من وحي الجائحة: الانضباط والعمل الجماعي طريق النجاة
مايو 5, 2020ما وراء التوتر بين الصين وأمريكا
مايو 16, 2020
ما ملامح العالم بعد أزمة «كورونا»؟، هو السؤال الذي يفرض نفسه على أجندة الحكومات العربية والأجنبية، بعد أن أصبح التعايش معه أمرا حتميا، بعد انتهاء المرحلة الأولى عالميا من التعامل معه عبر البقاء فى المنزل، وبدء مرحلة الفتح والتعايش مع الفيروس.
هناك عدة خطوات مهمة للتعامل مع الموقف الراهن، أهمها الوصول إلى مصل أو علاج للفيروس، من خلال تسابق دول العالم على التوصل إلى علاج سريع لإنقاذ البشرية من هذا الخطر، وسط نتائج مبشرة وتجارب سريرية من أدوية يجرى تجربتها حاليا، ولكن كل هذا لابد أن يكون تحت متابعة الأمم المتحدة لضمان توزيع عادل للعلاج أو المصل فور الإعلان عنه، حتى يكون متاحًا لجميع دول العالم، ولا يتحول إلى عمل اقتصادى يهدف إلى الربح، فالمرحلة المقبلة لا تتطلب مزيدا من المتاجرة بهموم البسطاء بمختلف دول العالم، وما لم يتم التوصل إلى صيغة توافقية من الآن حول آلية التعامل مع العلاج وتوزيعه بشكل عادل، قد نجد أنفسنا أمام حرب جديدة، خاصة أن المؤشرات الراهنة تشير إلى تسابق دول العالم بحثًا عن السبق فى إنقاذ العالم من الخطر الراهن، وإن كان باطنه تحقيق نصر سياسى أو اقتصادى تحققه الحكومات.
الخطوة الثانية البحث عن محاسبة الصين ومساءلتها عن إخفاء المعلومات بشأن تفشى الفيروس فى البدايات، وما ترتب عليه من انتقاله إلى كل دول العالم، واضطرار الحكومات إلى إجبار مواطنيها على التواجد بالمنزل منعًا لانتقال العدوى إلى الآخرين.
وربما نوهت الإدارة الأمريكية عن ضرورة مساءلة الصين ومعاقبتها، بل مطالبتها بالتعويض المالى عما لحق العالم من أضرار، ومؤخرا لحقت أستراليا بالمطلب الأمريكى بشأن مساءلة الصين، وأتوقع تصعيد هذه الخطوة، وغالبا ما سيكون ذلك ورقة ترامب فى حملته الانتخابية من أجل الولاية الثانية.
من المتوقع دخول عدد من الدول على هذا الخط لمطالبة الصين بالتعويض عن هذه الخسائر، فعلى سبيل المثال أعلنت الحكومة الفرنسية أن الفترة المقبلة ستشهد ركودا اقتصاديا لم تشهده فرنسا منذ أربعينيات القرن الماضى، كذلك تتوقع ألمانيا تراجعا اقتصاديا بواقع 6.3% والأكبر من نوعه منذ 1970، لذا لا بد من دولة أو جهة ما تحمل هذه الخسائر، وإن كانت الدول حاليا تحصر جهودها فى حماية مواطنيها، إلا أن موعد المحاسبة قادم لا شك.
الخطوة الثالثة تتعلق بمدى تعامل الحكومات مع إجازات نهاية العام والموسم السياحى، والخطوة القادمة للتغلب على مرحلة الحجر الصحى والإغلاق الكامل، وما بين محاولة استعادة حركة السوق وعودة الشركات والمصانع للعمل، وعودة حركة السفر الداخلى والخارجى لطبيعتها، بما لا يؤدى إلى تفاقم الأزمة من جديد ودخول بعض الدول مرحلة الإغلاق الكامل مرة أخرى.
العالم قبل كورونا لن يعود كما كان سابقا، وأتوقع تغييرات قادمة فى فى الهيكل الوظيفى لمنظمة الصحة العالمية، ولن تترك الولايات المتحدة الموقف بدون مساءلة أو مجرد وقف التمويل، كذلك ميزانيات الحكومات الأجنبية سوف يجرى تعديلها مستقبلا والاهتمام بالقطاع الصحى بشكل لا يقل أهمية عن الجيوش والتسليح.
بالتأكيد التاريخ يتغير، وهو ما جاء في مقال لتوماس فريدمان بنيويورك تايمز مؤخرا، والذي أوضح أن العالم يشهد تأريخا جديدا، ورغم أننا نتبع التقويم الميلادى قبل الميلاد وبعده، إلا أن المرحلة المقبلة ستشهد نمطا جديدا يكشف عن العالم قبل كورونا وبعده.
أذكر تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية الجديدة اورسولا فون دير لين حينما دعت للحفاظ على الوحدة الأوروبية وقت تسلمها منصبها الجديد في نوفمبر الماضى، ولكن الآن الأمر قد تغير، وأصبحت هناك دول تشعر بأن كيان الاتحاد الأوروبى لم يعد بالقوة الكافية لامتصاص الصدمات والأزمات، وأن هناك ضعفا ملحوظا في بنيانه، وبالتالى نتائجه على المستويين القريب والبعيد ليست في صالح استمرارية منطقة اليورو.
ربما سيتم فتح النقاش حول سلوكيات المواطنين والدول في التعامل مع مثل هذه المواقف، وما سبق أن أشارت إليه مجلة «ساينس» الشهيرة قبل سنوات، وتصنيف المجتمعات إلى «صارمة» و«متساهلة»، تبعًا لمقدار الأولوية التي تعطيها للحرية أو لاتباع القواعد، فالمجتمعات الصارمة، مثل الصين وسنغافورة والنمسا لديها العديد من القواعد والعقوبات التي تحكم السلوك الاجتماعى، واعتاد المواطنون في تلك الدول على مستوى عالٍ من الرقابة التي تهدف إلى تعزيز السلوك الجيد، بينما تعد القواعد أضعف وأكثر تسامحًا في الثقافات المتساهلة في دول مثل الولايات المتحدة وإيطاليا والبرازيل، وهو ما يفسر تزايد أعداد المصابين في الدول التي تشهد قواعد سهلة وتقل الأعداد في الدول الصارمة.
لذلك أدعو الأمم المتحدة للتدخل العاجل في هذه الأزمة التي لا تقل عن حرب كونية تهدد مصير ملايين البشر، وبصفتى مستشارة للممثل السامى لمنتدى الأمم المتحدة لتحالف الحضارات أدعو المنتدى للدخول على خط الأزمة، والإعداد لخطة عمل طموحة لمساعدة البلدان المتضررة من هذه القضية، ومساعدة أسر الضحايا نفسيا وماديا، والوصول إلى خطة عمل يمكن ان تكون دليلا استرشاديا للحكومات في التعامل مع الموقف، خاصة أن كل التقارير تشير إلى أننا مقبلون على ركود اقتصادى لم يشهده العالم بل وسيكون أشد مما تعرض له العالم في 2008.. فهل نكون على قدر الحدث؟!
نشر المقال بجريدة المصري اليوم بتاريخ 14 مايو 2020 ورابط دائم:
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1977581
[1] الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهات نظر الكاتب ولأتعكس بالضرورة رؤية المجلس المصري للشئون الخارجية.