المأزق العراقي ازاء تأزم الوضع الداخلي والتجاذبات الاقليمية والدولية
ديسمبر 22, 2019السفير منير زهران: مصر سخرت كافة إمكاناتها لدعم إفريقيا
ديسمبر 23, 2019
كلمة السفير عبد الرءوف الريدي
الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي للمجلس المصري للشئون الخارجية
بعنوان: أمن الشرق الأوسط.. الفرص والتحديات
23 ديسمبر 2019
بمقر المجلس بالمعادي
السيد الوزير سامح شكري وزير الخارجية
الأخوة والأخوات رئيس مجلس الإدارة وأعضاء المجلس المصري للشئون الخارجية
مرحبا بك يا سيادة الوزير وشكرنا وامتناننا ولتشريفكم بمشاركتكم لنا في حضور هذا المؤتمر السنوي في العام العشرين من عمر المجلس المصري للشئون الخارجية.
ويصادف اليوم 23 ديسمبر 2019 عيد النصر الثالث والستين، عيد انتصار الإرادة المصرية في واحدة من أعظم معارك مصر في تاريخها الحديث، المعركة التي يعرفها العالم باسم حرب السويس، بدءا بالإعلان التاريخي للرئيس جمال عبد الناصر يوم 26 يوليو 1956 قرار تأميم القناة، اليوم الذي أصبحت فيه القناة لمصر لا مصر للقناة، مع ما تعاقب من معارك بعد ذلك كان آخرها معركة انتصار الإرادة المصرية مرة أخرى بإفشال مؤامرة العدوان الثلاثي… حتى اضطرت القواتُ المعتديةُ للانسحاب من المنطقة التي كانت قد احتلتها في مدينة بورسعيد الباسلة وما حواليها.
كان من حظي أن أشهد في مستهل تجربتي في العمل الدبلوماسي جانبا من هذه الملحمة التاريخية في إحدى أهم ساحاتها وهي الأمم المتحدة مجلس الأمن والجمعية العامة، حيث شهدت الأداء الدبلوماسي الرفيع لوزير خارجية مصر آنذاك دكتور محمود فوزي أبو الدبلوماسية المصرية.
لم يكن الانتصار في هذه المعركة انتصارا لمصر فقط بل كان انتصارا لقضية الحرية في العالم… ونهاية الاستعمار، وكانت قارتنا أفريقيا هي الرابح الأكبر، وأسهمت مصر أعظم اسهام في دعم حركات التحرر الوطني بدءا من الجزائر شمال القارة حتى جنوب افريقيا في جنوبها…
لم يكن النصر لأفريقيا فقط بل كان للحرية في كل مكان حيث وضع حدا فاصلا بين الحرية من ناحية والاستعمار والتفرقة العنصرية من ناحية أخرى. كما كانت انتصارا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة القائمة على احترام السيادة والسلامة الإقليمية للدول، حق تقرير المصير لكافة شعوب العالم… وما كان يمكن أن يصدر الإعلان العالمي للأمم المتحدة (قرار 1514) لولا انتصار مصر في معركة السويس الخالدة.
ولعله من المناسب أن أشير هنا أننا شكلنا وفدا ضم أكثر من 20 عضوا من أعضاء المجلس المصري للشئون الخارجية مع ممثلين لمكتبة مصر العامة، وذهبنا إلى الإسماعيلية يوم 17 نوفمبر 2019 وهنأنا الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة القناة بمناسبة مرور مائة وخمسين عاما على افتتاح القناة… كان يوما رائعا استضافنا فيه الفريق أسامة في جولة بحرية في القناة ومرور عبر الأنفاق من غرب القناة إلى شرقها في سيناء إلى تفقد متاحفً القناة التاريخية، وكان هناك ضيوف آخرون من أصدقاء قناة السويس، جاءوا من فرنسا وكان لقاؤنا معهم لقاءَ أصدقاءٍ وشتانَ ما بين المشاعر في عام 56 وبين المشاعر الآن في عام 2019. كانت أجواء نجاح مشروع القناة وإضافة القناة الجديدة والتجديدات التي تمت بقيادة الرئيس السيسي ومن بينها إنشاء المنطقة الاقتصادية، أجواءً جعلتنا نعود من هذه الزيارة مفعمين بالأمل وبمستقبل واعد لبلادنا وللقناة بطبيعة الحال…
والواقع أن أحداث المائة وخمسين عاما الماضية تجسد حقيقة ثابتة في واقع مصر وموقعها العبقري في منتصف القارات، وفيما يمكن أن نصفه بأنه في وسط العالم، من دائرة عربية إلى دائرة إسلامية إلى دائرة أفريقية آسيوية إلى دائرة البحر المتوسط التي شهدت ظهورا جديدا وهاما على الساحة الإقليمية والدولية…
هذه الحقيقة هي أن سياسة مصر الخارجية تقع في قلب أمن مصر القومي. نرى ذلك خصوصا في هذه الأيام فيما نشاهده من فرص وتحديات أمام السياسة الخارجية المصرية كما يوحي به عنوان مؤتمرنا السنوي العشرون.
وفي هذا تطل علينا قضيتان هامتان بل حيويتان لمصر، فيهما أمن مصر المائي وأمنها الجيواستراتيجي.
أمامنا قضية مصر مع مياه النيل شريان الحياة منذ خلق الله هذا الكون… جريان النهر وسط الصحراء حيث يعيش على جنباته الآن مائة مليون أو يزيد… حضارات أقيمت مستلهمة نهر النيل، وتشهد عليها تعاليم وترانيم كتاب الموتى وحساب الآلهة للبشر إزاء حفاظهم على مياه هذا النهر الخالد… أمانةً وأمناً… هذا إذا اتجهنا جنوبا.
أما إذا اتجهنا غربا فسنرى ما استجد من أمور وتهديد لإخوتنا في ليبيا الشقيقة لنا… شبح استعمار تركي جديد يطل على اخوتنا وعلينا بعد مائة عام من انتهاء الاستعمارً التركيً القديم والذي استمر لقرون… هذا تحدٍ كبير لنا في أمننا القومي.
وتظهر الدبلوماسية المصرية الحكيمة والواعية لتواجه هذين التحديين ضمن مجمل تحديات السياسة الخارجية المصرية سواءً في فلسطين أو في سوريا التي لم تسلم من النزعة العدوانية القادمة من الأناضول أو غيرهما.
وإذ أتحدث بهذا الأسلوب عن التحدي الجديد القادم من تركيا، فإنني أعلم أن عموم الشعب التركي لا ينخرط في هذه المشاعر والسياسات السلبية التي تحرك قيادتهم التي تبدو وكأنها قد دخلت في متاهة اختلطت فيها الأحلامُ بالأوهام مستهدفةً الأرض والشعوب العربية.
وعندما نتحدث عن الشئون الخارجية فإننا نقدر نجاح مصر بقيادة الرئيس السيسي في رئاسة الاتحاد الأفريقي لعام 2019… ونحن بالتالي نهنئ جهاز مصر الدبلوماسي بقيادتكم فيما يبذله من جهد دؤوب في مواجهة هذه التحديات.
ما أن شارف العامُ على الانتهاء حتى دشنت مصر منتدى أسوان Aswan Forum الذي يفتح مسارا فكريا جديدا نتواصل به مع أفريقيا والعالم المهتم بشئون قاراتنا العتيدة.
في أوائل هذا الشهر وأثناء اجتماع جمعيتنا العمومية هنا في هذه القاعة فى مطلع هذا الشهر تبادلت مع زملائي التهنئة بأن هذا المنتدى الذي كان حلما لنا قد انتقل من خيالات الحلم إلى أرض الواقع، واعتقادي أنه كلما كان هذا المنتدى متفاعلا مع المجتمع المدني ومراكز البحث في الشئون الخارجية والأمنية ليس فقط في مصر بل وفي العالم… كان ذلك إثراءً له وجالباً لمزيدا من القبول والمصداقية.
نشكرك يا سيادة الوزير على مشاركتنا في العيد العشرين لإنشاء المجلس المصري للشئون الخارجية… وعندما يجول الخاطر كما يجول في مثل هذه المناسبات فإنني أتذكر أخي وصديقي السفير الراحل دكتور محمد إبراهيم شاكر ومآثره وما خلفه من تراث تحتل قضية منع انتشار الأسلحة النووية صدارته… وبالمناسبة فإنني لا أفوتّ هذه الفرصة إلى وأذكرّ مجلسنا إلى أنه مازال مدينا لروح السفير شاكر بإصدار كتاب عن مسيرته الزاهية واسهامه في خدمة قضية منع انتشار الأسلحة النووية تحديدا ورسالته للدكتوراه التي أخرجها في الكتاب المرجع الأول في العالم عن هذه المعاهدة الهامة وهو ما يلقى اعتراف بلدان العالم الخارجي وخاصة ما شاهدناه كلانا في نيويورك عن دور المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية الذي كان ومازال يقبع جوار المقر القديم لبعثة مصر لدى الأمم المتحدة بنيويورك… وفي غيره من مجالس ومراكز فكر في الشئون الخارجية، تفاعلنا معها أثناء خدمتنا في العواصم مثل لندن وواشنطن.. وغيرهما… فاجتمعنا ومعنا صديقان من جيلين أصغر من جيلنا… واتفقنا مع مجموعة من الأصدقاء والزملاء ودعوناهم لتأسيس هذا المجلس… هناك من دعوناهم من سفراء وقادة جيوش سابقين وأساتذة علوم سياسية ومفكرين ورجال إعلام ورجال أعمال… والتأم الجمع في قاعة بمبنى الأهرام وأعلنا قيام المجلس، ثم استضافنا الوزير الفنان فاروق حسني في قاعة المسرح الكبير بدار الأوبرا لنعلن على الملأ إنشاء هذا المجلس الذي نحتفل اليوم بعيده العشرين…
تم تأسيس المجلس… ووقع اختيارنا على السفير دكتور السيد أمين شلبي مديرا له فكان المدير المؤسس وقضى خمسة عشر عاما نذكرها له بكل الخير وبكل التقدير فضلا عن المحبة التي في القلوب. شكرا لك يا أخي العزيز دكتور سفير السيد أمين شلبي.
ثم دبر لنا الله مقرا استضافتنا فيه شركة مصرية عريقة هي شركة المقاولون العرب لأربعة أعوام.. إلى أن تحتم علينا أن نبحث عن مقر آخر أمنّا هذا المقر دورا كاملا في هذا البرج الذي نشغل فيه الدور الثاني عشر مطلا على نيل مصر العظيم… تآلفت الموارد… من وزارتنا العزيزة… وزارة الخارجية ولا ننسى هنا دور الوزير عمرو موسى ولا دور الوزيرة فائزة أبو النجا… ولا غيرهم من رجال ونساء شيوخا وشبابا… دعموا نشأتنا ومسيرتنا… وسرعان ما شعرنا بأننا ربما نكون قد ملأنا بعض الفراغ الذي كان يجب ملؤه بمثل هذا المجلس وغيره من مراكز بحث مثل منتدى أسوان الوليد بطبيعة الحال…
عشرون عاما زارنا فيها والتقينا فيه برؤساء دول ووزراء ودبلوماسيين ومفكرين وذهبنا في زيارات إلى واشنطن حيث التقينا بأعضاء كونجرس ومراكز بحث وإلى نيويورك وشيكاغو ولندن والرياض ونيودلهى والخرطوم وأديس أبابا وغيرها… وعقدنا الندوات والمؤتمرات في مصر والخارج… وانضم إلينا الكثيرون، وسعدنا بكل ذلك مع بقاء الآمال معلقة على ساحة أرحب من العمل الفكري الذي لا ينضب في مجال شئون مصر الخارجية، وأشير مرة أخرى إلى اجتماع جمعيتنا العمومية الأخير الذي أكدنا فيه على التزامنا في الأنشطة بأجندة مصر الوطنية وما يفرضه أمنها القومي ويفتحه من مجالات للبحث والدراسة والتفاعل مع مراكز البحث في مصر والعالم.
وبعد أن اكتسبنا خبرة أعوام عشرين وجدنا أنه من الأهم أن نطور أعمدة عملنا وآلياته من موارد بشرية وموارد مالية… الخ وفي الجمعية العمومية التي انعقدت في مطلع هذا الشهر كانت في أيدينا مقترحات للتطوير… كيف نعمل على أن يكون المتوسط العمري للأعضاء أكثر تمثيلا للشباب… وكيف يمكن أن تكون لنا طرق أكثر كفاءة في البحث وفي الفكر… ثم في كيف يمكن أن تكون لنا موارد مالية أوفر بما يساعدنا في تحقيق المزيد من عملنا وانتاجنا الفكري وهو أمر نحتاج فيه أن ندرس التجارب في المركز والمجالس الشبيهة… نحن نقدر لكم ولوزارتكم التي كانت ولا تزال وزارتنا دعمكم لنا… ولكننا نحتاج على أية حال إلى تفعيل قدراتنا الذاتية فيما يسمى Fund Raising.
ومن العضوية والتمويل… إلى توسيع قاعدة أنشطتنا وانتاجنا الفكري… فقررنا أن ندعو إلى عقد جمعية عامة استثنائية تعقد إن شاء الله في الربع الأول من 2020 بإذن الله لنبحث موضوع التطوير بتأنٍ وعمق مع الإعداد الجيد لهذه الجمعية وهو ما أتصور أننا سنشرع فيه على الفور بإذن الله.
كان إنشاءُ هذا المجلس بالنسبة لنا جميعا أملا… فوفقنا الله وتحقق الأمل… ولكن ذلك ليس إلا البداية التي يتعين أن نرعاها ونطورها حتى نتنقل المسؤولية إلى الجيل التالي والجيل الذي يليه وهكذا، وتبقى إن شاء الله العلاقةُ العضوية مع مؤسسة الخارجية التي نشأنا في رحابها وعشنا تجاربها ونموها المضطرد.
تحدونا آمال كبيرة وتحفزنا إرادة أكيدة في أن نفعل كل ما في وسعنا في خدمة بلادنا الحبيبة وأمنها القومي.
شكرا لكم يا سيادة الوزير وشكرا لإخوتي وأخواتي رئيس وأعضاء المجلس المصري للشئون الخارجية.
السفير عبد الرءوف الريدي