
لقاء مع معهد جنوب إفريقيا للشئون الدولية
نوفمبر 18, 2019
إعلان الإدارة الأمريكية يوم 18 نوفمبر 2019 عن الاعتراف بمشروعية المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية
نوفمبر 20, 2019بتاريخ 18 ديسمبر 2019، بمقر المجلس، ألقى السفير/د. منير زهران- رئيس المجلس، محاضرة بعنوان “ نظرات على قناة السويس من الزوايا التاريخية والسياسية والقانونية والإقتصادية” حضرها عددُ من الأعضاء وغير الأعضاء، وفيما يلي نص كلمته:
-
احتفلنا في 17 نوفمبر 2019 بالعيد المائة والخمسين لافتتاح قناة السويس للملاحة الدولية في 17 نوفمبر 1869، وقد شارك المجلس المصري للشئون الخارجية في هذا الاحتفال بوفد من أعضائه في حضور الدكتور/ خالد عناني- وزير الآثار، حيث ألقى رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع بياناً ضافياً بهذه المناسبة، كما ألقى السفير الفرنسي كلمة وكذلك رئيس جمعية أصدقاء ديلسبس. ويهمنا بهذه المناسبة أن نسترجع بالذاكرة الظروف التي تمت لإنشاء القناة منذ بداية القرن التاسع عشر وتأسيس الشركة العالمية لقناة السويس البحرية والبدء في حفر القناة في إطار فرمانات تأسيسها ثم افتتاحها للملاحة الدولية يوم 17/11/1869 بمشاركة أوجينى قرينة نابليون الثالث امبراطور فرنسا . وقد تعرضت القناة مرتين للإغلاق: الأولى بعد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 وأعيدت الملاحة اليها عام 1957، والثانية منذ 5 يونيو 1967 وحتى حرب التحرير في أكتوبر 1973 وانعكاساته السلبية على الملاحة الدولية . ثم توسيع وتعميق القناة بعد إعادة افتتاحها للملاحة الدولية عام 1975 . ثم وأخيراً بناء قناة موازية جديدة وافتتاحها للملاحة في أغسطس 2015 .
-
وأذكر أنه في يوم الأحد 8 ديسمبر 2019 استضافت مكتبة مصر العامة محاضرة للدكتور عماد الدين أبو غازي – وزير الثقافة الاسبق بعنوان “مصر وقناة السويس” وألقى المحاضر الضوء فيها باستفاضة على تاريخ القناة منذ العصر الفرعوني مروراً بإنشاء قناة السويس وافتتاحها للملاحة الدولية منذ عام 1869 وحتى تأميمها يوم 26 يوليو 1956 . وأدعو حضراتكم للرجوع لتلك المحاضرة الهامة التى أبرزت شهادات وتصريحات ومذكرات الساسة ورجال الفكر والمؤرخين ورجال الدولة والاقتصاد والأدباء عن إنشاء قناة السويس بما لها و ما عليها .
-
كما لا يفوتني أن أشير إلى مقالة السفير جمال بيومي حول قناة السويس التى نشرها في مجلة الدبلوماسي في عدد ديسمبر 2019 في الصفحات من 14 الى 17 من العدد والتى تعرض فيها لتاريخ القناة منذ قدماء المصريين إلى قناة السويس الجديدة وتنمية قناة السويس وموانيها وقناة بنما .
-
و سوف أستعرض اليوم في المجلس المصري للشئون الخارجية الناحية التاريخية باختصار وأتابع التطورات اللاحقة على تأميم القناة حتى الآن بعد مرور مائة وخمسين سنة على افتتاحها للملاحة الدولية حيث تعرض هذه المحاضرة لجوانب لم يتعرض لها الأستاذان عماد الدين أبو غازي في محاضرته أو السفير جمال الدين بيومي في مقالته وخاصة الجوانب القانونية والاقتصادية .
تاريخ القناة القديمة:
-
أول من شق قناة لربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر كانوا قدماء المصريين وذلك مروراً بنهر النيل وفروعه، وكانت أول قناة أنشأها سنوسرت الثالث أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة عام 1874 ق.م.، ثم أهملت وأعيد افتتاحها عدة مرات في عهد الإمبراطور الروماني تراجان عام 117م، ثم قناة أمير المؤمنين عام 640، بعد الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص، وظلت 150 عاماً، إلى أن أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بردم القناة التي كانت تصل بين الفسطاط والسويس، وسدها من ناحية السويس.
-
فكرة حفر القناة بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح:
-
عقب اكتشاف فاسكو داياما لطريق رأس الرجاء الصالح، تضرر اقتصاد وتجارة مصر المملوكية واقتصاد البندقية ونابولي وجنوة بشكلٍ بالغ، فما كان من أمراء البندقية إلا أن وفدوا على مصر عام 1501م ليعرضوا على السلطان الغوري فكرة الاستغناء عن طرق القوافل واستبدالها بالنقل عبر النيل بحفر قناة تصل البحرين الأحمر والأبيض.
-
وعندما قامت الثورة الفرنسية دخلت في صراعات مسلحة دموية مع ممالك أوروبا واستطاعت الانتصار عليها، وأرادت فرنسا قطع طريق المستعمرات البريطانية في الهند باحتلال مصر فكانت الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798. حيث أعطت حكومة الديركتوار التي كانت تحكم فرنسا أمراً مباشراً لنابليون بونابرت بالقيام بحملة لحفر قناة تربط بين البحرين المتوسط والأحمر، وكانت تسمى قناة البحرين. فخرج نابليون من القاهرة ومعه مجموعة من المهندسين يرأسهم مهندس يدعي لوبير لمعاينة الموقع هندسياً عند السويس. إلا أن لوبير أقنع نابليون بالعدول عن المشروع معتقداً أن مستوى البحر الأحمر أعلى من مستوى البحر المتوسط، وخشية غرق مصر كنتيجة لحفر القناة .
-
عاد نابليون إلى القاهرة دون أن يحقق هدفه. ثم تولى المشروع مجموعة من المهندسين من خريجي مدرسة البوليتكنيك ويطلق عليهم اسم “سان سيمونيان” فحضروا الى مصر في عصر محمد علي عام 1832 وحصلوا على تصريح منه بالذهاب إلى الموقع من جديد ، وتوصلوا في بحثهم إلى أن البحرين مستويان، بخلاف رأي مهندسي نابليون عن اختلاف مستوى البحرين، إلا أن محمد علي رفض مشروع حفر القناة إلا بشرطين: أولهما أن تضمن القوى الكبرى حيادية القناة، حرصاً على استقلال مصر، وثانيهما أن يتم تمويل القناة بالكامل من الخزانة المصرية، مما أظهر حنكة وبُعد نظر محمد علي باشا حول تبعات حفر القناة، إلا أن الشرطين قوبلا بالرفض من الجانب الفرنسى.
-
ومن ناحية أخرى كان هناك مهندس إيطالي يدعي نيجريللي الذى اهتم بقناة السويس منذ عام 1837 ولازمه هذا الاهتمام طوال حياته . وبعد مرور عشر سنوات من الأبحاث والدراسات توصل نيجريللى– إلى وضع تصميم هندسي تم الأخذ به عند تنفيذ المشروع ضمن شركة الدراسات الخاصة بقناة السويس وهى شركة نمساوية تأسست لذلك الغرض وتضم ثلاث فرق: فريق فرنسي وفريق ايطالي وألماني ونمساوي وإنجليزي، ويتكون كل فريق من عشرة أعضاء يضاف إلى كل فريق مهندس يرأسهم، فكان باولينو تالبوت رئيساً للفريق الفرنسي، نيجريللى رئيساً للفريق الإيطالي الألماني النمساوي. وروبرت ستيفون رئيسأ للفريق الإنجليزي. وتم تحديد رأس مال الشركة بمبلغ 150 ألف فرنك ، على أن يسهم كل فريق فى رأس المال بمبلغ 50 ألف فرنك .
-
وتضمن المشروع إنشاء قناة مياه عذبة وهي ترعة الإسماعيلية عام 1860 من أجل الري والملاحة وتوفير مياه الشرب ، على أن تنبع تلك القناة من بولاق فى القاهرة وتنتهي عند بحيرة التمساح، بحيث تخرج منها تفريعتان واحدة تتجه نحو الجنوب، والأخرى نحو الشمال، ويصلان فى النهاية الى السويس وخليج تل الفرما .
-
وصل فريناند ديلسيبس إلى مصر فى نوفمبر 1854 ، وقابل سعيد باشا الذي منحه امتياز حفر القناة في نوفمبر 1854 لمدة 99 عاماً. ولم يشهد سعيد باشا اكتمال العمل الضخم الذي منحه الامتياز فقد خلفه في العرش ابن أخيه اسماعيل نجل إبراهيم الذي أصبح حاكم مصر الجديد ( 1863 – 1879) وكان إسماعيل يمتاز بالذكاء والطموح ، وسعى إلى أن يستكمل ما بدأه جده محمد على بأن يستقل تماماً عن القسطنطينية وأن تتحول مصر الى دولة حديثة، وأن يكون امبراطورية يتوغل من خلالها الى وسط افريقيا .
-
وبناء على دراسات مستفيضة أجرتها تلك اللجنة في أواخر عام 1855 أصدر الوالي فى 5 يناير 1856 الفرمان الثاني للامتياز بحفر قناة السويس وأقر اللوائح الاساسية ويتألف مرسوم الامتياز الثاني من 23 بنداً لتأكيد ما جاء فى المرسوم الأول المكون من 12 بنداً مع عدد من الاضافات كما ورد فى البندين الرابع عشر والخامس عشر تأكيد رسمي على مبدأ حياد القناة وتحديد حقوق الاعضاء المؤسسين.
-
ويلاحظ ان انتقاد المؤرخين المصريين لحكم الوالي سعيد كان بسبب الامتيازات المبالغ فيها التى منحها للشركة، وعدم تأكده من ضمانات القوى العظمى قبل منح الامتيازات، لذلك حاول الخديوى إسماعيل فيما بعد استعادة بعض حقوق وامتيازات الشركة التى حملت مصر تضحيات مالية كبيرة.
-
ويوضح الكاتب أنجلو ساماركو مدى المشاركة التي أسهمت بها إيطاليا لإتمام مشروع قناة السويس، في إطار المشاركة الفعلية التي أسهمت بها جمعية دراسات قناة السويس والتي شارك فيها المواطن الإيطالي نيجريللى والأعباء الضخمة التى تحملتها الحكومة المصرية فى إتمام حفر القناة استناداً الى الفرمان الذي منحه سعيد باشا لـديليسبس فى حفر قناة السويس يوم 30 نوفمبر 1854، ثم الفرمان الثاني المؤرخ 5 يناير 1856.
-
وقد حصل الخديوى اسماعيل على قرض بحوالى 2 مليار فرنك فرنسي للإنفاق على تحديث مصر، وتم استخدامه بالكامل في أعمال المنفعة العامة، وهو ما استغلته انجلترا لإحكام سيطرتها على مصر وقناة السويس كما سوف نرى لاحقاً.
-
وقد تآمرت فرنسا مع إنجلترا ضد مصر قبل افتتاح قناة السويس للملاحة الدولية، بينما كانت انجلترا ترغب فى إحكام سيطرتها على مصر والقناة، والنيل من سمعة مصر بهدف السيطرة البريطانية على مستعمراتها فى الهند امام موقف الخديوى اسماعيل الساعى لتذيل العقبات والعراقيل المادية والسياسية التى تعترض نجاح شركة السويس.
-
هام وقد كتب الخديوى إسماعيل خطاباً لسكرتير لنابليون الثالث في 6 أغسطس 1869 وقد شارفت القناة على الافتتاح، موضحاً التضحيات التي عانت منها مصر في إنشاء القناة، حيث ذكر “أن التضحيات التي فرضتها على نفسي وعلى مصر لتسهيل عمل الشركة ” شركة قناة السويس” من أجل إنشائها، ومن الناحية المادية والقانونية، وأذكركم بأن الثمانية والثمانين مليون فرنك فرنسي التى اتفق سعيد باشا على سدادها خلال 8 سنوات، تم سدادها بالكامل منذ فترة طويلة، وأن الجزء الاول من قناة المياه العذبة ( ترعة الاسماعيلية )، قد تكلف إنشاؤه حوالى 25 مليون فرنك ، وكذلك مبلغ التعويض المقدر بمبلغ 84 مليونا المستحقة خلال 14 عاماً تم تسديده بالكامل، هذا المبلغ المقدر بــ 200 مليون فرنك، كان عبئا كبيراً على مصر، وآثار بين الشعب شعوراً مريراً لابد من أخذه بعين الاعتبار . اننى على اقتناع تام بأن جلالة الامبراطور الذى يشمل القناة ومصر بعنايته، سوف يقدم لي (الخديوى اسماعيل) العون بتأييده للقضاء على هذا الشعور”. طالباً تدخل الامبراطور للتحكيم في خلافه مع ديلسبس، ولكن نابليون الثالث انحاز الى جانب ديلسبس.
-
فلم يجد اسماعيل في الدنيا إلا فرنسيًا آخر يحتكم اليه، وهو الامبراطور نابليون الثالث بدعوى أنه صديقه، ومهما يكن من أمر، فيحتاج تقدير تكاليف نفقات وخسائر مصر منذ إنشاء وحفر القناة الى تأميمها والانعكاسات التي ترتبت عليها منذ العدوان الثلاثي في عام 1956 وما تكبدته مصر من خسائر نتيجة لذلك ثم تحرير التراب الوطني بعد العدوان الثلاثي وبعد عدوان يونيو 1967 الى دراسات مستفيضة.
التحكيم في قناة السويس:
هام
-
وكانت نتيجة التحكيم الفرنسي المكوًن من 5 أعضاء في خلاف الخديوى إسماعيل مع ديلسبس وشركة القناة عام 1864 والذي وافق عليه الامبراطور في 6 يوليو 1864.
ا – إلغاء نظام السخرة في تشغيل العمال المصريين وهو ما يعنى أن العمال الأجانب كانوا لا يخضعون لنظام السخرة.
ب – التنازل عن الأراضي التى سبق أن منحها الخديوى للشركة مقابل الحصول على تعويض، وهى 60 ألف هكتار بما يعادل 30 مليون فرنك تحصل عليها الشركة.
ج – تحديد التعويض المناسب مقابل إعادة الأراضى وعدم وفاء الشركة بالتزاماتها نحو العمال سواء بالنسبة للأجور او حصة الغذاء الخاصة بهم، وتقدر مكاسب الشركة نتيجة ذلك بحوالى 4.500.000 فرنك، ويخصهم هذا المبلغ من قيمة التعويض المطلوب ليصبح المبلغ 33.500000 فرنك .
د – ان امتياز حفر القناة يبدأ من تاريخ افتتاحها للملاحة وليس من تاريخ حيازة الشركة للأراضي المخصصة للقانتين المالحة والعذبة.
-
هام وفي المقابل طلبت الشركة مبلغ 9 ملايين فرنك كفوائد لراس المال عن كل عام بسبب التأخير في تنفيذ الأعمال لفترة طويلة، ولكن محكمة التحكيم أقرت بأن هذا التأخير لم تتسبب فيه الحكومة المصرية لأن الشروط التى فرضها الباب العالي تحد من سلطة والي مصر، و بالتالي اعتبرته المحكمة قوة جبريةForce Majeure ، ومع ذلك فرضت على الوالي سداد نصف الفوائد المطلوبة أي 4.500.000 فرنك. وبذلك ظل مبلغ التعويض المطلوب عن إلغاء اللائحة الخاصة بالعمًال المصريين ومنها نظام السخرة مبلغ 38000.000 فرنك.
-
وأن ترد الحكومة المصرية للشركة تكلفة الأعمال التي تم إنجازها فى القناة العذبة أو الجاري تنفيذها، وتم تقدير مبلغ 10 ملايين فرنك مقابل ذلك وان تقوم الشركة بأعمال الصيانة على نفقة الحكومة المصرية مع حق الشركة فى الاستفادة من القناة العذبة لحين الانتهاء من حفر القناة البحرية وبلغ مبلغ التعويض الذى تدفعه الحكومة المصرية للشركة 84 مليون فرنك تسدد على 16 سنة .
-
وقد رأى غالبية المراقبين أن حكم التحكيم الفرنسى أوقع ظلماً وإجحافًا لمصالح مصر لصالح الشركة، بينما عبر ديلسبس عن رضاه على ذلك الحكم.
-
عًهٍد ديلسبس إلى المهندس الفرنسي Voisin بك بمنصب رئيس مهندسي موقع حفر القناة، والذي كان مسئولاً عن الحياة اليومية في موقع الحفر بكل تفاصيلها، من تقدم عملية الحفر والنفقات، ومسألة السخرة الواقعة على الفلاحين المصريين بأوامر من ديلسبس باعتباره رئيس شركة قناة السويس البحرية العالمية التي كان تعرض لضغوط واتهامات من قبل السان سيمونيين بأنه سرق منهم مشروع القناة الذي سبق ان عرضوه على محمد علي ورفضه.
من حفر القناة لافتتاحها:
-
بدأت أعمال حفر القناة في 25 ابريل 1859 ببورسعيد، وقبل أي شيء تم انشاء ميناء بورسعيد (استخدام اللغة الفرنسية ) ليكون مصبا للقناة في البحر المتوسط، ثم بدأت اعمال الحفر في اتجاه الجنوب حيث تم الانتهاء منها خلال الاعوام من 1860 إلى 1862 ولم تحقق الاعمال تقدماً ملحوظاً عامي 1863و1864 بسبب الأزمات السياسة بين الخديوي وديلسبس حيث تم تخفيض الأيدى العاملة المصرية ثم ادخال نظام الآلات، ووفد إلى مصر آلاف العمال من دول اوروبا والبحر المتوسط منهم إيطاليون الذين امتازوا بقدرتهم على التحمل مع صعوبة شق القناة في المنطقة الصخرية شمال بحيرة التمساح وشارك ايضاً فيها عمال فرنسيين ونمساويين وانجليز وروس ومن اليونان واسبانيا وهولندا وبلجيكا.
-
وكانت أول سفينة عبرت من البحر المتوسط الى الاسماعيلية عام 1867 في رحلة تجريبية وهى سفينة تابعة لتريستا وكانت تحمل 90 طناً .
-
وتم ربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر في 15 ابريل 1869 وافتتحت القناة للملاحة في 17 نوفمبر 1869 من نفس العام – كان إسماعيل باشا يعتبر الخطوات نحو افتتاح القناة للملاحة الدولية من خطوات الاستقلال التام عن الامبراطورية العثمانية، ومن هنا جاءت زياراته للقصور الملكية في اوروبا بدءا من مايو 1869 لدعوة الملوك لحفل افتتاح قناة السويس. وكانت اول زيارة له للملك فيكتور إيمانيويل حيث زاره في فلورنسا ثم فيينا وبرلين وباريس ولندن، الأمر الذ أثار استياء الحكومة العثمانية وقد قبل الدعوة الإمبراطور نابليون الثالث الذي أوفد أوجينى كما قبل الدعوة امبراطورة فرنسا وإمبراطور النمسا والمجر، وأمير بروسيا وشقيق ملك هولندا. في حين أنابت بريطانيا وروسيا سفيريها في القسطنطينية. وقد أعد الخديوي إسماعيل العدة لتوقيع اتفاق لإعلان حياد قناة السويس وحرمان الباب العالي من السيطرة عليها، إلا أن معاهدة القسطنطينية التي شرعت استقلال القناة وحرية الملاحة فيها أبرمت عام 1888 بعد عزل الخديوي إسماعيل استمرت الاحتفالات والمهرجانات لافتتاح القناة لمدة 5 أيام من 16 إلى 20 نوفمبر 1869.
-
وبدأت الاحتفالات في بورسعيد يوم 16 نوفمبر في منتصف النهار وكان الاحتفال الرسمي في الاسماعيلية يوم 17 نوفمبر وكان المقرر عمل بروفة نهائية للقناة حيث بدأت الثمانية وستون سفينة التابعة للدول المشاركة في الاحتفال في عبور القناة بتقدمها اليخت الفرنسي إيجل وهو ما يعني “الطائر المفترس Aigle” وتقف على ظهره الإمبراطورة أوجيني، وعلى يمينها كان يجلس ديلسبس حتى دخل اليخت الإسماعيلية مع غروب الشمس يوم 17 نوفمبر حيث كان الخديوي إسماعيل ينتظر ضيوفه، ثم دخل الزورق النمساوي مقلاً الامبراطور فرانشسكو جوسبي Josseppi.
-
وفي يوم 18 نوفمبر استقبل الخديوي إسماعيل الملوك وكبار الشخصيات المدعوة في قصر مهيب في الإسماعيلية وفي يوم 20 نوفمبر وصل الموكب إلى السويس ودخول البحر الأحمر، وانتهت الإحتفالات في القاهرة ومنها افتتاح دار الأوبرا في القاهرة التي تم بناؤها على عجل في 6 أشهر وتم افتتاحها بأوبرا ريجوليتو للموسيقار الإيطالي فيردي.
-
وقد انتقد الكثيرون البذخ والنفقات التي تحملتها الحكومة المصرية في الافتتاح الأسطوري الذي كلفها مليون جنيه مصري أو ما يعادل مائة مليون جنيه مصري على الأقل بأسعار اليوم.
تكاليف إنشاء القناة:
-
بلغت تكاليف إنشاء قناة السويس ما يعادل 40.034.604 جنيه استرليني (مصري) وكان الجنيه المصري يعادل أو يزيد قليلاً عن الجنيه الإسترليني، وتم احتساب الجنيه بمبلغ 25.92 فرنك ، من هذا المبلغ تم اكتتاب 400.000 سهم في رأس مال شركة قناة السويس بواقع 500 فرنك للسهم الواحد و 100 مليون فرنك قيمة قرض استدانته الحكومة المصرية عام 1867، وشاركت الحكومة المصرية في نفقات القناة بمبلغ يزيد على 210 مليون فرنك أي ما يقرب من نصف التكاليف بعد إضافة مبلغ 88 مليون فرنك قيمة الاسهم بما في ذلك فوائد القرض أي 12% وفرق العملة والسمسرة، إلا أن النفقات الفعلية للقناة تجاوزت هذا الرقم بكثير، حيث لم يتم احتساب تكاليف قناة المياه العذبة الممتدة من شمال القاهرة إلى الاسماعيلية (قناة الاسماعيلية) التي تحملتها الحكومة المصرية بالكامل رغم أنه كان يجب احتسابها ضمن تكاليف إنشاء قناة السويس، فبدونها لما كان قد اكتمل إنشاء قناة السويس .
-
وكان من المفترض إسقاط مبلغ الـــ مائة مليون فرنك أو 4 مليون جنيه إسترليني، وهي ثمن بيع أسهم مصر (حصة مصر) في شركة القناة إلى إنجلترا، سداداً لبعض ديون الخديوى اسماعيل لكن عملية بيع الاسهم تمت تحت ظروف وشروط مجحفة للخزانة المصرية، ولم ترد أي إشارة إلى الملايين من الجنيهات التى خسرتها مصر نتيجة صفقة بيع الاسهم التى نفذها بنك روتشيلد الانجليزى عملية السداد وهو البنك الذى تم تكليفه بتسوية المسألة .
-
وتؤكد الوثائق الرسمية ومستندات الحكومة المصرية ان الخزانة المصرية قد تكلفت من أجل مشروع القناة حوالي 20 مليون جنيه إسترليني، أو ما يعادل نصف مليار فرنك وهذا يعتبر مبلغ ضخم بالنسبة لقيمة العملات في تلك الفترة من الزمان، في وقت كانت مصر بلداً زراعياً ولا يزيد عدد سكانها عن 5 مليون نسمة. مع مراعاة ان الخزانة المصرية كانت مضطرة نظراً لمحدودية مواردها الاقتصادية للاستدانة حتى تفي بالالتزامات الضخمة تجاه شركة القناة الانجليزية والفرنسية.
-
والسؤال المنطقي المطروح هو كيف يلجأ الخديوى إسماعيل إلى نابليون الثالث للتحكيم في نزاع أحد أطرافه من المواطنين الفرنسيين؟ وقد بلغت التكاليف التى تحملتها الحكومة المصرية من اجل حفر القناة مبلغ 479.5 مليون فرنك بالإضافة الى 20 مليون جنيه مصري / إسترليني منها 10 مليون فرنك بالإضافة الى 385.750 جنيه مصري / إسترليني 177.277.000 فرنك و 6.839.380 جنيه مصري / إسترليني وتمثل فائدة 12% ونفقات فروق العملة والسمسرة.
-
وانتهى الامر بفرض صندوق الدين على مصر وعزل الخديوى اسماعيل وحل محله الخديوي توفيق، ثم احتلال الانجليز لمصر تحت ذريعة الديون الاجنبية، ولم ينجح عرابي باشا في التصدي للقوات البريطانية من ناحية الإسكندرية، فاتجهت تلك القوات شرقًا فكان احتلال الانجليز لمصر من خلال قناة السويس .
مدى استفادة دول العالم من النقل البحرى عبر قناة السويس:
-
ويلاحظ أن أكثر الدول استفادة من قناة السويس من حيث حمولة السفن والنسبة المئوية حتى تأميم القناة عام 1956 كانت بالترتيب الآتي: بريطانيا ويليها إيطاليا ثم ألمانيا وهولندا ثم فرنسا ويليها النرويج ثم اليونان ثم اليابان والدنمارك ثم الولايات المتحدة.
-
وقد احتلت فرنسا مركزاً متقدماً في الأعوام الأولى بعد افتتاح القناة ثم حلت محلها هولندا ثم ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى، واحتلت إيطاليا المركز الثانى عام 1936 على إثر الحرب الاثيوبية بنسبة 20% من حركة المرور العالمية في القناة.
-
محاولة مد امتياز القناة:
-
في عام 1910 تقدمت شركة قناة السويس البحرية بطلب للحكومة المصرية لمد امتياز شركة قناة السويس الذي كان سينتهي في 17 نوفمبر 1968 لمدة 40 سنة أخرى تنتهي عام 2008، وأيدت الحكومة البريطانية الممثلة لسلطة الاحتلال في مصر مد الامتياز خصوصاً وقد بدأت الحركة الملاحية بالقناة تتضاعف حتى بلغت عام 1889 ضعف ما كانت عليه عام 1881 وتضاعفت مرة أخرى عام 1911، و كانت البضائع البريطانية تمثل 6.78% من مجموع البضائع المارة بالقناة.وقد رفضت الحكومة المصرية طلب مد امتياز شركة القناة، بناء على الموقف الوطنى الحاسم لمجلس شورى القوانين قبل الحرب العالمية الاولى .
تأميم القناة:
-
في 26 يوليو 1956 أعلن جمال عبد الناصر من ميدان المنشية بالإسكندرية قرار تأميم شركة قناة السويس، بعد أن سحبت الولايات المتحدة عرض تمويل السد العالي بطريقة مهينة لمصر، ثم تبعتها بريطانيا والبنك الدولي. قدمت بريطانيا على إثر القرار احتجاجاً رفضه جمال عبد الناصر على أساس أن التأميم عمل من أعمال السيادة المصرية. فقامت هيئة المنتفعين بقناة السويس بسحب المرشدين الأجانب بالقناة لإثبات أن مصر غير قادرة على إدارة القناة بمفردها، إلا أن مصر أثبتت عكس ذلك واستطاعت تشغيل القناة بإدارة مصرية كان على رأسها مهندس عملية التأميم محمود يونس بمرافقة زميليه عبد الحميد أبو بكر ومحمد عزت عادل.
-
وهكذا كان قرار تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية الذي تحمس له الشعب المصري في يوليو 1956 بدايةً لخسائر فادحة تعرض لها الشعب والاقتصاد المصري، وكان من تداعياته مقدمة وأسبابا لنكسة 1967، عندما طالب الرئيس جمال عبد الناصر بانسحاب قوات الطوارئ الدولية من سيناء التي وافقت عليها مصر 1956 كثمن لانسحاب إسرائيل من سيناء عام1957، وفرض حصاراً على خليج العقبة أمام الملاحة الاسرائيلية فانبرى البعض لانتقاد قرار تأميم قناة السويس ، بافتراض أنه، لو صبرت مصر حتى انتهاء امتياز شركة قناة السويس (99 سنة) لأمكن لمصر استرجاع القناة وعدم دفع تعويضات التأميم وتفادى العدوان الثلاثى بدون خسائر، خاصة فى مواجهة العدوان الثلاثي، وما تمخض عنه ذلك من أسباب حرب 1967 ، خاصة وأن الاتفاق بين الوالى سعيد باشا وفريناند ديلسبس في البداية تم توقيعه 1854 وتم تعديله في عام 1856 .
-
وهكذا تحملت مصر خسائر فادحة فى اقتصادها وقواتها المسلحة وتكاليف اعادة بنائها واحتلال لأراضيها في سيناء وغلق قناة السويس أمام الملاحة الدولية مرة ثانية ، ناهيك عن احتلال قطاع غزة والضفة الغربية لنهر الأردن إلى كانت ضمن سيادة المملكة الأردنية الهاشمية فى ذلك الوقت إضافة للجولان السوري الذى فقدته الجمهورية العربية السورية الشقيقة فى عدوان 1967 .
-
التعويض الذى تحملته الخزانة المصرية نتيجة التأميم:
-
تضمن قرار تأميم قناة السويس بنداً عن تعويض المساهمين في شركة قناة السويس من البريطانيين، وكانت حصصهم تبلغ 44% من الأسهم. وقد رأى باقي المساهمين وأكثرهم من الفرنسيين أن في هذا القرار مصادرة قانونية (de jure) لأموالهم، كما رأى المساهمون من البريطانيين- في ذات القرار- مصادرة واقعية (de facto) لأموالهم، ذلك لأنهم لم يصدقوا أن نظام الحكم المصري تحت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر سوف يفى بالفعل بما نص عليه قرار التأميم من تعويض.
-
ونظراً للظروف الدولية السائدة فى خمسينيات القرن العشرين والأوضاع السائدة في تلك الظروف، فقد اضطر نظام الحكم في مصر حينئذ إلى شراء الأسهم التي كانت معروضة للبيع في بورصة باريس، وكلفها ذلك مبالغ طائلة من العملات لصالح حملة الأسهم، ثم إلى الدخول في مفاوضات مع باقي حملة الأسهم، بدأت في روما بتاريخ 19/12/1958، وانتهت إلى موافقة نظام الحكم المصري آنذاك على دفع تعويض لباقي حملة الأسهم قدره 81.2 مليون دولار، يسدد على ستة أقساط، كان آخر قسط محدداً لسداده تاريخ الأول من يناير 1963 (أي بعد مرور ست سنوات منذ اتخاذ قرار التأميم.
-
وترتب على قرار التأميم عدد من العواقب الدولية منها قيام فرنسا وانجلترا والولايات المتحدة بتجميد الأرصدة والأموال المصرية في بلادها، وكان للحكومة المصرية في ذلك الحين حساب دائن فى المملكة المتحدة من ديون الحرب العالمية الثانية يقدر بنحو 135 مليون جنيه استرليني، وكانت ارصدة الحكومة المصرية في الولايات المتحدة تقدر بنحو 43 مليون دولار. وهكذا بلغ مجموع الارصدة والأموال المصرية التي تقرر تجميدها في الدول الثلاث ما يزيد عن القيمة المالية لشركة قناة السويس في عام 1956 بأسعار بورصة باريس. كما قررت الولايات المتحدة وقف تقديم أي مساعدات مالية أو فنية لمصر.
الرد العسكري والعدوان الثلاثي:
-
قامت كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بتدبير مؤامرة ثلاثية على مصر عرفت “بالعدوان الثلاثي”، وأطلق عليها الغرب “حرب السويس”، على إثرها بدأ هجوم إسرائيلي مفاجئ يوم 29 أكتوبر 1956 في سيناء، تلاه تقديم كل من بريطانيا وفرنسا إنذاراً لمصر يطالب بوقف القتال بين الطرفين، والقوات الإسرائيلية ما زالت داخل الأراضي المصرية ويطلب من مصر وإسرائيل الانسحاب عشرة كيلومترات عن قناة السويس، واحتلال بورسعيد والإسماعيلية والسويس بواسطة بريطانيا وفرنسا، من أجل حماية الملاحة في القناة، واختتم الإنذار بأنه إذا لم يصل الرد في خلال 12 ساعة، فإن الدولتين ستعملان على تنفيذ ذلك الإنذار، وأعلنت مصر فوراً أنها لا يمكن أن توافق على احتلال إقليم القناة، وأبلغت مجلس الأمن الذي عجز عن إصدار قرار بسبب استخدام بريطانيا وفرنسا لحق الفيتو. وفي اليوم التالي للإنذار البريطاني الفرنسي في 31 أكتوبر، هاجمت الدولتان مصر وبدأت غاراتها الجوية على القاهرة، وعلى منطقتي القناة والإسكندرية. وأصبحت مصر تحارب في جبهتين، في سيناء لمواجهة إسرائيل، وجبهة الاستعمار البريطاني الفرنسي في الداخل وخاصة في بورسعيد، الذي يهدد باحتلال القناة. فأصدر جمال عبد الناصر الأوامر بسحب جميع القوات المصرية من سيناء إلى غرب قناة السويس، وبدأت عملية غزو مصر من جانب القوات البريطانية والفرنسية من بورسعيد، التي تم قصفت بالطائرات والقوات البحرية، ولكنها لم تستسلم. وحركت مقاومة بورسعيد الضارية للقوات البريطانية والفرنسية العالم ضدهما. واتخذت الدول العربية موقفاً مندداً بالعدوان وقامت بنسف أنابيب البترول، ومنع وصوله إلى بريطانيا وفرنسا، واتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا في 2 نوفمبر1956 بإيقاف القتال، الذى وافقت مصر عليه، ورفضته كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. وفي اليوم التالي وجه الاتحاد السوفيتي إنذارا إلى بريطانيا وفرنسا، وأعلن عن تصميمه لمحو العدوان بالقوة، إذا لم تتراجع الدولتان عن موقفهما، كما استهجن رد الفعل الأمريكي العدوان على مصر، فأدى هذا الضغط الدولي مجتمعاً إلى وقف التغلغل الإنجليزي الفرنسي، وقبولهما وقف إطلاق النار ابتداء من 7 نوفمبر، وتلا ذلك انسحاب القوات الفرنسية والإنجليزية من بورسعيد في 22 ديسمبر 1956، وبدأت بعد ذلك عملية تطهير القناة التي انتهت في 11 أبريل 1957، وتكلفت 8.5 مليون دولار. وكان من النتائج القانونية لتلك المغامرة العسكرية، قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب مصر مع كل من فرنسا وإنجلترا في 31 أكتوبر 1956، ووضع الممتلكات الإنجليزية والفرنسية تحت الحراسة، وإلغاء اتفاقية 19 أكتوبر 1954 بين مصر وإنجلترا في 1 يناير 1957 بأثر رجعي يمتد إلى تاريخ وقوع العدوان.
مفاوضات التعويض عن تأميم القناة:
-
عقب تأميم القناة والعدوان الثلاثي على مصر خاضت الحكومة المصرية مفاوضات شديدة التوتر مع الشركة القديمة لقناة السويس عام 1958 لتعويض المساهمين في شركة القناة، وتعذر التوصل لاتفاق خلال المفاوضات حيث كانت فرنسا ممثلة في الشركة تريد استرداد كل شيء من مصر، وانتهت الجولة بفشل ذريع ثم وافق الوفد الفرنسي على القيام بجولة ثانية بالقاهرة في مايو من نفس العام، وكانت الأجواء اقل توتراً. وتم التوقيع النهائي على الاتفاق بين الحكومة المصرية والشركة القديمة لقناة السويس بمدينة جنيف في 13 يوليو 1958، واتفق الطرفان على أن تتنازل الحكومة المصرية عن أسلوب التعويض الذي جاء في قانون التأميم، وقبول مبدأ التعويض الجزافي، على ان تتحمل الشركة القديمة لقناة السويس ، معاشات الموظفين المقيمين خارج مصر، وأن تتنازل عن مطالبة الحكومة المصرية بالمكاسب التي كان ينتظر أن تجنيها في الإثني عشر سنة الباقية على مدة الامتياز، وتتعهد الحكومة المصرية بأن تتحمل جميع ديون الشركة القديمة لقناة السويس في مصر ومعاشات الموظفين المقيمين في مصر، وأن تدفع مبلغاً جزافياً للشركة القديمة لقناة السويس، بقدر بمبلغ 28,300,000 جنيه مصري تسددها مصر بالدولار الأمريكي، وتم التصالح بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وفرنسا. أما المفاوضات المصرية الإنجليزية فقد انتهت بإبرام اتفاقية في القاهرة بتاريخ 28 فبراير 1959 وعادت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإنجلترا في 1 ديسمبر 1959 .
-
تطهير المجرى الملاحي:
-
26 – توقفت الملاحة في القناة مرتين ، الأولى بعد العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956 وتم تطهيرها وإعادتها للملاحة الدولية بعد انسحاب إسرائيل من سيناء في مارس 1957 ثم توقفت الحياة تمامًا بالمجرى الملاحي ومرافق قناة السويس لثماني سنوات كاملة وذلك إبان حرب 1967 من 5 يونيو 1967 وحتى 22 أكتوبر 1973، وتحول المجري الملاحي للقناة ومنشآت الإدارة في الإسماعيلية والإدارات المساعدة في السويس وبورسعيد إلى سلسلة من الخرائب والأطلال التي لا تصلح لشيء، وأصبح مجرى القناة بحيرة كبيرة من الألغام والقنابل من كل الأنواع و الأحجام، أما ضفتا القناة فكانت تحوي على الأقل مليون لغم، مما جعل تطهير القناة وإصلاح منشآتها وبناء وحداتها من جديد وإعادة حركة الملاحة تحدٍ ضخم أمام مصر والإدارة المصرية للقناة. وبدأت أعمال التطهير بعد عشرة أيام فقط من توقف القتال.
-
كانت البداية في ديسمبر 1973 حينما بدأت الأيدي المصرية في انتشال العوائق والمعدات الغارقة بعد صدور الأمر بعودة أجهزة هيئة القناة من مواقع التهجير في القاهرة والإسكندرية، وأسندت هذه العملية للسواعد المصرية بعد أن طلبت الشركات الأجنبية 50 ألف دولار عن كل يوم عمل وقام فريق الإنقاذ البحري بكل مسئوليات رفع وانتشال العوائق المتوسطة والصغيرة بل والاشتراك بصورة فعالة مع الشركة الأمريكية التي تتولى رفع العوائق الـ 10 الغارقة في القناة.
-
وفي فبراير 1974 بدأت مشاركة القوات البحرية في عمليات تطهير القناة من الألغام حيث تم تشكيل فريق عمل من ذوي الكفاءة العالية قاموا بتنفيذ 95% من عمليات التفجير تحت الماء أو على الشاطئ.
-
فيما قامت كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا عن طريق خبرتهم العملية في مجال الكشف عن الألغام والقنابل والبحث عنها وتفجيرها بتقديم المعدات الإلكترونية المتقدمة لمصر للعمل في هذه المجالات، واستطاعت مع القوات البحرية المصرية وسلاح المهندسين المصري ، وخلال شهور قليلة أصبحت قناة السويس أنظف مجرى ملاحي في العالم. وعادت حركة الملاحة للقناة بعد أن وصل حجم خسائر العالم خلال مرحلة توقف الملاحة في القناة وخلال ثماني سنوات ما يعادل 1700 مليون دولار سنوياً.
-
وفي 5 يونيو 1975 قام الرئيس محمد أنور السادات بافتتاح القناة للعمل وأراد بهذا التاريخ أن يستبدل ذكرى حرب 1967 بذكرى يوم سعيد في حياة المصريين بإعادة الملاحة للقناة في هذا اليوم.
إيرادات قناة السويس:
-
منذ تأميم قناة السويس وحتى عام2015 ، بلغت حصيلة إيرادات هيئة قناة السويس نحو 96 مليار دولار بالأسعار الجارية رغم سنوات الإغلاق التي تعرضت لها القناة منذ أكتوبر 1956 حتى تطهير القناة واستئناف الملاحة فيها في نهاية 1957، ومنذ حرب يونيو 1967 إلى أن تم تطهير القناة وإعادة افتتاحها للملاحة الدولية في منتصف 1975 (أي عشر سنوات)، وما تكبًدته مصر من نفقات باهظة لتطهير القناة وإعادة افتتاحها. ناهيك عن استنزاف إسرائيل لمصادر الثروة البترولية في مصر بما في ذلك في خليج السويس أثناء احتلالها لسيناء منذ يونيو 1967 وحتى عام 1975، والتي تقدر بمئات البلايين من الدولارات. تلك الخسائر لابد أنه تم رصدها من جانب الهيئة العامة للبترول ووزارة البترول خلال سنوات الاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء. وتلك الإيرادات المتراكمة محسوبة من واقع البيانات الرسمية الواردة في الأعداد المتعاقبة من تقارير البنك المركزي المصري، وكذلك في النشرة الاقتصادية للبنك الأهلي المصري، مع تحويل القيمة المحسوبة بالجنيه المصري إلى دولارات وفقاً لسعر الصرف الرسمي. تلك الإيرادات توازي أكثر من 400 مليار دولار بسعر الصرف الحالي، إذا أخذنا بعين الاعتبار معدلات التضخم السائدة على مدار الفترة منذ تأميم القناة عام 1956 وحتى الآن.
-
ويضاف إلى ذلك التعويضات التي تحملتها الخزانة العامة في مصر لحملة أسهم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية والتي تم تقديرها وفقاً لأسعار بورصة لندن فى 25 يوليو في عام 1956. ولابد أيضاً حساب الخسائر التي تحملها الاقتصاد المصري نتيجة العدوان الثلاثي على مصر وما ترتب عليه من تدمير للبنية الأساسية ومؤسسات الدولة في منطقة قناة السويس وبصفة خاصة في مدينة بورسعيد الباسلة نتيجة العدوان البريطاني الفرنسي عليها عام 1956، وإعادة بناء ما دمره العدوان الثلاثي في منطقة القناة وسيناء. كما يلزم حساب تكاليف إعادة بناء القوات المسلحة إزاء ما أصابها من تدمير لطائراتها ومعداتها العسكرية والآلاف من الشهداء المصريين في سيناء بعد انسحابها من سيناء نتيجة للعدوان الثلاثى وحرب يونيو 1967.
قناة السويس الجديدة:
-
هدفت مصر من خلال حفر القناة الجديدة إلى استيعاب النمو المتوقع في حجم التجارة العالمي من خلال تحقيق أكبر نسبة من الازدواجية في قناة السويس بما يساعد على تقليل زمن عبور السفن الى 11 ساعة بدلاً من 22 ساعة بالقناة وتقليل تكلفة الرحلة البحرية، علاوة على تقليل فترات توقف السفن بمناطق الانتظار بالمجرى الملاحي وهو الأمر الذي يقضي مبكراً على مجرد التفكير في قنوات بديلة بالمنطقة. وعلى الصعيد المحلي فقد ساهمت القناة على مدار العقود الأربعة الماضية في تعزيز موارد الخزانة العامة للدولة خاصة من العملة الصعبة بإجمالى إيرادات بلغ 91.7 مليار دولار لتعكس هذه الإيرادات الجهود الكبيرة التى تبذلها هيئة قناة السويس طوال الفترة الماضية لتطوير المجرى الملاحى .
-
كان من المقرر تنفيذ مشروع حفر القناة الجديدة في ثلاثة سنوات ، وقد تم تقليص المدة الزمنية لتبلغ مدة تنفيذ المشروع 12 شهراً ، وبالفعل تم الانتهاء من المشروع وافتتاح القناة للإبحار في الوقت المحدد أي في أغسطس 2015 .
-
أما التكلفة التقديرية للمشروع فتبلغ 8.2 مليار دولار تعادل 60 مليار جنيه (4.2 مليار دولار لحفر القناة الجديدة و4 مليار دولار لعدد 6 أنفاق أسفل قناة السويس) قام الشعب المصري بجمعها في ثمانية أيام فقط مسجلاً إنجازاً تاريخياً فريداً .
-
وفقاً للمخطط يصل الطول الإجمالي للقناة الجديدة 72 كيلومتراً ويشمل ذلك حفر المجرى الملاحي الجديد بطول 35 كيلومتر وبعمق 24 متراً وعرض 320 متراً عند صفحة المياه وبغاطس 66 قدما بالإضافة الى توسيع وتعميق التفريعات الغربية بمنطقة البحيرات المرة الكبرى بطول 27 كيلو متراً والتفريعة الغربية للبلاًح بطول 10 كيلومترات .
-
عملية حفر تفريعه جديدة لقناة السويس من الكيلو 61 إلى الكيلو 95 بطول 35، كم بالإضافة إلى توسيع وتعميق تفريعات البحيرات المرة والبلًاح بطول 37 كم ليصبح الطول الإجمالي للمشروع 72 كم من الكيلو 50 إلى الكيلو 122. يهدف المشروع إلى تلافي المشكلات القديمة لقناة السويس من توقف قافلة الشمال لمدة تزيد عن 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، ويسمح باستيعاب قناة السويس للسفن العملاقة بغاطس 65 قدم بتكلفة بلغت 4 مليار دولار، مما سيساهم في زيادة دخل القناة مستقبلاً بنسبة 259%. تمت عمليات الحفر من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والتي استعانت بـ17 شركة وطنية مدنية تعمل تحت إشرافها.
-
بدأت مرحلة الحفر الجاف بالمشروع في 7 أغسطس 2014، وانتهت خلال 9 شهور، ثم بدأت مرحلة الحفر المائي (التكريك) وانتهت برفع 258.8 مليون متر مكعب من الرمال المشبعة بالمياه، وافتتح المشروع في 6 أغسطس 2015.
كوبري السلام للسيارات العابر لقناة السويس:
-
كوبري السلام هو أطول جسر معلق للسيارات داخل مصر، يربط بين قارتي آسيا وأفريقيا ماراً فوق المجرى الملاحي لقناة السويس. بدأ أنشاؤه في أكتوبر 1997 وتم افتتاحه في أغسطس 2001 ليساهم في الاسراع بوتيرة التنمية بسيناء عن طريق نقل حركة المرور والنقل منها وإليها وربطها بباقي محافظات مصر. يصل الجسر بين مدينتي القنطرة شرق والقنطرة غرب، ويقع جهة الجنوب من مدينة القنطرة شمال الإسماعيلية على بعد 20 كم من كوبري الفردان. يبلغ طوله 9.5 كم بارتفاع 70 متر فوق سطح البحر، ويبلغ عرض فتحته الملاحية 404 متر مما يسمح بأي توسعات مستقبلية لقناة السويس، ويصل ميله الرئيسي إلى 3.3%، وحمولته التصميمية حتى 90 طن، ويبلغ ارتفاع برجيه الرئيسيين 154 متر فوق سطح الأرض، ويوفر حارتي مرور بكل اتجاه بسرعة مرورية قدرها 80 كم/ساعة. تم تنفيذ المشروع بتكاليف إجمالية بلغت 680 مليون جنيه مصري بتمويل مشترك بنسبة 60% من الحكومة اليابانية و 40% من الحكومة المصرية.
-
* كوبري السلام (افتتحه الرئيس مبارك في اكتوبر 2001)، وهو أول جسر معلق فوق قناة السويس، حيث يربط آسيا وأفريقيا. وشبه جزيرة سيناء بباقي الأراضي المصرية ويستوعب عبور 50 ألف سيارة تقريباً يوميًا، ويشكل ثاني وسيلة رئيسية لعبور القناة بعد نفق الشهيد أحمد حمدي.
-
وتم تنفيذ المشروع عن طريق ثلاث شركات، الشركات اليابانية قامت ببناء الجزء المعلق الذي يصل طوله بين ضفتي القناة إلى 730 متراً، وشركة المقاولون العرب هي المسئولة عن الأعمال في الجزء الشرقي من الكوبرى.
الأنفاق:
-
نفقي جنوب بورسعيد: هما عبارة عن نفقين (شمالي وجنوبي) للسيارات بجنوب بورسعيد تقوم على تنفيذهما شركتي المقاولون العرب وأوراسكوم. كل نفق يخدم اتجاه مروري واحد بعدد حارتين مروريتين، ويبلغ طول كل منهما 3920 متر، ويرتبط كل نفقين متجاورين بأربع أنفاق عرضية للطوارئ، وتم افتتاح انتهاء أعمال الحفر بالأنفاق الأربعة في 23 ديسمبر 2017.
-
نفقي شمال الإسماعيلية: هما عبارة عن نفقين (شمالي وجنوبي) للسيارات بشمال الإسماعيلية تحت الإنشاء تقوم على تنفيذهما شركتي بتروجيت وكنكورد. كل نفق يخدم اتجاه مروري واحد بعدد حارتين مروريتين، ويبلغ طول كل منهما 5820 متر، ويرتبط كل نفقين متجاورين بأربع أنفاق عرضية للطوارئ، وتم افتتاح انتهاء أعمال الحفر بالأنفاق الأربعة في 23 ديسمبر 2017.
-
نفق الشهيد أحمد حمدي: هو أول نفق للسيارات يمر تحت قناة السويس وتم افتتاحه عام 1983 بطول نفقي 1.64 كم، وطول كلي 4.20 كم بالمداخل والمخارج، وقُطر 10.40 متر، ليستوعب 300 مركبة في الساعة لكل اتجاه، ويبلغ منسوب أعمق نقطة في النفق 51 متر تحت سطح البحر. سمي النفق تيمناً باسم الشهيد اللواء أحمد حمدي نائب مدير سلاح المهندسين الذي استشهد في 14 أكتوبر 1973 أثناء مد جسور عبور قناة السويس أمام الجيش الثالث الميداني خلال حرب أكتوبر.
-
ووفقًا للتقرير المقدم للجمعية العمومية للمساهمين في 30 مايو 1870 يتضح ان النفقات التي تحملتها الشركة وصلت إلى 432807882 فرنك منها 200 مليون فرنك ثمن اكتتاب 400.000 سهم بواقع 500 فرنك للسهم الواحد و100 مليون من القرض المبرم عام 1867 ، والمبلغ المتبقي هو 132.807.882 فرنك مقدمة من حكومة مصر .
-
المراجع
-
انجلو ساماركو : قناة السويس : تاريخها ومشكلاتها
-
محمود حسن صالح منسى : مشروع قناة السويس دار الكتب والوثائق 2019
-
مصطفى الحفناوى : قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة – القاهرة 1954
-
هيئة قناة السويس 150 عاما من التاريخ 2019