أزمة سد النهضة: إلى أين؟- عزت سعد
يونيو 20, 2020مصر ما بين التحدي والتصدى … السفير د. صلاح حليمة
يونيو 22, 2020سفير هشام الزميتـي
الأمين العام وعضو مجلس إدارة المجلس المصرى للشئون الخارجية
نجحت مبادرة “خليك في البيت، الثقافة بين إيديك” التي أطلقتها وزارة الثقافة المصرية في التواصل الإيجابي مع الجماهير المضطرة للبقاء في منازلها، وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ بثت على قناة خاصة دشنتها على يوتيوب عروضًا فنية راقية حازت على الإعجاب.
وقديمًا، كان أفراد الأسرة يجتمعون مساءً حول المدفئة، يتسامرون ويتبادلون الحديث والتجارب والنصح، وكانت مكانة القراءة، حيث يكمن الجمال كما وصفها أدونيس” محورية في كل بيت”، وحيث كان القارئ يجد فى النص أواللوحة شيئاً لا ينتهي مفتوحاً على اللانهاية، شيئاً لاتستنفده القراءة أو التأمل،فيرصد شكلًا مختلفًا جديدًا في الرؤية وفي التعبير معاً خصوصًا في عبقرية استخدام اللغة، وحيث الأبعاد تتخطى ما نحن فيه زمناً، ويرى إحاطة معرفية بالشيء المكتوب أو المرسوم، فالعمل الفني هو زمٌن لا زمانّي.
ثم ظهر التليفزيون او المدفئة الحديثة كما يسمُونه، فصارت الأسرة تشاهده مساءً، ولكن قلّ السمر وتبادل الافكار. وما إن ظهر الراديو الترانزستور وبعده الكاسيت ثم الووكمان وصولًا إلى التليفون الذكي، حتى أصبح كل فرد من الأسرة منعزلًا في عالمه الافتراضي الخاص، ولم يعد هناك ما يجمع الشمل كما كان الحال في زمن المدفئة، إلى أن فوجئنا بفيروس كورونا يُجبر أفراد الاسرة على البقاء معاً في المنزل لشهور طويلة، فأعادت ملايين الأسر حول العالم اكتشاف مواهب أفرادها الموسيقية والفنية عن قرب، وعاد الكثيرون إلى مكتباتهم يزيلون غبار سنوات العولمة المجنونة من على كتبهم مستعيدين متعة وجمال القراءة وحب التعلم والتعمق الفكري.
وقد تسبب تفشي وباء كورونا في إيقاف الحياة الفنية والثقافية والرياضية في العالم أجمع. فألغيت بالجملة المئات من الحفلات الموسيقية والعروض الفنية والمهرجانات العالمية، وأسدلت دور السينما والمسارح ستائرها، وتأجلت المسابقات الرياضية، بما في ذلك دور طوكيو الأوليمبية ذاتها إلى العام القادم، فوجد الفنانون والعاملون في المجال الثقافي في منصات التواصل الاجتماعي وسيلة لمتابعة نشاطهم، وخاض بعضهم تجربة البث المباشر عبر يوتيوب وفيس بوك، وأصبح السؤال الذي يشغل الجميع هو كيف يصبح مستقبل الثقافة والفنون إذا استمر الوباء؟ وهل تنتقل الفنون إلى العالم الإفتراضي؟ وماذا عن تلك التي تتطلب التفاعل المباشر مع الجمهور كالمسرح مثلاً؟ فالمسرح فن رفيع أساسه العلاقة المباشرة بين الممثلين والجمهور، ومن غير المتصور أن يتحول إلى العالم الافتراضي.
ومنذ فُرض التباعد الاجتماعي تكبَدت القطاعات الفنية والثقافية والرياضية في كل الدول خسائر فادحة تقدر بمئات المليارات من الدولارات، حيث توقفت أستوديو هات السينما عن إنتاج الأفلام والمسلسلات، وألغيت عروض المسارح والسينما وحفلات الموسيقى والمعارض الفنية والملاهي والسيرك وديزني لاند وكافة أدوات الابهار والابتكار التي تغذي الفكر والروح معًا. فقد بلغت خسائر هذه القطاعات في الولايات المتحدة ما يزيد عن أربعمائة مليار دولار، وحوالي ١٥٠ مليار في أوروبا، ونحو ١٣٠ مليار في الصين التى كانت لتوها قد بدأت منذ سنوات قليلة في بناء قوتها الناعمة خاصة في مجال السينما والمسلسلات والألعاب الإلكترونية.
ولسوف تظل مسارح برودواي الأشهر في العالم مغلقة حتى سبتمبر على أقرب تقدير دون تحديد موعد لإعادة الفتح، حيث تم تعليق كل العروض في الحي الشهير المجاور لتايمز سكوير في نيويورك منذ مارس. وفي كل أسبوع إغلاق، تخسر مسارح برودواي أكثر من ثلاثين مليون دولار من عائدات مبيعات التذاكر. فعند تعليق العروض كانت ٣١مسرحية تقدم على مسارح برودواي وثمانية أعمال أخرى كانت تستعد للانطلاق في الربيع.
أما في مصر فتشير التقديرات إلى أن الخسائر تجاوزت ٣٠ مليار جنيه حتى نهاية مايو ٢٠٢٠ خاصة وقد اضطر منتجو الأفلام والمسلسلات الرمضانية لتقليل أعداد الممثلين المساعدين والفنيين إلى الحد الأدنى. والأمل معقود على أن يتمكن هذا القطاع الحيوي الهام الذي يمنح مصر قوتها الناعمة ويعمل فيه حوالي ثلاثة مليون مواطن، ويرتبط به كل افراد الشعب من الانطلاق سريعًا.
وكما أوضحنا، فقد شملت مبادرة خليك في البيت، الثقافة بين إيديك التي أطلقتها وزارة الثقافة المصرية نقل العديد من الفعاليات الفنية والثقافية ومن بينها حفلاً لأم كلثوم بتقنية هولوجرام، وآخر بعنوان كلثوميات، وعرض باليه الليلة الكبيرة للعملاقين سيد مكاوي وصلاح شاهين، ومسرحية قهوة سادة للمخرج خالد جلال، وحفلات الموسيقار عمر خيرت، وغيره من الفنانين المحبوبين من هضبة الأهرامات، فضلاً عن عرض عروستي للأطفال بأداء التمثيل الصوتي والغناء للنجم أحمد السقا.
كذلك تم بث عروض الباليه الشهيرة ومنها كسارة البندق، وزوربا اليوناني، وبحيرة البجع، وأوبرا عايدة، وكارمن، وحفلات من مركز تنمية المواهب بدار الأوبرا. كما شارك البيت الفني للمسرح بنحو ثلاثين عرضًا مسرحيًا لكبار النجوم منها الملك هو الملك، وأهلًا يا بكوات، والإسكافي ملكًا، وأولاد الغضب والحب، ورجل القلعة، وعروض مميزة لشباب فناني البيت الفني للمسرح منها شيزلونج، والسيرة الهلامية، حققت نجاحًا كبيرًا لدى الجمهور القابع في البيوت.
وقد أتاحت وزارة الثقافة إصداراتها المختلفة من الكتب بنظام pdf على مواقع هيئة الكتاب والمركز القومي للترجمة، إلى جانب إطلاق خدمة الزيارات الافتراضية لعدد من المتاحف التاريخية والفنية تُعَرِف الزائر على مجموعة ضخمة من أعمال خمسين فنان تشكيلي.
كما خرجت مبادرة فنية بعنوان “الفن للخير” أطلقها الفنان التشكيلي والمخرج السينمائي وحيد مخيمر،والتي هدفت إلى جمع مشاركات مائة فنان وفنانة وتوجيه عائدها لصالح دعم جهود مواجهة كورونا في مصر ضمت فنانين من أجيال ومدارس فنية مختلف حرصوا على دعم المبادرة بأعمال فنية لافتة رُصد عائدها المادي لصالح دعم جهود المستشفيات الحكومية في مواجهة الفيروس.
أما الفنان التشكيلي محمد أبوالنجا فقد شعر بجمال ممارسة الفن خلال أزمة كورونا، فاستثمر فترة الحظرفي رسم بعض المخطوطات، كونه يستلهم بعض أعماله من المخطوطات المصرية والعربية القديمة، فمزج بين الواقع الذى يعيش فيه وعلاقته بالمخطوطة، ونشر مخطوطات عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن علاقة الرجل والمرأة فى زمن كورونا، وصور عن المحبة والشجر المغروس فى الأرض باعتباره وصلة خير بين الأرض والسماء يلجأ لها الإنسان لصنع مزيج من التفاؤل والحب، خاصة وقد اكتشف الناس أن الكمامة قطعة القماش الصغيرة أكثر أهمية من البندقية، فالفيروس الصغير لم يفرق بين غني وفقي، أو معتقد ديني أو لون بشرة وبسببه سيتم إعادة صياغة علاقات دول العالم بشكلٍ أو بآخر.
ومن جانب آخر، قررت إدارة الأكاديمية الموسيقية العالمية بلوس أنجلوستكريم الفنانين إلكترونيًا هذا العام عبر الفيديو كونفرانس، وقد حصد عازف الجيتار المصري عماد حمدي جائزتين، الأولى لقب فنان عام 2019 في مجال الموسيقى الكلاسيكية، والثانية جائزة الرؤية الفنية، حيث أذيع جزءً من حفل موسيقى لعماد حمدي من داخل دار الأوبرا المصرية، وحيث أكد أن هدفه هو تقديم مزيد من الفن المصري الهادف للعالم، وتشجيع الأولاد والبنات على حب الموسيقى وتعلمها في سن مبكرة.
أما على الجانب السلبي، فلم يقتصر الأمر على الخسائر المادية فقط، إذ توفي عدد من الفنانين بسبب كورونا كان أولهم عازف الساكسوفون الكاميروني العالمي مانو ديبانجو الذي يعد أسطورة الأفروچاز، وتوفي بعده چون باكي پيتساري عازف الجيتار الأمريكي الملقب بأستاذ الچاز، وديڤ جرينفيلد عازف الأورج الكبير، ومغني الجوسپل المعروف تروي سنيد، و دي چي الشهير مايك هوباكى، ومغني الراپ فريد جودسون وغيرهم. كما أصيب الممثل القدير توم هانكس وزوجته أثناء جولتهما في أستراليا. وفقدت مصر في زمن كورونا الممثل القدير حسن حسني، والفنان التشكيلي سامح البناني، وابراهيم نصر صاحب أشهر برامج المقالب، والممثل محمود مسعود. كما فقدت دولنا العربية مجموعة من الفنانين منهم العراقي مناف طالب، واليمنى حسن علوان، والكردي عطا جاوشين، والجزائري نورالدين زيدونى، بينما فقدت إفريقيا باب ضيوف أسطورة كرة القدم السنغالي والرئيس السابق لنادى مارسيليا الفرنسي، والكونجولي أرلوس مابيلي الملقب بملك موسيقي سوكوس التي تحاكي موسيقي الرومبا بنكهة إفريقية خالصة، وغيرهم.
ورغم ذلك أتيحت للجمهور تجارب فنية وثقافية جديدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لم تتوقف الحياة الثقافية، وأتيحت الفرصة للعديد من الأشخاص للانخراط في الحياة الثقافية والفنية ربما لم تكن متاحة لهم من قبل بسبب ضيق الوقت وضغوط الأوضاع الاقتصادية.
لقد استثمر كثير من الفنانين معاني وتفاصيل أكثر من مجرد العزل الوقائي والإجراءات الاحترازية، لاسيما مع إتاحة السوشيال ميديا وسيطاً مُواتياً لتداول أفكارهم الفنية، فحاولوا رؤية الأزمة والتفاعل معها رغم قسوتها من زاوية مختلفة، للتخفيف من وطأتها، وتقليل ذعر المواطنين بتحدى رعب كورونا بالفن والابتكار والأفكار الإيجابية المبهجة، فكان أن شاهد الملايين على يوتيوب مغني الأوبرا التينور الإيطالي أندريا بوتشيلي يشدو وحيدًا، بمناسبة عيد الفصح فبأرجاء كاتدرائية دومو في ميلانو، مقدمًا حفلًا فريدًا كان بمثابة صلاة لمواجهة فيروس كورونا تحت شعار الموسيقى من أجل الأمل.
وتحت شعار العالم واحد: “معًا في المنزل”، شاهد الملايين حفلًا شارك فيهمائة فنان عالمي يتقدمهم العملاقان ستيڤي وند وپول ماكارتني وفريق رولينج ستونز، بهدف شكر الأطباء والعاملين في الخطوط الامامية، تم فيه جمع ١٢٨ مليون دولار خصصت لتطوير المؤسسات الطبية ودعم المتضررين من انتشار كورونا.
كما استمتع الملايين كذلك بالحفل الخيري الذي أقامه مغني الروك العالمي إلتون چون من مطبخ منزله بمشاركة العديد من المشاهير عبر كاميرات تليفوناتهم الذكية، وحيث جمعوا ثمان مليون دولار خُصصت لمساعدةذوي المهن اللازم استمرارها خلال الجائحة، وذلك رغم خسارته ستين مليون جنيه إسترليني بسبب إلغاء جولته الوداعية التي كانت مقررة هذا الصيف.
ومن جانبه، أطلق مسرح تشايكوفسكي بمدينة بيرم الصناعية الروسية التي تبعد ألف كيلومتر عن موسكو، عددًا من العروض الفنية نُقلت على شبكة الانترنت، بحضور متفرج واحد فقط يتم اختياره عشوائيًا من بين الراغبين قبل كل عرض، وذلك ضمن مبادرة أطلق عليها “وجهاً لوجه”. وأوضح مدير المسرح مارات جاتسالوف إنهم على استعداد لإقامة العروض لمشاهد واحد، فالمتفرج الواحد له نفس قيمة المسرح مكتمل العدد.
فنان آخر أطلق على نفسه “المحب القبيح” تخيل شكل اللوحات الفنية الشهيرة عبر تاريخ الفن إذا تم رسمها خلال فترة كورونا، فأعاد رسم اللوحات، ونشر معظمها بكمامات على الوجه، فكانت لوحة موناليزا لليوناردو دافنشي على رأس اللوحات التي تزينت بقناع وكمامة، وأنشأ حسابًا على إنستجرام، لنشر اللوحات التي وضع عليها كمامات وأقنعة للوجه، واختار للبروفايل لوحة للسيدة العذراء مريم مرتدية كمامة.
كما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي لوحة فنية رسمها الفنان الأمريكي إدوارد هوپر عام 1942 بعنوان صقور الليل، تحاكي الواقع الذي يعيشه العالم اليوم من عزلة ووحدة، فكيف تنبأ هوپر بحالنا اليوم؟.
أمَا قصة أسامة قشوع المخرج السينمائي واللاجئ الفلسطيني وصاحب أحد مطاعم في لندن فتستحق أن تُروَى. ففي اليوم الذي أُعلن فيه عن الإغلاق وطُلب إلى العمال البقاء في منازلهم، اتصل أسامة بعمَاله لتخييرهم بين البقاء في المنزل دون فعل شيء، أو العودة للطهي وتقديم طعام مجاني للعاملين على الخطوط الأمامية دون مقابل، إذ كان الأطباء والممرضات وموظف والدعم يتعرضون لضغوطٍ متزايدة ويعملون لساعات أطول، ويجدون صعوبة في ترك الأجنحة لتناول طعام الغداء أو شراء الطعام بعد انتهاء فترة المناوبة بسبب إغلاق المتاجر. فبدأ فريق أسامة العمل مدفوعًا بروح الخدمة المجتمعية بإنتاج 250 وجبة يوميًا يتم توزيعها على المستشفيات، مع توفير جزء خاص للعاملين ليلًا.
فبالنسبة لأسامة، يستغرق تأقلم الفلسطيني مع الظروف الصعبة بضع ثوانٍ إذ عاش أوضاعًا صعبة في فلسطين ولبنان لفتراتٍ طويلة، ويدرك معنى أن يكون المرء حبيساً في منزله، أو في الملجأ أو المعتقل، حيث الوصول إلى الطعام ليس أمرا سهلًا، لكن تجربة الصراع ليست وحدها، بل إنه وجد أن عادات الضيافة العربية، وثقافة الكرم التي تبرز في فترات التقشف تعتبر جزءاً من التجربة الحالية التي يتعين على البشر التكيُف معها، وكفلسطينيين، عليهم كلما استطاعوا، أن ينقلوا رسالة صادقة عن معاناتهم المتواصلة مع الاحتلال وقضيتهم العادلة.
ومن جانبها، طالبت جامعة الدول العربية بتطوير المنظومة الثقافية في الدول العربية، من خلال إعادة تهيئة المسار حول دور السينما بشكلٍ يحافظ على الحد الأدنى من المساحة الاجتماعية التي تقي المشاهدين من انتقال الأمراض والأوبئة. كما دعت الجامعة إلى قيام وزارات الثقافة والمؤسسات الثقافية المتخصصة بإنشاء منصة إلكترونية عربية تضم المتاحف الوطنية العامة والمتخصصة، مع إتاحة شرح كافي لمعروضات تلك المتاحف، وإنشاء متاحف افتراضية تعتمد على التكنولوجيا الرقمية السمعية والمرئية، إلى جانب بث الأنشطة الفنية والإبداعية والفكرية وربط هذه المواقع ببعضها تسهيلًا لإمكانية الاطلاع عليها.
وفي النهاية يبقي السؤال الجوهري: هل تنتقل الفنون مستقبلًا إلى العالم الافتراضي بسبب كورونا؟، وماذا عن مصير تلك التي تتطلب التفاعل المباشر مع الجمهور كالمسرح والسيرك؟، وماذا عن حق المؤلف والحقوق الاستئثارية الخاصة لحماية مصنفات المؤلفين والمُبدعين وحقوق الأداء العلني وحقوق البث، والتي تعد مصدر الدخل الأساسي للكتَاب والملحنين والمطربين والمصورين والممثلين والرَسَامين وغيرهم من المبدعين العاملين في حقل الثقافة والفنون، إذا اقتصر عرض الفنون في المرحلة القادمة على وسائط التواصل الاجتماعي؟