السفير عبد الرحمن صلاح يكتب: رسالة إلى الشعب التركي من مصري محب لتركيا
مارس 6, 2020محاكمة البشير ما بين محكمة جنائية وطنية أو محكمة جنائية دولية …السودان أم لاهاى
مارس 9, 2020
د. عزت سعد
مقدمة:
ثمة توافق عام على حقيقة الحضور الروسي الواضح والمتزايد في منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا، سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا واقتصاديا وإن بدرجة أقل، لا سيما علاقات موسكو بالدول الرئيسية فيها مثل مصر وإيران وتركيا والعراق والمملكة العربية السعودية وإسرائيل.
وجاء التدخل العسكري الروسي في سوريا في 30 سبتمبر عام 2015 ليشكل علامة فارقة في سياسة موسكو في المنطقة. إذ كانت المرة الأولى التي تحارب فيها قوات روسية خارج الفضاء السوفيتي السابق منذ التدخل العسكري في أفغانستان وسقوط الاتحاد السوفيتي، ووفر التدخل لروسيا فرصة تجاوز العزلة الدبلوماسية التي وجدت نفسها فيها في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم بعد الأزمة الأوكرانية عام 2014، والعقوبات الغربية التي فرضت عليها ارتباطا بذلك. وقد أدت الضربات الجوية الروسية الناجحة إلى تغيير مسار الحرب الأهلية جذريا وإنقاذ نظام الأسد من انهيار وشيك، وهو ما وفر لروسيا لعب الدور المهيمن في العملية السياسية ومحاورها الرئيسي مع أصحاب المصلحة في هذه الأزمة.
أولاً: محددات السياسة الخارجية الروسية في المنطقة:
تستهدف استراتيجية السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط تحقيق مجموعة من الأهداف يمكن تلخيصها في الآتي:
مكافحة الإرهاب والتطرف الديني، باعتبار أن ذلك يحقق مصالح روسيا وأمنها القومي ارتباطا بالمكون الاسلامي في المجتمع الروسي، والذي يبلغ نسبة 17 – 20% من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 143 مليون نسمة، من المسلمين السنة المتواجدين في حزام جمهوريات ذات حكم ذاتي في جنوب روسيا، على حدودها مع العالم الإسلامي، وفي جمهوريتي تتارستان وباشكورتستان. وفي هذا السياق حرصت روسيا على الحصول على وضعية المراقب لدى منظمة التعاون الإسلامي منذ عام 2005، كما بادرت بإنشاء شراكة استراتيجية تقوم على حوار غير رسمي يضم شخصيات من الدول الإسلامية (تحت شعار: رؤية استراتيجية: روسيا والعالم الإسلامي) يعقد سنويا بشكل شبه منتظم منذ عام 2006.
حرص روسيا على الظهور بمظهر القوة الكبرى العظمى في المنطقة: ويرجع ذلك أساسا إلى أن علاقات روسيا بالشرق الأوسط تعد عاملا مهما في معادلة العلاقات الروسية / الأمريكية، ذلك أنه بعد انتهاء الحرب الباردة، سعت روسيا إلى التقارب والتعاون مع الغرب، سواء لتحقيق تسوية سلمية للصراع العربي / الإسرائيلي من خلال عملية مدريد بعد حرب تحرير الكويت عام 1991، أو إبداء التضامن مع واشنطن في حملتها لمكافحة الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، حيث كان الرئيس بوتين أول من بادر بالاتصال بنظيره الأمريكي لإبداء تعاونه في هذا الشأن، وهو تعاون لم يقدر له أن يستمر طويلاً بعد أن قررت الولايات المتحدة العمل خارج الأمم المتحدة وغزو العراق بالتواطؤ مع بريطانيا عام 2003 بدعوى امتلاك النظام العراقي أسلحة دمار شامل.
وقد عادت روسيا إلى المنطقة بوجه مختلف عن الوجه السوفيتي، حيث لم تعد الأيديولوجية تلعب أي دور في توجهات سياستها الخارجية، وأصبح الشرق الأوسط منطقة تتمتع فيها هذه السياسة بميزة تكتيكية وطابع عملي براجماتي تجعلها مختلفة عن سياسات الغرب.
ويمكن القول بأن موسكو – ودون مواجهة مع واشنطن – نجحت بالفعل في خلق الانطباع في العالم العربي بأنها والولايات المتحدة غريمان متنافسان في المنطقة وفي مناطق أخرى. ويروق لروسيا سيادة هذا الانطباع، لكي تغير صورة الدولة الضعيفة التي ظلت مهيمنة في أذهان شعوب المنطقة إبان حكم يلتسين خلال عقد التسعينات.
تحقيق أهداف اقتصادية وتجارية ممثلة في تأمين فرص لمبيعات روسيا من السلاح في أسواقه التقليدية، ومحاولة اختراق أسواق جديدة مثل دول الخليج العربي، وتأمين مصالح شركات الطاقة الروسية في المنطقة، بتبني سياسة نشطة للغاية في مجال الطاقة ومضاعفة صادراتها من الحبوب لدول المنطقة.
ووفقا لتقرير ” معهد ستكهولم الدولي لبحوث السلام” لعام 2018، انتزعت روسيا المركز الثاني على لائحة أبرز الدول المنتجة للأسلحة، على حساب بريطانيا التي كانت تحتل هذه المكانة منذ عام 2002، بعد الولايات المتحدة. وباتت المنطقة بمثابة المتلقي الأول للسلاح الروسي بنسبة 50% من إجمالي صادرات موسكو. وهو ما يرجع – جزئيا على الأقل – إلى نجاح الحملة العسكرية الروسية في سوريا.
ثانياً: التحولات في سياسة موسكو بعد عام 2011:
رغم أن مساعي روسيا الحثيثة لاستعادة نفوذها في المنطقة بدأت منذ منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، بعد سداد ديونها الخارجية واستعادة قوتها العسكرية، إلا أن جهودها لم تثمر على نحو واضح إلا بعد ثورات الربيع العربي، والتي قيمتها موسكو بأنها انقلابات مدعومة غربيا للإطاحة بالنظم الشرعية القائمة واستبدالها بنظم موالية، على غرار الثورات الملونة في جورجيا وأوكرانيا التي دعمها الغرب مستهدفا موسكو بها. ومن المعلوم أن لروسيا موقفا واضحا من الإسلام السياسي، وتحديدا تنظيم الإخوان المسلمين في مصر والمصنف إرهابيا هناك بموجب حكم قضائي منذ عام 2001.
وهكذا فإن استغلال الإسلام السياسي ثورات الربيع العربي للصعود للحكم، أثار مخاوف روسيا، وهو ما دعاها إلى التعاون مثلاً مع مصر، حيث تلاقت مصالح البلدين وإن اختلفت الأسباب. وكان هذا هو الحال بالنسبة لليبيا وسوريا، كما أن صعود داعش في العراق وسوريا قد وضع خطر الإرهاب والتطرف الديني على رأس أجندة الأمن الدولي. ويمكن القول بأن الأوضاع المتردية في المنطقة، والتي تواكبت مع تراجع الولايات المتحدة عن مشكلات المنطقة وعزوفها عن الانخراط فيها، بل وتبنيها مواقف داعمة للإسلام السياسي كالحالة المصرية، ثم فوضى السياسة الأمريكية في عهد ترامب، دفع دول المنطقة إلى البحث عن شراكات بديلة، حيث بدت روسيا بمثابة بديل جذاب في هذا الشأن.
وقد وفرت كل هذه الظروف والعوامل، مجتمعة، فرصة لموسكو للبدء في سد الفراغ الذي تولد عن غياب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من خلال تنشيط دبلوماسيتها وعلاقاتها العسكرية في المنطقة.
ثالثاً: الموقف الروسي تجاه نزاعات المنطقة وأدواتها في تحقيق أهدافها فيها:
يعد التدخل العسكري الروسي في سوريا بمثابة استثناء على سياسة روسيا تجاه مشكلات الشرق الأوسط، حيث تجنبت هذا التدخل، وحتى الدبلوماسي أحيانا، في نزاعات المنطقة. ويمكن القول بأن مبادئ السياسة الخارجية الروسية، لاسيما عدم التدخل في الشئون الداخلية والمساواة في السيادة وعدم تغيير النظم السياسية بالقوة، هي كلها مبادئ تتسق مع التوجهات التي تعتنقها كل الدول العربية تقريبا. وعلى هذا الأساس اتخذت روسيا مواقف مناهضة للتدخلات الغربية في المنطقة.
وتتسم السياسة الخارجية الروسية في المنطقة بقدر كبير من البراجماتية والعملية ودرجة عالية من المرونة، تبدو فيها هذه السياسة متناقضة وربما انتهازية في رأي بعض المراقبين. والأمثلة على ذلك كثيرة منها:
السياسة الروسية إزاء الصراع العربي الإسرائيلي: ففي فترة الحرب الباردة أيدت موسكو القضية الفلسطينية، واعتبرت أن الدعم الأمريكي القوي لإسرائيل يمنح الاتحاد السوفيتي (سابقا) فرصة للتحالف مع الدول العربية. وقد نجح هذا التحالف في بعض الحالات مثل مصر ( فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر) وسوريا والعراق (في ظل حزب البعث(. وفي الفترة من حرب يونيو عام 1967 وحتى نهاية الحرب الباردة، لم يكن لموسكو علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، حيث استؤنفت عام 1991، وما حدث من تقارب بين البلدين منذ تولي بوتين الحكم يعد التطور الأهم في سياسة موسكو في الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب الباردة، ولعبت العلاقة الشخصية الإيجابية بين بوتين وشارون، ثم نتنياهو من بعده، دورا مهما في تحقيق هذا التقارب.
ومنذ تولي بوتين الحكم عام 2000، عملت موسكو على تحسين العلاقات مع كل الأطراف المعنية ( السلطة الوطنية الفلسطينية – حماس التي لا تعتبرها روسيا إرهابية – حزب الله)، وفي الوقت الذي انخرطت فيه حماس والحزب في صدامات خطيرة ومباشرة مع إسرائيل، ازدهرت علاقات موسكو بهذه الأخيرة ونمت بذرة التعاون الأمني الواسع بين البلدين، كما باتت إسرائيل مصدرا لبعض التكنولوجيات العسكرية في روسيا.
تبدو هذه الواقعية في السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط في علاقات موسكو بكل من طهران وأنقرة ارتباطا بتدخل الأولى عسكريا في سوريا. فقد دخلت روسيا بالفعل في نوع من “التحالف الموقفي” مع إيران وتركيا، بموجبه اعترفت، وقبلت كمسألة واقع مصالح أمنية لحليفيها في سوريا اعتبرتها مصالح قومية مشروعة. وفي هذا السياق، وافقت موسكو مع أنقرة على أن نشاط حزب العمال الكردستاني (PKK) ومعسكرات تدريبه في الأراضي السورية، الواقعة تحت سيطرة الأكراد على الحدود التركية، يشكل تهديدا لأمن واستقرار تركيا. وفي المقابل انتزع بوتين من نظيره التركي وعدا بألا يسعى إلى تقويض نظام الأسد في دمشق، وأن يظل غزو تركيا للمناطق الحدودية في سوريا محدودا.
وفيما يتعلق بإيران، أدركت روسيا حاجتها للاحتفاظ بطريق بري بينها وبين حليفها حزب الله في لبنان، والذي تعتبره موسكو لاعبا سياسيا وعسكريا مهما في المنطقة، وليس تنظيما إرهابيا كما تصنفه الولايات المتحدة. في الوقت ذاته لم ترتح روسيا لمحاولات إيران – على محدوديتها – تهديد إسرائيل من داخل سوريا. كل ذلك رغم اعتراف بوتين بدور إيران وحزب الله في تحقيق الانتصار الذي أعلنه في سوريا. وتعززت علاقة روسيا بمحور المقاومة بقيادة إيران، والممتد من لبنان إلى إيران، في النزاع السوري، حيث اتحد الجميع حول هدف واحد هو ضمان الإبقاء على نظام الأسد. وتدرك روسيا أنها لا تملك القدرة على العمل بمفردها وبصفة مستقلة عن هذا المحور، وأن أي قطيعة مع إيران سوف تطيح بما حققته من مكاسب في سوريا.
ومع ذلك لا يجوز تجاهل التباين في مصالح روسيا وإيران في سوريا. فالروس مهتمون بإعادة سوريا إلى ما كانت عليه وجني ثمار السلام وإعادة الإعمار، أما إيران فلديها بجانب ذلك اهتمام كبير باستغلال سوريا كمنبر لتمددها الإقليمي ولمناكفة إسرائيل. وتشير تقديرات كثيرة إلى أن الوجود الإيراني الثقافي والاقتصادي أكثر قوة في سوريا في الوقت الذي تفتقد فيه موسكو القدرة العسكرية والدبلوماسية لإحداث تأثير يذكر على طهران، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام طموحات موسكو في الشرق الأوسط.
بالرغم من تعاون موسكو مع إيران في سوريا، على النحو المشار إليه عاليه، واستمرار التمسك بالصفقة النووية الإيرانية الموقعة عام 2015، تمضي روسيا قدما في تعميق روابطها بدول الخليج العربي، لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. حيث أظهرت اهتماما بأمن هذه الدول من خلال طرح مبادرات في هذا الشأن منذ عام 2007 وحتى العام الماضي، عندما طرحت مبادرة حول أمن الخليج قبل أن يقوم الرئيس بوتين بزيارة لكل من السعودية والإمارات في أكتوبر2019. وتنظر كل من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى إلى إيران على أنها خصمها الرئيسي، وتعتبر روسيا حليفا ليس فقط لإيران، بل حليفا للشيعة ضد السنة، وأن الأفعال الروسية في سوريا لا تقتصر فقط على مساعدة نظام الأقلية العلوية من أجل قمع الأغلبية العربية السنية، بل تساعد أيضا على ما تراه تلك الدول جهودا توسعية لإيران بهدف السيطرة على العراق وسوريا ولبنان، في وقت تبدو فيه موسكو غير قادرة بل وغير راغبة، في كبح هذا التوسع.
بالنسبة للمقاربة الروسية للملف الليبي، لم تكن لروسيا مصالح حيوية خاصة هناك تجبرها على اتخاذ تدابير انفرادية فعالة، رغم رغبة الشركات الروسية العاملة في السوق الليبية قبل عام 2011 في العودة لاستئناف أنشطتها هناك، وعلى هامش قمة روسيا / إفريقيا في سوتشي في أكتوبر 2019، وقع الجانبان اتفاقات توريد مليون طن من القمح الروسي لطرابلس ومشاريع في مجال الكهرباء وأعمال التنقيب.
وفي سياق الاستراتيجية الروسية في تعاملها مع ملفات المنطقة، تحتفظ موسكو باتصالات منتظمة وتتفاعل تكتيكيا مع كل الفاعلين الليبيين في غياب من التدخل النشط والامتناع عن الوساطة، ربما على أساس أن الديناميكيات الإقليمية، وليس المصالح الروسية، هي التي تملي تطور الأوضاع في ليبيا. ولعل العامل الذي أدى إلى تغيير اللعبة هنا هو تركيا المستعدة لتوظيف مواردها الخاصة من أجل استعادة موازين القوى وإرسال أسلحة وقوات للسراج، خاصة بعد توقيع الجانبين على مذكرة تفاهم في 27 نوفمبر الماضي حول ” تحديد مجالات الصلاحية البحرية في البحر الأبيض المتوسط”، وهو ما أثار عاصفة من الإدانات الإقليمية والدولية. وبحكم تجربة البلدين في “تحالفهما الموقفي” بشأن ما يجري في سوريا واعتراف كل جانب بمصالح الأخر فيها، قدّرا أن تنسيقا وتعاونا بينهما في ليبيا لن تعوقه حقيقة دعم تركيا للسراج ودعم روسيا لغريمه حفتر .
في السياق عاليه وقبيل عقد مؤتمر برلين للأطراف الرئيسية للنزاع في 19 يناير الماضي، بادرت موسكو باستضافة مؤتمر مفاجئ برعاية روسية / تركية دعت إليه كلا من حفتر والسراج قيل إنه يستهدف وقف إطلاق النار الذي دعا إليه رئيسا البلدين في ختام اجتماعهما في إسطنبول في 8 يناير، داعين الطرفين الليبيين المتناحرين إلى وقف العمليات العسكرية بدءا من 12 يناير والعودة إلى المفاوضات السياسية. ومن الواضح أن الدعوة وجهت دون تشاور مسبق مع أطراف رئيسية، وبالتالي لم تتم الأحداث كما كان مخططا لها. فقد أعلن عن توقيع السراج وحليفه السياسي خالد مشري (طرابلس)، اتفاق وقف إطلاق النار أعده مسئولون روس وأتراك من سبع نقاط، بينما رفض التوقيع كل من حفتر وحليفه السياسي عقيلة صالح الذي يترأس البرلمان في طبرق، حيث غادرا موسكو دون حتى الالتقاء بالأطراف الأخرى. وفي التقدير يمكن تصور أن تكون موسكو وأنقره قد قررتا عقد صفقة مفيدة لهما على غرار الحالة السورية، رغم التناقضات الواضحة في موقفيهما في ليبيا أيضا، خاصة وأنها استهدفت وقف القتال. وربما وضعهما ذلك في مقعد القيادة لحل الصراع ومؤتمر برلين على الأبواب، خاصة وأنهما يدركان افتقاد الشركاء الأوروبيين إلى موقف موحد والغياب المتزايد للولايات المتحدة. ومن باب توجيه رسائل للغرب بنجاح موسكو في تطوير شراكة متنامية مع دولة عضو في حلف شمال الأطلنطي، بدأت بالتعاون في مجال الطاقة وبيع منظومة الصواريخ الروسية S -400، جرت أعمال مؤتمر موسكو في إطار صيغة 2+2 بين وزيري خارجية ودفاع البلدين في حضور الرئيسين.
والواقع أنه رغم نجاح السياسة الخارجية الروسية في الملاحة بمهارة شديدة فيما بين قوى الإقليم ذوي المصالح المتعارضة والمتناقضة: إسرائيل / إيران، إيران / السعودية – السعودية / قطر – تركيا / مصر، لم تنجح موسكو في توظيف نجاحاتها في الإقليم للقيام بدور الوساطة في النزاعات فيه، رغم محاولاتها العديدة في هذا الشأن، سواء ارتباطا بالحرب في اليمن أو الصراع العربي / الإسرائيلي، أو الأزمة الليبية. وإن ظلت على روابطها واتصالاتها بجميع الأطراف في هذه النزاعات.
ولا شك أن هناك قيودا على نفوذ روسيا في المنطقة، فهي ليست القوة المهيمنة فيها، كما أنها ليست القوة الرئيسية المعترف بها لضمان أمنها. إذ تخضع روسيا لعدد من المحددات، خاصة من حيث الموارد الاقتصادية والمالية التي تكبل سياستها الخارجية- في مجملها – وفي الشرق الأوسط خاصة.
رابعاً: رؤية القوي الكبرى الأخرى للدور الروسي في المنطقة والأنماط الحاكمة لعلاقات موسكو بهذه القوى:
عادة ما يلقي الدور الروسي في الشرق الأوسط إدانة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والذي يتم تقييمه أحيانا على أنه نوع من الانتهازية. حيث يرتبط ذلك بالتدخل الروسي في سوريا خاصة في ضوء تأثير الأزمة السورية على تدفق اللاجئين إلى أوروبا، لذا تلقى العمليات العسكرية الروسية ودعم موسكو للرئيس الأسد إدانات متواصلة من بروكسل والتأكيد على رفض الاتحاد الأوروبي القاطع المشاركة في إعادة إعمار سوريا في غيبة من تحقيق انتقال سياسي شامل وحقيقي. ومع ذلك يعترف الاتحاد الأوروبي بأهمية دور موسكو في إنهاء الحرب في سوريا من خلال التنسيق في إطار مسار أستانا والمزيد من التعاون للتوصل إلى حل سياسي للأزمات. ويفسر هذا التناقض والتردد في موقف الاتحاد الأوروبي وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية إزاء السياسة الروسية في المنطقة، وتحديدا في سوريا، بمحدودية دور الطرفين وافتقاد كل منهما إلى استراتيجية واضحة سواء للتعامل مع مشكلات المنطقة أو مع السياسة الروسية فيها.
والحال على ما تقدم بالنسبة للموقف الغربي، يمكن القول بأن سياسة روسيا في المنطقة تتسم بانفتاح كبير وبسمة تعاونية أكثر منها صراعية أو تنافسية مع الولايات المتحدة وأوروبا. إذ يؤكد الروس دائما على عدم وجود بديل لجهود جماعية دولية في حل المشكلات الدولية والإقليمية، وأنه لا يمكن تجاهل روسيا في إيجاد تسوية لهذه المشكلات. وفضلاً عن ذلك، وبعيدا عن أوضاعها الداخلية، لا ترى موسكو جدوى من أية تدخلات خارجية في المنطقة لإعادة هيكلة الحياة السياسية في دولها، أيا كانت المبررات وراء ذلك، سواء أكانت الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو غيرها. ويضاف إلى كل ذلك أن سياسة روسيا في المنطقة، وعلى خلاف الولايات المتحدة، تتسم بالتوازن والعملية. ففي الوقت الذي تعمل فيه موسكو على بناء علاقات بالدول العربية تقوم على قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، سواء تلك المتحالفة مع واشنطن أو غير المتحالفة معها، وكذلك مع الشارع العربي (قناة روسيا اليوم التي تبث بالعربية منذ إبريل 2010)، تحتفظ روسيا أيضا بنوع من الشراكة الاستراتيجية مع إيران وبعلاقات متطورة مع إسرائيل. وفي كل تحركاتها في المنطقة تهتم روسيا دائما ألا تبدو كشريك صغير للولايات المتحدة في قضايا المنطقة، وفي القضايا الأخرى ذات الأهمية بالنسبة للعالم الإسلامي.
نشر المقال بمجلة شؤون عربية بتاريخ 9 مارس 2020 و رابط دائم :
https://arabaffairsonline.com/الدور-الروسي-في-الشرق-الأوسط-مرونة-الت/