تهنئة المجلس للسيدة/ مريم الصادق المهدى لتوليها منصب وزير الخارجية السودانى
فبراير 14, 2021نشرة التاسعة| المجلس المصري للشؤون الخارجية: مصر حققت إنجازات غير مسبوقة بمنطقة شرق المتوسط
فبراير 20, 2021
بقلم السفير د. محمود كارم
14 فبراير 2021
أقدم هذه الورقة بصفتي عضوًا بالمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، والذي تم إنشاؤه وفقًا لمبادئ باريس، والمعتمد من قبل الأمم المتحدة كمؤسسة وطنية مصنفة تصنيف “أ” نظرًا لاستقلاله وحياديته وموضوعيته. وقد قام المجلس بدور كبير في معالجة الكثير من القضايا والشكاوى من خلال تقارير عديدة مثل تقرير مجلسنا حول “الاختفاء القسري”، وتوثيقنا لبعض حالات “الاحتجاز الاحتياطي” ومقترحاتنا بشأن “منع التعذيب”، بالإضافة إلى زياراتنا المتكررة للسجون. فقد قدمنا مقترحات في هذا الصدد لتغيير التشريعات المصرية لتتوافق مع الدستور والالتزامات التعاقدية الدولية. وقد استجابت وزارة الداخلية ومصلحة السجون للكثير من مقترحاتنا.
ويتم إرسال جميع تقاريرنا إلى الحكومة المصرية والبرلمان، وتتم متابعتها عن كثب مع وزارة الداخلية ومكتب السيد النائب العام. ويقوم مكتب الشكاوى كل شهر بإعداد جداول لعدد الشكاوى المرسلة، والشكاوى التي تم الرد عليها، بالإضافة إلى الشكاوى المعلقة والتي لا تزال تتم متابعتها. كما لعب المجلس دورًا تشريعيًا هامًا في تبني قانون جديد حول المنظمات غير الحكومية في مصر. وقد ساهم المجلس في إلغاء القانون رقم 70 لسنة 2017، وتغييره إلى قانون أفضل يسمح بتشكيل أي منظمة غير حكومية من خلال “إشعار بسيط”. ويأتي ما تقدم في إطار المساءلة.
منذ بضعة أيام، أصدر مجلسنا تقريرًا حول سيناء بعد إيفاده “بعثة تقصي الحقائق”، ويمكن الاطلاع على ذلك التقرير كاملاً على موقعنا الالكتروني. كما اعتبر المجلس التقرير مثالًا كلاسيكيًا لكيفية التغيير الذي يجب أن يأتي من الداخل وليس مفروضًا بالقوة من الخارج، تمامًا كما نصت عليه مبادئ باريس. وقد التقت بعثتنا لتقصي الحقائق في سيناء مع السيد المحافظ وجميع السلطات في شمال سيناء، وتجولت بحرية، واستوفت استبيانًا وفق المعايير الأممية، وجمعت ثروة من المعلومات. ولم يتم منعنا من الاستماع إلى شكاوى أهالي سيناء وتوثيقها، خاصة فيما يتعلق بالتأخر في دفع التعويضات الملائمة عن الممتلكات التي تمت خسارتها، ومزارع الزيتون. كما وثقنا طلباتهم بتعويضات لأسر ضحايا الهجمات الإرهابية في سيناء بما في ذلك مقررات شهرية. وبنفس الأسلوب، شهدنا جهود الحكومة من أجل التنمية الشاملة لسيناء على كافة الأصعدة. وذكرنا ذلك بشكل إيجابي في التقرير. فشعب سيناء الأبيّ يخوض حربًا ضد الإرهاب. ففي إحدى الحوادث، تم اغتيال أكثر من 320 مصليًا في الحادث الوحشي بمسجد الروضة، وبدلاً من تلقي رسائل دعم من الخارج تستنكر هذا العمل الإرهابي الشنيع، تلقينا من بعض القوى الخارجية رسائل تحدٍ تصف تلك الحوادث بأنها “حركة تمرد” وليست إرهاب. علمًا بأن هذه هي نفس الدوائر التي تمد بعض الجهات الخارجية بالمعلومات المغلوطة والمسيسة.
وفي هذا الصدد، أطرح ملاحظتين:
أولاً: تبنت الأمم المتحدة عهدين، أحدهما بشأن الحقوق السياسية والمدنية في عام 1976، والآخر هو العهد الدولي المعني بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في نفس العام. يرجى تضمين ما تم تحقيقه بشأن الأخير في مصر في التقييم، بالإضافة إلى قيام الدولة المصرية بمشروعات اقتصادية واجتماعية ضخمة لمواجهة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية في مصر. وهو أمر يندرج بالإيجاب في مجال تحقيق حقوق الإنسان في مصر.
ثانيًا: فيما يخص مصدر وطبيعة المعلومات المتعلقة بحقوق الإنسان التي يتلقاها البعض قبل تحديد المشكلة وإصدار حكم سليم. من الناحية النظرية، فإن تلك المعلومات التي يتم امدادكم بها وتهتمون بها هي في واقع الأمر ذات صبغة سياسية، تشوبها دوافع خفية، وتحريضية، ومهينة. فهي لا تمثل الإرادة الحرة لـ 105 مليون مصري ولا المجتمع المدني في مصر. نعم، لدينا أخطاء، لكننا نعمل على إصلاحها وأقول إذا أردتم معرفة الحقيقة فعليكم الاستناد إلى المعلومات الصادرة من مصر، بدلاً من تلك المنصات التي تناصب مصر العداء.
لذلك، أدعو أن تكون حقوق الإنسان من الآن فصاعدًا موضوعًا للتعاون وليس محورًا للخلاف بيننا. كما ندعوكم لزيارة مجلسنا، وقراءة تقاريرنا واستئناف مشروع الولايات المتحدة لنشر حقوق الإنسان في مصر بالتعاون الكامل مع مجلسنا. هذا المشروع الأمريكي الذي أوقفته الولايات المتحدة في عهد مبارك، لم يكن ناجحًا فحسب، بل أتاح الفرصة أيضًا للولايات المتحدة لتحديد ما إذا كانت أهداف حقوق الإنسان الخاصة بها قد تحققت أم لا، وما الذي يتعين علينا القيام به بعد ذلك في إطار أهداف حقوق الإنسان الأساسية في مصر. هذا مثال كلاسيكي لكيفية العمل معنا، ورعاية خطط التعاون المتبادل، ومشاريع بناء قدرات التوأمة، وتدريب موظفي حقوق الإنسان لدينا لمزيد من برامج تدريب المدربين TOT.
ويعتمد مستقبل منطقتنا على إنفاذ حقوق الإنسان الأساسية ومنظومة ديمقراطية سليمة تتحدى الزمن. ويتبين أن أفضل مسار يعتمد على تحولنا الذاتي دون إملاء من الخارج دون تقدير لحرب مصر ضد الإرهاب، فضلاً عن التدرج. فعلى سبيل المثال، عملية المراجعة الدورية الشاملة في مجلس حقوق الإنسان في جنيف وافقت مصر من خلالها على أكثر من 97٪ من التوصيات وهذا إنجاز كبير يحسب لمصر. يخبرنا التاريخ أن أوروبا استغرقت سنوات عديدة، والعديد من الحروب الدموية بين شعوبها لغرس الديمقراطية التي نراها اليوم، كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة. كم سنة استغرقت الولايات المتحدة لترسيخ مبادئ ديمقراطيتها، ووضع إطار قانوني مناسب للتغلب على الظلم الاجتماعي وعدم المساواة والتمييز المجتمعي والمؤسسي المتأصل فيها؟ استغرقت قرنًا لغرس المساواة والحقوق للأمريكيين من أصول أفريقية والأقليات، والمزيد من أجل ترسيخ حقوق المرأة في التصويت والمشاركة في التقدم السياسي السليم. وعلى الرغم من ذلك فإننا نرى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان لازالت قائمة في أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل. ويكفينا أن نشير إلى ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة من انتهاكات إسرائيلية في كافة مجالات حقوق الإنسان.
وللتذكير فقط، فإن الصرح الدولي للديمقراطية ليس عملية انتخابية بسيطة على النمط الغربي، أو نموذج ديمقراطي واحد يناسب الكل ويفرض بالقوة. إنها قيمة أعمق من ذلك بكثير. وهي تشمل، ضمن أمور أخرى، التعددية، وبناء المؤسسات، وتداول السلطة، وسيادة القانون، ونزاهة الانتخابات، والمشاركة السياسية، والمساءلة، وتمكين المواطنين. وهي عملية تحتاج إلى الوعي الكامل بجميع عناصر الديمقراطية بما في ذلك الحق في التنمية والتعليم والصحة والعمل والسكن … إلخ، كل ذلك في بيئة مستقرة وشفافة.
يجب القيام بعمل جاد لإصلاح التشريعات والخطط الوطنية بحيث تتماشى مع معاهدات الأمم المتحدة، ومعايير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وأهداف التنمية المستدامة. وعلينا الاعتراف بأن الطريق في الشرق الأوسط مليء بالعثرات وأننا مازلنا على أول الطريق وعلى خلفية من خيبة الأمل والإنجازات المتواضعة، لذلك يجب وضع الأشياء في إطار زمني مناسب. إن الوقت المخصص لتحول ديمقراطي كامل في مصر قصير للغاية بينما الإنجازات ليست قليلة. على الرغم من أن سقف التوقعات مرتفع، فإن وقت التغيير، أي إحداث التغييرات الحقيقية، قد بدأ الفعل منذ عام 2014. وما تحقق في مصر يشبه المعجزة.
وللإيضاح، كانت إحدى التغييرات الأولية بعد أسابيع قليلة فقط من ثورة يناير 2011، هو التصويت على تعديل دستوري من شأنه إلغاء جميع الأحكام المتعلقة بتوريث الحكم والرئاسة الأبدية من الدستور القديم. وقد تم إقرار كل هذه التعديلات على نطاق واسع من خلال الاستفتاء. وتبع ذلك إنجازان فيما تم تعميمه كخريطة طريق في دستور جديد عام 2014 وانتخاب رئيس جديد. وينبغي التذكير بذلك.
اليوم في مصر لن يكون هناك تراجع أو انتكاس. لا عودة إلى الوراء. لقد انتفض الشعب مرتين في عامي 2011 وفي ٣٠ يونيو 2013. إن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحقوق السياسية والمدنية، والحكم الرشيد هي أمور حاضرة بشكل قوي وتظل حاضرة بقوة في الأجندات المدنية ويلعب المجتمع المدني دورًا مهمًا في هذا الصدد.
ومن ثم، فمن المهم إعادة النظر وإعادة تقييم البعد الحقيقي للشعور العام في مصر: الملايين الذين نزلوا إلى الشوارع في 30 يونيو 2013، والمشاعر العامة الكاسحة لأولئك الذين يعانون يوميًا من هجمات الإرهابيين والخسائر، وأكثر من ذلك جراء التفجيرات في المدارس ومحطات المترو وأماكن العبادة ومحطات الطاقة الكهربائية. إن المشاعر العامة قوية وحازمة ورافضة للتعامل مع القتلة أو من يتآمرون ضد الشعب المصري.