تقرير السفير/ منير زهران حول منتدى عمَّان النووى (6 – 7 نوفمبر 2019)
نوفمبر 7, 2019زيارة أعضاء المجلس لهيئة قناة السويس في الذكرى الـ 150 على افتتاحها للملاحة العالمية
نوفمبر 17, 2019
فى عام 1992، استخدم الكاتب المسرحي الصربي الأمريكي «ستيف تيتش»، ولأول مرة بمضمونه المعاصر، مصطلح «ما بعد الحقيقة Post-Truth». وبعد ذلك بنحو ربع قرن (2016) شاع استخدام المصطلح إلى حد اختياره من جانب قاموس أكسفورد الشهير كـ «كلمة العام»، معرّفًا إياه بأنه يشير إلى الظروف التي تكون فيها الحقائق الموضوعية قليلة التأثير أو حتى عديمة الأهمية فى تشكيل الرأي العام.
والواقع أن العقود القليلة الماضية شهدت تغيرًا كبيرًا فى طبيعة الحرب، من تقليدية بين قوات مسلحة إلى حرب معلومات تواجه فيها الدول القومية عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ليس فقط جماعات مسلحة إرهابية، بل أيضًا جماعات أخرى غير مرئية تستهدف صميم القيم الأساسية للمجتمع وثقافته ومقومات أمنه واستقراره. والمستهدف من مثل هذا النوع من الحروب هو الرأي العام بالأساس، بحيث يتم تجريد المواطن من معانى هذه القيم، ويبدو المجتمع كساحة معركة فى استراتيجية حرب بالوكالة تسمح لدول وأطراف ثالثة بتسوية حساباتها مع الدولة أو الشعب المستهدف دون مواجهة مباشرة، بما يرتبه ذلك من خسائر فادحة بشرية واقتصادية، وصولًا إلى إضعاف مقومات الدولة واستنزافها من خلال إجبارها على العمل على جبهات متعددة فى آنٍ واحدٍ.
وفى هذا السياق، تغيرت معايير قوة الدولة اليوم لتصبح تكنولوجيا المعلومات بمثابة المعيار الحاسم لهذه القوة، وبات استخدام هذه المعلومات اليوم بمثابة أداة حتمية بتداعيات بعيدة المدى، خاصة أن ذلك الاستخدام لم يعد حكرًا على الدول فقط، بل أيضًا الكيانات من غير الدول. وفى ضوء قابلية هذه المعلومات لرسم وتشكيل وجهات نظر وآراء مختلفة، إيجابية وسلبية على السواء، انتبهت الحكومات إلى هذا النوع من الحرب وإلى أهمية التصدي للنتائج السلبية الناجمة عن ثورة المعلومات، خاصة مع الصعود الرهيب فى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وهكذا أصبحنا- نحن المواطنين العاديين- جنودًا جددًا فى حرب غير محدودة يسيطر فيها التدفق الهائل للمعلومات من مصادرها المختلفة على قناعاتنا، ويبنى الكثيرون منّا نظام معتقداتهم وفقًا للطريقة التى ينظرون بها إلى هذا الواقع الافتراضى، حيث يتم قول كل شىء وفعل أى شىء.
فى السياق عاليه، استضافت مدينة سانت بترسبورج، العاصمة الثقافية لروسيا الاتحادية، منتدى دوليًّا نظمته مجموعة الرؤية الاستراتيجية «روسيا- العالم الإسلامي» للصحفيين والمدونين والخبراء الدوليين وكبار المسؤولين فى مجال المعلومات من روسيا و20 دولة إسلامية، منها مصر. وقد تناولت أعمال المنتدى قضايا مثل: تأثير وسائل الإعلام على الرأى العام وعلى رسم الأجندة الدولية، وفى هذا الصدد، تمت الإشارة إلى أمثلة عديدة، منها: المعلومات المضللة التى ساقتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا حول امتلاك العراق أسلحة دمار شامل لتبرير غزوها عام 2003، وما ترتب على ذلك من مآسٍ يعانى الشعب العراقي منها حتى الآن، كما أشير إلى محاولات حكومة نتنياهو إجهاض التوصل إلى الاتفاق الذى وقع بين مجموعة الـ5+1 وإيران عام 2015، من خلال استخدام معلومات مضللة تشير إلى امتلاك طهران بالفعل قدرات نووية للاستخدام العسكري لتبرير شن حرب عليها.
وتناول المنتدى أيضًا الحروب الإعلامية والنفسية وتأثيرها على الرأي العام، والأخبار المزيفة وما تشمله من مفاهيم والفروق بينها، بما فيها تلك التي تستند إلى حقيقة ولكنها تستخدم بقصد الإضرار بشخص أو بلدٍ ما، فضلًا عن التحديات التي يثيرها انتشار هذه الأخبار المزيفة، حيث تقع مسؤولية التحقق منها على عاتق المتلقي، الذى قد يكون شخصًا ليس لديه الوقت أو الطاقة أو الإمكانيات للقيام بذلك. ويرتبط انتشار تلك الأخبار المزيفة بتآكل ثقة الجمهور فى المصادر التقليدية للأخبار، مما يخلق فراغًا تملؤه المعلومات المضللة.
كذلك تم تناول إشكالية كيفية التوفيق بين حرية الصحافة وحرية التعبير من ناحية، ومقتضيات حماية الدولة وأمنها القومي والحفاظ على استقرارها من ناحية أخرى. وفى هذا السياق، تم التعرض للمشكلات والتحديات المرتبطة بالأمن السيبرانى وما يواجهه من تهديدات وكيفية الحفاظ عليه من خلال التصدي للانتهاكات المتزايدة للبيانات والهجمات الإلكترونية ضد الشركات والحكومات والمستخدمين. وفى هذا الصدد، هناك من يطالب بأن يكون الأمن السيبرانى حقًا من حقوق الإنسان. أيضًا تم تناول التحدي الذى يفرضه الذكاء الاصطناعي، خاصة فى ضوء تطوير وسائل جديدة فى هذا المجال يتم بواسطتها تلفيق فيديو وصوت مركب بصورة كاملة، ما يعنى إنتاج مقاطع فيديو مزيفة تستهدف تضليل الرأي العام.
وقد كشفت أعمال المنتدى عن امتلاك بعض الدول نظمًا لكشف الأخبار المزيفة والحد من تداولها، رغم صعوبة مهمة كهذه. وأكد المشاركون الحاجة إلى التصدي لظاهرة انتشار المعلومات المضللة وحث وسائل الإعلام على الاسترشاد بمبادئ وأصول المهنة الصحفية، والأهمية القصوى لأمن المعلومات وتطوير الإطار التنظيمي فى هذا الشأن، خاصة أن هناك العديد من الأخبار المزيفة المتداولة على نطاق واسع تهدد فى حالات كثيرة استقرار الدول وأمنها القومي، وهو ما يفرض تبنى تدابير لتقييد انتشار هذه الأخبار، ولاسيما أنه وفقًا لدراسات دولية عديدة، زاد تفاعل المستخدمين مع المعلومات المزيفة على نحو مطرد على الـ«فيسبوك» وعلى «تويتر» والمنصات الأخرى منذ أواخر عام 2016 وحتى الآن.
نشرت بجريدة المصري اليوم بتاريخ 10 نوفمبر 2019، و رابط دائم ،
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1442148