في إطار احتفالات مكتبة مصر العامة بانتصارات أكتوبر المجيد، حرص السفير عبد الرءوف الريدي رئيس مجلس إدارة مكتبة مصر العامة على لقاء جمهور وأصدقاء المكتبة حيث تحدث عن بطولات مدينة السويس بمناسبة عيدها القومي، وعقب الحديث عرض فيلم الممر .
وأعرب السفير الريدي خلال كلمته عن تقديره لمدينة السويس “مدينة البطولة والتضحية” مؤكدا أنه لا توجد مدينة في مصر قدمت من التضحيات وأظهرت من البطولات في معارك وأحداث كان لها أثرها في تاريخ مصر الحديث مثلما قدمت السويس، بحيث أصبحت هي المدينة الوحيدة التي لها عيد وطني من أعياد مصر وإن لم تعطل فيه المصالح الحكومية ويذكر به المقاومة الشعبية كجزء من اسم عيد مدينة السويس.. 24 أكتوبر “عيد مدينة السويس والمقاومة الشعبية”.
وتحدث عن شريط ذكريات وحقبة من الزمن تمتد لاثنين وعشرين عاما تبدأ من أكتوبر 1951 وتنتهي في أكتوبر 1973 حيث كان شاهدا على الأحداث ومشاهدا على ما قدمته السويس وأثره على مجمل المسيرة الوطنية.. حيث شهدت هذه الأعوام أحداثا مهمة وعارمة في تاريخ مصر، وقد لخصها في ثلاثة مشاهد:
المشهد الأول: موقعة كفر عبده 8 ديسمبر 1951
اجتمع البرلمان المصري بمجلسيه (النواب والشيوخ) مساء يوم 8 أكتوبر 1951، حيث ألقى مصطفى باشا النحاس رئيس الوزراء بيانا مستفيضًا أعلن فيه قطع المفاوضات السياسية التي كانت قائمة مع الحكومة البريطانية بعد أن بين عدم جدواها وتم إعلان إلغاء معاهدة 1936 التي كانت توصف بمعاهدة الصداقة والتحالف والتي كانت الأساس القانوني لوجود القوات البريطانية في منطقة السويس، وقد أدى إلغاء المعاهدة هذه القوات إلى تحول القوات البريطانية من قوات حليفة إلى قوات معادية.. واشتعلت المقاومة في السويس والإسماعيلية وأصبح الجنود البريطانية في القنال أهدافا للمقاومة الشعبية وبدأت عمليات الترهيب البريطانيين في السويس اعتبارا من يوم 3 ديسمبر وتصاعدت إلى الحدث الهام وهو يوم 8 ديسمبر 1951 موقعة كفر أحمد عبده والتي حسبما ذكر المؤرخ العظيم عبد الرحمن الرافعي لم تكن موقعة بل كانت جريمة وحشية من قبل القوات البريطانية حيث تم إبادة كفر عبده تماما.
المشهد الثاني: السويس في أعقاب العدوان – عدوان 1967
أرى أن عام 67 بضرب المدمرة إيلات وإغراقها يوم 20 أكتوبر 1967 حيث كنت في نيويورك مع وزير الخارجية المرحوم محمود رياض؛ حيث ألقى بيانه في الجمعية العامة يوم 29 سبتمبر 1967 حيث كان هذا البيان من أصعب من كتبت طوال فترة عملي مع محمود رياض كوزير للخارجية، وقد بدأ محمود رياض مفاوضات مضنية للتوصل إلى مشروع قرار يصدر من مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة استمرت هذه المفاوضات حتى جاء يوم 20 أكتوبر وتدمير أو إغراق المدمرة إيلات وكما توقعنا جميعا لم يتأخر الرد كثيرا من جانب إسرائيل فبعدها بأربعة أيام أي يوم 24 أكتوبر 67 فتحت القوات الإسرائيلية نيران مدفعيتها وطيرانها على مدينة السويس وكان أهم ما دمرته هي منطقة “الزيتية” معامل تكرير البترول وبدأت الدول الكبرى في التشاور لإيجاد إطار للحل السلمي فكان القرار 242 الصادر في 22 نوفمبر 1967 والذي أصبح منذ صدوره حجر الزاوية في كل جهود السلام حتى الآن.
المشهد الثالث: ملحمة السويس 24 أكتوبر والمقاومة الشعبية لمدينة السويس
في هذه الأيام وبعد وقوع الثغرة بعدة أيام وتعاظم ما أداه الجسر الجوي الذي أقامته الولايات المتحدة ليخدم إسرائيل بعد أن ذهبت جولدامائير للرئيس نيكسون وحسبما ذكر لي ولصديقي رشدي عبد القادر عندما ذهبنا للقائه بعد أن استقال من منصب الرئيس وأصبح له مكتب متواضع في مدينة نيويورك.. جاءت جولدا تبكي وطلبت منه إنقاذ إسرائيل فكان تكثيف المساعدة العسكرية لإسرائيل وهو ما كان له أثره في سير القتال. كان هناك لاعبين رئيسين يديران حركة الأحداث هما محمد أنور السادات وهنري كيسنجر.
كان الرئيس السادات هو الذي يدفع الحركة السياسية على مستوى القمة مع كل من القوتين الأعظم… الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي…
وقرر الرئيس السادات في ضوء تطورات القتال على الجبهة قبول وقف إطلاق النار وهو ما أدى بكل من القوتين الأعظم إلى الاتفاق على خطة عمل مشتركة تبلورت في صدور قرار مجلس الأمن رقم 338 الذي صدر يوم 21 أكتوبر ولم يتوقف الإسرائيليون عن إطلاق النار وقد وصف حافظ إسماعيل في كتابه أمن مصر القومي بأنه الكلمات تعجز عن وصف القتال بين المدرعات والعربات المدرعة من ناحية والرجال والأطفال المسلحين بالإيمان والحماس بأسلحة خفيفة لا ترقى إلى تسليح الوحدات المهاجمة في قتال امتد في الشوارع وبين المباني وفي داخلها وأمام حجم الخسائر في الأفراد والمعدات وربما الأهم من ذلك في ضوء الإنهاك الذي كان قد وصلت إليه القوات المهاجمة في مواجهة شراسة القتال والإصرار من جانب المقاومة من أهل السويس وبعض أفراد القوات المسلحة وأفراد من الشرطة قرر الجنرال آدن أن يفض الاشتباك قبيل غروب شمس 24 أكتوبر… كانت معركة السويس نقطة تحول بلا أدنى شك.
ووجه السفير في نهاية عرضه التحية لشعب السويس العريق المثقف، مشيرا إلى أنه تم تخصيص أرض بالسويس لبناء مكتبة عليها تتبع منظومة مكتبات مصر العامة، وبانتظار المخصصات المالية والتمويل من الدولة لإنشاء هذا الصرح الثقافي الذي يستحقه أهل السويس ويليق بهذا الشعب العريق، حضر اللقاء السفير محسن العيني، رئيس وزراء اليمن سابقا وكوكبة من السفراء والمفكرين ورجال الإعلام، كما حضر اللقاء السفير رضا الطايفي مدير صندوق مكتبات مصر العامة والأستاذ رياض رضوان مدير المكتبة.
نشرت بجريدة الاهرام بتاريخ 31 أكتوبر 2019 و رابط دائم :
http://gate.ahram.org.eg/News/2319819.aspx