نافالني… الحق الذي يراد به باطل
سبتمبر 5, 2020تركيا والغرب… اعتماد متبادل
سبتمبر 7, 2020
سفير / د. صلاح حليمه
شهد الفاتح من سبتمبر 2020 التوقيع بالاحرف الاولى على إتفاق للسلام الشامل ، بين السلطة الانتقالية ممثلة فى المجلس الرئاسى والحكومة السودانية من جانب ، والجبهة الثورية التى تضم قوى سياسية وحركات مسلحة رئيسية ذات وزن وتأثير( حركة تحرير السودان بقيادة اركو ميناوى / حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل ابراهيم / الحركة الشعبية لتحرير السودان جنح مالك عقار / ياسر عرمان ) من جانب آخر .وقد تولت الوساطة بين الجانبين دولة جنوب السودان ممثله فى الرئيس سلفا كير ، وسط حضور إقليمى ودولى .وقد أضطلعت فى هذا الصدد دول معنية بالشأن السودانى ، وخاصة دول بالجوار مثل مصر بدور ومشاركة إيجابية وبناءة فى مراحل المفاوضات التى أستغرقت عشرة أشهر، وفى إحتفالية التوقيع .وقد حظى الاتفاق بترحيب وتأييد محلى وإقليمى ودولى واسع.
ويعد الاتفاق نقله نوعية فى إتجاه تحقيق الامن والاستقرار فى السودان ، وخطوة كبرى نحو إنفاذ إستحقاق السلام كأحد المبادئ الثلاثة للثورة السودانية المجيده السلمية الشامله ، ( حرية / عدالة / سلام ) ، مستهدفا إنهاء حربا أهلية بدأت منذ ما يقرب من ستين عاما ، وليتم تركيز الجهود على عمليات الاصلاح والتطوير والتحديث والتنمية ومواجهة تحديات سياسية وإقتصادية داخلية وخارجية جسيمه ، ستتعزز فرص التغلب عليها وتجاوزها بمثل هذا الاتفاق . لقد إنتهت إحدى الفصول المأساوية لتلك الحرب عام 2011 بانفصال جنوب السودان برغبة شعبية عارمة من أبناء الجنوب ، فى وقت كان قد بدأ فيه ـ عام 2003 أى قبل الانفصال ـ فصل آخر لحرب أهلية فى الاطراف أو فيما سميت بالمناطق المهمشة، أى فى المنطقتين ، وجنوب كردفان والنيل الازرق ، بجانب دارفور ( وشرق السودان ) . وقد كلفت تلك الحروب شعب السودان الشقيق خسائر مادية وبشرية جسيمه تقدر فى مجملها بحوالى 600 مليار دولار ، وحوالى 4 مليون قتيل ، 10 مليون لاجئ ونازح . يتحمل مسئولية تلك الحروب وما أفرزته من تداعيات مدمرة بالدرجة الاولى وبامتياز نظام حكم البشير، المرتبط آنذاك عضويا بالحركة الاسلامية والاخوان ، وبالمحور التركى القطرى الايرانى ، حيث تجرى محاكمته ـ أى البشير ـ جنائيا فى السودان ، ولم يزل مطلوبا للمحاكمه أمام المحكمة الجنائية الدولية بدعوى أرتكابه العديد من الجرائم الجنائية طبقا للائحة الاتهام الموجهة اليه .
يمكن إختزال أتفاق السلام المشتمل على ثمانية بروتوكولات ، والموقع عليه بالاحرف الاولى ، ويغطى خمس مسارات ( المنطقتين / وسط السودان / شرق السودان / شمال السودان / دارفور ) ، فى أنه يتمحور حول المشاركة فى السلطة ، وتقاسم الثروة ، وترتيبات امنية ، ومعالجة قضايا أجتماعيىة وتنموية فى إطار نظام فيدرالى إقليمى يتم إنشاؤه فى غضون ستين يوما ، على أن تمتد الفترة الانتقالية ومدتها 39 شهرا ، لتبدأ من تاريخ التوقيع النهائى على الاتفاق .
وطبقا للاتفاق ،تأسست المشاركة فى السلطة على التنوع الاقليمى والاجتماعى والثقافى ،حيث ، تم الاخذ بإقامة نظام حكم ذاتى فى المنطقتين ، أى ولايتى جنوب كردفان والنيل الازرق بعد ضم غرب كردفان للاولى ، حيث كانت جزءا منها وفصلها البشير ، كما تم توزيع مناصب رفيعه بأجهزة الحكم التنفيذية والتشريعية بنسبة 25 % ، لتترجم بتخصيص 3 مقاعد للحركات المسلحة فى المجلس السيادى ، وخمس حقائب وزارية بالحكومة ، 75 مقعدا فى المجلس التشريعى .
وبالنسبة لتقاسم الثروة ، فقد تم تخصيص 60 % للسلطة الفيدرالية ، 40 % للمنطقتين ، كما تم تناول قضايا اللاجئين والنازحين والرعاة والارض والحواكير والعدالة والمساواة والمصالحة والتعويضات وجبر الضرر.هذا وقد تم تخصيص 7.5 مليار دولار لتنفيذ أتفاق السلام خاصة فيما يتعلق بقضايا العودة للاجئبن والنازحين ، والبنية التحتية .
أما فيما يتعلق بالترتيبات الامنية ، يتم خلال الفترة الانتقالية المشار اليها دمج مليشيات الحركات المسلحة الدارفورية فى القوات المسلحة السودانية ، التى ستتولى تدريبهم ودمجهم ، على أن يتم إنشاء قوات أمنية لحفظ الامن والنظام فى دارفور تضم 12000 عنصر مناصفة بين القوات المسلحة السودانية وعناصر من مليشيات الحركات المسلحة .
واقع الامر أن حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور وتمارس نشاطها فى دارفور، والحركة الشعبية لتحرير السودان جناح عبد العزيز الحلو وتمارس نشاطها فى جنوب كردفان ، وكل منهما له وزنه وتأثيره على نحو يصعب تجاهله ، لم ينضم أى منهما للعملية السلمية أى التفاوضية ، إذ يتمسك الاول باقامة نظام ديمقراطى مدنى وعودة النازحين واللاجئين وتوفير الحقوق لأبناء دارفور ربطا بالارض والثروة ، وينادى الثانى بعلمانية الدولة او حق تقرير المصير لجنوب كردفان ربطا بالتركيبه السكانية فى جنوب كردفان من حيث العرق والديانه ، وربطا أيضا بعلاقات تاريخية فى فترة المواجهة مع نظام البشير ذات طبيعة عسكرية مشتركة مع جنوب السودان .ومع ذلك تتواصل الجهود والاتصالات المحلية والاقليمية والدولية بكل منهما لحثهما على الانضمام لاتفاق السلام ، بتقدير ترجيح إنضمامهما فى مرحلة آنية لاحقة خاصة وأن الاتفاق إقترب لحد ما ـ برؤية وسطية ـ لما يطرحونه . وقد تعزز هذا التقدير بتوقيع إتفاق بالامس القريب لوقف العدائيات بين الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء وعبد العزيز الحلو مع التوافق على توالى الاتصالات بين الجانبين .
فى التقدير، أن ما تحقق باتفاق السلام الشامل يعد إنجازا تاريخيا ، يستوجب تواصل الدعم والتأييد محليا وإقليميا ودوليا ، خاصة من دول الجوار والدول العربية المانحه ذات التوجهات المعتدله المتسمه بالحكمة والتعقل والاتزان ، تعزيزا للامن والاستقرار وشيوع السلام فى السودان من منطلق أن الامن القومى السودانى أمن قومى مصرى عربى والعكس صحيح فضلا عن إرتباطه بالامن فى منطقة البحر الاحمر ، وكذا لدفع عملية الاصلاح والتطوير والتحديث والتنمية المستدامه ومواجهة التحديات الجسام التى يمر بها السودان فى هذه المرحلة العصيبه .
لا شك أن هناك قوى محلية وأقليمية لا ترحب بهذا الاتفاق ، من أبرزها على المستوى الداخلى حزب المؤتمر الوطنى والحركة الاسلامية وكلاهما لم يزل له تواجد فى مفاصل الدولة السودانية رغم تواصل الجهود الناجحة لانتزاعهم منها ، وكذا هناك على المستوى الخارجى المحور الثلاثى قطر وتركيا وايران الداعمين لهذا الحزب وتلك الحركة فى إتساق مع وحدة أهدافهم جميعا . ويتطلب الامر بالمقابل وحدة الصف الداخلى للقيادات السودانية المختلفة والوقوف على قلب رجل واحد فى مواجهة مجمل هذه التحديات ، ولتنفيذ الاتفاق على النحو المنشود.