في أمريكا: العوار بالدستور واتهام ترامب بالتقصير
مارس 31, 2020هل يمكن للأمم المتحدة التوصل إلى موقف موحد من «كورونا»؟!
أبريل 16, 2020
سفير د. محمد بدرالدين زايد[1]
أطلق الأمين العام للجامعة العربية السيد أحمد أبوالغيط نداءا مهما بضرورة توقف الصراعات المسلحة المستمرة فى المنطقة داعيا للتفرغ لمواجهة الوباء الخطير كوفيد 19 أو كما يطلق عليه كورونا، كما اطلق الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريش نداءا عالميا تاليا مماثلا ،و كلا المسئولين الدوليين الرفيعين المعنيين بحفظ السلم والأمن الدوليين وكذا بقضايا التعاون الدولى لابد أن ينجذب أهتمامهما لخطورة تفشى الأوبئة فى مناطق الصراعات والنزوح ،وخاصة فى معسكرات النازحين .
كان هذا الموضوع قد اثار أهتمامى شخصيا وكتبت حوله فى موضع آخر منذ حوالى أسبوعين بشان سورية ،ومخاطر أنتشار كورونا فى مخيمات النازحين حيث تتردى مستويات المعيشة والرعاية الصحية ويتكدس البشر وخاصة الأطفال وكبار السن ،ما قد يهدد بكارثة أنسانية خطيرة ،وقد نبهت آنذاك أن المفارقة أنه فى هذه الحالة أن عمال وناشطى الأغاثة الأنسانية من الأجانب قد يصبحون هم أكبر تهديد لهؤلاء السوريين ،الذين يتصادف مرور عشر سنوات على محنتهم العبثية .ولعلى أضيف اليوم بهذا الصدد أن من الآثار المباشرة أيضا عدم القدرة على أيصال المساعدات الأنسانية لو ادت أجراءات العزل وتقليل السفر ونقص موارد الدول المانحة ذاتها بسبب تداعيات الأزمة الى عدم قدرة أفراد ومواد الأغاثة عن الوصول الى مراكز الأغاثة .
على أن هذه المسألة من ناحية مدارس التفكير الأستراتيجى وفيما يتعلق بأبعاد أدارة الصراعات والأزمات لها وجه آخر، وهو أن تكون هناك حسابات لبعض أطراف هذه الأزمة أوكلها بأستغلال انشغال العالم بأزمة أخرى لمحاولة الأسراع بأنهاء الصراع كل لصالحه، أو فرض أمر واقع على الأرض لصالح هذا الطرف أو ذاك .وبالمناسبة هذا أمر معتاد تاريخيا عندما ترى الأطراف أو طرف واحد أن أنشغال العالم الخارجى أو بعض أطراف النزاع بأزمات أو أنشغالات أخرى فرصة لحسم الأمور لصالحها .
على سبيل المثال هناك رأى رائج فى مصر وفى أوساط أخرى عديدة – وله وجاهته -بأن أثيوبيا استغلت أنشغال مصر الشديد بثورة 25 يناير لمحاولة فرض أمر واقع فيما يتعلق بأدارة ملف مياه النيل ،وترتيب الأمور بشكل يعقد الوضع فيما بعد .ومن ثم الفرضية التى نناقشها هنا هى كيف ستكون أنعكاسات أنكفاء العالم على أجراءات مكافحة كورونا فرصة لبعض الأطراف لترتيب أوراق الصراع الأقليمى بشكل موات لصالحها .
وهنا نلاحظ أن أكثر النماذج التى قد ينطبق عليها هذا فى المرحلة الراهنة هى ليبيا وفلسطين واليمن،مع أستمرار ترتيبات الهدنة فى سوريا وهدوء جبهتها فى المرحلة الراهنة ،وهى بدورها ترتيبات هشة ومؤقتة لم يثبت بعد قدرتها على الصمود ،أما الجبهة العراقية حيث التنافس الأمريكى –الأيرانى فهو حالة خاصة من التصعيد والكمون ،ولكن معالجة الأمر فى هذه الحالة العراقية رغم وجود بوادر تصعيد مؤخرا ،ربما يمكن أن تتم فى سياق آخر خاص بالأنسحابات الأمريكية المتوالية مؤخرا فى أفغانستان والعراق تحضيرا للحملة الأنتخابية دون أن يمنع هذا الأمر من تأثر لايمكن تجنبه من الأنشغال الدولى والأمريكى الراهن بشأن مواجهة أنتشار الوباء .
وعموما نركز هنا على الحالات الثلاث سابقة الذكر،ففى ليبيا ،كانت الهدنة أصلا التى تم التوصل اليها منذ اسابيع قليلة هشة ،وبدأت الأنتهاكات بشكل سريع ،ولم تتوقف تركيا عن أرسال المقاتلين أو المرتزقة السوريين ،كما لم يتوقف عملائها من التيار الأسلامى والمتحالف مع الميلشيات من أتهام الأطراف الأخرى والجيش الليبى بأختراق الهدنة ومواصلة القتال . وبعد أنتشار كورونا تصاعدت بعض المخاوف الليبية وكذا دوليا حيث وجهت بعض الأطراف من المعسكرين الدعوة الى هدنة والتركيز على مواجهة الوباء، ولكن سرعان ما تم تجاهل هذه الدعوات وتشهد جبهة القتال تصعيدا ملحوظا فى الفترة الأخيرة ،وربما ساعد على هذا انه لا توجد معلومات تدعو للقلق من أنتشار الوباء فى الأراضى الليبية ،على الرغم من أنه قد تكون تركيا بما تنقله من ميلشيات وليبين عالقين فى أراضيها اكبر مصدر تهديد لليبيا فى هذا الصدد . وفى الواقع أن ما يحدث يتفق مع أدارة أى صراع مسلح ،وبما يتفق مع غياب شواهد لعدم التزام الطرفين بالترتيبات الهشة التى تم التوصل اليها فى برلين والتى ما كان يمكن لها الصمود ،وذلك لعدة أسباب وصعوبات يتقدمها صعوبة تشكيل لجنة عسكرية مشتركة والتى كانت جزءا من ترتيبات مؤتمر برلين منذ شهور قليلة–حيث كان هذا يعنى مشاركة أطراف من الميلشيات المتطرفة أو المتحالفين مع الأخيرة –كلها أمور تجعل من هذه الترتيبات مستحيلة وغير قابلة للتطبيق والصمود في الواقع العملي، وثاني هذه الأسباب ترتبط بان مقتضيات ادارة الصراع من الجانب التركي والمتضمنة جبهتين السورية والليبية معا تفرض أن تحرك أنقرة عناصر الميلشيات من الجبهتين بشكل تحاول فيه الأستمرار كلاعب رئيسى فى الجبهتين معا ،كما أن موائمات ترتيباتها الهشة ايضا مع موسكو فى أدلب تفرض عليها مواصلة تحريك بعض العناصر الى الجبهة الليبية تخفيفا لضغوط موسكو عليها وهذه قصة معقدة ربما تحتاج لعرض منفصل ،بالنهاية الواضح ان هناك مراهنات فى ليبيا الآن للأستفادة من هذا الأنشغال الدولى والأقليمى ،وهى مراهنات لا يمكن تجاهلها .ومن المهم هنا كذلك ملاحظة تخبط الأدارة التركية- المستنزفة فى معارك خارجية عديدة -فى معالجة أزمة كورونا داخلها.
أما فى المواجهة الفلسطينية –الأسرائيلية ،فقد تم أستغلال تفشى الفيروس فى أسرائيل ليكون أحد العناوين الرئيسية لصفقة جانتس مع نتنياهو ،ليعطى الأول ظهره لتحالفاته وتفاهماته مع القائمة العربية وبعض عناصر اليسار الأسرائيلى من ناخبيه للتحالف مع الخصم الذى كان أسقاطه هدف حملاته الأنتخابية فى الجولات السابقة ،اما السؤال أين يضعنا هذا وكيف ،فعلينا أولا العودة الى المشهد الشاحب لجانتس وهو يشارك فى مؤتمر ترامب ونتنياهو لأعلان خطة الطرفين لتصفية القضية الفلسطينية ،حاول البعض بعدها تبرير هذا بأن جانتس لم يكن يملك أن يقف بعيدا عن هذه الترتيبات الكبرى ،وبعضهم أعطوا له العذر عندما عقدت جولة الأنتخابات الأخيرة وعادت نغمة الحديث عن تحالف جانتس وحركة أبيض –أزرق مع القائمة العربية .والحقيقة هنا أن فرص جانتس كانت مستحيلة بقدر أستحالة فرص نتنياهو ،فالأختلافات بين الكتلتين عبر الجولات الثلاث لم تكن تسمح فى أى مرة لأى منهما بتشكيل الحكومة ،وأستمرت معضلة كتلة ليبرمان قائمة غير قابلة للحل ،فهو يرفض التحالف مع الأحزاب الدينية المتطرفة حليفة نتنياهو ،مثلما يرفض التحالف مع العرب ،وكان السيناريو الوحيد العودة لصناديق الأنتخابات التى لم يكن أحد على الأطلاق يتوقع شيئا مخالفا فى نتائجها الأمن تغيير فى مقاعد محدودة لا تكفى من جديد لآى أغلبية .أما المحصلة -والتى تحتاج لتفصيل كبير- أن مخاطر تصرفات أسرائيلية أحادية خطيرة وبدعم أمريكى فى ظل حكومة تحالف وطنى محتملة للغاية ،ورغم ان هذا التحالف فى بداياته وستتبلور أبعاده بمرور الوقت وقد يتعثر بعد فترة وجيزة ،فان أحد عناوينه المهمة هو التعامل مع تحديات أنتشار الوباء فى البلاد .
واذا أنتقلنا لليمن ،فقد بادر الحوثيين الى خرق الهدنة بما يتمشى مع سجلهم وسلوكهم السياسى المعتاد ،وكان التصعيد الأكبر بتوجيه صواريخ فى أتجاه المملكة ،ما ولد ردود فعل من التحالف الدولى ضد مواقع الحوثيين ،والمشكلة أن خرق الهدنة الهشة كان بشكل أو آخر مسالة وقت ،حيث لم يليها أجراءات عقد تسوية سياسية شاملة ،بل أكثر من هذا أن معطيات الأزمة اليمنية حتى الآن ما زالت فى مرحلة ما يطلق عليه فى لغة التفاوض غير جاهزة بعد لتسوية تفاوضية ،فلازالت المواقف متباعدة ،ولم يبد الحوثيين بعد أى أستعداد جاد لعقد تسوية شاملة ويمكن قبولها سواء من الداخل اليمنى أو من الخارج بشكل عام،كما أن الشواهد تشير الى ان التفكير المبدئى لديهم هو محاولة أستغلال حالة السيول والأنشغال الدولى والأقليمى بالوباء لترتيب أوضاع جديدة فى ساحة المواجهة ،وذلك بصرف النظر عن ما تمثله هذه الأزمة ذاتها من مخاطر كبيرة بالنسبة للشعب اليمنى الذى يعيش فى ظروف بالغة الصعوبة ،بحيث كان أندلاع أزمة كورونا فى ظل هذه الهدنة من نوعية التطورات التى تحفز التسويات ما كان يجدر بالحوثيين التعامل معه بشكل أفضل وهو للأسف مالم يحدث على الأقل حتى الآن رغم خطورة الأوضاع الصحية والمعيشية بالبلاد وما تشكله كورونا من مخاطر هائلة لو أمتدت الى الأراضى اليمنية .
[1] الآراء المعبر عنها في هذا المقال تخص الكاتب ولا تعبر، بأي حال، عن موقف المجلس المصري للشئون الخارجية