أزمة سد النهضة بين الانسداد والانفراج ( 2 )
فبراير 9, 2021تهنئة المجلس للسيدة/ مريم الصادق المهدى لتوليها منصب وزير الخارجية السودانى
فبراير 14, 2021
سفير / د . صلاح حليمه
أعلن عبداللة حمدوك رئيس مجلس الوزراء السودانى وبعد مشاورات واسعة إستغرقت حوالى ثلاثة أشهر عن تشكيل حكومة جديدة ، تضم 26 وزيرا . وتعد هذه الحكومة هى الثانية التى تتشكل عقب الاطاحة بنظام حكم اوتوقراطى سيطرعلى البلاد لمدة ثلاثة قرون ، ليحل محله فى إطارمسيرة ديمقراطية كنتاج لثورة شعبية ، نظام حكم مغاير تماما لسابقه من حيث طبيعته وأسسه وتوجهاته السياسية والاقتصادية . وعلى الرغم من مراعاة الالتزام بمعايير الكفاءة العلمية والوعى السياسى والخبرة العملية فى إختيار أعضاء مجلس الوزراء ، إلا أن التشكيل جاء فى إطار المحاصصة السياسية القائم على توزيع المناصب فى إتساق مع وزن ونسب المكونات الاربعة لمجلس الشركاء ـ أحد الهياكل الرئيسية لنظام الحكم القائم ـ ، الذى يشمل المجلس السيادى ( 2 وزير الدفاع والداخلية ) ، وقوى الحرية والتغيير ( 17 وزير ) رئيس الوزراء ( يمثل مجلس الوزراء )، والجبهة الثورية ( 7 وزراء ) .
واقع الامر ، جاء التشكيل الوزارى الجديد على خلفية إستحقاق باتفاق السلام الموقع بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية فى جوبا فى أكتوبر عام 2020 ، والمتضمن إشراك تحالف قادة الكفاح المسلح فى هياكل السلطة الانتقالية ، تلك الهياكل التى اكتملت تقريبا طبقا للوثيقة الدستورية ولم يتبق سوى المجلس التشريعى ، وبتقدير اجراء تشكيله فى وقت قريب . وإذا كان التشكيل الوزارى بمثابة تحالف بين مكوناته الاربعة ، إلا أنه فى حقيقة الامر يمكن إختزاله فى المكونين الرئيسيين للثورة السودانية ، المكون العسكرى ويتجسد به شرعية الامر الواقع ـ ، والمكون المدنى ويتجسد به الشرعية الثورية ـ مع تغليب الثانى من حيث عدد الاعضاء لتكون السمة الغالبة للحكم مدنيا . وهنا يجب ابراز، أولا ، أن قوى الحرية والتغيير تمثل معظم الاطياف السياسية السودانية الاكثر تأثيرا وفاعلية على المستوى الشعبى ، وثانيا ، أن حزب المؤتمر الوطنى المنحل والمصادر مؤسساته وأمواله والذى انفرد بالحكم على مدى ثلاثين عاما برئاسة البشير، لم تزل بعض رموزه وقياداته طليقة ونشطة وممسكة ببعض مفاصل الدولة ، وتسعى بدعم خارجى لاسقاط وتغيير النظام القائم . وهو الامر الذى قد يفسر ما شهدته سبع ولايات سودانية بالاضافة للعاصمة الخرطوم فى توقيت متقارب ـ وكشفت عنه السلطات السودانية ـ من مخطط لاشاعة الفوضى والتخريب شمل محاولة لحرق ميناء الخرطوم . فلقد اجتاحت البلاد وعقب اعلان التشكيل الجديد وليوم واحد ،مظاهرات وإحتجاجات إتسمت بالعنف واعمال تخريب وسرقة ونهب وتدمير ، قوبلت باجراءات أمنية مشددة واعلان حالة الطوارئ ، واعتقالات لعدد من رموز وقيادات حزب المؤتمر الوطنى .
واقع الامرأيضا إن كانت مهام الحكومة الجديدة قد تحددت ،على لسان رئيس الوزراء ، فى خمس مهام أساسية تشمل الاقتصاد ، والسلام ، والعدالة وعدم الافلات من العقاب ، وتحقيق الامن ، واقامة علاقات خارجية متوازنه، الا أن كل من هذه المهام ينطوى على مهام فرعية عديدة تشكل أعباءا جسيمة تستوجب الدعم والمساندة سواء من محيطة الاقليمى العربى والافريقى وخاصة دول الجوار ومن أبرزهم مصر ، او من محيطه الدولى من المنظمات والمؤسسات المالية الدولية أو الدول والقوى الكبرى . هذا وقد يسهم فى تخفيف من حدة هذه الأعباء ما حققته الحكومة السابقة من إنجازات فى إطار عودة السودان إلى المجتمع الدولى وإنهاء عزلته ، حذف السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ، ورفع العقوبات الاقصادية …..وما أفرزته كل منها من تداعيات سياسية واقتصادية ايجابية وبناءة .
وفى التقدير ، يمكن بلورة اولويات الحكومة السودانية الجديدة فى الاطار المتقدم فى أمرين أساسيين متوازيين ، أولهما ، تحقيق الامن والاستقرار وشيوع السلام فى أرجاء البلاد والمحافظة على وحدة اراضى الدولة وسلامتها الاقليمية فى مواجهة ما تواجه من مخاطر وتحديات داخلية وخارجية ،وثانيهما ، معالجة الاوضاع الاقتصادية المتدهورة خاصة ما تعانية الهياكل الاقتصادية للدولة من خلل جوهرى فى قطاعات إقتصادية عديدة ، آخذا فى الاعتبار سرعة رفع المعاناة عن مواطنيها فى حياتهم المعيشية اليومية .
وبالنسبة للأمر الاول ، يتعين تفعيل إتفاق السلام على الارض خاصة فى ولايات التمرد ، وذلك على محورين ،أحدهما ، بسط الامن داخل تلك الولايات ، وذلك من خلال قوات الامن المشتركة المشكلة مناصفة بموجب الاتفاق من قوات حركات التمرد والقوات المسلحة ، والآخر ، استكمال عملية السلام فى إطار اتفاق السلام على النحو المنشود ، بضم حركتى الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو ، والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور . أما المخاطر الخارجية فهى ذات شقين مصدرهما واحد وهودولة الجوار اثيوبيا ، الاول يتعلق بوأد الأطماع الاثيوبية فى أراضى سودانية بكافة الوسائل المشروعة بما فى ذلك حق اللجوء للقوة المسلحة ، تلك الاطماع التى تنتهج أثيوبيا بشأنها سياسة تحاكى سياسة اسرائيل الاستيطانية بفرض التواجد الاثيوبى فى أجزاء بمنطقة الفشقة كامر واقع ( 10 % من مساحة الفشقة لم تزل تحت سيطرة أثيوبيا ، حيث أقامت بها منشآت ومصانع وطرق ، واستوطنها مزارعون أثيوبيين ) . والثانى أزمة سد النهضة ، بدفع أثيوبيا طوعا أو جبرا نحو التوصل لاتفاق قانونى ملزم عادل ومتوازن يتسق ومصالح الدول الثلاث بموجبة لا يوقع ضررا ولا يهدر حقا لاى طرف . جدير بالذكر أن أثيوبيا تتبنى فى موقفها بصدد أطماعها فى اراضى سودانية وفى أزمة سد النهضة نهجا واحدا يتأسس على عدم إحترام بل وانتهاك صارخ للقوانين والإتفاقات الدولية ذات الصلة المبرمة بين الاطراف المعنية ، بالسعى نحو فرض أمر واقع بممارسات أحادية ، وتبرر موقفها بدعوى انها اتفاقات أبرمت فى عهد الاستعمار بينما كانت أثيوبيا دولة مستقلة فى بعض منها وكانت كل من الدول الثلاث مستقلة فى البعض الآخر .
وبالنسبة للأمر الثانى ،فقد ورث السودان من نظام البشير أوضاعا إقتصادية متدهورة ، تمثلت فى خلل جوهرى وتشوهات فى الهيكل الاقتصادى للدولة ، انخفاض اجمالى الناتج المحلى ، عجز ضخم فى ميزانية الدولة ، تراجع ايرادات الدولة ، تفاقم العجز فى الميزان التجارى تزايد حجم وأعباء الديون الخارجية لتصل إلى سبعين مليار دولار ،صاحب ذلك إرتفاع نسبة البطالة ، إنهيار قيمة الجنية السودانى وزيادة التضخم ، نقص شديد فى توفير الاحتياجات والخدمات الاساسية للشعب السودانى .
وهكذا تواجه الحكومة السودانية تحديات ومخاطر جسام ، ذات طبيعة أمنية واقتصادية بالدرجة الاولى تستوجب دعما قويا وعاجلا فى هذين المجالين، وبأولوية من دول الجوار العربى وخاصة مصر ، لارتباط الامن القومى السودانى بنظيريه المصرى والعربى ، والمتداخل مع الامن والاستقرار فى القرن الافريقى ومنطقة البحر الاحمر التى شهدت مؤخرا إنشاء مجلس الدول العربية والافريقية المتشاطئة على البحر الاحمر ذو الاهداف الاستراتيجية الامنية والتنموية للدول الثمانية الأعضاء به ومن بينهم مصر والسودان .وهنا تجدر الاشارة والتاكيد على دور القطاع الخاص والمنظمات الأهلية فى توفير الدعم المادى والسياسى والشعبى عبر القوى الناعمة فى مجالات عديده ووسائل متنوعة لتعزيز وتعظيم العلاقات المصرية السودانية فى أطرها الرسمية التى تشهد تعاظما وتناميا فى جميع المجالات .