متميزة من الباحثين المتخصصين لدراسة تطورات الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي وبحث قضية أمن البحر الأحمر.
-
وقد رصدت الندوة أهم التطورات الأخيرة بالمنطقة، و أهمها تولي آبي أحمد السلطة في أثيوبيا بادئاً إدارة جديدة تحظى برضا الأغلبية الأثيوبية من قومية الأورومو، وتوديعها لأبعد مدى عهد هيمنة قومية أقلية التيجراي ومن قبلها قومية الأمهرة.
-
كما رصدت الندوة ظاهرة انتشار الوجود الأجنبي بالبحر الأحمر، لا سيما للقوى الكبرى: الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والصين، والقوى الاقليمية: تركيا وإيران وإسرائيل إلى الحد الذي صارت القواعد العسكرية لبعض هذه القوى متجاورة ومتعايشة، على اختلاف أهداف كل منها، متبنية حججاً مثل انتشار القرصنة البحرية، وضبط الهجرة غير الشرعية، و مجابهة عمليات التلغيم البحري التي اتهمت الميليشيات الشعبية الحوثية باقترافها بمعونة إيرانية إلى حد مطالبة الولايات المتحدة الدول بمنع سفنها من الإبحار ليلا ً مخافة الاصطدام بهذه الألغام.
-
ولاحظت الندوة أن دول الخليج اقتحمت المجال مؤخراً بمشروعات موانئ، واحتمال إنشاء جسر النور بين مينائي النور اليمني والنور الجيبوتي (السعودية)، وحققت كل من قطر والإمارات وجوداً ملحوظاً في موانئ جيبوتي وإريتريا والصومال.
-
كما لاحظت الندوة استمرار وجود القوات “الإفريقية” بالصومال دون جدوى حقيقية لا في استعادة الدولة المركزية، ولا في إعادة بناء الجيش الصومالي، ولا في إنهاء وجود جماعة (الشباب المجاهد الصومالية).
-
كما رصدت الندوة تعمد بعض أجهزة الاتحاد الأفريقي أن تكون حلول المشكلات القائمة بالمنطقة سواء في الصومال أو السودان – دارفور؛ أو مشاكل الحدود الإريترية مع كل من إثيوبيا وجيبوتي، أو جنوب السودان، داخل إطار معين تُستبعَد منه مصر، مع أنه دُعِيَت له دول مثل قطر والإمارات كما اقتحمته دول إقليمية مثل إسرائيل وإيران وتركيا دون استئذان من أحد.
-
ولاحظت الندوة أيضاً الجهود التي بدأت تبذلها مؤخراً كل من مصر والسعودية والإمارات للوجود في البحر الأحمر وبحث سبل دعم الأمن فيه.
وإذ تثق الندوة باستحالة قيام قوة بمفردها بالعمل من أجل أمن البحر الأحمر، كذلك وإذ تثق في مدى الترابط الاستراتيجي بين مناطق الخليج العربي ومضيق باب المندب والبحر الأحمر والقرن الأفريقي وحوض النيل، فإن الندوة قد توصلت إلى التوصيات التالية:
-
الدعوة إلى “مبادرة مشتركة في الإطارين العربي والأفريقي” تنضوي تحت لواء الجامعة العربية والاتحاد الافريقي لضمان أمن البحر الأحمر. وفي هذا السياق، يمكن لمصر طرح هذه المبادرة خلال رئاستها الاتحاد لعام 2019.
-
وتطالب الندوة – بالنظر إلى مؤتمر أمن البحر الأحمر الذي عُقِدَ مؤخراً بالسعودية فى 17 ديسمبر 2018، والذي لم تشارك فيه إريتريا، بضرورة أخذ البعد الأفريقي لأمن البحر الأحمر في الاعتبار.
-
كما تطالب الندوة ببناء مبادرة متكاملة إقليمية، لا تعتمد فقط مسألة تأمين البحر الأحمر ضد التدخلات الأجنبية والإرهابية والهجرات غير الشرعية، بل تقوم بالأساس على تكامل إقليمي ذي توجه تنموي، يصل بين ساحلي البحر الأحمر بعلاقات وثيقة استناداً إلى خلفية تاريخية راسخة، ومصالح قائمة، وأعداد وفيرة من أبناء القرن الافريقي يعملون ويتعلمون بالدول العربية، وتطالب الندوة باعتبار دول الساحل الغربي – العربية/الافريقية مثل مصر والسودان وجيبوتي والصومال نافذة أساسية لبرامج الدعم العربي والاستثمار المشترك، وذلك مع تجنب إثارة مشاعر وحساسيات كل من إريتريا وإثيوبيا وجنوب السودان، حرصاً على عدم تصوير الأمر كما لو كان اصطفافاً عربياً في مواجهة مع الأفارقة.
-
وتطالب الندوة الدولة المصرية بأخذ القيادة الشابة في إثيوبيا مأخذ التدقيق، والتجاوب السريع مع مبادراتها ووتيرتها المتسارعة في دول الجوار.
-
كما تطالب الندوة الدولة المصرية بدراسة السيناريوهات المحتملة في المستقبل القريب للدول التى طال أمد بقاء قياداتها وتقدم العمر بها، سواء موسيفني في أوغندا أو أسياس أفورقي في إريتريا، أو البشير في السودان، أو إسماعيل عمر جيلة في جيبوتي، والإستعدادلإحتمالات الخلافة وطبيعتها وماَلات الأمور الداخلية وانعكاساتها حال ذلك.
-
كما تطالب الندوة بأن تكون المبادرة العربية الإفريقية لأمن البحر الأحمر شاملة حلولا ًعملية متفق عليها لرغبة الدول الحبيسة في القرن الأفريقي وحوض النيل في الوصول إلى الموانئ البحرية، وذلك مثلما هو حال أوغندا وأثيوبيا وجنوب السودان، وأن تتضمن المبادرات الدعوة الي تجمع إقليمي يقوم علي بنية أساسية قوية لنقل صادرات وواردات هذه الدول إلى تلك بخبرات ذاتية عربية إفريقية.
-
إن هذا التصور فضلا ًعن أنه سيؤدي لتحقيق تكامل اقتصادي وأمن استراتيجي سيفتح الباب لحل كثير من القضايا العالقة في مياه النيل، ويخفف التناقضات الصراعية الداخلية بدول مثل إثيوبيا وجنوب السودان والسودان.
-
ومن شأن التجمع الإقليمي المنشود أيضا ً أن يساعد على إعادة الدولة الصومالية للوجود عبر بعث جيشها الوطني وإنهاض اقتصادها المتعثر.
-
وتستطيع الدولة المصرية طرح ميناء شرق بورسعيد كنقطة جذب اقتصادي لدول البحر الأحمر، بينما أن الضرورة تتطلب سرعة تكوين الأسطول الجنوبي المصري، و تكريس قدراته على نقل تجارة دول المنطقة، برؤية تقوم على الاعتماد المتبادل في مجال الأمن الغذائي بما يكفل توفير احتياجاتنا من المواد الغذائية (الحبوب واللحوم) بصفة خاصة من هذه الأسواق القريبة وليس من أستراليا وكندا والأرجنتين وهي دول مالت لفتح سفاراتها بالقدس وسيكون هذا التطور إجراءً عقابيا ً غير مباشر و لا معلن عنه.
-
ولما كانت إثيوبيا لم تتنازل عن أسطولها رغم استقلال إريتريا كما صرح آبي أحمد بأهمية حصول بلاده على موانئ بالصومال، فإن استمرار الدعم لكل من الصومال وإريتريا يعد مطلباً استراتيجيا ً ملحاً، كما أن متابعة اهتمام إثيوبيا بكل من أسطولها البحري والجوي ودورهما في النقل رغم كونها دولة داخلية يفرض على مصر المسارعة إلى دراسة وضع أسطوليها ورحلاتهما والتخطيط للوجود الفاعل في مسألة التجارة الدولية ودعم لوجيستيات الشحن ومواقعها.
-
وحيث قد قامت عدة وفود حكومية وخاصة من مصر بزيارات لإريتريا وجيبوتي والصومال وجنوب السودان وقدمت وعوداً بمشروعات واستثمارات لم تظهر مؤشراتها حتى الآن، فإن الندوة توصي بسرعة التنسيق في هذا الصدد، ودفع مؤسسات الدولة وبعض رجال الأعمال بالوفاء بوعودهم وسرعة تقديم الدعم لهذه الدول، و للجيش الصومالي، وإنعاش المدن الكبرى بمشروعات مياه وطاقة ومدارس عامة وأزهرية وكذا الحال مع جيبوتي و يمكن في هذا الصدد التنسيق مع دول الخليج.
-
إن الأمن المنشود في البحر الأحمر في الإطارين العربي والأفريقي يقوم تلبية لمتطلبات الأمن المصري ويفتح المجال للدولة المصرية ورجال الأعمال للولوج إلى أسواق الدول الشقيقة ويخفف عن كاهل مصر أموالاً طائلة من الممكن أن تتيحها برامج تنموية حقيقية للاعتماد المتبادل، وتعيد لمصر دورها العربي والإفريقي معاً.
-
ويستدعي الأمر التوسع في برامج التدريب العسكري والأمني المشترك وكذا الدعم الفني في المجالات كافة، وفتح الجامعات الحكومية والخاصة للدارسين وتأسيس مراكز متقدمة للعلاج ولمكافحة الجراد والأوبئة والحجر الصحي كبنى أساسية مطلوبة، جنباً إلى جنب مع المساهمة في توفير لوجيستيات النقل بموانئ البحر الأحمر.
-
وتوصي الندوة بمتابعة دقيقة لجزر البحر الأحمر، والمناطق المؤثرة على الملاحة من المواقع الحاكمة و الموانئ القريبة، وإعداد خريطة تفصيلية للوجود الأجنبي والمراقبة الدائمة للتحركات، ودراسة صلة ذلك كله بالملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس.
-
كما توصي الندوة بترتيب زيارات منتظمة للموانئ على الساحلين، ووجود بعض قطع الإنقاذ البحري، وتنسيق قوات للتدخل السريع، ومراعاة أخذ زمام المبادرة، وعدم ترك الأمور للمصادفة تحسباً لأي تطور، وهذا في حد ذاته يزيد الثقة فينا وفي سلامة نوايا مسئولينا وقدرتنا على تقديم المعونة متى طلبت ويفتح الباب أمام فكرة تأسيس المجتمع الإقليمي المنشود.
-
على أن الحكمة تقتضي أيضاً دراسة مشروعات الدول الكبرى والإقليمية بالمنطقة، ومدى ما هو مطلوب من تنسيق مع المفيد منها وتجنب مخاطر غير المفيد، وفي الصدارة من ذلك دراسة مشروع (الحزام والطريق الصيني) وسياسة السعودية لمد جسر عبر جزيرتي تيران وصنافير شمالاً ومينائي النور باليمن وجيبوتي وكيفية التفاعل معهما مستقبلاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ