منى مكرم عبيد
كشفت أزمة فيروس «كورونا» عن غياب موقف دولى موحد للتعامل مع الموقف، وربما اختلف توقيت كل دولة في التعامل مع الأمر من غلق جزئى أو كلى للمواقع الحيوية ومؤسسات الدولة لتطبيق الفصل بين المواطنين لإحداث عزل صحى للمصاب وتوفير حماية لغير المصاب، ولكن كل هذه اللخبطة التي ضربت دول العالم ومنها المتقدمة علميا وتكنولوجيا، لم تمنع الكارثة، حتى أصبحنا نتابع يوما بعد يوم أرقام المصابين والوفيات في تزايد بشكل غير مسبوق، جعلتنا نتساءل عن الأسباب والتداعيات، وهل سنشهد نمط حياة مختلفا عما قبل؟
بالتأكيد التاريخ يتغير، وهو ما جاء في مقال لتوماس فريدمان بنيويورك تايمز مؤخرا، والذى أوضح أن العالم يشهد تأريخا جديدا، ورغم أننا نتبع التقويم الميلادى قبل الميلاد وبعده، إلا أن المرحلة المقبلة ستشهد نمطا جديدا يكشف عن العالم قبل كورونا وبعده.
فمثلا، تماسك الاتحاد الأوروبى لم يعد مضمونا، إيطاليا ثانى دولة أوروبية تضررا من أزمة كورونا، وفقدت عشرات الآلاف من المواطنين موتا نتيجة كورونا، ثم إسبانيا، ولم تستطع الدول الأوروبية مساعدة بعضها، وأصبحت كل دولة تبحث عن مصالحها، وشهدنا استيلاء دول مثل التشيك على شحنة ماسكات وادوات طبية قادمة من الصين إلى إيطاليا عبر النزول في التشيك ترانزيت، كذلك صربيا التي حاول الاتحاد الأوروبى استمالتها بعيدا عن الصين، والوعد بإدخالها الاتحاد الأوروبى بشرط وقف العلاقات التجارية مع الصين، ولكن للأسف جاءت المساعدة من الصين في هذه الأزمة، بينما جاء الخذلان من أوروبا بعد صمت رهيب وعدم مساعدة لاحتياجات صربيا.
نفس الأمر إسبانيا الدولة التي تضررت كثيرا من الأزمة، ولم تجد العون الكافى من الاتحاد الأوروبى، ودخلت مرحلة مرعبة نتيجة ارتفاع عدد الوفيات والإصابات، مع رفع شعار كل دولة «بلدى أولا»، وهو ما حذر منه من قبل إنريكو ليتا، رئيس الوزراء الإيطالى السابق والذى يرى أن الروح المجتمعية، في أوروبا، أضعف اليوم مما كانت عليه قبل 10 سنوات، وخلال الأزمة المالية التي ضربت العالم في 2008، والإشارة إلى أن استخدام الدول الأوروبية لهذه الاستراتيجية «بلدى أولاً» ستكون نتيجته بلا شك تفكك الاتحاد الأوروبى.
الملاحظ هو تجاوب الصين مع إيطاليا وإسبانيا في الوقت الذي لم تكن الاستجابة من الدول القريبة والأعضاء بالاتحاد الأوروبى، كذلك قامت روسيا بتقديم العديد من المساعدات إلى الدول المتضررة، وهو بلا شك سيكون محل تقييم ومتابعة بعد انتهاء الأزمة، وسيتم بناء قواعد جديدة في العلاقات بين الدول على خلفية هذه الأزمة.
وبالمناسبة لابد من تقديم الشكر للحكومة المصرية التي كان موقفها شجاعًا منذ الإعلان عن الأزمة، من خلال إجراءات تصاعدية متوازنة مع بيانات شفافة ومعالجة قوية لما يطرأ على الساحة، وتدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى بنفسه في بعض المواقف، خاصة معالجة قضية العالقين في الدول الأخرى واستضافتهم على نفقة صندوق تحيا مصر خلال فترة العزل الصحى، وأيضا تقديم عدد من المساعدات للدول المتضررة وخاصة الصين وإيطاليا، وهى خطوة مهمة تساعد على تدعيم الروابط بين مصر والعالم، وتعمل على بناء رصيد الثقة بين الدول، وجعلت الموقف المصرى في غاية الحكمة والمسؤولية.
لكن الأهم هنا هو كيفية الوصول لموقف دولى موحد للتوصل إلى مصل وقائى أو علاج مناسب للفيروس، كذلك اتخاذ خطوات توافقية بين دول العالم لمعالجة القضية التي ضربت العالم في توقيت واحد، وجعلت الجميع حبيس الأدراج، وربما أعلنت المفوضية الأوروبية عن مبادرة لدعم الدول المتضررة من كورونا، مثل إيطاليا وإسبانيا، ولكن هل هذه الخطوة كافية؟، بالطبع لا، بل تأتى متأخرة تماما لما وصلت إليه الأمور في العالم كله وليس أوروبا فقط.
أذكر تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية الجديدة اورسولا فون دير لين حينما دعت للحفاظ على الوحدة الأوروبية وقت تسلمها منصبها الجديد في نوفمبر الماضى، ولكن الآن الأمر قد تغير، وأصبحت هناك دول تشعر بأن كيان الاتحاد الأوروبى لم يعد بالقوة الكافية لامتصاص الصدمات والأزمات، وأن هناك ضعفا ملحوظا في بنيانه، وبالتالى نتائجه على المستويين القريب والبعيد ليست في صالح استمرارية منطقة اليورو.
ربما سيتم فتح النقاش حول سلوكيات المواطنين والدول في التعامل مع مثل هذه المواقف، وما سبق أن أشارت إليه مجلة «ساينس» الشهيرة قبل سنوات، وتصنيف المجتمعات إلى «صارمة» و«متساهلة»، تبعًا لمقدار الأولوية التي تعطيها للحرية أو لاتباع القواعد، فالمجتمعات الصارمة، مثل الصين وسنغافورة والنمسا لديها العديد من القواعد والعقوبات التي تحكم السلوك الاجتماعى، واعتاد المواطنون في تلك الدول على مستوى عالٍ من الرقابة التي تهدف إلى تعزيز السلوك الجيد، بينما تعد القواعد أضعف وأكثر تسامحًا في الثقافات المتساهلة في دول مثل الولايات المتحدة وإيطاليا والبرازيل، وهو ما يفسر تزايد أعداد المصابين في الدول التي تشهد قواعد سهلة وتقل الأعداد في الدول الصارمة.
لذلك أدعو الأمم المتحدة للتدخل العاجل في هذه الأزمة التي لا تقل عن حرب كونية تهدد مصير ملايين البشر، وبصفتى مستشارة للممثل السامى لمنتدى الأمم المتحدة لتحالف الحضارات أدعو المنتدى للدخول على خط الأزمة، والإعداد لخطة عمل طموحة لمساعدة البلدان المتضررة من هذه القضية، ومساعدة أسر الضحايا نفسيا وماديا، والوصول إلى خطة عمل يمكن ان تكون دليلا استرشاديا للحكومات في التعامل مع الموقف، خاصة أن كل التقارير تشير إلى أننا مقبلون على ركود اقتصادى لم يشهده العالم بل وسيكون أشد مما تعرض له العالم في 2008.. فهل نكون على قدر الحدث؟!
* برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
نشرت بجريدة المصرى اليوم بتاريخ 16 إبريل 2020 و رابط دائم :
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1968936
