مشاركة السفير/ عزت سعد في احتفالية المجلس الأعلى للثقافة حول” العلاقات المصرية/ الروسية…البعد الثقافي”
نوفمبر 11, 2020لقاء مع رئيس حزب التشاور الوطني الصومالي
نوفمبر 18, 2020سفير / د صلاح حليمه
نائب رئيس المجلس المصري للشئون الافريقية
نظام الحكم القائم في إثيوبيا فيدرالي اندماجي ديمقراطي برلماني أساسه العرق واللغة والإدارة، فى إطار من الحكم شبه الذاتي أو الذاتي للأقاليم العرقية التسعة التي تتكون منها إثيوبيا ويحمل كل إقليم أسم العرق المنتمي اليه، مع الأخذ بنظام علماني يفصل الدين عن الدولة، ودون تحديد دين للدولة، ولعدد من السكان يبلغ حوالي 110 مليون نسمة (أكثر من 50% مسلمين).
يعطى النظام للمجموعات العرقية الحق فى تقرير المصير شريطة ـ طبقاً للمادة 39 من الدستور الإثيوبي ـ موافقة ثلثي أعضاء البرلمان الفيدرالي وهو تقريباً بمثابة فيتو أي حقاً للنقض. وعلى الرغم من أن إثيوبيا 87 قومية إثنية إلا أنها لم تشهد صراعات قوية فيما بينها حتى وقت قريب بسبب المصاهرة والانسجام والتوافق فيما بينها، وهو الأمر الذى بدأ ينحسر بشدة لأسباب مستحدثة تتعلق بالصراع على السلطة والثروة كوجهان لعملة واحدة، بهما تتم السيطرة والهيمنة على مقاليد الحكم ومؤسسات الدولة، وإقتران ذلك بموجة من الغضب والاحتجاجات فى العديد من الأقاليم ضد سياسات وممارسات ابى أحمد التي تتسم بالديكتاتورية وانتهاكات لحقوق الأنسان وكان أبرزها ما شهده إقليم الاورومو الذى ينتمى اليه ابى احمد من اضطرابات راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى أثر مقتل المغنى الأشهر في إثيوبيا.
إقليم التيجراى أحد الأقاليم التسعة الذي يحمل أسم قوميته العرقية، ويتمتع بالحكم الذاتي، والإقليم يشهد حالياً، في إطار هذا الصراع المستحدث ومنذ بضعة أسابيع، صداماً عسكرياً دامياً مع الحكومة الفيدرالية ـ ألى حد تنامى الحديث عن اتهامات محلية ودولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتدفق نازحين ولاجئين على دولتي الجوار السودان واريتريا.
واقع الأمر أن تحالفاً تحت مسمى الجبهة الديمقراطية الشعبية الثورية هو الذي يمسك بزمام الأمور، ويتولى مقاليد الحكم فى البلاد منذ بداية تولى ميليس زيناوى ـ المنتمي الى التيجراى ـ السلطة وحتى الأن. ويضم التحالف جبهات تحرير قوميات التيجراى (6 %) والاورومو (حوالي 40%) والامهرة (حوالي 18%) من إجمالي عدد السكان، بجانب جماعات جنوبية في التحالف، ولكنها جميعاً تتحالف كأحزاب سياسية.
ظلت جبهة تحرير التيجراى على مدى الفترة المشار اليها أى لعدة عقود هي الحاكم الفعلي تقريباً والمهيمنة على مجريات الأمور في البلاد. فقد قادت النضال ووحدت الجبهات تحت رايتها ضد حكم هايلى ماريم، وأضحت المسيطرة على التحالف خاصة وأنها الأقوى عسكرياً (حوالى 250 الف جندى) والأفضل عدة وعتاداً وتنظيماً (وتحتفظ بعلاقات قوية مع الصين)، وهو الأمر الذى أتاح لقادتها نفوذاً وقوة فى مؤسسات الدولة وأجهزتها العسكرية والأمنية ، على نحو بدا معه تهميش واضح لأعضاء التحالف الأخرين من ذوى الأغلبية (الاورومو والامهرة وقد تحالفا معا ضد جبهة التيجراى)، حيث تنامت مؤخراً الاحتجاجات من هاتين القوميتين خاصة الاورومو وجرت أحداث وتطورات دامية فى هذا الإطار ليجئ ابى أحمد عام 2018 الى السلطة من قومية الاورومو بدعم أمريكى وأوروبي، ليبادر باجراء اصلاحات داخلية هيكيلية وجوهرية في كافة القطاعات الحيوية، وخاصة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والقطاعات الاقتصادية لتنحسر سيطرة التيجراى مع اتهامات لقادة الجبهة بالفساد واستغلال النفوذ وأنهم وراء الأوضاع السياسية المتأزمة والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، كما قام بالانفتاح على دول الجوار وخاصة اريتريا وعقد اتفاق سلام من شأنه اعادة منطقة بادمى الى اريتريا انفاذاً لقرارات دولية، وهو أمر لم يرحب به التيجراى نظراً لأن غالبية سكان المدن والقرى بالمنطقة من أقلية التيجراى ويفضلون البقاء في إطار الإقليم، وهو الأمر الذى يفسر موقف اريتريا المؤيد لابى أحمد فى اتساق مع ما يتردد عن مشاركة قوات اريترية مع القوات الحكومية فى الحرب الدائرة ضد جبهة التيجراى، ويفسر فى نفس الوقت قيام الجبهه بإطلاق صواريخ ضد اريتريا وتواصل التهديدات من الجانبين.
لقد أثار إعلان ابى أحمد تأجيل الانتخابات الرئاسية أكثر من مرة ثم الى أجل غير مسمى بدعوى تفشى جائحة كورونا حفيظة قادة التيجراى ومؤسسات الحكم الذاتي بالإقليم لقطاعة لديهم أنه قصد بذلك تواصل ولايته كرئيس للوزراء لفترة مفتوحة ستتواصل فيها على حد قولهم استهدافهم وتهميشهم وملاحقاتهم فى ظل انتهاكات لحقوق الانسان من جانب ابى أحمد ضدهم، وفى وقت يعملون على رحيله للأسباب المشار اليها، وليتخذ قادة التيجراى قراراً بإجرائها غير عابئين بموقف ابى أحمد أو المؤسسات الاتحادية.
وقد اعتبر ابى احمد أن تلك الاجراءات التي اتخذها الإقليم غير قانونية وأن الأمر تمرداً حكومياً يستوجب إنهائه. وقد نشب صداماً عسكرياً ضارياً راح ضحيته قتلى وجرحى بالمئات وفرار عدد يقدر بحوالى 15 الف نازح ولاجئ الى السودان واريتريا بما ينذر بأوضاع وأزمة انسانية. وبغض النظر عمن بدأ القتال فقد بدا واضحاً أن قرار ابى أحمد هو الاحتكام الى القوة العسكرية وليس اللجوء الى الحوار بل ورفض الوساطة أو الاستجابة للنداءات الدولية حتى تاريخه. وفى التقدير أن ابى أحمد ربما تولدت لديه هواجس بوجود نزعة استقلالية لدى قادة الإقليم، خشي معها أن يطالب الإقليم بتقرير المصير ويتحلل من الحكم الذاتي، وهو أمر قد تنتقل عدواه الى أقاليم أخرى حيث يواجه ابى احمد معارضه قوية فى بعض الأقاليم وخاصة في إقليم الاورومو الذي ينتمي اليه. وهو الأمر الذي نجد تفسيره في اجرائه مؤخراً في ظل هذه التطورات تغييرات واسعة استبعد بموجبها أساساً العناصر التيجرانية سواء من قيادات الجيش والأجهزة الأمنية سواء من مؤسسات مدنية من أبرزها الخارجية الإثيوبية وتعيين حاكم للإقليم واسقاط الحصانة عن أعضاء من التيجراى فى البرلمان واتهامة لقادة التيجراى بالإرهاب وبالخروج عن النظام والقانون.
تواجه جبهة التيجراى وضعاً عسكرياً يتسم على الأرجح بالصعوبة حيث تتعدد جبهات القتال التى تواجهها، وهي القوات الحكومية الإثيوبية، قوات جبهة الامهرة بالجوار التى يتردد مشاركتها مع القوات الحكومية (استهدف التيجراى بالصواريخ مطار وأهداف بإقليم الامهرة)، وقوات اريترية من دولة الجوار. وعلى الرغم من هذا الموقف الصعب يبدو أن قيادات الجبهة تعتمد على قواتها العسكرية الكبيرة وما تتمتع به من كفاءة قتالية عالية وما لديها من ترسانة متنوعة من الأسلحة، فضلاً عن الطبيعة الجبلية للأقاليم التي تعد ملائمة لحرب العصابات المتسمة بالكر والفر إذا اضطرت الى ذلك. أما عن تداعيات تلك الحرب الأهلية على دول الجوار ومنطقة القرن الإفريقي، بما يهدد الأمن والاستقرار بها، فقد بدأت ارهاصاتها بما يتردد عن مشاركة دولة بالجوار ـ اريتريا ـ في الحرب، وقد تنتقل عدوى الصراعات العرقية الى دول الجوار ومنطقة القرن الإفريقي بحكم التركيبة العرقية للسكان بكل منها، واحتمال أن تدفع تلك التطورات العسكرية في أثيوبيا حركة الشباب في الصومال لتصعيد عملياتها العسكرية سواء داخل الصومال أو بدول الجوار، كما أن تدفق النازحين واللاجئين على اريتريا والسودان يخلق أزمة انسانية تشكل عبئاً على قدرات البلدين في ظل الظروف التي تمر بها كل منهما.
ورداً على تساؤل يتبادر الى الذهن عن تداعيات تلك الحرب على ملف سد النهضة، فمن المرجح أن لم يكن من المؤكد استثمار تلك التطورات من جانب أثيوبيا لتتهرب من عقد الاجتماعات ولتواصل التسويف والمماطلة وتظل الأزمة تراوح مكانها دون التوصل الى الحل المنشود، وهو أمر يجب تجنبه تماماً تحت ضغوط عامل الوقت ربطاً بالتطورات السياسية في الولايات المتحدة الامريكية التي تستوجب التوصل الى حل لأزمة السد قبل انتهاء الرئاسة الامريكية الحالية على أن يقترن ذلك بوقف عملية بناء السد، وإلا وجب اللجوء الى خيارات أخرى تحسم الموقف.