رئيس المجلس
يونيو 28, 2019زيارة وفد مركز الصين لدراسات العالم المعاصر (CCCWS) للمجلس المصرى للشئون الخارجية
يوليو 2, 2019
من الطبيعى أن تستحوذ مسألة الصعود الصينى على الاهتمام الأكبر للخبراء والمحللين فى مختلف دول العالم، لاسيما فى الغرب، خاصة فى ضوء تداعيات ذلك على مستقبل النظام الدولى الراهن الذى أرسته وهيمنت عليه الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وتكمن مشكلة الصين مع العالم الغربى فى حقيقة أن الدولة الصينية هى القوة الدافعة والراعية للصعود الصينى استناداً إلى إرث تاريخى طويل يقوم على المكانة المركزية للدولة والتى لا ينازعها فيها أحد، ويتناقض نموذج التنمية الذى اعتمدته بكين مع قواعد النظام الدولى القائم، خاصة فيما يتعلق بتطبيق قواعد الديمقراطية والتعددية السياسية وحرية السوق. ومع ذلك من المهم الإشارة إلى أن الصين لا تسعى إلى تقويض النظام القائم، لأن معجزتها الاقتصادية تحققت فى إطاره، كما أنها مستفيدة من استمراره وتدافع بقوة عن بعض قواعده مثل مبادئ سيادة الدول وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية وحرية التجارة. فى المقابل لا يبدو أن لدى الصين أى نية فى الالتزام بأى قواعد تتعارض مع رؤيتها ومصالحها. وكثيراً ما تمنى الغرب أن يؤدى تبنى الصين اقتصاد السوق وتكوين طبقة وسطى متعلمة لديها تراكم من الثروة إلى دفع المواطن الصينى تلقائياً إلى المطالبة بحقوق سياسية أوسع، وصولاً إلى نظام حكم ديمقراطى بالمعايير الغربية، إلا أن ذلك لم يحدث أخذاً فى الاعتبار تاريخ الصين المؤسسى وخصائصها الحضارية والثقافية.
واليوم يتحدث خبراء ومحللون مرموقون، من الصين والغرب على السواء، عن عودة النظام الدولى إلى الثنائية القطبية، الولايات المتحدة والصين، استناداً إلى عاملين رئيسيين:
الأول تقلص الفجوة فى ميزان القوة بين الولايات المتحدة والصين إلى حد كبير خلال العقدين الماضيين، حيث باتت نسبة إجمالى الناتج المحلى للصين حوالى 70% من نظيره الأمريكى، وهو ما يختلف كثيراً عن أوائل التسعينيات، عندما كان هذا الأخير أكبر من نظيره الصينى بمقدار خمس عشرة مرة. كما يبلغ الإنفاق العسكرى الأمريكى اليوم حوالى من اثنين إلى ثلاثة أضعاف إنفاق الصين، وهو ما كان عشرة أضعاف عام 2000.
أما العامل الثانى فيتمثل فى أنه لا توجد دول أخرى تمتلك إجمالى عناصر قوة الصين. وعلى سبيل المثال، ووفقاً لتقارير صندوق النقد الدولى عام 2018 كان الناتج المحلى للصين عشرة أضعاف نظيره الروسى، وخمسة أضعاف الهندى، وأربعة أضعاف الفرنسى أو البريطانى، وثلاثة أضعاف كل من اليابانى والألمانى.
وفى الوقت الذى تسعى فيه الصين بكل ما لديها من أوراق لإطالة أمد هذه المرحلة من التعايش مع قوى ومؤسسات النظام الدولى الراهن، لم يعد بإمكان الولايات المتحدة التى لاتزال المهيمنة على هذا النظام الوقوف موقف المتفرج، حيث بدأ الصدام على كافة الأصعدة الاقتصادية والتجارية، وامتد ليشمل الأمن والدفاع مع تزايد اهتمام الناتو بالتحرك لمواجهة صعود الصين، على النحو الذى اقترحه أمين عام الحلف فى مؤتمر ميونخ للأمن يناير الماضى، وتأكد مجدداً فى واشنطن فيما بعد فى لقاء ضم مسؤولين أمريكيين وألمانًا وهو ما يتسق تماماً مع الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء الصين.
وبدا الصدام أكثر وضوحاً فيما يتعلق بالتجارة، فقد وقّع الرئيس الأمريكى أمراً فى 15 مايو الماضى يحظر التعامل مع شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأمريكية بدون الحصول على ترخيص بذلك من وزارة التجارة، مستهدفاً بذلك شركة هواوى الصينية العملاقة، حيث أدرجت وزارة التجارة الأمريكية الشركة و70 شركة تابعة لها على قائمة الشركات المحظور عليها شراء مكونات من الشركات الأمريكية دون موافقة الحكومة، ومنح مهلة 90 يوماً سيتم بعدها فرض حظر التعامل مع هواوى لتفادى حدوث أزمات فى إنتاج شبكات المحمول التى تستخدم منتجات الشركة.
وكان قد سبق أمر الحظر قرار أمريكى بفرض تعريفات جمركية تراوحت ما بين 5 و25% على واردات سلعية من الصين بقيمة 200 مليار دولار استمراراً لموجة سابقة بدأتها إدارة ترامب منذ مارس 2018 حتى الآن، وحثت حلفاءها على دعمها فى حربها التجارية ضد الصين، الأمر الذى استجاب له البعض بينما لم يلتفت إليه البعض الآخر.